الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836914 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379431 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191288 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2668 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 662 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 948 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1103 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 855 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2022, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت
عبدالواحد الدحمني



تقديم:
شكلت الحياة منبعاً للإحساس بالقلق والخوف، وعجز العقل الإنساني وقصر عن إعطاء تفسير للوجود، وأخفق المنطق في الوصول إلى الحقيقة، ووعى الشاعر العربي القديم، بالتناقض بينه وبين العالم، ودفعه ذلك إلى مواجهته.

ولعل هذا الشعور بالإشكال اقتضى من الشعراء الاستناد إلى الموروث الأسطوري والحكائي القديمين لتفسير الكثير من الظواهر، بل كانوا يستمدون منه مادتهم وأفكارهم ويتفاعلون معه، فغدا تراثا جديرا بالتوظيف وفق رؤية جمالية.

ومن ثمة فمنطلقنا فرضية تزعم أن الإبداع الشعري عند أمية بن أبي الصلت ذو علاقة وثيقة بالميثولوجية والسرد، وهو ما جعل الشعر ينفتح على الأسطورة لخلق أفق جمالي مضخم بمكونات السرد.

النص[2]:
ولا غرو إِلاَّ الدِّيكُ مُدْمنُ خمرةٍ
نَديمُ غُرابٍ لا يَمَلُّ الحَوانِيا

وَمَرْهَنُهُ عِندَ الغُرابِ حَبِيبَهُ
فَأَوْفَيْتُ مَرهوناً وَخَلْفاً مُسَابيا[3]

أَدَلَّ عليَّ الدِّيك أَنِّي كَمَا ترى
فَأَقبِلْ عَلى شَأْني وَهَاكَ رِدَائِيا

أَمِنْتُكَ لا تَلْبَتْ مِنَ الدَّهْرِ سَاعةً
وَلا نِصْفَهَا حَتّى تَؤُوبَ مُآبِيا

وَلا تُدْرِكَنْكَ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِها
فَأَغْلَقُ فِيهم أَوْ يَطولُ ثَوَائيا

فَرَدَّ الغُرابُ ورِداءُ يَحوزُهُ
إِلى الدِّيكِ وَعِداً كَاذِباً وَأَمانيا

بأَيةِ ذَنْبٍ أَمْ بِأَيةِ حُجَةٍ
أَدَعْكَ فلا تَدْعُو عَلَيَّ وَلا لِيا

تَطَيَّرْتُ منها وَالدُّعاءُ يَعُوقُني




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-12-2022, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

تَطَيَّرْتُ منها وَالدُّعاءُ يَعُوقُني
وَأَزْمَعْت حَجّاً أَنْ أَطيرَ أماميا

فَلاَ تَيْأَسَنْ إِنِّي معَ الصُّبْح بَاكراً
أُوَافي غدا نحو الحَجيجِ الغَوَاديا

لِحُبِّ امرئٍ فَاكَهْتُهُ[4] قَبْلَ حجّتي
وآثَرْتُ عَمْداً شَأْنَه قَبْل شَانِيا

هُنَاكَ ظَنَّ الدِّيكُ إذْ زَال زَولُهُ
وَطَالَ عليه اللَّيلُ أَنْ لا مُغَاديا

فَلَمَّا أَضَاء الصُّبْحُ طَرَّبَ صَرْخَةً
ألا يا غُرابُ هلْ سَمِعْتَ نِدَائيا

عَلَى وُدِّهِ لَوْ كانَ ثَمَّ مجيبهُ
وكان لَهُ نَدمانُ صِدْقٍ مُؤَاتيا

وَأَمْسى الغرابُ يَضْربُ الأرضَ كلَّها
عَتِيقاً وأَضْحى الدِّيكُ في القِدِّ عَانِيا

فذلك مما أَسْهَب الخَمرُ[5] لُبَّهُ
ونادمَ نَدماناً من الطَّير عَادِيا


المضمون السردي للنص الشعري:
تحكي القصيدة قصة الديك المرهون عند صاحب خمارة، والسبب انقضاء ماله وإصابته بالإفلاس؛ فقد كان صديق غراب يتنادمان على شرب الخمر، ولعل هذه الصداقة ستجعله يأتمن صاحبه ويعيره جناحيه حتى يأتي بالمال ليفك نفسه، موصيا إياه بالسرعة في القدوم حتى لا تطول إقامة الديك المرهون؛ يقول أمية:
أَمَنْتُكَ لاَ تَلْبَتْ مِنَ الدَّهْرِ سَاعَةً
وَلا نِصْفَهَا حَتّى تَؤُوبَ مُآبِيا

وَلا تُدْرِكَنْكَ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِها
فَأَغْلَقُ فِيهم أَوْ يَطولُ ثَوَائيا


ولكن الغراب أخذ الجناحين واعداً صديقه بالسرعة والعودة باكراً، فطار بعيداً فرحاً بالتحليق في السماء ولم يرجع، وظل الديك ينتظر فطال عليه الليل وأدرك خيانة الغراب، وأنه لا مغيث مما أصابه، ولما طلع الصبح طَربَ صرخة ينادي الغراب ويرجو عودته، ويتساءل عن أيام الود والمودة التي جمعتهما؛ يقول الشاعر:
فَلَمَّا أَضَاء الصُّبْحُ طَرَّبَ صَرْخَةً ♦♦♦ ألا يا غُرابُ هَلْ سَمِعْتَ نِدَائيا

هكذا أصبح للغراب جناحان يطير بهما في السماء ويتجول في أرجاء الأرض حيث يشاء، بينما تحول الديك الذي في الأصل - حسب الأسطورة - صاحب الجناحان إلى أسير لا يفارق الأرض، ولا ينعم بالتحليق، وأضاع كنزا ثمينا أخذه منه الغراب بالحيلة والمكر، وأدرك الديك الصباح فأوقف تفكيره عن انتظار الغراب غير العائد إلى الأبد.


ترصد هذه القصة الشعرية حدث الخيانة بأسلوب رمزي، حيث يبدو الديك وحيدا خائفا من عدم قدوم صديقه، في الوقت الذي تركه الغراب وفضل التحليق عاليا في السماء.

ولعل الشاعر يجعل من الديك الفاقد للحرية قناعا رمزيا لنفسه، بينما الغراب قناعا لأصدقائه وللمجتمع عامة، وإذا كان الأمر كذلك فإن أحداث الخيانة في القصة الحيوانية تكاد تكون مشابهة في مشهدها لما يلقاه شخص ما في الحياة الإنسانية.

إن أمية في هذه القصة الشعرية يعمل على تشكيل الواقع الأسطوري وفق رؤية جمالية تكشف عن تناقضات الحياة؛ فهل يمكننا القول إن الشاعر يصنع أسطورته الخاصة؟ خصوصا أنه لا يروي أحداثا جرت في الماضي وانتهت، وإنما يصور صراعا أبديا تعرفه الحياة الإنسانية، وهو صراع موجود على الدوام ومظهر من المظاهر الحياتية التي قد تصيب الإنسان في أي وقت وحين.

من نص الأسطورية إلى جمالية النص الشعري:
إن الشاعر في هذه القصيدة يسترفد من الإرث الأسطوري القديم، في حديثه عن خداع الغراب للديك؛ وهي أسطورة معروفة عند العرب فقد "كانوا يقولون: إن الديك كان نديما للغراب فرهنه على الخمر وغدر به، ولم يرجع، وتركه عند الخمار، فجعله الخمار حارسا"[6].

والأسطورة في هذا النص الشعري القصصي تعلل سبب فقد الديك لجناحيه، وتبين صياحه كل صباح لكنها لا تكتفي بهذا، بل تجلي حقيقة الغراب المتسمة بالخيانة والغدر، "فالغراب عند العرب مع هذا كله، قد خدع الديك وتلعب به، ورهنه عند الخمار، وتخلص من الغرم، وأغلق عند الخمار، فصار له الغنم وعلى الديك الغرم"[7].

وواضح أن صفات سمات الخداع والخيانة والمكر ترتبط بالغراب أكثر من غيره في المعتقدات العربية، وتؤكد موقف العرب من هذا الحيوان وتشاؤمهم به؛ إذ إن "الغراب من لئام الطير وليس من كرامها، ومن بغاتها وليس من أحرارها... إن أصاب جيفة نال منها وإلا مات هزلا"[8]، في مقابل الديك الذي يحمل في العقلية العربية معاني الخير والفضل؛ فقد "رووا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا"[9].

وفي الثقافة العربية يوحي الغراب بالسوداوية والنظرة التشاؤمية في الحياة من جراء أفعاله القبيحة، إضافة إلى لونه الأسود الذي يتطابق مع أعماله وتصرفاته؛ فسمي بغراب البين في كثير من الأحيان، إذ كان إذا "بان أهل الدار للنجعة، وقع في مرابض بيوتهم يلتمس ويتقمم، فيتشاءمون به ويتطيرون منه"[10].

وكما يتضح من القصة الشعرية لأمية، أنه يستند إلى هذا الإرث الأسطوري الذي ضمنه القصيدة كلها، والتي أراد من خلالها استخلاص العبرة وتأكيد موقف العرب من الغراب، من خلال استحضار الأحداث والاستفادة من التراث العربي القديم، الذي أثر في مخيلة الشعراء، وهو ما يفيد أن طبيعة الشعر القديم كانت دائما منفتحة على مختلف الأنواع والأنماط الأخرى.

