تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 26-02-2022, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (91)
صــ476 إلى صــ 480

ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين .

قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده) قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحد ، قال قوم منهم: من أين أصابنا هذا ، وقد وعدنا الله النصر؟ فنزلت هذه الآية . وقال المفسرون: وعد الله تعالى المؤمنين النصر بأحد ، فنصرهم ، فلما خالفوا ، وطلبوا الغنيمة ، هزموا . وقال ابن عباس: ما نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موطن ما نصر في أحد ، فأنكر ذلك عليه ، فقال: بيني وبينكم كتاب الله ، إن الله يقول: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) فأما الحس ، فهو القتل ، قاله ابن عباس ، والحسن ومجاهد ، والسدي ، والجماعة . وقال ابن قتيبة: تحسونهم ، أي: تستأصلونهم بالقتل ، يقال: سنة حسوس: إذا أتت على كل شيء ، وجراد محسوس: إذا قتله البرد .

وفي قوله تعالى: (بإذنه) ثلاثة أقوال [ ص: 476 ] أحدها: بأمره ، قاله ابن عباس . والثاني: بعلمه ، قاله الزجاج .

والثالث: بقضائه ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: حتى إذا فشلتم قال الزجاج: أي: جبنتم . (وتنازعتم) أي: اختلفتم من بعد ما أراكم ما تحبون يعني: النصرة . وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير ، معناه: حتى إذا تنازعتم في الأمر ، فشلتم وعصيتم ، وهذه الواو زائدة ، كقوله تعالى: فلما أسلما وتله للجبين وناديناه [ الصافات: 103 ] معناه: ناديناه . فأما تنازعهم ، فإن بعض الرماة قال: قد انهزم المشركون ، فما يمنعنا من الغنيمة؟ وقال بعضهم: بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترك المركز بعضهم ، وطلب الغنيمة ، وتركوا مكانهم ، فذلك عصيانهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصاهم: "لو رأيتم الطير تخطفنا فلا تبرحوا من مكانكم" .

قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا) قال المفسرون: هم الذين طلبوا الغنيمة ، وتركوا مكانهم . (ومنكم من يريد الآخرة) وهم الذين ثبتوا . وقال ابن مسعود: ما كنت أظن أحدا من أصحاب محمد يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية .

قوله تعالى: (صرفكم عنهم) أي: ردكم عن المشركين بقتلكم وهزيمتكم . (ليبتليكم) أي: ليختبركم ، فيبين الصابر من الجازع .

قوله تعالى: (ولقد عفا عنكم) فيه قولان .

أحدهما: عفا عن عقوبتكم ، قاله ابن عباس .

والثاني: عفا عن استئصالكم ، قاله الحسن . وكان يقول: هؤلاء مع رسول الله في سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون في سبيل الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، والفاسق اليوم يتجرم كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويزعم أن لا بأس عليه ، فسوف يعلم .

[ ص: 477 ] قوله تعالى: (والله ذو فضل على المؤمنين) فيه قولان .

أحدهما: إذ عفا عنهم ، قاله ابن عباس . والثاني: إذ لم يقتلوا جميعا ، قاله مقاتل .
إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون .

قوله تعالى: (إذ تصعدون ولا تلوون) قال المفسرون: "إذ" متعلقة بقوله تعالى: (ولقد عفا عنكم) وأكثر القراء على ضم التاء ، وكسر العين ، من قوله: "تصعدون" وهو من الإصعاد . وروى أبان عن ثعلب ، عن عاصم فتحها ، وهي قراءة الحسن ، ومجاهد ، وهو من الصعود . قال الفراء: الإصعاد في ابتداء الأسفار ، والمخارج ، تقول: أصعدنا من بغداد إلى خراسان ، فإذا صعدت على سلم أو درجة ، قلت: صعدت ، ولا تقول: أصعدت . وقال الزجاج: كل من ابتدأ مسيرا من مكان ، فقد أصعد ، فأما الصعود ، فهو من أسفل إلى فوق . ومن فتح التاء والعين ، أراد الصعود في الجبل . وللمفسرين في معنى الآية قولان .

أحدهما: أنه صعودهم في الجبل ، قاله ابن عباس ومجاهد .

والثاني: أنه الإبعاد في الهزيمة ، قاله قتادة ، وابن قتيبة ، و"تلوون" بمعنى "تعرجون" .

وقوله تعالى: (على أحد) عام ، وقد روي عن ابن عباس أنه أريد به النبي صلى الله عليه وسلم قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يناديهم من خلفهم: "إلى عباد الله ، أنا رسول الله" وقرأت عائشة ، وأبو مجلز ، وأبو الجوزاء ، وحميد ، على أحد" بضم الألف والحاء ، يعنون الجبل .

قوله تعالى: (فأثابكم) أي: جازاكم . قال الفراء الإثابة هاهنا بمعنى عقاب ، ولكنه كما قال الشاعر:

[ ص: 478 ]
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا


المحدرجة: السياط . والسود فيما يقال: القيود .

قوله تعالى: (غما بغم) في هذه الباء أربعة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى "مع" . والثاني: بمعنى "بعد" .

والثالث: بمعنى "على" ، فعلى هذه الثلاثة الأقوال يتعلق الغمان بالصحابة . وللمفسرين في المراد بهذين الغمين خمسة أقوال .

أحدها: أن الغم الأول ما أصابهم من الهزيمة والقتل . والثاني: إشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين عليهم ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني: أن الأول فرارهم الأول ، والثاني: فرارهم حين سمعوا أن محمدا قد قتل ، قاله مجاهد .

والثالث: أن الأول ما فاتهم من الغنيمة وأصابهم من القتل والجراح ، والثاني: حين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، قاله قتادة .

والرابع: أن الأول ما فاتهم من الغنيمة ، والفتح ، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم ، قاله السدي .

والخامس: أن الأول إشراف خالد بن الوليد عليهم ، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم ، ذكره الثعلبي .

[ ص: 479 ] والقول الرابع: أن الباء بمعنى الجزاء ، فتقديره: غمكم كما غممتم غيركم ، فيكون أحد الغمين للصحابة ، وهو أحد غمومهم التي ذكرناها عن المفسرين ، ويكون الغم الذي جوزوا لأجله لغيرهم . وفي المراد بغيرهم قولان .

أحدهما: أنهم المشركون غموهم يوم بدر ، قاله الحسن .

والثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم غموه حيث خالفوه ، فجوزوا على ذلك ، بأن غمو بما أصابهم ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: (لكيلا تحزنوا) في "لا" قولان .

أحدهما: أنها باقية على أصلها ، ومعناها النفي ، فعلى هذا في معنى الكلام قولان .

أحدهما: فأثابكم غما أنساكم الحزن على ما فاتكم وما أصابكم ، وقد روي أنهم لما سمعوا أن النبي قد قتل ، نسوا ما أصابهم وما فاتهم .

والثاني: أنه متصل بقوله: (ولقد عفا عنكم) فمعنى الكلام: عفا عنكم ، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم ، لأن عفوه يذهب كل غم .

والقول الثاني: أنها صلة ، ومعنى الكلام: لكي تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم عقوبة لكم في خلافكم . ومنها قوله تعالى: لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله [ الحديد: 29 ] أي: ليعلم . هذا قول المفضل . قال ابن عباس: والذي فاتهم: الغنيمة ، والذي أصابهم: القتل والهزيمة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 26-02-2022, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (92)
صــ481 إلى صــ 485

ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله [ ص: 480 ] لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور
.

قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) قال ابن قتيبة: الأمنة: الأمن . يقال: وقعت الأمنة في الأرض . وقال الزجاج: معنى الآية: أعقبكم بما نالكم من الرعب أن أمنكم أمنا تنامون معه ، لأن الشديد الخوف لا يكاد ينام . و"نعاسا" منصوب على البدل من "أمنة" يقال: نعس الرجل ينعس نعاسا ، فهو ناعس . وبعضهم يقول: نعسان . قال الفراء: قد سمعتها ، ولكني لا أشتهيها . قال العلماء: النعاس: أخف النوم . وفي وجه الامتنان عليهم بالنعاس قولان .

أحدهما: أنه أمنهم بعد خوفهم حتى ناموا ، فالمنة بزوال الخوف ، لأن الخائف لا ينام . والثاني: قواهم بالاستراحة على القتال .

قوله تعالى: (يغشى طائفة منكم) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: "يغشى" بالياء مع التفخيم ، وهو يعود إلى النعاس . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: "تغشى" بالتاء مع الإمالة ، وهو يرجع إلى الأمنة . فأما الطائفة التي غشيها النوم ، فهم المؤمنون ، والطائفة الذين أهمتهم أنفسهم: المنافقون ، أهمهم خلاص أنفسهم ، فذهب النوم عنهم . قال أبو طلحة: كان السيف يسقط من يدي ، ثم أخذه ، ثم يسقط ، وأخذه من النعاس . وجعلت أنظر ، وما منهم أحد يومئذ إلا يميد تحت حجفته [ ص: 481 ] من النعاس . وقال الزبير: أرسل الله علينا النوم ، فما منا رجل إلا ذقنه في صدره ، فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير: (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا) فحفظتها منه .

قوله تعالى: (يظنون بالله غير الحق) فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنهم ظنوا أن الله لا ينصر محمدا وأصحابه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم كذبوا بالقدر ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس .

والثالث: أنهم ظنوا أن محمدا قد قتل ، قاله مقاتل .

والرابع: ظنوا أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم مضمحل ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: (ظن الجاهلية) قال ابن عباس: أي: كظن الجاهلية .

قوله تعالى: (يقولون هل لنا من الأمر من شيء) لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه: الجحد ، تقديره ما لنا من الأمر من شيء . قال الحسن قالوا لو كان الأمر إلينا ما خرجنا ، وإنما أخرجنا كرها . وقال غيره: المراد بالأمر: النصر والظفر ، قالوا: إنما النصر للمشركين (قل إن الأمر كله) ، أي: النصر ، والظفر ، والقضاء والقدر (لله) والأكثرون قرؤوا (إن الأمر كله لله) بنصب اللام ، وقرأ أبو عمرو برفعها ، قال أبو علي: حجة من نصب ، أن "كله" بمنزلة "أجمعين" في الإحاطة والعموم ، فلو قال: إن الأمر [ ص: 482 ] أجمع لم يكن إلا النصب ، و"كله" بمنزلة "أجمعين" ومن رفع ، فلأنه قد ابتدأ به ، كما ابتدأ بقوله تعالى: (كلهم آتيه) .

قوله تعالى: (يخفون في أنفسهم) في الذي أخفوه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه قولهم: (لو كنا في بيوتنا ما قتلنا هاهنا) .

والثاني: أنه إسرارهم الكفر ، والشك في أمر الله .

والثالث: الندم على حضورهم مع المسلمين بأحد .

قال أبو سليمان الدمشقي: والذي قال: (هل لنا من الأمر من شيء) عبد الله بن أبي . والذي قال: (لو كان لنا من الأمر من شيء) معتب بن قشير .

قوله تعالى: (قل لو كنتم في بيوتكم) أي: لو تخلفتم ، لخرج منكم من كتب عليه القتل ، ولم ينجه القعود . والمضاجع: المصارع بالقتل . قال الزجاج: ومعنى (برزوا): صاروا إلى براز ، وهو المكان المنكشف . ومعنى (وليبتلي الله ما في صدوركم) أي: ليختبره بأعمالكم ، لأنه قد علمه غيبا ، فيعلمه شهادة .

قوله تعالى: (وليمحص ما في قلوبكم) قال قتادة: أراد ليظهرها من الشك والارتياب بما يريكم من عجائب صنعه من الأمنة ، وإظهار سرائر المنافقين . وهذا التمحيص خاص للمؤمنين . وقال غيره أراد بالتمحيص . إبانة ما في القلوب من الاعتقاد لله ، ولرسوله ، وللمؤمنين ، فهو خطاب للمنافقين .

قوله تعالى: (والله عليم بذات الصدور) أي: بما فيها . وقال ابن الأنباري: معناه عليم بحقيقة ما في الصدور من المضمرات ، فتأنيث ذات بمعنى الحقيقة ، كما تقول العرب: لقيته ذات يوم . فيؤنثون لأن مقصدهم: لقيته مرة في يوم .
[ ص: 483 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم .

قوله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) الخطاب للمؤمنين ، وتوليهم: فرارهم من العدو . والجمعان: جمع المؤمنين ، وجمع المشركين ، وذلك يوم أحد . واستزلهم: طلب زللهم ، قال ابن قتيبة: هو كما تقول: استعجلت فلانا ، أي: طلبت عجلته ، واستعملته: طلبت عمله . والذي كسبوا يريد به الذنوب . وفي سبب فرارهم يومئذ قولان .

أحدها: أنهم سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فترخصوا في الفرار ، قاله ابن عباس في آخرين .

والثاني: أن الشيطان أذكرهم خطاياهم ، فكرهوا لقاء الله إلا على حال يرضونها ، قاله الزجاج .
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير

[ ص: 484 ] قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) أي: كالمنافقين الذين قالوا لإخوانهم في النفاق ، وقيل: إخوانهم في النسب . قال الزجاج: وإنما قال: "إذا ضربوا" ولم يقل: إذ ضربوا ، لأنه يريد: شأنهم هذا أبدا ، تقول: فلان إذا حدث صدق ، وإذا ضرب صبر . و"إذا" لما يستقبل ، إلا أنه لم يحكم له بهذا المستقبل إلا لما قد خبر منه فيما مضى . قال المفسرون: ومعنى (ضربوا في الأرض): ساروا وسافروا . و"غزى" جمع غازي . وفي الكلام محذوف تقديره: إذا ضربوا في الأرض ، فماتوا ، أو غزوا ، فقتلوا .

قوله تعالى: (ليجعل الله ذلك) قال ابن عباس: ليجعل الله ما ظنوا من أنهم لو كانوا عندهم ، سلموا ، (حسرة في قلوبهم) أي: حزنا . قال ابن فارس: الحسرة: التلهف على الشيء الفائت .

قوله تعالى: (والله يحيي ويميت) أي: ليس تحرز الإنسان يمنعه من أجله .

قوله تعالى: (والله بما تعملون بصير) قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي: يعملون بالياء ، وقرأ الباقون بالتاء . قال أبو علي: حجة من قرأ بالياء أن قبلها غيبة ، وهو قوله تعالى: (وقالوا لإخوانهم) ومن قرأ بالتاء ، فحجته (لا تكونوا كالذين كفروا) .
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون .

قوله تعالى: (ولئن قتلتم) اللام في "لئن" لام القسم ، تقديره: والله لئن قتلتم في الجهاد (أو متم) في إقامتكم . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم: "مت" و"متم" و"متنا" برفع الميم في جميع القرآن . وروى حفص عن عاصم: (أو متم) (ولئن متم) برفع الميم في هذين دون باقي القرآن . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي كل ما في القرآن بالكسر .

[ ص: 485 ] قوله تعالى: (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) أي: من أعراض الدنيا التي تتركون الجهاد لجمعها . وقرأ حفص عن عاصم: يجمعون بالياء ، ومعناه: خير مما يجمع غيركم مما تركوا الجهاد لجمعه . قال ابن عباس خير: مما يجمع المنافقون في الدنيا .
ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون .

قوله تعالى: (ولئن متم) أي: في إقامتكم . (أو قتلتم) في جهادكم . (لإلى الله تحشرون) وهذا تخويف من القيامة . والحشر: الجمع مع سوق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 26-02-2022, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (93)
صــ486 إلى صــ 490

فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين .

قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم) قال الفراء وابن قتيبة ، والزجاج "ما" هاهنا صلة ، ومثله: (فبما نقضهم ميثاقهم) قال ابن الأنباري: دخول "ما" هاهنا يحدث توكيدا .

قال النابغة:


المرء يهوى أن يعي ش وطول عيش ما يضره


فأكد بذكر "ما" وفيمن تتعلق به هذه الرحمة قولان .

أحدهما: أنها تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم . والثاني: بالمؤمنين .

[ ص: 486 ] قال قتادة: ومعنى (لنت لهم) لأن جانبك ، وحسن خلقك ، وكثر احتمالك . قال الزجاج: والفظ: الغليظ الجانب ، السيئ الخلق ، يقال: فظظت تفظ فظاظة وفظظا ، والفظ: ماء الكرش والفرث ، وإنما سمي فظا لغلظ مشربه . فأما الغليظ القلب ، فقيل: هو القاسي القلب ، فيكون ذكر الفظاظة والغلظ - وإن كانا بمعنى واحد توكيدا . وقال ابن عباس: الفظ: في القول ، والغليظ القلب: في الفعل .

قوله تعالى: (لانفضوا) أي: تفرقوا ، وتقول فضضت عن الكتاب ختمه: إذا فرقته عنه . (فاعف عنهم) أي: تجاوز عن هفواتهم ، وسل الله المغفرة لذنوبهم (وشاورهم في الأمر) معناه: استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم . ويقال: إنه من: شرت العسل .

[ ص: 487 ] وأنشدوا:


وقاسمها بالله حقا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها


قال الزجاج: يقال: شاورت الرجل مشاورة وشورا ، وما يكون عن ذلك اسمه المشورة . وبعضهم يقول: المشورة . ويقال: فلان حسن الصورة والشورة ، أي: حسن الهيئة واللباس . ومعنى قولهم: شاورت فلانا ، أظهرت ما عنده وما عندي . وشرت الدابة: إذا امتحنتها ، فعرفت هيئتها في سيرها . وشرت العسل: إذا أخذته من مواضع النحل . وعسل مشار . قال الأعشى:


كأن القرنفل والزنجبي ل باتا بفيها وأريا مشارا
[ ص: 488 ] والأري: العسل . واختلف العلماء لأي معنى أمر الله نبيه بمشاورة أصحابه مع كونه كامل الرأي ، تام التدبير ، على ثلاثة أقوال .

أحدها: ليستن به من بعده ، وهذا قول الحسن ، وسفيان بن عيينة .

والثاني: لتطيب قلوبهم ، وهو قول قتادة ، والربيع ، وابن إسحاق . ومقاتل . قال الشافعي رضي الله عنه: نظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "البكر تستأمر في نفسها" ، إنما أراد استطابة نفسها ، فإنها لو كرهت ، كان للأب أن يزوجها ، وكذلك مشاورة إبراهيم عليه السلام لابنه حين أمر بذبحه .

والثالث: للإعلام ببركة المشاورة ، وهو قول الضحاك . ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره ، علم أن امتناع النجاح محض قدر ، فلم يلم نفسه ، ومنها أنه قد يعزم على أمر ، فيبين له الصواب في قول غيره ، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح .قال علي رضي الله عنه: الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم . وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة ، ولا حصنت النعم بمثل المواساة ، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر . واعلم أنه إنما أمر [ ص: 489 ] النبي صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما لم يأته فيه وحي ، وعمهم بالذكر ، والمقصود أرباب الفضل والتجارب منهم . وفي الذي أمر بمشاورتهم فيه قولان . حكاهما القاضي أبو يعلى .

أحدهما: أنه أمر الدنيا خاصة . والثاني: أمر الدين والدنيا ، وهو أصح .

وقد قرأ ابن مسعود ، وابن عباس "وشاورهم في بعض الأمر" .

قوله تعالى: (فإذا عزمت) قال ابن فارس: العزم: عقد القلب على الشيء ويريد أن يفعله . وقد قرأ أبو رزين ، وأبو مجلز ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والجحدري: (فإذا عزمت) بضم التاء . فأما التوكل ، فقد سبق شرحه .

ومعنى الكلام: فإذا عزمت على فعل شيء ، فتوكل على الله ، لا على المشاورة .
إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون .

قوله تعالى: (إن ينصركم الله) قال ابن فارس: النصر العون ، والخذلان: ترك العون . وقيل: الكناية في قوله (من بعده) تعود إلى خذلانه .
وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .

قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل) في سبب نزولها سبعة أقوال .

[ ص: 490 ] أحدها: أن قطيفة من المغنم فقدت يوم بدر ، فقال ناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني: أن رجلا غل من غنائم هوازن يوم حنين ، فنزلت هذه الآية ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: أن قوما من أشراف الناس طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بشيء من الغنائم ، فنزلت هذه الآية ، نقل عن ابن عباس أيضا .

والرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث طلائعا ، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة ، ولم يقسم للطلائع ، فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله الضحاك .

والخامس: أن قوما غلوا يوم بدر ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

والسادس: أنها نزلت في الذين تركوا مركزهم يوم أحد طلبا للغنيمة ، وقالوا: نخاف أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أخذ شيئا فهو له" فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ألم أعهد إليكم ألا تبرحوا؟! أظننتم أنا نغل؟!" فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .

والسابع: أنها نزلت في غلول الوحي ، قاله القرظي ، وابن إسحاق .

وذكر بعض المفسرين أنهم كانوا يكرهون ما في القرآن من عيب دينهم وآلهتهم ، فسألوه أن يطوي ذلك ، فنزلت هذه الآية .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 26-02-2022, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (94)
صــ491 إلى صــ 495

واختلف القراء في "يغل" فقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو: بفتح الياء وضم الغين ، ومعناها: يخون . وفي هذه الخيانة قولان .

أحدهما: خيانة المال على قول الأكثرين .

والثاني: خيانة الوحي على قول القرظي ، وابن إسحاق . وقرأ الباقون: بضم الياء وفتح الغين ، ولها وجهان .

أحدهما: أن يكون المعنى يخان ، [ويجوز أن يكون يلفى خائنا ، يقال: أغللت فلانا ، أي: وجدته غالا ، كما يقال: أحمقته: وجدته أحمق ، وأحمدته: وجدته محمودا ] قاله الحسن ، وابن قتيبة .

والثاني: يخون ، قاله الفراء ، وأجازه الزجاج ، ورده ابن قتيبة ، فقال: لو أراد ، يخون لقال: يغلل كما يقال: يفسق ، ويخون ، ويفجر .

وقيل: "اللام" في قوله "لنبي" منقولة ، ومعنى الآية: وما كان النبي ليغل ، ومثله: ما كان لله أن يتخذ من ولد [ مريم: 36 ] ، أي: ما كان الله ليتخذ ولدا .

وهذه الآية من ألطف التعريض ، إذ قد ثبتت براءة ساحة النبي صلى الله عليه وسلم ، من الغلول فدل على أن الغلول في غيره ، ومثله: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين [ سبإ: 25 ] وقد ذكر عن السدي نحو هذا .

قوله تعالى: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة الغلول: أخذ شيء من المغنم خفية ، ومنه الغلالة ، وهي ثوب يلبس تحت الثياب ، والغلل: وهو الماء الذي يجري بين الشجر ، والغل: وهو الحقد الكامن في الصدر ، وأصل الباب الاختفاء . وفي إتيانه بما غل ثلاثة أقوال .

[ ص: 492 ] أحدها: أنه يأتي بما غله ، يحمله ، ويدل عليه ما روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الغلول ، فعظمه ، وعظم أمره ، ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول: يا رسول الله أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك" . الرغاء: صوت البعير ، والثغاء: صوت الشاة ، والنفس: ما يغل من السبي ، والرقاع: الثياب والصامت: المال .

والقول الثاني: أنه يأتي حاملا إثم ما غل .

والثالث: أنه يرد عوض ما غل من حسناته ، والقول الأول أصح لمكان الأثر الصحيح .

[ ص: 493 ] قوله تعالى: (ثم توفى كل نفس ما كسبت) أي: تعطى جزاء ما كسبت .
أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .

قوله تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله) اختلفوا في معنى هذه الآية على قولين .

أحدهما: أن معناها: أفمن اتبع رضوان الله ، فلم يغل ، (كمن باء بسخط من الله) حين غل؟! هذا قول سعيد بن جبير ، والضحاك ، والجمهور .

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المسلمين باتباعه يوم أحد ، اتبعه المؤمنون ، وتخلف جماعة من المنافقين ، فأخبر الله بحال من تبعه ، ومن تخلف عنه ، هذا قول الزجاج .
هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون .

قوله تعالى: (هم درجات) قال الزجاج: معناه: هم ذوو درجات . وفي معنى درجات قولان .

أحدهما: أنها درجات الجنة ، قاله الحسن .

والثاني: أنها فضائلهم ، فبعضهم أفضل من بعض ، قاله الفراء ، وابن قتيبة .

وفيمن عنى بهذا الكلام قولان .

أحدهما: أنهم الذين اتبعوا رضوان الله ، والذين باؤوا بسخط من الله ، فلمن اتبع رضوان الله الثواب ، ولمن باء بسخطه العذاب ، هذا قول ابن عباس .

والثاني: أنهم الذين اتبعوا رضوان الله فقط ، فإنهم يتفاوتون في المنازل ، هذا قول سعيد بن جبير ، وأبي صالح ، ومقاتل .
[ ص: 494 ] لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .

قوله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين) أي: أنعم عليهم . و"أنفسهم": جماعتهم ، وقيل: نسبهم ، وقرأ الضحاك ، وأبو الجوزاء: (من أنفسهم) بفتح الفاء . وفي وجه الامتنان عليهم بكونه من أنفسهم أربعة أقوال .

أحدها: لكونه معروف النسب فيهم ، قاله ابن عباس ، وقتادة .

والثاني: لكونهم قد خبروا أمره ، وعلموا صدقه ، قاله الزجاج .

والثالث: ليسهل عليهم التعلم منه ، لموافقة لسانه للسانهم ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

والرابع: لأن شرفهم يتم بظهور نبي منهم ، قاله الماوردي .

وهل هذه الآية خاصة أم عامة؟ فيه قولان .

أحدهما: أنها خاصة للعرب ، روي عن عائشة والجمهور .

والثاني: أنها عامة لسائر المؤمنين ، فيكون المعنى أنه ليس بملك ، ولا من غير بني آدم ، وهذا اختيار الزجاج . وقد سبق في (البقرة) بيان باقي الآية .
[ ص: 495 ] أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير

قوله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما كان يوم أحد ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر ، من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فنزلت هذه الآية [ إلى قوله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) قال: بأخذكم الفداء ] .

قوله تعالى: (أولما) قال الزجاج: هذه واو النسق ، دخلت عليها ألف الاستفهام ، فبقيت مفتوحة على هيئتها قبل دخولها ، ومثل ذلك قول القائل: تكلم فلان بكذا وكذا فيقول المجيب له: أو هو ممن يقول ذلك؟ فأما "المصيبة" فما أصابهم يوم أحد ، وكانوا قد أصابوا مثليها من المشركين يوم بدر ، لأنهم قتل منهم سبعون ، فقتلوا يوم بدر سبعين ، وأسروا سبعين ، وهذا قول ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، والجماعة ، إلا أن الزجاج قال: قد أصبتم يوم أحد مثلها ، ويوم بدر مثلها ، فجعل المثلين في اليومين .

قوله تعالى: (أنى هذا) قال ابن عباس: من أين أصابنا هذا ونحن مسلمون .

قوله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) فيه ثلاثة أقوال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #95  
قديم 26-02-2022, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (95)
صــ496 إلى صــ 500

أحدها: أن معناه: بأخذكم الفداء يوم بدر ، قاله عمر بن الخطاب . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد كره ما صنع قومك من أخذهم الفداء ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يضربوا أعناق الأسارى ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ، فذكر ذلك للناس ، فقالوا: عشائرنا وإخواننا ، بل نأخذ منهم الفداء ، ويستشهد منا عدتهم ، فقتل منهم يوم أحد سبعون عدد أسارى بدر فعلى هذا يكون المعنى: قل هو بأخذكم الفداء ، واختياركم القتل لأنفسكم .

والثاني: أنه جرى ذلك بمعصية الرماة يوم أحد ، وتركهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس ، ومقاتل في آخرين .

والثالث: أنه بمخالفتهم الرسول في الخروج من المدينة يوم أحد ، فإنه أمرهم بالتحصن فيها ، فقالوا: بل نخرج ، قاله قتادة ، والربيع . قال مقاتل: إن الله على كل شيء من النصر والهزيمة قدير .
وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون .

قوله تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان) الجمعان: النبي وأصحابه ، وأبو سفيان وأصحابه ، وذلك في يوم أحد ، وقد سبق ذكر ما أصابهم .

[ ص: 497 ] قوله تعالى: (فبإذن الله) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أمره ، والثاني: قضاؤه رويا عن ابن عباس ، والثالث: علمه ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: (وليعلم المؤمنين) أي: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على ما نالهم ، ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم وقلة صبرهم . قال ابن قتيبة: والنفاق مأخوذ من نافقاء اليربوع ، وهو جحر من جحرته يخرج منه إذا أخذ عليه الجحر الذي دخل فيه . قال الزيادي عن الأصمعي: ولليربوع أربعة أجحرة ، النافقاء: وهو الذي يخرج منه كثيرا ، ويدخل منه كثيرا . والقاصعاء ، سمي بذلك لأنه يخرج تراب الجحر ، ثم يقصع ببعضه كأنه يسد به فم الجحر ، ومنه يقال: جرح فلان قد قصع بالدم: إذا امتلأ ولم يسل . والداماء ، سمي بذلك ، لأنه يخرج التراب من فم الجحر ، ثم يدم به فم الجحر ، كأنه يطليه به ، ومنه يقال: أدمم قدرك بشحم ، أي: اطلها به . والراهطاء ، ولم يذكر اشتقاقه ، وإنما يتخذ هذه الجحر عددا ، فإذا أخذ عليه بعضها ، خرج من بعض . قال أبو زيد: فشبه المنافق به ، لأنه يدخل في الإسلام بلفظه ، ويخرج منه بعقدة ، كما يدخل اليربوع من باب ويخرج من باب . قال ابن قتيبة: والنفاق: لفظ إسلامي لم تكن العرب تعرفه قبل الإسلام . قال ابن عباس: والمراد بالذين نافقوا عبد الله بن أبي وأصحابه . قال موسى بن عقبة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، ومعه المسلمون ، وهم ألف رجل ، والمشركون ثلاثة آلاف ، فرجع عنه ابن أبي في ثلاثمائة . فأما القتال ، فمباشرة الحرب . وفي المراد بالدفع ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه التكثير بالعدد . رواه مجاهد عن ابن عباس وهو قول الحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وابن جريج في آخرين .

[ ص: 498 ] . والثاني: أن معناه ادفعوا عن أنفسكم وحريمكم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول مقاتل . والثالث: أنه بمعنى القتال أيضا . قاله ابن زيد .

قوله تعالى: (لو نعلم قتالا) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن معناه: لو نعلم أن اليوم يجري قتال ما أسلمناكم ، ذكره ابن إسحاق .

والثاني: لو كنا نحسن القتال لاتبعناكم .

والثالث: إنما معناه: أن هناك قتلا وليس بقتال ، ذكرهما الماوردي .

قوله تعالى: (هم للكفر) أي: إلى الكفر (أقرب منهم للإيمان) أي: إلى الإيمان ، وإنما قال: يومئذ ، لأنهم فيما قبل لم يظهروا مثل ما أظهروا ، فكانوا بظاهر حالهم فيما قبل أقرب إلى الإيمان .

قوله تعالى: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) فيه وجهان ذكرهما الماوردي .

أحدهما: ينطقون بالإيمان ، وليس في قلوبهم إلا الكفر .

والثاني: يقولون: نحن أنصار ، وهم أعداء . وذكر في الذي يكتمون وجهين .

أحدهما: أنه النفاق . والثاني: العداوة .
الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين .

قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم) قال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن أبي . وفي إخوانهم قولان .

أحدهما: أنهم إخوانهم في النفاق ، قاله ابن عباس .

[ ص: 499 ] . والثاني: إخوانهم في النسب ، قاله مقاتل . فعلى الأول يكون المعنى: قالوا لإخوانهم المنافقين: لو أطاعنا الذين قتلوا مع محمد ما قتلوا ، وعلى الثاني يكون المعنى: قالوا عن إخوانهم الذين استشهدوا بأحد: لو أطاعونا ما قتلوا .

قوله تعالى: (وقعدوا) يعني القائلين قعدوا عن الجهاد .

قوله تعالى: (فادرءوا) أي: فادفعوا (عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أن الحذر لا ينفع مع القدر .
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .

قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) قرأ ابن عامر: "قتلوا" بالتشديد . واختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في شهداء أحد ، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ، وحسن مقيلهم ، قالوا: ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا ، لئلا يزهدوا في الجهاد [ولا ينكلوا عن الحرب ] قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية" وهذا قول سعيد بن جبير ، وأبي الضحى .

والثاني: أنها نزلت في شهداء بدر لما أفضوا إلى كرامة الله تعالى وقالوا: ربنا أعلم [ ص: 500 ] إخواننا ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وهو قول مقاتل .

والثالث: أنها نزلت في شهداء بئر معونة . روى محمد بن إسحاق عن أشياخ له ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين إلى أهل نجد ، فلما نزلوا بئر معونة ، خرج حرام بن ملحان إلى عامر بن الطفيل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينظر فيه عامر ، وخرج رجل من كسر البيت برمح ، فضرب به في جنب حرام حتى خرج من الشق الآخر ، فقال: الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ، وقتل سائر أصحابه غير واحد منهم ، قال أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى فيهم: "بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ورضينا عنه" ثم رفعت ، فنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #96  
قديم 26-02-2022, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (96)
صــ501 إلى صــ 505

فهذا اختلاف الناس فيمن نزلت ، واختلفوا في سبب نزولها على ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الشهداء بعد استشهادهم سألوا الله أن يخبر إخوانهم بمصيرهم ، وقد ذكرناه عن ابن عباس .

والثاني: أن رجلا قال: يا ليتنا نعلم ما لقي إخواننا الذين استشهدوا ، فنزلت ، قاله مقاتل .

والثالث: أن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور ، تحسروا ، وقالوا: نحن في النعمة والسرور ، وآباؤنا ، وأبناؤنا ، وإخواننا ، في القبور ، فنزلت هذه الآية ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .

فأما التفسير ، فمعنى الآية: لا تحسبنهم أمواتا كالأموات الذين لم يقتلوا في سبيل الله ، وقد بينا هذا المعنى في (البقرة) وذكرنا أن معنى حياتهم: أن أرواحهم في حواصل طير تأكل من ثمار الجنة ، وتشرب من أنهارها . قال مجاهد: يرزقون من ثمر الجنة .
فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون

[ ص: 502 ] قوله تعالى: (فرحين) قال ابن قتيبة: الفرح: المسرة ، فأما الذي آتاهم الله ، فما نالوا من كرامة الله ورزقه ، والاستبشار: السرور بالبشارة ، (بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) إخوانهم من المسلمين . وفي سبب استبشارهم بهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الله تعالى ما أخبر بكرامة الشهداء ، أخبر الشهداء بأني قد أنزلت على نبيكم ، وأخبرته بأمركم ، فاستبشروا ، وعلموا أن إخوانهم سيحرصون على الشهادة ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني: يستبشرون بإخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة ، يقولون: إن قتلوا نالوا ما نلنا من الفضل ، قاله قتادة .

والثالث: أن الشهيد يؤتى بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه وأهله ، وفيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ، فيستبشر بقدومه ، كما يستبشر أهل الغائب ، به هذا قول السدي . و"الهاء" و"الميم" في قوله تعالى: (ألا خوف عليهم) تعود إلى الذين لم يلحقوا بهم . قال الفراء: معناه: يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم ، ولا حزن . وفي ماذا يرتفع "الخوف" و"الحزن" عنهم؟ فيه قولان .

أحدهما: لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم ، ولا يحزنون على ما خلفوا من أموالهم .

والثاني: لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه ، ولا يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة .
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .

قوله تعالى: (يستبشرون بنعمة من الله وفضل) قال مقاتل: برحمة ورزق .

قوله تعالى: (وأن الله) قرأ الجمهور بالفتح على معنى: ويستبشرون بأن الله ، وقرأ الكسائي بالكسر على الاستئناف .
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم .

قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول) في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن المشركين لما انصرفوا يوم أحد ، ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لاتباعهم ، ثم خرج بمن انتدب معه ، فلقي أبو سفيان قوما ، فقال: إن لقيتم محمدا ، فأخبروه أني في جمع كثير ، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عنه؟ فقالوا: لقيناه في جمع كثير ، ونراك في قلة ، فأبى إلا أن يطلبه ، فسبقه أبو سفيان ، فدخل مكة ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس ، والجمهور .

والثاني: أن أبا سفيان لما أراد الانصراف عن أحد ، قال: يا محمد ، موعد بيننا وبينك موسم بدر ، فلما كان العام المقبل ، خرج أبو سفيان ، ثم ألقى الله في قلبه الرعب ، فبدا له الرجوع ، فلفي نعيم بن مسعود ، فقال: إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وهذا عام جدب ، لا يصلح لنا ، فثبطهم عنا ، وأعلمهم أنا في جمع كثير ، فلقيهم فخوفهم ، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ، حتى أقاموا ببدر ينتظرون أبا سفيان ، فنزل قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول) الآيات . وهذا المعنى مروي عن مجاهد ، وعكرمة . والاستجابة: الإجابة . وأنشدوا:

[ ص: 504 ]
فلم يستجبه عند ذاك مجيب


أي: فلم يجبه .

وفي المراد النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه وندب الناس للخروج ثلاثة أقوال .

أحدها: ليرهب العدو باتباعهم . والثاني: لموعد أبي سفيان .

والثالث: لأنه بلغه عن القوم أنهم قالوا: أصبتم شوكتهم ، ثم تركتموهم . وقد سبق الكلام في القرح .

قوله تعالى: (للذين أحسنوا منهم) أي: أحسنوا بطاعة الرسول ، واتقوا مخالفته .
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .

قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس) في المراد بالناس ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم ركب لقيهم أبو سفيان ، فضمن لهم ضمانا لتخويف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قاله ابن عباس ، وابن إسحاق .

والثاني: أنه نعيم بن مسعود الأشجعي ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، ومقاتل في آخرين .

[ ص: 505 ] . والثالث: أنهم المنافقون ، لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يتجهز ، نهوا المسلمين عن الخروج ، وقالوا: إن أتيتموهم في ديارهم ، لم يرجع منكم أحد ، هذا قول السدي .

قوله تعالى: (إن الناس قد جمعوا لكم) يعني أبا سفيان وأصحابه .

قوله تعالى: (فزادهم إيمانا) قال الزجاج: زادهم ذلك التخويف ثبوتا في دينهم ، وإقامة على نصرة نبيهم ، وقالوا: (حسبنا الله) أي: هو الذي يكفينا أمرهم . فأما "الوكيل" ، فقال الفراء: الوكيل: الكافي ، واختاره ابن القاسم . وقال ابن قتيبة: هو الكفيل ، قال: ووكيل الرجل في ماله: هو الذي كفله له ، وقام به . وقال الخطابي: الوكيل: الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم ، وحقيقته: أنه الذي يستقل بالأمر الموكول إليه . وحكى ابن الأنباري: أن قوما قالوا: الوكيل: الرب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #97  
قديم 26-02-2022, 04:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (97)
صــ506 إلى صــ 510

فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم .

قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله) الانقلاب: الرجوع . وفي النعمة ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الأجر ، قاله مجاهد . والثاني: العافية ، قاله السدي .

[ ص: 506 ] . والثالث: الإيمان والنصر ، قاله الزجاج . وفي الفضل ، ثلاثة أقوال .

أحدها: ربح التجارة ، قاله مجاهد ، والسدي ، وهذا قول من يرى أنهم خرجوا لموعد أبي سفيان . قال الزهري: لما استنفر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لموعد أبي سفيان ببدر ، خرجوا ببضائع لهم ، وقالوا: إن لقينا أبا سفيان ، فهو الذي خرجنا إليه ، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا ، وكانت بدر متجرا يوافى كل عام ، فانطلقوا فقضوا حوائجهم ، وأخلف أبو سفيان الموعد .

والثاني: أنهم أصابوا سرية بالصفراء ، فرزقوا منها ، قاله مقاتل .

والثالث: أنه الثواب ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: (لم يمسسهم سوء) قال ابن عباس: لم يؤذهم أحد . (واتبعوا رضوان الله) في طلب القوم . (والله ذو فضل) أي: ذو من بدفع المشركين عن المؤمنين .
إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .

قوله تعالى: (إنما ذلكم الشيطان) قال الزجاج: معناه: ذلك التخويف كان فعل الشيطان ، سوله للمخوفين .

وفي قوله تعالى: (يخوف أولياءه) قولان .

أحدهما: أن معناه يخوفكم بأوليائه ، قاله الفراء ، واستدل بقوله تعالى: لينذر بأسا شديدا [ الكهف: 4 ] ، أي: ببأس ، وب قوله تعالى: لينذر يوم التلاق [ غافر: 15 ] ، أي: بيوم التلاق . وقال الزجاج: معناه: يخوفكم من أوليائه ، بدليل قوله تعالى: فلا تخافوهم وخافون .

وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وإبراهيم ، وابن قتيبة .

[ ص: 507 ] وأنشد ابن الأنباري في ذلك:


وأيقنت التفرق يوم قالوا تقسم مال أربد بالسهام


أراد: أيقنت بالتفرق ، قال: فلما أسقط الباء أعمل الفعل فيما بعدها ونصبه . قال: والذي نختاره في الآية: أن المعنى: يخوفكم أولياءه . تقول العرب: قد أعطيت الأموال ، يريدون: أعطيت القوم الأموال ، فيحذفون القوم ، ويقتصرون على ذكر المفعول الثاني . فهذا أشبه من ادعاء "باء" ما عليها دليل ، ولا تدعوا إليها ضرورة .

والثاني: أن معناه: يخوف أولياءه المنافقين ، ليقعدوا عن قتال المشركين ، قاله الحسن ، والسدي ، وذكره الزجاج .

قوله تعالى: (فلا تخافوهم) يعني: أولياء الشيطان (وخافون) في ترك أمري . وفي "إن" قولان .

أحدهما: أنها بمعنى: "إذ" قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني: أنها للشرط ، وهو قول الزجاج في آخرين .
ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم .

قوله تعالى: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) قرأ نافع "يحزنك" "ليحزنني" و"ليحزن" بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن ، إلا في (الأنبياء) لا (يحزنهم الفزع) [ الأنبياء: 103 ] ، فإنه فتح الياء ، وضم الزاي . وقرأ الباقون كل ما في القرآن بفتح الياء وضم الزاي . قال أبو علي: يشبه أن يكون نافع تبع في سورة (الأنبياء) أثرا ، أو أحب أن يأخذ بالوجهين . وفي الذين يسارعون في الكفر أربعة أقوال .

[ ص: 508 ] أحدها: أنهم المنافقون ، ورؤساء اليهود ، قاله ابن عباس .

والثاني: المنافقون ، قاله مجاهد . والثالث: كفار قريش ، قاله الضحاك .

والرابع: قوم ارتدوا عن الإسلام ، ذكره الماوردي .

وقيل: معنى مسارعتهم في الكفر: مظاهرتهم للكفار ، ونصرهم إياهم . فإن قيل: كيف لا يحزنه المسارعة في الكفر؟ فالجواب: لا يحزنك فعلهم ، فإنك منصور عليهم .

قوله تعالى: (إنهم لن يضروا الله شيئا) فيه قولان .

أحدهما: لن ينقصوا الله شيئا بكفرهم ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني: لن يضروا أولياء الله شيئا ، قاله عطاء . قال ابن عباس: والحظ: النصيب ، والآخرة: الجنة . (ولهم عذاب عظيم) في النار .
إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم .

قوله تعالى: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان) قال مجاهد: المنافقون آمنوا ثم كفروا ، وقد سبق في (البقرة) معنى الاشتراء .
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين .

قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: في اليهود والنصارى والمنافقين ، قاله ابن عباس .

والثاني: في قريظة والنضير ، قاله عطاء . والثالث: في مشركي مكة ، قاله مقاتل .

[ ص: 509 ] . والرابع: في كل كافر ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، (ولا يحسبن الذين كفروا) [ آل عمران: 178 ] ، (ولا يحسبن الذين يبخلون) [ آل عمران: 180 ] ، (ولا يحسبن الذين يفرحون) [ آل عمران: 188 ] ، بالياء وكسر السين ، ووافقهم ابن عامر غير أنه فتح السين ، وقرأهن حمزة بالتاء ، وقرأ عاصم والكسائي كل ما في هذه السورة بالتاء غير حرفين (ولا يحسبن الذين كفروا) (ولا يحسبن الذين يبخلون) فإنهما بالياء ، إلا أن عاصما فتح السين ، وكسرها الكسائي ، ولم يختلفوا في (ولا تحسبن الذين قتلوا) أنها بالتاء . (ونملي لهم) أي: نطيل لهم في العمر ، ومثله: (واهجرني مليا) قال ابن الأنباري: واشتقاق "نملي لهم" من الملوة ، وهي المدة من الزمان ، يقال: ملوة من الدهر ، وملوة ، وملوة ، وملاوة ، وملاوة ، وملاوة ، بمعنى واحد ، ومنه قولهم: البس جديدا وتمل حبيبا ، أي: لتطل أيامك معه .

قال متمم بن نويرة:


بودي لو أني تمليت عمره بمالي من مال طريف وتالد

ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم .

قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) في سبب نزولها خمسة أقوال .

[ ص: 510 ] أحدها: أن قريشا قالت: تزعم يا محمد أن من اتبعك ، فهو في الجنة ، ومن خالفك فهو في النار؟! فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .

والثاني: أن المؤمنين سألوا أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول أبي العالية .

والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت على أمتي ، وأعلمت من يؤمن بي ، ومن يكفر ، فبلغ ذلك المنافقين ، فاستهزؤوا ، وقالوا: فنحن معه ولا يعرفنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .

والرابع: أن اليهود ، قالت: يا محمد قد كنتم راضين بديننا ، فكيف بكم لو مات بعضكم قبل نزول كتابكم؟! فنزلت هذه الآية . هذا قول عمر مولى غفرة .

والخامس: أن قوما من المنافقين ادعوا أنهم في إيمانهم مثل المؤمنين ، فأظهر الله نفاقهم يوم أحد ، وأنزل هذه الآية ، هذا قول أبي سليمان الدمشقي .

وفي المخاطب بهذه الآية قولان .

أحدهما: أنهم الكفار والمنافقون ، وهو قول ابن عباس ، والضحاك .

والثاني: أنهم المؤمنون ، فيكون المعنى: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق ، قال الثعلبي: وهذا قول أكثر أهل المعاني .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #98  
قديم 26-02-2022, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (98)
صــ511 إلى صــ 515



قوله تعالى: (حتى يميز الخبيث من الطيب) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن [ ص: 511 ] عامر: "حتى يميز" و"ليميز الله الخبيث" بفتح الياء والتخفيف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، ويعقوب: "يميز" بالتشديد ، وكذلك في [ الأنفال: 37 ] (ليميز الله الخبيث) .

قال أبو علي: مزت وميزت لغتان . قال ابن قتيبة: ومعنى يميز: يخلص . فأما الطيب ، فهو المؤمن . وفي الخبيث قولان .

أحدهما: أنه المنافق ، قاله مجاهد ، وابن جريج .

والثاني: الكافر ، قاله قتادة ، والسدي . وفي الذي وقع به التمييز بينهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الهجرة والقتال ، قاله قتادة ، وهو قول من قال: الخبيث: الكافر .

والثاني: أنه الجهاد ، وهو قول من قال: هو المنافق . قال مجاهد: فيميز الله يوم أحد بين المؤمنين والمنافقين ، حيث أظهروا النفاق وتخلفوا .

والثالث: أنه جميع الفرائض والتكاليف ، فإن المؤمن مستور الحال بالإقرار ، فإذا جاءت التكاليف بان أمره . هذا قول ابن كيسان .

وفي المخاطب بقوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) قولان .

أحدهما: أنهم كفار قريش ، فمعناه: ما كان الله ليبين لكم المؤمن من الكافر ، لأنهم طلبوا ذلك ، فقالوا: أخبرنا بمن يؤمن ومن لا يؤمن ، هذا قول ابن عباس .

والثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فمعناه: وما كان الله ليطلع محمدا على الغيب ، قاله السدي . "ويجتبي" بمعنى يختار ، قاله الزجاج وغيره . فمعنى الكلام على القول الأول: أن الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا الأنبياء الذين اجتباهم ، وعلى القول الثاني: أن الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا أنه يجتبي من يشاء فيطلعه على ما يشاء .
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل [ ص: 512 ] هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير .

قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله) اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ، وابن عباس في رواية أبي صالح ، والشعبي ، ومجاهد وفي رواية السدي في آخرين .

والثاني: أنها في الأحبار الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونبوته ، رواه عطية عن ابن عباس ، وابن جريج عن مجاهد ، واختاره الزجاج .

قال الفراء: ومعنى الكلام: لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم ، فاكتفى بذكر "يبخلون" من البخل ، كما تقول: قدم فلان ، فسررت به ، أي: سررت بقدومه .

قال الشاعر:


إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف


يريد: جرى إلى السفه . والذي آتاهم الله على قول من قال: البخل بالزكاة: هو المال ، وعلى قول من قال: البخل بذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم هو العلم .

[ ص: 513 ] قوله تعالى: (هو) إشارة إلى البخل وليس مذكورا ، ولكنه مدلول عليه بـ"يبخلون" وفي معنى تطويقهم به أربعة أقوال .

أحدها: أنه يجعل كالحية يطوق بها الإنسان ، روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه ، وهو يتبعه حتى يطوق في عنقه" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة)" . وهذا مذهب ابن مسعود ، ومقاتل .

والثاني: أنه يجعل طوقا من نار ، رواه منصور عن مجاهد ، وإبراهيم .

والثالث: أن معنى تطويقهم به: تكليفهم أن يأتوا به ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .

والرابع: أن معناه: يلزم أعناقهم إثمه ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض) قال ابن عباس: يموت أهل السماوات وأهل الأرض ، ويبقى رب العالمين . قال الزجاج: خوطب القوم بما يعقلون ، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له ، وقال ابن الأنباري: معنى الميراث: [ ص: 514 ] انفراد الرجل بما كان لا ينفرد به ، فلما مات الخلق ، وانفرد عز وجل ، صار ذلك له وراثة .

قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "يعملون" بالياء إتباعا لقوله تعالى: (سيطوقون) وقرأ الباقون بالتاء ، لأن قبله (وإن تؤمنوا وتتقوا) .
لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق .

قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير) في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت مدراس اليهود ، فوجدهم قد اجتمعوا على رجل منهم اسمه فنحاص ، فقال أبو بكر: اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله . فقال: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا . فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال: والله لولا العهد الذي بيننا لضربت عنقك . فذهب فنحاص يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أبو بكر بما قال ، فجحد فنحاص ، فنزلت هذه الآية ، ونزل فيما بلغ من أبي بكر من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا [ آل عمران: 186 ] هذا قول ابن عباس وإلى نحوه ذهب مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: أنه لما نزل قوله من ذا الذي يقرض الله قرضا [ البقرة: 245 ] قالت اليهود: إنما يستقرض الفقير من الغني ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الحسن ، وقتادة .

وفي الذين قالوا: إن الله فقير ، أربعة أقوال .

[ ص: 515 ] أحدها: أنه فنحاص بن عازوراء اليهودي ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني: حيي بن أخطب ، قاله الحسن وقتادة .

والثالث: أن جماعة من اليهود قالوه . قال مجاهد: صك أبو بكر رجلا من الذين قالوا: (إن الله فقير ونحن أغنياء) لم يستقرضنا وهو غني؟!

والرابع: أنه النباش بن عمرو اليهودي ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: (سنكتب ما قالوا) قرأ حمزة وحده: "سيكتب" بياء مضمومة و"قتلهم" بالرفع و"يقول" بالياء ، وقرأ الباقون: (سنكتب ما قالوا) بالنون ، و"قتلهم" بالنصب و"نقول" بالنون ، وقرأ ابن مسعود "ويقال" ، وقرأ الأعمش ، وطلحة: و"يقول"

وفي معنى (سنكتب ما قالوا) قولان .

أحدهما: سنحفظ عليهم ما قالوا ، قاله ابن عباس .

والثاني: سنأمر الحفظة بكتابته ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: (وقتلهم الأنبياء) أي: ونكتب ذلك . فإن قيل: هذا القائل لم يقتل نبيا قط ، فالجواب أنه رضي بفعل متقدميه لذلك ، كما بينا في قوله تعالى: (ويقتلون النبيين بغير الحق) . قال الزجاج: ومعنى (عذاب الحريق) عذاب محرق ، أي: عذاب بالنار ، لأن العذاب قد يكون بغير النار .
ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد

قوله تعالى: (ذلك) إشارة إلى العذاب ، والذي قدمت أيديهم: الكفر والخطايا .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #99  
قديم 26-02-2022, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (99)
صــ516 إلى صــ 520


الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين .

قوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا) قال ابن عباس: نزلت في كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وحيي بن أخطب ، وجماعة من اليهود ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: إن الله عهد إلينا ، أي: أمرنا في التوراة: أن لا نؤمن لرسول ، أي: لا نصدق رسولا يزعم أنه رسول ، حتى يأتينا بقربان تأكله النار . قال ابن قتيبة: والقربان: ما تقرب به إلى الله تعالى من ذبح وغيره . وإنما طلبوا القربان ، لأنه كان من سنن الأنبياء المتقدمين ، وكان نزول النار علامة القبول . قال ابن عباس: كان الرجل يتصدق ، فإذا قبلت منه ، نزلت نار من السماء ، فأكلته ، وكانت نارا لها دوي ، وحفيف . وقال عطاء: كان بنو إسرائيل يذبحون لله ، فيأخذون أطايب اللحم ، فيضعونها في وسط البيت تحت السماء ، فيقوم النبي في البيت ، ويناجي ربه ، فتنزل نار ، فتأخذ ذلك القربان ، فيخر النبي ساجدا ، فيوحي الله إليه ما يشاء . قال ابن عباس: قل يا محمد لليهود (قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات) أي: بالآيات ، (وبالذي) سألتم من القربان .
فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير .

قوله تعالى: فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك معناه: لست بأول رسول كذب . قال أبو علي: وقرأ ابن عامر وحده "بالبينات والزبر" بزيادة باء ، وكذلك في مصاحف أهل الشام ، ووجهه أن إعادة الباء ضرب من التأكيد ، ووجه قراءة الجمهور [ ص: 517 ] أن الواو قد أغنت عن تكرير العامل ، تقول: مررت بزيد وعمرو ، فتستغني عن تكرير الباء . وقال الزجاج: والزبر: جمع زبور ، والزبور: كل كتاب ذي حكمة .

قوله تعالى: (والكتاب المنير) قال أبو سليمان: يعني به الكتب النيرة بالبراهين والحجج .
كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .

قوله تعالى: كل نفس ذائقة الموت قال ابن عباس: لما نزل قوله: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم [ السجدة:11 ] . قالوا: يا رسول الله إنما نزل في بني آدم ، فأين ذكر الموت في الجن ، والطير ، والأنعام ، فنزلت هذه الآية . وفي ذكر الموت تهديد للمكذبين بالمصير ، وتزهيد في الدنيا ، وتنبيه على اغتنام الأجل .

وفي قوله تعالى: (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) بشارة للمحسنين ، وتهديد للمسيئين .

قوله تعالى: (فمن زحزح) قال ابن قتيبة: نجي وأبعد . (فقد فاز) قال الزجاج: تأويل فاز: تباعد عن المكروه ، ولقي ما يحب ، يقال لمن نجا من هلكة ، ولمن لقي ما يغتبط به: قد فاز .

[ ص: 518 ] قوله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) يريد أن العيش فيها يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء ، وسينقطع عن قريب . قال سعيد بن جبير : هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة ، فأما من يشتغل بطلب الآخرة ، فهي له متاع بلاغ إلى ما هو خير منها .
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور .

قوله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم) في سبب نزولها خمسة أقوال .

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن رواحة ، فغشي المجلس عجاجة الدابة ، فخمر ابن أبي أنفه بردائه ، وقال: لا تغبروا علينا ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال ابن أبي: إنه لا أحسن مما تقول ، إن كان حقا فلا تؤذنا في مجالسنا . وقال ابن رواحة: اغشنا به في مجالسنا يا رسول الله ، فإنا نحب ذلك ، فاستب المسلمون ، والمشركون ، واليهود ، فنزلت هذه الآية ، رواه عروة عن أسامة بن زيد .

[ ص: 519 ] . والثاني: أن المشركين واليهود كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى ، فنزلت هذه الآية ، قاله كعب بن مالك الأنصاري .

والثالث: أنها نزلت فيما جرى بين أبي بكر الصديق ، وبين فنحاص اليهودي ، وقد سبق ذكره عن ابن عباس .

والرابع: أنها نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر الصديق ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . واختاره مقاتل . وقال عكرمة: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر الصديق ، وفنحاص اليهودي .

[ ص: 520 ] . والخامس: أنها نزلت في كعب بن الأشرف ، كان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ، وهذا مذهب الزهري .

قال الزجاج: ومعنى "لتبلون": لتختبرن ، أي: توقع عليكم المحن ، فيعلم المؤمن حقا من غيره . و"النون" دخلت مؤكدة مع لام القسم ، وضمت الواو لسكونها ، وسكون النون . وفي البلوى في الأموال قولان .

أحدهما: ذهابها ونقصانها . والثاني: ما فرض فيها من الحقوق .

وفي البلوى في الأنفس أربعة أقوال .

أحدها: المصائب ، والقتل . والثاني: ما فرض من العبادات .

والثالث: الأمراض . والرابع: المصيبة بالأقارب ، والعشائر .

وقال عطاء: هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم ، وباعوا رباعهم ، وعذبوهم .

قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى ، والذين أشركوا: مشركو العرب (وإن تصبروا) على الأذى (وتتقوا) الله بمجانبة معاصيه .

قوله تعالى: (فإن ذلك من عزم الأمور) أي: ما يعزم عليه ، لظهور رشده .

فصل

والجمهور على إحكام هذه الآية ، وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور منسوخ بآية السيف .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #100  
قديم 26-02-2022, 04:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (100)
صــ521 إلى صــ 525

وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون

[ ص: 521 ] قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم اليهود ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، والسدي ، ومقاتل . فعلى هذا ، الكتاب: التوراة .

والثاني: أنهم اليهود ، والنصارى ، والكتاب: التوراة والإنجيل .

والثالث: أنهم جميع العلماء ، فيكون الكتاب اسم جنس .

قوله تعالى: (لتبيننه للناس) .

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر ، والمفضل عن عاصم ، وزيد عن يعقوب (ليبيننه للناس ولا يكتمونه) بالياء فيهما ، وقرأ الباقون ، وحفص عن عاصم بالتاء فيهما . وفي هاء الكناية في "لتبيننه" و"تكتمونه" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول من قال: هم اليهود .

والثاني: أنها ترجع إلى الكتاب ، قاله الحسن ، وقتادة ، وهو أصح ، لأن الكتاب أقرب المذكورين ، ولأن من ضرورة تبيينهم ما فيه إظهار صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول من ذهب إلى أنه عام في كل كتاب . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا .

قوله تعالى: (فنبذوه) قال الزجاج: أي: رموا به ، يقال: للذي يطرح الشيء ولا يعبأ به: قد جعلت هذا الأمر بظهر . قال الفرزدق:


تميم بن قيس لا تكونن حاجتي بظهر ولا يعيا علي جوابها


[ ص: 522 ] معناه: لا تكونن حاجتي مهملة عندك ، مطرحة . وفي هاء "فنبذوه" قولان .

أحدهما: أنها تعود إلى الميثاق . والثاني: إلى الكتاب .

قوله تعالى: (واشتروا به) يعني: استبدلوا بما أخذ الله عليهم القيام به ، ووعدهم عليه الجنة (ثمنا قليلا) أي: عرضا يسيرا من الدنيا .
لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم .

قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) وقرأ أهل الكوفة: لا تحسبن بالتاء . وفي سبب نزولها ثمانية أقوال .

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سأل اليهود عن شيء ، فكتموه ، وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم قد أخبروه به ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، فنزلت هذه الآية .

[ ص: 523 ] . والثاني: أنها نزلت في قوم من اليهود ، فرحوا بما يصيبون من الدنيا ، وأحبوا أن يقول الناس: إنهم علماء ، وهذا القول ، والذي قبله عن ابن عباس .

والثالث: أن اليهود قالوا: نحن على دين إبراهيم ، وكتموا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير .

والرابع: أن يهود المدينة كتبت إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: أن محمدا ليس بنبي ، فاثبتوا على دينكم ، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به ، ففرحوا بذلك ، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ، وأولياء الله ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الضحاك ، والسدي .

والخامس: أن يهود خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقالوا: نحن على رأيكم ، ونحن لكم ردء ، وهم مستمسكون بضلالتهم ، فأرادوا أن يحمدهم نبي لله بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

والسادس: أن ناسا من اليهود جهزوا جيشا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا عليهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله إبراهيم النخعي .

والسابع أن قوما من أهل الكتاب دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجوا من عنده فذكروا للمسلمين أنهم قد أخبروا بأشياء قد عرفوها ، فحمدوهم ، وأبطنوا خلاف ما أظهروا ، فنزلت هذه الآية ، ذكره الزجاج .

والثامن: أن رجالا من المنافقين كانوا يتخلفون عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم ، اعتذروا إليه ، وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله [ ص: 524 ] أبو سعيد الخدري ، وهذا القول يدل على أنها نزلت في المنافقين ، وما قبله من الأقوال يدل على أنها في اليهود .

وفي الذي أتوا ثمانية أقوال .

أحدها: أنه كتمانهم ما عرفوا من الحق .

والثاني: تبديلهم التوراة . والثالث: إيثارهم الفاني من الدنيا على الثواب .

والرابع: إضلالهم الناس . والخامس: اجتماعهم على تكذيب النبي .

والسادس: نفاقهم بإظهار ما في قلوبهم ضده .

والسابع: اتفاقهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه أقوال من قال: هم اليهود .

والثامن: تخلفهم في الغزوات ، وهذا قول من قال: هم المنافقون .

وفي قوله تعالى: (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) ستة أقوال .

[ ص: 525 ] أحدها: أحبوا أن يحمدوا على إجابة النبي صلى الله عليه وسلم ، عن شيء سألهم عنه وما أجابوه .

والثاني: أحبوا أن يقول الناس: هم علماء ، وليسوا كذلك .

والثالث: أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الصلاة ، والصيام ، وهذه الأقوال الثلاثة عن ابن عباس .

والرابع: أحبوا أن يحمدوا على قولهم: نحن على دين إبراهيم ، وليسوا عليه ، قاله سعيد بن جبير .

والخامس: أحبوا أن يحمدوا على قولهم: إنا راضون بما جاء به النبي ، وليسوا كذلك ، قاله قتادة . وهذه أقوال من قال: هم اليهود .

والسادس: أنهم كانوا يحلفون للمسلمين ، إذا نصروا: إنا قد سررنا بنصركم ، وليسوا كذلك ، قاله أبو سعيد الخدري ، وهو قول من قال: هم المنافقون .

قوله تعالى: (فلا يحسبنهم) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "فلا يحسبنهم" ، بالياء وضم الباء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: بالتاء ، وفتح الباء . قال الزجاج: إنما كررت "تحسبنهم" لطول القصة ، والعرب تعيد إذا طالت القصة "حسبت" وما أشبهها ، إعلاما أن الذي يجرى متصل بالأول ، وتوكيدا له ، فتقول: لا تظنن زيدا إذا جاء وكلمك بكذا وكذا ، فلا تظننه صادقا .

قوله تعالى: (بمفازة) قال ابن زيد ، وابن قتيبة: بمنجاة .
ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير .

قوله تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض) فيه تكذيب القائلين: بأنه فقير .

وفي قوله تعالى: (والله على كل شيء قدير) تهديد لهم ، أي: لو شئت لعجلت عذابهم .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 268.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 263.06 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]