«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 22 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #231  
قديم 19-09-2022, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

قوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 160]

قوله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ "إلا" أداة استثناء، والاستثناء هنا متصل، مستثنى من قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ﴾ الآية، أي: من الكاتمين، أي: إن هؤلاء الكاتمين يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ منهم، وفي هذا إشارة إلى أن لعنهم على الدوام حتى يتوبوا.

والمعنى: إلا الذين رجعوا إلى الله- عز وجل- وأنابوا إليه، فرجعوا من كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى والعلم إلى إظهاره ونشره والعمل به.

والتوبة هي الرجوع من معصية الله- عز وجل- إلى طاعته.

وشروطها خمسة:
الأول: أن تكون نصوحاً خالصة لله- عز وجل- لا خوفاً من مخلوق، أو رجاءً لما عنده، ونحو ذلك.

الثاني: الإقلاع عن المعصية، فإن كان فيها حق لآدمي فمن شرط صحة الإقلاع عنها أن يرد حقه إليه، فلا يعد مقلعاً عن المعصية من كانت حقوق الخلق مازالت لديه.

الثالث: الندم على فعل المعصية، والتحسر والأسى على ذلك، وفي الحديث: "الندم توبة"[1]. فيندم على فعله للمعصية ويخشى من شؤم ذنبه ويكثر من الاستغفار.

الرابع: العزم الأكيد على عدم الرجوع إلى المعصية، فإن لم يحصل العزم فلا تصح التوبة، فإن عزم على عدم الرجوع إليها، لكنه عاد إليها، فعليه تجديد التوبة.

الخامس: أن تكون التوبة في وقتها، قبل حضور الموت وبلوغ الروح الحلقوم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"[2].

وأيضاً أن تكون التوبة في وقتها قبل طلوع الشمس من مغربها، وغلق باب التوبة، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"[3].

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"[4].

قوله: ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ أي: وأصلحوا عملهم، وما أفسدوه بكتمانهم.

﴿ وَبَيَّنُوا ﴾ أي: وأظهروا وأوضحوا للناس ما كتموا من البينات والهدى والعلم، ببيانه ونشره بين الناس وإجابةِ السائلين عن ذلك.

وهذا يدل على عظم مسؤولية العلماء، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران: 187]

وهذه الآية كقوله تعالى فيمن فعلا الفاحشة: ﴿ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 16]. أي: فإن تابا وأصلحا حالهما بالإقلاع عن فعل الفاحشة وندما على فعلها، وعزما على عدم العودة إليها.

وكقوله تعالى في السارق والسارقة: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 39]. أي: فمن تاب من السرقة ﴿ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ﴾ بالوقوع فيها ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ حاله بالندم على فعلها. والعزم على عدم العودة إليها.

وعلى هذا فلا دلالة في هذه الآيات كلها لمن قال: إن من شرط التوبة إصلاح جميع العمل، وأنها لا تصح من ذنب مع الإصرار على غيره، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه.

والصحيح أن التوبة تصح من ذنب وإن كان العبد مصرًّا على غيره؛ لأن هذا هو مقتضىٰ عدل الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

لكن مَن تاب مِن ذنب وهو مقيم على غيره عنده مطلق التوبة، لا التوبة المطلقة ولا يستحق أن يوصف بالتوبة المطلقة، إلا من تاب من جميع الذنوب.

﴿ فَأُولَئِكَ ﴾ الإشارة للذين تابوا وأصلحوا وبينوا، وأشار إليهم بإشارة البعيد "أولئك" تعظيماً لشأنهم.

﴿ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي: أقبل توبتهم بعد أن وفقتهم للتوبة.

وهذا وعد من الله محقق؛ لأنه- سبحانه- لا يخلف الميعاد، كما قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111].

وتوبة الله- عز وجل- على العبد الرجوع به من العقوبة إلى العفو، والتجاوز عما حصل منه من المعصية والذنب، وتبديل سيئاته حسنات كما قال عز وجل: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

قال ابن كثير[5]: "وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه، وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه".

﴿ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.
﴿ التَّوَّابُ ﴾ اسم من أسماء الله- عز وجل- على وزن "فعّال" يدل على أنه- عز وجل- ذو التوبة الواسعة العظيمة الكثيرة من حيث كثرة مَن يتوب عليهم من عباده، ومن حيث كثرة الذنوب التي يتوب عليهم منها ويغفرها لهم.

وتوبة الله- عز وجل- تنقسم إلى قسمين:
الأول: توفيقه مَن شاء للتوبة، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]. أي: ثم وفقهم للتوبة ليتوبوا.

والثاني: قبولها منه، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 25]. وقال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].

﴿ الرَّحِيمُ ﴾ اسم من أسماء الله عز وجل على وزن "فعيل" يدل على أنه عز وجل ذو الرحمة الواسعة، كما قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ [الأنعام: 147]، وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].

ورحمة الله- عز وجل- تنقسم إلى قسمين: رحمة هي صفة ذاتية ثابتة له- عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58]. وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133]، أي: صاحب الرحمة المتصف بها على الدوام.

والقسم الثاني: رحمة هي صفة فعلية له- عز وجل- يوصلها من شاء من خلقه كما قال تعالى: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].

ومن رحمته- عز وجل- يتراحم الخلائق، كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه"[6].

وجمع- عز وجل- بين اسميه "التواب" و"الرحيم"؛ لأن بالتوبة زوال المرهوب، والسلامة من العقوبة، وبالرحمة حصول المطلوب والمثوبة.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه ابن ماجه في الزهد (4252)، وأحمد (1/376)- من حديث عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه.

[2] أخرجه الترمذي في الدعوات (3537)، وابن ماجه في الزهد (4253)، وأحمد (2/132) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[3] أخرجه مسلم في التوبة (2759) من حديث أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه.

[4] أخرجه أبوداود في الجهاد (2479)، والدارمي في السير (2513)، وأحمد (4/99) من حديث معاوية رضي الله عنه.

[5] في "تفسيره" (1/288-289).

[6] أخرجه البخاري في الأدب- جعل الرحمة مائة جزء (6000)، ومسلم في التوبة- سعة رحمة الله- تعالى- وأنها سبقت غضبه (2752)، وأخرجه البخاري أيضاً (2753)- من حديث سلمان الفارسي- رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #232  
قديم 19-09-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ.... ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ [البقرة: 161، 162].

ذكر الله- عز وجل- لعنته تعالى، ولعنة اللاعنين لمن يكتمون ما أنزله من البينات والهدى بعد بيانه للناس في الكتاب، ووعد من تابوا من ذلك وأصلحوا وبينوا بالتوبة عليهم، ثم أتبع ذلك بالوعيد الشديد لمن استمروا على الكفر حتى ماتوا.

قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: الذين أنكروا وجود الله، وجحدوا ربوبيته، وألوهيته، وأسماءه وصفاته، وشرعه، وكذبوا رسله، واستكبروا عن الإيمان، أو شكوا في ذلك أو أعرضوا عنه.

﴿ وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ الواو في قوله ﴿ وَهُمْ ﴾ للحال، أي: وماتوا حال كونهم كفاراً، أي: استمروا على الكفر، حتى ماتوا عليه.

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ الإشارة للذين ماتوا وهم كفار، وأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيراً لهم.

ولعنة الله لهم طردهم وإبعادهم عن رحمته وجنته، وإدخالهم في عذابه وناره، ومقته لهم.

﴿ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾ أي: وعليهم لعنة الملائكة.

﴿ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ أي: وعليهم لعنة الناس أجمعين؛ حتى الكفار الذين شاركوهم بالكفر يلعنونهم، كما قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38]. ولعنة الملائكة والناس لهم الدعاء عليهم بطردهم وإبعادهم عن رحمته- عز وجل وجنته، ومقتهم وبغضهم لهم.

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي: في هذه اللعنة، والمقت والطرد والإبعاد عن رحمة الله، فهي تستمر معهم وتلاحقهم، وهم خالدون في النار بسبب هذه اللعنة؛ لأن من لعنه الله وطرده من رحمته وجنته ليس له إلا الخلود في النار؛ لأنه ليس بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، كما قال تعالى ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7].

وقال عز وجل مخاطباً الجنة والنار: "أنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وأنت النار عذابي أعذب بك من أشاء"[1].

والمعنى: مقيمين في النار إقامة أبدية لا تحول ولا تزول؛ لأن النار لا تفنى، ولا يفنى عذابها، ولا يفنى أهلها- بل عذابها أبدي سرمدي، كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 168، 169].

وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64، 65].

وقال تعالى في سورة الجن: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

فهذه ثلاث آيات من القرآن الكريم فيها التصريح بخلود أهل النار فيها خلوداً أبديًّا، إضافة إلى الآيات التي فيها ذكر الخلود، دون ذكر التأبيد، وهي كثيرة جدًّا.

وكذا ما جاء في معنى هذه الآيات، كقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [المائدة: 37]، وقوله تعالى: ﴿ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [الزخرف: 75]، وقوله تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77].

إلى غير ذلك من الآيات، وكذا الأحاديث الدالة على خلود أهل النار فيها خلوداً أبديًّا- نسأل الله العافية والسلامة.

قوله: ﴿ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ﴾ أي: لا يخفف عنهم عذاب النار، بأن يُهَوَّن عليهم ولو يوماً واحداً، أو غير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 49].، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 86].

ولا ينقطع عنهم عذابها ولو فترة قصيرة، كما قال تعالى: ﴿ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [الزخرف: 75]، وقال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77].

﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾أي: ولا هم يمهلون، بل يعاجلون بالعذاب من حين موتهم، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

كما لا ينظرون ولا يمهلون من دخول النار يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 71].

بل إن الكفار والعُصاة يعذبون في حياتهم قبل مماتهم بما يعانونه من الشقاء والقلق النفسي وغير ذلك من المصائب بسبب ذنوبهم وبُعدهم عن الله- تعالى.

وأيضاً: ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ أي: ولا ينظر إليهم بعين الرحمة والإشفاق؛ لغضب الله- عز وجل- عليهم، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الزخرف: 55].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في التفسير (4850)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2846) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #233  
قديم 19-09-2022, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].

قوله: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ الخطاب لجميع الخلق، الإنس والجن.

و"الإله": المعبود، "واحد" أي: فرد لا معبود بحق سواه، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ص: 65].

والمعنى: ومعبودكم أيها الخلق، الذي يستحق العبادة- محبة وتعظيماً- معبود واحد، متفرد في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وهو الله- عز وجل- فلا تعبدوا سواه.

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ هذه الجملة تأكيد لما قبلها، فيها إثبات كمال ألوهيته- عز وجل- ونفي الألوهية عن غيره، كما في كلمة التوحيد ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ففيها نفي العبادة عما سوى الله- عز وجل، وإثباتها له، وحصرها فيه، وحده لا شريك له.

أي: لا إله بحقٍ إلا هو، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [الحشر: 22]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255].

﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ اسمان من أسماء الله- عز وجل- "الرحمن" على وزن "فعلان"، و"الرحيم" على وزن "فعيل"، و"فعلان" أبلغ من "فعيل"، ولهذا قدم "الرحمن" على "الرحيم" هنا وفي البسملة والفاتحة، وفي قوله تعالى: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]، وفي قوله تعالى: ﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].

ويدل كل من "الرحمن" و"الرحيم" في حال انفرادهما على إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل، رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين.

وحيث اقترنا في هذه الآية، فإنه يؤخذ من "الرحمن" إثبات صفة الرحمة الذاتية الثابتة لله- عز وجل- كما يؤخذ منه إثبات صفة الرحمة العامة، لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143، الحج: 65].

ويؤخذ من "الرحيم" إثبات صفة الرحمة الفعلية لله- عز وجل- التي يوصلها من شاء من خلقه، كما قال عز وجل: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [العنكبوت: 21]. وإثبات صفة الرحمة الخاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

و"الرحمن" اسم خاص بالله لا يسمى به غيره، بل هو ثاني اسم من أسمائه- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ﴾ [الإسراء: 110].

و"الرحيم" قد يسمى أو يوصف به غير الله، كما قال- عز وجل- عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

ومن اسمه- عز وجل- "الرحمن" اشتق اسم الرحم- التي بها يتراحم الناس، قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته"[1].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه أبوداود في الزكاة (1694)، والترمذي في البر والصلة (1907)، وأحمد (1/ 191، 194)- من حديث عبدالرحمن بن عوف- رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد (2/ 498)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #234  
قديم 25-09-2022, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




الفوائد والأحكام سورة البقرة الآيات (159 ـــ 163)

1- الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد للذين يكتمون ما أنزل الله- عز وجل- من البينات والهدى والعلم- بلعنهم وطردهم عن رحمة الله- عز وجل- وجنته، وتحقيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159]

وهذا عام في كل مَن كتموا ما أنزل الله من أهل الكتاب وغيرهم؛ ولهذا قال أبوهريرة- رضي الله عنه: "لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم، وتلا هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ الآية"[1].

2- أن كتمان البينات والهدى والعلم من كبائر الذنوب؛ لأن الله- عز وجل- رتب على ذلك لعنته، فلعنهم، ولعنهم اللاعنون من خلقه.

3- إثبات العظمة لله- عز وجل- لقوله تعالى: ﴿ أَنْزَلْنَا ﴿ بَيَّنَّاهُ بضمير العظمة، وأنه هو العظيم- سبحانه وتعالى.

4- إثبات العلو لله- عز وجل- على خلقه؛ لأن الإنزال يكون من أعلى إلى أسفل، فله- عز وجل- العلو المطلق؛ علو الذات، وعلو الصفات.

5- أن القرآن الكريم منزل من عند الله- عز وجل- غير مخلوق؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى [البقرة: 159].
وفي هذا رد على المعتزلة القائلين بخلق القرآن، وهكذا جميع الكتب السماوية منزلة من عنده- عز وجل- غير مخلوقة.

6- فضل الله- عز وجل- ونعمته على الناس بإنزال البينات والهدى، وبيان ذلك لهم، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة: 118]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام: 97]، ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 98]، ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [الأنعام: 126].

7- إقامة الحجة على الخلق بإنزال الكتاب، وبيان الحق والهدى للناس جميعاً.

8- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الناس؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ .

9- وجوب نشر العلم، وإظهار الحق وبيانه؛ لأن الله- عز وجل- لعن من يكتمون ذلك، وتوعدهم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].

10- في لعن الله عز وجل للذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى إثبات لأفعاله عز وجل الاختيارية، الدائرة مع سببها وجوداً وعدماً، والمتعلقة بمشيئته عز وجل.

11- جواز لعن من كتم ما أنزله الله من البينات والهدى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ أي: يلعنون من هذه صفته، أي: يلعنون الذين يكتمون ما أنزل الله- وهكذا يجوز لعن الكافرين والظالمين والفاسقين والمكذبين من حيث العموم، لكن لا يجوز لعن المعين في حياته، لأنه لا يدرى ماذا يختم له به، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة: 161].

واختلفوا في لعن المعين ممن ماتوا على الكفر، فأجازه بعض أهل العلم، ومنع منه بعضهم، وهذا أسلم؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أَفْضَوْا إلىٰ ما قَدَّمُوا"[2].

12- عظم جرم وشؤم من يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى والعلم على البلاد والعباد؛ ولهذا استحقوا أن يلعنهم الله، ويلعنهم جميع خلقه بلسان الحال والمقال، ولهذا قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].

وفي الأثر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مجاهد قالا: "إذا اشتدت الأرض، قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاتهم"[3].

13- عظم مسؤولية العلماء، وما يجب عليهم من بيان الهدى والعلم للناس، وبيان الحق للسائلين وغيرهم.

14- فضل الله- عز وجل- وسعة حلمه، بفتح باب التوبة للتائبين مهما عظمت ذنوبهم وكثرت؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [البقرة: 160]

15- لابد لمن تابوا ورجعوا عن كتمان الحق من إصلاح ما أفسدوه بكتمانهم، وبيان ما كتموه من الحق وإظهاره، وهذا هو معنىٰ الإقلاع عن المعصية في حقهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا [البقرة: 160]

16- وعد الله- عز وجل- الذي لا يتخلف لمن تابوا من كتمان العلم والهدى، وأصلحوا عملهم بإظهار ما كتموه وبيانه للناس بالتوبة عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ

17- إثبات اسمين من أسماء الله- عز وجل- وهما: "التواب" و"الرحيم"؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وإثبات ما يدل عليه اسم "التواب" من اتصافه عز وجل بالتوبة الواسعة على عباده، توفيقاً منه لهم للتوبة وقبولاً لها.

وما يدل عليه اسمه "الرحيم" من إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل- رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين.

18- استحقاق الذين كفروا واستمروا على الكفر حتى ماتوا للعنة الله- عز وجل، ولعنة الملائكة والناس أجمعين؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة: 161].

19- أن من تابوا ورجعوا عن الكفر قبل موتهم لا يستحقون اللعن، فلا يجوز لعنهم؛ لمفهوم قوله تعالىٰ: ﴿ وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فمفهوم هذا أن من لم يمت على الكفر لا يجوز لعنه.

20- إثبات وجود الملائكة، ووجوب الإيمان بهم، وهم خلق من خلق الله- عز وجل- خلقهم الله من نور ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].

21- خلود الكفار الذين ماتوا على الكفر في لعنة الله، وفي النار مطرودين مبعدين عن رحمة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا [البقرة: 162]

22- أن العذاب لا يخفف عن الكفار في النار، ولا ينقطع، ولو لفترة قصيرة؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ [البقرة: 162].
وفي هذا رد على القائلين بفناء النار، وعلى القائلين بأن المعذبين في النار يكونون جهنميين، فلا يحسون بحرها وعذابها.

23- معاجلة الكفار بالعذاب بعد موتهم؛ عذاب القبر وعذاب النار، مع الشقاء في الدنيا، بلا رحمة لهم، ولا إشفاق عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة: 162].

24- أن إله الخلق ومعبودهم الذي يستحق العبادة وحده هو الله- عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة: 163].

25- إثبات اسمين من أسماء الله- عز وجل- وهما "الإله" و"الواحد"، وصفة الألوهية والوحدانية له عز وجل.

26- تأكيد ثبوت الألوهية لله- عز وجل- وحده- وحصرها فيه، ونفيها عن غيره؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: 163].

وفي هذا إبطال لقول النصارى بتعدد الآلهة، ولما عليه المشركون من عبادة الأوثان، وقولهم فيما حكى الله تعالى عنهم: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ [ص: 5 - 7].

27- إثبات اسم الله- عز وجل- "الرحمن" وما يدل عليه من إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل- رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل، ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين؛ بقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ

28- في إتباع قوله- عز وجل- ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: 163] بقوله: ﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إشارة إلى أن ألوهيته- عز وجل- مبنية على الرحمة، وفي هذا من البشارة ما فيه، وأن رحمته- عز وجل- سبقت غضبه. كما أن في ذلك إشارة إلى أن من دلائل وحدانيته- عز وجل- رحمته التي وسعت كل شيء وعمّت كل حي، والتي من آثارها حصول جميع النعم، واندفاع جميع النقم.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] سبق تخريجه.

[2] أخرجه البخاري في الجنائز ــ ما ينهى من سب الأموات (1393) ــ من حديث عائشة ــ رضي الله عنها.

[3] أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 1/290 الآثار (117-119) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #235  
قديم 25-09-2022, 08:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ...

قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164].

ذكر عز وجل في الآية السابقة تفرده بالألوهية وحده دون سواه، ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك فقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164].

قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ "إنَّ": حرف توكيد ونصب، ﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ : جار ومجرور متعلق بمحذوف في محل رفع خبر "إنَّ" مقدم، وقوله: ﴿ لَآيَاتٍ : اسمها مؤخر.

أي: إن في إيجاد السموات السبع في عظمتها وارتفاعها واتساعها وإحكامها وإتقانها وما جعل الله فيها من الكواكب ودوران فلكها وغير ذلك من المخلوقات، وما في ذلك من المنافع، وفي إيجاد الأرضين السبع في عظمتها وانخفاضها وبسطها وما فيها من المخلوقات العظيمة من الجبال والبحار والقفار والعمران والحيوان وغير ذلك وما في ذلك كله من المنافع دلالة على وجود الخالق وعظمته، وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ووحدانيته وقدرته وحكمته ورحمته، كما قال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: 3، 4].

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12].

﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ : معطوف على "خلق"، و"الليل": اسم للظلمة والسواد الذي يعم مقدار نصف كرة الأرض الذي يكون غير مقابل للشمس.

و"النهار": اسم للضياء والنور التام الذي يعم مقدار نصف كرة الأرض الذي يكون مقابلاً للشمس، وقدم الليل لسبقه، قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ [يس: 37].

واختلاف الليل والنهار في جوانب كثيرة وأمور عدة، منها: الضياء الظلمة، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12].

قال الشاعر:
وإذا رأيت الليل يغشي داجياً
فاسأله من يا ليل حاك دجاكا
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا
فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا[1]


ومنها تعاقبهما، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62] ، وقال تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40]. قال زهير[2]:
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم


أي: إذا ذهب قطيع خلفه قطيع آخر.

ومنها تساويهما أحياناً، وطول أحدهما وقصر الآخر أحيانا بحسب الفصول والأمكنة، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [لقمان: 29] ، أي: يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا.

وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل: 20] ، وقال تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5].

ومنها: كون الليل محلاً للسكون والنهار وقتاً لطلب المعاش، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [يونس: 67] ، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النمل: 86] ، وقال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [غافر: 61].

وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ [الروم: 23]، وقال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان: 47]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ: 10، 11].

وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 71 - 73].

قال الشاعر:
ولو جن هذا الليل وامتد سرمداً
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيَا


ومنها: اختلاف الأحوال فيهما من حر إلى برد، ومن عز إلى ذل، ومن رخاء إلى شدة، ومن غنى إلى فقر، ومن صحة إلى مرض، ومن فرح إلى حزن، ومن حياة إلى موت، وغير ذلك وعكسه، كما قال تعالى: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [النور: 44].

﴿ وَالْفُلْكِ معطوف على ﴿ خَلْقِ أي: وفي الفلك، ﴿ وَالْفُلْكِ أي: السفن، وتطلق الفلك، على الجمع والمفرد، وتؤنث كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ [يونس: 22].

وتُذكَّر كما في قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: 41].

﴿ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ : صفة لـ﴿ وَالْفُلْكِ أي: التي تسير في البحر وتمخر عبابه، وتغوص في أعماقه، أو تسير على سطحه، من غير أن تغرق مع عظمها وثقل حملها، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الشورى: 32].

﴿ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ الباء للمصاحبة، "ما" مصدرية، أو موصولة، أي: مصحوبة بنفع الناس أو بالذي ينفعهم من حملهم في تنقلاتهم، ونقل الأمتعة والبضائع والأرزاق لهم، فهي آية من حيث أنها تجرى في البحر وفي تسخير البحر لها، وهي نعمة من حيث أنها تجري بما ينفع الناس.

كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [إبراهيم: 32] ، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ [الجاثية: 12] ، وقال تعالى: ﴿تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان: 31].

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الواو: عاطفة، و"ما": اسم موصول معطوف على "خلق"، أي: وفي الذي أنزل الله.

﴿ مِنَ السَّمَاءِ "من": لابتداء الغاية، والمراد بـ "السماء" هنا العلو؛ لأن الماء ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض، وليس من جرم السماء نفسها، كما قال تعالى في آخر الآية: ﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾.


﴿ مِنْ مَاءٍ "من": بيانية، فهي بيان لـ "ما" الموصولة، والمراد به المطر الذي ينزله الله من السماء.

﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ معطوف على "أنزل"، والفاء للتعقيب، للدلالة على سرعة حياة الأرض إثر نزول المطر بأمر الله عز وجل، أي: فأحيا بسببه الأرض بالنبات.

﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا أي: بعد أن كانت ميتة يابسة هامدة لا نبات فيها ولا حياة، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج: 63].

وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم: 24]، وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: 5].

وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس: 33 - 36].

وقال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس: 24 - 32].
وبين السماء والأرض، وأحيا وموت: طباق إيجاب.

﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ معطوف على ﴿ أَنْزَلَ أو على "أحيا"، أي: وما "بث فيها".
و"بث" بمعنى نشر وفرق ﴿ فِيهَا أي: في الأرض ﴿ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، ﴿ مِنْ بيانية، أو تعقيبية.

والدابة: كل ما يدب ويمشي على وجه الأرض، أي: وما نشر وفرق في الأرض من جميع أنواع وأشكال الدواب التي تمشي على الأرض، من ناطق أو بهيم، عاقل أو غير عاقل، من إنسان أو حيوان أو طير أو حشرات، أو غير ذلك.

﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ معطوف على "خلق" أي: وفي تصريف الرياح، قرأ حمزة والكسائي بالإفراد: ﴿ الرِّيَاحِ والمراد به الجنس، وقرأ الباقون بالجمع: ﴿ الرِّيَاحِ .

وعقَّب إحياء الأرض بالمطر وبث الدواب فيها بتصريف الرياح؛ لأن فيها نمو النبات وبناء حياة الحيوانات التي تدب على وجه الأرض، و"الرياح" جمع: "ريح".

ومعنى "تصريف الرياح": تدبيرها في هبوبها وسكونها، وتنويع اتجاهاتها، وشدتها ولينها، ومنافعها وآثارها حال هبوبها أو سكونها على الإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك كالسفن والسيارات والطائرات ونحو ذلك.

تارة تكون شرقية، وهي "الصبا" التي نصر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرق الله بها جموع الأحزاب يوم الخندق، كما قال صلى الله عليه وسلم "نصرت بـ "الصبا""[3].

وتارة تكون غربية وهي العقيم، أي: المهلكة التي لا نفع فيها، وهي التي أهلك الله بها عاداً كما قال تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات: 41، 42] ، وقال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت: 16].

وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة: 6 - 8] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: 19، 20].

وتسمى بـ "الدبور" كما قال صلى الله عليه وسلم: "وأهلكت عاد بالدبور"[4].
وسميت بـ"الدبور"؛ لأنها تستدبر السحاب، فيحصل بسبب ذلك أحياناً الغرق أو الهلاك.

وتارة تكون الريح جنوبية، وتارة شمالية، وتارة شمالية شرقية، وتارة شمالية غربية، وتارة جنوبية شرقية، وتارة جنوبية غربية.

وتارة لينة رخاء، طيبة، كما قال تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص: 36] ، وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس: 22].

وتارة تكون عاصفة أو حاصباً أو قاصفاً، كما قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ [الأنبياء: 81] ، وقال تعالى: ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ [يونس: 22] ، وقال تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا [العنكبوت: 40] ، وقال تعالى: ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ [الإسراء: 69].

وتارة تكون حارة سموماً، وتارة تكون باردة ذات صوت وهي الصر، والصرصر كما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران: 117] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا [القمر: 19].

وتارة تكون رحمة، فتأتي مبشرة بين يدي رحمة الله تعالى بنزول المطر وتثير السحاب وتجمعه وتسوقه وتلقحه وتدره وتمطره، وقد تفرق السحاب وتصرفه لحكمة.

كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف: 57] ، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [الروم: 46]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ [الروم: 48] ، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر: 9].

وتسوق السفن تمخر عباب البحر، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ [الشورى: 33] ، وقال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر: 22]. وتارة تكون عذاباً، كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف: 24، 25].

إلى غير ذلك من أحوال الرياح وآثارها مما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
ففي تصريف الرياح وتقليبها وتنويعها آيات عظيمة دالة على كمال قدرة الله عز وجل وحكمته ورحمته.

فلو سكنت الريح لأضر ذلك بالعالم كله، وكذا لو بقيت في اتجاه واحد، لكنها تتقابل فيكسر بعضها حدة بعض، ويذهب بعضها ما جاء به البعض الآخر من الأذى والجراثيم ونحو ذلك.

﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ معطوف على ما سبق، أي: وفي السحاب، أو على "الرياح" خاصة، أي: وفي تصريف السحاب المسخر، أي: نقله من موضع إلى آخر.

وذكر السحاب بعد الرياح؛ لأن الرياح هي التي تثيره وتجمعه وتسوقه وتدره وتمطره وغير ذلك بأمر الله عز وجل.

والسحاب: الغمام، وسُمي سحاباً؛ لأنه ينسحب انسحاباً في الجو، ويسحب الماء معه، وتسحبه الرياح.
﴿ الْمُسَخَّرِ أي: المذلل بأمر الله عز وجل، يصرفه الله كيف يشاء، وحيث يشاء، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا [الفرقان: 50].

﴿ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فلا ينزل مع كثافته وثقله، كما قال عز وجل: ﴿وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد: 12] ، ولا يرتفع مع خفته ولطافته.

أي: بين السماء التي هي السقف لهذا الكون، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور: 5]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 32]. والأرض هي التي نحن عليها، فالسحاب تحت السماء التي هي سقف هذا الكون، وبينها وبين الأرض، وليس في السماء التي هي الأجرام.

﴿ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اللام للتوكيد، و"آيات" اسم "إنّ" في قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مؤخر، ونكر "آيات" للتعظيم والتفخيم، كماً وكيفاً.

أي: لآيات عظيمة كثيرة، والآيات: جمع آية، وهي العلامة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة: 248] أي: إن علامة ملكه.

ففي خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من المخلوقات والعوالم وما في ذلك من عظمة الخلق وتمامه آيات، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم: 22].

وفي اختلاف الليل والنهار ضياء وظلمة، وطولاً وقصراً، وتعاقبهما، وتبدل الأحوال فيهما آيات، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس: 6].

وفي الفلك والسفن التي تجري في البحر مع عظمتها وثقل حملها وما فيها من المنافع للناس في نقلهم ونقل الأمتعة والبضائع والأرزاق لهم آيات.

وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها آيات، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39].

وفيما بث في الأرض من أنواع وأجناس الدواب المختلفة آيات.
وفي تصريف الرياح وتدبيرها وتنويع اتجاهاتها ولينها وشدتها ومنافعها وآثارها آيات.
وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض لمصالح الخلق آيات.

أي: في ذلك كله آيات، أي: علامات ودلائل على وجود الخالق وعظمته ووحدانيته، وقدرته الظاهرة وحكمته الباهرة ورحمته الواسعة وعنايته التامة بخلقه وكمال ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، واستحقاقه للعبادة وحده دون من سواه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191].

وقد أحسن القائل:
والكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيراً لها أعياكا[5]


قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿ لِقَوْمٍ : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة "لآيات" أي: لآيات بينات لقوم يعقلون، و"القوم" هم الجماعة من الناس.

﴿ يَعْقِلُونَ أي: ذوي عقول يتفكرون بها ويُعْملونها فيما خلقت له وينتفعون بها، بخلاف من عداهم ممن لا ينتفعون بعقولهم، وذلك أن العقل عقلان، عقل هو مناط التكليف، قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ"[6].

وعقل هو مناط المدح وهو الذي يحمل صاحبه على فعل ما ينفعه ويمنعه عن فعل ما يضره، كما قال تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر: 5] أي: لذي عقل يحجر صاحبه ويمنعه عما يضره، وهو المراد بقوله تعالى هنا: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

فمن أعمل عقله وتفكر في خلق السموات والأرض، وفي اختلاف الليل والنهار، وفي الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وفيما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وما بث فيها من دابة، وفي تصريف الرياح، وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض ظهر له ما في ذلك كله من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى، ووحدانيته ورحمته وحكمته، وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] البيتان ينسبان للشاعر السوداني إبراهيم علي بديوي .

[2] انظر: "ديوانه" ص (103).

[3] أخرجه البخاري في الجمعة (1035)، ومسلم في صلاة الاستسقاء (900)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[4] أخرجه البخاري في الجمعة (1035)، ومسلم في صلاة الاستسقاء (900)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[5] البيت ينسب للشاعر السوداني إبراهيم علي بديوي .

[6] أخرجه ابوداود في الحدود (4403)، والترمذي في الحدود (1423)، وابن ماجه في الطلاق (2042) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #236  
قديم 03-10-2022, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165]

استدل عز وجل في الآية السابقة على تفرده بالألوهية وحده دون سواه بخلق السماوات والأرض وغير ذلك من الآيات العظيمة، ثم ذكر في هذه الآية أن من الناس- مع هذه الآيات العظيمة الواضحة، والبيان التام ﴿ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ﴾، وما هذا إلا محض العناد والشقاق ودليل الإعراض عن تدبر آياته، والتفكر في مخلوقاته، وصدق الله العظيم: ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32].

قوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ﴾ الواو: عاطفة، و"من": تبعيضية، أي: وبعض الناس أو فريق من الناس، و"من" الثانية: موصولة، أي: وبعض الناس الذي يجعل ﴿ و مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي: مع الله ﴿ أَنْدَادًا ﴾ جمع ند، وهو الشبيه والنظير.

والمعنى: ومن الناس من يجعل مع الله أشباهاً ونظراء وأمثالاً وآلهة من الأصنام والمعبودات الأحياء والأموات، يسوونهم في الله في العبادة والمحبة والتعظيم والطاعة، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ [الأنعام: 100، الرعد: 33].

وهو سبحانه الواحد الأحد، لا ند له ولا شريك.

وفي الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده"[1].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً، وقد خلقك"[2].

﴿ يُحِبُّونَهُمْ ﴾ صفة لأنداد، أو حال، أي: حال كونهم يحبونهم، أي: يحبون تلك الأنداد ويعظمونها، وجاء الضمير للعاقل ولم يقل: "يحبونها"؛ وذلك لأنهم يعتقدون أنها تنفع وتضر، كما أن من هذه الأنداد التي يعبدونها ما هو من العقلاء، كالملائكة والأولياء والصالحين.

﴿ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ الكاف للتشبيه بمعنى "مثل" في محل نصب صفة لمصدر محذوف، أي: يحبون أندادهم حباً مثل حب الله، أي: حباً مساوياً لحبهم لله تعالى، وتعظيماً مثل تعظيم الله.

فأثبت لهم محبة لله، ولكنهم يشركون فيها مع الله أندادهم، كما قال المشركون: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98]. فيعدلون بربهم غيره، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1].
ويحتمل أن المعنى يحبون أندادهم كحب المؤمنين لله.

قال ابن القيم[3]: "وكان شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- يرجح القول الأول، ويقول: إنما ذموا بأن شرَّكوا بين الله وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها لله، كمحبة المؤمنين له".

فمن أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذوا من دون الله أنداداً وشركاء وآلهة يحبونهم ويعظمونهم، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ لأن المحبة والتعظيم هما أساسا العبادة، فبالمحبة يفعل المأمور، وبالتعظيم يجتنب المحظور إذا اجتمعا، فإن انفرد أحدهما استلزم الآخر.

وإنما وجب تقديم محبته عز وجل على كل شيء؛ لأن كل النعم منه سبحانه، خلق الخلق ورزقهم، وأنعم عليهم بسائر النعم التي أعظمها نعمة الإسلام، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ ﴾ [النحل: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34، النحل: 18].


﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ هذه الجملة اعتراضية بين الجملة السابقة وقوله: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾.

و﴿ أَشَدُّ ﴾: اسم تفضيل، ﴿ حُبًّا ﴾ تمييز، واختيار عبارة: ﴿ أَشَدُّ حُبًّا ﴾ بدل "أحب"؛ للدلالة على الرسوخ والثبات وهو ملاك الأمر؛ لأن أحب العمل إلى الله تعالى أدومه، أي: والذين آمنوا أشد حباً لله من محبة المشركين لأندادهم، وذلك لإخلاص المؤمنين محبتهم لله، لا شريك له، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء؛ ولهذا يعبدونه وحده، ويتوكلون عليه، ولا يشركون به غيره في حال من الأحوال.

أما محبة المشركين لأندادهم وآلهتهم فهي في السراء فقط، وعند الضراء يلجؤون إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].

كما أنهم يقولون: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، ويقولون: ﴿ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18].

يحبون الصنم ويعبدونه، ثم يرفضونه إلى غيره، أو يأكلونه كما ذكر أن قبيلة باهلة لهم أصنام من حيس فجاعوا في قحط أصابهم فأكلوها.

ويحتمل أن معنى الآية: والذين آمنوا أشد حباً لله من محبة أهل الأنداد لله، وذلك لأن محبة المؤمنين لله تعالى خالصة لا يشوبها شرك، أما هؤلاء فإنهم يشركون مع الله أندادهم في المحبة.

قال ابن القيم[4]: "والصحيح أن معنى الآية: والذين آمنوا أشد حباً لله من أهل الأنداد لأندادهم، كما تقدم بيان أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلاً، كما لا يماثل محبوبهم غيره، وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته، وكل مكروه في محبة غيره، فهو قرة عين في محبته".

﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ الواو: عاطفة، قرأ نافع وابن عامر ويعقوب بتاء الخطاب: ﴿ وَلَوْ تَرَىَ﴾، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح خطابه، والرؤية على هذا بصرية تنصب مفعولاً واحداً، أي: ولو تبصر يا محمد أو يا أيها المخاطب ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾، فـ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ مفعول ﴿ يَرَى ﴾.

وقرأ الباقون بياء الغيبة: ﴿ وَلَوْ يَرَى ﴾، فـ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ فاعل والرؤية على هذا علمية تنصب مفعولين، سد مسدهما جملة: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾.

و﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ هم الذين اتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن ذلك الاتخاذ ظلم، أي: الذين ظلموا باتخاذ الأنداد ووضعها موضع المعبود، ومحبتها وتعظيمها من دون الله.

وأصل الظلم: النقص، كما قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [الكهف: 33]، أي: ولم تنقص منه شيئاً، وهو أيضاً: وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان، وأظلم الظلم الشرك بالله، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

فالذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم ويعظمونهم ويعبدونهم من دون الله ظلموا في صرف العبادة لغير الله، ونقصوا ما أوجبه الله عليهم من توحيده، ونقصوا أنفسهم حقها بتعريضها لعذاب الله والخلود في النار وحرمانها من ثوابه ودخول الجنة.

﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ بدل اشتمال من قوله: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾، و﴿ إِذْ ﴾: ظرف للزمان الماضي بمعنى "حين"، وتعلقت هنا بالمضارع للدلالة على تحقيق وقوعه، حتى صار المستقبل كأنه قد مضى، والرؤية هنا بصرية.

قرأ ابن عامر بضم الياء على البناء للمفعول: ﴿ يَرَوْنَ﴾ من "أراه يريه"؛ ولهذا تعدت بالهمزة إلى مفعولين، التقدير: إذ يريهم الله العذاب، فالمفعول الأول الضمير "هم"، والمفعول الثاني: ﴿ الْعَذَابَ ﴾.

وقرأ الباقون بفتح الياء: ﴿ يَرَوْنَ﴾ أي: إذ يرون العذاب بأنفسهم، ومفعول ﴿ يَرَوْنَ﴾ ﴿ الْعَذَابَ ﴾ والمعنى: حين يرون بأنفسهم، أو حين يريهم الله العذاب المعد لهم في الآخرة، أي: حين يبصرون العذاب- وهو العقوبة- عيانا بأبصارهم.

﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ قرأ أبو جعفر ويعقوب "إن القوة" بكسر الهمزة على الاستئناف البياني، وقرأ الباقون بفتح الهمزة ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾، فالجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي "يرى"، أو على المفعول لأجله، أي: لأن القوة لله جميعاً.

والقوة: التمكن من الفعل بلا ضعف، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾ [الروم: 54].

كما أن القدرة: التمكن من الفعل بلا عجز، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].

﴿ لِلَّهِ ﴾ اللام للاختصاص، ﴿ جَمِيعًا ﴾: حال من الضمير المستتر في الخبر المقدر، أي: حال كون القوة كائنة لله جميعا، فهو- سبحانه وتعالى- المختص بالقوة والقدرة المطلقة الكاملة كلها جميعا، دون ما اتخذوه من الأنداد وغيرها.

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ معطوف على ما قبله، أي: أنه عز وجل شديد العقوبة، كما قال تعالى: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 25، 26].

وجواب "لو" محذوف للتعظيم والتفخيم، ليذهب الفكر فيه كل مذهب، وهو أبلغ في التهديد والوعيد من الإتيان به، كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ [الأنعام: 30]،

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ﴾ [الأنعام: 93].

وتقديره على قراءة الخطاب: ﴿ وَلَوْ تَرَىَ﴾، أي: لو رأيت ذلك لرأيت أمراً عظيماً، و"أنَّ" في قوله: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ ﴾ على هذا: مفعول لأجله، أي: لأجل أن القوة لله جميعاً.

والتقدير على قراءة الغيبة، أي: ولو يعلم الذين ظلموا بشركهم أن القوة لله جميعاً دون أندادهم ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة لرأوا مضرة اتخاذهم الأنداد وعدم نفعها لهم، أو لرأوا أمراً عظيماً لا تحصره الأوهام، أو لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندامة والحسرة، ونحو هذا.

وعلى قراءة كسرة همزة "إنَّ" في قوله: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ على الاستئناف جواب "لو" محذوف أيضاً أو على الحكاية، أي: لقالوا: إن القوة لله جميعًا.
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه أحمد (1/ 214- 224)، وابن ماجه في الكفارات (2117)- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4477)، ومسلم في الإيمان (86) وأبو داود في الطلاق (2310)، والنسائي في تحريم الدم (4013) والترمذي في التفسير (3182).

[3] انظر "بدائع التفسير" (1/ 372).

[4] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 372).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #237  
قديم 03-10-2022, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166].

قوله: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ بدل اشتمال من قوله: ﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 165] أي: إذ يتبرأ، وجاء التعبير بالماضي لتحقيق وقوعه، و"تبرأ": أظهر البراءة وتخلى وبعد.

﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: المتبوعون من السادة والكبراء والرؤساء والقادة في الشرك والشر ورأسهم إبليس، وأتباعه من دعاة الكفر والضلال كفرعون وأمثاله الذين يدعون الناس إلى متابعتهم على الباطل، كما قال تعالى: عن فرعون أنه قال لقومه: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].

وقال تعالى عن الكفار: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 12].

﴿ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: من الأتباع والضعفاء، أي: إذ تبرأ المتبوعون من أهل الضلال من أتباعهم وتخلوا عنهم وأنكروهم، وتنصلوا من وعدهم لهم بالشفاعة في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82].

وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25].

﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ معطوفة على: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾، أو حالية، أي: في حال رؤيتهم العذاب، وضمير الواو في "رأوا" عائد على الفريقين، المتبوعين والأتباع.

أي: وشاهدوا العذاب، وأبصروه بأعينهم، كما قال تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [القصص: 63، 64].

﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ معطوفة على ما قبلها، أو حال، والضمير المجرور في ﴿ بِهِمُ ﴾ عائد إلى الفريقين، والباء للملابسة، أو للسببية أو بمعنى "عن".

والأسباب: جمع سبب، وهو ما يتوصل به إلى غيره، أي: وتقطعت بهم العلائق والصلات والمودات التي كانت بينهم في الدنيا لغير الله، والحيل وأسباب الخلاص التي يؤملونها.

كما قال تعالى: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وقال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ *مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 22- 25].

وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 40 - 42].

قال ابن القيم[1]: "وذلك لأن تلك الغايات لما اضمحلت وبطلت اضمحلت أسبابها وبطلت، فإن الأسباب تبطل ببطلان غايتها، وتضمحل باضمحلالها، وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، وكل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه، وكل سعي لغيره باطل ومضمحل"[2].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] انظر: "بدائع التفسير" (1 /374).

[2] في "تفسيره" (1 /291).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #238  
قديم 03-10-2022, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾[البقرة: 167]

قوله: ﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ أي: قال الأتباع المضلَّلون.

﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ "لو" هنا للتمني، أي: ليت لنا كرة.

والكرة: الرجعة، أي: ليت لنا رجعة وعودة إلى الدنيا نحن وإياهم.

﴿ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ الفاء: للسببية، "ونتبرأ": مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد الفاء، كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 102]، والمعنى: فنتخلى عنهم، وعن عبادتهم إذا رجعنا إلى الدنيا، ونعبد الله وحده، وهم في هذا كاذبون.

﴿ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ الكاف للتشبيه، بمعنى "مثل" صفة لمصدر محذوف، أي: تبرؤ مثل تبرئهم منا، أي: مثل ما تبرءوا منا وتخلوا عنا في الآخرة فنجازيهم بمثل صنيعهم.

وهيهات وأنى لهم الرجوع إلى الدنيا!

وأيضاً فإنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه كما قال تعالى:
﴿ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 27، 28].

﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ الكاف كسابقتها للتشبيه بمعنى "مثل". والإشارة بـ "ذلك" إلى إراءتهم العذاب وتلك الأهوال، والتقدير: مثل إراءتهم الأهوال يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم.

﴿ يُرِيهِمُ ﴾ من "أَرى يُري"؛ لهذا نصبت ثلاثة مفاعيل، الأول: الضمير "هم"، والثاني: "أعمالهم"، والثالث: "حسرات"، وهذا على اعتبار الرؤية علمية، وعلى اعتبار الرؤية بصرية وهو أقرب يكون ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ منصوباً على الحال من أعمالهم.

و﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ جمع حسرة، وهي شدة الندم والأسى والحزن، لما مُنوا به من حبوط أعمالهم والخيبة والخسران، فلا تكاد تتصور مدى ما يعتلج في صدور هؤلاء الأتباع من الحسرات والندم والحزن والأسى والآهات على أعمال اجتهدوا فيها تحبط وتبطل وتذهب سدى، ويعترفون بما كانوا عليه من الضلال بعد فوات الأوان، ويقولون كما ذكر الله تعالى عنهم: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].

ويحتمل عود الضمير في قولهم: ﴿ يُرِيهِمُ ﴾ إلى الفريقين المتبوعين والأتباع لاجتماعهم في الكفر والضلال كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ﴾ [النور: 39].

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 31- 33].

وهذا بخلاف من كانوا أتباعاً على الحق ومحبتهم في الله ولله فإنها تبقى ولا تزول، كما قال تعالى: ﴿ لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

قال الشاعر:
سيبقى لكم في مضمر القلب
سريرة حب يوم تبلى السرائر


وقال الآخر:
وإذا تقطع حبل الوصل بينهم
فللمحبين حبل غير منقطع
وإن تصدع شمل القوم بينهم
فللمحبين شمل غير منصدع[1]


وقال الآخر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه دوماً لأول منزل


﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ أي: أنهم خالدون فيها؛ لأن النار لا تفنى ولا يفنى عذابها ولا يموت أهلها، وفي هذا تيئيس لهم من الرجعة إلى الدنيا كما يتمنون.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] انظر: "روضة المحبين" ص280 .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #239  
قديم 03-10-2022, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة الآيات (164 - 167)

1- عظم خلق السموات والأرض وما في ذلك من الآيات الدالة على عظمة الخالق سبحانه ووحدانيته، وكمال قدرته وحكمته ورحمته.

وأن السموات والأرض مخلوقة بعد العدم، وليست بأزلية- كما يزعم الفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

2- أن في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما، واختلاف أحوالهما ظلمةً وضياءً وطولاً وقصراً، وسكناً ومعاشاً، وغير ذلك، واختلاف الأحوال فيهما من حر إلى برد، ومن عز إلى ذل، ومن شدة إلى رخاء ونحو ذلك وعكسه وغير ذلك، في ذلك كله آيات دالة على عظمة الله ووحدانيته وقدرته وحكمته ورحمته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾.

3- أن في الفلك والسفن التي تجري في البحر بتسخير الله بما ينفع الناس، من حملهم وحمل أمتعتهم وأقواتهم آيات عظيمة دالة على عظمة الله ووحدانيته وحكمته ورحمته وكمال قدرته.

إذ كيف تجري هذه السفن العظيمة على الماء، وكيف لا تغرق في لجج البحار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾.

4- أن في إنزال المطر من السماء وإحياء الأرض به بعد موتها، وما بث فيها من كل أنواع الدواب آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق ووحدانيته وحكمته وسعة رحمته، وكمال قدرته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾.

5- أن في تصريف الرياح وتغيير توجهها من جهة إلى أخرى وما يترتب على ذلك من منافع أو مضار، وفي تكوين السحاب وتسخيره بين السماء والأرض آيات عظيمة تدل على قدرة الله تعالى التامة، ووحدانيته وحكمته ورحمته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾.

6- إنما يتأمل في مخلوقات الله عز وجل الكونية من خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وغير ذلك من الآيات المذكورة وغيرها ويتفكر فيها، ويستدل بها على عظمة الخالق ووحدانيته، وتمام قدرته وقوته، وكمال حكمته، وسعة رحمته ذوو العقول؛ لقوله تعالى: ﴿ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي: الذين تهديهم عقولهم إلى التأمل في آيات الله والتفكر فيها.

7- الحث والترغيب في التدبر والتفكر في آيات الله عز وجل ومخلوقاته في هذا الكون العظيم؛ لأن الله ذكر أن هذا من صفات ذوي العقول.

8- يؤخذ من مفهوم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ الآية، التعريض بالذين لا يعقلون ولا يتفكرون في آيات الله ولا ينتفعون بها، والرد على المشركين والدهريين.

9- ذم المشركين باتخاذهم- جهلاً وسفهاً- من دون الله أنداداً يحبونهم كحبهم لله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

10- أن محبة الله تعالى من العبادة، بل محبة الله تعالى وتعظيمه هي أساس العبادة، فبالمحبة يفعل المأمور، وبالتعظيم يجتنب المحظور؛ ولهذا جعل الله عز وجل من أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى كمن اتخذ من دون الله أنداداً وشركاء.

11- محبة المؤمنين لله تعالى أشد من محبة المشركين للأنداد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

12- أن في ازدياد إيمان العبد زيادة محبته لله تعالى، كما أن في شدة محبته لله تعالى دلالة على قوة إيمانه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾.

13- وجوب تقديم محبة الله عز وجل على جميع المحبوبات؛ لأن الله ذم من أحبوا الأنداد كحب الله ووصفهم بالشرك والظلم.

14- أن من جعل لله نداً في المحبة فهو ظالم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 165] وأظلم الظلم الشرك بالله- تعالى.

15- إثبات البعث والجزاء، ورؤية الظالمين للعذاب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 166].

16- أن القوة جميعاً لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 165] والمخلوق وإن كان له قوة فليست بشيء بالنسبة لقوة الله عز وجل،وأيضاً فإن قوة المخلوق إنما هي من الله عز وجل.

17- شدة عذاب الله تعالى للمشركين الظالمين ونحوهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165].

18- التحذير من بطش الله وعذابه، لأنه عز وجل ذو القوة التامة، شديد العذاب.

19- براءة المتبوعين بالباطل من أتباعهم وتخليهم عنهم في أشد المواقف يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ [البقرة: 166]، وفي هذا من الألم المعنوي لقلوب هؤلاء الأتباع والأسى والحسرة وخيبة الأمل ما لا يتصور.

20- أن كل سبب ترجى به النجاة فهو منقطع يوم القيامة إلا ما شرعه الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166]، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [العنكبوت: 12].

21- بلاغة القرآن الكريم في الإشارة إلى ما عليه هؤلاء الأتباع في ذلك اليوم بعد أن تقطعت بهم أسباب النجاة التي يؤملونها من شدة الحيرة وتيقن الهلاك وسوء المصير.

22- تمني الأتباع على الباطل الرجوع إلى الدنيا؛ ليتبرؤوا من متبوعيهم، كما تبرؤوا منهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك؛ لأن الرجوع إلى الدنيا غير ممكن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴾ [البقرة: 167].

23- عقوبة الله تعالى لهؤلاء المذكورين بجعل أعمالهم حسرات عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: 167].

24- خلود المشركين في النار من الأتباع والمتبوعين خلوداً أبديًّا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].

25- إثبات النار، وأنها مآل الكفار، لا تفنى ولا يفنى عذابها ولا أهلها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾.

وكما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 169]، وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64، 65]، وقال تعالى في سورة الجن: ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #240  
قديم 07-12-2022, 09:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا



قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ[البقرة: 186، 171].

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾.

قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ «يا»: حرف نداء، وتصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام «أي»: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأن المنادى مفعول به، و«ها» للتنبيه، و﴿ النَّاسُ﴾: صفة لـ«أي».

و﴿ النَّاسُ﴾ هم البشر «بنو آدم»، فالخطاب لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم.

و﴿ النَّاسُ﴾ أصلها: الأناس، فحذفت الهمزة منها تخفيفًا؛ كما قال الشاعر:
إن المنايا يطلعن
على الأناس الآمنينا




وقد تقدم الكلام على اشتقاقه في أول السورة[1].

﴿ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾ الأمر للإباحة، ﴿ مِمَّا﴾ مكونة من «مِن» التي لبيان الجنس و«ما» الموصولة التي تفيد العموم، أي: كلوا من كل الذي في الأرض، من زروع وثمار وبقول، وحيوان، وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29].

ويحتمل أن تكون «من» تبعيضية، أي: كلوا من بعض ما في الأرض، والأمر للوجوب فيما يحفظ النفس، وللندب، والإباحة فيما عدا ذلك.

﴿ حلالًا ﴾ حال من «ما» أي: حال كونه حلالًا، أي: حلالًا في كسبه، كما قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].

﴿ طيبًا ﴾ حال ثانية، أي: حال كونه طيبًا في ذاته وعينه، وفي هذا بيان علة تحليله، وهي كونه طيبًا في ذاته، تستطيبه النفوس، وليس بخبيث، كالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، والخبائث كلها، مما يضر بالأبدان والعقول، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145]، وقال تعالى في الخمر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

وفي قوله: ﴿ حلالًا ﴾ امتنان عليهم، كما أن فيه تعريضًا باعتداء المشركين وافترائهم في تحريم ما أحل الله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام كما قال تعالى في معرض رده عليهم: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 103].

وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 138]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 140].

﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾، أمر الله عز وجل الناس بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا، ثم عطف على ذلك بنهيهم عن اتباع خطوات الشيطان في تحريم ما أحل الله لهم، وفي تزيين الكفر والشرك والمعاصي.

قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وخلف وأبو بكر عن عاصم بإسكان الطاء: «خُطْوات»، وقرأ الباقون بضمها: ﴿ خُطُوَاتِ ﴾، و«خطوات»: جمع: «خطوة»، وهي في الأصل ما بين قدمي الماشي.

أي: ولا تتبعون خطى الشيطان وطرقه ومسالكه ووساوسه وعمله وتزيينه فيما أضل به أتباعه من تحريم ما أحل الله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، وفيما يأمر به من الكفر والفسوق والظلم والعصيان كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 142]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60].

وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: «كل مال نحلته عبدي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا...»[2].

و«أل» في ﴿ الشَّيْطَانَ﴾ للعهد، فيكون المراد إبليس لعنه الله، وهو أصل الشياطين ورأسهم، وقد تكون «ال» للجنس.

و﴿ الشَّيْطَانَ﴾ مشتق من شطن بمعنى بعد عن رحمة الله وعن كل الخير؛ ولهذا سمي إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله - تعالى, وجنته.

وله أتباع من شياطين الإنس والجن، بل ومن الحيوانات، كما قال تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112].

وقال صلى الله عليه وسلم: «الكلب الأسود شيطان»[3].

﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ الجملة تعليل للنهي السابق، أي: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛ لأنه ﴿ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، و«إنَّ» للتوكيد، فيها توكيد شدة عداوة الشيطان للناس، و«العدو»: ضد «الولي»، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الممتحنة: 1].

والعدو من يحب لك الشر ويكره لك الخير، ومن يسر ويفرح بمساءتك وحزنك، ويغتم ويحزن بفرحك وسرورك.

﴿ مُبِينٌ ﴾: بيِّن العداوة ظاهرها، من «أبان» اللازم بمعنى «بان» أي: ظهر، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وقال تعالى: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].

وعداوته لبني آدم متأصلة وقديمة فهو عدو أبويهما الذي أخرجهما من الجنة، كما قال تعالى: ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]، وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].

ولهذا فهو ساعٍ ما استطاع لإغواء بني آدم وإهلاكهم؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، وقال تعالى: ﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 118 - 120].

وهو في المقابل ولي الكافرين، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، وقال تعالى: ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 30]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169].
استئناف بيان وتعليل لما قبله؛ أي: بيان وتفصيل لخطوات الشيطان، وبيان سبب اعتباره عدوًا لنا.

قوله: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ﴾ «إنما»: أداة حصر، أي: ما يأمركم إلا بالسوء والفحشاء، أي: ما يأمركم الشيطان أيها الناس إلا بالسوء والفحشاء، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21].

و«السوء»: الشر، ويدخل في ذلك جميع المعاصي، وسمي ذلك بالسوء؛ لأنه يسوء صاحبه في الحال والمآل، وقد يسوء غيره، إما مباشرة إذا كان متعديًا، وإما مساءة غير مباشرة؛ لأن للذنوب والمعاصي آثارها السيئة العامة على البلاد والعباد.

كما قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61].

و«الفحشاء» معطوف على السوء من عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من السوء، وهي ما تناهى قبحه كالزنا والقذف والقتل وشرب الخمر والبخل ونحو ذلك، مما يستفحش في الشرع وعرف المسلمين، ولدى ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة.

ويحتمل أن يكون المراد بالسوء كل ما يسوء من المعاصي والذنوب الصغيرة «السيئات».

و«الفحشاء» المعاصي الكبيرة وما يستفحش في الشرع، وعرف المسلمين كالزنا ونحوه، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].

وقدم السوء وهو المعاصي الصغيرة لكثرة وقوع الإنسان فيها؛ ولأنها إذا اجتمعت وتراكمت تعظم وتكبر، وقد تؤدي إلى ارتكاب الكبائر؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار»[4].

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، معطوف على قوله: ﴿ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ﴾ من عطف الخاص على العام؛ لأنه داخل في السوء والفحشاء.