إن أمية في هذا النص القصصي الشعري يعمد إلى استثمار قصة سيدنا نوح عليه السلام مع الغراب؛ فقد "بعث نوح غرابا يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها واشتغل عن الرجوع، فدعا عليه نوح بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت، ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد جفت"[11]. ومن ثم خان الغراب العهد والأمانة وأضحى بذلك رمزا للنكد والتشاؤم والنسيان والبطء، حتى غدا مثلا يضرب فيقال "لا يرجع فلان حتى يرجع غراب نوح"[12].

وفي التوراة أن نوحا "أرسل الغراب، فخرج مترددا حتى انشقت المياه عن الأرض ثم أرسل الحمامة..."[13]، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه أحد الباحثين حيث يقول: "في التوراة أن سيدنا نوح أرسل الغراب، بعد أربعين يوما من سير سفينته في الطوفان، لينظر هل انحسر الماء، فمضى ولم يعد"[14].

والمتأمل في قصة الغراب سواء عند العرب أو غيرهم يجدها تحمل نفس الدلالات وترمز إلى معاني الشؤم والخيانة، فالغراب في قصة نوح عليه السلام تشخيص للنسيان والبطء وقلة العناء والدناءة وانقطاع الرجاء، كما أن فيه معنى الموت و الافتراس والغوائل[15].

وفي إطار التفاعل الثقافي مع جميع المكونات المحيطة بالشاعر، نجد أمية في هذه القصة الشعرية يتخذ من أسطورة الديك والغراب موضوعة قناعية لتمرير ثقافته الذاتية حول جملة من المفاهيم التي تصطدم بها الذات الإنسانية في هذه الحياة، ولعل من أبرزها مواجهة الذات لثنائية الخير والشر، وصراعهما الأبدي، بل الشاعر يعمق من الصراع ويبقى في شك مستمر لكل ما يضمره القدر؛ وقد يقول أحد إن القصة هنا دلالة ورمز لمن نعتقد أننا نساعده، فإذا بنا نصبح في حاجة إلى المساعدة؛ عندما يتحول الخير شرا، ويصبح القوي ضعيفا محتاجا إلى مد يد العون.

إن ما يربط الشعراء عموما بالتراث القديم والأساطير وثقافات الديانات السابقة وتاريخ الأمم والشعوب، "هو تلك السمات التي تتمتع بها هذه الأساطير ومنها القدرة على التشخيص والتمثيل، ومنح الحياة للأشياء الجامدة"[16]، وجعل الحيوانات تتكلم وتتصرف مثل الإنسان؛ فالديك والغراب يتنادمان ويتكلمان ويمارسان حياة شبيهة بحياة البشر، ويتجاذبان أطراف الحديث لقضاء شؤونهما، وفي هذا بعض من السمات الأسطورية التي تعود إلى الزمن البدائي.

إن الشاعر في هذه القصيدة يعمل على خلق عالم غير متوازن؛ فيه الوفاء والخيانة والصداقة والغدر مثله في ذلك مثل العالم الأسطوري للديك والغراب، وهو ما يفيد أن النص يصنع أسطورته الخاصة؛ بحيث لا نجد أنفسنا أمام نص الأسطورة كما يرويها ابن قتيبة والجاحظ وغيرهما، بل أمام أسطرة للنص الشعري؛ ففي الشعر عالم مواز للعالم الأسطوري ولعالم الواقع كذلك، ومن هنا يغدو الشعر رؤية جمالية للوجود الإنساني؛ فأمية غير مشدود إلى الأسطورة للحديث عنها في ذاتها، بل يستعملها في كشف اختلالات الواقع وثنائيات الحياة وتحولات الإنسان، ومن خلالها يقدم رؤيته للكون والواقع معا؛ الواقع الحياتي الذي لا يستقر على حالة واحدة، فالشاعر يرى أن الخيانة قد تصيب الإنسان في حياته حتى من أقرب الناس إليه ويبين كيف تنقلب الأدوار وتتغير الأحوال، ويصبح الغني فقيرا، والوفي خائنا، والحر عبدا، وما فعله أمية في هذا النص هو توظيف الأسطورة توظيفا جديدا، عبر بها عن الواقع الاجتماعي، وبذلك نقل نص الأسطورة من دلالاته وايحاءاته الحقيقية إلى رؤية فنية وجمالية للحياة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-12-2022, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت
عبدالواحد الدحمني




جمالية القصيدة ومكونات السرد:
إن للقصيدة الشعرية صياغتها الجمالية الخاصة، وبلاغتها المتميزة من قبيل الصور الشعرية واللغة الإيحائية والإيقاع الموسيقي و...، لكن هذه البلاغة تلتقي في جوانب كثيرة مع بلاغة الأنواع السردية الأخرى وتستجيب لمعاييرها، فتعتمد الخيال، وتوظف اللغة التقريرية وتستند إلى التراث الحكائي الأسطوري وتعتمد على مكونات السرد.. الشيء الذي يجعل النص الشعري منفتحا على إبداعات جمالية أخرى.

