عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836914 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379431 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191288 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2668 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 662 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 948 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1103 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 855 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-03-2023, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





رمضان موسم تدبر القرآن الكريم
د. عبدالله البوعلاوي

(1)



رمضان ليس كباقي الشهور، ففيه تتجدد العزائم، وتتعدد الطاعات، فيتجدد العهد بالقرآن الكريم، تلاوة وحفظاً وتدبراً، بعدما عَدَلوا إلى غيره وهجروه، يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»[1].

يعتبر رمضان فرصة للارتباط بالقرآن الكريم وفهمه، ولعل حبس النفس عن الشهوات في رمضان والتضييق على مجاري الشيطان يجعلان العقل صافياً لتدبر القرآن وفهم معانيه وإدراك أسراره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجوَدَ الناس بالخير، وكَانَ أجودَ مَا يَكُونُ فِي رمضَانَ حِينَ يلْقَاهُ جبرِيلُ، وكان جبريل عليه السلام يلقاهُ كلَّ ليلَةٍ في رمضانَ حتى ينسلخَ، يعرضُ عليهِ النبي
صلى الله عليه وسلم القرآن[2]، وفي رواية مسلم فيدارسه القرآن»[3].
يقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، هذه المغفرة تتحقق لمن اتقى، وإذا تأملنا قول الله تعالى: {سَارِعُوا} وجدنا أن الأمر يستدعى استباق الزمن وتجاوز الوقت، فالسرعة إلى نيل المغفرة من الله مطلوبة، مأمور بها الإنسان.

قد يحتاج الإنسان في المسابقة إلى إعادة النظر في إمكانياته الروحية والمادية، فيستجمع ما لديه من قوة، فيجد في الطلب ويجتهد في المأمورات، ويصبر على شهوات النفس ومطامعها، ويقوي من عزيمته نحو فعل الخيرات. ورمضان فرصة التسابق إلى كل الخيرات وأنواع البر كلها، يقول الطاهر بن عاشور: «السرعة المشتق منها سارعوا مجاز في الحرص والمنافسة والفور إلى عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة والجنة، ويجوز أن تكون السرعة حقيقة، وهي سرعة الخروج إلى الج
هاد عند التنفير كقوله في الحديث: (وإذا استُنْفِرْتُم فَانفِرُوا)، والمسارعة على التقادير كلها تتعلق بأسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة»[4].
ولن يجد الإنسان أكثر من فرصة التعلق بالقرآن الكريم في رمضان، بأن يجعل له ورداً للتلاوة وورداً للمدارسة والتدبر، ليهذب نفسه بالقيم القرآنية ومحامد الأخلاق العالية ا
لإنسانية.

والإنسان الآمر بالعدل يستشرف المستقبل، ويأخذ الهدف من وجوده، فينظر إلى ما تقدم يداه، يقول الله تعالى ملفتاً نظر الإنسان إلى منتهى أجله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، فأمر الله تعالى العبد أن ينظر ما قدم لغد، وذلك يتضمن محاسبة نفسه على ذلك، والنظر هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أم لا؟ والمقصود من النظر: ما يوجبه ويقتضيه من كمال الاستعداد ليوم المعاد، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله، ويبيض وجهه عند الله، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر»[5]، وعلى هذا يجب أن يكون المؤمن مستعداً، فيزين نفسه من الأعمال ويدرأ عنها ما يفسدها لتكون خالصة لوجه ال
له، وتكون له حجة عند الله تعالى.

ولن نصل إلى طهارة النفس في رمضان حتى ندرأ عنها الشهوات ونحفظها من الوقوع في الزلات من المحرمات، ونُقبِلَ على ما يمحو الخطايا والذنوب والأوزار من شتى القربات، ولن نجد أفضل من الإقبال على القرآن الكريم، فنرقى به إلى مستوى الوعي بأحكامه وسبر أسراره، والتمسك بأنواره وهدايته على المستوى الروحي والمادي، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]، لا أن نكتفي بتلاوة حروفه دون تدبر معانيه، «ونستطيع أن نقول: وقد تحولت العناية بالقرآن إلى حفظه وحسن ترتيله وطباعته، والاقتصار على ترداد فهوم السابقين فقط:


إننا نعيش المرحلة التي أخبر عنها وحذر منها الصادق المصدوق من ذهاب العلم وشيوع الأمية العقلية، وأن الكثير من علل الأمم السابقة قد تسربت إلى المسلمين مصداقاً لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة وترتيلاً، قال ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس وقتادة في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}، أي غير عارفين بمعاني الكتاب، يعلمونها حفظاً وقراءة بلا فهم، لا يعلمون فقه الكتاب»[6]، وقال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل. لهذا يركز القرآن على التدبر لتحصيل المراد من ق
راءته، ولا يمكن أن نحيا بالقرآن حتى تلتقي أرواحنا بروح القرآن، فيبعث فيها الحياة، وإلا فإنها محجوبة عن حقيقته، يقول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وتفيد الآية التقريع، وطلب التدبر يفيد أيضاً النظر إلى مآلات الآيات، وهي مرحلة تستدعي التفكر وإعمال العقل، والتلاوة الخالية من التدبر لا تثمر خشية القلب، المفضي إلى العمل بكتاب الله.

ففي رمضان نقبل على القرآن الكريم تلاوة، فينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا عظمة المتكلم، ونتأمل الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، والأخبار والقصص، والموت وما يتبعه من عالم البرزخ، وأحداث الساعة وأهوالها وما يتبعها من نفخ الصور والبعث والنشور، والشفاعة والحساب، والجزاء والميزان، ثم الحوض والصراط، ومصير الإنسان إلى الجنة أو النار، من أجل أن نعيش بالقرآن وأن نحيا بالقرآن، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّـمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ 57 قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58]. والإنسان يفرح إذا أتاه الله فهم القرآن الكريم وتدب
ر آياته ليهتدي به في دينه ودنياه، فهو يدل على الخير وإلى فعل الخير، وكل هداية فيها سعادة الإنسان وطمأنينته، يقول الله تعالى: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].


يقول ابن القيم رحمه الله: «إن القرآن الكريم هو الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشد، فالحقيقة والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تُقتبس إلا من مشكاته، ولا تُس
تثمر إلا من شجراته»[7].
إننا نحتاج إلى إعادة النظر في طريقة قراءتنا للقرآن الكريم لنرقى إلى مستوى القرآن الكريم، ونتخلق بأخلاق القرآن، وندرك الخطاب القرآني وهدايته لنتبصر به نوراً وصراطاً مستقيماً، يقول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
وقد ذكر الله لهذا النور ثلاث فوائد:

الفائدة الأولى: أنه يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام؛ أي إن من اتبع منهم ما يرضيه تعالى بالإيمان بهذا النور يهديه - هداية دلالة تصحبها العناية والإعانة - الطرق التي يسلم بها في الدنيا والآخرة من كل ما يرد
يه ويشقيه، فيقوم في الدنيا بحقوق الله تعالى وحقوق نفسه الروحية والجسدية وحقوق الناس، فيكون متمتعاً بالطيبات مجتنباً للخبائث، تقياً مخلصاً، صالحاً مصلحاً، ويكون في الآخرة سعيداً منعماً، جامعاً بين النعيم الحسي الجسدي والنعيم الروحي العقلي. وخلاصة هذه الفائدة أنه يتبع ديناً يجد فيه جميع الطرق الموصلة إلى ما تسلم به النفس من شقاء الدنيا والآخرة، لأنه دين السلام والإخلاص لله ولعباده، دين المساواة والعدل والإحسان والفضل.
الفائدة الثانية: الإخراج من ظلمات الوثنية والخرافات والأوهام التي أفسد بها الرؤساء جميع الأديان واستعبدوا أهلها، إلى نور التوحيد الخالص الذي يحرر صاحبه من رق رؤساء الدين والدنيا، فيكون بين الخلق حراً كريماً، وبين
يدي الخالق وحده عبداً خاضعاً. وقوله: {بِإذْنِهِ} فسروه بمشيئته وبتوفيقه. والإذن العلم، يقال أذن بالشيء: إذا علم به، وآذنته به: أعلمته فأذن، ويقال أذن - بالتشديد - وتأذن بمعنى أعلم غيره، ويقال: أذن له بالشيء: إذا أباحه له، وأذن له أذناً: استمع، والظاهر أن الإذن هنا بمعنى العلم؛ أي يخرجهم من الظلمات إلى النور بعلمه الذي جعل به هذا القرآن سبباً لانقشاع ظلمات الشرك والضلال من نفس من يهتدي به، واستبدال نور الحق بها، بنسخه وإزالته لها؛ فهو إخراج يجري على سنن الله تعالى في تأثير العقائد الصحيحة والأخلاق والأعمال الصالحة في النفوس، وإصلاحها إياها، لا أنه يحصل بمحض الخلق واستئناف التكوين من غير أن يكون القرآن هو المؤثر فيه.

الفائدة الثالثة: الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الموصل إلى المقصد والغاية من الدين في أقرب وقت؛ لأنه طريق لا عوج فيه ولا انحراف، فيبطئ سالكه أو يضل في سيره، وهو أن يكون الاعتصام بالقرآن على الوجه الصحيح الذي أنزله الله تعالى لأجله، كما كان عليه أهل الصدر الأول، قبل ظهور الخلاف والتأويل؛ بأن تكون عقائده وآدابه وأحكامه مؤثرة في
تزكية الأنفس وإصلاح القلوب وإحسان الأعمال. وثمرة ذلك سعادة الدنيا والآخرة بحسب سنن الله في خلق الإنسان[8].
إن الذي يساعد على تدبر القرآن الكريم وفهمه إطلاق العقل وسياحته مع معاني الآيات، وخصوصاً عند حِلَق القرآن الكريم حيث تكثر في رمضان ومجالسة العلماء، الذين ينظرون في خطابه، فتخشع القلوب والجوارح، و«يتوقف فهم القرآن الكريم على الجمع بين التلاوة والمدارسة للوقوف على المطلوب منه أمراً ونهياً، إذ لا بد من قراءة القرآن الكريم قراءة متدبرة واعية تفهم الجملة فهماً دقيقاً، ويبذل كل امرئ ما يستطيع لوعي معناها وإدراك مقاصدها... ومعنى المدارسة القراءة والفهم والتدبر والتبين لسنن الله في الأنفس والآفاق، ومقومات الشهود الحضاري، ومعرفة الوصايا والأحكام، وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وما إلى ذلك مما يحتاج المسلمون إليه لاستئناف دورهم المفقود[9].


تتطلب مدارسة القرآن الكريم في رمضان إيقاظ الضمير وتحفيز الهمم وتقوي
ة الإرادة لتدبر آياته وفهمها في بعدها الكوني والحضاري، ليكون الإنسان على استعداد لتنزيل كل ما يلزم تنزيله بما يناسب الواقع، يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم منادياً كلَّ من يبحث عن الهداية في حياته كلها، فيما ينقله أَبو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفَهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَداً[10]. وقال صلى الله عليه وسلم : «كتابُ الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض»[11].

يأمر الله تعالى الإنسان بتدبر القرآن الكريم، وينهى عن الإعراض عنه، يقول الحق سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، والاستفهام تعجيب من سوء علمهم بالقرآن ومن إعراضهم عن سماعه. والمعنى: «بل بعض القلوب عليها أقفال، هذا من التعريض بأن قلوبهم من هذا النوع. لأن إثبات هذا النوع من القلوب في أثناء التعجيب من
عدم تدبر هؤلاء القرآن، يدل بدلالة الالتزام لأن قلوب هؤلاء من هذا النوع من القلوب ذواتِ الأقفال. فكون قلوبهم من هذا النوع مستفاد من الإضراب الانتقالي في حكاية أحوالهم»[12]. تمنع هذه القلوب العقلَ عن التعامل مع القرآن الكريم فلا ينفذ إليها نور ولا تهتدي بهدى. وصيغة {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} للاستفهام الإنكاري الدالة على التحريض، بمعنى أن القرآن واجب تدبره لما يحمل من أسرار تنفع الإنسان في حياته الأولى والأخرى.

يعتبر رمضان فرصة لتدبر الإنسان القرآن الكريم، لينتفع القلب نوراً وهداية، ويجب أن لا يقع همُّ الواحد منا في كثرة ختمات القرآن أكثر من وعيه بمعاني القرآن وفهمه لأحكامه. ولا يجوز أن يعطل الحواس إلى حال يهوي بها إلى درجة الكائنات غير العاقلة، وتزج به إلى درجة الدونية، وتجعله من أهل النار في الآخرة، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِـجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْـجِنِّ وَالإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]. وتأتي الدعوة الإلهية من جديد إلى الذين عطلوا أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم عن ذكر الله وما نزل من الحق: {أَلَمْ يَأْنِ لِ
لَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْـحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يفتحوا مغاليق قلوبهم، ويزيلوا عنها ما ران عليها من الصدأ لطول الأمد، وأن يُعملوا عقولهم بعد أن يزيلوا عنها ما تراكم من غبار التقليد عبر السنين، وأن يعيدوا قراءة كتاب الله، ويتلوه حق تلاوته، بأعين مدركة للنصوص، مفتوحة على الواقع. فسوف يجدون أن الله تعالى قادر على أن يحيي الأرض بعد موتها، قادر على أن يعيدهم إلى الحياة والعزة بالقراءة من جديد»[13].

رمضان فرصة لتحرر العقل من الأقفال، لينظر إلى نور الوحي بكل عزيمة وقوة، ويفجر كل قدراته ومهاراته ليأتمر بأمره وينتهي بنهيه. والقراءة المتدبرة للقرآن سبيل إلى الإبحار في معانيه والاستجوال في فضاءاته والتنقل في آفاقه. وإذا تجاوز الإنسان عتبة التلاوة السطحية إلى القراءة التدبرية حقق المراد من قوله تعالى: {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29].
إن رمضان فرصتنا للنظر في القرآن الكريم على مستوى العمل، أكثر من ال
حرص على كثرة ختمه دون وعي وتدبر، ليكون لنا منهجاً دالاً إلى الخيرات في ديننا ودنيانا.
[1] صحيح مسلم، حديث رقم 1343.
[2] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام أحمد بن حجر العسقلاني (773-852هـ)، 4/116، تصحيح وتحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة ، بيروت، لبنان.
[3] صحيح مسلم حديث رقم 2308.
[4] التحرير والتنوير، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ص89-90، الدار التونسية للنشر، 1984م.
[5] بدائع التفسير، الجامع لما فسره الإمام ابن القيم رحمه الله، 3/146-147، جمعه وخرج أحاديثه السيد محمد، راجعه ونسّق مادته ورتبها صالح أحمد الشامي، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، رمضان 1428هـ.
[6] كيف نتعامل مع القرآن الكريم، للشيخ محم
د الغزالي رحمه الله.
[7] مدارج السالكين، بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام لابن قيم الجوزية (691-751هـ) ص14، بتصرف يسير، تحقيق محمد حامد الفقي، ومحمد عبد الرحمن الطيب، المكتبة التوفيقية.
[8] تفسير القرآن الحكيم، الشهير بتفسير المنار، تأليف السيد محمد رشيد رضا، 6/305-306، در المنار الطبعة الثانية، 1368هـ.
[9] كيف نتعامل مع القرآن، للشيخ محمد الغزالي ، في مدرسة مع الشيخ عمر عبيد حسنه ص35.
[10] رواه الطبراني في الكبير (معجم الطبراني الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية 2010م)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، مشهور بن حسن آل سلمان
، ص37، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 2009م.
[11] صححه الألباني بمجموع طرقه في الصحيحة، الحديث (2024). وقال العلامة الألوسي في تفسيره: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه} [آل عمران: 103] أي القرآن، وروي ذلك بسند صحيح عن ابن مسعود .
[12] التحرير والتنوير، للشيخ الطاهر بن عاشور 26/113.
[13] القراءة أولاً، ص155.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-03-2023, 01:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان




أختم أم أتدبر؟

الشيخ الدكتور عمر المقبل
(2)

يرد هذا السؤال كثيرًا على أهل العلم، وطلابه، وخاصةً في شهر رمضان المبارك، حيث
الإقبال العام من المسلمين على قراءة كتاب الله تعالى.
وقد بقيت عِقْدًا من الزمن أتأمل في هذا السؤال كثيرًا، وأتذاكر فيه مع بعض الفضلاء، فكتبت هذا الجواب المختصر، الذي أرجو أن يكون صوابًا، وألخصه في الآتي:
1- بَحْثُ العلماء في هذه المسألة يدور على الأفضلِ، والأقربِ لمراد اللهِ الذي أنزل القرآن، ومرادِ مَنْ نزل عليه القرآن ï·؛ دون تأثيم لمن اختار كثرة الختمات دون تدبر، وذلك رغبةً في كثرة المقروء.

2- نصوص القرآن، والسنة، وكلام أئمة الإسلام متظاهرة في أن الغاية من نزول هذا القرآ
ن هو صلاح القلوب، فإن القرآن أول ما نزل على قلب محمد ï·؛: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين [البقرة: 97] فإذا ضم هذا إلى قوله ï·؛: ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[1] تبيّن هذا بوضوح.
ولهذا لما قال رجلٌ لابن مسعود: إني لأقرأ المفصل في ركعة! فقال عبد الله: “هذًّا ك
هذ الشعر؟! إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع”[2].

3- جماهير العلماء من السلف، والخلف على أن القراءة بتدبر، وتعقّل أفضل؛ لما في ذلك من تحقيق مراد الله -وهو الفهم، والتدبر، والتفكر، والعقلُ عنه- الذي تكرر الحثّ عليه في مئات الآيات الكريمة.
يقول الإمام الآجري: (360هـ): “والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه، وتدبره أحب إليّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر، ولا تفكر فيه، وظاهرُ القرآن يدل على ذلك، والسنة، وقول أئمة المسلمين.


ثم ساق بسنده قو
ل أبي جَمْرَةَ الضُبَعي، قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأتدبرها، وأرتلها أحب إلي أن أقرأ كما تقول.
وأسند عن مجاهد أنه سئل عن رجل قرأ البقرة، وآل عمران، ورجل قرأ البقرة،
قراءتهما واحدة، وركوعهما، وسجودهما، وجلوسهما، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106][3].
فهل يتغير هذا الحكم في رمضان عن غيره؟
قال بذلك بعض أهل العلم؛ اغتنامًا لشرف الزمان.
وقال آخرون: بل رمضان في ذلك كغيره، لا يُنقصُ فيه عن ثلاث، إذْ الأصلُ هو تحقيق مراد الله بالتدبر -كما سبق- ويرجّح هذا عمومات الأدلّة التي لم تستثن زمانًا دون زمان، ومن ذلك وصيته ï·؛ لعبد الله بن عمرو: اقرأ الق
رآن في كل شهر قال: إني أطيق أكثر، فما زال، حتى قال: في ثلاث[4] وفي لفظ: فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك[5].

وهذا القول بالعموم اختيار جَمْعٍ من أهل العلم، منهم شيخنا العلامة عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- حيث قال: “ظاهر السُّنة أنه لا فرق بين رمضان، وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يعجل، وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبدالله بن عمرو، فقال: اقرأه في سبع هذا آخر ما أمره به، وقال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث ولم يقل إلا في ر
مضان، فحمل بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب -والله أعلم- أن المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن، ويجتهد في إحسان قراءته، وتدبر القرآن، والعناية بالمعاني، ولا يعجل، والأفضل أن لا يختم في أقل من ثلاث، هذا هو الذي ينبغي حسب ما جاءت به السنة، ولو في رمضان”[6].

ولا ينبغي الاعتراض هنا بفعل بعض السلف، فإن الأصل مراعاة الدليل، مع أنه قد يعتذر لأولئك العلماء بأن هذا قد اختاروه لكثرة تلاوتهم للقرآن في رمضان، وغيره، فصارت معاني القرآن متكررةً على قلوبهم،
وأذهانهم، فيسهل عليهم تذكرها.
وعليه: فلا ينبغي أن يقال لمن ليس له ورد من القرآن طول السنة إلا قليلًا: احرص على تكثير الختمات! بل يقال: اجتهد في فهم ما تقرأ، وحرّك قلبك بما اتضح لك من معانيه -وهي كثيرة بحمد الله- ولو لم تختم إلا ختمة واح
دة تُداوي بها قلبَك، وتُصلح بها ما فسد منه، وتلين بها قسوته، فهي خير من ختمات لا أثر لها على القلب، والجوارح، وهل ذُمَّ الخوارج إلا بقراءة لا أثر لها؟ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم[7].

أما العامي من أهل اللسان العربي، الذي يعجز عن التدبر، ولو قليلًا، فإن سلّمنا بوجود هذه الصورة، فلا مناص من حثّه على كثرة القراءة.
وحين يُطالب بالقراءة المتدبرة فإن ذلك لا يعني أن يتجرأ الإنسان على بثّ ما يقع له من تدبرات قبل التثبت، والتحري، فهذا شيء، وقراءة القرآن بأناة شيء آخر[8].
المصدر: موقع الدك
تور عمر المقبل

صحيح البخاري ح (52)، صحيح مسلم ح (1599).
مسلم ح (822).
أخلاق أهل القرآن (
ص: 169).
البخاري ح (1978).
مسلم ح (1159).
مجموع فتاوى ابن باز (11/351).
البخاري ح (3344)، مسلم ح (1063).
ينظر: مقال: التدبر بين تباشير العودة، وخطر الجرأة “المو
قع الرسمي للشيخ الدكتور عمر المقبل”.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-03-2023, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





أسباب هجر تدبُّر القرآن

د. محمود بن أحمد الدوسري
(3)


لا شك أنَّ هجر التَّدبُّر له أسباب كثيرة، ومتنوِّعة، تختلف من هاجِرٍ لآخر، ولربَّما اجتمع أكثر من سبب في شخصٍ واحد، وسيكون الحديث عن أهمِّ هذه الأسباب كما يلي:
فمن أعظم أسباب هجر التدبر:

أولًا: الإصرار على الذُّنوب


إصرار العبد على الذَّنب، وارتكابه إيَّاه من أعظم الأسباب التي تحول دون تدبُّر القرآن، وفَهْمِ معانيه، فينبغي لمن أراد تدبُّرَ القرآن أن يبتعد عن الذُّنوب، والمعاصي، ولا سيَّما التي لها اتِّصال مباشر بأدوات، ووسائل التَّدبُّر، وهي: القلب، والسَّمع، واللِّسان، والبصر، فانهماك هذه الجوارح في الحرام يُعطِّلها عن تدبُّر القرآن، والانتفاع به، تأمَّل ماذا قال الكفار: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ [فصلت: 5].
فالإصرار على الذُّنوب من أعظم ما يصدُّ عن اتِّعاظ القلب، وانشراح الصدر لمواعظ القرآن، وحِكَمه،
وأحكامه، والله تعالى يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146].
ثانيًا: انشغال القلب

القلب المشغول عن القرآن بغيره لا يتأثَّر به؛ لتشعُّبه في أودية الدُّنيا، وغفلته عن تدبُّر كتاب الله، وكيف يحصل له ذلك، وهو قلب غائب ليس بحاضر.
إذًا؛ فحضور القلب، وعدم انشغاله شرط في الانتفاع، والتَّذكُّر بالقرآن الكريم، وفي ذلك قال ابن القيِّم -رحمه الله- أيضًا: “فإذا حصل المؤثِّر: وهو القرآن. والمَحَلُّ القابل: وهو القلبُ الحي. وَوُجِدَ الشَّرط: وهو الإصغاء. وانتفى المانع: وهو اشتغالُ القلب، وذهولُه عن معنى الخطاب، وانصرافُه عنه إلى شيءٍ آخَرَ؛ حَصَلَ الأَثَرُ: وهو الانتفاعُ، والتَّذكُّر”[1].
ثالثًا: الجهل باللُّغة العربيَّة


أنزل الله -عز وجل- القرآن العظيم بلسان عربيٍّ مبين، كما قال -جلَّ جلالُه-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ غ‌ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ غ‌ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ غ‌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192-195] وسبب تنزُّله باللُّغة العربيَّة: هو أنَّها “أ
فصح اللُّغات، وأبينُها، وأوسعُها، وأكثرُها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنُّفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللُّغات”[2].
وإذا كان القارئ لا يعرف شيئًا عن لغة العرب، ولا يدرك أساليب كلامهم، فأنَّى له أن يتدبَّر القرآن، ويعقل عن الله تعالى الخطاب، وهو سبحانه يقول: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]. ويقول تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[فصلت: 3].
والمقصود الأعظم من تعلُّم اللُّغة العربيَّة: هو معرفة كلامِ الله تعالى، وكلامِ رسوله ï·؛ ومَنْ
فاته تحقيق هذا المقصد، فقد أمضى عمره في غير ما طائل، بل ربَّما كان تعلُّمه حجَّة عليه، كحال الذين يتعلَّمون العربيَّة للطَّعن في القرآن، وعلوم الشَّريعة من المستشرقين، وأذنابهم[3].
رابعًا: تَرْك التَّدبُّر تورُّعًا


من النَّاس مَنْ يترك تدبُّر القرآن؛ خوفًا من القول على الله تعالى بغير علم، ويعتقد أنَّ تدبُّر القرآن مهمَّة المفسِّرين، والعلماء، فيكتفي بالقراءة هاجرًا تدبُّر القرآن، ظانًّا أنَّ هذا هو الورع مع كتاب الله تعالى، ولا ريب أنَّ هذه مكيدةٌ من مكايد الشَّيطان حتَّى يصرفَ النَّاس عن الانتفاع بتدبُّر آيات القرآن، وفي ذلك يقول ابن هُبَيْرة -رحمه الله-: “ومن مكايد الشَّيطان: تنفيرُه عبادَ الله من تدبُّر القرآن؛ لعلمه أنَّ الهدى واقع عند التَّدبُّر، فيقول: هذه مُخاطرة، حتَّى يقولَ الإنسانُ: أنا لا أتكلَّم في القرآنِ
تورُّعًا”[4].
وأنكر ابن القيِّم -رحمه الله- على مَنْ هذا حاله بقوله: “ومَنْ قال: إنَّ له تأوُّلًا لا نفهمه، ولا نعلمه، وإنَّما نتلوه متعبِّدين بألفاظه؛ ففي قلبه منه حَرَج”[5].
والله تعالى يقول: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف: 2] فهذ
ا تهييج للمؤمنين على نفي الحرج من قلوبهم عند تلاوة القرآن، أو سماعه، أو تدبره، أو العمل به.
خامسًا: هجر كتب التَّفسير


مَنْ هَجَرَ كتب التَّفسير، ولم يطالعها، ولم يعرف أسباب النُّزول، أو النَّاسخ من المنسوخ، ونحو ذلك من علوم القرآن، كيف يحصل له تدبُّر القرآن؟ ومتى يوفَّق إلى المعنى المراد؟
ولا غَرْوَ أنْ تعجَّب الطبريُّ -رحمه الله- مِمَّنْ أراد التَّلذُّذ بقراءة القرآن، وهو لا يعرف تفسير الآيات المتلوَّة، فقال: “إنِّي أعجبُ مِمَّنْ قرأ القرآن، ولم يعلم تأويله، كيف يَلْتَذُّ بقراءته”[6].

سادسًا: التَّشاغل بكثرة التِّلاوة
لا ريب أنَّ الآيات، والأحاديث، والآثار الواردة في فضائل التِّلاوة تُشجِّع على الإكثار منها، ويعضد ذلك اقتصار كثير من المذكِّرين والوعَّاظ على الرِّوايات المنقولة عن السَّلف في كثرة القراءة، وعدد الختمات في وقت وجيز، مع إ
عراضهم عن نهي السَّلف عن سرعة القراءة، وإعراضهم كذلك عمَّا ورد عن السَّلف في تعظيم شأن التَّدبُّر، والحضِّ عليه، وما أُثِرَ عنهم من تفاعلهم، ووقوفهم عند معاني الآيات.


ففي الحثِّ على التَّدبُّر آيات، وأحاديث، وأحوال للسَّلف، أكثر عددًا من مثيلاتها الدَّالة على فضل القراءة، بل أقوى حجَّةً، وأعمق أثرًا، لو تأمَّلها النَّاس لما اقتصروا على التِّلاوة، ولما هجروا تدبُّر القرآن، قال النَّووي -رحمه الله-: “ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتَّدبُّر، والخضوع؛ فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصُّدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أنْ تُحصر، وأشهر من أنْ تُذكر”[7].
إذًا؛ فاستحباب كثرة التِّلاوة لا ينبغي أنْ يؤدِّيَ إلى ترك التَّدبُّر، ولذا جاء النَّهي عن قر
اءة القرآن في أقلَّ من ثلاثٍ؛ من أجل التَّدبُّر، والتَّأثُّر، والانتفاع بالآيات.
فكثرة التِّلاوة المؤدِّية إلى هجر التَّدبُّر حالة ليست بمحمودة، بل هي من تلبيس إبليس على القرَّاء، وفي ذلك يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: “وقد لَبَّسَ على قومٍ بكثرة التِّلاوة، فهم يَهُذُّون هَذًّا، من غير ترتيلٍ، ولا تث
بُّت، وهذه حالةٌ ليست بمحمودة”[8].
المصدر: موقع الألوكة. بتصرف
الفوائد (ص: 6).

انظر: تفسير ابن كثير (2/467).
انظر: هجر القرآن العظيم: أنواعه، وأحكامه، د. محمود الدوسري (ص 535) وما بعدها.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لاب
ن رجب (3/273).
انظر: التبيان في أقسام القرآن (ص 144).
انظر: معجم الأدباء، ياقوت الحموي (5/256).
انظر: الأذكار (1/87).
انظر: تلبيس إبليس (ص 175).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-03-2023, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





التدبر بين تباشير العودة وخطر الجرأة
الشيخ الدكتور عمر المقبل
(4)



من المبشرات التي تبعث على الفأل -وما أكثرها- في هذه الأمة: عودتها إلى التمسك بكتاب ربها عودةً تضيف إلى الاهتمام بالحفظ، والعنايةَ بمقصدٍ من أعظم مقاصد التنـزيل، ألا وهو تدبر القرآن، قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْ
نَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29].


وليس المقام مقام حديثٍ عن فضل التدبر؛ فنصوص من الوحيين في ذلك كثيرة، ومتنوعة في الحض على التدبر، والنعي على المعرضين عنه، بل لو قال قائل: إن كل آية ختمت بالأمر بالتفكر، والتذكر، والعقل، والاعتبار -وهي بالمئات- هي من هذا الباب؛ لكان مصيبًا.
والمقصود أن هذه العودة المبشرة، ما لم تُضبط بضوابط تحوطها من الزلل؛ فإنه يخشى أن يقع بسببها خلل كبير، وجرأةٌ على كتاب الله تعالى، كما تُلحظ بوادره من كتابات بعض الصحفيين الذين تكلّموا فأغربوا، وأخطأوا، أو مِن بعض الناشئة الذين دفعهم حب التدبر للجرأة بطرح ما لديهم، خاصة مع تيسر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتما
عي في “الفيسبوك” و”تويتر” وغيرها.

ولستُ هنا بصدد ذكر ضوابط ذلك، فالمقالة لا تحتمل هذا، لكن لعلي أشير إلى بعض المسائل المهمة التي يقصد منها التنبيه على رؤوس أقلام في هذا الموضوع الذي يحتمل ورقة مطولة، فأقول ع
لى وجه الاختصار:
أولًا: إن التدبر الصحيح فرعٌ عن فهم المعنى، إذ لا يمكن تصور تدبرٍ صحيح، منطلقًا من فهم خاطئ.
فلو أراد أن يستنبط معنى من قوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[الأعراف: 176] فلا بد أن يفهم معنى: تحمل عليه، فلو فَهم الحمل على أنه يَحمل على ظهره شيئًا؛ فهذا خطأٌ في فهم المعنى، فمن الضروري أن يخطئ في التدبر المبني على هذا الفهم، وإن فهم معنى الحمل أنه: طرد الكلب، أو الهجوم عليه، فهو فهم صحيح للمعنى، فيبقى النظر في تدبُّره، واستنباطه.
ثانيًا: آيات القرآن -من جهة وضوح معناها، وخفائها- ليست على درج
ة واحدة، فالقرآن من حيث وضوح معانيه، وخفائها قسمان:

الأول: واضح المعاني؛ من حيث انتفاء الغرابة عن مفرداته، كالآيات التي تقرر معاني التوحيد، واليوم الآخر، أو التي تبين أصول الإيمان، وأركان الإسلام، أو التي ترغّب في الأخلاق الفاضلة، وترهِّب من الأخلاق السيئة، ونحو ذ
لك، وقد يقع في أثناء ذلك مفردات غريبة تحتاج إلى بيان، والجُزْءَان الأخيران (عمّ، وتبارك) نموذج واضح لذلك.
القسم الثاني: -وهو الأقل- الآيات التي كثر فيها الغريب، وهي التي لا يمكن -لمن عرف خطورة القول على الله بغير علم- أن يتكلم بشيء مِن تدبرها، دون فهم معناها؛ إذ التدبر فرع عن فهم المعنى.
ثالثًا: أحظّ الناس نصيبًا من تدبر كلام الله تعالى هم أهل العلم[1] بالقرآن، فهمًا لدلالاته – بأنواعها الثلاث- وعلمًا بأحكام الشريعة، وعلمًا بالسيرة النبوية -التي هي الترجمة العملية للقرآن- وهكذا، من كان بالله، وأ
سمائه، وصفاته، ومن كان بسنة رسول الله ﷺ وسيرته أعلم؛ كان أكثر نصيبًا للإصابة، والتوفيق للتدبر، وهم -على تفاوت مراتبهم- ينهلون من معاني هذا الكتاب، ويغترفون من علومه على قدر ما آتاهم الله تعالى من العلم، والفهم فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا.
وأما العامة، فلا يُنْكَرُ أن لبعضهم وقفات قد لا يتفطن لها العلماء، لكن لا يعني هذا فتح الباب! بل يتوقف كلامهم عند الواضح البيّن المحكم.
وهم -أعني غير أهل العلم- يشاركون أهل العلم بعلم ما في القلب، الذي عناه الحسن البصري: بقوله: العلم علمان: علمٌ في القلب؛ فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان؛ فتلك حجة الله على خلقه.
ومراده بعلم ما في القلب: الفهم الإيماني القلبي الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آيات كريمة، يعرف معانيها، ويفهم دلالاتها، بحيث لا يحتاج معها أن يراجع التفاسير، فيتوقف عندها متأملًا؛ ليحرك بها
قلبه، ويعرض نفسه، وعمله عليها، فإن كان من أهلها حمد الله، وإن لم يكن من أهلها حاسب نفسه، واستعتب.

