استخدام لغة الجسد في الإقناع - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215430 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61209 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29185 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-11-2022, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي استخدام لغة الجسد في الإقناع

استخدام لغة الجسد في الإقناع
د. مصطفى عطية جمعة



ويقصد به حضور أعضاء الجسد في الحوار، وهي جزء أساس من مكملات الحوار، لا ينفك عنه، ومن المهم أن يدخل هذا في تحليل الخطاب الحواري، وهي ما تسمى في علم الاتصال المعاصر بتسميات عدة مثل: علم الاتصال غير اللفظي، واللغة الجسدية، والكلام الجسدي، والحركة الجسدية، والسلوك الحركي، والعلامات الحركية [1]. وتدور في مجملها حول تفسير وتأويل تعبيرات الجسد، بوصفها وسيلة مكملة للحوار المنطوق، فاللسان جزء من عدة أجزاء تظهر في السلوك الحواري [2].

وبالطبع فإن الاتصال باستخدام الجوارح أساس في الحوار الشفاهي، ذلك لأن الرسول (منشئ النص و الحوار) كان يتعمد أو لا يتعمد استخدام بعض جوارحه في حديثه، وإن تم تدوين فعل الجوارح كتابياً بعد ذلك، فهذا تم لأن حركة الجوارح جزء من الحوار ذاته. قد حرص مدونو الأحاديث الشريفة وأحداث السيرة النبوية على الوصف الدقيق لأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم الحركية والسلوكية، فبتنا أمام نصوص جمعت القول والسلوك الحركي، ويتعين على دارس النص النبوي أن يدخل في حسبانه سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم في حواراته ومواقفه.

لقد كان لدى المصطفى صلى الله عليه وسلم وعي كبير بما يسمى " محددات التعبير الجسدي " وهي تتناول تعبيرات الجسد في ضوء الظروف الاجتماعية وملابسات الموقف والعرف والعادة، مثل طريقة الإصغاء والنظر للمتكلم ونبرة الكلام خفوتا وارتفاعا، وأيضاً الحركات السلبية مثل الاستنكار بالنظرات والرفض باليد والإدانة بالانسحاب من المكان وغير ذلك [3]. فقد كان الرسول " إذا كره الشيء عرف في وجهه...، وكان طويل السكوت، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً" [4]. وكان " إذا خطب (لأمر جلل) احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه" [5] في إشارة إلى عظم الأمر، وأهمية القضية، خاصة إذا كان في أمر يخالف شرع الله تعالى.

وستتم دراسة هذا المنحى عبر ثلاثة محاور، تتصل بزمن الحوار: قبل وأثناء وبعد الحوار.
أ) ما قبل الحوار المنطوق:
وهي أول محددات الاتصال غير المنطوق، وتتصل بكيفية تكوين الرسالة والخطاب النبوي، وكيف كان المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حريصا على جذب الذات المتلقية، وتشويقها للنصح والإرشاد دون إرهاق أو عنت أو كثرة في القول. ونرى هذا في شهادة الصحابة - عليهم الرضوان - حول النهج النبوي الشريف في اختيار الوقت والموقف.

من ذلك: ما يذكره ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتخوّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا[6]. فاختيار الوقت للموعظة عامل مهم في تقبلها، وأيضا مراعاة المكان والحالة النفسية للسامعين حاسم، فالنفس البشرية تنفر من تراكم المواعظ، وتعدد الدروس، كما أن كثرة الوعظ قد ينسي بعضه البعض. ويبدو أن هذا المحدد الاتصالي غير مباشر في تحليل الخطاب النبوي، أي تحليل ما يقال، ولكنه مؤثر في فهم طبيعة منشئ الرسالة الحوارية وهو الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهذا نقطة تتصل بما قبل المنطوق، لأنها توضح سلوك الرسول اللغوي، وكيف كان عليما ببواطن النفس البشرية وخبايا تقلباتها.

وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: كانت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَرَهم، أمرَهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فيغضب صلى الله عليه وسلم حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا [7].

في الحديث السابق إضافة معرفية جديدة، تتصل بالعمل المكلف به المؤمن، فإذا كان الرسول يتحرج من كثرة النصيحة، ويتخوّل الناس بها، فهو أيضا لا يأمرهم من الأفعال العملية العبادية بالكثير؛ تخفيفا عليهم. وحينما يعترضون مطالبين بالمزيد يغضب، ويبدو الغضب في قسماته، مؤكدا أنه أعلم وأتقى منهم وهو حريص عليهم. وظهور الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم دال على كراهيته الإثقال على الناس، ورغبته أن يقوموا بما يطيقون من عمل، فما قلّ وكفي خير مما كثر وألهى.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قلتُ يا رسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت [هو المشقة والدلالة هنا كناية عن الإثم] ولا أجد ما ما أتزوج به النساء. فسكت [النبي] عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة جفّ القلم بما أنت لاقٍ، فاختص على ذلك أو ذر " [8].

والمقصود: لابد من نفاذ الأمر المقدر سواء اشتكى أبو هريرة أو لم يشتكِ. وهنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت ثلاث مرات، لعلّ أبا هريرة يدرك المغزى، فلما كرر السؤال، أوضح الرسول الموقف ببلاغة موجزة، مستعملاً الكناية "جف القلم"، في إشارة إلى أن الأمر حُسِم، فعليه أن يحتمل مشقة البعد عن النساء حتى تتحقق مشيئة الله تعالى وما قدره جل وعلا له.

ب) ما يصاحب الحوار المنطوق:
ويتناول الإشارات الجسدية المعبرة، التي تقدّم موافقة أو نفيا أو إكمالاً للمنطوق في معناه، وتكون في عمومها مصاحبة له.

فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج " قيل يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: هكذا - بيده فحرّفها - كأنه يريد القتل " [9].

إن حركة اليد هنا أغنت عن الإجابة، فهي تشير لفعل القتل، وهو أشد حالات الهرج والفتنة، فجاءت الحركة إجابة عن سؤال، دون ذكر اللفظ المقصود، وحملت في الوقت ذاته إدانة خفية للفتنة، التي قد تصل بالناس إلى القتل.

وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال [يقصد السائل]: ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده، قال: ولا حرج. قال [السائل]: حلقتُ قبل أن أذبح، فأومأ بيده: ولا حرج [10].

وهنا نجد أن الإجابة عن السؤال الأول جاءت باليد والقول معا: الإيماء باليد بالموافقة، ثم نطق " ولا حرج "، بينما في السؤال الثاني اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيماء فقط. وهذا عائد إلى طبيعة الموقف ذاته، فالناس في حج، والكل متجمع حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد تغني الإشارة عن المقولة في هذا التزاحم، والإشارة تصل لجمهور أكبر، ذلك أن العين تدرك من بعيد ما لا تسمعه الأذن، وأيضا حرص منه صلى الله عليه وسلم على الإجابة عن كل استفسار.

وقد تأتي الحركة الجسدية تأكيداً وتوضيحاً للمعنى المقدم في القول.
عن أبي موسى (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبّك أصابعه [11].

فالمعنى المقصود ذكر في المتن القولي وهو التأكيد على لُحمة الجماعة المؤمنة، ممثلة في اللبنة الأولى وهي المؤمن الفرد في علاقته مع أخيه المؤمن، واشتمل القول على تشبيه سهل، وهو تشبيه مستقى من النبع القرآني من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [12].

والتشبيه بالصف ورد في السياق القرآني في معرض أن الله تعالى يحب المؤمنين المجاهدين في سبيله، فهم مثل البنيان المرصوص. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحضر التشبيه القرآني في ذاكرة السامع، موسعا دلالة التشبيه إلى فضاء أرحب وأشمل، وهو فضاء الحياة المدنية اليومية. ثم جاءت حركة الأصابع المشبَّكة، عقب الانتهاء من المنطوق، لتؤكد الدلالة، وتوضح أن البنيان إنما هو لبنات متفرقة جُمِعَت، مثل وحدة الكفين،ومن أصابع متفرقة التأمت.

وعن سهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بعثت أنا والساعة كهاتين " ويشير بإصبعيه فيمدهما. وفي رواية أخرى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وفي رواية ثالثة عن أبي هريرة رضي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت أنا والساعة كهاتين. يعني إصبعين " [13].

يشمل هذا الحديث الشريف رؤية ممتدة عبر الزمان، الماضي السحيق والحاضر والمستقبل القريب، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) علامة من علامات الساعة / يوم القيامة، هذا قياس بعمر الكون، الذي يمتد إلى ملايين السنين، فظهور النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن نهاية الكون باتت قريبة، في عرف التاريخ البشري، وقد أفاض الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى عن علامات الساعة، ولكنه في هذا الحديث يقف عند العلامة الكبرى، وهي بعثه بالقرآن الكريم، الذي حمل الرسالة الخاتمة الشاملة الهادية لكل البشر، فلم يبق أمام البشر إلا الإيمان به، فقد باتت النهاية قريبة، للجنس البشري على الأرض، ربما تكون آلافا من السنين، ولكنها في مجملها قريبة بشكل كبير قياسا بعمر الكون. جاءت حركة إصبعي الرسول صلى الله عليه وسلم في حالة المدّ والضم إفهاما واضحا للسامع بهذا المنظور الزمني المعقد، والذي تُتعَب العقول في إدراك أبعاده، ولكن بحسب الإنسان أن يدرك أنه مؤمن بالرسالة الخاتمة، رسالة التوحيد التي لا رسالة ولا رسول بعدها.

عن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضبّ مشوي، فأهوى إليه ليأكل، فقيل له: إنه ضبّ، فأمسك يده. فقال خالد: أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي، فأجدني أعافه. فأكل خالد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر " [14].

إننا هنا أمام حكم شرعي جاء منطوقا، ومصاحبا برضا الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكون الرسول عافى أكل الضب، فلأنه غير معتاد عليه، لأنه غير متواجد بالأرض التي نشأ فيها الرسول، وهذا لا يعني تحريمه، ردا على سؤال خالد، فأكل خالد، والرسول ينظر إليه. ونرى سلوك الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتصرفين: الأول معافاته الطعام فور سماعه بما هو، وهو تصرف فردي غير مرتبط بالحكم الشرعي الذي أوضحه بالمنطوق الحواري، ثم بقاؤه في المكان ونظره لخالد وهو يأكل، تعضيدا للحكم الشرعي الذي أطلقه الرسول.

ج) ما بعد الحوار المنطوق:
ويتناول الحركات التي أحدثها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عقب الانتهاء من حواره، أو تعقيبه على بعض الأمور.
فعن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مُلَيكة، أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة (رضي الله عنها) كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة - أو علبة فيها ماء يشك عمر - فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده"[15]. يصف الحديث حالة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، في اللحظات الأخيرة، وقد كانت أعين السيدة عائشة التي توفي الرسول في حجرها مسلطة على سلوك المصطفى في لحظات احتضاره، ونقلت بأمانة هذه اللحظات، كان صلى الله عليه وسلم يمسح بالماء وجهه، ويعلمنا ببشريته، وأنه يعاني من سكرات الموت وهو الحبيب المصطفى من قبل الله تعالى، ويظل ذاكرا الشهادة التي تحمل خلاصة رسالته وهي التوحيد، مرددا إياها، رافعا يده، مستحضرا الله تعالى أمام عينيه (في الرفيق الأعلى)، ونرى مشهد الوفاة، حيث قبض فعرفت السيدة عائشة ذلك بميل يده التي كانت منتصبة في إشارة على الحياة، فلما مالت حملت إشارة الموت. هنا نجد حوارا بشكل مختلف، إنه كلمات نطقها الرسول في لحظات وفاته صلى الله عليه وسلم ، ولكنها كانت لونا من الحوار الذاتي، والرسول مقبل على اللحاق بالرفيق الأعلى، فكانت كلماته الأخيرة تعلمنا أن على المسلم أن يلفظ الشهادة ويتحضر الذات الإلهية وهو في لحظات الوداع.

وعن عائشة قالت: كان رجال من الأعراب جفاة، يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم، فيقول: أن يعش هذا لا يدركه الهرمُ حتى تقوم عليكم ساعتكم" [16].

الأعراب الجفاة يخوضون فيما لا علم لهم ولا للرسول (صلى الله عليه وسلم) به، وهو موعد قيام الساعة، ولم تأت إجابة الرسول بنفي العلم كما يتوقع المستمع، بقدر ما جاءت بطريقة مختلفة، لقد حوّلت التساؤل من المنحى الجدلي الذي لا ينبني عليه عمل – في حالة نفي الرسول لعلمه بموعد يوم القيامة – إلى حالة من الفهم الإيجابي لساعة المرء الحقيقية، وهي عند موته، فلا يعني المسلم متى تقوم يوم القيامة: بعد عام أو ألف أو مليون، بقدر ما يعنيه ماذا قدّم لنفسه من أعمال صالحة يوم القيامة، وقد جاءت إجابة الرسول مذكرةً هؤلاء بموعد ساعتهم " فالمراد ساعة المخاطبين... و[ الساعة] الصغرى موت الإنسان فساعة كل إنسان موته " [17]، فلو عاش أصغر السائلين سنا، سيرى ساعة كل واحد منهم، وهي يوم موته، وبعد الموت: الحساب الأصغر في القبر، ثم الحساب الأكبر يوم الساعة الكبرى يوم القيامة.

جاءت نظرة الرسول إلى الأصغر سنا إشارة حسية منه صلى الله عليه وسلم فقد صحح المفهوم الجدلي بنظرته إلى الأصغر سنا، كأنه يعيد بنظرته الفهم الحقيقي لقيامة المسلم، وهي القيامة الصغرى،" فكل من مات فقد قامت قيامته، وحان حينه " [18] وسميت القيامة الصغرى لأن القيامة الكبرى هي يوم البعث والنشور، وبعض منكري البعث (الملاحدة) يرددون أن القيامة الكبرى هي الموت، وهذا خطأ، فساعة الحساب الكبرى قادمة، وإنما الموت برزخ لها [19]، مصداقا لقول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [20] والبرزخ هو ما بين الموت والبعث يوم القيامة.

وفي غزوة حنين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم ثابتا، ونقرأ ما يرويه البراء عندما سأله رجل من قيس: أفررتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال [البراء]: لكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاُستقبلنا بالسهام. ولقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بزمامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب " وفي رواية: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " [21]. الموقف هنا موقف شدة وأزمة، فالمسلمون في غزوة حنين انكشفوا، وهاجمهم الكفار بضراوة، ففروا تاركين الغنائم التي ألهتهم عن القتال، وكان موقف الرسول أن ذكّرهم بنفسه وبأصله، فهو النبي الذي لا كذب في دعوته، وهو ابن عبد المطلب ذي النسب العريق، وأتبع هذه الكلمات ثباتا ورسوخا على ناقته في المعركة، لم يفر كما فرّ المسلمون، وسرعان ما عاد المسلمون؛ لثبات نبيهم وقائدهم، وقاتلوا وانتصروا. إنه تصرف بكل جوارحه، لم يخطب فيهم، ولم يهتف بهم، بل قال كلمات قليلة، وكان الفعل هو سيد الموقف.

وقد يغني الفعل عن القول تماما، فيكون هو الجواب، كما في هذا الحديث:
قال أبو هريرة: " أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ليلة أُسريَ به بإيلياء [بيت المقدس] بقدحين من خمر ولبن، فأخذ اللبن. قال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك " [22].

لم يكن هناك سؤال من جبريل (عليه السلام)، بقدر ما هو اختيار من شيئين، والاختيار له مغزى، وجاء التعقيب من جبريل قولا مؤكدا المعنى المراد، واللبن غذاء أساسي للإنسان منذ الولادة وإلى الوفاة، وهذا كناية على أن الإسلام هو العقيدة الأساسية للبشر جميعا، لا غنى عنها. وقد شرب الرسول اللبن [23]، وهو أكثر المشروبات شيوعا في بيئة الرسول، بحكم أنها بيئة رعوية، وهو أكثر المشروبات شيوعا في العالم أجمع. و أيضا البياض هو لون اللبن، وهو أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: " هي خير من ثيابكم فالبسوها وكفّنوا فيها موتاكم [24].

[1] العبارة والإشارة : دراسة في نظرية الاتصال، د. محمد العبد، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1992م، ص114.

[2] السابق، ص113.

[3] العبارة والإشارة، ص156، 157.

[4] زاد المعاد، ج1، ص66.

[5] زاد المعاد، ج1، ص67.

[6] صحيح البخاري، المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق وشرح وترقيم ومراجعة : محب الدين الخطيب، محمد فؤاد عبد الباقي، وقصي محب الدين الخطيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ج1، ص42، رقم ( 68 )، كتاب العلم.

[7] صحيح البخاري، ج1، ص23، رقم 20، كتاب الإيمان.

[8] صحيح البخاري، ج3، ص357، رقم 5076، كتاب النكاح. والشرح للمحققين.

[9] صحيح البخاري، ج1، ص47، رقم 84، كتاب العلم.

[10] صحيح البخاري، ج1، ص47، رقم 83، كتاب العلم.

[11] صحيح البخاري، ج1، ص171، رقم 481، كتاب الصلاة.

[12] سورة الصف، الآية ( 4 ).

[13] صحيح البخاري، ج4، ص192 الأحاديث رقم : 6503، 6504، 6505،كتاب الرقاق.

[14] صحيح البخاري، ج3، ص435، 436، رقم 5400، كتاب الأطعمة.

[15] صحيح البخاري، ج4، ص193، رقم 6510، والركوة من الأدم والعلبة من الخشب

[16] صحيح البخاري، ج4، ص193، رقم 6511. قال هشام ( راوي الحديث ) : يعني موتهم، كتاب تفسير القرآن.

[17] " فتح الباري شرح صحيح البخاري "، ابن حجر العسقلاني المصري، كتاب سكرات الموت : وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء‏:‏ الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة والوسطى وهي موت أهل القرن الواحد نحو ما روى أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال‏:‏ إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة فقيل أنه آخر من مات من الصحابة‏ والصغرى موت الإنسان فساعة كل إنسان موته.

[18] القيامة الصغرى، د. عمر سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1986م، ص11.

[19] السابق، ص12.

[20] سورة المؤمنون، الآية ( 100 ).

[21] صحيح البخاري، ج3، ص154، 155، رقم 4317، ورقم 4315، كتاب المغازي.

[22] صحيح البخاري، ج3، ص250، رقم 4709، كتاب التفسير.

[23] زاد المعاد في هدي خير العباد، م س، ج1، ص54.

[24] المصدر السابق، ج1، ص51.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.59 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]