امرؤ القيس بن حجر ومعلقته - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7818 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859340 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393660 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215882 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-02-2023, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

امرؤ القيس بن حجر ومعلقته (1-2)


عدَّه ابنُ سلام الجمحي في الطبقة الأولى من طبقات فحول الشعراء، مع النابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى والأعشى، وقدمه الكثير من نقاد الشعر على أقرانه، وتنوزع في أيهما أشعر: امرؤ القيس أم النابغة الذبياني، وإن كانت الغلبة لامرئ القيس حيث « سبق العرب إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته فيها الشعراء من استيقاف صحبه والتبكاء في الديار ودقة التشبيه وقرب المأخذ» [خزانة الأدب للبغدادي (1/ 334)].

وهو امْرُؤ الْقَيْس بن حُجْر بن الْحَارِث بن عَمْرو بن حجر آكل المرار بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن يعرب بن ثَوْر بن مرتع بن مُعَاوِيَة ابْن كنده، قيل اسمه حُنْدُج، وقيل: عَديْ، وقيل: مُلَيْكَة، وكان يطلق عليه «الملك الضليل» لمجونه وضلاله فترة شبابه، ولُقِّب بذي القروح لقوله:


وَبُدّلْتُ قَرْحًا دامِيًا بَعدَ صِحّةٍ *** فَيا لكِ من نُعمَى تحَوّلنَ أبْؤسا

وعُرف بثلاث كُنى هي: أبو وهب، وأبو زيد، وأبو الحارث، وقد عاش فى القرن السادس الميلادى.

كان أبوه ملك غطفان وأسد، وأمه فاطمة بنت ربية أخت المهَلهِل، ونشأ في بيت ملك وسؤدد، ودانت لقبيلته قبائل العرب من ربيعة ومضر، ومال امرؤ القيس - نتيجة هذه التنشئة - للهو والفجور والعبث مع الإماء والقيان، ولما بدأ يشبب بالنساء طرده أبوه، واستمر في لهوه حتى وصله مقتل أبيه على يد بني أسد، وطولب بالثأر فقال: (ضيّعني صغيرًا، وحمّلني دمه كبيرًا لا صحو اليوم، ولا سكر غدًا. اليوم خمرٌ وغدًا أمر). فآلى ألا يأكل لحمًا، ولا يشرب خمرًا، ولا يدهن، ولا يصيب امرأة، حتى يدرك ثأره. [ديوان امرئ القيس ت عبد الرحمن المصطاوي صـ 10].

وقام بمقاتلة قبيلة أسد التي قتلت أبيه، واستنصر بقَيْل يُدعى مرثد الخير بن بجدن الحِمْيريْ فنصره وأمّده بخمسمائة رجل من حِمير، ولكن هذا المدد لم يحقق له النصر، فانتقل بين الملوك يستنصرهم، فما أجابه أحد، وترك ماله وأسلحته لدى السموأل بن عادياء، ويممّ شطر قيصر فأحسن قيصر وفادته، لكنّه لم يعنه على استرداد ملكه.

وقيل إنه لما ارتحل لقيصر أنشد:


بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه
وأيقنَ أنا لاحِقَانِ بقَيْصَرَا




فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا
نحاوِلُ مُلْكًا أوْ نموتَ فَنُعْذَرَا




وَإني زَعِيمٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكًا
بسَيْرٍ تَرَى مِنْهُ الفُرَانِقَ أزْوَرَا[1]




عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدِي بِمَنَارهِ
إذا سافَهُ العَوْدُ النُّبَاطيُّ جَرْجَرَا[2]



وفي طريق عودته أصيب بالجدري ومات، وقيل في سبب موته أسباب أخرى؛ حيث قيل: أنه قتل بسمّ سرى في جسمه من حُلّةٍ مسمومة، وهبها له عظيم الروم؛ نتيجة ميله إلى ابنة قيصر وعلم قيصر بذلك. [الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 110)].

وقيل: أنه لما حضرت ساعة موته نتيجة ذلك القميص المسموم أنشد:


فَإمّا تَرَيْني في رِحَالَةِ جَابِرٍ
على حَرَجٍ كالقَرّ تخفِقُ أكفَاني[3]




فَيا رُبّ مَكرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ
وعانٍ فَكَكتُ الغُلَّ عنه فَفَدّاني[4]




إذا المَرْءُ لم يَخزُنْ عَلَيهِ لِسَانَهُ
فَلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بخَزّانِ




أما عن شعره فقد ابتكر معاني جديدة وانتهج طريقًا في بناء القصيدة الجاهلية سار عليه من جاء بعده، فقد « جاء فى حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن العباس سأله عن الشعراء فقال: « امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصرًا» أى أنبطها وأغزرها لهم، من قولهم خسف البئر، إذا حفرها فى حجارة فنبعت بماء كثير، يريد أنه ذلل لهم الطريق إليه، وبصرهم بمعانيه، وفنن أنواعه وقصده، فاحتذى الشعراء على مثاله، فاستعار العين لذلك». [الأغانى 7: 123 والنهاية 1: 294 واللسان 10: 415].

قال ابن الكلبى: أوّل من بكى فى الديار امرؤ القيس بن حارثة ابن الحمام بن معاوية.

وعن أبي حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجزي: سمعت الأصمعي عبد الملك بن قريب - غير مرة - يفضّل النابغة الذبياني على سائر شعراء الجاهلية، وسألته آخر ما سألته قبيل موته: من أول الفحول؟ قال: النابغة الذبياني.. ثم قال: ما أرى في الدنيا لأحد مثل قول امرىء القيس:


وقاهمْ جَدُّهم[5] ببني أبيهم *** وبالأشقَينَ ما كان العِقابُ

قال أبو حاتم: فلما رآني أكتب كلامه فكر، ثم قال: بل أولهم كلهم في الجودة امرؤ القيس، له الخطوَة والسبق، وكلهم أخذوا من قوله، واتبعوا مذهبه.. [فحولة الشعراء صـ 9].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:03 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-02-2023, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته





ونجد أن من أروع التشبيهات للطبيعة تشبيهه الليل وطوله بقوله:




وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ
عَلَيَّ بأنواعِ الهمومِ ليَبْتَلي[6]


فَقُلْتُ لَه لَمِّا تَمَطَّي بصُلْبِهِ
وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بَكَلْكَلِ[7]

ألا أيّها اللّيلُ الطويلُ ألا انْجَلِي
بصُبْحٍ، وما الإِصْبَاحُ مِنكَ بأمثَلِ[8]

فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ
بكل مغار الفتل شدت بيذبل[9]


ومن مبتكر غزله وتشبيبه بالنساء قوله:


خَليلَيَّ مُرّا بي على أُمِ جُنْدَبِ
نُقَضِّ لُبَانَاتِ الفُؤادِ المُعذَّبِ[10]


فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانيَ سَاعَة ً
من الدهرِ تَنفعْني لَدى أُمِّ جُندَبِ

ألمْ تَرَيَاني كُلَّمَا جئتُ طارِقًا
وَوَجدْتُ بهَا طِيبًا، وَإنْ لم تَطَيَّبِ[11]

عَقيلَة ُ أتْرَابٍ لهِا، لا دَمِيمَة
وَلا ذَاتُ خَلقٍ، إنْ تأمّلتَ جَأنّبِ[12]

ألا ليتَ شِعرِي، كيفَ حادثُ وَصْلِها؟
وكيْفَ تُرَاعي وُصْلَة َ المُتَغَيِّبِ؟[13]











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:04 PM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-02-2023, 05:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته





أُمَيمَةُ أَمْ صَارَتْ لقَولِ المُخَبِّبِ؟[14]



فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا، حِقْبَةً، لا تُلاقِها
فإنّكَ مِمّا أحْدَثَتْ، بالمُجَرِّبِ

وَقالَتْ: مَتى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعتللْ
يسوكَ، وَإن يُكشَفْ غرَامُكَ تدرَبِ

ويقول في هذه القصيدة أيضًا هذا البيت الجميل الذي أصبح من أمثال الشعر:
وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى *** رَضيتُ، مِنَ الغَنيمَةِ، بالإيابِ
ومما يروى أنه قاله حين رأى قبر امرأة في سفح جبل (عسيب) الذي مات عنده:


أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ
وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ


أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا
وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ

فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا
وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ

أجارَتَنا مافاتَ لَيْسَ يَؤوبُ
ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ

ولَيْسَ غريبًا مَن تَنائتْ ديارُهُ
ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:05 PM.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28-02-2023, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته



أُمَيمَةُ أَمْ صَارَتْ لقَولِ المُخَبِّبِ؟[14]



فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا، حِقْبَةً، لا تُلاقِها
فإنّكَ مِمّا أحْدَثَتْ، بالمُجَرِّبِ

وَقالَتْ: مَتى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعتللْ
يسوكَ، وَإن يُكشَفْ غرَامُكَ تدرَبِ

ويقول في هذه القصيدة أيضًا هذا البيت الجميل الذي أصبح من أمثال الشعر:
وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى *** رَضيتُ، مِنَ الغَنيمَةِ، بالإيابِ
ومما يروى أنه قاله حين رأى قبر امرأة في سفح جبل (عسيب) الذي مات عنده:


أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ
وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ


أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا
وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ

فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا
وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ

أجارَتَنا مافاتَ لَيْسَ يَؤوبُ
ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ

ولَيْسَ غريبًا مَن تَنائتْ ديارُهُ
ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:06 PM.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-02-2023, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

ومن غزله في فتاة اسمها هرّ:




وَهِرِّ تَصِيدُ قُلُوبَ الرّجَالِ
وَأفلَتَ مِنهَا ابنُ عَمرٍو حُجُرْ[24]


رَمَتْني بسَهْمٍ أصَابَ الفُؤادَ
غَدَاة َ الرّحِيلِ فَلَمْ أنْتَصِرْ

فأسبَلَ دَمعي كَفَضّ الجُمَانِ
أوِ الدُّرّ رَقْراقُهُ المُنْحَدِرْ[25]


ومن مبتكر حكمته يصف الحرب وتهاويلها:


الحَرْبُ أوّلَ مَا تَكونُ فُتَيّةً
تَبْدُو بِزِينَتِهَا لِكُلّ جَهُولِ


حتى إذا حَمِيَتْ وَشُبّ ضِرَامُها
عادتْ عَجوزًا غيرَ ذاتِ خليلِ

شَمطاءُ جَزّتْ رَأسَها وَتَنَكّرَتْ
مَكْرُوهَة ً للشَّمِّ والتّقْبِيلِ[26]


ومن قوله يصف همة نفسه العالية وسعيه إلى المجد:


ألا عِمْ صَبَاحًا أيّهَا الطّلَلُ البَالي
وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي[27]


وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
قَلِيلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بأوْجَالِ[28]

فَلَوْ أنّ ما أسعَى لأدْنى مَعِيشَةٍ
كَفاني، وَلمْ أطْلُبْ، قَلِيلٌ مِنَ المَالِ

وَلَكِنّمَا أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤثَّلٍ
وَقد يُدرِكُ المَجدَ المُؤثّلَ أمثَالي[29]









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:07 PM.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-02-2023, 05:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

وَما المَرْءُ مادَامَتْ حُشاشةُ نَفْسِهِ
بمُدْرِكِ أطْرَافِ الخُطُوبِ وَلا آلي[30]









ومن شعر الحكمة يقول:



