|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() النسبية في الدعوة إلى الله فرج كندي تحظى الدعوةُ إلى الله بأهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية؛ فهي رسالة جميع الأنبياء والرُّسُل عليهم الصلاة والسلام، وقد خاطب الله تعالى نبيَّه الكريمَ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125]، وخطاب الرسول موجَّه إلى الأمة كلها: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، والخطاب الدعويُّ مُحدَّد بأسلوب ومنهج محدَّد من الله تعالى، متضمِّنٌ للموعظة والحكمة الحسنة وحسن القول، مصاحب للعمل الصالح؛ لتتمثل فيه القدوة والأسوة الحسنة: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. وخير الأسوة والقدوة في الدعوة إلى الله هو سيد المرسلين الذي وصفه ووصف نجاح دعوته: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]. وأسلوب الدعوة توفيقيٌّ وليس توقيفيًّا، متعدد الأوجه والطرق والأساليب، التي تُمكِّن الداعية من الوصول إلى قلوب الناس، من خلال اتباع عدة طرق ووسائل نسبية، بحسب ما يقتضيه الحال للمدعوِّين، وحسب ما يُحيط بهم من ظروف، وبحسب خلفياتهم الثقافية والفكرية، والسياسية والاعتقادية، وهذا يحتاج إلى علمٍ بمنهج الدعوة، وعلم الداعية وذكائه وفطنته، من خلال استخدام منهج النسبية في الدعوة إلى الله تعالى، الذي يتمثل في الآتي: إقالة ذوي الهيئات عَثَراتِهم: للستر على ذوي المروءات هناتهم أثرٌ كبير في النفوس؛ لفتح باب التوبة للناس كافة، ولأصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة، فهذا المنهج يساهم في ترقيق القلوب، وفتح مجال التوبة لمن زلَّت به قدمه على الرجوع إلى الله، خاصة ممن كانت له مروءة، واستزَّله الشيطان؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أقيلوا ذوي الهيئات عَثَراتِهم إلا الحدود))؛ [رواه أحمد]، وفي هذا الحديث إرشاد وتوجيه نبويٌّ بإقالة ذوي الهيئات عثراتهم، إلا في حدٍّ من حدود الله كما في الحديث، والناس في ذلك على ضَربَين؛ أحدهما: من كان مستورًا لا يُعرَف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلَّة، فإنه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غِيبة محرَّمة. وكان الستر أسلوبًا من أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلى الداعية أن يسلُكَ منهج الرسول في التعامل مع هنات أصحاب المروءات. التمييز بين الممدوح والمذموم من القول أو العمل: على الداعية أن يميِّز بين الأقوال والأفعال بحسب المكان والزمان ومقتضى الحال، قبل أن يُصدِرَ الأحكام، ويدعو الناس على وفقِ منهج المعرفة بحال المدعوِّ، ولا ينهى عن أشياءَ قد تكون حسنة في موضعها؛ كما حدث في إحدى غزوات الرسول قبل بداية المعركة قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرفع همة الرجال فقال: ((من يأخذ هذا السيف بحقه؟))، فقام كثيرٌ من الصحابة، وأبى النبي صلى الله عليه وسلم إعطاءهم، ثم قام أبو دُجانة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعنِيه، فهو يعرف طبيعة الرجال؛ فقال: ((من يأخذه بحقه؟ قال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: يضرب به هاماتِ الكفار حتى ينحنيَ، قال: أنا آخُذُه يا رسول الله، وكان إذا ربط العصابة الحمراء على رأسه، فإنه يقاتل حتى الموت، فربط العصابة، وأخذ يتبختر بين الصفوف متمايلًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه مِشيةٌ يكرهها الله ورسوله إلا في هذا الموطن)). مراعاة الظروف والمساحة المسموحة للدعوة: تمرُّ الدعوة بعدة مراحل أو مستويات في حالتها من حين الظهور في العلن، أو تُضطر بسبب الظروف للعمل على وَفْقِ ما هو مسموح به، إذا كانت في بيئة قمعية أو محارِبة للدعوة، كما حدث مع بداية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت للخاصة ثم للعشيرة الأقربين، ثم حين سمحت الظروف ودخل الإسلام من يدافع عنه ويحمي الدعوة كعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبدالمطلب، جاء الأمر من الله بإعلان الدعوة والمجاهرة بها، وكذلك تمر الدعوة بحالة من القمع من بعض الأنظمة الدكتاتورية الشمولية المعادية للدين والتدين، فيُضطر الدعاة إلى الدعوة بما يتناسب مع الواقع، وبما لا يعرِّضهم ويعرِّض الدعوة للتنكيل أو الإبادة، بينما في الأماكن التي لا تتعرض فيها الدعوة للقمع والتضييق، ينطلق الدعاة بحسب ما يسمح لهم بالدعوة، واستخدام كل الوسائل والمساحات المسموح بها لتحقيق الدعوة إلى الله، ووصولها كما أمر. أولويات التربية بحسب المكان والزمان: للتربية أولوية في العمل الدعوي، ومن أهم مقومات تأهيل الداعية إلى الله تعالى، ومن يتصدر للدعوة يجب أن يتحلى بتربية إسلامية، من خلال المحاضن التربوية في المدارس والجامعات، والمساجد والخلوات، والمراكز الفكرية، والجماعات الدعوية التي تعمل في حقل الدعوة، ولديها باعٌ ورصيد كبير من الخبرة والتجربة، والمعرفة التراكمية المكتسبة من كتاب الله وسيرة رسوله والرعيلِ الأول ممن حمل راية الدعوة، الكِرامِ من الصحابة والتابعين، ومن السائرين في طريقهم وعلى منهجهم، الذين فُتِحت أمامهم جميع الأبواب لنشر دعوة الله من المحيط الأطلسي غربًا إلى المحيط الهندي غربًا، ومن أوروبا شمالًا إلى رأس الرجاء الصالح جنوبًا. تنوع أساليب الدعوة بحسب ظروف كل مرحلة: وَعَى رسولُ الله ما يجب أن تكون عليه الدعوة من التأني، وعدم الاستعجال في الوصول إلى المطلوب، وهي قاعدة ينبغي على الدعاة جميعهم اتباعها في دعوتهم؛ حيث يبدأ التدرج بأن تكون الدعوة سريةً، ثم يتم الإعلان عنها فيما بعد، أما فيما يتعلق بطول مدة سِرِّيَّتِها، فيختلف بحسب الظروف الواقعة فيها، ومع أن الرسول كانت دعوته في بدايتها سريةً، إلا أن هذا المبدأ غير مشروط في كل دعوة، وإنما يقرر وجوده بحسب الواقع؛ من حيث الزمان، والمكان، كما سار المسلمون في مكة على نهج اعتبار الدعوة مبدأ ثابتًا ينبغي السير عليه، ومع ارتباط فكرة سرية الدعوة بالتدرج فيها، إلا أن التخلي عن مبدأ السرية لا يعني ترك التدرج في الدعوة؛ فالتدرج قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية بمجالاتها جميعها؛ ومن أمثلة ذلك: ما أوصى به رسول الله معاذَ بنَ جبل حين أرسله إلى اليمن؛ حيث قال له: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادْعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعْلِمْهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ من أغنيائهم فتُرَدُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). التدرج في الإصلاح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من البعض كلَّ مالهم مثل أبي بكر، ومن آخر النصف مثل عمر، ومن غيرهم أقلَّ، فكل هذه نسبيات لا إطلاق فيها، بل هي نسبية بينية متغيرة بحسب حال وقدرة وإمكانية كل فرد. ولا بد أن ندرك أن عملية التغيير الشامل في بناء الأفراد والأمم ليس بالأمر اليسير، ولا سيما وأنت تتعامل مع رواسب قرون وأعوام خَلَتْ، كان لها أثرها البالغ في تكوين الأفراد والأمم؛ أي إننا نعالج أمورًا كبِر عليها الصغير، وفنِيَ فيها الكبير حتى أصبحت ثوابتَ، ومن ثَمَّ حتى تُصلَّح وتُغيَّر سواء في الأفكار أو القيم أو الأخلاق والنظم، فلا بد من جهد جهيدٍ، وصبر ومصابرة، وعقل وعاطفة، فسُنَّة الله في خَلْقِهِ التدرجُ في النمو، والمرحلية في التغيير، والأولوية في التنفيذ، وهذا مقتضى النسبية في الدعوة إلى الله تعالى، يجب على الداعية الوعيُ بها والعمل على وفق قانونها السُّنَنِيِّ، والتعجُّل في مثل هذه الأمور العظيمة عواقبه وخيمة، ولا يصل بنا إلى الهدف المنشود. ويمكن أن نستمد من سيرة الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين ما يُعلِّمنا كيف نأخذ بقانون النسبية، ودليل نجاح للداعية، وأسلم طريق لتحقيق هدف الدعوة؛ فقد أراد عمرُ رحمه الله أن يعود بالناس إلى هَدْيِ الخلفاء الأربعة، وذلك بعد على مُكْثٍ وتدرُّج، ولكن ابنه الشابَّ أنكر على أبيه عدم إسراعه في إزالة كل بقايا الانحراف والمظالم التي كانت سائدة، وردِّ الأمور إلى سنن الراشدين، فقال له يومًا: ما لك يا أبتِ لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غَلَت بي وبك في الحق! فكان جواب الأب الفقيه المؤمن: "لا تَعجَل يا بني؛ فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرَّمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمِلَ الناس على الحق جملةً، فيَدَعُوه جملة، فيكون من ذا فتنة". ومما يجب أن يتمتع به المتصدِّر للدعوة: معرفة أسرار النفس فيمنحه الدقة في خطابه، ويتحاشى توليد الضرر المعنوي وأنواع الإحباط والانغلاق والتشاؤم، بل يجعل من النفس مركزًا للدعوة والأمل والانفتاح، فيجعل أصل الدعوة لبناء النفس السَّوِيَّة الوسطية قاعدةً وأصلًا، ويجعل ما سواها استثناء. • على الداعية أن يُديم إجالة بصره في الخلائق من خلال علم حركة الحياة (البيولوجي)، فيمنحه تركيزه بنظرة عميقة لمعنى التوازن لتحقيق التوازن والتكامل في حياة الناس، كما يتحقق التكامل في هذا الكون المتناسق المتكامل. • إحاطة الداعية بعلوم الإدارة يضعه في موقف المتمكِّن في دعوته، مميزًا في تقديره بين المنازل المتدرجة بين الحزم والتسيب، والمركزية واللامركزية، والحذر والمغامرة، والتخطيط والارتجال، وأثر كل ذلك في أدائه الدعوي. • إحاطة الداعية بالنظريات المعمارية والهندسية مع طول تأمُّل في الجماليات الطبيعية والهندسية التي تؤثر في روحه، وتوسِّع مداركه وخياله، فتُنمِّي فيه معدل النسبية والتناسب في خطابه الدعوي، مع تنمية إحساس التناسق، وآثار التدرج والتناظر، فتأتي دعوته هيِّنة ليِّنة بعيدة عن الشدة والشذوذ، بعيدة عن التكلف، سائرة مع فطرة السَّجِيَّة الطبيعية في كل إنسان. • كما يجب على الداعية ألَّا يُغفِل فقه المقاصد الشرعية التي تُمكِّنه من استنباط أحكام نازلة جديدة في قضايا معاصرة، لم تكن معروفة لدى السابقين، ولم تكُنْ محل نظر سابق. • ولا يُغفِل الداعيةُ الاطلاعَ على الأدب بكافة تنوعه وتشعُّبه، وفصوله وأبوابه، وصوره وأشكاله، الذي لا يخلو من جماليات القصص والملاحم والعِبر، وحِكَمِ الشعر، ومآثر السلف، وفوائد النثر من جوامع الكلم والأمثال والعِبر، وهو إحدى أدوات الدعوة التي لا يمكن إغفالها من الداعية. • ومما يجب أن يتحلَّى به الداعية أن يتبع منهج النسبية في تعليم الناس الحلالَ والحرام، والنواهيَ والأوامر، بمواعظ واستدلالات عقلية، وبتذكير بالفطرة السوية، واطراد السنن الكونية، والظواهر الحيوية بشيء من الاتزان والاعتدال والتجانس، دون خلل، وعدم الإغراب مع معرفة للنفس البشرية بكل خَلَجاتها ورغباتها، ومَيلها وفطرتها التي فطرها الله عليها ومراعاتها. وبهذا يتحقق نجاح الداعية إلى الله بدعوته على وفق منهج النسبية من خلال عملٍ منظَّمٍ ومُعَدٍّ، ومخطَّطٍ له تخطيطًا بعيدَ المدى، عميق الأثر، منطلقًا من كتاب الله وسُنَّة رسوله، مهتديًا بطريقة الدعاة والمصلحين، وبالتجارب الدعوية الناجحة في تاريخ الأمة الإسلامية، عبر عصور ازدهارها ونجاح تجاربها الدعوية والإصلاحية.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |