تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وصايا للشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          تأملات ! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 79 )           »          تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 459 - عددالزوار : 24167 )           »          هل تذوقت هذه النعمة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 120 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم، المعاملة بالمثل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 125 )           »          الإحرام... وبداية النسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 116 )           »          كتاب(أطلس انتشار الإسلام) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »          تغيير كلمة مرور الراوتر لشبكة we (اخر مشاركة : tareqou - عددالردود : 0 - عددالزوار : 140 )           »          عز المؤمن استغناؤه عن الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 119 )           »          ما يقول أو يفعل من أذنب ذنبا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 128 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-11-2023, 12:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 139,294
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء

تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الغر الميامين.

قال الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: 16- 22].


عقب مسيرة شاقة ومضنية للرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، أسس للإسلام أول دولة في الأرض بمن استخلصهم من خيار قريش والأوس والخزرج، دعاةً وجنودًا لا يتجاوز عددهم نيفًا وثلاثمائة مقاتل، نصرهم الله في بدر، فكانوا النخبة الأولى في الأمة الإسلامية بحق، إيمانًا وصدقًا وثباتًا، والطليعة الأولى في الإسلام ريادةً وفدائيةً، كان فيهم الجندي المطيع لأمر الله ورسوله، لا يناقش ولا يتردد، والمقاتل الكَرَّار لا يخور أو يفر أو يدبر، والمنفق قبل الفتح وبعده، لا يبخل أو يُقتر.

بهذه النخبة المنتقاة المتميزة، واصل الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته وجهاده وبنى دولته، وبها خاض معاركه التي بلغت قريبًا من ثلاثين غزوة وسبعين سرية، وبرعايته وحسن بلاغه وقيادته وتربيته تكاثرت هذه النخبة ونمت واتسع مجالها، وانتشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية بجهدها وجهادها، إلا أن للكثرة عادةً آفاتها كما للقلة مميزاتها وخصائصها، وقد قال تعالى عن الكثرة: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]، وقال عز وجل عن القلة: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249] إلا أن خصائص القلة عادة ما يضعف تأثيرها بالتدريج في خضم الكثرة الكاثرة التي بلغ بها جيش المسلمين لغزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة ثلاثين ألف مقاتل، بمن فيهم من الأنصار والمهاجرين ومسلمة الفتح وطلقاء قريش، وعتقاء ثقيف وأعراب نجد والحجاز، عدا من تخلَّف منهم عن القتال لعذر شرعي أو إيثارًا لسلامة أبدان أو تنمية أموال أو إعدادًا لمكر أو خيانة كما كان شأن أصحاب مسجد الضرار وأتباع أبي عامر الفاسق، مما أخذت به تظهر في الصف المسلم هَناتٌ وهَناتٌ[1]، ترجع في كثير منها إلى تعب وإرهاق من توالي الحروب وتعطُّل بعض المصالح الشخصية، أو إلى خضوع لضغط أهل وولد؛ لذلك أخذ الوحي يعالج هذه الظواهر السلبية حال بدء ظهور أعراضها مبكرًا في غزوة أحد بمخالفة بعضهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وفرار البعض من المعركة، بقوله تعالى: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]، ثم بعد استفحالها بتولِّي البعض عن الزحف في معركة حنين ومعاتبتهم بقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]، أو بتردد بعضهم في الخروج لغزوة تبوك وتخلُّفِ البعض عنها، أو بظهور بوادر الخيانة العظمى أثناء العودة من تبوك بتدبير المنافقين محاولة اغتيال فاشلة للرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل عز وجل سورة التوبة وافتتحها بأحكام تحرير الحرم من المشركين، ثم ثنى بمعالجة ضعف الإيمان لدى بعض المسلمين، بدأها باستفهام وعتاب يرفع بهما هممهم، ويحذرهم الغفلة عن سنن الله في الابتلاء، وينذرهم عاقبة الاغترار بسوابق أعمالهم أو الاطمئنان إليها، ويذكرهم بما يؤول إليه أمرهم عند الله تعالى بقوله عز وجل: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 16].

بدأ الاستفهام عن هذه الظواهر الجديدة في المجتمع بأداة: "أم" وهي في هذه الآية منقطعة، لها حكم الاستفهام الإنكاري، كما تفيد معنى "بل" للإضراب عن سياق كلام والانتقال إلى سياق آخر، وسياقها للانتقال من عتاب سابق في قوله تعالى: ﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 13]، إلى عتاب آخر في قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 16]؛ أي: بل "حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله..."، كما في قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 214]، وقد جيء بها للانتقال من سياق الحديث عن فتن الاختلاف بقوله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 213]، وكقوله عز وجل: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]، وجيء بها في سياق الانتقال من الحديث عن استعلاء المؤمنين بالإيمان بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

وحرف "أنْ" في الآية مصدرية تنصب بحذف النون المضارعَ المبني للمجهول بعدها: "تتركوا"، والواو فيه نائب الفاعل، بمعنى: أظننتم أو خطر ببالكم أنكم قد تُخلَّون، ويُخلَّى سبيلكم دون محاسبة، أو توهمتم أن الله تارككم من غير ابتلاء يختبركم به ويمحصكم فيه، أو أنكم تُهمَلون ويُتجاهَل أمركم، إن ظننتم ذلك فراجعوا ما أبلغكموه رسوله صلى الله عليه وسلم من القرآن بقوله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقوله عز وجل: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أشَدُّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"[2].

ومجمل الآية أن الخطاب فيها موجَّه إلى بعض المسلمين ممن شقَّ عليهم القتال، وظنوا أنهم لن يؤمروا به بعد أن أدوا ما عليهم في المعارك السابقة وتم فيها النصر، وآنَ لهم أن يتفرغوا لمصالحهم الخاصة أسرة وتنمية مكاسب، وأن الله يكتفي منهم بمجرد الإيمان، فلا يختبر صدقهم معه، أو ولاءهم له فيه، أو أنهم يعفون فلا يمحصون بما يكون حجة لهم أو عليهم يوم القيامة ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 16]، والواو في الآية للحال، وحرف "لما" جازم، والعلم لغة يفيد الرؤية والمشاهدة والمراقبة كما في قوله تعالى: ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: رأى الله اختيانكم أنفسكم بالإفضاء إلى نسائكم في رمضان فتاب عليكم، وقوله عز وجل: ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [البقرة: 60]؛ أي: قد رأى وشاهد كل فريق من بني إسرائيل مكان شربهم، والعلم في قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ ﴾ يفيد الرؤية والشهادة والمراقبة؛ أي: ولما يَرَ الله في واقع حياتكم وتصرفاتكم ﴿ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 16]، بصفاء نية وسلامة قلوب وصدق إيمان وإقبال على قتال يكون لكم حجة يوم القيامة، والتعبير بحرف "لما" يفيد أنهم لم يقبلوا بعدُ على الجهاد الحق بتفريغ قلوبهم من مشاغل الدنيا وجعلها خالصة لله وحده، وإن كانوا أقرب إلى ذلك إن عزموا وجددوا نيتهم، والآية بذلك عتاب مشوب بتحريض على مراجعة النفس والنهوض بها من كبوتها وتصحيح تصوراتها، وجعل الباطن كالظاهر صفاء سريرة وصدق ولاء ورسوخ إيمان، وفي ذلك قال تعالى عن الذين أسلموا ولم يؤمنوا: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14]؛ أي: إنكم قد أسلمتم بما تنقادون به لأحكام الإسلام في انتظار أن يحل في قلوبكم التصور الإيماني الواضح والاعتقاد الجازم الراسخ، وقال ابن عبَّاسٍ: "إنَّ الله لا يرضى أن يكون الباطنُ خلاف الظَّاهِرِ، ولا الظَّاهر خلاف الباطن، وإنَّما يريدُ من خلقه الاستقامة، كما قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30]، قال: "ولمَّا فرض القتالُ، تميَّز المنافقُ من غيره، وتميَّز من يوالي المؤمنين ممَّن يعادِيهمْ".

