أصحاب الأخدود - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853449 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388603 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214030 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2022, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي أصحاب الأخدود

أصحاب الأخدود
إبراهيم الدميجي

الحمد لله حقًّا، فهو الودود خفي الألطاف، المنَّان بنعم متعددة الألوان والأصناف، الكريم المجيب لكل من رجا وخاف، اللطيف في بلائه ولو كان من العبد إسراف، نحمده تبارك وتعالى ونسأله النجاة مما نخشى ونخاف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة حقٍّ شهدت بها شخوصنا وظلالنا والأعضاء منا والأطراف، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، المتحقق بكمال الأوصاف، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد:
فيا عباد الرحمن، اتقوا الله تعالى، وتدبروا آياته وتفكروا في آلائه؛ قد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، فكل مشكلة لديك فحلها بين يديك في القرآن.

وعليك أيها الداعي لسبيل ربك – ولا بد أن نكون جميعًا كذلك – عليك بجادة الصابرين، محسني الظن بلطف ربهم، ولا تلتفت لكل مثبِّطٍ أو حاسد أو عدو: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، فالله حقٌّ، ووعده حق، ونصره حق، ولقاؤه يوم القيامة حق، فاصبر على الحق تكن من أهله، والله المستعان؛ ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [المعارج: 5 - 7].

ولا تنس – إن نسيت – احتساب الأجر عند ربك، فما عند الله الغني الكريم، البر الشكور خير وأبقى لك مما عند خلقه الفانين الضعفاء الفقراء، وكل عمل تعمله لله محتسبًا أجره وذخره، فستلقاه مغتبطًا به، ما دمت مخلصًا متبعًا صابرًا، ولنعم الذخيرة تلك الذخيرة، ولنعم الكنز ذلك الكنز.

وائْتَسِ في جميع ما يصيبك بنبيك صلى الله عليه وسلم؛ فعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: ((دُمِيَت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك المشاهد فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت = وفي سبيل الله ما لقيت)).

فلكل مصلح: امضِ لسبيلك، متوكلًا على ربك، مستنًّا بنبيك صلى الله عليه وسلم، متأملًا هذا البيان الحاسم من رب العالمين: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 36].

وليتدبر الداعية الموفَّق قصة أصحاب الأخدود، وما فيها من أنواع الصبر والمصابرة في ذات الله تعالى، سواء من الغلام، أو الراهب، أو المؤمنين حتى نساءهم، لقد استحقت تلك القصة العظيمة الخلود في محكم تنزيل رب العالمين: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [البروج: 8، 9]، فلا تخفى عليه خافية، مهما دقت أو جلت، فهو شهيد على المؤمنين الصابرين، حافظ لصبرهم في ذاته المقدسة العلية، فصبروا أرواحهم قربانًا لوجهه سبحانه وبحمده، وشهيد على الكافرين وطغيانهم وظلمهم وكفرهم، ومع شناعة جرمهم، وفداحة ظلمهم، وغليظ كفرهم، إلا أن الرحمن قد أشرع لهم باب التوبة على مصراعيه؛ بقوله الأعز الأكرم الألطف: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ﴾ [البروج: 10]، فلا إله إلا الله، ما أعظم حلم الله، وأسبغ رحمته، وأوسع فضله!

وقد فصَّل حبيبنا صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود؛ فقد روى مسلم بسنده عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبَر، قال للملك: إني قد كبرتُ، فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه.

وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه، وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر، مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر، فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعْلَمُ الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس.

فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدل عليَّ.

وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عَمِيَ، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك - وهذه رسالة لكل طبيب لأدواء الأرواح أو الأجساد أن يعلق العباد بربهم لا بعلمه وخبرته وطبِّه، فهو مجرد سبب قد يتخلف لذاته أو لمانع خارج عنه، أما الشافي في الحقيقة، فهو الله وحده، قال إمام الحنفاء عليه السلام: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80] – قال: فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رَدَّ عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه، حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى، فأخذه فلم يَزَلْ يعذبه حتى دل على الراهب.

فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مَفْرِقِ رأسه، فشقه حتى وقع شقاه - وتأمل كيف هرب هذا الراهب الصالح من الابتلاء فلحقه الابتلاء، وإنما يُبتلى المرء على قدر دينه، والقدر لا مهرب منه، ولعله خير له أن بلغه منزلة الشهادة العظيمة، وأخرجه من سجن الدنيا لفسحة الجنان وجوار الرحمن جل جلاله بإذن الله تعالى ورحمته، وفيه الصبر العظيم لهذا الرجل، فلم يعطهم مرادهم، بل صبر حتى قتلوه في الله، ولله، وإلى الله، ولا إله إلا الله – قال: ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه - وتأمل كيف يفعل الإيمان المفعم باليقين والنصح فعله في قلوب الخلق، ويشبه هذان الصالحان سحرةَ فرعون الذين كانوا في بكرة النهار سحرة أشقياء، وفي عشيَّته بررة شهداء، وتأمل حال صحابة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ورضيَ عنهم، كيف قاموا لله تعالى تلك المقامات المشهودة، والمجاهدات المشهورة، بعد أن بلغ الإيمان حشاشة قلوبهم، فصفَّى كدرها، وشد ضعفها، وبلغ بها مبلغ أكرم الخلق على الله تعالى بعد الأنبياء والمرسلين.
وهكذا يفعل الأبطال إذ صدقوا = وهكذا يعصِف التوحيدُ بالوثنِ

فعلى المؤمن أن يثبت على الحق، وأن يقوم فيه لله تعالى لا يخشى فيه لومة لائم – قال: ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته – أي: قمته - فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت - وفيه غاية التوكل والتفويض وإخلاص الاستنصار بالله تعالى - قال: فرجف بهم الجبل فسقطوا - ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، فهو مجيب لدعوة المضطر مطلقًا، فكيف بوليِّه الداعي إليه، المبتلى في ذاته لإعلاء كلمته؟! ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 36]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38] - قال: وجاء يمشي إلى الملك - وتأمل رحمك الله ثقة الغلام بوعد الله تعالى ومعيته وتأييده، فلم يهرب ولم يختبئ، بل عاد ليدعو ذلك الملك الظالم الضالَّ لعلمه أن في هداية الله له نفعًا عامًّا لرعيته بدخولهم في دين الله تعالى - قال: فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى - ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45]
إن المصائب ما تخطت دينه
نِعَمٌ وإن صعبت عليه قليلا
والله ليس بغافل عن أمره
وكفى بربك ناصرًا وكفيلا


قال: فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور – أي: سفينةٍ صغيرة - وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا.

وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضَعِ السهم في كَبِدِ القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني - وفيه نقض لدين هذا الملك الطاغوت، فقد جعل ذلك الغلام الفذ الملكَ يهدم الشرك الذي بناه في قلوب الناس بهذا الفداء العظيم من هذا الشهيد الشاب – قال: فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات - والصدغ هو ما بين العين والأذن، وقد وضع يده عليه لتألمه قبل وفاته رحمه الله تعالى، وبحمد الله فليس ألم القتل في سبيل الله شديدًا، مهما كانت طريقته؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يجد الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القَرْصَةِ))؛ [رواه الترمذي وصححه] - قال: فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس - وهنا نصر الله المؤزر لدعوة ذلك الغلام الصالح، وفيه أن الداعي إلى الله تعالى قد لا يُمْهَل حتى يرى ثمار دعوته الطاهرة، بل قد يسقي الله تعالى بذرته فلا تنمو وتثمر إلا بعد رحيله عن الدنيا إلى ربه تعالى، وهذا الأمر وارد حتى على الرسل الكرام؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرُّهَيْطُ، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد))؛ [متفق عليه]، وتأمل قصة أصحاب القرية في سورة (يس) كيف أرسل الله لهم ثلاثة رسل، فكفروا بهم حتى أرسل الله عليهم الصيحة فأهلكتهم، ولم يذكر الله تعالى أن قد آمن لهم سوى رجل واحد!

قال: فأمر بالأخدود بأفواه السِّكَكِ، فخُدَّت وأضرم فيها النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحِموه فيها، ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست – أي: جبُنت وترددت - أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّهْ، اصبري فإنك على الحق)).
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّعِ


بارك الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية
الحمد لله ...
عباد الرحمن: في هذه القصة الهائلة بيان الصبر العظيم لذلك الراهب التقي الصالح، وكذلك جليس الملك الموفق الصابر، والغلام الشهيد الناصح، فهو شيخ الغلمان بحق، وهو الداعية الصغير في سنه، الكبير في إيمانه وعمله ودعوته وشهادته وتخليد ذكره، فلم يَرُدَّ هؤلاء الشهداء تهديد الطاغوت وأعوانه، ولا قتلهم لهم هذه القتلات الشنيعة عن دينهم، فرحمهم الله وألحقنا بهم في الصالحين غير خزايا ولا ندامى، هو مولانا ومولاهم، ونعم المولى ونعم النصير، وإنما تعمُر الديار، ويُدفع البلاء بأمثالهم، بدعائهم وابتهالهم وصلاحهم ودعوتهم العباد لسبيل الله تعالى.

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء وأمثالهم لأمته؛ لتعلم الأمة أن من عباد الله من يرجونه لا يرغبون لغيره، ويخافونه لا يخشون سواه، وأن الله قد اختارهم ورباهم واصطفاهم لحمل شدائد دينه في الدنيا، ثم لنَيلِ رضوانه وأجره في العقبى.

وبنحوِ خبرهم جاءت الأخبار، فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجة؛ فعن أبي عبدالله خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: ((شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدةً، فقلنا: ألَا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يُؤخَذ الرجل، فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يُؤتى بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [رواه البخاري].

فالإنسان عَجُولٌ بطبعه، وغريزة العَجَلةِ جِبْلَةٌ لا يسلم منها إلا القليل، قال عنه خالقه ومسوِّيه: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37]، وقال: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11].

ولكن هذه الجبلة العجول ليست بعذر في ترك التأني، فلقد أصاب المتأني أو كاد، وأخطأ المتعجل أو كاد، والعجلة أمُّ الندامة، إنما المقصود بيان أن هذه الغريزة النفسانية محتاجة إلى مصابرة، حتى تكون منقادة لخُلُقِ الأناة وعقل الرزانة، وقد بشَّر صلى الله عليه وسلم أشجَّ عبدالقيس بمحبة الله تعالى لأناته وحلمه، وأنه قد جبله عليهما؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: ((إن فيك خَصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة))؛ [رواه مسلم].

إن دين الله منصور لا محالة، فليس على الدين خوف، حتى وإن تقلص في ناحية أو ضعف تدين الناس في أخرى، فالله ناصر دينه، ومتم نوره، ومظهر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ قال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8، 9]، فلا خوف على السفينة، إنما الخوف أن تمضي بدونك.

اللهم صلِّ على محمد ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.55 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]