06-08-2022, 05:40 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة :
|
|
مراعاة الأفهام والعقول في الحوار
مراعاة الأفهام والعقول في الحوار
د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان
(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)
أو بمعنى آخر إنزال الناس منازلهم في الحوار ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وأفهامهم، فلا يتكلف المحاور في علم لا يبلغه عقل محاوره، كما أن عليه أن يختار لكل محاور الأدلة التي تناسبه وتقنعه، والطريقة التي تقربه من الحق، وهذا لا يمكن إلا إذا عرف المحاور مستوى الطرف الآخر وحجم علمه ومقدار فهمه، فمخاطبة عالم تختلف عن مخاطبة طالب، ومحاورة الكبير غير محاورة الصغير. ينظر: زمزمي، الحوار آدابه وضوابطه (ص494-495)؛ والندوة العالمية للشباب الإسلامي، أصول الحوار (ص24).
وشواهد هذا الأدب في هذه السورة العظيمة في الآتي:
1- عندما دخل السجن مع يوسف - عليه السلام - الفتيان، فهما سألاه حينما رأيا أنه من الذين يحسنون تعبير الرؤيا، ومن العالمين بالتأويل، فقد عرفا مستوى يوسف - عليه السلام - تأكدا من علمه، وأنزلاه منزلته في المحاورة.
2- حوار يوسف - عليه السلام - مع السجينين، حيث راعى نفسية وعقلية كل واحد منهما، وفهم مرادهما ولهذا رتب لهما الاستدلال بوجه خطابي قريب من أفهام العامة فقال: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ ﴾ [يوسف: 39]، ولهذا شرع في دعوتهما، وذكر لهما الأدلة والبراهين على وحدانية الله - عز وجل -، ثم عبر رؤياهما.
3- حوار يوسف - عليه السلام - مع الملك، فقد خاطبه بما يناسبه، وبالطريقة التي تقربه من الحق، ولهذا قربه الملك، وجعله من خلصائه وأهل مشورته، وأنزله منزلته، وراعى مكانته كما ينبغي له.
4- حوار يوسف - عليه السلام - مع إخوته، عندما اتهموه بالسرقة: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].
فأخفى يوسف - عليه السلام - في نفسه ما سمعه من اتهام إخوته له بالسرقة، وحدث نفسه مراعاة لأفهامهم، وأحوالهم، ونفسياتهم قائلا: أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم، حيث دبرتم لي ما كان منكم، والله أعلم بما تصفون من الكذب والافتراء.
فما أحوج المربين في زمننا - سواء في حقل التدريس، أو في مجال التربية بصفة عامة - إلى مراعاة أفهام الناس، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، وهذا ما نجده - عند التأمل - في ثنايا القرآن الكريم، وكذا السنَّة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|