ولم يكتفِ الحق تعالى بالتنبيه إلى الخلل في عقيدتهم إذ حسبوا أنهم مجرد هَمَلٍ في الأرض بغير حساب، بل أضاف إليه خللًا آخر ظهر في سلوك بعض ضعاف الإيمان فيهم بقوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ [التوبة: 16]، وحرف الواو في هذه الآية للعطف على قوله تعالى قبلها: ﴿ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 16]؛ أي: ﴿ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا ﴾ [التوبة: 16]، كما يستقيم المعنى أيضًا باعتبار "الواو" للحال؛ أي: جاهدوا وهم على حال ليس لهم فيه وليجة من غير الله ورسوله والمؤمنين، والولِيجة لغة من: وَلَجَ يَلِجُ وُلُوجًا وَلِجَةً إِذا دَخَلَ، ويدل على دخول شيء في شيء ليس منه، تطلق كلمة "وليجة": ويستوي فيها المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى والمثناة وجمع المذكر وجمع المؤنث، فتقول: رجل وليجة ورجلان وليجة ورجال وليجة، وامرأة وليجة، وامرأتان وليجة، ونساء وليجة، كما في كلمة: عدل إذ تقول: رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل، وتقول: امرأة عدل، وامرأتان عدل ونساء عدل، ومنها قولهم: "رجلٌ وُلَجَةٌ خُرَجة" مثل: هُمَزة لُمَزة، وخَرَّاج ولَّاج"؛ أي: غير ثابت الرأي والموقف، وفي حديث أم زرع: "لَا يُولِجُ الكَفَّ ليَعْلَمَ البَثَّ" [3]؛ أَي: لا يدخل يده في ثوب زوجته ليعلم منها ما تخفيه تحته، تصف زوجها بالكرم وحسن الصحبة، والوَلَجُ الطريق في الرمل؛ لأن الأقدام لا تثبت فيه. والوَلَجَة ما كان من كهف أو غار يُلجأ إليه أو يُختبأ فيه، والولِيجةُ كلُّ شَيْءٍ أَولَجْته فِي غيره وَلَيْسَ مِنْهُ، والوليجة: الرجل يكون في القوم وليس منهم، والوليجة بمعنى مولوجة على زنة "مفعولة"، هي دخيلة المرء وسريرته أو فعلته السيئة التي يخفيها، فكأنه يولجها في مكمن سره فلا تظهر لغيره، ووَلِيجة الرجلِ: بِطانَتُه ودُخلاؤه وَخَاصَّتُهُ، ومن يجعلهم أولى بسره أو ماله أو ولائه، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الوَلِيجَة البِطانَةُ السيئة، والوليجة الرجل يتخذ من غير زوجته خليلة يأوي إليها ويثق بها، والزوجة تتخذ من غير زوجها خِدْنًا تواليه وتبثه ودَّها وسرَّها، والرجل يكون في قوم ويتخذ من غيرهم أحبابًا وأولياء يؤثرهم بسرِّه ونصحه، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يبعث نبيًّا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالًا، ومن يوق بطانة السوء فقد وُقِيَ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من أمير إلا وله بطانتان من أهله: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالًا، فمن وُقِيَ شرها فقد وُقِيَ، وهو من التي تغلب عليه منهما"؛ لذلك لا يجوز للمسلم أن يتخذ وليجة أو بطانة من غير الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وصالح المؤمنين، أو أن يترك في تصرفاته ثغرة من قول أو عمل تنكشف منها أو بها أسرار المسلمين وأخبارهم؛ لأن ذلك منافٍ لواجب الولاء الحق لله تعالى، ومخالف لما نهى عنه عز وجل بقوله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]، وقد رأينا في التاريخ الإسلامي نماذج لا تحصى من الولائج الباطلة والبطانات الفاسدة التي خربت نظم الحكم قديمًا وحديثًا، بدءًا بالعصر الأموي، الذي اتخذ فيه الحكام ولائج وأعوانًا من غير المسلمين، واستعانوا في تسيير أمر الأمة بالنصارى واليهود والمجوس، كتبةً ومستشارين وجنودًا، كما كان الحال في الشام إذ احتكر اليهود والنصارى المناصب الإدارية الرفيعة، فكان منصور بن سرجون الرومي كاتبًا ومستشارًا لمعاوية بن أبي سفيان، ثم ليزيد بن معاوية، ثم لمعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبدالملك بن مروان. ثم خلفه في نفس المنصب ولده سرجون بن منصور، ثم حفيده منصور بن سرجون بن منصور في خلافة هشام بن عبدالملك وترهب وسُمي يوحنا الدمشقي، وألف كتاب: "رسالة في الجدل بين مسلم ومسيحي"، وصف فيه الإسلام بالهرطقة[4] والمسلمين بالهراطقة، فصار هذا الكتاب أهم مرجع للمسيحيين في هجومهم على الإسلام إلى عصرنا هذا، وما ذكره الجهشياري [5] من أن المجوس احتكروا المناصب الإدارية بخراسان طيلة العهدين الأموي والعباسي، وأن عمر بن عبدالعزيز أمر بعزل أهل الذمة والمجوس من مناصبهم، ولكن أمره لم ينفذ وبقوا في مناصبهم. وما دونه تاريخ العلوم والآداب في العصر العباسي إذ ازدهرت ترجمة الفكر اليوناني فاتخذه كبار فلاسفة الأمة كالفارابي وابن سينا وغيرهما وليجة بينهم وبين الإسلام [6] فأعرضوا عن اتخاذ القرآن مرجعًا لتفكيرهم فنسوه واتخذوا من تراث سقراط وأرسطو وتلامذتهما حاضنة فكرية لما يعتقدون وما يصنفون، واستفحل بذلك داء الولائج ينخر كالأرَضة في جسد الأمة، يخرب حصونها من داخلها ومن أطرافها، وقد حذرنا الله عز وجل مبكرًا في سورة التوبة من هذا الداء منذ ظهور أعراضه، ووصف له دواءه خلوصَ الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين قال تعالى: ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ [التوبة: 16]؛ أي: إن جهادكم لا يثمر أو يؤتي أكله فيقبله الله ما لم يكن ولاؤكم فيه له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين من غير وليجة خادعة أو بطانة سيئة توالونها أو تركنون إليها، أو تطمئنون لها أو تثقون بها أو تبثون إليها أسراركم وأخباركم فيطلع عدوكم من خلالها على عوراتكم ومقاتلكم، وليس لذلك من سبيل إلا أن يكون المسلمون فيما بينهم كالجسد الواحد إقبالًا على بعضهم بلا ولائج فاسدة أو علاقات مشبوهة من خارج صفهم.

والتعبير بحرف "لمَّا" في هذه الآية يوحي بأن ما حذرت منه متوقَّع الحدوث أو واقع فعلًا على الرغم من أن الله حرَّمه وحذَّر منه ونهى عنه قبل نزول سورة التوبة بقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]، ونزلت به سورة كاملة مفتتحة بقوله عز وجل: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، وزاد التذكير به والتحذير منه في آخر العهد النبوي بهذه الآية من سورة التوبة بقوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ [التوبة: 16] ثم عقب تحذيرًا من المخالفة وتهديدًا بسوء العاقبة بقوله عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 16]، وقرئت بالياء: ﴿ يَعملون ﴾ على الالتفات؛ أي: عليم بكل أهدافكم وأعمالكم الظاهرة والخفية، مهما تكتمتم عليها أو استترتم بها يحاسبكم عليها ويجازكم بها.

ولئن كان الخطاب في هذه الآية الكريمة عامًّا للمسلمين من كل عصر فإنه موجه بصفة خاصة لمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين، وقد أخذ بعضهم يتضايقون من التأثير السلبي لتواصل قتال المشركين ومنعهم من دخول المسجد الحرام والحج على التجارة في مكة وما حولها؛ لذلك رد عليهم الوحي الكريم تلميحًا لما يروج في صفهم وشجبًا له، وتعريضًا بمن يروِّجه من ضعاف الإيمان ومُذكِّرًا بالقيم العقدية التي ينبغي التمسك بها، ومميزًا بينها وبين القيم المادية التي كانت سائدة في قومهم وحاكمة عليهم في الجاهلية بقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 17]، وقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾؛ أي: لم يكن لهم، من كان الناقصة خبرها محذوف للعلم به من السياق، وتقديره: مباحًا أو جائزًا أو مشروعًا ومقبولًا، واسمها المصدر المؤول من "أن" وفعلها في قوله تعالى: ﴿ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 17]، وفعل "يعمر" من عمر المكان يعمُره بضم ميم المضارع من باب "نصر ينصر"؛ أي: لم يُبَحْ للمشركين قط لا ماضيًا ولا حاضرًا ولا مستقبلًا أن يرتادوها للزيارة أو الإقامة أو العبادة أو الرعاية أو البناء أو الإصلاح، و﴿ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ أماكن عبادته، قرأها أبو عمرو ويعقوب وابن كثير بالإفراد "مسجد الله" رواية عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير، وقرأ باقي السبعة وآخرون بصيغ الجمع ﴿ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾، والمتبادر من السياق بصيغتي الإفراد والجمع هو المسجد الحرام، والمراد بمساجد الله الحرم المكي الذي أسَّسه وحدَّ حدوده إبراهيم عليه السلام بأمر ربه، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم عند فتحه مكة، وفيه المسجد الحرام وما يتبعه من المسعى وعرفة والمشعر الحرام والجمرات والمنحر من منى، كما يدخل معه بالتبعية جميع مساجد المسلمين؛ لأنها الأطهرُ والأحبُّ إلى الله؛ إذ نسبها تعالى لنفسه، وقال عنها صلى الله عليه وسلم: "أحَبُّ البلاد إلى الله تعالى مساجدها"، إلا ما استثناه بعض الفقهاء من غير المسجد الحرام؛ إذ أباحوا دخولها لغير المسلمين رأيًا ومصلحةً، واستنادًا منهم إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد نصارى نجران في مسجده بالمدينة، إلا أن هذه الاستضافة كانت قبل نزول سورة التوبة بالتحريم بقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 17]؛ أي: لم يجز مطلقًا لمن كفر بالله أن يدخل مكانًا خُصِّص لعبادته سبحانه، دخول زيارة أو دخول رعاية أو إقامة أو إعمار أو غيره؛ إذ لا يستقيم أن يجمع بين متنافيين كفر وإيمان، وعمارة بيت ينسب لله مع ممارسة الشرك به أو نصب الأوثان فيه، يؤكد هذا الحكم ويبرره قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ [التوبة: 28]؛ أي: لا يجوز مطلقًا لمن تنجس[7] بالشرك والكفر طقوسًا وممارسة أن يقرب المسجد الحرام، والقرب منه أقل وأخف من دخوله والإقامة به والإعمار فيه ﴿ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 17]، معلنين كفرهم فيه تحديًا لله وللمسلمين برفعهم أصواتهم تلبية لغير الله، ونصبهم الأوثان والتعبُّد لها ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المشركون ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ بطل كل عمل ظنوه عبادة أو تقربًا، من الحبط وهو ما يصيب الدابة؛ إذ تأكل نبتة ضارة فينتفخ بطنها وتموت، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب به المثل بقوله: "إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ"[8]؛ أي: يهلك أو يقرب من الهلاك ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة: 17] في نار جهنم مقيمون إقامة دائمة لا يموتون فيها ولا يخرجون منها، فاحذروا أن تتخذوا المشركين بطانة أو أحبابًا أو أخِلَّاء من دون المؤمنين، فتحشروا معهم في النار، قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، وقال صلى الله عليه وسلم: "المرء مع مَنْ أحَبَّ" [9].

وبعد أن حرَّم تعالى دخول المسجد الحرام على غير المسلمين عقب ببيان من يجوز لهم دخوله والتعبد فيه وعمارته ويثبت لهم ثواب أعمالهم فيه فقال عز وجل على سبيل الحصر والتأكيد: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 18] و"إنما" أداة حصر مركبة من (إنَّ) للتأكيد وحرف "ما" الكافَّة عن العمل، وتفيد التوكيد لما بعدها على سبيل الحصر لمن يجوز لهم وحدهم دخول المسجد وعمارته وخدمته وهم كل من جمع خمس خصال: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ وحده لا شريك له، ومن آمن أطاعه وأطاع رسوله وعمل بما أنزله من الوحي قرآنًا وسنةً ﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، وجمع إلى الإيمان بالله الإيمان بما يكون بعد الموت من البعث والعرض والحساب والخلود جزاء عدلًا في الجنة أو النار، وجُمَّاع الإيمان أن يكون بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعنوانه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله [10] ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ المفروضة تامة بشروطها وأركانها ﴿ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾ وأعطى زكاة ماله الذي اكتمل نصابه لمستحقيه ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ والخشية من الله هي إحدى المنجيات يوم القيامة كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه"، وهي الخوف المصحوب بالمهابة الناجمة عن العلم بعظمة الله وقدرته وجلاله وكبريائه، والرهبة المؤدية إلى الخشوع والإنابة والتسليم ودوام الطاعة والاستعداد لما بعد الموت، ولا يستشعر هذه الحالة النفسية الشعورية إلا من آمن بربه حق الإيمان، وعرف قدره وقدرته، وآمن بيوم الحساب وانتظره وأعَدَّ له وأشفق منه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 - 59]، وهي استشعار القلب الرضا بقضاء الله وقدره، لا يستعين عليه إلا بمن قضاه رب العباد وقدره سبحانه، ولعل سبط الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما قد أجاد التعبير عن خشيته ربه إذ قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ كَأَنِّي أَرَاكَ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ‏، وَلَا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ".