ولعلي أذكر قصةً واقعية توضح المقصود، وهي: أن رجلًا عاميًا -في منطقتنا- حين
ما سمع الإمامَ يقرأ في سورة الأحزاب، قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ۝ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الأحزاب: 7، 8] قام فزعًا بعد الصلاة يقول لجماعة المسجد: يا جماعة! خافوا الله! هؤلاء خيرة الرسل سيُسألون عن صدقهم، فماذا نقول نحن؟! فبكى، وأبكى -رحمه الله تعالى-.
رابعًا: من أحبّ أن يوفق للتدبر السليم؛ فعليه أن يُدمن النظر في كتاب الله، وأ
ن يعتني بقراءة كلام أهل العلم المحققين في هذا الباب، وعلى رأسهم أصحاب محمد ﷺ وتلاميذهم؛ ففي تفاسيرهم إشارات بليغة، هي ثمرة تأمل، وصورة من صور التدبر.
ولهذا فإن مما يفرح به طالب العلمِ: تنوعُ عبارات السلف في تفسير الآية؛ لأنه يفتح با
بًا للتدبر، ويمنح الفكر مزيدًا من النظر في معاني الآيات، ومن أمثلة ذلك: قول الحسن البصري في تفسير: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ[آل عمران: 198] قال: “هم الذين لا يؤذون الذر” فإذا كانوا لا يؤذون الذر -على صغرها، وحقارتها- أتراهم يؤذون بني آدم؟! فضلًا عن إخوانهم المسلمين.

ختامًا: ليست هذه دعوة لإغلاق باب التدبر، بل هي دعوة لما دعا الله إليه؛ من تدبر كتابه، والتفكر في معانيه، ولكن في ضوء القواعد المرعية، حتى لا يقع المحذور، وهو القول على الله بغير علم؛ لأن الأمر بالشيء أمرٌ بتحصيل الوسائل التي تعين على تحقيقه، وهي كثيرة، وقد كتب فيها بعضُ إخواننا من طلا
ب العلم[2] والله الموفق.
المصدر: موقع الشيخ عمر المقبل
وهم العلماء، وطلبة العلم.
ككتاب: (فن التدبر في القرآن الكريم) و(المراحل الثمان لطالب فهم القرآن)، وكلاهما لأخينا الشيخ عصام بن صالح العويد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-03-2023, 01:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





من مناطق التدبر
إبراهيم السكران
(5)



كثير من الناس يتساءل، ويقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟
والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى ال
تدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن..
أعظم وجوه، ومفاتيح الانتفاع بالقرآن: تدبر ما عرضه القرآن من حقائق العلم بالله، فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيرًا من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجَلّ، والأعظم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية: “فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدرًا، وصفة”[1].

وأنا شخصيًا إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر، أو القانون، أو غيرها م
ن العلوم؛ أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه؛ لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله -سبحانه وتعالى- امتلأت نفسي إزراءً بهم، ما فائدة أن تعرف تفاصيل جزء معين من العلوم، وأنت جاهل بأعظم مطلوب للإنسان.. إنه لا يختلف عن سائق مركبة يتقن تفاصيل بعض الطرق الفرعية، ويجهل الطرق الرئيسية في المدينة.. فهل مثل هذا يصل؟! أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي..

ويؤلمني القول بأن كثيرًا من المنتسبين للفكر العربي المعاصر يجهلون دقائق العلم بالله التي عرضها القرآن.. وأما أئمة السلف الذين ورثنا عنهم علوم الشريعة فقد كانوا في ذروة التبحُّر في دقائق القرآن، فمن تأمل -مثلًا- رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، أو رسالة الدارمي في النقض على المريسي، فستستحوذ عليه الدهشة من عمق علمهم بالقرآن، وما فيه من أسرار المعرفة الإلهية، وشدة استحضار الآيات، وربط ما بينها، ليست معرفة آحاد وأفراد الألفاظ فقط، بل معرفة السلف بالقرآن مركبة، فتجدهم يلاحظون منظومة لوازم معاني القرآن، ويستخلصون قي تقريراتهم حصيلة توا
زنات هذه المعاني القرآنية..
ومن وجوه الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: تدبر أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن، وكررها في مواضع متعددة، وبدهي أن هذه الأخبار عن الأنبياء ليست قصصًا للتسلية، بل هي نماذج يريد القرآن أن يوصل من خلالها رسائل تضمينية، فيتدبر قارئ القرآن ماذا أراد الله بهذه الأخبار؟ مثل التفطُّن لعبودية الأنبياء، وطريقتهم في التعامل مع الله، كما قال الإمام ابن تيمية: “وال
قرآن قد أخبر بأدعية الأنبياء، وتوباتهم، واستغفارهم”[2].

وتلاحظ أن الله يثنّي، ويعيد قصص القرآن في مواطن متفرقة، وليس هذا تكرارًا محضًا، بل في كل موضع يريد الله تعالى أن يوصل رسالةً ما، وأحيانًا أخرى يكون في كل موضع إشارة لجزء من الأحداث لا يذكره الموضع الآخر، كما قال الإمام ابن تيمية مثلًا: “وقد ذكر الله قصة قوم لوط في مواضع من القران في سورة هود، والحجر، والعنكبوت، وفي كل موضع يذكر نوعًا مما جرى”[3].

*والمهم هاهنا أن تدبر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، في القرآن، ومحاولة تفهم، وتحليل الرسالة الضمنية فيها؛ من أعظم مفاتيح الانتفاع
بالقرآن.
ومن أعظم وجوه الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبر كل الخطابات الفكرية المعاصرة عن النهضة، والحضارة، والتقدم، والرقي، والإصلاح، والاستنارة… إلخ.. ويضع كل القضايا التي يرون أنها هي معيار التقدم، والرقي..
ثم يتدبر قارئ القرآن أعمال الإيمان التي عرضها
القرآن كمعيار للتقدم، والرقي..
تأمل فقط بالله عليك كيف ذكر الله الانقياد، والتوكل، واليقين، والإخلاص، والاستغفار، والتسبيح، والصبر، والصدق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر… إلخ، في عشرات المواضع..
بل بعض هذه الأعمال بعينها ذكرت في سبعين موضعًا..

ثم قارن حضور هذه القضايا في الخطابات الفكرية لتجده حضورًا شاحبًا خجولًا..
أي إفلاس فكري أن تكون الأعمال التي يحبها الله، ويثنيّ بها، ويجعلها مقيا
س الرقي، والتقدم، والتنوير، هي في ذيل القائمة لدى الخطابات الفكرية المعاصرة المخالفة لأهل السنة..
يا خيبة الأعمار.. حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى، وبينات، ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزًا.. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظِّم ويمنح الأولوية لتلك
القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية، ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الإمام ابن تيمية يقول: “وما قُصِد به هُدىً عامًا كالقرآن، الذي أنزله الله بيانًا للناس، يذكر فيه من الأدلة ما ينتفع به الناس عامة”[4].

وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات، وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، -نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه- وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله: “ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من
العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلًا لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلًا عظيمًا، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات”[5].

ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات
القرآن، وأحكامه على الأعيان، والأشياء إنما هي أمثال، ومعنى كونها أمثالًا أي يعتبر بها ما كان من جنسها، بمعنى: أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيرًا، كقوله تعالى في سورة الحشر: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21] وقوله في سورة الروم وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الروم: 58].
فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر..
لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية تدبر القرآن، في صحة المنهج، والطريق أنها
دافع عظيم للتدبر.. لكن ثمة أمرًا آخر على الوجه المقابل لهذه القضية.. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعًا.. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلًا ذلك الانصراف؛ لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر، والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23].
كلما رأى الإنسان نفسه معرضًا عن تدبر القرآن، أو معرضًا عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ يجف ريقه من الهلع لا محالة..

على أية حال.. هذا القرآن ينبوع يتنافس الناس في الارتشاف منه بقدر منازلهم، كما قال الإمام ابن تيمية: “والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قس
م الله له”[6].
المصدر: كتاب الطريق إلى القرآن.
درء التعارض (5/3
58).
تلخيص الاستغاثة (1/161).
الرد على المنطقيين ص (494).
الفتاوى (9
/211).
درء التعارض (7/427).
درء التعارض (7/427).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-03-2023, 12:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





يا معشر القراء
الشيخ الدكتور عمر المقبل
(6)



يا معشر القراء[1]..
يُقبل رمضان الذي ارتبط شرف زمانه بأشرف كتاب نزل من السماء، وتُقبل معه النفوس المؤمنة التي أحبت ربها، وأحبت كتابه العظيم.
ومن صور هذا الإقبالِ: الرغبة في التأثر بالقرآن، وتحقيق أثره على النفس، والجوارح، والإقبالُ على الأئمة ذوي الأصوات الندية، الذين يعينون ـ بحسن تلاوتهم ـ على تحقيق ذلك.

وإن الحفاوة بالقراء ذوي الأصوات الحسنة هدي نبوي مبارك، كما قال ﷺ لأبي موس
ى: لو رأيتني، وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود[2].
وبهذه المناسبة، فإنني أرقم هذه الأسطر لأخواني القُرّاء -الذين يجتمع الناس عندهم في صلاة التراويح، وغيرها- حمَلَ عليها المحبةُ، والتواصي بالخير، ألخصها فيما يلي:
أولًا: الصوت الحسنُ نعمة من الله تستحق الشكر، ولا ريب أن مِن أعظم صور شكرها تسخيرها في أداء القرآن بالأداء الحسن، الذي يحبب للناس سماع كلام ربهم، ويقوي تأثيره فيهم، والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى،
وزيادة في الخلق، ومِنّة، وأحق ما لبست هذه الحلة النفيسة، والموهبة الكريمة: كتاب الله؛ فنعم الله إذا صرفت في الطاعة؛ فقد قضي بها حق النعمة[3].
ثانيًا: اجتماعُ الناس عند الإنسان، خاصة مع صغر السن؛ مظنة الفتنة، إلا لمن وفقّه
الله، فجاهدَ نفسه بالإخلاص، والحرصِ على التزين لله قبل التزين للخلق.

وقد كان السلف يخشون من قرع الأقدام خلفهم؛ خشية الافتتان، أو العُجب، والقارئ الموفق لا يرى أنه في معزل عن غبار هذه الأدواء، ولا تتوقف عنده عبادة المجاهدة، خاصة في مثل هذه الليالي التي يتتابع فيها قرع الأقدام مشيًا إلى مسجده.
ثالثًا: إسماع القرآن وتلاوته ضربٌ من ضروب الدعوة إلى الله وإحدى مهام الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ وَأَنْ أَتْلُوَ
الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ[النمل: 91، 92].

وكم قرأ الناسُ وسمعوا أن سبب هداية فلان من الناس آيةٌ تلاها القارئ الفلاني! وأن فلانًا تاب من المعصية الفلانية حينما سمع القارئ الفلاني، فهنيئًا لمن تاب الناس بسببه، وهو لا يدري؛ فالله الله أخي القارئ بتحبير القرآن، وأنت تتعبد لله بذلك، قاصدًا الدعوة به، مجاهدًا لنفسك على حسن القصد.
رابعًا: أداء القرآن بالتجويد سنةٌ مأثورة عن رسول الله ﷺ أخذها الناس بالأ
سانيد المتصلة، فأداء القراءة به سنةٌ لا ينبغي التقصير فيها، مع الحذر من التقعّر والتعمق الذي يُذهِب بهاءَ القراءة، ويشغل القارئ به عن المقصد الأكبر، وهو تدبر المعاني، وفهمها، قال ابن تيمية -رحمه الله-: “ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن: إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك؛ فإن هذا حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه”[4].

خامسًا: القارئ هو أولى الناس عنايةً بفهم ما يقرأ، خاصة مع تقادم سنوات إمامته، وقدرته على الرجوع لما خفي من المعاني.
إنني أعلم أن الوقت يضيق على القارئ في الشهر الكريم، وقد يذهب وقتٌ غير قليل على بعض القراء في مراجعة محفوظه، وهذا كلّه لا يعفيه من الحرص على تلمس معاني الغريب، كأدنى مرحلة تليق بمق
امه، وكتب الغريب متوفرة مبذولة، وإلا فالأولى والأكمل أن يقرأ تفسيرًا مختصرًا لما يريد قراءته في الصلاة، فإن في هذا فوائد كثيرة، أهمها:
– تدبر ما يقرأه، مما يؤثر إيجابًا على
حضور قلبه، وتأثره بما يتلو.
– ثبات هذه المعاني -أو أكثرها- في نفسه؛ لأنه قرأ المعنى، ثم تلا الآيات مستحضرًا لما وعى من المعاني.
– قوة تأثيرها على السامع الذي سيتأثر من القارئ الذي يُحسنُ الوقف، والابتداء، ونحو ذلك من علوم القرآن المرتبطة بفهم القارئ.

سادسًا: إسماعُ الناس لكتاب الله كاملًا من السنن المأثورة عن السلف الصالح -رضي الله عنهم- ولكن دون هذرمة، أو عجلة، بل بأناة، ودون إملال، بحيث تكون القراءة واضحة، يتحقق معها وضوح المتلوّ من الآيات.
ومن المحزن أنه في السنوات الأخيرة -وحرصًا على عدم تفلّت الناس عند ب
عضهم- حصل إخلال شديد، وتقصير عظيم في صلاة التراويح، وكأن السباق انتقل بين بعض الأئمة: أيهم ينتهي أولًا؟! وأصبحت الختمات تقسّم على سنوات! وبركعات قصيرة! بل ثبت عندي أن بعض الأئمة لا يزيد على ثلاثة أسطر في الركعة الواحدة!
ولا ريب أن هذا -إن كان الحامل عليه ما ذُكر- من قوادح الإخلاص!

والموفقُ من الأئمة من لم يلتفت لعدد من صلّى معه، بل يراعي السنة في ذلك، ولو لم يصل خلفَه إلا القليل، دون إخلال، ولا إملال. والله الموفق.
المصدر: موقع الشيخ عمر المقبل
مصطلح “القراء” في كلام السلف المتقدمين يقصد به طلاب العلم، وغلب است
عماله في العصور المتأخرة على من عرفوا بقراءة القرآن، وتجويده، وهم المعنيون بهذه المقالة.
البخاري ح (5048)، ومسلم ح (793)، واللفظ له.
أحكام القرآن لابن العربي (4/5).
مجموع الفتاوى (16/50).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-03-2023, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





كتاب ربنا مصدر عزنا
(7)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين، وبعد، إن كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار؛ قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله تعالى، هو حبل الله المتين،


ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس
به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنفد عبره، لهذا، وغيره كان لزامًا علينا أن نقف مع آياته متدبرين، متعقلين، متأملين، ولاسيما أن الدوافع المعاصرة كثيرة، أقف في هذه العجالة مع واحد من أهمها ألا وهو أهمية ربط واقع الناس به.

فنحن نعيش اليوم واقعًا يملي على العقلاء من الدعاة، والمربين، والعلماء، والموجهين ضرورة ربط الناس بالقرآن، والسنة، لما لهما من أثر على حياة الفرد، والأمة، فالأمة تعيش وهنًا، وضعفًا لم تمر بمثله في تاريخها، وكلنا يبحث عن العلاج، والعلاج في القرآن إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] وكلنا يرجو السلامة، والنجاة من مضلات الفتن التي تتابع، وا
لنجاة في القرآن، قال النبي ﷺ: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله، وسنتي.
فرغد الحياة في كتاب الله -جل وعلا- – ومعالجة مشكلات الحياة الفردية، والجماعي
ة، الأسرية، والاجتماعية في ضوء القرآن الكريم من أقوى وسائل الخروج منها، بل من أقوى أسباب رقي الأمة، والعود بها إلى سابق عهدها، الذي كان يعيشه السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم- وهذا لا يكون بغير تدبر كتاب ربنا، وكلامه الذي أنزله لإصلاح شأننا.

إن أمتنا اليوم تعيش وقتًا حرجًا، ومرحلة حاسمة من تاريخها، خاصة بعد الغزو الغربي لأمة الإسلام، وعودة عصور الاستعمار، التي خلت، فبعد أن رزحت الأمة تحت وطأة الاستعمار عقودًا دُرست فيها معالم من علم الشريعة، كا
نت لا تخفى بين الناس، ثم بدأت آثار الاستعمار تنحسر بقيام الصحوة الإسلامية المباركة في المشارق، والمغارب، فلم يجد الأعداء بدًا من إعادة الكرة للحيلولة بين الأمة، وبين نهضتها.
ولما كان الارتباط بين الأمم السابقة، واللاحقة وثيقًا، لتشابه الأحوال، والظروف، وتوافق الطبع البشري، وإن اختلفت العصور، والآلات، كان من الطبيعي أن تكون في آيات الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه،
بل هو تنزيل من حكيم حميد، كان لا بد أن تكون آياته دروسًا تناسب حال من نزل عليهم القرآن، وكذلك تناسب المسلمين في كل زمان، ومكان.
وقد قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-:

وبعد فإن حبل الله فينا كتابه فجاهد به حَبل العِدا مُتَحَبِّلا
وأَخْلِق به إذ ليس يَخْلَقُ جِدةً جديدًا مواليهِ على الجِدِّ مُقبِلًا




لقد أنزل القرآن على أمة متناحرة، متفرقة، متشرذمة، فألف الله به بين القلوب، وجمع به الشمل، واليوم تعيش الأمة تناحرًا، وتفرقًا، وتشرذمًا


