علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 357 - عددالزوار : 67118 )           »          فأين تذهبون | دورة الإستعداد لرمضان 1446هـ | الشيخ محمد حسين يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 282 )           »          جامع الصدقات له مثل أجر المتصدقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          حديث: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أهمية التقنية في خدمة علوم السنة النبوية: مشروع الإسناد المتعدد لصحيح مسلم أنموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3071 - عددالزوار : 297244 )           »          تفسير سورة الأعلى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          التسلسل الزمني لأسباب النزول وأثره في تفسير القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تفسير سورة البينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أثر بث التسجيل الأول للمصحف المرتل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 25-01-2023, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى



علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (11)
تابع الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات المتواترة










كتبه/ ياسر محمد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد مَرَّ بنا في أحداث هذه السلسلة الحديث عن الأحرف السبعة، وعلاقتها بالقراءات المتواترة، ونقف في هذا المقال على قراءات الأئمة السبعة وصلتها بالأحرف السبعة.

فليست الأحرف الواردة في الأحاديث هي قراءات الأئمة السبعة؛ للآتي:

أولًا: أن هذا يلزم منه بقاء الأحرف السبعة وعدم نسخ شيء منها، وهذا مخالف لإجماع الأمة: أن الأحرف السبعة كان سبب نزولها في البداية التيسير على الأمة.

ثانيًا: فعل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه من كتابة المصاحف المقروء بها اليوم، وحرقه ما سواها؛ يؤكِّد بطلان هذا الرأي.

ثالثًا: أنه يلزم من ذلك الرأي: عدم صحة القراءات غير السبعة: كأبي جعفر، ويعقوب، وهذا خلاف الإجماع.

رابعًا: أن كل الأئمة السبعة من القُرَّاء تلقَّى عنهم كثيرون بروايات مختلفة، وهذه الروايات بمثابة قراءة الإمام؛ فلو كانت الأحرف السبعة قراءات الأئمة السبعة لما استطعنا إحصاءها مِن الكثرة.

قال العلامة أبو شامة: "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الأحاديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة؛ إنما يظن ذلك بعض أهل الجهل، فالصواب أن قراءة الأئمة السبعة، بل العشر المقروء بها اليوم، جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وورد بها حديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، وهي موافقة لآخر عرضة، عرض فيها جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وأخرج ابن أَشْتَة عن ابن سيرين قال: "القراءة التي عُرِضَت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قُبِض فيه هي قراءة الناس اليوم، وهذه القراءات العشر موافقة لخط المصاحف التي وجهها الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، وأجمع الصحابة عليها" (أبحاث في القرآن الكريم للشيخ القاضي).

وفي شرح "طيبة النشر في القراءات العشر" لأبي القاسم النويري: ذكر أن هذه الأحرف السبعة متفرقة في القرآن، وقال: "لا شك في ذلك، فمَن قرأ ولو بعض القرآن بقراءة معينة اشتملت على الأوجه المذكورة؛ فإنه يكون قد قرأ بالأوجه السبعة دون أن يكون قد قرأ بالأحرف السبعة".

وقد ذكر أيضًا: أن المصاحف العثمانية اشتملت على جميع الأحرف السبعة، وهذه مسألة عظيمة فذهب إلى ذلك القول جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين؛ بحجة أن الأمة يحرم عليها ترك شيء من السبعة، وخالفهم الجمهور إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسم المصحف من الأحرف السبعة فقط، بناءً على العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي عليه الصلاة والسلام.

قلتُ: وهو الظاهر؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المستفيضة تدل عليه، وهذا يدل على أن القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم في كلِّ الأمصار هي جميع الأحرف السبعة أو بعضها.

وقال إمام عصره ابن تيمية: "ولا نزاع بين العلماء المعتبرين: أن الأحرف السبعة ليست القراءات السبعة؛ ولذلك لم يتنازع العلماء في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة، بل مَن ثبت عنده قراءة متواترة مستوفية للشروط والأركان؛ فله أن يقرأ بها بلا نزاع، بل أكثر العلماء الذين أدركوا قراءة حمزة بن حبيب الزيات: كسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث، وغيرهم، يختارون قراءة أبي جعفر، وشيبة بن نصاح، وقراءة شيوخ يعقوب على قراءة حمزة" (نقله ابن الجزري في منجده عن فتوى ابن تيمية).

وقال الحافظ الذهبي: "وما رأينا أحدًا أنكر الإقراء بمثل قراءة يعقوب وأبي جعفر".

وقال الكواشي في تفسيره: "ما اجتمعت فيه الشروط الثلاثة فهو من الأحرف السبعة؛ سواء وردت عن سبعة، أو سبعة آلاف".

ونقل أبو القاسم النويري استفتاءً عن العلامة السبكي في القراءات المقروء بها اليوم: هل هي متواترة أم لا؟ وهل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواتر أم لا؟ وما الذي يجب على مَن جحدها أو حرفها؟

فأجاب قائلًا: "القراءات السبع التي نقلها الشاطبي، والثلاثة التي نقلها ابن الجزري متواترة معلومة من الدِّين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحدٌ من العشرة معلوم من الدين بالضرورة؛ أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل، وليس التواتر مقصورًا على القارئ فحسب، بل هي متواترة عند كلِّ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولو كان مع ذلك عاميًّا جلفًا لا يحفظ من القرآن حرفًا" (انتهى بتصرف من شرح طيبة النشر للإمام ابن الجزري).


وأخيرًا: قلتُ: ومِن أقوى الأدلة على أن الأحرف السبعة ليس المراد بها الأئمة السبعة؛ فضلًا عن العشرة، وأنها لهجات وأوجه استوعبتها القراءات العشر، واشتملت على بعضها المصاحف: أن الأئمة السبعة أو العشرة، لم يكونوا موجودين في زمن نزول الوحي بالقراءات على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن أكثر سور القرآن سور مكية، فدل ذلك على بطلان القول بأن الأحرف السبعة هم الأئمة السبعة، وكذلك مع قوة كلام العلامة أبو شامة السابق في أول مقالنا، ولله الحمد والمنة.

وللحديث بقية إن شاء الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 03-03-2023, 12:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (12)

الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات









كتبه/ ياسر محمد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال العلامة ابن الجزري -رحمه الله تعالى- في طيبة النشر فيما يتعلَّق بما ينبغي على حامل القرآن فعله، وهو: أن يجتهد في حفظه والعمل به، وإتقانه وضبطه، وتصحيحه على أكمل الوجوه، بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

وليجتهد فيه وفي تصحيحه على الذي نُقِل من صحيحه

وقد ذكرتُ هذه المقدمة لابن الجزري؛ لأنها هي المدخل للكلام عن أركان القراءة، ولما ذكر رحمه الله الوجه الصحيح قال في نظمه طيبة النشر:

فـكـل ما وافـق وجه نحو وكان للرسم احتمالا يحوي

وصح إسنادًا هو القرآن فهذه الثــــــــلاثة الأركــان

والمعنى: إذا أردتَ القراءة المحكوم بقرآنيتها وعدم شذوذها؛ فهي القراءة التي استوفت الشروط الثلاثة، وهي: أن تكون موافقة لوجه من أوجه اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن التي نزل بها؛ مصداقًا لقول الله -تعالى-: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: 28)، وقوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (طه: 113)، وقوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2)، وقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (النحل: 103).

فكل قراءة وافقتْ وجهًا من وجوه العربية، ولو لم يكن هذا الوجه هو الأشهر، حكم عليها بالقبول، وسواء كان هذا الوجه مختلفًا فيه أو مجمعًا عليه؛ فهذا لا يضر إذا كانت القراءة شاعت وذاعت، وتلقاها الأئمة بالإسناد الصحيح؛ فكم من قراءة أنكرها نحويون ولم يُعتد بهذا الإنكار، بل أجمع الأئمة المقتدَى بهم مِن السَّلَف على قبولها.

والأمثلة الآتية تبين ذلك:

جاء لفظا: (بَارْئِكُمْ) و(يَأْمُرْكُم) بإسكان الراء، وكذلك بكسر الراء، وضمها في (يَأْمُرُكُم)، ولفظة: (مِن سَبَأْ) بإسكان الهمزة، وفتحها (مِن سَبَأَ)، وتنوينها مكسورة (مِن سَبَإٍ)، ولفظة: (يَا بُنَيْ) بإسكان الياء، و(يَا بُنَيَّ) في هود ويوسف ولقمان بفتح الياء، ولفظة: (وَكَذَلِكَ نُجِّيَ الْمُؤْمِنِينَ) في سورة الأنبياء؛ قرأ الشامي وشعبة بنون واحدة مضمومة وتشديد الجيم، والباقون بنونين، الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الجيم، وكذلك الجمع بين الساكنين في قراءة ابن كثير في لفظ (وَلَاَ تَّعَاوَنُواْ) حيث قرأ الرواة عن ابن كثير في حالة الوصل بتشديد التاء وإشباع الألف، وكذا (وَلَاَ تَّنَازَعُواْ) في الأنفال، و(وَلَاَ تَّيَمَّمُواْ) في البقرة، وكذلك قوله: (لِلْمَلَائِكَةُ اسْجُدُوا)، حيث قرأ أبو جعفر المدني وصلا بضم التاء وقرأ الباقون بخفضها، وكذلك قوله: (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ)، حيث قرأ الراوي عن ابن عامر الشامي بوجهين، وجه كحفص (أَفْئِدَةً)، والوجه الثاني قرأ بزيادة ياء بعد الهمزة (أَفْئِيدَةً)، وقوله -تعالى-: (تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)، حيث قرأ حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء المشهورين بخفض الميم في لفظ: (وَالْأَرْحَامِ)، والتقدير: "واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام"، وكذلك قراءة: (إِنْ هَذَانِ) بسكون النون وإثبات الألف في (هَذَانِ)، وقرئ بتشديد النون في (إِنَّ)، و(هَذَيْنِ) بياء ساكنة بعد الذال بدلًا من الألف، وتخفيف لفظة: (وَلَا تَتَّبِعَانِ) في سورة يونس، وقراءة كلمة (لَيْكَةَ) في سورتي: الشعراء وص، بفتح اللام وحذف الهمزة وفتح التاء، وفي الحجر وق رُسِمَت هكذا: (الْأَيْكَةِ).

قال عثمان بن سعيد الداني أبو عمرو الأندلسي في كتابه: "جامع البيان": "وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتتْ عنهم، لم يردها قياس العربية، ولا فشو اللغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها".

قال البيهقي -رحمه الله-: "والمقصود بسنة متبعة أي: اتباع مَن قبلنا في الحروف، فلا يجوز مخالفة المصحف العثماني، ولا مخالفة المشهور من القراءات، وإن كان غير سائغ في اللغة" (الإتقان في علوم القرآن، 1/ 260 بتصرفٍ).

وقد عَلَّق بعض العلماء على كلام أبي عمرو السابق، ووصفه بأنه: "كلام قوي وله وجاهة، وقد أخذ علماء النحو قواعدهم من القرآن الكريم، وكلام العرب، فالقرآن هو الحاكم على علماء النحو، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ويجب على علماء النحو أن يراجعوا قواعدهم على القرآن، فالقرآن هو أقوى حجة للنحويين في إثبات ما يثبتونه ونفي ما ينفونه" (مناهل العرفان في علوم القرآن، 1/ 422 بتصرفٍ).


وللحديث بقية بإذن الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 29-12-2023, 01:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (13)