أ- اللغة الشعرية والفضاء:
والمتأمل لعوالم النص الجمالية، والمتفحص لانبنائه الداخلي، ليكشف أننا أمام قصة شعرية تبدو بسيطة للغاية، لكن هذه البساطة لا تمنع من تضافر جملة من العناصر السردية ساهمت في إبراز المحكي الشعري، فـ"كل قصيدة... في مستوى من المستويات محكي"[17]، والنص إلى جانب احتوائه على المكونات الأسطورية، فإنه يتميز بأسلوب قصصي حكائي؛ باعتبار "الأسطورة... قبل شيء حكاية"[18] تبرر وجود العالم وتعلل أصل الأشياء والكائنات، لهذا نجد الشاعر بوصفه راويا يحكي خبرا أسطوريا في قصة شعرية تتميز باستثمار العديد من عناصر السرد.

يكشف النص عن وجود قوتين فاعلتين في النص تنتميان إلى جنس الحيوان، إضافة إلى راو يحكي تفاصيل الأحداث على لسانهما، ويتدرج في نقلها إلى المتلقي معتمدا أسلوب الحوار مع التركيز على دواخل شخصياته الحكائية، ليصل بعد ذلك إلى ذروة الأحداث، حيث طال انتظار الديك ويئس من عودة الغراب، الذي أضحى محلقا في الأجواء، بعدما كان لا يبرح الأرض، وبعد أن خان صديقه وتركه مرهونا لا يقدر على رد الدين.

وإذا كانت هذه الأحداث يضطلع بها كل من الديك والغراب، فإنها تفرض فضاء مكانيا وزمنيا تجري فيهما، والشاعر منذ البداية يحدد المكان "الحواني" ويورده بصيغة الجمع تأكيد منه على كثرة تردد هاتين الشخصيتين على مثل هذه الأمكنة.

إن الحانة أو "الحواني" هو المكان الحقيقي الذي تقع فيه الأحداث بين الديك والغراب إلا أنه مع توالي الأحداث نكشف عن انفراد الديك بهذا المكان بعد أن تركه الغراب؛ ومن ثم تصبح "الحواني" مكانا لرهن الديك.

وعند التدقيق في النص الشعري الذي بين أيدينا نلاحظ أن المكان يشكل نقطة رئيسة لبلوغ المقاصد الخفية منه، فأحداث النص تتموضع في حيز بيئي واحد يتجلى في الحانة، لكن السارد لا يعمد إلى مد القارئ بمعلومات عنه، وكأنه بذلك يؤكد على تجاوز البعد الطبيعي للمكان، تاركا للقارئ فرصة التأويل؛ وبالتأكيد إذا كان هذا المكان في الواقع يدل على المتعة واللذة والحرية، فهو في هذا النص قد سلب من سماته الإيجابية وأضحى رمزا للحبس والقيد، بل إنه يوحي بالشر ويورث الشقاء، لقد كان سببا في فقدان الديك لجناحيه.

وإضافة إلى الفضاء السابق نقف على مكان آخر مجازي هو الأرض؛ يقول الشاعر:
وَأَمْسى الغرابُ يَضْربُ الأرضَ كلَّها ♦♦♦ عَتِيقاً وأَضْحى الدِّيكُ في القِدِّ عانيا
فالأرض أصبحت ملكا للغراب وحده، بعد أن خان الديك وغدر به.

أما الزمن فيتضح أنه يتسم بالطول، حيث يبتدئ من الليل ويستمر إلى طلوع الصبح ليمتد بعد ذلك إلى مالا نهاية؛ ويمكن أن نتلمس ذلك في ما يلي:
(ولا تدر كنك الشمس عند طلوعها).
(فلا تيأسن إني مع الصبح باكرا).
(طال عليه الليل أن لا مغاديا).
(فلما أضاء الصبح طرب صرخة).

وقد جسد السارد من خلال الزمن معاناة الديك الدائمة وكأنه يريد إثبات أن هذه المعاناة لا بداية لها ولا نهاية، صحيح أن القصة الشعرية تمتلك زمنها الخاص المختلف عن الزمن التاريخي رغم أنها تأخذ الكثير من سماته، إلا أن هذا الزمن المنحصر في البيت الشعري أو في النص الشعري القصصي بصفة عامة، تضطلع اللغة الشعرية فيه بدور هام يتمثل أساسا في تصوير إحساس الغراب بالخيانة وإبراز القهر الذي اعتراه من تصرفات الغراب.

ولعل أهم ما يميز اللغة الشعرية في ذكر الفضاء، أنها لا تشكل وجودا قائما بذاته، وإنما يطمح الشاعر من خلالها إلى التعبير عما تحس به الذات من مشاعر وتدركه من مشاكل وتناقضات؛ فالشعر يتجاوز التعبير عن الذات إلى الحديث عن هموم الآخرين وتصوير معاناتهم وفق أسلوب قصصي متميز. كما أن هذه اللغة الحكائية النابعة من جنس الشعر تجنح إلى التركيز والإيجاز بحكم طبيعة الشعر، مما يجعل الشاعر يذعن لمقومات الشعر فيما يصوغه من قصص شعرية، "ولعل أبرز سمة واضحة تميز الأسلوب القصصي في الشعر من نظيره في النثر، هي أن لغة الشعر تنأى عن الجزئيات والتفاصيل التي تصرف الفكر عن التدبر والاعتبار"[19]، فاعتماد سمة الإيجاز وما يجري مجراها من حذف فضول الكلام والاختصار سمات توخى الشاعر من خلالها رواية الأحداث، إيمانا منه أن الصناعة الشعرية القصصية قائمة في أحد وجوهها على الحذف والإيجاز خلافا للنثر الذي يفرض الإطالة وتقصي دقائق الأشياء.

ب- الشاعر ووظيفة القص:
يبدو السارد لهذه القصة الشعرية عارفا بتفاصيل الأحداث والشخصيات؛ إذ لا يكتفي بالوصف الخارجي ورصد تصرفات كل شخصية، بل يعمد إلى اكتناه نفسيتهما، والكشف عما يختلجها من أحاسيس الخيبة والرهن والانهزام (الديك)، والغدر والخيانة والانتصار (الغراب)، وذلك في أسلوب سردي متدرج، يعتمد تقنية الرؤية من الخلف التي تفرض أن "يكون السارد أكثر معرفة من الشخصية"[20]؛ فالسارد/الشاعر عارف بما يختلج نفوس شخصياته الحكائية من رغبات، إلا أنه لا يشارك في الأحداث؛ بل يساهم في تنظيميها معتمدا ضمير الغائب.

كما أن السارد يلجأ في بناء الأحداث ورسم الشخصيات إلى الحوار، وإذا كان الحوار-عادة ما- يتم بين شخصيتين إنسانيتين أو أكثر؛ فإن أمية في هذه القصيدة يقتصر في إدراج الحوار بين الحيوانيين بهدف إبراز تصرفات كل واحد على حدة، وهو في ذلك يروم كشف تصرفات الغراب تجاه الديك يقول الشاعر على لسان الديك والغراب:
أَمَنْتُكَ لاَ تَلْبَتْ مِنَ الدَّهْرِ سَاعَةً
وَلا نِصْفَهَا حَتّى تَؤُوبَ مُآبِيا

وَلا تُدْرِ كَنِكَ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِها
فَأَغْلَقُ فِيهم أَوْ يَطولُ ثَوَائيا

فَرَدَّ الغُرابُ والرِداءُ يَحوزُهُ
إِلى الدِّيكِ وَعِداً كَاذِباً وَأَمانيا

... فَلاَ تَيْأَسْنَ إِنِّي معَ الصُّبْح بَاكراً
أُوَافي غدا نحو الحَجيجِ الغَوَاديا


فأسلوب الحوار في هذه الأبيات يبرز أحاسيس الغراب ونيته في المكر والخديعة، كما أن هذا الأسلوب يعمل على نقل ما يروج في ذهن كل شخصية من أفكار، ويكشف في النهاية عن تجسيد أفعال الغراب الدنيئة والتأكيد على معاناة الديك، كما يعمل على مشاركة المتلقي في الأحداث وتأكيد موقف العرب-عموما- من الغراب.

صحيح أن هذه المكونات الفنية السابقة تستمد قوتها من انتمائها إلى جنس السرد، لكن الشاعر ينزع نحو صياغتها باستحضار المكونات الأساس لجنس الشعر؛ فتوظيف الشخصيات والحبكة والفضاء والحوار والرؤية السردية... تلتحم جميعها لتشكيل صورة عامة للخيانة، وللتعبير عنها في الحياة الإنسانية، مما يدفع المتلقي إلى الاقتناع أنه أمام نص شعري قصصي له مقوماته الفنية الشعرية التي تحقق جنسه، ولكنه منفتح على مكونات أجناس أخرى؛ وبالتالي يمكن اعتباره نصا شعريا قصصيا محكيا سرديا، ولعل هذا التصور قد يدفع بنا إلى إعادة دراسة جنس الشعر العربي القديم وتقسيمه إلى نوعين هما:


وبطبيعة الحال لا نغفل وجود مكونات مشتركة بينهما، وفي هذه الحالة يمكننا الاعتماد على العناصر المهيمنة في كلا النوعين.

دلالة الغراب وجدلية التماثل والتميز:
لاحظنا كيف أن الشاعر أمية عمل على استثمار أسطورة الديك والغراب وفق رؤية جمالية وإنسانية صور من خلالها صفتي الخيانة والغدر، دون أن يكرر الأسطورة كما رواها الرواة، ولما كان الأمر كذلك وجب النظر إلى النص القصصي الشعري باعتباره نتاج سياق ثقافي مرتبط بالتراث الضارب بجذوره في التاريخ الديني والأسطوري والشعري...، ولزم أن تتم قراءته وفق التماثل والتميز والاتباع والابتداع للكشف عن جماليته الشعرية، "ولا غرو.. أن تتداخل عناصرهما تداخلا منسجما يعطي النصوص الأدبية -حتى لو تقاربت معانيها، وتشابهت مبانيها، وتماثلت ملابساتها - ذوقا خاصا، وطعما متميزا، لأن لكل شاعر طريقته في القول، ومذهبه في الشعر، وأسلوبه في الصياغة والنسج"[21].

وعلى هذا النحو يغدو توظيف دلالة الغراب عند الشعراء وفقا للمقصدية التي يريدها كل واحد؛ بحيث أمامهم تراث ديني وذخيرة حكائية تشكل مورد الإلهام الشعري، ومصدرا لنظم الشعر وفقا لطريقة إبداعية وجمالية تجعل من هموم الإنسان من أولوياتها الفنية.

وانطلاقا من هذا التصور فقد ورد -أولا- ذكر للغراب في قصة ابني آدم قابيل وهابيل؛ فلما قتل قابيل هابيل ندم على فعله فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل، فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقار فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يضع عليه التراب حتى واراه؛ يقول الله سبحانه وتعالى (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويليتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين)[22]، وبذلك يكون الغراب صاحب رسالة نبيلة؛ فهو الذي علم قابيل وذله إلى كيفية دفن أخيه، إلا أن هذه الصورة الإيجابية غير مستقرة؛ فالحيوان نفسه هو من خان سيدنا نوح عليه السلام كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وفي سياق هذه الوضعية غير الثابتة التي يمكننا أن نسميها بالتماثل والتميز؛ نجد أمية بن أبي الصلت يجعل من الغراب دلالة على الشؤم والغدر والخيانة، وهو في ذلك يحافظ على السمات والأفعال التي تميز بها الغراب في قصة سيدنا نوح عليه السلام. ويسير على مذهبه الشعري في التصوير السلبي للغراب الشاعر النابغة الذبياني؛ حيث يقول[23]:
زَعَمَ الغُرَابُ بأَنَّ رِحْلتَنا غداً ♦♦♦ وَبِذَاكَ خَبَرَنا الغُدافُ الأَسْوَدُ[24]

إن النابغة يرى في نعيب الغراب نذير شؤم وفراق لمن يحب، فالغراب يسبب بنعيبه الرحيل، وقد كان العرب "يتطيرون به، ويسمونه حاتما؛ لأنه يحتم عندهم بالفراق"[25] إلا أن هذه الدلالة الرمزية للغراب قد نجد من يجعها في خدمة أغرضه ومقاصده الخاصة، فتصبح رمزا لغويا للانتقاص من الآخرين والحط من قيمتهم والتشفي بهم؛ وهذا ما قام به عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه "يوم أحد"؛ يقول[26]:
يَا غُرابَ البَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ
إِنَّما تنطقُ شيئاً قَدْ فُعِلْ

لَيْتَ أَشْيَاخِي ببدرٍ شَهَدوا
جَزعَ الخَزْرَجِ من وَقعِ الأَسَلْ
إذا أخذنا النِّصفَ من سَادَتهم
وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فاعتدلْ
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-12-2022, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت
عبدالواحد الدحمني




ويبدو الشاعر مسرورا لما أصاب المسلمين يوم أحد، وهذا الفرح والسرور جاء في سياق الشماتة والانتقاص من قيمة المسلمين؛ فالشاعر يتمنى لو كان قتلى المشركين أحياء ليروا انتكاسة المسلمين يوم أحد، ولكن ابن الزبعرى يزيد من إذكاء روح العداوة، فيطلب من الغراب أن يستمر في النعيب لأنه نذير شؤم ليس للشاعر بل لأعدائه، فيتحول رمز الغراب إلى أداة تسر الشاعر ويستمتع بها، في مقابل جلب الشؤم لأعدائه.