وَاللهُ أنْجَحُ ما طَلَبْتُ بِهِ
والبِرُّ خَيْرُ حَقِيبَةِ الرَّحْلِ[31]




وَمِنَ الطّرِيقَةِ جائِرٌ، وَهُدًى
قَصْدُ السّبِيلِ، وَمِنْهُ ذُو دَخْلِ[32]




إنِّي لأصْرِمُ مَنْ يُصارِمُني
وَأُجِدُّ وَصْلَ مَنِ ابْتَغَى وَصْلي[33]





ومن عميق معانيه قوله عندما أصيب بالقروح:



وَمَا خِفْتُ تَبرِيحَ الحَياةِ كما أرَى
تَضِيقُ ذِرِاعي أنْ أقومَ فألبَسَا[34]




فَلَو أنّهَا نَفسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةٌ
وَلَكِنّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أنْفُسَا





ومن ألطف ما نظم في الغزل، وبلغ حد الرقة، قوله:



أفاطِمَ مهلًا بعضَ هذا التَّدَلّلِ
وَإن كنتِ قد أزمعتِ صَرْمي فأجملي




أغَرّكِ مني أنّ حبّكِ قاتِلي
وَأنّكِ مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِ




وَما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلا لتَضْرِبِي
بسَهمَيك في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ






[1] زعيم: الكفيل. الفرانق: سبع يصيح بين يدي الأسد كأنه ينذر الناس به، ويقال إنه شبيه بابن آوى، أزور: مائل العنق.

[2] لاحب: الطريق، سافه: شمه. العود: الجمل المسن وفيه بقية. يريد: إذا ساف الجمل تربة هذا الطريق جرجر جزعا من بعده وقلة مائه.

[3] أراد بالرحالة الخشب الذى يحمل عليه فى مرضه. وجابر هو جابر بن حنىّ التغلبىّ رفيقه في رحلة العودة، الحرج: سرير يحمل عليه المريض أو الميت. القر، بفتح القاف: الهودج. وأراد بالأكفان ثيابه التى عليه، لأنه قدر أنها ثيابه التى يموت فيها فيكفن. والبيت فى اللسان 3: 59 و 6: 398.

[4] العانى: الأسير.

[5] الجد ها هنا: الحظ؛ من ذلك قولهم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، أي لا ينفع ذا الحظ حظه من أمرك.

[6] السدول: الستور، الواحد منها سدل. الإرخاء: إرسال الستر وغيره. الابتلاء: الاختبار. الهموم جمع الهم. بمعنى الحزن وبمعنى الهمة. الباء في قوله: بأنواع الهموم بمعنى مع.

[7] تمطى أي: تمدد، الإرداف: الإتباع والاتِّباع. الأعجاز: المآخير، ناء: مقلوب نأى بمعنى بعد، الكلكل: الصدر والجمع كلاكل. الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية، وكذلك هي في قوله: تمطى بصلبه، استعار لليل صلبًا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره لفظ الأعجاز.

[8] الانجلاء: الانكشاف، الأمثل: الأفضل

[9] الإغارة: إحكام الفتل. يذبل: جبل بعينه. شدت إلى يذبل أي بكل حبل محكم الفتل.

[10] لبانات الفؤاد: حاجات الفؤاد.

[11] طارقًا: الطارق؛ الزائر ليلًا.

[12] العقيلة: الكريمة المخدّرة. الجأنب: القصير القبيح.

[13] المتغيب: الزوج الغائب.

[14] المخبّب: المفسد.

[15] الإثمد: اسم موضع. الخلي: الخالي من الهموم.

[16] العائر: الوجع في العين. الأرمد: المصاب بالرمد.

[17] أبو الأسود: رجلٌ من كنانة.

[18] النّثا: النبأ الحسن أو السيئ.

[19] يؤثر: بروي. المسند: الدهر.

[20] العلاقة: ما يتعلقوا به من طلب الثأر. عمرو ومرثد: رجلان من أسد.

[21] لا نخفه: لا نظهره.

[22] تقصدوا: لا تفرطوا.

[23] جواد المحثّة: المعنى إذا حثّت جاد سيرها. المرود: الرفق بالسير.

[24] هرّ: اسم فتاة يتعشقها.

[25] أسبل: سال. كفضّ الجمان: كانتثار العقد من اللؤلؤ.

[26] شمطاء: التي خالط شعرها بياض الشيب.

[27] الطلل: ما شخص من آثار الديار.

[28] أوجال: الأمور الموجبة للوجل وتوقّع المصائب.

[29] المؤثل: الأصيل الشريف.

[30] الآلي: المتوقّف عمّا يطلبه.

[31] الحقيبة: ما يوضع فيه الثياب.

[32] جائر: متجاوز الحد. ذو دخل: فيه فساد.

[33] أصرم: أقطع. أجد: أصير جديًا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-03-2023 الساعة 06:08 PM.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28-02-2023, 05:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

امرؤ القيس بن حجر ومعلقته (2-2)