و«أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر، أي: والقول على الله ما لا تعلمون، و«ما»: موصولة، أو نكرة موصوفة.

والتقدير: ويأمركم بالقول على الله الذي لا تعلمون، أو شيئًا لا تعلمونه، بأن تنسبوا لله تعالى ما لا تعلمون أنه من عنده، وأن الله قاله أو أمر به، وذلك يعم القول على الله بلا علم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه الكونية والشرعية من التحليل والتحريم والإيجاب وعدمه وغير ذلك.

وهو من أعظم المحرمات بل جعله الله في المرتبة العليا منها فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 116، 117].

قال السعدي[5]: «ومن أعظم القول على الله بلا علم أن يتأول المتأول كلامه أو كلام رسوله على معانٍ اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال، ثم يقول: إن الله أرادها، فالقول على الله من أكبر المحرمات وأشملها وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها».

ومما ينبغي أن يعلم أن الشيطان قد يأمر بما ظاهره الخير أحيانًا؛ لتفويت خير أعظم من ذلك، أو للوصول إلى شر أعظم من ذلك.

قال ابن القيم[6]: «إن الشيطان قد يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرًا أعظم من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل».

وقد قيل:
وقد يأمر الشيطان بالخير قاصدًا
وصولًا إلى باب من الشر أعظم




فكثير مما أحدث في الدين من الابتداع مما لم ينزل الله به من سلطان هو من قبيل تزيين الشيطان، فيجب الحذر من هذا، فإن الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع.

قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

أمر الله عز وجل الناس في الآيتين السابقتين بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، وبيَّن لهم عداوته الظاهرة، وأنه لا يأمر إلا بالسوء والفاحشة والقول على الله بلا علم، ثم ذم عز وجل المشركين والكفار بمتابعتهم له بتقليد آبائهم من غير حجة.

قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ﴾ أي: وإذا قيل لهؤلاء المشركين والكفار المتبعين لخطوات الشيطان ﴿ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ «ما»: موصولة تفيد العموم، أي: اتبعوا جميع الذي أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم اعتقادًا وقولًا وعملًا.

والذي أنزل الله يشمل الكتاب والسنة؛ لأن كلا منهما وحي من عند الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

﴿ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ «بل» للإضراب الإبطالي فأضربوا عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لهم: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾، وأعرضوا عنه وأبطلوه بلا حجة إلا أنه مخالف لما عليه آباؤهم، ولهذا قالوا: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ تعصبًا لآبائهم، وتقليدًا لهم.

و«ما» في قوله: ﴿ مَا أَلْفَيْنَا ﴾: موصولة، و﴿ مَا أَلْفَيْنَا ﴾: وجدنا، أي: بل نتبع الذي وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا من الشرك وعبادة الأصنام والأنداد، والاعتقاد والقول والعمل حقًا كان أو باطلًا، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [لقمان: 21]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]، وقال تعالى: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22، 23].

وهذه شبهة واهية لرد الحق، ولهذا قال تعالى ردًّا عليهم:
﴿ أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170] كقوله تعالى في سورة المائدة: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104].

قوله: ﴿ أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ ﴾ الهمزة للاستفهام والإنكار عليهم والتعجب من فعلهم، والواو للحال، أي: أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم والحال أن آباءهم ﴿ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا؛ أي: لا يفهمون شيئًا.

و﴿ شَيْئًا ﴾: نكرة في سياق النفي فتعم أي شيء، أي: لا يعقلون ولا يفهمون ولا يعلمون أي شيء من أمر الدين، من معرفة الله عز وجل، ومعرفة ما ينفعهم في دينهم وآخرتهم.

فالعقل الذي لا شيء عندهم منه عقل الرشد الذي هو مناط المدح، أما عقل الإدراك الذي يعرفون به النافع والضار في أمر دنياهم فهو موجود لديهم، ولولاه سقط عنهم التكليف.

﴿ وَلَا يَهْتَدُونَ؛ أي: ولا يهتدون إلى شيء من العمل بما ينفعهم في أمر دينهم.

فانتفى عنهم الرشد في العلم بنفي العقل عنهم، وانتفى عنهم الرشد في العمل بنفي الهداية عنهم، فصار المعنى: أيتبعون آباؤهم ولو كان آباؤهم أجهل الخلق وأشدهم ضلالًا، لا يعقلون ولا يعلمون شيئًا من الدين، ولا يهتدون للعمل به لا بأنفسهم، ولا باتباع من يهديهم إلى الحق والصواب فيه.

قوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].

ذكر عز وجل في الآية السابقة رد المشركين قول من يدعوهم إلى اتباع ما أنزل الله، واستبدال ذلك بالتقليد الأعمى لآبائهم، ثم ذكر مثلهم في هذا، فقال: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الآية.

قوله: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛ أي: شبههم وصفتهم حين يُنادون ويُدعون إلى الإيمان، فيعرضون، ويتبعون ما عليه آباؤهم ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ؛ أي: كشبه وصفة الذي ﴿ يَنْعِقُ﴾ والنعيق: دعاء الراعي الغنم، أي: كمثل الراعي الذي يدعو وينادي.

﴿ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ «ما»: موصولة، أي: بالذي لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، أي: بالغنم التي لا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفقه من ذلك إلا مجرد سماع الصوت أو مجرد الدعاء والنداء لها من غير فهم لما يراد بها، فقد ينادي بها ويدعوها لنحرها وذبحها.

والفرق بين الدعاء والنداء أن الدعاء يكون لشيء معين باسمه كأن يسمي بعض البهائم ويدعوها بأسمائها، فتقبل، والنداء يكون للجميع.

والمعنى: ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم من داعي الحق والإيمان إلا مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة ولا ينتفعون بذلك كحال البهائم مع الناعق لها وبئس المثل، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60].

قال ابن كثير[7]: «﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نعق بها راعيها، أي: دعاها على ما يرشدها، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه، بل إنما تسمع صوته فقط».

وقيل المعنى: ومثل هؤلاء الكفار في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع من البهائم إلا أصواتًا مجردة، كما قال الخليل عليه السلام لأبيه: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42].

﴿ صُمٌّ﴾: خبر المبتدأ محذوف، أي: هم صم، و﴿ صُمٌّ﴾ جمع أصم، وهو الذي لا يسمع، أي: صم عن سماع الحق، فلا يسمعونه سماع فهم وانتفاع، كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾[الأعراف: 179]؛ أي: لا يسمعون بها سماع فهم وانتفاع.

﴿ بُكْمٌ ﴾: خبر ثان، وهو جمع «أبكم» وهو الذي لا ينطق، أي: بكم وخرس عن النطق بالحق والإقرار به.

﴿ عُمْيٌ﴾: خبر ثالث، وهو جمع، «أعمى» وهو الذي لا يبصر، أي: عُمي عن رؤية الحق والهدى فلا يبصرونه ولا يعقلونه.

﴿ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ أي: لا ينتفعون بعقولهم، فكأنهم لا عقول لهم؛ لأن العقل عقلان؛ عقل هو مناط التكليف، وهذا موجود عندهم، ولولاه ما كلفوا، وعقل هو مناط المدح، وهو الذي ينتفع به صاحبه، فيحمله على فعل الخير ويحجزه عن الشر، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]؛ أي: لذي عقل يحجر صاحبه عما لا ينبغي.

وهذا هو العقل الذي نفاه الله عنهم، كما نفى عنهم قبل ذلك السمع والبصر، وهما وسيلتا وصول العلم إلى العقل، ونفى عنهم النطق، وهو وسيلة الإقرار بالحق وإعلانه.

فشبههم في تقليدهم الأعمى لآبائهم بالبهائم التي تتبع صوت دعاء ونداء الراعي، بلا فهم ولا عقل، فتسير وراءه، حتى لو كان يقودها لحتفها، كما قال الشاعر:
والناس في غفلة عما يراد بهم كأنهم غنم في بيت جزار[8]

[1] عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ [الآية: 8].

[2] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).

[3] سبق تخريجه.

[4] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (8/ 245)- الأثر (9207) تحقيق شاكر.

[5] في «تيسير الكريم الرحمن» (1/ 200).

[6] انظر: «بدائع التفسير» (5/ 458)، «التفسير القيّم» ص(613).

[7] في «تفسيره» (1/ 293).

[8] انظر: «الأمثال الواردة» ص (436).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 281.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 275.90 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]