ويوجد من الشعراء من شك في هذه الرمزية المتصلة بالغراب الأسود الدال على الشؤم، بل جعل هذا الإحساس نابعا من اعتقادات ونفسية الإنسان ونظرته إلى الحياة؛ فقال علقمة الفحل مثلا[27]:
وَمَنْ تَعَرَضَ للغِرْبَانِ يَزْجُرُها
عَلى سَلاَمَتِهِ لاَبُدَّ مَشْؤُومُ

وَكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ
عَلى دَعَائِمِهِ لاَبُدَّ مَهْدُومُ


إن الشاعر يجعل الإنسان هو المسؤول عن نظرته إلى الحياة من ناحية حلاوتها أو تعاستها، ويختلف هذا الموقف وفق ما يتعرض له في حياته من أفراح وأحزان؛ فالإنسان الذي يتشاءم بالغربان ويتعرض لها كي يطردها خوفا من إصابته بالشؤم فلابد -حسب الشاعر- أن يقع له ما يحذر ويخاف، حيث لا دخل للطير في ذلك.

ومن الشعراء من برأ الغراب مما نسب إليه، واعتبره مجرد خرافات خلقها الإنسان واعتقد بها؛ يقول بشار بن برد:[28]
وَرَبِّ مِنًى لَقَدْ كَذَبُوا عليْها ♦♦♦ كَمَا كَذَبَ الوُشَاةُ عَلَى الغُرَابِ

وبالإضافة إلى هذا التماثل في المعاني بين الشعراء وسمات التميز في توظيفهم لدلالة الغراب، نجد البعض يرمز للغراب بالخيانة، ويسند إليه صفات الأنانية وحب الذات؛ يقول أحد الشعراء:[29]
يُواسي الغرابُ الذئبَ في كلِّ صيده ♦♦♦ وما صَادَت الغرْبانُ في سَعَفِ النَّخْلِ

فالغراب لا يشارك الذئب في طعامه، كما يشارك الذئب الغراب في صيده، بل إن الغراب يتبع الذئب ليأكل ما يفضل من صيده، إلا أن الغراب يبتعد بصيده بعيدا عن الذئب؛ فالشاعر يجعل الغراب مخلوقا أنانيا يستأثر بالخير فلا يشرك الذئب في طعامه.

ووفقا لهذه الدلالات المتراوحة بين الإتباع والابتداع، يتبين أن كل شاعر يعمل على تجاوز الواقع والدلالات الحقيقية للغراب، ليخلق عالما تخييليا ورمزيا، يروم من خلاله إيهام القارئ بصدق تجاربه، ويتعدى ذلك إلى بناء رؤية فنية وجمالية يقوم عليها الشعر أساسا.

ختاما:
يبقى نص "الديك والغراب" إذن قصيدة شعرية جميلة، فهو نص غني بمادته السردية وبأفانين الصنعة، وعلى قدر كبير من التحبيك الفني المتناغم مع المكونات الشعرية من قبيل اللغة الشعرية والإيقاع الموسيقى والإيجاز...

لقد تحقق في هذا النص امتزاج الشعري بالسردي، والواقعي بالخيالي، والأسطوري بالشعري، واستطاع الشاعر بشكل فعال ومؤثر أن يفلح في نقل المتلقي إلى عالم شعري غير مألوف لما عهده.

وفي هذا السياق يمكن أن نخلص إلى ما يلي:
يغلب على النص النمط الحكائي، إلى جانب حضور بارز للتقريرية، بسبب الاستناد إلى الحكاية الأسطورية، ولكن هذا الحضور التقريري أضحى حضورا شعريا يتناغم ولغـة الشعر.

استخدام الشعر القديم -في كثير من الأحيان- لطرائق التصوير السردي.
ضرورة تغيير النظرة إلى الشعر العربي القديم ورفع الغنائية "الصِّرفة" عنه.
استناد الشعراء القدامى إلى مكونات وسمات تنتمي إلى أنواع أدبية أخرى.

دراسة الشعر العربي القديم وفق مقاربة السردي والشعري، والواقعي والخيالي، وجدلية الإتباع والابتداع كفيل بالوصول إلى نتائج جديدة مغايرة للتكرار الذي تعرفه الكثير من الدراسات حول الشعر العربي القديم.

المصادر والمراجع:
القرآن الكريم (رواية ورش).

المصادر:
ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، (د.ت).
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، بيروت، دار الثقافة، الجزء1، (د.ت).
أحمد صقر، شرح ديوان علقمة الفحل، تقديم: زكي مبارك، القاهرة: مطبعة المحمودية، الطبعة1، 1935.
الثعالبي، التمثيل والمحاضرة، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، الطبعة:2، 1983.
الثعالبي، قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس، بيروت، دار الفكر، الطبعة1، 1412/1991.
الجاحظ، الحيوان، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، منشورات المجمع العلمي العربي، الجزء الثاني، الطبعة:3، 1969.
ديوان أمية بن أبي الصلت، جمعه وحققه وشرحه: سجيع جميل الجبيلي، بيروت: دار صادر، الطبعة1، 1998.
ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق وشرح: محمد الطاهر بن عاشور، الجزائر: وزارة الثقافة، 2007.
ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر: دار المعارف، الطبعة 2، (د.ت).