معلقة امرئ القيس قصيدة لامية على بحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبياتها فهي برواية الأصمعي سبعة وسبعون بيتًا، وفي شرح المعلقات للزوزني واحد وثمانون بيتًا.
وهي أشهر المعلقات الجاهلية، وأكملها دربة فنية، وأقصاها بعدًا نفسيًا، وقد سار على نهجها معظم قصائد العصر الجاهلي، وردحًا بعيدًا من الشعر في الإسلام.
ويرى د. "عبدالحميد محمد بدران" في دراسة له بعنوان "معلقة امرئ القيس وأثرها في الشعر العربي" أن هذه المعلقة "مثلت منهجًا متميزًا من مناهج المعالجة الشعرية في الأدب العربي"، حيث أنه على الرغم من تأرجح الشاعر الجاهلي في تلك القصيدة بين الذكرى الوجدانية والشهوة المجونية؛ إلا أنها بما أحدثته من رصيد فني عميق التأثير ظلت حاضرة في وجدان الشاعر العربي المسلم على مر العصور، حيث تناول كثير من الشعراء والنقاد القصيدة بالتضمين والترميز والتشطير والمطارحات الشعرية، حتى إن الشعر الحديث أو شعر التفعيلة وليد بدايات القرن العشرين قد أخذ حظه من التأثر بهذه القصيدة؛ على الرغم من الفارق الزمني البعيد واختلاف الأسلوب الشعري بين المدرستين!
إلى جانب أنها "تمثل اتجاهًا فريدًا في معالجة التجربة يقوم على المغامرة والقص، ويتكيء على التشويق والإثارة في إجادة الحكي وتتابع الأحداث" [صـ 3 - 4].
أما عن سبب إنشاء القصيدة فذهب بعضهم إلى أنّ الدافع الذي دفع امرأ القيس إلى نظم المعلّقة هو يوم "دارة جلجل" وهو غدير في منازل (كِنْدَة) بنجدٍ حيث التقى بعُنَيْزةَ ابنة عمه تتنزه مع العذارى فذبح لها ناقته وأنشد في ذلك معلقته. [ديوان امرئ القيس ت عبد الرحمن المصطاوي (ص: 14)].
والقصيدة بدأها امرؤ القيس بالوقوف على الأطلال وبكاء آثار ديار محبوبته وما جرى لها؛ وهو ما سبق به أقرانه من الشعراء وتفرد به، ثم جره ذلك إلى الحديث عن سبب ذلك وهو ترك الحبيبة لها، فتحدث عن موكب الارتحال، وأثر ذلك في نفسه، فعاد به ذلك إلى تذكر ما كان من مواقف مع الحبيبة وسبب تأثيرها عليه، وهو جمالها فقام بوصفها وصفًا حسيًا، فأثار ذلك كله الهموم التي أقضت مضجعه في الليل، فوصف ما يعانيه المهموم الحزين من الليل، وحتى إذا أصبح فلن يسرّى عنه الهم ما دام في جو الذكريات، وحينئذ ليس أمامه إلا أن يترك هذا المكان بأسرع ما يستطيع فيخرج مبكرًا في رحلة صيد ممتعة يعجبه فيها كل شيء، فيصف الحصان ومنظر البقر الوحشي، ومعركة الصيد، وكيف كانت نهايتها حلوة يتناول ما لذ وطاب من ألوان اللحوم، وفي إحدى روحاته أو غدواته تغير الجو وتلبدت السماء بالغيوم، ونزل المطر، فسالت الأودية والروابي، وعم الخير وعبق العطر، فانتشى الطير، وازينت الأرض فاكتست حللًا جميلة، متنوعة الأشكال والألوان، وبذلك نجد أن الروابط في المعلقة تكاد تكون خفية تحتاج إلى تأمل. [في تاريخ الأدب الجاهلي لعلي الجندي (صـ 329- 330)].
يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في وصف المعلقة:
«أما القصيدة فقد وقف فيها واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الديار والآثار، ثم استشعر العزاء وتجلد، ثم التاع وتنهد، ثم كأنه عفا وتجدد، وذكر يوم الغدير، ووصف عقر ناقته للعذارى، وتبذله لهن تبذل الجآذر، وارتماءهن بلحمها وشحمها، ثم ألم بأطراف العفاف من ابنة عمه، وتعهر في ذلك حتى كأن الكلام لا يمر بقلبه بل يخلقه لسانه خلقًا، إلا في أبيات قليلة، ووصف الجمال وصفًا ظاهرًا يبلغ شهوة النظر، ثم وصف طول الليل وخرج من الفخر إلى صفة الخيل، واستتبع ذلك بالصيد والقنص والطعام، ثم رفع عينيه إلى البرق والسحاب، وخفضها إلى الجبل فزمله من المطر في ثياب، ثم أغمضها وسكت كما يسكت على خير جواب" [تاريخ آداب العرب (3/ 128)].
ويمكن تقسيم المعلقة موضوعيًا إلى سبعة أقسام:
القسم الأول: وصف الأطلال: ويقع في ستة أبيات أولها:
قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ *** بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ
القسم الثاني: الغزل الصريح، ووصف محاسن المرأة، وهو أطول الأقسام، وعدد أبياته سبعة وثلاثون بيتًا، أوله قوله:
وَبَيْضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهَا *** تَمَتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ
القسم الثالث: وفيه يشكو الشاعر همه ويصف ليله الطويل الثقيل وهو أربعة أبيات يبدأ من قوله:
وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ *** عَلَيَّ بأنواعِ الهمومِ ليَبْتَلي
القسم الرابع: وفيه يفخر الشاعر باحتماله كَلَّ الصديق، وبتجشمه مخاطر الطريق ومقابلته الذئب ومقارنته بنفسه وبالتفرد وهو أربعة أبيات أيضًا ويبدأ من قوله:
وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها *** على كاهلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
القسم الخامس: وفيه وصف دقيق للفرس، يذكر سرعته وحمرته ونشاطه، وضمور خصره، وعدوه ونزوه، وطول فخذيه، وذكاء قلبه، وقوة صلبه. وهذا القسم أحد عشر بيتًا أولها:
وَقَدْ أَغْتَدِي والطَّير في وُكنَاتِهَا *** بِمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابِدِ هَيْكلِ
القسم السادس: وهو الطردُ، إذْ يصف الشاعر البقر الوحشي وهو سبعة أبيات أولها:
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنّ نِعاجَه *** عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ
القسم السابع: وفيه يصف الطبيعة، يصف منها البرق وهو آخر الأقسام ويقع في اثني عشر بيتًا ويبدأ من قوله:
أصاحِ تَرَى برقًا أُريكَ ومَيضَهُ *** كَلَمْعِ اليَدَينِ في حَبيٍّ مكلَّلِ
وينتهي في معلقته عند قوله:
كأنّ السِّباعَ فِيهِ غَرْقَي عَشِيّةً *** بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أنابيشُ عُنْصُلِ
وبهذا البيت تنتهي المعلقة. ويقول الأستاذ "عبد الرحمن المصطاوي" تعليقًا على تلك الخاتمة المفاجئة: «فانظر كيف ختمها، إذ لم بجعل لها قاعدة كما فعل غيره، وذلك عندما ينهون قصائدهم والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية... لقد كانت الواقعية التامّة، والعضوية في تناول الأغراض وعرضها، وعمق التجربة الشعورية التي يصوّرها الشاعر، وصبّها في جوّ نفسي واحد، ووضوح شخصية امرئ القيس، والسرد القصصي الذي يبهر السامع، وبث الحركة والحياة في أوصال النص من أهم سمات المعلّقة» [ديوان امرئ القيس ت المصطاوي (ص: 17)].
نص المعلقة بشرح الزوزني:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-03-2023 الساعة 09:57 AM.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28-02-2023, 05:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