تابع الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات



كتبه/ ياسر محمد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالركن الثالث من أركان القراءة الصحيحة هو صحة السند، ومعناه: أن يروي القراءة عدل ضابط عن مثله إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من غير شذوذ، ولا علة قادحة.
ومن الأجدر قبل الكلام عن هذا الركن أن نبيِّن مسألة مهمة؛ ألا وهي: ماذا لو اختل ركن من أركان القراءة الثلاثة؟
والجواب: قال ابن الجزري -رحمه الله- في طيبة النشر:
وحَيـثُـماَ يَخْتَلُّ رُكْـنٌ أَثْبِتِ شُذُوذَهُ لَوْ أنَّهُ فِي السَّبعَةِ
والمعنى: لو اختل ركنٌ من أركان القراءة؛ فإنه يحكم عليها بالشذوذ حتى ولو قرأ بها القراء السبعة المشهورون، ولا بد من الانتباه إلى أن القراءات عشر وليست سبعة، والقول بأنها سبعة فقط ليس له حظ من النقل أو الأثر، وإنما هو من كلام بعض المتأخرين الذين لم يقرؤوا بأكثر من السبع. (انتهى بتصرف من شرح الطيبة للعلامة محمد بن محمد بن محمد محب الدين أبي القاسم النويري).
ثم بعد ذلك لا بد أن نعي: أن الاعتماد في نقل القرآن متوقف على الحفظ في القلوب والصدور، لا على المصاحف والكتب؛ فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ ‌كِتَابًا ‌لَا ‌يَغْسِلُهُ ‌الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانًا...) (رواه مسلم).
ففي هذا الحديث إخبار من الله -تعالى- أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرأ في كلِّ حال، بخلاف أهل الكتاب لا يقرؤون إلا نظرًا، وقد توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محفوظ في الصدور، ولما تولَّى بعده الصديق -رضي الله عنه-، واندلعت الحروب مع مسيلمة الكذاب، قام الصديق -رضي الله عنه- بعد مشورة الصحابة بجمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ؛ خشية أن يذهب بذهاب قرائه، وأمر زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري كاتب الوحي بجمع القرآن، حتى قال زيد -رضي الله عنه-: "والله لو كلفوني نقل الجبال لكان أيسر عليَّ من ذلك!"، قال زيد: "فجعلت أتتبع القرآن من صدور الرجال، والرقاع -وهي: قطع الجلد-، والأكتاف -وهي: عظام الكتف المنبسط كاللوح والأضلاع-، والعسب: سعف النخل، واللخاف: الأحجار العريضة البيضاء؛ وذلك لانعدام الورق حينئذٍ، قال زيد: "فذكرت آية كنت قد سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) (التوبة: 128)، فلم أجدها إلا عند خزيمة بن ثابت.
وقال أيضا: "فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما وجدتها إلا عند رجل من الأنصار وهي: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).
وهنا تساؤل: لماذا يتتبع زيد القرآن ليجمعه وهو حافظ له، وهو مِن كاتبي الوحي؟ وكيف يحصل التواتر بما عند واحد من الصحابة؟
والجواب: أن هذا أبلغ في التواتر، وقد يجاب أيضًا بجواب آخر يعضد الأول، وهو: أنه ربما كان هذا الجمع لاستكمال وجوه قراءاته، فكتب زيد القرآن بجميع أحرفه ووجوهه المعروفة بالأحرف السبعة، فلما تمت كتابة الصحف أخذها أبو بكر عنده حتى أتاه الموت، ومن بعده عمر، فلما مات أخذتها ابنته حفصة -رضي الله عنها-، وفي سنة ثلاثين من خلافة عثمان -رضي الله عنه-، وأثناء الفتوحات رأي حذيفة اختلاف الناس في القرآن، فقال حذيفة لعثمان: "أدرك هذه الأمة قبل اختلافهم اختلاف الخارجين من الملة"، فأرسل إلى حفصة وأحضر الصحف، وأمر زيدًا، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بنسخها في المصاحف، ويردون لحفصة الصحف، فنَسَخ عنها عدة مصاحف، وأمسك لنفسه مصحفًا، وهو المعروف: بمصحف الإمام.
وقد اختار الخليفة عثمان -رضي الله عنه- زيدًا أسوة بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، وضم إليه هؤلاء لاشتهار ضبطهم ومعرفتهم، وكتبوا القرآن مائة وأربعة عشر سورة، أولها: الحمد (الفاتحة)، وآخرها: الناس، وأول كل سورة البسملة؛ إلا أول سورة براءة، فجعلوا مكانها بياضًا، وجردوا المصاحف من أسماء السور، ونسبتها، وعددها، وتجزئتها، وفواصلها، تبعًا لأبي بكر الصديق، واجتمعت الأمة على ما في هذه المصاحف، وترك ما خالفها من زيادة ونقص، وإبدال كلمة بأخرى، مما كان مأذونًا فيه توسعة عليهم، ولم يثبت عندهم ثبوتًا مستفيضًا أنه مِن القرآن.
وجردت هذه المصاحف كلها من النقط والشكل؛ لتحتمل ما صَحَّ نقله، وثبتت تلاوته وروايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الاعتماد -كما أسلفنا- على الحفظ، لا على مجرد الخط.
وما ذكرناه في هذا المقال هو توطئة ومقدمة للكلام عن الإسناد والتواتر.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 29-12-2023, 01:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (14)

تابع الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات



كتبه/ ياسر محمد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنتحدث في هذا المقال عن موافقة القراءة القرآنية للرسم للعثماني، فحتى تكون القراءة محكوم بقرآنيتها لا بد أن توافق الرسم مطابقة أو احتمالًا، فقد توافق القراءة رسم جميع المصاحف العثمانية كقوله -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة - 281)، أو توافق رسم بعض المصاحف نحو قوله -عز وجل-: (وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الحديد: 24)، ففي بعض المصاحف المدنية والشامية حذف الضمير "هو"، وهذا مما سبق الكلام عليه في توجيه معنى الأحرف السبعة، وأنها لهجات عربية مختلفة.
وقد يوافق الرسم أحد المصاحف مثل قوله -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) (البقرة: 116)، حيث قرئ في بعض المصاحف بحذف الواو، وفي أخرى بإثباتها.
وموافقة الرسم العثماني تكون على قسمين:
- الأول: موافقة تحقيقية: أي: صريحة، نحو قوله -تعالى-: "إن ينصركم الله"، فالمصاحف العثمانية كتبت مجردة من النقط والشكل، فكانت محتملة لجميع أوجه القراءات؛ إذ إن القرآن نزل ملفوظًا وليس مكتوبًا كما نزلت بعض الكتب السابقة: كالتوراة، فمن المعلوم أن القرآن نزل خلال ثلاث وعشرين سنة منجمًا -مفرقًا- على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يأمر بكتابة الوحي ويقول ضعوا هذه الآية في سورة كذا ولم يكن المصحف قد رقم بعد، وليس هناك فواصل بين الآيات؛ إلا أن جبريل عليه السلام قد علم النبي هذه الفواصل، والنبي علم الصحابة رؤوس الآيات وكان يقف على رأس الآية تعليما ويصلها بغيرها أحيانا لتوضيح معنى، أما ترقيم الآيات وفواصلها جاءت بعد ذلك باجتهاد العلماء.
وقد جاء الرسم العثماني مجردًا من النقط؛ ليقرأ على وجوه متغايرة؛ إذ إن الأصل في تلقي القرآن هو المشافهة والشيوخ والقراء، وليس المصحف.
ولقد جاء القرآن العظيم منسجمًا مع قواعد الإملاء الحديثة، ومتفوقًا عليها في كل الوجوه، وقد يظن البعض وجود اختلافات بين الرسم العثماني والرسم الإملائي، وهذا غير صحيح، فمن عظمة القرآن أن يتفق مع الرسمين، والمتأمل في الرسم العثماني يرى أنه اتسم مع الرسم الإملائي في كثير من آيات القرآن، بل أغلبها، والاختلاف بين هذا الرسم والآخر اختلاف ضئيل في أحرف وكلمات يسيرة بالنسبة لعدد آي القرآن التي بلغ عددها ستة آلاف ومئتان وست وثلاثين آية بالعد الكوفي، وهذا الاختلاف يرجع إلى إدغام أحرف، وحذف أحرف، وكتابتها برسم عثماني.