ولذلك حَثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الشهادة بالإيمان لمن توفرت فيهم هذه الصفات، فقال صلى الله عليه وسلم [11]:(إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية ﴾ [التوبة: 18]، وقال في السبعة الذين يظلهم يوم القيامة: ".... وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ" وفي الحديث الصحيح أنه تعالى قال عن الخطاء الذي جالس الذاكرين: "غَشُّوهم رحمتي فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم"؛ لأن ارتياد أماكن الخير لا يأتي إلا بالخير، والقرب من أماكن الشر لا يجلب إلا الشر، ثم عقَّب الحق تعالى بحكمه فيمن توفرت فيهم هذه الصفات كلها بقوله عز وجل: ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]، وفعل "عسى" يفيد الترجي في الأمر المحبوب والإشفاق في الأمر المكروه ﴿ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ بشارة لهم بمقاربتهم الهداية والفوز بثواب ما قدموه من عمارة المسجد الحرام رعاية أو إعمارًا أو حجًّا أو عمرةً، وتحذيرًا في نفس الوقت من أن يرتكبوا ما يحبط هذه الأعمال الصالحة؛ لأن الأعمال بخواتمها، والأعمال بالنيات والمخلصون على خطر عظيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "رب قتيل بين الصفين والله أعلم بنيته"، وقال: "قاربوا وسددوا وأبشروا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".

ويواصل الوحي الكريم علاج تلك الظواهر السلبية بقوله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 19]، وقد أخذت تبدو آثارها في بعض المسلمين، بعد أن تعبوا بتعاقب الغزوات ومقاتلها وآلامهم فيها، وضاق بعضهم بكساد التجارات وتناقص مكاسبها، وأخذ بعضهم يركن للدعة والسلم بعد أن تكاثرت أموالهم بغنائم الحرب واشتاقوا للمتع بها في زمن ارتقبوه للسلم، حتى تفاخر ثلاثة من كرام الصحابة هم: علي، والعباس، وطلحة رضي الله عنهم، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، فقال علي: ما أدري ما تقولون، لقد صليت إلى هذه القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، وفي "صحيح مسلم" عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، قال: كنتُ عند مِنبَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: ما أبالِي ألَّا أعملَ عملًا بعد الإسلامِ إلا أنْ أسقِيَ الحاجَّ، وقال آخرُ: ما أبالِي ألَّا أعملَ عملًا بعد الإسلامِ إلا أنَّ أعْمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقالَ آخرُ: الجهاد في سبيلِ اللهِ أفضلُ ممَّا قُلتم، فزجرَهُم عُمَرُ، وقال: لا ترفعُوا أصواتكم عندَ منبرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعةِ، ولكن إذا صليتُ الجمعة دخلْتُ فاسْتفْتيتُهُ فيما اختلفتُم فيه، فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ وغير خفي ما في هذه الآية من التقريع لظهور هذه السلبيات، لا سيما وقد جاء بعد قوله تعالى قبلها: ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 13] وقوله عز وجل: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 16].

والسقاية في قوله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ مصدر فعل "سَاقَى يساقي مساقاة وسقاية"، من السقي وهو الري من العطش، وكان العباس وبعض قريش يتولونها، فيقدمون للحجاج الماء ونبيذ الزبيب، قال ابنُ عبَّاسٍ: لمَّا أسر العبَّاسُ يوم بدرٍ، وعيَّرَهُ المسلمون بالكُفرِ، وقطيعة الرَّحمِ، وأغلظ له عليٌّ القول، قال العبَّاسُ: "ما لكم تذكرون مساوئنا، ولا تذكرون محاسننا؟" فقال له عليٌّ: "ألكُم محاسن؟" فقال: "نعم، إنَّا لنعْمُرُ المسْجِدَ الحَرامَ، ونحجب الكَعْبَة، ونسْقِي الحاجَّ، ونفكُّ العاني".

وحرف "الهَمْزة" في أول ﴿ أَجَعَلْتُمْ ﴾ للاستفهام الإنكاري والمعاتبة على إيثارهم سقاية حجاج البيت ﴿ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ برعايته نظافة وإنارة وصيانة وترميمًا وجعلهما ﴿ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ في درجة مساوية للذين جمعوا بين الإيمان بالله فعبدوه حق عبادته، وباليوم الآخر فأعدوا له عدته، بالجهاد في الله حق جهاده، ثم بيَّن تعالى حكمه في هذه الحالة من التسوية الظالمة وأهلها فقال أولًا: ﴿ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ لا يستوون حالًا ولا يستوون حكمًا، ولا يستوون عاقبةً ومآلًا، وحكمه فيمن يرتكبها إن لم يتب فقال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ لا يهديهم من الضلال ما لم يتوبوا منه، وإنما يسلمهم إليه ولا ينقذهم منه؛ لأنهم أصرُّوا عليه وقد بُيِّن لهم وحُذِّروا منه، فارتكنوا إلى السلامة وآثروا الحياة الدنيا ومكاسبها، وظلموا بذلك أنفسهم وأمتهم وعصوا ربهم، ولا يخفى على عاقل ما في الآية من التهديد والوعيد لهذه الفئة وأمثالها من المسلمين في كل عصر.

ثم بالتفات بياني بعد عتاب هذه الفئة من المسلمين أشاد تعالى بمن هم خير منهم وقال: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [التوبة: 20] بالله حق الإيمان ﴿ وَهَاجَرُوا ﴾ في سبيل الله إلى المدينة ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ مع من التحق بهم وجاهد معهم بالمال والنفس من الأنصار وغيرهم ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أعلى منزلةً وأعز كرامةً عند الله من الذين آثروا السلامة، ونكلوا عن الجهاد، واكتفوا من الإسلام برعاية المسجد الحرام وسقاية حُجَّاجه ﴿ وَأُولَئِكَ ﴾ المستجمعون لهذه الفضائل إيمانًا وهجرةً وجهادًا بالمال والنفس واستعلاء عن المطامع الرخيصة وزهدًا في المطامح الدنيوية التافهة ﴿ هُمُ الْفَائِزُون ﴾ في الدنيا بالنصر والتمكين، كما تم فعلًا في مسيرته صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك، وفرار جيش الروم الجرَّار من مواجهة جيشه المحدود، وفي الآخرة بالدرجات العليا والمقامات السامية ودخول الجنة، ثم أكَّد تعالى هذا الوعد منه فقال: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ﴾ بشارة منه في الدنيا برحمة قال عنها الحق تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156] وكما بشَّرهم تعالى بالرحمة زادهم كرامة بالرضاء التام الذي لا سخط بعده فقال: ﴿ وَرِضْوَانٍ ﴾ والرضوان منه تعالى أكبر وأشرف وأعزُّ ما أعطي مؤمن، بَيَّنه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنَّ الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟، فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟، فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا"، ثم زاد الأمر توضيحًا فبيَّن مآل هذه الفئة الصالحة ومأواها ومقامها في الآخرة بقوله تعالى: ﴿ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ نعيم دائم لا يزول ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ مقيمين فيها لا يخرجون منها ولا يُخرَجون ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: 22] وافر وكثير لم تره عين، ولا خطر على قلب بشر، قال عز وجل: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172].

بهذه المقابلة الواضحة ميَّز الحق تعالى بَين فئتين من المسلمين في المجتمع خلال السنتين الأخيرتين من حياته صلى الله عليه وسلم: فئة من أقبلوا على الإيمان والإحسان، وبيع النفس والأهل والولد وبذل الغالي والنفيس لله تعالى، فارتفعوا إلى آفاق الإحسان والرضوان والجنان.

وفئة من أهل الغفلة أقل إقبالًا على الآخرة وأكثر إقبالًا على الدنيا، لم تخلص قلوبهم لأهل الإيمان، ولم تهجر أهل الباطل والخسران، آثروا الحياة الدنيا وزينتها، ولم تنقطع حبال الود بينهم وبين المشركين، فهم في ريب من أمرهم، يضعون رِجْلًا مع المسلمين، وأخرى مع مصالحهم الدنيوية مالًا أو تجارة أو أقارب أهل وأرحام أنى كانت، مع المشركين أو اليهود أو النصارى أو غيرهم، وأتقنوا المناورات والمداورات، واستحدثوا الأعذار والذرائع والمبررات، يدورون مع مصلحتهم حيث دارت، ويتمسَّكون بأمنهم أنى توفر ومع من تكثَّر، حسابهم مقدم على حساب أمتهم ومآل آخرتهم، التبس عليهم التمييز بين الموالي والمعادي، بين الصفيِّ الخالص والغريم الغدار، وجعلوا من أعدائهم بطانات، وفيهم ولائج، وبينهم روابط، يَرُبُّون لديهم بها مصالح تافهة، وحسبوا أن الله لا يعلم سرهم ونجواهم، أو أنه لا يكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم حالهم.

لقد بيَّن تعالى لهاتين الفئتين ولغيرهما الحق نيرًا أبلج والباطل مُدْلهِمًّا مضطربًا أفلج، ثم ترك لكل امرئ أن يختار لنفسه، عارفًا بالمقدمات ونتائجها، والنوايا وخفاياها، والولاءات وثمارها، والأعمال وجزائها.

[1] هَنات وهَنوات جمع مفرده هَنَة بفتح الهاء؛ أي: شر وفساد، وفي الحديث: "إنه ستكون هَنَاتٌ وهنَاتٌ...".

[2] صحيح الجامع الصحيح.

[3] من قصة روتها عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحدى عشرة امرأة في الجاهلية اجتمعن فتعاقدن أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، منها: "فقالت الرابعة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. وقالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ ملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إليَّ نفسي... فعنده أقول فلا أُقبَّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبي زرع وما أم أبي زرع؟ ... ابن أبي زرع وما ابن أبي زرع؟ ... بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع؟ ... جارية أبي زرع وما جارية أبي زرع؟ ...، خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فمر بامرأة معها ابنان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أن أبا زرع طلق وأنا لا أطلق"؛ روي مرفوعًا وموقوفًا، الترمذي في الشمائل، والبخاري في (النكاح)، ومسلم في (الفضائل).

[4] يعتبر يوحنا منصور بن سرجون الوزير المستشار في البلاط الأموي أثناء خلافة هشام بن عبدالملك، ورث الوزارة عن جده منصور بن سرجون الذي كان وزيرًا ومستشارًا لمعاوية بن أبي سفيان، ولقب "يوحنا الدمشقي" عندما ترهب، وكان أول من هاجم الإسلام بعنف من المسيحيين، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما ألفه من كتب، اعتبره فيها نبيًّا كاذبًا تأثر بالهرطقة، والهرطقة كلمة ذات أصل يوناني تستعمل مجازًا للتعبير بسخرية عن الانحراف عن الدين الأصلي، أو عن الحق مطلقًا، أو عن اختيار الباطل والجدل دفاعًا عنه.

[5] كتاب الوزراء والكتاب ص 15، للجهشياري محمد بن عبدوس، نشر دار الصاوي بالقاهرة.

[6] انظر كتابي نظرية الحكم لدى فلاسفة المسلمين، منشور على الشبكة الإلكترونية، وعلى موقعي: alhamdawi.com

[7] نجاسة الشرك والكفر معنوية وذاتية؛ لأنهم متلبسون بالكفر في أنفسهم، ولا يتطهرون في أبدانهم من جنابة، ولا يمتنعون عن تناول المحرمات؛ كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر.

[8] أذكر أن الرعاة كانوا في الشاوية العليا بالمغرب بحقول مزاب وحمداوة، يحاذرون أن ترعى ماشيتهم نبتة تصيبها بالإسهال أو تقتلها يسمونها "سيف الذيب".

[9] صحيح.

[10] جُمَّاع كل شيء، بضمة على الجيم وشدة على الميم: مجتمع أصلِه، قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جُمَّاع الإيمان.

[11] رواه الترمذي عن أبي سعيد الخُدْري وقال: حديث حسن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.65 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]