|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عبرات بدرية افتتان أحمد تنسكب العَبرات في أصعب اللحظات، تجري أنهار الدموع فتخفف عن النفس مصابها، وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فاضت روح طفل يحتضر أمامه، فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده؛ وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وبكى عندما فجع في ابنه إبرهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))؛ البخاري (1303). سيل الدموع يرطب القلوب فتلتئم الجروح: قد ناحت قريش على قتلاهم في غزوة بدر، ثم حرَّموا البكاء على قتلاهم، وقالوا: لا تفعلوا؛ فيبلغ محمدًا وأصحابه، فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تَسْتأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. وكان الأسود بن زمعة قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة بن الأسود، وعقيل بن الأسود، والحارث بن زمعة، وكان يحب أن يبكي على بنيه، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له وقد ذهب بصره: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة- يعني زمعة- فإن جوفي قد احترق. قال: فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فلم يتمالك نفسه وقال: أتَبْكي أنْ يَضِلَّ لَها بَعِيرٌ ![]() وَيَمْنَعُها مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ ![]() فَلا تَبْكِي عَلى بَكْرٍ وَلَكِنْ ![]() عَلى بَدْرٍ تَقاصَرَتِ الْجُدُودُ ![]() ألا قَدْ سادَ بَعْدَهُمُ رِجالٌ ![]() وَلَوْلا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا ![]() [ص617 – كتاب شرح ديوان الحماسة، المرزوقي]. يقول ابن كثير: وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت؛ وهو تركهم النوح على قتلاهم، فإن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين؛ [البداية والنهاية (5/199)]. فقد اجتمع لهم ألم الحسرة والهم والمصيبة والعذاب النفسي الذي تنفس عنه الدموع حال الكرب. فكأن الألم شوك تغص به الحلوق، ولا يجد سيل العبرات التي ترطبه وتضمد به الجروح. وعلى النقيض تمامًا من هذه الصورة القميئة الكئيبة كانت عبرات المؤمنين وعبرات سيد المرسلين في يوم بدر؛ هنا دموع شاب لم يتجاوز السادسة عشر، يبكي حرصًا على الشهادة، وهو عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستصغره، فقال: ارجع، فبكى عمير، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة، قتله عمرو بن عبد ودّ. وهنا سالت دموع الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقد كان يدعو ويستغيث ويتضرع يوم بدر وينادي ربَّه طالبًا تحقيق وعده ونصره، ويقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني)) ويقول: ((اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبَد في الأرض))، ويمد يديه صلى الله عليه وسلم حتى يسقط الرداء، فيقول صاحبه أبو بكر رضي الله عنه: ((سينجز الله لك ما وعدك)). وفي غزوة بدر دمعت عينه -صلى الله عليه وسلم– خوفًا من أن يكون ذلك اللقاء مؤذنًا بنهاية المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم، كما جاء عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قوله: "ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح"؛ [أحمد]. وبعد غزوة بدر يروي ابن عباس -رضي الله عنهما- عن عمر بن الخطاب:... فلما أسروا الأسارى -يعني في غزوة بدر- قال رسول الله لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله: ما ترى يا بن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكِّنَّا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان -نسيبًا لعمر- فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة -شجرة قريبة من نبي الله- وأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67، 68] إلى قوله: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [الأنفال: 69]، فأحلَّ الله الغنيمة لهم. وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب؛ فرَجَّحَت طائفة قول عمر، ورجحت طائفة قول أبي بكر؛ لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم، الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أولًا، ولموافقة الله له آخرًا؛ حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق؛ فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا، وغلَّب جانب الرحمة على جانب العقوبة. قالوا: وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، وإن أراده بعض الصحابة، فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة، كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: "لن نغلب اليوم من قلة"، وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة، ثم استقر الأمر على النصر والظفر، والله أعلم؛ [زاد المعاد لابن القيم]. وما أغلى هذه العبرات اللؤلؤية تنسكب رحمةً ورقةً فتمسح الأحزان وتُروِّح عن الأبدان! فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأُمِّي خير الأنام.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |