|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
العصرانيون
العصرانيون إعداد الدكتور حمزة أبوالفتح حسين قاسم محمد بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : فقد ابتليت أمة الإسلام في العصور المتأخرة بفئة من بني جلدتنا ، وتتكلم بلساننا ، سموا أنفسهم باسم براق ، له صدى ورنين ، هو (( المجددون أو العصرانيون )) ، مخفين خلف هذا الاسم دعاوى خطيرة ، لا تحمل في طياتها سوى معاول الهدم والتدمير للقواعد والأسس التي بني عليها هذا الدين . ومن هذه الدعاوى : الدعوة إلى التجديد في مناهج العلوم الشرعية ، وضرورة إعادة النظر وإعمال العقل في ما وصل إلينا من التراث . وقد كانت لي بعض المناظرات والمناقشات ، حول هذه المسألة ، خلال بعض الرحلات التي قمت بها في عدد من الدول العربية والإسلامية . فرأيت أنه من الواجب بيان حقيقة المراد من هذه الدعوة ومنشأها ، وأبرز المنادين بها ، والآثار الخطيرة المترتبة عليها في المجتمع الإسلامي المعاصر . آخذا بعين الاعتبار أمرا في غاية الأهمية ، وهو : أنه لا يمكن الحكم على كل من صدر عنه قول فيه شائبة أنه من أعضاء هذه المدرسة . فقد وجدت بعض المقولات الصادرة عن بعض الشخصيات من الرموز الإسلامية أدت بفحواها إلى التقائها مع العصرانيين في زاوية من الزوايا ، أو فكرة من الأفكار ، مع أن صاحب المقولة مخالف لهم في كثير من المسائل المطروحة . وربما لو قدر لبعضهم ممن انتقل إلى جوار ربه أن يعود ، لربما تراجع عما قال ، حيث يحتمل أن يكون قوله في وقته صادرا نتيجة لموقف من المواقف التي تعرض لها ، أو هُوجِمَ من أجلها ، فكان له هذا الموقف السلبي ـ وإن كان ذلك لا يعد عذرا له ـ . أحببت بيان هذه النقطة حتى لا أتهم بالتحامل أو التجني على أحد ، قاصدا من ذلك بيان وجه الحق ، ومن باب العذر أمام الله سبحانه وتعالى . تعريف العصرانية : مصطلح العصرانية أحد المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية ، وليس له مكان في معاجم اللغة العربية الأصيلة ، وبالتدقيق فيه ، نجد أن هذا المصطلح وما يرادفه في مضانه ، من المصطلحات الغربية ، وهو يأتي بواحد من الأسماء التالية : 1 ـ العصرانية : والمراد بها : مجاراة روح العصر ، والتعاطف مع الأفكار والمواقف والمقاييس الحديثة .ويطلق المصطلح بخاصة على : حركة في الفكر الكاثوليكي ، سعت إلى تأويل تعاليم الكنيسة على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين . وقد اشتد ساعد هذه الحركة في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا . ويطلق المصطلح أيضا على : حركة تحررية في الكنيسة البروتستانتية ، نشأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ولا تزال ناشطة حتى اليوم . وهي تهدف إلى التوفيق بين المفاهيم اللاهوتية ومقتضيات المعرفة الحديثة . كما يطلق على نزعة في الفن الحديث ، تهدف إلى قطع الصلات بالماضي ، والبحث عن أشكال جديدة من التعبير ، منتزعة من معطيات العصر الحديث (1). 2 – العصرية : وهي : حركة ظهرت في القرن التاسع عشر ، على إثر انتشار مذهب دارون في النشوء والتطور ، ومحاولة تطبيقه على التطور البشري ، مما يتعارض مع ما جاء في سفر التكوين . وأساس هذه الحركة إنكار الوحي ، باعتباره خارجا على القوانين الطبيعية ، واعتبار الكنيسة مجرد جمعية إنسانية ليس لها طابع إلهي خاص(2). 3 – العقلانية : وهي : نظرية يرى أصحابها أن كل المشكلات الكبرى التي تواجه البشر يمكن أن ندركها بالعقل . وقد ظهر في القرن السابع عشر ما يتبنى هذا المضمون فيما يعرف بالمذهب العقلي الفلسفي . الذي يرى أن قوة العقل والمنطق تتعارض مع العواطف والأحاسيس . وأبرز من يمثل هذه المدرسة الفلسفية العقلية : رينيه ديكارت وغوتفريت لايبنيز وباروث سبينوزا . وقد توسع هؤلاء الثلاثة في المفهوم الفلسفي المُؤَسَّس على فكرة : أن الناس يستطيعون بالعقل وحده إدراك الحقيقة مباشرة . وقد ظهر في القرن الثامن عشر ما يعرف بالعقلانية الحضارية ، التي تعول على العقل أكثر مما تعول على العقيدة في مسألة خلق الإنسان وقدره . وكان فولتير وتوماس بين أبرز أعلام تلك الحركة(3). 4 – الفكر الجديد : وهي : حركة فلسفية دينية نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي . ويعتقد مؤيدوها بأن عقل الإنسان يتسم بالتفوق على كل الأوضاع والظروف المادية . والفكر الجديد : معتقد يؤكد على قوة الفكر البنَّاء . وفي رأي أصحاب هذا الفكر ، أنه يمكن للبشر أن يتصلوا بالله عن طريق قوى العقل ؛ فالله عندهم هو : العقل الكلي ، أو الحكمة اللانهائية . والإنسان بحكم اتصاله بالله يتمتع بقدرة خلاقة في دائرة نشاطه الخاصة ، وبناء على ذلك يستطيع الشخص أن يحل أية مشكلة باستخدام القوى العقلية بصورة سليمة . ويشابه الفكر الجديد أفكار رالف والدو إمرسون ، وهو : فيلسوف أمريكي من أتباع الفلسفة المتعالية (4). أهداف العصرانية : من خلال التعريفات السابقة نخلص إلى أن العصرانية في أصلها عبارة عن حركة ناشطة داخل الأديان الكبرى في الديانات اليهودية والنصرانية ، وكان لِكلِّ نشاط في هذه الأديان طابعه ونشاطه الخاص به . وإن كانت كلها تكاد تتفق على هدف مشترك بين أصحاب هذه الدعوات ، وهو : (( تطويع مبادئ الدين ـ أيا كان ـ لقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها ، ومن ثم إخضاع الدين لتطورات هذه الحضارة ، ووجهة نظرها في شؤون الحياة )) . وهو ـ أي الهدف ـ قائم على فرض أساس كبير ، وهو : أن العصر الحاضر بظروفه وأحواله ، وعلومه ومعارفه ، وتقدمه وتطوره ، لا يناسبه ولا يتلاءم معه الفكر الديني التقليدي القديم ، الذي نشأ وتكوّن متأثرا بظروف عصره السائدة فيه . وإذا كان ذلك الفكر صالحا لذلك الزمان ، فلابد من إيجاد المواءمة بينه وبين الظروف الجديدة المتغيرة ليكون صالحا لهذا العصر . وهذه المواءمة تكون بواحدة من الطروحات التالية : 1 ـ إعادة تفسير وتأويل بعض تعاليم الدين ، ورفض التفسيرات القديمة لها . 2 ـ إطراح بعض التعاليم التي لم تعد مناسبة وتغييرها بتعاليم مناسبة . 3 ـ إعادة تكييف الدين على ضوء ظروف ومعارف العصر السائدة . وهذا معناه : أنه يجب النظر إلى تعاليم الدين من خلال معارف العصر ، ومن خلال الثقافة الحديثة . فما كان متعارضا مع هذه المعارف يعتبر من الزوائد التي أدخلتها البشرية على الدين ، بفهمها ومعرفتها المتاحة لها في عصرها . وبما أن المعرفة البشرية تتقدم وتتسع آفاقها فإنه لابد من إعادة النظر في فهم العصور الماضية للدين ، وإرساء فهم جديد على ضوء المعارف العصرية . وهو يعني أيضا : أن الفكر مرتبط بالظروف التي ينشأ فيها ، وبالعصر الذي يظهر فيه ، وتؤثر فيه عوامل الزمان والمكان. وانطلاقا من هذا التصور، يوصف الفكر الديني القديم بالظرفية ، وينادى بتطويره وجعله حديثا معاصرا . والحجة الأساس التي تُقدَّم لرفض ذلك الفكر : أنه تقليدي نشأ في عصور ماضية ، وأنه ليس مسايرا لاتجاهات العصر وتياراته . العصرانيون في العالم الإسلامي : عرف العالم الإسلامي في تاريخه الحديث طبقة من المفكرين ـ حسب من يراهم كذلك ـ سعت إلى محاولة إيجاد موائمة بين الإسلام وبين الفكر الغربي المعاصر ، وذلك بإعادة النظر في تعاليم الإسلام وتأويلها تأويلا جديدا . وقد تقمصت هذه الفئات عددا من الثياب التي تراها ضرورية لها . فمرة لبست ثوب التجديد ، ومرة ثوب التحديث (( جعل الإسلام حديثا )) ، ومرة ثوب التنوير ، ومرة ثوب العقلانية . وكان دعاتها في غالبهم ممن تلقى تعليمه في الجامعات الغربية ـ سواء في أوروبا أو أمريكا ـ . ولضمان نجاح ما يريدون ، قاموا بإنشاء عدد من الجمعيات العلمية ، والمراكز الفكرية ، وإصدار عدد من المجلات التي تخدم دعوتهم ، وغالبها إما في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا(5). وقد ركز هؤلاء في كتاباتهم ومقالاتهم إلى الدعوة إلى تفسير بعض القضايا الإسلامية تفسيرا عقلانيا ، محاولين بذلك إخضاع القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، للمقاييس المادية ، حتى تتلاءم مع منهج الغرب ، وقيم الحضارة الغربية التي بهرت كثيرا من الذين كانوا يرونها المقياس الوحيد لكل نهوض وتقدم . ومن أبرز من قاد فكرة العصرانية في العالم الإسلامي : سيد أحمد خان : حيث كان أول رجل في الهند الحديثة سعى إلى طرح آرائه التي يرى فيها ضرورة إيجاد تفسير جديد للإسلام ، يقوم على الحداثة ، والتقدم ، والتحرر ، وأنشأ مدرسته الفكرية القائمة على هذا الأساس . وهو ـ أي الأساس ـ كما قال الشيخأبوالحسن الندوي رحمه الله : (( على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية ، واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها ، وعلى علاتها ، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيرا يطابقان ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في آخر القرن التاسع عشر )) (6). وقد وصفه جون ماكدونالد وأتباعه بقوله : (( إنجليز في كل شيء ، باستثناء العناصر الأساسية لعقيدتهم الدينية )) (7). وكان من تلاميذه الذين تأثروا بنظرياته وحملوا فكرته في القارة الهندية : شراغ علي ـ في كتابه : الإصلاحات السياسية والقانونية والاجتماعية المقترحة للإمبراطورية العثمانية والدول الإسلامية الأخرى . سيد أمير علي ـ من طائفة الشيعة ـ في كتابه : روح الإسلام . مولانا محمد علي ـ من طائفة القاديانية ـ في كتابه : الدين الإسلامي . غلام أحمد برويز ـ من منكري السنة ـ في كتابه : الإسلام . وممن تأثر بالفكر التجديدي الغربي أيضا : محمد إقبال ، في كتابه : تجديد الفكر الديني في الإسلام . أما في العالم العربي فقد وجد من كانت بعض آراؤه وأطروحاته متوافقة مع آراء أحمد خان ، أمثال : الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا في مصر. وقاسم أمين ، وبخاصة في قضية تحرير المرأة ، والتي ألف لها كتبا خاصة بها . وعلي عبدالرازق ، في كتابه : الإسلام وأصول الحكم . ومحمد فتحي عثمان ، في كتابه : الفكر الإسلامي والتطور . وأمين الخولي ، في كتابه : المجددون . ومحمود الشرقاوي ، في كتابه : التطور روح الشريعة الإسلامية . والشيخ عبدالله العلايلي ، مفتي جبل لبنان سابقا ، في كتابه : أين الخطأ . وغيرهم كثير . حقيقة التجديد عند العصرانيين : التجديد في الأصل يعني : جعل الشيء جديدا . وتجديد الدين ـ حسب مفهومنا ـ يعني : إعادة نضارته ورونقه وبهائه ، وإحياء ما اندرس من سننه ومعالمه ، ونشره بين الناس . أما العصرانيون : فيزعمون أنهم يريدون التجديد لتنهض الأمة من كبوتها، ويرون أنه أصبح من الضرورة بمكان أن تعاد كتابة التاريخ الإسلامي والعربي من خلال طرحالعديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتراث ، وعرضها في إطار عقلاني تحت مظلة الانتماء إلى التراث الإسلامي(8). وهم في أطروحاتهم هذه لا يخرجون عن واحد من المنطلقين التاليين : الأول : منطلق الاعتزال : وهو منطلق يعتمد العقل أساسا في الحكم على القضايا ، ويجعله المقدم في اعتماد الأحكام على حساب النصوص الواردة ، ويكون النظر في النصوص بناء على الموقف العقلي منها ، فما كان موافقا للعقل قبل ، وما كان مناقضا للعقل رد . وقد أبرز هذه النقطة بشكل واضح الدكتور محمد عمارة ـ أحد الكتاب المعدودين من أعضاء المدرسة العقلية ـ حيث يقول : (( لقد أحبوا ـ المعتزلة ـ عرض النصوص والمأثورات على العقل ، فهو الحَكَمُ الذي يميز صحيحها من منحولها ، ولا عبرة بالرواة ورجال السند ، مهما كانت حالة القداسة التي أحاطهم بها المحدثون ، وإنما العبرة بحكم العقل في هذا المقام )) (9). ويطلع علينا الأستاذ فهمي هويدي بلغة جديدة لم تكن معهودة من قبل ، حيث اعتبر أن الرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة يعد عبادة لهذه النصوص ، وهذه العبادة في رأيه تمثل الوثنية الجديدة ، فيقول ما نصه : (( ذلك أن الوثنية ليست فقط عبادة الأصنام ، فهذه صيغة الزمن القديم ، ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب والرموز ، في عبادة النصوص والطقوس )) (10). أما المنطلق الثاني فهو : منطلق الاستشراق والتنصير . حيث قام العصرانيون بشن حملة شعواء ضد ثوابت الإسلام ، وعلومه المعيارية ، كأصول الفقه ، وأصول التفسير ، وعلوم الحديث . ولذلك لوحظ وجود مساندة كبيرة من قبل المستشرقين والجمعيات التبشيرية لهؤلاء المزعومين (( دعاة التجديد )) ، فقد قدموا لهم كل ما يحتاجونه من رعاية وحماية ، وسخروا لهم الإمكانات الهائلة لتمكينهم من بث أفكارهم ، ونشر آرائهم بين أبناء المسلمين ، كما فعلوا مع محمود أبورية ، وطه حسين ، وأحمد أمين ، والشيخ محمد مصطفى المراغي ، وغيرهم . أستاذ الحديث النبوي وعلومه المساعد بقسم الدراسات القرآنية والحديثية الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ( سابقا ) والباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة مكتب جدة
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |