أحس بالغربة ولا أرغب في الحياة

[ابوالوليد المسلم]

أحس بالغربة ولا أرغب في الحياة
أ. أميمة صوالحة
السؤال:
♦ الملخص:
شابٌّ يدرس في كلية الطبِّ التي أجبره والداه عليها، ولا يُحبُّ تلك الدراسة، ويريد أية دراسةٍ مُتعلِّقة بالرياضيات، وتسبَّب هذا في حدوث اكتئاب حاد لديه!


♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ أعاني مِن اكتئابٍ حادٍّ اكتشفتُه عندما قرأتُ عن أعراضه، ووجدتُها تتطابَق عليَّ!
مشكلتي أني لا أرغب في الحياة، وليس لي أحلام ولا أهداف، ولا أملك أي مشاعر، وأُحب العُزلة، ولا أريد الدراسة ولا العمل!
السبب في كلِّ ما أصابَني هم أهلي ثم مَن حولي، فوالداي مُتسلِّطان بشكل كبيرٍ، ويَتَدَخَّلان بشكلٍ لا يُطاق في حياتي، وقد اختارَا لي كلية الطب لكني لا أحبُّها؛ لأنَّ الدراسة تَتَطَلَّب منِّي كثيرًا مِن الحفظ، وللأسف أنا مريض بالصرع منذ كان عمري 3 سنوات، وأُعاني مِن آثاره حتى بعدَ الشِّفاء! جرَّبْتُ كثيرًا مِن الأدوية والرُّقية الشرعيَّة، لكن دون جدوى، وكل ما أُريده أنْ أدرسَ مجالًا يَتَعَلَّق بالرياضيات لأني أحبُّها ومُتعلِّق بها.
أما مَن حولي فهم يسخرون مني، ويُنادونني بالمجنون، حتى أصبحتُ ضعيفًا، لا أقدِرُ على التعامل مع مَن حولي، وأصبحتُ مُنعزلًا لا أحبُّ الدنيا وأتمنى الموت! فكَّرْتُ مرارًا في الانتحار، لكني خفتُ وأبعدتُ هذه الفكرة عن رأسي.
لي أخ توءم، يكره الناس ويسبهم، ويُسبب لي كثيرًا من المشاكل مع أهلي، وله أفكار غريبة؛ إضافة إلى أنه شخص سلبي يَسْخَر مني دائمًا، ويقول لي: أنت فاشل.



الجواب:
الابن الكريم، نُرحِّب باستشارتك في شبكة الألوكة، ونشكر لك تواصلك، ونسأل الله أنْ نكونَ عونًا لك في شرح صدرك، وحل سائر مشكلاتك.


لا شك أن الناس مِن حولك لهم أثرٌ كبير في تكوين مجموعة مِن قناعاتك حول نفسك وتوجهاتك، إلا أنهم ليسوا كلَّ شيء، فعليك أنْ تكونَ على قناعةٍ تامةٍ بأنك تحمل مسؤولية نفسك بشكلٍ متكامل، خاصة وأنك في عمرٍ مناسبٍ لتحمُّل تلك المسؤوليات، بعيدًا عن لوم الناس والأحداث مِن حولك، ولا بد مِن الاعتراف بالقوة والعزيمة الكافية لمُقاوَمة كافة الظروف، والإقرار بذاتك، والإيمان بقدرتك على التغلُّب على الصُّعوبات، وتحدِّي كافَّة العقَبات التي ذكرتها، والتي واجَهَتْك منذ طفولتك المبكِّرة.


وكما تعلم فالإنسانُ لم يُخْلَق في هذه الحياة عبثًا، وإنما خُلِقَ ليعملَ ويجتهدَ مخلصًا في عمله؛ قال تعالى:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105]؛ لذلك فالحياةُ تستحق منك العمل والمثابَرة والإصرار على تحقيق النجاح، مهما تعثرت العزيمة بالعوائق.

وتفصيلُ طبيعة المشكلة النفسية التي تُعاني منها كالآتي:
الاكتئاب: حالة مرَضية ناتجة عن الضُّغوط النفسية التي أحاطتْ بك لفترة طويلة، إضافة إلى أنَّ عامل الوراثة قد يكون أحد المسببات الرئيسة، وذلك لإشارتك بما يُعاني منه شقُّك التوءم مِن اضطرابٍ نفسيٍّ حاد، والاكتئابُ هو مِن أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا، إلا أنَّ علاجه مِن الأمور اليسيرة والمتاحة في حالة المقاومة والإقرار به، والسعي في سبيل الخلاص مِن آثاره السلبية التي تُؤثِّر على مسار الحياة بشكلٍ عام.


أولًا: العلاج مِن خلال عيادات الطب النفسي:
الحد مِن أعراض الاكتئاب والعلاج منه - يَتَطَلَّب متابعة الطبيب النفسي، والعلاج المُبكِّر، والاعتراف بالمرض مِن أهم وسائل العلاج.


كذلك ننصحك بمُحاولة مساعدة أخيك من خلال متابعة الطبيب النفسي، وإنْ لم يكنْ في الإمكان تولي تلك المهمة بنفسك فالأجدرُ الاستعانة بالمقربين منه، أو الوالدين، أو أحد الأقارب والمعارف ذوي التأثير الإيجابي والموثوق بهم.


ثانيًا: نُلخِّص لك الفوائد النفسية من خلال النصائح التالية:
التخلُّص مِن الأفكار السوادوية ومقاومتها، ومساعدة نفسك وذلك بالتأكُّد على أنك قادرٌ على أن تُبدِّل قناعاتك تجاه نفسك والآخرين مِن حولك.


ممارسة الأنشطة الرياضية، مِن خلال بعض النوادي التي تساعدك على الاختلاط بالآخرين، وبناء علاقات اجتماعية في بيئة موائمة نفسيًّا واجتماعيًّا.


ممارسة حقك الطبيعي في اختيار التوجُّهات العلمية المناسبة لقدراتك؛ لأن التعامُل مع الدراسات التي لا تُناسب ميولك وتفوق قدراتك - يَستوجب في حدِّ ذاته تحديًا نفسيًّا مضاعفًا، وعليك التحاور مع والديك بهذا الشأن، والوصول معهما إلى قرارٍ يُناسبك، مع توضيح وجهة نظرك، وشرح الصعوبات وآثارها البالغة على حالتك النفسية.


وأخيرًا: أكثِرْ من التوجُّه إلى الله، واليقين في قدرته سبحانه، وأخلصْ في العبادة، واجعلْ قلبك عامرًا بذِكْر الله، ثم ثِقْ بنفسك كثيرًا، فالأشياءُ الجميلةُ في الحياة لا تستطيع تحقيقها دون الوُصول إلى القدر الكافي من الثقة بذاتك، ولا تتوقف عن تحقيق الطموحات.

مع خالص التمنيات بالسداد والتوفيق