يقول: يخاطب صاحبيه قائلًا: قفا وأسعداني وأعيناني، أو قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيبًا فارقته ومنزلًا خرجت منه، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك البكاء بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين (الدخول وحومل).

فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها *** لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
يقول: لم ينمحِ ولم يذهب أثرها؛ لأنه إذا غطته إحدى الريحين بالتراب كشف الأخرى التراب عنها، وقيل: بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ومر السنين وترادف الأمطار وغيرها، وقيل: بل معناه لم يعف رسم حبها من قلبي وإن نسجتها الريحان، والمعنيان الأولان أظهر من الثالث وقد ذكرها كلها أبو بكر ابن الأنباري.

تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا *** وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ
يقول: انظر بعينيك تر هذه الديار التي كانت مأهولة مأنوسة بهم خصبة الأرض، كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء، ونثرت في ساحاتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل في مستوى رحباتها.

كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـوا *** لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
الغداة الضحوة، والجمع غدوات. البين: الفرقة وهو المراد هنا، وفي "القاموس": البين يكون فرقة ووصلًا، اليوم: معروف، مقداره، من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يراد باليوم الوقت مطلقًا، تحملوا واحتملوا بمعنى: أي ارتحلوا. لدى بمعنى عند. سمرات جمع سمرة، بضم الميم: من شجر الطلح. الحي: القبيلة من الأعراب، والجمع أحياء. نقف الحنظل: شقة عن الهبيد، وهو الحب، كالإنقاف والانتقاف، وهو، أي الحنظل، نقيف ومنقوف، وناقفهِ الذي يشقه.

يقول: كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل، يريد وقف بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها.

وسمرات جمع سمرة، بضم الميم: من شجر الطلح، ونقف الحنظل: شقة عن الهبيد، وهو الحب، كالإنقاف والانتقاف، وهو، أي الحنظل، نقيف ومنقوف، وناقفهِ الذي يشقه.

وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُـمُ *** يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّـلِ
يقول: قد وقفوا عليّ أي: لأجلي أو على رأسي وأنا قاعد عند رواحلهم ومراكبهم، يقولون لي: لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر، وتلخيص المعنى: أنهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع.

وإِنَّ شِفـَائِي عَبْـرَةٌ مُهْرَاقَـةٌ *** فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
يقول: وإن برئي من دائي ومما أصابني وتخلصي مما دهمني يكون بدمع أصبّه ثم قال: وهل من معتمد ومفزع عند رسم قد درس، أو هل موضع بكاء عند رسم دارس؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، والمعنى عند التحقيق: ولا طائل في البكاء في هذا الموضع؛ لأنه لا يرد حبيبًا، ولا يجدي على صاحبه بخير، أو لا أحد يعول عليه ويفزع إليه في مثل هذا الموضع، وتلخيص المعنى: وإن مخلصي مما بي بكائي، ثم قال: ولا ينفع البكاء عند رسم دارس، أو ولا معتمد عند رسم دارس.

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا *** وَجَـارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَـلِ
يقول: عادتك في حب هذه كعادتك من تينك، أي: قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالهما، ومعاناتك الوجد بهما، قوله: قبلها أي: قبل هذه التي شغفت بها الآن.

إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَـا *** نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
يقول: إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحت ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره. شبه طيب رياهما بطيب نسيم هبّ على قرنفل وأتى بريّاه، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما.

فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً *** عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي مِحْمَلِي
يقول: فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بلّ دمعي حمالة سيفي.

ألاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِـحٍ *** وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُـلِ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-03-2023 الساعة 09:58 AM.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28-02-2023, 05:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

يقول: رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل، يريد أن ذلك اليوم كان أحسن الأيام وأتمها، فأفادت لا سيما التفضيل والتخصيص.


ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَي مَطِيَّتِـي *** فَيَا عَجَبًا مِنْ كُوْرِهَا المُتَحَمَّـلِ
قوله: فيا عجبًا، الألف فيه بدل من ياء الإضافة، وكان الأصل فيا عجبي، وياء الإضافة يجوز قلبها ألفًا في النداء نحو يا غلامًا في يا غلامي، فإن قيل: كيف نادى العجب وليس مما يعقل؟ قيل في جوابه: إن المنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء أو يا قوم اشهدوا عجبي من كورها المتحمل فتعجبوا منه، فإنه قد جاوز المدى والغاية القصوى؛ وقيل: بل نادى العجب اتساعًا ومجازًا، فكأنه قال: يا عجبي تعال واحضر فإن هذا أو إن إتيانك وحضورك.

فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَـا *** وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّـلِ
يقول: فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعًا فيه طول نهارهن؛ وشبه شحمها بالإبريسم الذي أجيد فتله وبولغ فيه، وقيل هو القز. الشحم: السمن.

ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْـزَةٍ *** فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
يقول: ويوم دخلت هودج عنيزة فدعت عليّ أو دعت لي في معرض الدعاء عليّ، وقالت: إنك تصيرني راجلة لعقرك ظهر بعيري، يريد أن هذا اليوم كان من محاسن الأيام الصالحة التي نلتها منهن أيضًا.

تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعـًا *** عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
يقول: كانت هذه المرأة تقول لي في حال إمالة الهودج أو الرحل إيانا: قد أدبرت ظهر بعيري فانزل عن البعير.

فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَـهُ *** ولاَ تُبْعـِدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّـلِ
يقول: فقلت للعشيقة بعد أمرها إياي بالنزول سيري وأرخي زمام البعير ولا تبعديني مما أنال من عناقك وشمك وتقبيلك الذي يلهيني أو الذي أكرره، ويقال لمن على الدابة سار يسير كما قال للماشي كذلك؛ قال: سيري وهي راكبة. الجنى: اسم لما يجتني من الشجر، والجني المصدر، يقال: جنيت الثمرة واجتنيتها.

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِـعٍ *** فَأَلْهَيْتُهَـا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ
يقول: فربَّ امرأة حبلى قد أتيتها ليلًا وربّ امرأة ذات رضيع أتيتها ليلًا فشغلتها عن ولدها الذي علقت على العوذة وقد أتى عليه حول كامل، أو قد حبلت أمه بغيره فهي ترضعه على حبلها، وإنما خص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفًا بهم وحرصًا عليهم، فقال: خدعت مثلهما مع اشتغالهما بأنفسهما فكيف تتخلصين مني؟ قوله: فمثلك، يريد به فرُبَّ امرأة مثل عنيزة في ميله إليها وحبه لها؛ لأن عنيزة في هذا الوقت كانت عذراء غير حبلى ولا مرضع.

إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ *** بِشَـقٍّ وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَـوَّلِ
شقّ الشيء: نصفه. يقول: إذا ما بكى الصبي من خلف المرضع انصرفت إليه بنصفها الأعلى فأرضعته وأرضته وتحتي نصفها الأسفل لم تحوله عني، وصف غاية ميلها إليه وكلفها به حيث لم يشغلها عن مرامه ما يشغل الأمهات عن كل شيء.

ويَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَـذَّرَتْ *** عَلَـيَّ وَآلَـتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّـلِ
يقول: وقد تشددت العشيقة والْتَوت، وساءت عشرتها يومًا على ظهر الكثيب المعروف، وحلفت حلفًا لم تستثن فيه أنها تصارمني وتهاجرني، هذا، ويحتمل أن يكون صفة حال اتفقت له مع عنيزة، ويحتمل أنها اتفقت مع المرضع التي وصفها.

أفاطِـمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ *** وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-03-2023 الساعة 09:59 AM.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28-02-2023, 05:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: امرؤ القيس بن حجر ومعلقته

يقول: يا فاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت وطّنت نفسك على فراقي فأجملي في الهجران. نصب بعض؛ لأن مهلًا ينوب مناب دع. الصرم: المصدر، يقال: صرمت الرجل أصرمه صرمًا إذا قطعت كلامه، والصرم الاسم. فاطمة: اسم المرضع أو عنيزة، وعنيزة لقب لها فيما قيل.


أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي *** وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
يقول: قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله. وقيل: بل معناه قد غرك مني أنك علمت أن حبك مُذلّلي، والقتل التذليل، وأنك تملكين فؤادك فمهما أمرت قلبك بشيء أسرع مرادك فتحسبين أني أملك عنان قلبي كما ملكت عنان قلبك حتى يسهل علي فراقك كما سهل عليك فراقي، ومن الناس من حمله على مقتضى الظاهر وقال: معنى البيت: أتوهمت وحسبت أن حبك يقتلني أو أنك مهما أمرت قلبي بشيء فعله؟

وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ *** فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ
من الناس من جعل الثياب في هذا البيت بمعنى القلب، فالمعنى على هذا القول: إن ساءك خلق من أخلاقي وكرهت خصلة من خصالي فردي على قلبي أفارقك، ولا معنى على هذا القول: استخرجي قلبي من قلبك يفارقه. النسول: سقوط الريش والوبر والصوف والشعر، يقال: نسل ريش الطائر ينسل نسولًا، واسم ما سقط النسيل والنسال؛ ومنهم من رواه تنسلي وجعل الانسلاء بمعنى التسلي، والرواية الأولى أولاهما بالصواب، ومن الناس من حمل الثياب في البيت على الثياب الملبوسة وقال: كنّى بتباين الثياب وتباعدها عن تباعدهما، وقال: إن ساءك شيء من أخلاقي فاستخرجي ثيابي من ثيابك أي: ففارقيني وصارميني كما تحبين فإني لا أوثر إلا ما أثرت ولا أختار إلا ما اخترت لانقيادي لك وميلي إليك، فإذا آثرتِ فراقي آثرتُه وإن كان سبب هلاكي وجالب موتي.

وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي *** بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ
يقول: وما دمعت عيناك وما بكيت إلا لتصيدي قلبي بسهمي دمع عينيك وتجرحي قطع قلبي الذي ذللته بعشقك غاية التذليل، أي نكايتهما في قلبي نكاية السهم في المرمى وتلخيص المعنى على هذا القول: وما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي بكله والأعشار على هذا القول جمع عشر؛ لأن أجزاء الجزور عشرة، والله أعلم.

وبَيْضَـةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَـا *** تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَـلِ
أي: ورب بيضة خدر، يعني: ورب امرأة لزمت خدرها، ثم شبهها بالبيض، والنساء يشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه: أحدها بالصحة والسلامة عن الطمث والثاني: في الصيانة والستر؛ لأن الطائر يصون بيضه ويحضنه، والثالث: في صفاء اللون ونقائه؛ لأن البيض يكون صافي اللون نقيه إذا كان تحت الطائر، وربما شبهت النساء ببيض النعام، وأريد أنهن بيض تشوب ألوانهن صفرة يسيرة وكذلك لون بيض النعام، يقول: وربّ امرأة كالبيض في سلامتها من الافتضاض، أو في الصون والستر أو في صفاء اللون ونقائه، أو في بياضها المشوب بصفرة يسيرة ملازمة خدرها غير خرَّاجة ولَّاجة انتفعت باللهو بها على تمكث وتلبث لم أعجل عنها ولم أشغل عنها بغيرها.

تَجَاوَزْتُ أحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَـرًا *** عَلَّي حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِـي
يقول: تجاوزت في ذهابي إليها وزيارتي إياها أهوالًا كثيرةً وقومًا يحرسونها وقومًا حراصًا على قتلي لو قدروا عليه في خفية؛ لأنهم لا يجترئون على قتلي جهارًا، أو حراصًا على قتلي لو أمكنهم قتلي ظاهرًا لينزجر ويرتدع غيري عن مثل صنيعي؛ وحمله على الأول أولى؛ لأنه كان ملكًا والملوك لا يقدر على قتلهم علانية.

إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ *** تَعَـرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّـلِ
يقول: أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريا في الأفق الشرقي، ثم شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح، هذا أحسن الأقوال في تفسير البيت، ومنهم من قال: شبه كواكب الثرايا بجواهر الوشاح؛ لأن الثريا تأخذ وسط السماء كما أن الوشاح يأخذ وسط المرأة المتوشحة، ومنه من زعم أنه أراد الجوزاء فغلط وقال: الثريا لأن التعرّض للجوزاء دون الثريا، وهو قول محمد بن سلام الجمحي، وقال بعضهم: تعرض الثريا أنها إذا بلغت كبد السماء في العرض ذاهبة ساعة كما أن الوشاح يقع مائلًا إلى أحد شِقَّيْ المتوشحة به.

فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَـا *** لَـدَى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّـلِ
يقول: أتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر مترقبة ومنتظرة، وإنما خلعت الثياب لتري أهلها أنها تريد النوم.

فَقَالـَتْ: يَمِيْنَ اللهِ مَا لَكَ حِيْلَةٌ *** وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِـي
يقول: فقالت الحبيبة: أحلف بالله ما لك حيلة، أي: ما لي لدفعك عني حيلة، وقيل: بل معناه ما لك حجة في أن تفضحني بطروقك إياي وزيارتك ليلًا، يقال: ما له حيلة أي: ما له عذر وحجة، وما أرى ضلال العشق وعماه منكشفًا عنك، تحرير المعنى أنها قالت: ما لي سبيل إلى دفعك أو ما لك عذر في زيارتي وما أراك نازعًا عن هواك وغيك، ونصب يمين الله كقولهم: الله لأقومن، على إضمار الفعل، وقال الرواة: هذا أغنج بيت في الشعر.

خَرَجْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَـا *** عَلَـى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّـلِ
يقول: فأخرجتها من خدرها وهي تمشي وتجر مرطها على أثرنا لتُعَفِّي به آثار أقدامنا، والمرط كان موشّي بأمثال الرحال، ويروى: نير مرط، والنير: علم الثوب.

فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَـى *** بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
يقول: فلما جاوزنا ساحة الحلة وخرجنا من بين البيوت وصرنا إلى أرض مطمئنة بين حقاف، يريد مكانًا مطمئنًا أحاطت به حقاف أو قفاف منعقدة؛ والعقنقل من صفة الخبث لذلك لم يؤنثه، ومنهم من جعله من صفة الحقاف وأحلّه محل الأسماء وعطله من علامة التأنيث لذلك. وقوله: انتحى بنا بطن خبت أسند الفعل إلى بطن خبت والفعل عند التحقيق لهما ولكنه ضرب من الاتساع في الكلام، والمعنى صرنا إلى مثل هذا المكان؛ وتلخيص المعنى: فلمّا خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى مثل هذا الموضع طاب حالنا وراق عيشنا.

هَصَرْتُ بِفَوْدَي رَأْسِهَا فَتَمَايَلَـتْ *** عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَـلِ
يقول: لَمّا خرجنا من الحلة وأمنّا الرقباء جذبت ذؤابتيها إلَيّ فطاوعتني فيما رمت منها ومالت عليّ مسعفة بطلبتي في حال ضمر كشحيها وامتلاء ساقيها باللحم، والتفسير على الرواية الثالثة: إذا طلبت منها ما أحببت وقلت: أعطيني سؤلي كان ما ذكرنا، ونصب هضيم الكشح على الحال ولم يقل هضيمة الكشح؛

مُهَفْهَفَـةٌ بَيْضَـاءُ غَيْرُ مُفَاضَــةٍ *** تَرَائِبُهَـا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَــلِ
يقول: هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخيته، وصدرها بَرَّاق اللون متلألئ الصفاء كتلألؤ المرآة.

كَبِكْرِ المُقَـانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْــرَةٍ *** غَـذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ المُحَلَّــلِ
البكر من كل صنف: ما لم يسبقه مثله. المقاناة: الخلط يقال: قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر، والمقاناة في البيت مصوغة للمفعول دون المصدر. النمير: الماء النامي في الجسد. المحلّل ذكر أنه من الحلول، وذكر أنه من الحل، ثم إن للأئمة في تفسير البيت ثلاثة أقوال، أحدها: أن المعنى كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة، يعني بيض النعام وهي بيض تخالط بياضها صفرة يسيرة، شبه لون العشيقة بلون بيض النعام في أن في كل منهما بياضًا خالطته صفرة، ثم رجع إلى صفتها فقال: غذاها نمير عذب لم يكثر حلول الناس عليه فيكدره ذلك، يريد أنه عذب صاف، وإنما شرط هذا؛ لأن الماء من أكثر الأشياء تأثيرًا في الغذاء لفرط الحاجة إليه فإذا عذب وصفا حسن موقعه في غذاء شاربه؛ وتلخيص المعنى على هذا القول: إنها بيضاء تشوب بياضها صفرة وقد غذاها ماء نمير عذب صافٍ، والبياض الذي شابته صفرة أحسن ألوان النساء عند العرب.

والثاني: أن المعنى كبكر الصدفة التي خولط بياضها بصفرة، وأراد ببكرها درتها التي لم ير مثلها، ثم قال: قد غذا هذه الدرة ماء نمير وهي غير محللة لمن رامها؛ لأنها في قعر البحر لا تصل إليها الأيدي، وتلخيص المعنى على هذا القول: إنه شبهها في صفاء اللون ونقائه بدرة فريدة تضمنتها صدفة بيضاء شابت بياضها صفرة وكذلك لون الصدفة، ثم ذكر أن الدرة التي أشبهتها حصلت في ماء نمير لا تصل إليها أيدي طلابها، وإنما شرط النمير والدر لا يكون إلا في الماء الملح؛ لأن الملح له بمنزلة العذب لنا إذ صار سبب نمائه كما صار العذب سبب نمائنا.

والثالث: أنه أراد كبكر البرديّ التي شاب بياضها صفرة وقد غذا البردي ماء نمير لم يكثر حلول الناس عليه، وشرط ذلك ليسلم الماء عن الكدر وإذا كان كذلك لم يغير لون البردي، والتشبيه من حيث أن بياض العشيقة خالطته صفرة كما خالطته بياض البردي. ويروى البيت بنصب البياض وخفضه، وهما جيدان، بمنزلة قولهم: زيد الحسن الوجه، والحسن الوجه، بالخفض على الإضافة والنصب على التشبيه كقولهم: زيد الضارب الرجل.

تَـصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقــِي *** بِـنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِـلِ
يقول: تعرض العشيقة عني وتظهر خدًّا أسيلًا، وتجعل بيني وبينها عينًا ناظرة من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال، شبهها في حسن عينيها بظبية مُطْفِلِ أو بمهاة مطفل، وتلخيص المعنى: أنها تعرض عنا فتظهر في إعراضها خدًّا أسيلا وتسقبلنا بعين مثل عيون ظباء وجرة وهي موضع أو مهاها واللواتي لها أطفال، وخصهن لنظرهن إلى أولادهن بالعطف والشفقة وهي أحسن عيونًا في تلك الحال منهن في سائر الأحوال. قوله: عن أسيل، أي عن خد أسيل، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه كقوله: مررت بعاقل، أي: بإنسان عاقل، وقوله: من وحش وجرة، أي: من نواظر وحش وجرة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه

وجِـيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِـشٍ *** إِذَا هِـيَ نَصَّتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّــلِ
يقول: وتبدي عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها، وهو غير معطل، عن الحلي، فشبه عنقها بعنق الظبية في حال رفعها عنقها، ثم ذكر أنه لا يشبه عنق الظبي في التعطل عن الحلي.

وفَـرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِــمٍ *** أثِيْـثٍ كَقِـنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِــلِ
يقول: وتبدي عن شعر طويل تام يزين ظهرها إذا أرسلته عليه، ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة أخرجت قنوانها، والذوائب تشبه بالعناقيد، والقنوان يراد به تجعدها وأثاثتها.

غَـدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُــلاَ *** تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَــلِ
يقول: ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق، يراد به شدها على الرأس بخيوط، ثم قال: تغيب تعاقيصها في شعر مثنى وبعضه مرسل، أراد به وفور شعرها، والتعقيص التجعيد.

وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّــرٍ *** وسَـاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّــلِ
يقول: وتبدي عن كشح ضامر يحكي في دقته خطامًا متخذًا من الأدم، وعن ساق يحكي في صفاء لونه أنابيب بردي بين نخل وقد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي، شبه ضمور بطنها بمثل هذا الخطام، وشبه صفاء لون ساقها ببردي بين نخيل تظله أغصانها، وإنما شرط ذلك ليكون أصفى لونًا وأنقى رونقًا وتقدير قوله كأنبوب السقي كأنبوب النخل المسقي، ومنهم من جعل السقي نعتًا للبردي أيضًا؛ والمعنى على هذا القول: كأنبوب البردي المسقي المذلل بالإرواء.

وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَـا *** نَئُوْمُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّـلِ
يقول: تصادف العشيقة الضحى ودقائق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه، وهي كثيرة النوم في وقت الضحى، ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة، يريد أنها مخدومة منعَّمة تُخدم، ولا تَخدم، وتلخيص المعنى: أن فتات المسك يكثر على فراشها وأنها تكفى أمورها فلا تباشر عملًا بنفسها. وصفها بالدعة والنعمة وخفض العيش وأن لها من يخدمها ويكفيها أمورها.

وتَعْطُـو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّــهُ *** أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِـلِ
يقول: وتتناول الأشياء ببنان رخص ليّن ناعم غير غليظ ولا كز، كأن تلك الأنامل تشبه هذا الصنف من الدود أو هذا الضرب من المساويك وهو المتخذ من أغصان هذا الشجر المخصوص المعيّن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-03-2023 الساعة 10:00 AM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 156.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 149.23 كيلو بايت... تم توفير 6.84 كيلو بايت...بمعدل (4.38%)]