المراجع:
أحمد إسماعيل النعيمي، الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام، القاهرة: سينا للنشر، الطبعة1، 1995.
ربحي كمال، دروس في اللغة العبرية، بيروت: دار النهضة العربية، 1978.
مجموعة من الباحثين، طرائق تحليل السرد الأدبي، الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة 1، 1992.
محمد الأمين المؤدب، في بلاغة النص الشعري القديم، معالم وعوالم، تطوان، المغرب: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الخليج العربي، الطبعة 2010.
محمود سليم الحوت، في طريق الميثولوجيا عند العرب، بحث مسهب في المعتقدات والأساطير العربية قبل الإسلام، بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة2، 1979.
عبد الله الطيب، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، بيروت: دار الفكر، المجلد الثاني، الطبعة 1، (د.ت).


المقالات:
علاقة الشعر بالأسطورة، قراءة في المكونات والأصول، مجلة الموقف الأدبي، العدد 394 شباط 2004، من الموقع الالكتروني لاتحاد كتاب العرب
يونس لوليدي، علم الأساطير العربية من وجهة نظر بعض الدارسين العرب، مجلة الفيصل العدد 236، صفر 1417 يونيو يوليوز 1996.
Jean Yves Tadié: Le récit Poétique. PUF, 1978.


[1] عبدالواحد الدحمني: أستاذ وباحث من المغرب. (صدرت هذه الدراسة في مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد 96، شتاء 2016).

[2] ديوان أمية بن أبي الصلت، جمعه وحققه وشرحه: سجيع جميل الجبيلي، بيروت: دار صادر، الطبعة1، 1998، ص: 153 - 154. وأنظر كذلك الحيوان، الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، منشورات المجمع العلمي العربي، الطبعة3، 1969، ج 2 ص: 325 - 326.

[3] المسابي: من سبأ الخمر إذا اشتراها.

[4] فاكهته: مازحته.

[5] أسهب الخمر: ذهب بلبه.

[6] ابن قتيبة، الشعر والشعراء، بيروت: دار الثقافة، (د.ت)، ج 1، ص: 370.

[7] الحيوان، ج 2، ص: 391.

[8] نفسه، ج 2، ص: 313 - 314.

[9] محمود سليم الحوت، في طريق الميثولوجيا عند العرب، بحث مسهب في المعتقدات والأساطير العربية قبل الإسلام، بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة2، 1979، ص: 224.

[10] الحيوان، ج 2 ص: 315.

[11] الثعالبي، قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس، بيروت: دار الفكر، الطبعة 1، 1412/1991، ص: 60. وفي الحيوان للجاحظ "أن نوحا صلى الله عليه وسلم حين بقي في اللجة أياما بعث الغراب، فوقع على جيفة ولم يرجع" ج 2 ص: 321.

[12] الحيوان ج 2، ص: 318.

[13] ربحي كمال، دروس في اللغة العبرية، بيروت: دار النهضة العربية، 1978، ص: 455.

[14] عبد الله الطيب، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها بيروت: دار الفكر، الطبعة1، المجلد 2، ص: 911.

[15] نفسه، ص: 911.

[16] علاقة الشعر بالأسطورة، قراءة في المكونات والأصول، مجلة الموقف الأدبي، العدد 394 شباط 2004، ص: 5. من الموقع الالكتروني لاتحاد كتاب العرب.

[17] Jean Yves Tadié: Le récit Poétique. PUF, 1978 , p: 6.

[18] يونس لوليدي، علم الأساطير العربية من وجهة نظر بعض الدارسين العرب، مجلة الفيصل العدد 236، صفر 1417 يونيو يوليوز 1996، ص: 29.

[19] أحمد إسماعيل النعيمي، الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام، القاهرة: سينا للنشر، الطبعة 1، 1995، ص: 308.

[20] مجموعة من الباحثين، طرائق تحليل السرد الأدبي، الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة1، 1992، ص: 58.

[21] محمد الأمين المؤدب، في بلاغة النص الشعري القديم، معالم وعوالم، تطوان، المغرب: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الخليج العربي، الطبعة 2010، ص: 114.

[22] سورة المائدة، الآية: 31.

[23] ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر: دار المعارف، الطبعة 2 (د.ت)، ص: 89.

[24] الغداف: السابغ الريش.

[25] ديوان النابغة الذبياني، ص: 89.

[26] ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، ص: 198.

[27] أحمد صقر، شرح ديوان علقمة الفحل، تقديم: زكي مبارك، القاهرة: مطبعة المحمودية، الطبعة 1، 1935،ص: 67.

[28] ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق وشرح: محمد الطاهر بن عاشور، الجزائر: وزارة الثقافة، 2007، ص: 228.

[29] الثعالبي، التمثيل والمحاضرة، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، الطبعة 2، 1983، ص:369.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 115.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.15 كيلو بايت... تم توفير 3.26 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]