بسبب نعرات، وجنسيات، وحدود مصطنعة، كما
كان الجيل الأول.
لقد بزغ فجر القرآن، ولم تكن للعرب قوة، ودولة، وكلمة، بل همج رعاع، مجرد أتباع للفرس، أو للروم، فما أضحوا حتى ملكوا كنوز كسرى، وقيصر، واليوم يعيش المسلمون تبعية غربية من الطراز الأول!
لقد نزل القرآن على أمة لم تكن لها معارف تذكر، أو حضارة تضاهي حضارات الأمم، فما هي إلاّ سنوات، وإذا بحضارة الإسلام تضيء أسبانيا، وبلاد أوروبا الغربية، ثم لما تنكب الناس الصراط أصبحت تلك الح
ضارة خبرًا للحرف الناسخ كان!
كنا أساتـذة الدنيا وقادتها
والغرب يخضع إن قمنا نناديه كانت أوربا ظلامًا ضل سالكه وشمس أندلس بالعلم تهديه
واليوم تُقنا لمجد فَرَّ من يدنا فهل يعود لنا ماض نناجيه؟





حقًا! هل يعود لنا ماض نناجيه؟ الجواب: نعم إذا عدنا إلى مصدر عز الصدر الأول، إلى الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، إلى السنة التي عض عليها الرعيل الأكمل.
وقد دل على هذا صريح القرآن، وأجمع عليه أهل العلم، والإيمان، إنسًا، وجنًّا، قال
الله -تعالى- مخبرًا عنهم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن: 1]

وقال الله سبحانه: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ۝ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 29، 30] إن كتاب ربنا فيه علم من سبق، من قال به؛ صدق، ومن خاصم به؛ فلج، ومن حكم به؛ عدل، ومن عمل به؛ أجر، ومن دعا إليه؛ هدى إلى صراط مس
تقيم.
فالخطوة الأولى في النهوض بالأمة، والتي ينبغي أن يعيها الدعاة، والمربون هي دعوة الناس إلى التمسك بكتاب ربهم، والرجوع إليه، والاهتداء بهديه، نسأل الله أن يجعلنا، وإياكم من أهل القرآن التالين له المتدبرين لآياته، العاملين بأحكامه، المطبقين لها، والحمد لله أولًا، وآخرًا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحابته، وسلم.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30-03-2023, 12:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





رمضان، والقرآن الكريم
(8)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم ال
دين، أما بعد:
فإن القرآن الكريم أنزله الله -عز وجل- في هذا الشهر الكريم قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].
يقول ابن كثير -رحمه الله-:


يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة، يعني: ابن الأسقع: أن رسول الله ﷺ قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع، وعشرين خلت من رمضان[1].

وقد روي من حديث جابر بن عبد الله، وفيه: “أن الزبور أنزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة” والباقي كما تقدم، رواه ابن مردويه.

وأما الصحف، والتوراة، والزبور، والإنجيل فنزل كل منها على النبيِّ الذي أُنزل عليه جملة واحدة، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] ثم نزل بعده مفرقًا بحسب الوقائع على رسول الله ﷺ هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس، كما قال إسرائيل، عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس: أنه سأل ع
طية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] وقد أُنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع، فقال ابن عباس::


إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أُنزل على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور، والأيام” رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وهذا لفظه[2].
فنزول القرآن الكريم كان في ليلة مباركة، هي خير من ألف شهر إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3].
والقرآن الكريم له فضائل كثيرة منها: ما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال:
مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن؛ كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن؛ كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن؛ مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن؛ كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مر[3].
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: الصيام، والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان[4].

وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعه
ا البطلة[5] والبطلة هم الشياطين، والسحرة.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله ﷺ ونحن في الصفة، فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟ فقلنا يا رسول الله: نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث،
وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله ﷺ: من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[6].
ومما ينبغي على المسلم في هذا الشهر الكريم أن يغتنم أوقاته، ويكثر فيه من قراءة القرآن؛ لأن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة، فقد كان جبريل -عليه السلام- يعارض النبي ﷺ القرآن في رمضان كل سنة مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين[7].

وكان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة، وغيرها، فقد كان الزهري -رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: “إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطع
ام”[8].
وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث، ومجالس العلم، وأقبل على قراءة القرآن من المصحف.
وكان قتادة -رحمه الله- يختم القرآن في كل سبع ليالٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة.
وكان إبراهيم النخعي -رحمه الله- يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليالٍ، و
في العشر الأواخر في كل ليلتين. وكان الأسود -رحمه الله- يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر[9].
فهذا شهر القرآن، شهر فيه الأجور مضاعفة، فينبغي على المسلم أن يستغل أوقاته، ويعمرها بالطاعات، والقربات، ولا يترك وقته يضيع سدى، فما فات لن يعود.

نسأل أن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يجعلنا ممن يصوم، ويقوم رمضان إيمانًا، واحتسابًا، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالم
ين.
المصدر: موقع إمام المسجد
ورواه الطبري، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (1497).
تفسير ابن كثير (1/292
).
متفق عليه.
رواه أحمد، والحاكم، وصححه، والطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3882).
رواه مسلم.
رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6469).
متفق عليه.
التمهيد (6/111)، ولطائف الم
عارف (1/183).
راجع لطائف المعارف (1/183).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 31-03-2023, 01:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





عبادة التدبر.. أحيوها
نبيل عبد المجيد النشمي
(9)



كم من العبادات بحاجة إلى ثورة قلب، وانتفاضة روح، ومسيرة تذكير لإعادتها، وإحيائها في حياة المسلم؟ فقد دُرست، أو كادت كظاهرة مجتمعية، وشعيرة قائمة، وقيام بعض الأفراد بها لا يسقط المطالبة بها، والدعوة إلى إحيائها، خاصة عندما تكون هذه العبادة مطلوبة من جميع المكلفين، وليس من عمومهم – وكل بحسب وسعه لا شك – وتدبر القرآن الكريم مع أهميته،


وحاجة الناس إليه يكاد ينحصر في طائفة من الناس، وفي فترة من الوقت، فقد أصبح التدبر غريبًا في وطنه، وأسيرًا في داره، مع أن الخطاب الإلهي الع
ظيم من الله -تبارك وتعالى- بيّن أن تدبر كلامه من أهم أغراض إنزاله، كما قال -تبارك وتعالى-: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص: 29].
قال ابن عطية -رحمه الله تعالى-: “وظاهر هذه الآية يعطي أن التدبر من أسباب إنزال القرآن”[1].
وقال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: “وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر، والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر”[2].

“وأما كون تدبر آياته من حكم إنزاله، فقد أشار إليه في بعض الآيات بالتحضيض على تدبره، وتوبيخ من لم يتدبره، كقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] وقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُ
وا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: 82] وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون: 68]”[3].
وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة عل
ى التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود”[4].
إن عبادة التدبر ينبغي أن تتحوّل إلى قضية شعبية، تمتلئ بها المساجد، ويمارسها المسلم، ويقوم بها بحسب ما يتيسر له من الفهم؛


فحلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في الأرض شرقًا، وغربًا، عربًا، وعجمًا، دولًا، وأقليات؛ بدأت بفكرة رجل في يوم ما، ووصلت اليوم إلى ما وصلت إليه من الانتشار بفضل الله، ثم بفضل التوجه العام، والتوجيه نحو ذلك، ولذلك، والحمد لله تحوّل حفظ القرآن إلى ظاهرة عامة، وتواطأ عليه الناس حتى غدا جزءًا من حياتهم في تربيتهم
أبناءهم.
والتدبر لو تحوّل إلى قضية عامة، وليس خاصة بالمتخصصين أكاديميًا، أو هيئات، ومؤسسات، ومؤتمرات، وإصدارات، ولو أصبح يمارس في مساجد المسلمين، وتعقد مجالس مدارسة لآيات الكتاب الحكيم من الأئمة، والدعاة؛


لكان من أعظم ما يربط المسلم بكتاب ربه -عز وجل- وما يجعله يعرف قيمة هذا الكتاب، ومنزلته، وهنا أضع مقترحات لتحويل التدبر إلى عمل
جماهيري، ونشاط عام يستفيد منه المسلم:
عقد مجالس مدارسة عامة في المساجد العامة الجامعة يتدارس فيها الداعية، والخطيب مع المصلين آيات من كتاب الله -تبارك وتعالى- مباشرة، مع ربط هدايات هذه الآيات بحياة الناس، ويحضرني هنا طيف الشيخ الشعراوي -رحمه الله-

ودروسه القرآنية التي كانت تقرّب القرآن إلى أفهام الناس، وحياتهم بسهولة، ويسر، وهي دعوة أوجهها لكبار المشايخ، والعلماء؛ لأن يعقدوا مجالس مدارسة لكتاب الله- سبحانه وتعالى- في المساجد لعموم المسلمين.
– اعتماد جلسات تدبرية في حلقات التحفيظ القائمة بأن تكون من ضمن
المقرر المطلوب تنفيذه من المدرس.
– القيام ببرنامج شخصي ذاتي يقوم به المسلم بحيث يعيد النظر في طريقة قراءته القرآن، والتي لا يوجد فيها تدبر، ويجاهد نفسه في أن يحقق صورة التدبر، ويقف عند الآيات، ويتأمل فيها، ويعيش معها جزءًا من وقته.


– توجيه الناس، وتذكيرهم بموضوع تدبر القرآن، ونشر ثقافته، وتبيين منزلته، ومكانته،
وأثره، وكيف كان السلف في هذا الباب.
– إقامة الدورات، والمحاضرات، والندوات، بشكل مكثف حول موضوع التدبر، وما يتعلق به في المناشط العامة، والمراكز، والتجمعات، والمناسبات.
لا شك في أن هناك جهودًا فردية ومؤسسية عظيمة بذلت في السنوات الأخيرة أقامت لقضية التدبر وزنًا، وأعادت لها ذكرًا، لكنها ما زالت أقل بكثير مما ينبغي أن تكون عليه، حتى في الوسط الدعوي، والعلمي، فضلًا عن المستوى الشعبي، والجماهيري.


المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 503).
فتح القدير (4/ 494).

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (6/ 345).
تفسير السعدي – تيسير الكريم الرحمن (ص: 712).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-04-2023, 01:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





تدبر القرآن
الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبد الله الدويش
(10)


لعله من الميسور أن ينضم المُقبل على القرآن لركب السَفَرَةِ الكِرام البَرَرَةِ، كما أنه ليس من الصعب أن يظل القرآن في صدر حامله كالمصباح الذي لا يخبو أبدًا مهما امتدت السنين، وتعاقب الدهر، لكن كيف ذا؟ هل يكون بشر
اب يُحتسى، أو أقراص تبلع، فتُعصم من النسيان بقاء العمر، وتجعل القرآن كله عند الحفظ كسورة الكوثر؟ كلا، فالأمر يقوم على الإصرار، والتصميم، فحين تصحب القارئ النية الصادقة، والعزيمة التي لا تعرف الكلل، يجد العون من ربه، ومدخله في هذا التدبر.


وقد جاء في أكثر من آية أن المقصد من إنزال القرآن هو التدبر، قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص: 29]، قال الحسن البصري (ت: 110هـ): “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا”[1].
والتدبر ليس نشاطًا تقوم به الجوارح يذهب صاحبها، ثم يعود، أو يقفز، ثم يثبت، أو يخفض صوته، ثم يرفعه، فيحصل له التدبر، بل منهج الصحابة -وهم خير أسوة- أنهم جعلوا الحفظ مدخلًا، وعاملًا للتدبر، والعمل، ووسيل
ة، ومفتاحًا للفهم، فلم يكن الحفظ عندهم غاية يتوقفون عندها، وإنما كان وسيلة لتحقيق غاية كبرى، وهي التدبر، والفهم، والعمل، أما تلقيهم لكتاب الله العزيز، فكانوا يتلقون عشر آيات، ولا يجاوزونها حتى يتعلموها، ويتقنوا فهمها، والعمل بها، وبهذه الطريقة تعلموا العلم، والعمل، والإتقان جميعًا، ولهذا كانوا يبقون مدة طويلة فِي حفظ سورة واحدة، فقد روى البيهقي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه: “قرأ البقرة في ثمان سنين”[2]، فالقراءة كانت تعني عندهم الاستظهار، والتعلم، والتطبيق.


وكان العمل عندهم أسهل من الحفظ؛ خلافًا لما عليه سائر الناس، يقول ابن مسعود: “إنَّا صَعُبَ علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسَهُلَ علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به”[3].
التدبر والتطبيق إذًا هما غاية للحفظ، والتدبر يقوم بالأصالة على فهم السورة فهمًا عامًّا، يلاحظ فيه ترابط أجزائها، وتشابكها في ذهن قارئها، بحيث إذا سقط شيء؛ اختل النظام، واحتاج إلى العود من جديد، وهو يحصل للقارئ حين يُحسن ال
تعاطي مع عظمة القرآن، والوقوف على بعض أسراره؛ لأن من عظمة القرآن أنك قد تتدبر آية تعرف معناها، وأنها من الواضحات لديك، ولا تحتاج إلى مزيد تأمل، ولكن ربما تقف عندها مرة أخرى، إذا بك تقف على أسرار، وفتوحات، وفوائد، لم تَجُل فيما سبق بخاطرك، ومن عظمته أن فهمك عن الله تعالى، وأسرار آياته قد يجعلك تستدرك على من يخلط كلام الله بعضه ببعض، أو ينقله من موضعه الذي هو عليه.

نقل ابن الجوزي في تفسيره عن الأصمعي أنه قال: “قرأت قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] وإلى جنبي أعرابي فقلت: والله غفور رحيم، سهوًا. فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. قال: أعد. فأعدت: والله غفور رحيم. فقال: ليس هذا كلام الله. فتنبهت؛ فقلت: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فقال: أصبت؛ هذا كلام الله. فقلت له: أتقرأ القرآن؟! قال: لا. قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا، عز، فحكم، فقطع، و
لو غفر، ورحم لما قطع”[4].
وهكذا…فعل المتدبر للقرآن غير الحافظ له.
لكن كيف يتمكن القارئ من التدبر الذي قد يظن بعضهم أنه أمر عزيز الحصول؟ أقول: إن من أهم ما يُعني به القارئ لكتاب الله تعالى حتى يتمكن من التدبر هو: التعظيم للمتكلم -سبحانه وتعالى-.

قال الغزالي -رحمه الله- في الإحياء: “القارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلام الله -عز وجل- غاية الخطر، وأن يكون حاضر القلب يترك حديث النفس، ويتجرد له عند قراءته، وتنصرف همته إليه عن غيره”[5].
لا يحصل التدبر إذًا بمجرد الحفظ، والتكرار، والترداد، بل لا بد من عوامل أخرى تجعل قارئه يش
عر أن القرآن يتحدث إليه مباشرة، فلو كان التدبر يحصل بمجرد الترداد؛ لكان المسلمون كلهم مطلعين على معاني كلمات قصار السور، التي يحفظونها عن ظهر قلب، ويقفون على شيء من مقاصدها، إلا أنه مما ينبغي التنبه له أن تدبّر القرآن ينتج المطلوب الأهم من تلاوة القرآن، وهو تطبيق حدوده، وأحكامه، على أن التدبر والفهم لكتاب الله تعالى يتطلب الأخذ بنصيب من علوم الآلة؛ كعلم اللغة، والنحو، والبلاغة، والبيان، وغير ذلك من العلوم المساعدة، دون الإيغال إلى حد الإغراق فيها.

وعلى القارئ لكتاب الله الناشد للتدبر عند الشروع في القراءة أن تكون القراءة بالترتيل، والتأني؛ حتى يتمكن من فهم ما يقرأ، فيعرف مقصود كل آية على حسب طاقته، وعلمه، ويتأمل الأوامر، والنواهي، والتهديد، والوعيد، والمواثيق، والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، وعندما تعنُّ للقارئ آية يتعثر عليه حفظها أن يُيمم بصره نحو كتب التفسير، فإنها تعينه أشد العون في فهم الآية، وفهم معناها؛ مما يعينه على استظهارها، وينبغي عند قراءة القرآن ألا يكون همُّ القارئ متى أختم، فينث
ر القرآن نثر الدقل.
وأخيرًا، ينبغي للقارئ أن يكون له ورد يومي يحافظ عليه، ويلتزم به، وأن يقرأه بترسل، وتدبر، وتأمل، فقد كره العلماء أن يختم في أقل من ثلاث، ثم هذه وصيتي لهؤلاء: أخي حامل القرآن منذ نعومة الأظفار، قبل أن تبلغ مبلغ الرجال؛ أتدري أي نعمة أسداها إليك بفضل الله: أبوك، ومعلمك؟ أتدري أي شيء يملأ جوفك؟ أتدري مع مَن أنت إن استقمت، وتخلقت بالقرآن؟


أخي، يا من تبيت والرغبة تملأ صدرك أن تكون واحدًا ممن يحمل القرآن بين جوانحه، أخي طالب العلم، أي علم تطلب، والقرآن ليس له من جدك وجهدك محل، وَلَدي الطفل، ولدي الشاب، والشابة، أخي، وأختي، في زمن الكهولة، أبي، وأمي؛ يجب أن يكون القرآن منطلق الجميع، تدبرًا، وحفظًا، ومن كان أكثر تدبرًا للقرآن؛ فهو أرسخ علمًا، وأعمق فقهًا، وكلما تدبرنا الآيات بعمق، ودقة؛ زاد فهمنا، وتوسع أفق المعارف لدينا، وكانت الحصيلة على قدر عمق التدبر.
وبالله التوفيق، ومنه
الهداية، والتدبير.
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (13/144).
شعب الإيمان، رقم: (1803).
تفسير القرطبي (1/ 40).
زاد المسير في علم التفسير (1/ 546).
إحياء علوم الدين (1/ 281).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 181.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 175.43 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]