- الثاني: موافقة الرسم تقديرًا، وهذا كما عبر عنه العلامة ابن الجزري: "وكان للرسم احتمالًا يحوي"، ومن الأمثلة على هذا القسم: "مالك يوم الدين" - "وما يخادعون" - "وإنا لجميع حاذرون"؛ فقرئت هذه الكلمات بحذف الألف وإثباته، فعلى القراءة بالألف توافق الرسم تقديرًا، وكذا قرئت كلمة: "صراط" - "المصيطرون" بالسين لقرب مخرج الصاد من السين، ومن هذا القسم الكلمات التي أجمع القراء على قراءتها بوجه يخالف الرسم الصحيح مثل: "العالمين" - "مؤمنات"، فرسمت بحذف الألف، وقد قرئت بإثبات الألف، وكذا كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة بدلا من التاء المربوطة، وقد أفردت هذه الكلمة؛ لأنها من الكلمات التي طعن البعض فيها ووقعت عندهم الشبهة، حيث قالوا: كيف تكون هذه الكلمة مكتوبة بالتاء المفتوحة، وهي في الأصل تكون بالتاء المربوطة؟!
ويجاب على هذه الشبهة: بأن الأصل في التاء التي تأتي لتأنيث الاسم أن تكون مربوطة، وذلك للتمييز بينها وبين تاء التأنيث التي في الفعل، والتاء في جمع المؤنث السالم، فمثلًا: لو قلنا: (ذاكر أحمد الدرس - كتبت فاطمة الدرس - ذاكرت التلميذات الدرس)، فالتاء في مثال: "كتبت فاطمة" جاءت في "فاطمة" مربوطة؛ للتمييز بينها وبين التاء في "كتبت"، وفي "أحمد" لم تذكر التاء؛ لأنه هذا مذكر؛ لأنه لابد من التمييز بين التذكير والتأنيث.
وخلاصة القول في ذلك: أن كلمة "امرأت" رسمت بالتاء المفتوحة لتوافق لغة طيء، وهي من قبائل العرب، وكذا لجواز الوقف عليها بالتاء ككلمة: "رحمت" - "نعمت" - "بقيت"؛ دلالة على لغة هذه القبيلة، وهي لغة عربية فصيحة، فرسمت الكلمة بالتائين لموافقة جميع اللغات، ولو رسمت على لغة واحدة ما كان القرآن معجزًا ولا بليغًا، وإذا نظرنا إلى بعض الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة، نرى الأمر واضحًا.
وهاك الأمثلة: "امرأت عمران" - "امرأت العزيز" - "امرأت نوح وامرأت لوط" - "امرأت فرعون إذ قالت"، فبالتأمل في هذه الآيات نرى أن لفظ: "المرأة" قد أضيف، وعندما نطالع نفس الكلمة في آيات أخر، نراها هكذا: "امرأة تملكهم" - "وإن امرأة خافت" - "وامرأة مؤمنة إن وهبت" - "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة"؛ فهذه هنا غير مضافة، أي: هي امرأة ليست بعينها لم تحدد.
والخلاصة: أن الأمر ليس فيه مخالفة لقواعد الإملاء -كما يتوهم البعض!-، بل هو من الحفاظ على اللغات وإثرائها؛ فكل من عند الله.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 23-11-2024, 08:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (15) تابع الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات



كتبه/ ياسر محمد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أسلفنا في المقال السابق الكلام حول الركن الثاني من أركان حجية القراءة وقبولها إذا وافقت الرسم العثماني يقينًا، أو احتمالًا، وفي هذا العدد نحاول أن نعرج على مسألة متعلقة بالرسم؛ ألا وهي: حكم الرسم العثماني في المصحف.
ونعني بهذه المسألة: هل الرسم العثماني حكم توقيفي لا تصح مخالفته أم أنه حكم خاضع للاجتهاد والبحث؟
نحا بعض الأئمة؛ لا سيما مالك وأحمد إلى أن الرسم العثماني أمر توقيفي أي لا تجوز مخالفته، بل وبالغوا في ذلك حتى نسبوا هذا التوقيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقل ابن المبارك عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال له: "ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، إنما هو توقيف من النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر كتبته أن يكتبوه بهذه الهيئة" (انتهى بتصرف من كلام ابن المبارك).
وبعضهم ذكر لهذا الرسم أسرارًا تدل على أن له معان إعجازية، ككتابة كلمات بطريقة معينة، فعلى سبيل المثال: (أييد) في قوله -تعالى-: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَ????دٍ) (الذاريات 47)، إشارة إلى المبالغة في تعظيم قوة الله التي بنى بها السماء، فلا تشبهها قوة، وقد تعرض هنا شبهة في هذه الآية، وهذه الشبهة: لماذا جاءت كلمة أيد بالجمع؟
بداية، نحن نثبت صفات الله دون تعطيل أو تمثيل، والجواب أن كلمة الأيد هنا ليست جمع يد، وإنما هي مصدر من آد -يئيد- أيدًا، مثل باع بيعًا، ومعناها القوة كما رواه الطبري عن ابن عباس، وسفيان الثوري، وقتادة، وقال أبو حيان في البحر المحيط: "بأيد أي: بقوة"؛ قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة وهو كقوله -تعالى-: (دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) (ص: 17).
وقد خطَّأ الشيخ الأمين الشنقيطي، وابن عثيمين -رحمهما الله تعالى- من جعل الأيد هنا جمعًا لليد، قال ابن عثيمين: "لم تضف الأيد هنا إلى الله. كما في قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) (يس: 71).
وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "إن ما أضيف إلى اسم الجمع ظاهرًا أو مضمرًا، فالأحسن جمعه مشاكلة للفظ"، ومثَّل لذلك بجمع العين واليد: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ) (القمر: 14)، واليد كما في الآية في سورة يس.
وبعد عرض القول الأول في مسألة الرسم نستطيع القول بأنه لم يرد فيه شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما اصطلح الكتبة على هذا الرسم في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إذ قال للكتبة في زمانه: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من الوحي فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم".
وعندما اختلفوا في كتابة: (التابوت) فقال زيد: (التابوه)، وقال النفر الذين معه: (التابوت)، فرجعوا إلى الخليفة فأقر ما قاله النفر، وقال: "إنما أنزل على لسان قريش".
قلت: ما فعله عثمان يدل على أن الرسم ليس توقيفيًّا؛ لأنه لو كان كذلك ما قال لهم: "لو اختلفتم أنتم وزيد".
الرأي الثاني: أن الرسم ليس توقيفيًّا، ولكن هذا ما رآه الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- وتلقته الأمة بالقبول فلا تجوز مخالفته، وهذا الرأي عليه الكثيرون من العلماء.
قال أشهب: "سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ قال: لا، إلا على الكتبة الأولى". رواه أبو عمرو الداني في (المقنع) ثم قال: "ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تغير من المصحف؟ قال: لا"، وقال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم نحو (أولوا) وقال أحمد: "تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك".
الرأي الثالث: قالوا بأن الرسم اصطلاحي، ولا مانع من مخالفته، عندما يصطلح الناس على رسم إملائي قد شاع بينهم.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه (الانتصار): "وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئًا"؛ إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب ذلك؛ ولذلك اختلفت خطوط المصاحف فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه أن هذا اصطلاح.
قلتُ: أما باب الكتابة، فالأمر فيه واسع بخلاف باب القراءة، فالأمر فيه محدود ومنضبط، وأضرب لذلك مثالًا في قوله -تعالى- في سورة النمل: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) (النمل:20، 21)، فكلمة: (لَأَذْبَحَنَّهُ) رسمت هكذا، فقراءتها تختلف عن كتابتها، ومن أراد مزيدًا من هذا فليرجع إلى كتاب: (المقنع) لأبي عمرو الداني، وممَّن قال بأن الرسم أمر اجتهادي العلامة ابن خلدون، وقد أوضح ابن جرير الطبري أنه لا تجوز مخالفة الرسم.
والخلاصة: أن المسألة خلافية، فالجمهور على عدم جواز المخالفة للرسم العثماني، وقد ذهب إلى جواز المخالفة عز الدين بن عبد السلام، لكنه شرط المحافظة على الرسم، وكذا الباقلاني وابن خلدون.
قلت: والذي تطمئن إليه النفس، ويوافقه العقل، ويتفق مع مصالح الناس من حيث التيسير والتخفيف، ويعد من باب المصالح المرسلة، ما فعله عثمان -رضي الله عنه- من قوله للرهط الذين كتبوا المصحف أن يكتبوه بلغة قريش، ولكن قول الجمهور له حظ من الوجاهة، وهذا فيه وضع السياجات لحفظ القرآن والحذر من وقوع تحريف في الألفاظ ليظل قوله -تعالى- محكمًا: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وفيه الاقتداء بالصحابة -رضي الله عنهم-.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 23-11-2024, 08:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (16) تابع الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات



كتبه/ ياسر محمد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي هذا المقال سيدور الحديث حول ركن القراءة الثالث؛ ألا وهو: صحة السند، وإن كنا قد قدمنا له بمقدمة في المقال السابق فلعلنا نختتم الكلام عنه بإذن الله تعالى.
ذكرنا في المقال السابق أن ترتيب السور هو الموجود على ما هو عليه الآن، ولكن يعكر على هذا القول ما صح من رواية مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه حيث قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح سورة النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران" ثم ساق الحديث.
قال القاضي عياض: "فيه دليل لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين، وهذا قول مالك وجمهور العلماء، واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني".
قال الباقلاني: "وهو أصح القولين مع احتمالهما، قال: والذي نقوله إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس والتلقين، قال: وأما عند من يقول: إن ذلك بتوقيف من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيتأول ذلك على أنه قبل التوقيف، وفي مصحف أبي، كانت النساء ثم آل عمران، ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل المقروءة في الأولى، وإنما كره في نفس الركعة، وفي التلاوة في خارج الصلاة، قال: وقد أباحه بعضهم، وتأول نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها، قال: ولا خلاف في ترتيب الآيات أنه توقيفي من الله" (انتهى من كلام القاضي بتصرف يسير).
قلتُ: وبعد كتابة عدة مصاحف في عهد عثمان -رضي الله عنه- مشتملة على بعض الأحرف السبعة الموافقة للهجات العرب، وإرسالها إلى الأمصار والبلدان، وقرأ كل مصر بما في مصحفهم، وتلقوا ما فيه عن الصحابة، حتى صار منهم الأئمة والمرجع في القراءة والإقراء، حتى نسبت إليهم هذه القراءات، وقد تلقى على أيديهم من بعدهم، وانتشروا في البلاد، وتبعتهم أمم، فكان منهم المتقن رواية ودراية، ومنهم المحصل لوصف واحد، ومنهم المحصل لأكثر من واحد، فكثر عندئذٍ الخلاف، فقام عند ذلك مَن بالغ في الاجتهاد، وميَّز بين الصحيح والباطل، وجمع الحروف والقراءات، وعزا الوجوه والروايات، وبين الصحيح والشاذ، بأصول مؤصلة، وأركان مفصلة.
وقد أشار إلى تلك الأصول والأركان قول الإمام ابن الجزري -رحمه الله-:
فـكـل مـا وافــق وجــه نـحـو وكان للرسم احتمالًا يحوي
وصــح إسـنـادًا هـو القــرآن فـهـذه الـثـــلاثـة الأركـــان
فلا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويجب على الناس قبولها سواء ثبتت عن السبعة أو العشرة أو غيرهم ممن تقبل روايتهم، ومتى اختل ركن منها فهي إما شاذة أو باطلة أو ضعيفة. ذكره أبو عمرو الداني والإمام أبو محمد مكي وأبو العباس المهدوي وأبو شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
قال أبو شامة: "فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى لأحد من السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة إلا إن دخلت في الضابط؛ ألا وهو: أركان القراءة التي تقدمت، فلا يقول في النقل عن السبعة أو العشرة، بل العبرة بتوفر الأركان في القراءة، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم، منها ما هو مجمع عليه، ومنها ما هو شاذ" (انتهى بتصرف).
قلتُ: وقد قال ابن الجزري في منظومته طيبة النشر:
فكن على نهج سبيل السلف فـي مـجـمع عليه أو مختلف
وفي ختام الكلام عن ركن القراءة الثالث (صحة السند)، نجد من قال: إن القرآن يكتفى في ثبوته مع الشرطين الأولين، وهما: موافقة وجه من وجوه النحو، وموافقة الرسم صحة السند فقط، ولا يفتقر إلى التواتر، وهذا القول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم.
وبسبب هذا القول ضل قوم فقرؤوا أحرفًا لا يصح سندها؛ بزعم أن التواتر ليس بشرط، وهذه المسألة قد لخص القول فيها الإمام أبو القاسم النويري في شرح الطيبة مذاهب القراء والفقهاء المشهورين وما ذكره الأصوليون والمفسرون وغيرهم فقال: "إن القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة وصدر الشريعة، هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا، وكل من قال بهذا اشترط التواتر، هذا عند أئمة المذاهب الأربعة، وصرح به جماعات لا يحصون كابن عبد البر، وابن عطية، وابن تيمية، والنووي، والسبكي، والأذرعي، والزركشي، وابن الحاجب، وابن عرفة، وغيرهم. وقد أجمع القراء على ذلك، ولم يخالف إلا أبو محمد مكي، وتبعه بعض المتأخرين كابن الجزري"، وقال النويري: "والذي لم يزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربية توقير القرآن، واتباع القراءات المشهورة، ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة وغيرها، واجتناب الشاذ، لخروجها عن إجماع المسلمين، وعن وجه التواتر الذي ثبت به القرآن، والنقول في ذلك كثيرة، ولكن أشرنا إلى طرف منها".
قلت: الخلاصة أنه لا بد في ثبوت القرآن من صحة السند، وبقية الأركان، ومنها التواتر.
والحمد لله رب العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 108.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.79 كيلو بايت... تم توفير 3.97 كيلو بايت...بمعدل (3.65%)]