|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن وقفة مع آية (1) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ ربُّكَ لِلملائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً قَالُوْا أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيْهَا وِيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بَحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكْ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُوْنَ ﴾ [البقرة: 30]. ما معنى خليفة؟ الخليفة: "أن يَخلفني في تنفيذ أحكامي، والمقصود: آدم (عليه السلام)"[1]، أو "قومًا يخلف بعضهم بعضًا، قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل"[2]. أنواع الناس تجاه هذه الحقيقة: الناس صنفان: الأول: قام بدوره المنوط به في هذه الحياة، وعرَف هدفه الذي من أجله خلقه الله، وأدَّى ما عليه من تكاليف، ومن الأمثلة على ذلك: سليمان (عليه السلام): يحكي عنه القرآن: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 17، 18]. ما ردُّ فعل سليمان؟ إن سليمان (عليه السلام) عرَف حقيقة التسخير، وأدرَك نعمَ الله التي لا تُحصى، فقدَّم نموذجًا فريدًا للعبد الصالح، الشاكر لنعم الله، المؤدِّي لحقه عليه، يحكي لنا القرآن قوله: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]. في موقف آخر: يُظْهر سليمان هذا الخضوع وهذا الشكر، ويعترف بنعم الله عليه: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 38 - 40]. الصنف الثاني: لم يقُم بمهمة الخلافة، ولم يؤدِّ دوره المطلوب، ولم يشكُر الله على نِعمه وفضله، ومن الأمثلة على ذلك: قارون؛ يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 76، 77]. ما جواب قارون؟ كان جوابه: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، فكان جزاؤه: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُوْنِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِيْنَ ﴾ [القصص: 81]. الخلاصة: أي النوعين نحن؟ نعرف عظمة ربِّنا، وضَعفَ نفوسنا، فنقوم بدورنا في الخلافة كما ينبغي، أم نكون غير ذلك؟ فلا نأمَن من عذابه، ولا نلومَنَّ إلا أنفسنا. [1] الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 48). [2] المرجع السابق، (1/ 48).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47]. معنى الآية: "اذكروا تفضيلي لآبائكم على عالمي زمانهم: بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وجعْلهم سادةً وملوكًا"[1]. في آية أخرى يُصرح الله عزَّ وجلَّ بأن الله اختارهم على العالمين: ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 32]. ما الذي حدث؟ تخلَّى بنو إسرائيل عن صفات خيريَّتهم، ولم يقوموا بواجب تفضيلهم: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وبعدها بآيات يذكر جانبًا آخرَ من تفريطهم وتخلِّيهم عن أخلاق خيريَّتهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67]، وفي موضع آخر يبيِّن صورة أخرى من تحايُلهم على أوامر الأنبياء: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 163]، ويظهر في موضع آخرَ عدمُ توقيرهم لله، وعدم تمكُّن الإيمان في قلوبهم: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 138 - 140]، بل بلَغ بهم الحالُ أن كفروا بآيات الله، وقتَلوا الأنبياء بغير حق: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61]. ما النتيجة لهذه الصفات؟ الاستبدال: استبدلهم الله عزَّ وجلَّ بأمة أخرى، تقوم مقامهم، وجعل لهم الخيرية على الأمم الأخرى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، وقال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. من هنا نعلمأن قانون الله - في خيريَّة الأمم وشهادتها على الأمم الأخرى - لا يتخلَّف، فأمةُ الإسلام خيرُ الأمم؛ ما قامت بموجبات هذه الخيرية، وعمِلت على المحافظة على شروطها ومواصفاتها، وإلا فالاستبدال سنةُ الله التي لا تتخلَّف، وقانونه الذي لا يحابي أحدًا. [1] الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 55).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74]. جاءت هذه الآيةُ في إطار الحديث عن بني إسرائيل، فَهُمْ مِن فرْط بُعدهم عن تعاليم الله، وشِدَّة نأْيهم عنها - أصبحت قلوبُهم قاسيةً كالحجارة، أو أشدَّ قسوة كالحديد[1]. هكذا القلوب بفعل المعاصي: تتراكم على القلب، فيُصبح قاسيًا، لا يستشعر معروفًا، ولا يتألَّم بفعل منكرٍ؛ قال تعالى: ﴿ كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوْبِهِم مَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ ﴾[المطففين: 14]، والمعنى: "غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمَس بصائرَهم، فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي"[2]. قال المفسرون: "الرَّان: هو الذنب على الذنب حتى يسودَّ القلب"[3]. قال (صلى الله عليه وسلم): "تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب عرْض الحصير، فأيُّ قلب أنكرها، نُكِتت فيه نُكتة بيضاء، وأيُّ قلب أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداءَ، حتى يصير القلب على قلبين: أبيضَ مِثْلِ الصفا، لا تَضُرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض، وَالْآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كالكوز مُجخيًا، وَأَمَالَ كَفَّه، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرِب من هواه"[4]. إذًا من أسباب قسوة القلب: كثرة الذنوب، والواجب: التطهر من الذنوب بالتوبة النصوح؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]، سُئل عمر (رضي الله عنه) عن التوبة النصوح، قال: "أن يتوبَ ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضَّرْع"[5]، فهذه التوبةُ كفيلةٌ بمغفرة الذنوب وتكفير السيئات: ﴿ عَسَى رَبُّكُم أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيْئَاتِكُمْ ﴾؛ قال المفسرون: "عسى من الله واجبة بمنزلة التحقيق..."[6]. [1] انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 68). [2] المرجع السابق، (3/ 533). [3] المرجع السابق، (3/ 533). [4] رواه أحمد. [5] الصابوني، صفوة التفاسير، (3/ 410). [6] المرجع السابق، (3/ 410).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة: 78]. جاءت الآية في إطار الحديث عن الصفات المذمومة في بني إسرائيل، ومعنى الآية: أنهم لا يَعرفون من الكتاب إلا التلاوةَ فقط[1]،[2]. والمستفاد من الآية: ألا نكون مثلهم: فلا تكون عَلاقتنا بالقرآن مقتصرة على التلاوة فقط؛ بل لابد من التدبر والفَهم، والعمل والتطبيق، ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ اللهِ لَوَجَدُوْا فِيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيْرًا ﴾ [النساء: 82]؛ ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوْبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]. منهج المسلم مع القرآن الكريم: 1- التلاوة: قال (صلى الله عليه وسلم): "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها؛ لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"[3]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"[4]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السَّفرة الكرام البَررة، والذي يقرأ القرآن ويَتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران"[5]، ويُحذِّرنا (صلى الله عليه وسلم) من عدم القراءة: "إن الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب"[6]. 2- التفاعل مع القرآن: عن حذيفة قال: صليتُ مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فافتتَح البقرة، فقلت: يصلِّي بها في ركعة، ثم مضى فقلت: يركع بها، ثم افتتَح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرَأها، يقرأ مترسلًا، فإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعويذ تعوذ، ثم ركع، فقال: "سبحان ربي العظيم"، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: "سَمِعَ الله لمن حمده"، ثم قام قريبًا مما ركَع، ثم سجد فقال: "سبحان ربي الأعلى"، فكان سجوده قريبًا من قيامه[7]؛ وعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اقرأ عليَّ القرآن"، فقلت: يا رسول الله، كيف أقرأُ عليك، وإنما أُنزل عليك؟ قال: "إني أَشتهي أن أسمعه من غيري"، قال: فافتتحت سورة النساء، فقرأت عليه، فلما بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيْدًا ﴾ [النساء: 44]، قال: نظرتُ إليه وعيناه تَذرفان؛ رواه البخاري ومسلم. 3- تدبُّر معانيه والعمل به: فعن عبد الله بن مسعود قال: تلا نبي الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُوْرٍ مِن رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، فقلنا: يا رسول الله، كيف انشراح صدره؟ قال: "إذا دخل النور القلب انشرَح وانفتَح"، فقلنا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟، قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهُّب للموت قبل نزول الموت"[8]. هذه بعضُ معالم منهج المسلم في تعامُله مع القرآن الكريم، تجعله مرتبطًا به، وتضيء بها حياته، وتَهديه إلى صراط الله المستقيم. [1] انظر: محمد علي الصابوني: مختصر تفسير ابن كثير، دار الصابوني للنشر والتوزيع، د. ت، (1/ 81). [2] وقد وردت معاني كثيرة لكلمة (أماني)، منها: أنَّ من أهل الكتاب أمَّة أميَّة، لا يحسنون الكتابة، ولا يدرون ما في الكتاب إلا كذبًا. [انظر: الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، (1/ 81)]. أو المعنى: أنهم لم يعرفوا الكتابة، ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم؛ بل معارفهم متعلقة بالأماني التي منَّاهم بها الأحبار: بأنَّ الله سيرحمهم، وأنَّ النار لن تمسهم ﴿ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، وأنَّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، إلى غير ذلك من الأماني الفارغة. [انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 71)]. [3] رواه الترمذي. [4] رواه مسلم. [5] متفق عليه. [6] رواه الترمذي. [7] رواه البيهقي. [8] رواه البيهقي في كتاب القضاء والقدر (389)؛ وسنده ضعيف.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]. ما معنى قوله: ﴿ وَعَلى الذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ فَمَنْ تَطَوَعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُوْمُوْا خَيْرٌ لَكُم ﴾. توضيح: نحن نعلَم أن الصيام فرضٌ واجبٌ على المستطيع، والفدية لا تكون إلا على مَن يَعجِز عن قضاء الصوم؛ (كالمريض الذي لا يُرجى شفاؤه، والرجل الكبير في السن)، فما معنى ما ذكَره الله في الآية؟ والإجابة: إن الله يتحدَّث في هذه الآية عن مرحلة من مراحل تشريع الصوم، فالصيام شُرع على مرحلتين: المرحلة الأولى: مرحلة التخيير: أي تخيير المكلَّف الذي يطيق الصوم بين أمرين: الصيام، وهو الأفضل، والإفطار مع الفدية، وهي إطعام مسكين، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: ﴿ وَعَلى الذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ فَمَنْ تَطَوَعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُوْمُوْا خَيْرٌ لَكُم ﴾. المرحلة الثانية: مرحلة الإلزام ونسْخ التخيير الذي رخَّصت فيه الآية السابقة، فقال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْر فَلْيَصُمْه وَمَن كَانَ مَرِيْضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: من الآية 185]، والدليل على ذلك: ما ورَد عن سلمة بن الأكوع قال: لَمَّا نزلت ﴿ وَعَلى الذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ ﴾، كان مَن أراد أن يُفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها نسختها[1]. والمرحلة الثانية الإلزامية جاءت على رُتبتين: الأولى: تشديد عليهم، والثانية: تخفيف ورحمة، فقد كانوا يأكلون ويشربون ويُباشرون نساءهم، ما لم يناموا أو يُصَلُّوا العشاء، فإذا ناموا وصَلَّوْا العشاء، لم يَحل لهم شيءٌ من ذلك إلى الليلة القادمة، فشقَّ ذلك عليهم، وشَكَوْا للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فأنزَل الله عزَّ وجلَّ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]. [1] ورد الحديث في الصحيحين.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]. لماذا الله جاء بهذه الآية أثناء الحديث عن الصيام؟ من الحِكْمَة في ذلك: أن الله عزَّ وجلَّ يريد أن يذكِّرنا بأن الدعاء الأقرب إلى القبول وللإجابة، الدعاء الذي يقترن بالطاعة، وقد بيَّن القرآن الكريم هذه الحكمة في أكثر من موضع: إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام): قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 127 - 129]. زكريا (عليه السلام): قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 38، 39]. موسى عليه السلام: قال تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 24، 25]. وقد ذكَّرنا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بهذا المعنى، فقال (صلى الله عليه وسلم): "أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثِروا من الدعاء"[1]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"[2]. نستفيد من هذا الدرس: أن نستثمرَ أوقات الطاعة، ونُكثرَ فيها من الدعاء، فهي ملاذُنا في القَبول، ورجاؤنا في صلاح الأحوال. [1] رواه أحمد. [2] رواه البيهقي.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]. معنى الآية: لا يأكُل بعضُكم أموالَ بعض بالوجه الذي لم يُبِحْه الله؛ كأن تدفعوها رِشوة إلى الحكَّام؛ لتأكلوا بها أموالَ الناس بالباطل[1]، والسؤال: لِمَ أتى الله عزَّ وجلَّ بهذه الآية بعد الآيات التي تتحدث عن الصيام؟ لعل الحكمة: أنَّ الله عزَّ وجلَّ يوضِّح لنا أنَّ الصيام لا يكتمل أجرُه، ولا يُصبح مقبولًا عند الله، إلا إذا تحوَّل إلى أخلاقٍ. وهذا المعنى يؤكِّده النبي (صلى الله عليه وسلم) في أكثر من حديث: قال (صلى الله عليه وسلم): "الصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفُث، ولا يَصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله، فليقُل: إني امرؤٌ صائمٌ"[2]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "ليس الصيامُ من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث"[3]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوعُ"[4]، وقال (صلى الله عليه وسلم): "مَن لَم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجة أن يدَع طعامَه وشرابه"[5]. [1] انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 125). [2] متفق عليه. [3] رواه الحاكم وصحَّحه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. [4] رواه النسائي وابن ماجه. [5] رواه أبو داود.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. هذه الآية لها فضلٌ عظيم، ومن فضائلها: عن أُبي بن كعب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا أبا المنذر، أتدري أيَّ آية من كتاب الله معك أعظم؟" قلت: ﴿ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُوْمُ ﴾، فضرب في صدري وقال: "لِيَهْنكَ العلم أبا المنذر"[1]، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: وكَّلني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: إني مُحتاج، وعليَّ عيال، وبي حاجة شديدة، فخلَّيت عنه فأصبحت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا أبا هريرة، ما فعل أسيرُك البارحة؟" فقلت: يا رسول الله، شكا حاجة وعيالًا فرحِمته فخلَّيت سبيله، فقال: "أما إنه قد كذَبك وسيعود"، [فعل ذلك ثلاث مرات]، وفي الثالثة قال أبو هريرة: لأرفعنَّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذه آخر ثلاث مرات، إنك تزعُم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعْني أعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هنَّ؟ قال: إذا أَويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يَقرَبك شيطان حتى تُصبح، فخلَّيت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما فعل أسيرُك البارحة؟" فقلت: يا رسول الله، زعم أن يعلِّمني كلمات ينفعني الله بها، فخلَّيت سبيله، فقال: "وما هي؟" فقلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ﴿ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُوْمُ ﴾، وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ، ولن يَقربك شيطان حتى تصبح، فقال (صلى الله عليه وسلم): "أما إنه قد صدَقك وهو كذوبٌ، تعلَم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟" قلت: لا، قال: "ذاك شيطان"[2]، وعن الحسن بن علي (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من قرأ آية الكرسي دُبر كلِّ صلاة مكتوبة، كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى"[3]، وفي رواية أخرى عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من قرآ آية الكرسي دُبر كلِّ صلاة مكتوبة، لم يَمنَعه من دخول الجنة إلا الموت"[4]. أيها الإخوة، نُكثر من قراءة هذه الآية في الصباح والمساء، في دُبر الصلوات، عند النوم، في الرقية للأولاد والبيوت، فهي حافظة واقية. [1] رواه مسلم. [2] رواه البخاري. [3] أخرجه الطبراني بسند صحيح. [4] رواية أخرى عن الطبراني.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]. بيَّن الله عزَّ وجلَّ في هذه الآية صنفًا من الناس لا يَقصِد بإنفاقه وجه الله، بل الغرض: ثناء الناس عليه[1]، وضرب الله عزَّ وجلَّ لهذا الصنف مثلًا، فهو "كمثل الحجر الأملس الذي عليه شيء من التراب، يَظُنُّه الظانُّ أرضًا طيبة مُنبتة... فإذا أصابه مطرٌ شديد أذهب عنه التراب، فيبقى صلدًا أملس، ليس عليه شيء من الغبار أصلًا، كذلك هذا المنافق: يظن أن له أعمالًا صالحة، فإذا كان يوم القيامة اضمحلَّت وذهبت أصلًا، ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ﴾؛ أي: لا يجدون له ثوابًا في الآخرة، فلا ينتفع بشيءٍ منه أصلًا[2]. وقد بيَّن (صلى الله عليه وسلم) خُطورة الرياء في أحاديث كثيرة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمِل عملًا، أشرَك فيه معي غيري تركتُه وشِرْكَه"[3]، وعن جندب بن عبد الله بن سفيان (رضي الله عنه) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به"[4]، ومعنى سمَّع: أظهَر عملَه للناس رياءً، ومعنى سمَّع الله به: فضَحه يوم القيامة، ومعنى راءَى: أظهَر للناس العمل الصالح ليَعظُم عندهم، ومعنى راء الله به: أظهَر سريرته على رؤوس الخلائق. وقد يتوهَّم البعض أن هناك أعمالًا يَظُنُّها رياءً وليست رياءً؛ فعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): أرأيت الرجلَ الذي يعمَل من الخير، ويَحمَدُه الناس عليه؟ قال: "تلك عاجلُ بُشرى المؤمن"[5]. [1] انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 168). [2] المرجع السابق، (1/ 169). [3] رواه مسلم. [4] متفق عليه. [5] رواه مسلم.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10) د. حسام العيسوي سنيد قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265]. بعد أن مثَّل الله تبارك وتعالى للصنف الأول: المرائي، مثَّل للصنف الثاني بقوله: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾، ومعنى ﴿ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾؛ أي: متحقِّقون ومتثبِّتون بأن الله سيَجزيهم على إنفاقهم لوجهه أوفر الجزاء، وشبَّههم: بجنة، بمكان مرتفع، أصابها مطرٌ غزير، فأخرجت ثمارها مضاعفة، وإن لم ينزل عليها المطر الغزير، فيكفيها المطر الخفيف أو الندى، وذلك بسبب جودتها، وكرم مَنبتها، ولطافة هوائها، فهي تُنبت على كل حال. القرآن يَحثنا في أكثر من آية على الإخلاص؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، ومعنى حنفاء: أي مائلين عن الأديان كلها إلا الإسلام[1]، ومعنى دين القيمة: الملة المستقيمة، ومع ذلك لا يدخلون فيها[2]، وقال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]. والنبي (صلى الله عليه وسلم) يُوصينا، فعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (رضي الله عنه) قال: سُئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الرجل يُقاتل شجاعةً، ويقاتل حَميَّة، ويقاتل رياءً؛ أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): "مَن قاتَل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله"[3]. [1] انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (3/ 588). [2] انظر: المرجع السابق، (3/ 588). [3] متفق عليه، وانظر: الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، (1/ 239)، صفوة التفاسير، (1/ 169، 170).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |