شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 86 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855317 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390138 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #851  
قديم 18-09-2022, 12:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإيمان والنذور

(479)


(باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي) إلى (باب هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟)




من نذر نذر طاعة من صيام أو اعتكاف أو غير ذلك وجب عليه الوفاء بنذره، سواء عقد النذر قبل الإسلام أم بعده، ومن نذر الخروج من ماله كله صدقة لله تعالى فليبق شيئاً منه حتى لا يتندم ولا يفتقر، ويدخل في عموم نذر الصدقة بالأموال الأراضي.

إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي


شرح حديث عمر بن الخطاب: (أنه كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي. أخبرنا إسحاق بن موسى حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه: (كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يعتكف)].
أورد النسائي إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، يعني: هل يفي بنذره الذي حصل منه، وهو في حال كفره، وهو طاعة لله عز وجل؟ الجواب: نعم أنه يفي بنذره، وذلك أن النذر ينعقد من الكافر، ولكن يكون الوفاء به موقوفاً على إسلامه؛ لأنه في حال كفره لا ينفعه أي عمل يعمله، وإنما ينفعه إذا أسلم، فأورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وهو في الجاهلية قبل أن يسلم، فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يفي بنذره، فدل هذا على أن النذر ينعقد في حال الكفر، ولكن تنفيذه، والوفاء به يكون موقوفاً على الإسلام، فإذا أسلم فإن عليه أن يفي بنذره، وقد جاء في بعض الأحاديث: ليلة، وفي بعضها: يوم، فيجمع بينهما بأن يكون نذر يوماً وليلة، ومن ذكر اليوم فهو مع ليلته، ومن ذكر الليلة فهي مع يومها.

تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب: (أنه كان عليه ليلة نذر في الجاهلية يعتكفها...


قوله: [أخبرنا إسحاق بن موسى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

حديث ابن عمر: (كان على عمر نذرٌ في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام...) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان على عمر رضي الله عنه نذرٌ في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأمره أن يعتكف)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: (أن أباه عمر نذر أن يعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعتكف)، أي: أن يفي بنذره، وهو مثل ما تقدم، ذاك من مسند عمر، وهذا من مسند عبد الله بن عمر.
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

حديث ابن عمر: (أن عمر كان جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر كان جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأمره أن يعتكفه)].وقد أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه تعديل اليوم بدل الليلة، وكما قلت: لا تنافي بينها، فيمكن أن يقال: إنه نذر يوماً وليلة، فمن ذكر الليلة، أي: مع يومها، ومن ذكر اليوم، أي: مع ليلته.
قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن محمد بن جعفر].
هو محمد بن جعفر غندر، وقد مر ذكره.
[عن شعبة].
وقد مر ذكره أيضاً.
[عن عبيد الله].
هو ابن عمر بن حفص بن عاصم العمري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله! إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: (أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تيب عليه: يا رسول الله، إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك)، قال أبو عبد الرحمن: يشبه أن يكون الزهري سمع هذا الحديث من عبد الله بن كعب ومن عبد الرحمن عنه في هذا الحديث الطويل توبة كعب].أورد النسائي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم هجره، وأنزل الله عز وجل توبته في القرآن، أي: التوبة عليه، وعلى صاحبيه في قول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118]، وكان قد صدق في كلامه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نجاه الله بالصدق، والحديث طويل جداً، ومشتمل على مسائل كثيرة من العلم والفقه، والمقصود منه: أنه أورد قطعة منه تتعلق بالباب الذي يليه، ولا علاقة لها بباب: إذا نذر وأسلم قبل أن يفي بنذره، بل علاقته بالباب الذي يليه، فيحتمل أن يكون محل الترجمة قبل هذا الحديث؛ لأنها متعلقة، أو لأنه طريق من الطرق التي ذكرت في الباب الذي يليه، وهو متعلق في الباب الذي يليه، ولا علاقة له في ترجمة الباب الذي ذكر فيه، والترجمة التي ذكرها: إذا أهدى ماله على وجه النذر، يعني: إذا خرج من ماله، أو تصدق بماله على وجه النذر، وهو في الحقيقة ليس بواضح أنه نذر؛ لأنه ما نذر شيئاً إن حصل كذا سيكون كذا، وإنما لما تاب الله عز وجل عليه، أراد أن يشكر الله عز وجل على هذه النعمة، بأن يتصدق بماله، شكراً لله عز وجل على ما قد حصل، وأنه أراد أن يخرج من ماله لهذا السبب، وهو أن الله تاب عليه، ففرح فرحاً شديداً، فأراد بهذه التوبة أن يشكر الله عز وجل عليها، بأن يخرج من ماله، وأن يتصدق به، وأن يتصرف فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف يشاء، بأن يصرفه في وجوه الخير، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فقال له: (أمسك عليك بعض مالك، فهو خيرٌ لك)، فما قال: أمسك عليك مالك، وإنما الشيء الذي أراده، ورخص له فيه، وأذن له فيه، لكن كونه يخرجه كله، هذا الذي لم يوافقه عليه، وأرشده إلى أن يبقي عليه شيئاً من ماله؛ لأن الإنسان إذا خرج من ماله فقد يصير محتاجاً، أو متعلقة نفسه به أو نادماً، أو نحو ذلك، لكنه إذا أبقى شيئاً من ماله يستفيد منه، فلا يكون مثل ما لو خرج منه، وبقي خالي اليدين وصفر اليدين، فقد يصيبه شيء من الندم على ما حصل، والإنسان لا يصلح له أن يندم ولا ينبغي له أن يندم على قربة تقرب بها إلى الله عز وجل، وشيء أخرجه لله عز وجل، مثل ما يحصل من الذي ينذر، ثم إذا حصل المقصود، وجاء وقت الإخراج يتلكأ ويحصل منه التردد وعدم انشراح الصدر، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يأتي بخير، ولكنه يستخرج به من البخيل)، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسك عليه بعض ماله، فأمسك بعض ماله، كما جاء مبيناً في بعض الروايات الأخرى، وهو سهمه من خيبر.

تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله، إني أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله ...)

قوله: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[عن عبد الله بن كعب بن مالك].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبيه].
هو كعب بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال أبو عبد الرحمن: يشبه أن يكون الزهري سمع هذا الحديث من عبد الله بن كعب، ومن عبد الرحمن عنه في هذا الحديث الطويل توبة كعب.
وبعد أن ذكر النسائي هذا الحديث من طريق الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك، ذكر في الأحاديث الآتية: أن الزهري يرويه عن عبد الله بن كعب بواسطة ابنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وأورد الطرق التي فيها رواية عبد الرحمن عن عبد الله، فـالنسائي أراد أن يوفق بين الروايتين، وأنه لا اختلاف بينهما، فقال: يشبه أن يكون الزهري سمعه من عبد الله بن كعب بن مالك، وسمعه من عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فيكون سمعه بواسطة، وسمعه بغير واسطة، وهذا كثير في الروايات، بأن يكون الإسناد عالياً، ونازلاً، فيروي الشخص الحديث عن شخص بواسطة، ثم يلقى الشخص، وقد يرحل إليه، فيرويه عنه مباشرة، فتكون روايته على الوجهين صحيحة، رواه نازلاً؛ لأنه ظفر به نازلاً، ثم أدركه عالياً، فظفر به عالياً، فأخرجه عالياً، فلا تنافي بين الطريقين أو بين الروايتين ما دام أن الشخص من شيوخه الاثنين، فروايته عن الشخص بواسطة، وروايته عنه مباشرة كثير في الروايات، وكثير في الأسانيد، ورواية عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه هي في الطرق القادمة.


إذا أهدى ماله على وجه النذر


شرح حديث كعب بن مالك: (... يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا أهدى ماله على وجه النذر.أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: (سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك، فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)، مختصر].
أورد النسائي حديث كعب بن مالك، أو قطعة من حديث كعب بن مالك الطويل، وهو المتعلق بقصة خروجه عن ماله، أو إرادته الانخلاع عن ماله، شكراً لله عز وجل على توبة الله عز وجل عليه، بعدما حصل من هجر النبي صلى الله عليه وسلم إياه خمسين ليلة، وقال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي، والمقصود: أنه ينخلع منه، أي: يتجرد منه بحيث ما يكون له، كما ينخلع الإنسان من الثوب، ويتجرد منه، فلا يكون عليه منه شيء، وهو يريد أن ينخلع من ماله بحيث ما يكون له منه شيء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يبقي عليه بعض ماله، وألا يخرج منه كله، بل يخرج شيئاً، ويترك شيئاً، وقد نفذ ذلك، واستجاب لذلك، وقال: إنني أمسك سهمي الذي بخيبر، والباقي يخرجه لله عز وجل.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #852  
قديم 18-09-2022, 12:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (... يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو سليمان بن داود أبو الربيع المصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب].
مر ذكر هؤلاء.
[عن عبد الرحمن بن كعب].
هو عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم.
[ عن عبد الله].
الزهري يروي هنا عن عبد الرحمن بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن كعب].
وقد مر ذكره.
[عن كعب بن مالك].
وقد مر ذكره أيضاً.
تعقيب في تخريج الحديث السابق قال المخرج: أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.
يعني: أنه فيه ذكر النذر، وهنا قال: على وجه النذر، نفس الترمذي حيث قال: أهدى على وجه النذر، لكنه ليس بواضح بأنه نذر؛ لأن النذر يوجب على نفسه شيئاً إذا حدث أمرؤُ في المستقبل، لكن هنا حدثت توبة، وهو يريد أن يشكر الله عز وجل، لكن يمكن أن يقال: إنه أطلق عليه نذراً؛ لأنه جاء على صورة النذر، يعني: أن من شكر الله أن ينخلع من ماله، لكنه ليس في الحقيقة نذراً.

حديث كعب بن مالك: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ليث بن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب: أن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه: (يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك مالك فهو خيرٌ لك، قلت: فإني أمسك علي سهمي الذي بخيبر)].أورد النسائي حديث كعب بن مالك من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].
مر ذكره.
[عن حجاج عن الليث بن سعد].
كلهم مر ذكرهم.
[عن عقيل].
هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث كعب بن مالك: (... وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى حدثنا الحسن بن أعين حدثنا معقل عن الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب سمعت أبي كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث قال: قلت: (يا رسول الله، إن الله عز وجل إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، فقال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)].أورد النسائي حديث كعب بن مالك من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، وفيه قوله: (إن الله إنما نجاني بالصدق)، يعني: أنه صدق في كلامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ليس مثل ما حصل من المنافقين الذين جاءوا يكذبون ويحلفون، وهو رضي الله عنه لما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: لماذا تخلفت؟ قال: إنني لا أحدثك إلا بالصدق، وأعلم أنني لو كذبت عليك، فإنه يأتيك الوحي، ويبين خلاف ما أقول، ولكني لا أحدثك إلا بالصدق، ثم قال: إنه في هذه المرة كان المال متوفراً، والمركوب موجوداً، ولكنه جعل يتأخر شيئاً فشيئاً، ثم خرج الناس، وذهبوا وهو لم يخرج فبقي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق)، وبعد ذلك أنزل الله تعالى التوبة عليه، وعلى صاحبيه؛ ولهذا أمر الله المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين بعد الآية التي ذكرت توبتهم مباشرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، أي: كونوا مع أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، والذين صدقوا، وهذا من صدقهم، وقد وصف الله المهاجرين بأنهم الصادقون في سورة الحشر، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، فـ كعب بن مالك قال: إنما نجاني الله بالصدق، والله تعالى أمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين بعدما ذكر توبة الله عليه وعلى صاحبيه لصدقهم، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (... وإن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة...) من طريق رابعة


قوله: [أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى].هو محمد بن معدان بن عيسى الحراني، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن الحسن بن أعين].
هو الحسن بن محمد بن أعين، وهو صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن معقل].
هو معقل بن عبيد الله الجزري، وهو صدوق، يخطئ، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب].
وقد مر ذكرهم.
[عن عمه عبيد الله بن كعب].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، مثل الذين خرجوا لـعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب.
[عن أبيه كعب بن مالك].
وقد مر ذكره.


هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟


شرح حديث: (كنا مع رسول الله عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب، فأهدى رجلٌ من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاماً أسود، يقال له: مدعم، فَوَجَه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه سهمٌ فأصابه فقتله، فقال الناس: هنيئاً لك الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراكٍ أو بشراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شراكٌ أو شراكان من نار)].
أورد النسائي: هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟، يعني: إذا نذر أن يخرج شيئاً من ماله، هل تدخل الأرضون في لفظ: الأموال عند الإطلاق، أم أن الأموال عند الإطلاق تنصرف إلى الأموال التي تجب فيها الزكاة، كما قال الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]؟ وهل تجب في بعض الأموال، أو تجب في الأموال كلها؟ إذا كانت عروض تجارة تجب فيها الزكاة، أما غير عروض التجارة مثل: الخارج من الأرض، والنقدين، وبهيمة الأنعام فإنها تجب فيها الزكاة، ولا شك أن الأرضين هي من جملة المال، وكل ما يملكه الإنسان هو مال له، سواءً كان عرضاً ثابتاً أو منقولاً، وسواءً كان رقيقاً أو غيره، كل ذلك يقال له: مال، والأرضون داخلة في المال.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة الذي فيه: أن الأرضين داخلة في المال، وقال: إننا لم نغنم إلا الأموال، والمتاع، والثياب، ومن المعلوم: أن المتاع، والثياب هي مال، وهو من عطف الخاص على العام، ولكنهم قد غنموا أراضي كثيرة، وهي من المال الذي غنموه، فإذاً هي داخلة، أي: الأرضون داخلة في المال؛ لأنهم غنموا أراضي كثيرة، والرسول قسم عليهم الأراضي، وجعلوها مع اليهود على أن تكون بالنصف، فإذاً الحديث دل على أن الأراضي تكون من جملة المال، وأنه إذا ذكر المال فتدخل فيه الأراضي، وهذا هو مقصود النسائي من هذه الترجمة، ولهذا أورد حديث أبي هريرة قال: [(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم إلا الأموال، والمتاع، والثياب)].
والأموال يدخل تحتها الأراضي، بل هي أكثر ما غنموه في هذه الغزوة.
قوله: [(فأهدى رجلٌ من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً أسود، يقال له: مدعم)].
أي: فأهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له: مدعم، فالرسول وجه نحو وادي القرى، بمعنى: توجه أو وجه وجهه إلى تلك الجهة، فلما نزلوا وجعل ذاك يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا سهم يأتي إليه فيصيبه فمات، فقالوا: هنيئاً له الشهادة، أي: مات وهو يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (كلا، إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه ناراً)، يعني: أنه معذب، وأن الشملة التي غلها تشتعل عليه ناراً، وأنه يعذب بذلك الشيء الذي غله، فعندما سمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين، الذي هو السيور التي تكون في النعل، وهو شيء تافه، وشيء يسير جداً، لكن لما سمع عن الشملة، وهذا الذي يعذب بسبب الشملة، جاء ذلك الرجل بالشراك أو الشراكين، وهو شسع النعل الذي يكون على ظهره من الجلد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (شراكٌ من نار أو شراكان من نار)، يعني: أنه لو لم يرددهما لكان يعذب بهما؛ لأن الغنيمة قد قسمت، وهذا شيء قليل ما تنفع فيه القسمة، ولا تصلح فيه القسمة، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم- أنه لو لم يرددهما، وإلا فإن الإنسان إذا كان عليه شيء وتخلص منه، وأدى الحق، وتخلص منه، وتاب إلى الله عز وجل مما قد حصل، فإنه يسلم من مغبته، ومن تبعته؛ لأن الإنسان إذا كان عليه حقوق للناس وأداها، تخلص من تبعتها.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب...)


قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].مر ذكره.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ثور بن زيد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الغيث مولى ابن مطيع].
هو سالم المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #853  
قديم 18-09-2022, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإيمان والنذور

(480)


(باب الاستثناء) إلى (باب آخر في الاستثناء)



من مظاهر تيسير الله تعالى على عباده في أحكام اليمين أن جعل الاستثناء فيها مخرجاً من الحنث سواء كان الاستثناء من الحالف أم قاله غيره في المجلس ووافقه بشرط اتصال الكلام، وقد رحم الله المكلفين بإسقاط وجوب الوفاء بنذر الغضب، أو المعصية، أو ما لا يقدر عليه ويشق على النفس القيام به، وجعل بدلاً عن ذلك الكفارة.

الاستثناء


شرح حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستثناء.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث: أن كثير بن فرقد حدثه: أن نافعاً حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
يقول النسائي رحمه الله: الاستثناء. أي: الاستثناء في اليمين، والاستثناء في اليمين أن يقول معها: إن شاء الله، متصلاً بالكلام، كأن يقول: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فهذا هو الاستثناء في اليمين، ويترتب على هذا الاستثناء، أنه في سعة، إن شاء أن يفي وأن ينفذ ما حلف عليه، وإن شاء ألا يفعل فله ذلك ولا شيء عليه، فهو بالخيار وفي سعة من أمره إذا قال: إن شاء الله مع حلفه متصلاً به، والاستثناء في اليمين هو قول: إن شاء الله، كما أن الاستثناء في الإيمان أيضاً هو قول: إن شاء الله، يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، والمسألة مشهورة في علم التوحيد ومذهب أهل السنة والجماعة القول بذلك، ومقصودهم عدم التزكية لأنفسهم، وأما أصل الإيمان الذي هو الإسلام، فلا يستثنى فيه، فلا يقول: أنا مسلم إن شاء الله، بل يقول: أنا مسلم ويجزم، ولكن الإيمان هو كمال ودرجة فوق الإسلام، ولهذا يستثنون، ومن لم يستثن، فإنه يريد بالإيمان أصل الإسلام الذي لا يحتاج معه إلى استثناء، مثل قول الإنسان: أنا مسلم، فلا يحتاج إلى أن يقول: إن شاء الله؛ لأن كل من لم يكن كافراً، فهو مسلم، لكن ليس كل مسلم مؤمناً؛ لأن الإيمان درجة فوق الإسلام، ولهذا يستثنون في الإيمان، ولا يستثنون في الإسلام، وهذا استطراد بمناسبة ذكر الاستثناء في اليمين، أشرت فيه إلى الاستثناء في الإيمان، وقد أورد النسائي بعض الأحاديث في ذلك، منها: حديث ابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
أي: وجد منه الاستثناء الذي يجعله بالخيار في تنفيذ ما حلف عليه، أو في عدم تنفيذه؛ لأن الأمر واسع في حقه؛ فما دام رد الأمر إلى مشيئة الله، فهو إن نفذ كان ما حلف عليه، وإن لم ينفذ فإنه لا شيء عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كثير بن فرقد].
كثير بن فرقد، ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى..) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].
هو محمد بن منصور الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سفيان].
سفيان، ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى..) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فهو بالخيار: إن شاء أمضى، وإن شاء ترك)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو بلفظ: [(من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فهو بالخيار: إن شاء أمضى يمينه -ونفذها- وإن شاء ترك)]، ولم ينفذ؛ لأنه في سعة، وهذه الرواية فيها بيان وتوضيح نتيجة الاستثناء، وهي أن الإنسان الحالف بالخيار إذا استثنى في يمينه فقال: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإن شاء فعل وإن شاء ترك.

تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان، هو الرهاوي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عفان].
هو عفان بن مسلم الصفار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن وهيب].
هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهم.


إذا حلف فقال له رجلٌ: إن شاء الله، هل له استثناء؟


شرح حديث: (قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ...فلم يقل: إن شاء الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا حلف فقال له رجل: إن شاء الله، هل له استثناء؟أخبرنا عمران بن بكار حدثنا علي بن عياش أخبرنا شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله عز وجل، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا حلف فقال له رجل: إن شاء الله، فهل له استثناء؟ يعني: هل يكون مستثنياً مثل ما لو قال: والله إن شاء الله؟ هو قال: والله، فبادر رجل ممن سمعه وقال: إن شاء الله يريد منه أن يقول: إن شاء الله لتكون متصلة بيمينه، هل يكون مستثنياً؟ نعم، يكون مستثنياً؛ لأنه ما دام متصلاً بالكلام فيكون مستثنياً، ولكن لا يكون مستثنياً إذا مضى وقت على الاستثناء وانقطع الكلام، أما ما دام الإنسان يحلف، وعند حلفه بودر فقيل له: قل: إن شاء الله، أو قيل له: إن شاء الله تلقيناً يلقن إياها بأن يقولها، ويضيفها إلى يمينه ينفعه ذلك، فيكون مستثنياً، وفي سعة: إن أراد أن يفعل فعل، وإن ترك ترك ولا كفارة عليه؛ لأنه ما يعتبر حانثاً حتى تلزمه كفارة؛ لأن ذكر الاستثناء في اليمين يجعل الحالف في سعة: إن شاء أمضى، وإن شاء ترك، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر.
فإذاً قول: إن شاء الله لمن حلف في الحال، أو قيل له: قل: إن شاء الله، منجاة من الحنث إذا كان الكلام متصلاً.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل امرأةٍ منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقيل له: إن شاء الله)]، يعني: اذكر الاستثناء فلم يفعل، فلم تأت منهن إلا واحدة أتت بشق إنسان، تسعون امرأة ما حمل منهن أحد في ذلك الطواف الذي حصل في تلك الليلة، إلا واحدة أتت بشق إنسان، ولما تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصة وهذا الخبر عن سليمان عليه الصلاة والسلام، قال: [(وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)]، فكل واحدة تأتي بولد فيكونون تسعين شخصاً يجاهدون في سبيل الله بهذه اليمين التي حلفها سليمان بن داود، لو كان استثنى.
فالترجمة ذكرت من أجل أن الاستثناء هل ينفع أو لا ينفع؟ نعم ينفع، ومثله العطف، فلو قيل لإنسان: قل كذا، فأتى بشيء فعطف، فإن ذلك ينفع مثل ما جاء في حديث: (رحم الله المحلقين؟ قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟)، فالرسول بعد عدة مرات قال: (والمقصرين)، فدعا للمقصرين كما دعا للمحلقين، وكذلك الاستثناء أيضاً، مثل ما جاء في حديث قصة الإذخر، قال: (لا يفصل خلاها ولا يقطع شجرها، قال العباس: إلا الإذخر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر)، فإذا لقن إنسان شيئاً، وكلامه متصل ليستثني إن شاء الله، أو ليضيف بإن شاء الله، فإن هذا متصل بالكلام وسائغ، وفي الحديث دلالة على ما كان عليه سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام من القوة في الجماع، لطوافه على تسعين امرأة في ليلة واحدة، فيه: أن الاستثناء أو تلقين الاستثناء ينفع إذا كان متصلاً بالكلام، ومثل هذا: لو أن الإنسان حلف ثم أصابه سعال أو عطاس متواصل، فإن له أن يستثني بعد الفراغ من السعال أو العطاس؛ لأن الفاصل ضروري بخلاف ما لو حلف ثم سكت، ثم بعد مدة قال: إن شاء الله، هذا ما ينفع، وإنما ينفع لو كان متصلاً.
ثم قوله عليه الصلاة والسلام: [(وايم الله، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا جميعاً فرساناً في سبيل الله)]، أي: التسعون غلاماً من تسعين امرأة، ليس فيه دليل على أن من حلف مثل هذا الحلف واستثنى، أنه يحصل له ذلك الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه خاصة بسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، ولا يلزم من هذا أن كل من حلف على مثل هذا أن يأتيه بذلك ولد أو أولاد؛ لكونه استثنى؛ لأن هذا إنما حصل في قصة سليمان، فلا يقال: إن غيرها يكون مثلها، ولو حصل من أحد من الناس مثل ذلك فلا يقال: إن هذا يكون مثل قصة سليمان؛ لأن هذا الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام خاص بـسليمان، فلا يشمل كل أحد.
وسليمان عليه الصلاة والسلام حينما لم يقل: إن شاء الله، ليس إعراضاً منه عن الإتيان بالاستثناء، لكن لعله انشغل بما هو منهمك فيه، وما هو منشغل به من حب الجهاد في سبيل الله والرغبة فيه، فلعله حصل له شيء أذهله، وشغله عن ذلك، وإلا فإنه لا يعرض عن مثل هذه الكلمة وقولها.
وقوله: [حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث به]، يعني: كأنه معه غيره من الأحاديث، فهو متصل؛ لأن أبا الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، سلسلة ذهبية على أحد أقوال العلماء في أنها أصح الأسانيد.
قوله: [(وايم الذي نفس محمد)].
أيم هي: أيمن، فهي حذفت منها النون وبقي الباقي.

تراجم رجال إسناد حديث: (قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ...فلم يقل إن شاء الله...)

قوله: [أخبرنا عمران بن بكار].عمران بن بكار، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن علي بن عياش].
علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
وهو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن الأعرج].
عبد الرحمن الأعرج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر باسمه ولقبه، وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني يلقب: بـالأعرج.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


كفارة النذر


شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كفارة النذر.أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كفارة النذر كفارة اليمين)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كفارة النذر. النذر إذا كان طاعة، وأمكن الوفاء به، فإنه لا بد من الوفاء به، وأما إن كان معصية، أو كان لا يستطاع، أو لا يملكه الإنسان، فإنه يكفر كفارة يمين عن هذا النذر الذي حصل منه، وفيه ما لا يجوز أن ينذر، فالنذر له حالتان: حالة لا بد من الوفاء به فيها، وهو أن يكون في طاعة حيث يكون مقدوراً عليه، والثاني: أن يكون في معصية، أو يكون غير مقدور عليه، وفي ذلك يكون على الناذر كفارة يمين. ثم أورد النسائي جملة من الأحاديث التي تحت هذه الترجمة، أولها: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: [(كفارة النذر كفارة اليمين)]، وهذا لفظ مطلق، المقصود منه: الشيء الذي لا يمكن فيه الوفاء، فالكفارة فيه كفارة يمين، والشيء الذي يمكن فيه الوفاء لكونه طاعة، ولكونه مقدوراً على تنفيذه، فإنه يجب الوفاء به، (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، ولكن عليه الكفارة لهذه اليمين التي عقدها، وهي في غير طاعة، بل في معصية، عليه أن يكفر عن هذا النذر بكفارة يمين، وكفارة اليمين هي ما ذكرها الله عز وجل في القرآن، تخيير بين: العتق أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يستطع انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، وكما ذكرت بالأمس أن كفارة اليمين هي الكفارة الوحيدة التي جمع فيها بين التخيير والترتيب؛ لأن الكفارات الأخرى إما ترتيب محض، وإما تخيير محض، فترتيب المحض مثل: كفارة الظهار، وكفارة الإفطار في رمضان بالجماع، وكفارة القتل، وهذا الترتيب: عتق، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، وهذا بالنسبة للقتل؛ ولا يوجد شيء ثالث الذي هو إطعام ستين مسكيناً، وفي الظهار والجماع في نهار رمضان عتق، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكنياً، وأما التخيير المحض فمثل: كفارة اللبس في الإحرام، أو حلق الرأس وإماطة الأذى عنه، فصاحب هذا المحظور مخير بين ثلاثة أشياء: إما أن يذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أما كفارة اليمين فقد جمع فيها بين التخيير والترتيب، فهو تخيير بين العتق والإطعام والكسوة، وترتيب للصيام بعدهما إذا لم يستطع العتق أو الإطعام أو الكسوة.

تراجم رجال إسناد حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)

قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان].هو أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[و الحارث بن مسكين].
الحارث بن مسكين، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة].
وقد مر ذكرهما.
[عن كعب بن علقمة].
صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن عبد الرحمن بن شماسة].
عبد الرحمن بن شماسة، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة: (لا نذر في معصية)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري: أنه بلغه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية)].أورد النسائي حديث عائشة: [(لا نذر في معصية)]، وليس فيه شاهد للترجمة؛ لأن الترجمة هي: كفارة اليمين، وهذا اللفظ لا ذكر للكفارة فيه، وإنما فيه النهي عن النذر في المعصية، والنهي عن النذر مطلقاً ثابت، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن النذر وقال: (لا تنذروا)، ولكنه إذا كان في معصية، فالنهي من جهتين: من جهة النذر أنه منهي عنه، ومن جهة المعصية أنه لا يجوز للإنسان أن ينويها، أو يلزم نفسه بها بنذر أو بغيره، بل عليه أن يبتعد عن المعاصي.
والحديث الذي معنا وهو: [(لا نذر في معصية)]، ثابت في النهي عن النذر في المعصية.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا نذر في معصية)

قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].كثير بن عبيد، وهو الحمصي ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن محمد بن حرب].
وهو محمد بن حرب الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبيدي].
وهو محمد بن الوليد الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه بلغه عن القاسم].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: بلغه، معناه: أن هناك واسطة محذوفة؛ لأنه لا يوجد اتصال بهذا اللفظ.
[عن عائشة].
وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق ثانية، وفيه الشاهد للترجمة، وهو [(لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)]، أي: كفارة النذر في المعصية كفارة يمين، ومعناه: أن الإنسان إذا نذر نذر معصية، وجبت عليه كفارة، ولعل من فوائد ذلك: أن لا يعود الإنسان نفسه النذر مطلقاً، بل من باب أولى أن يكون في معصية، فيكون ذلك فيه عقوبة بشيء مالي يتعين عليه إخراجه، فيجعله لا يفكر في المستقبل أن يفعل مثل هذا الفعل الذي يترتب عليه إخراج شيء من المال؛ لأنه معصية، والعزم على المعصية والحلف عليها، أو إلزام النفس بها أمر منكر يترتب على ذلك لزوم الكفارة: كفارة يمين، فيكون ذلك رادعاً له في المستقبل في أن ينذر مثل هذا النذر، وليس هو مجرد كلام قيل وانتهى، بل له تبعة، وعليه شيء مادي لا بد أن يخرجه من ماله، فيكون ذلك من الأسباب التي تردع وتمنع من الإقدام على مثل هذا العمل المنكر.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #854  
قديم 18-09-2022, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس].مر ذكرهما.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن أبي سلمة].
ابن شهاب، مر ذكره، أبو سلمة هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن عائشة].
عائشة، وقد مر ذكرها.

حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].
هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن يحيى بن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق رابعة، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
هو: إسحاق بن منصور بن بهرام الملقب بـالكوسج، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[عن عثمان بن عمر].
هو: عثمان بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو صفوان عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)، قال أبو عبد الرحمن: وقد قيل: أن الزهري لم يسمع هذا من أبي سلمة].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صفوان].
وهو أبو صفوان عبد الله بن سعيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
[قال أبو عبد الرحمن: وقد قيل: إن الزهري لم يسمع هذا من أبي سلمة].
وقول أبي عبد الرحمن: هذا لا يؤثر؛ لأن كفارة النذر كفارة يمين ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من هذا ومن غيره.

حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي حدثنا أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب حدثنا أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا هارون بن موسى الفروي].
هارون بن موسى الفروي، لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن أبي ضمرة].
وهو أنس بن عياض، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.

حديث عائشة: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس حدثني سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم: أن يحيى بن أبي كثير الذي كان يسكن اليمامة حدثه: أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين)، قال أبو عبد الرحمن: سليمان بن أرقم متروك الحديث والله أعلم، خالفه غير واحد من أصحاب يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي].
ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن أيوب بن سليمان].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي بكر بن أبي أويس].
هو عبد الحميد بن عبد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن سليمان بن بلال].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي عتيق].
هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[و موسى بن عقبة].
وموسى بن عقبة، يعني: مع هذا المقبول، وهو ثقة، إمام في المغازي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[عن سليمان بن أرقم].
وقد قال النسائي: إنه متروك، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
وهذا الإسناد من اطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من العشاريات.
فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأطولها وأنزلها: العشاريات التي هي: عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم هنا في الإسناد إحدى عشر إلا إن اثنين في طبقة واحدة، محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، يروي عنهم تلميذ لهم، ويروون معاً عن شيخ لهم، فالمجموعة إحدى عشر، إلا أن الذي في الإسناد من حيث الطبقات هم عشرة، وهو أطول إسناد عند النسائي.
وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا في فضل (قل هو الله أحد)، فيه عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي عنده: هذا أطول إسناد، يعني: أنه من أطول الأسانيد، وهذا الذي معنا في الإسناد هو مثل ذاك، فإذاً يقال له: عشاري، والحديث فيه ضعيف، لكن كما هو معلوم: متنه ثابت في الأحاديث الصحيحة الأخرى.
قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي].
ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن أيوب بن سليمان].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي بكر بن أبي أويس].
هو عبد الحميد بن عبد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن سليمان بن بلال].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي عتيق].
هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[و موسى بن عقبة].
وموسى بن عقبة، يعني: مع هذا المقبول، وهو ثقة، إمام في المغازي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[عن سليمان بن أرقم].
وقد قال النسائي: إنه متروك، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
وهذا الإسناد من اطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من العشاريات.
فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأطولها وأنزلها: العشاريات التي هي: عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم هنا في الإسناد إحدى عشر إلا إن اثنين في طبقة واحدة، محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، يروي عنهم تلميذ لهم، ويروون معاً عن شيخ لهم، فالمجموعة إحدى عشر، إلا أن الذي في الإسناد من حيث الطبقات هم عشرة، وهو أطول إسناد عند النسائي.
وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا في فضل قل هو الله أحد ، فيه عشرة أشخاص بين النسائي ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي عنده: هذا أطول إسناد، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد مثل ذاك، فإذاً يقال له: عشاري، والحديث فيه ضعيف، لكن متنه كما هو معلوم ثابت في الأحاديث الصحيحة الأخرى.
حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن ابن المبارك وهو علي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو مثل حديث عائشة المتقدم: [(لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)].
قوله: [عن وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المبارك وهو علي].
هو علي بن المبارك، غير عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي].
يحيى بن أبي كثير، وقد مر ذكره، ومحمد بن الزبير الحنظلي التميمي، وقد قال عنه النسائي: إنه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، وقال الحافظ عنه في التقريب: متروك، أخرج له أبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن أبيه].
وهو الزبير التميمي الحنظلي، لين الحديث، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عمران بن حصين].
هو عمران بن حصين أبو نجيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن أبي عمرو وهو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن بقية].
هو بقية بن الوليد، صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عمرو وهو: الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين].
وقد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن ميمون حدثنا معمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة اليمين)، قال أبو عبد الرحمن: محمد بن الزبير ضعيف لا يقوم بمثله حجة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق ثالثة، وفيه: [(لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين)]، (لا نذر في غضب)، يعني: في شيء يدفع عليه الغضب، ومن المعلوم: أنه إذا وجد النذر، وكان طاعة، فعليه أن يفي به، وإن كان معصية أو كان لا يستطاع فكفارته كفارة يمين كما عرفنا ذلك من قبل.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا علي بن ميمون].هو علي بن ميمون الرقي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن معمر بن سليمان].
معمر بن سليمان الرقي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن عبد الله بن بشر].
عبد الله بن بشر، هذا قال فيه ابن حجر كلاماً طويلاً، وقد اختلف فيه قول ابن معين، وابن حبان.
وعن أبي زرعة والنسائي: لا بأس به، وحكى البزار أنه ضعيف في الزهري خاصة.
لا بأس به تعادل رتبة صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
[عن يحيى بن أبي كثير عن محمد الحنظلي عن أبيه عن عمران].
وقد مر ذكر هؤلاء، محمد الحنظلي هو ابن الزبير الذي مر في الإسنادين السابقين.
ووالد عمران ذكره ابن حجر وقال: حصين بن عبيد الخزاعي والد عمران صحابي لم يصب من نفى إسلامه، أخرج له النسائي وحده.
إذاً: يقال عند ذكر عمران بن حصين: رضي الله عنهما.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا الحسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة اليمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].
هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن الحسن بن موسى].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شيبان].
هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران].
وقد مر ذكر الأربعة.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة أخبرنا حماد عن محمد عن أبيه عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة اليمين)، وقيل: إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران بن حصين].أورد النسائي الحديث من طريق خامسة، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا قتيبة عن حماد].
قتيبة، مر ذكره، حماد ، ابن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء قتيبة يروي عن حماد، وحماد غير منسوب فالمراد به: ابن زيد.
[عن محمد عن أبيه عن عمران].
محمد، وهو ابن الزبير عن أبيه عن عمران، وقد مر ذكرهم.
هنا قال: قيل: إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران.
وعلى كل هو نفسه محمد بن الزبير ضعيف أو متروك، لا تقوم به حجة، ولكن العمدة على الأحاديث الأخرى.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #855  
قديم 18-09-2022, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث عمران بن حصين: (النذر نذران..) من طريق سادسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن إسحاق عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل من أهل البصرة أنه قال: صحبت عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (النذر نذران: فما كان من نذرٍ في طاعة الله، فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذرٍ في معصية الله، فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين)].ثم أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وفيه التفصيل بالنسبة للنذر، أن النذر يكون في طاعة، ويكون لله عز وجل، ويجب الوفاء به، وما كان معصية فهو للشيطان، ولا يوفى به، ولكن عليه كفارة يمين، وهذا متفق مع ما تقدم من جهة أن نذر الطاعة يجب الوفاء به، ونذر المعصية لا يوفى به، وتجب فيه الكفارة.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين: (النذر نذران...) من طريق سادسة

قوله: [أخبرني محمد بن وهب].هو محمد بن وهب الحراني، صدوق، أخرج حديثه النسائي.
[عن محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهذا في طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهو غير محمد بن سلمة المرادي المصري الذي هو من شيوخ النسائي؛ لأنه إذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فالمراد به: المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني، عن..
[عن ابن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل من أهل البصرة عن عمران بن حصين].
وهذا فيه أن هناك واسطة بين الزبير وعمران بن حصين، وقد جاء في بعض الروايات أن ذلك الرجل هو الحسن البصري، وهو من أهل البصرة، والحسن البصري كما هو معلوم ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة يمين) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن محمد بن الزبير الحنظلي أخبرني أبي: (أن رجلاً حدثه أنه سأل عمران بن حصين رضي الله عنهما عن رجل نذر نذراً لا يشهد الصلاة في مسجد قومه، فقال عمران: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نذر في غضبٍ، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق سابعة، وهو مثل ما تقدم، وفيه ذكر السبب وأنه غضب، وقال: إنه لا يشهد الصلاة في مسجد قومه، فقال: إن عليه كفارة يمين.
قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].
هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وقد مر ذكره.
[عن مسدد].
هو مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن عبد الوارث].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل عن عمران].
وقد مر ذكرهم.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية ولا غضب ...) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو داود حدثنا سفيان عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية ولا غضب، وكفارته كفارة يمين)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى: [(لا نذر في معصيةٍ ولا غضب، وكفارته كفارة يمين)].
قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
هو أحمد بن حرب الموصلي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي داود].
وهو: عمر بن سعد الحفري الكوفي، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سفيان الثوري].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين].
محمد بن الزبير والحسن، وهذا فيه: أن محمد بن الزبير يروي عن الحسن، ومحمد بن الزبير هو الذي مر بنا أنه متروك.
لكن هناك كان عن أبيه عن رجل من أهل البصرة، وهنا محمد بن الزبير عن الحسن، وليس فيه الأب.
فما ندري هل هو يروي عنه أو أنه سقط منه الأب، وعلى كل حال محمد بن الزبير لا عبرة به.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هلال بن العلاء حدثنا أبو سليم وهو عبيد بن يحيى حدثنا أبو بكر النهشلي عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في المعصية، وكفارته كفارة اليمين)، خالفه منصور بن زاذان في لفظه].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق تاسعة، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا هلال بن العلاء].
هلال بن العلاء، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي سليم].
وهو عبيد بن يحيى ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[عن أبي بكر النهشلي].
أبو بكر النهشلي هو عبد الله بن قطاف، صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين].
وقد مر ذكرهم.

حديث عمران بن حصين: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك..) من طريق عاشرة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أخبرنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية الله عز وجل)، خالفه علي بن زيد فرواه عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، ولكن لفظه يختلف عما تقدم: [(لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية الله)]، وهذا ثابت، وليس فيه ذكر محمد بن الزبير الذي فيه ضعف، بل جاء بدله منصور بن زاذان، وهو ثقة، عابد.
قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن هشيم].
هو: هشيم بن بشير الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو: منصور بن زاذان، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل عنه لعبادته وطاعته: لو قيل لـمنصور بن زاذان: أن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً؛ لأنه مداوم على العبادة والطاعة.
[عن الحسن عن عمران بن حصين].
وقد مر ذكرهما.

حديث عبد الرحمن بن سمرة: (لا نذر في معصية ...) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن محمد بن علي حدثنا خلف بن تميم حدثنا زائدة حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا نذر في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك ابن آدم)، قال أبو عبد الرحمن: علي بن زيد ضعيف، وهذا الحديث خطأ، والصواب: عمران بن حصين، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من وجه آخر].أورد النسائي الحديث عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، فقال النسائي: إنه خطأ والصواب: عمران بن حصين، يعني بدل عبد الرحمن بن سمرة.
قوله: [أخبرنا علي بن محمد بن علي].
علي بن محمد بن علي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خلف بن تميم].
خلف بن تميم، صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن زائدة].
هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن زيد بن جدعان].
هو علي بن زيد بن جدعان، ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة].
الحسن، وقد مر ذكره، عن عبد الرحمن بن سمرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

حديث عبد الرحمن بن سمرة: (لا نذر في معصية..) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثني أيوب أخبرنا أبو قلابة عن عمه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك بن آدم)].أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو بلفظ: [(لا نذر لابن آدم في معصية الله، ولا فيما لا يملك)].
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة].
وقد مر ذكر هؤلاء إلا أبا قلابة، وهو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، كثير الإرسال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمه].
هو أبو المهلب الجرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين، وقد مر ذكره.


ما الواجب على من أوجب على نفسه نذراً فعجز عنه؟


شرح حديث: (رأى النبي رجلاً يهادى بين رجلين ... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما الواجب على من أوجب على نفسه نذراً فعجز عنه؟أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا حماد بن مسعدة عن حميد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يهادى بين رجلين، فقال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه، مره فليركب)].
يقول النسائي رحمه الله: ما الواجب على من نذر أو من أوجب على نفسه نذراً لا يطيقه؟ الجواب على هذا السؤال الذي في الترجمة: أنه يفعل الشيء الذي يطيقه، ولكن عليه كفارة يمين كما سبق في بعض الأحاديث المطلقة: (كفارة النذر كفارة يمين)، إذا كان غير قادر عليه، أو كان في معصية، أما إذا كان قادراً عليه، وهو طاعة لله عز وجل فيجب عليه الوفاء به، ولا يغني عنه أن يكفر.
أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ يهادى بين رجلين)]، معناه: معتمد على اثنين، لا يستطيع أن يمشي بمفرده من شدة التعب، والنصب، والمشقة، [(فقال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال عليه الصلاة والسلام: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه)]، يعني: كونه نذر أن يتقرب إلى الله عز وجل بهذه القربة، وهو بذلك يعذب نفسه، بهذا الذي نذره، كونه يمشي على هذا الوضع وعلى هذه الهيئة التي هي ظاهرة في الإنهاك والمشقة، ثم قال: [(مره فليركب)]، أي: لا ينفذ الشيء الذي لا يطيقه، والذي يلحقه به مضرة شديدة يصل فيها إلى مثل هذا الوضع الذي جاء في الحديث، قال: (مره فليركب)، ولكن عليه كفارة يمين، كما جاء في بعض الأحاديث الأخرى الدالة على أن كفارة النذر كفارة يمين، وهو حديث مطلق، وكذلك في بعض الأحاديث الأخرى التي فيها: (من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر معصية فكفارته كفارة يمين).
الحاصل: أن عليه أن يفعل الشيء الذي يطيقه، ولا يعذب نفسه بإتعابها بشيء لا تطيقه، ولكن عليه كفارة يمين، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه قصة أخت عقبة بن عامر التي قال: (مرها فلتمش ولتركب)، تمشي ما أمكنها أن تمشي، وتركب إذا عجزت، ولكن عليها إذا ركبت لعجزها كفارة يمين.

تراجم رجال إسناد حديث: (رأى النبي رجلاً يهادى بين رجلين ... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن حماد بن مسعدة].
حماد بن مسعدة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث: (مر رسول الله بشيخ يهادى... قال: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيخٍ يهادى بين اثنين، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه، مره فليركب، فأمره أن يركب)].أورد النسائي حديث أنس من طريق ثانية، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد عن ثابت عن أنس].
وقد مر ذكرهم.

حديث أنس: (أتى رسول الله على رجل يهادى ... فقال: إن الله لا يصنع بتعذيب هذا نفسه شيئاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجلٍ يهادى بين ابنيه، فقال: ما شأن هذا؟ فقيل: نذر أن يمشي إلى الكعبة، فقال: إن الله لا يصنع بتعذيب هذا نفسه شيئاً، فأمره أن يركب)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص].
هو أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد، صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبيه]. وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، بزيادة ابن ماجه على الذين رووا عن ابنه.
[عن إبراهيم بن طهمان].
إبراهيم بن طهمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد الطويل عن أنس بن مالك].
وقد مر ذكرهما.


الاستثناء


شرح حديث: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستثناء.أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فقد استثنى)].
أورد النسائي الاستثناء، وهذه الترجمة مكررة سبق أن مرت قريباً بلفظ الاستثناء، وأورد النسائي حديث أبي هريرة: [(من حلف فقال في يمينه: إن شاء الله فقد استثنى)]، أي: يكون بهذا الاستثناء في سعة من أمره وبالخيار: إن شاء نفذ، وإن شاء لم ينفذ ولا كفارة عليه؛ لأنه باستثنائه تخلص من تبعة اليمين إذا أراد ألا ينفذها؛ لأنه أسند الأمر إلى مشيئة الله عز وجل، فإن شاء ذلك الإنسان أن يمضي أمضى حيث يكون طاعة، وإن شاء لم يمض ما حلف عليه، ولا كفارة عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى)

قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].نوح بن حبيب، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
معمر بن راشد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس].
هو عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (...لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال سليمان: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهن، فلم تلد منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، وأنه قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل واحدةٍ منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فلم تأت منهن إلا واحدةٌ أتت بشق غلام، قال عليه الصلاة والسلام: لو قال: إن شاء الله لم يحنث).
قوله: [(لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)]، يعني: أدرك حاجته وحصل ما يريد، وهو ذلك الشيء الذي حلف عليه وهو إتيان أولاد بهذا العدد يجاهدون في سبيل الله، وقد ورد الحديث من طريق أخرى وفيه: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)، أي: هؤلاء التسعون الذين تأتي هؤلاء هذه النسوة التسعون، والحديث سبق أن مر بنا، وعرفنا أن من فقهه ما أعطى الله سليمان من القوة بحيث يطوف في ليلة واحدة على تسعين امرأة، وكذلك أيضاً الحرص على الجهاد في سبيل الله، وكان هذا الحرص هو الذي دفعه إلى هذا، ليأتي له أولاد يجاهدون في سبيل الله، وفيه: الاستثناء لليمين، وأن الإنسان يستثني في يمينه، وهذا يدلنا على أن الاستثناء إذا أضيف إلى اليمين ولو كان عن طريق التلقين فأتى به فإنه ينفع؛ لأن الكلام متصل، وقد سبق أن مر بنا ذكر هذا الحديث في ترجمة سابقة، وأن الاستثناء ينفع في مثل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: [(لو قال: إن شاء الله)]، فدل على أنه لو أخذ بهذا الذي ذكر به، أو ذكر له، نفعه، وسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام لم يعرض عن الاستثناء رغبة عنه، وإنما لعله لما انشغل بالجهاد في سبيل الله، والحرص على إيجاد المجاهدين في سبيل الله عز وجل، ثم أيضاً ليس في الحديث دليل على أن من حلف على أن يطأ نساءه، وأن تأتي كل واحدة منهن بولد أو كذا، أن ذلك يتحقق؛ لأن هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصية بحق سليمان بن داود، فلا يقال: إن إنساناً لو حلف مثل هذا الحلف واستثنى، فإنه يحصل له ما يريد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً في سبيل الله)؛ لأن هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يأتي هذا العدد، [(لو قال: إن شاء الله)]، إنما هو خاص بهذه القصة، ولا يقال: إن كل شيء يشبهها يكون مثلها في أنه يحصل له ما يريد، فإن ذلك ليس بلازم، وليس بمتعين.

تراجم رجال إسناد حديث: (...لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)


قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم].هو العباس بن عبد العظيم العنبري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة].
وكل هؤلاء مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
قوله: [عن أبي هريرة رفعه]، هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، يعني: رفعه أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمة (رفعه) كناية عن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثلها: يرفعه، ينميه، يبلغ به، كل هذه عبارات تدل على الرفع، وهي تقوم مقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا.


الأسئلة


وكيل الشراء مؤتمن على الثمن والمثمن

السؤال: جزاك الله خيراً، رجل كلف رجلاً آخر بشراء بضاعة معينة بثمن معين، وأعطى له المال مقدماً، فاشترى له البضاعة المعينة بأقل من الثمن المعين، فهل له أن يأخذ ما تبقى من المال بدون إبلاغ صاحبه؟

الجواب: لا، لا يجوز له ذلك؛ لأنه ما دام أنه أعطاه ليشتري بهذا السعر، وتبين أن السعر أنقص، وبقي من الذي دفعه له شيء، فإن عليه أن يرجعه إليه.


من استثنى في حلفه ونوى بقلبه ألا يفعله

السؤال: إذا حلف واستثنى، لكن نوى في قلبه ألا يفعله، هل هذا جائز؟

الجواب: الاستثناء موجود، لكن ما فائدته ما دام أنه لا يريد أن يفعل، معناه: أنه عندما حلف وقال: إن شاء الله، وهو لا يريد أن يفعل وفي نيته ذلك من أجل أن غيره يسمع حلفه وتأكيده لذلك الشيء، وإن كان لا يريد أن يفعل، لا بأس بذلك؛ لأنه يمكن للإنسان أن يحلف على شيء يريد أن يخوف به إنساناً، كأن يخوف ولده، ويحلف بأنه سيفعل كذا، وهو لا يريد أن يفعل، وإنما يقصد من وراء ذلك التخويف، فهو مستثن ولا كفارة عليه، وإن كان ناوياً أنه لا يفعل، وإنما أتى باليمين وأضاف إليها الاستثناء ليخوف، أو ليرغب ذلك الشخص الذي يخاطبه، لا سيما إذا كان ابنه يريد أن يستفيد من هذا الحلف، ويحقق ما يريد وهو لا يفعل الشيء الذي حلف عليه، وهو يريد ألا يفعل، فهذا لا بأس بذلك.


مدعم صحابي ولو حصلت منه المعصية


السؤال: في حديث سبق عن مدعم، هل مدعم في حديث أبي هريرة يعد من جملة الصحابة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (إنه في النار)؟

الجواب: لا شك أنه من جملة الصحابة؛ وكونه ارتكب معصية لا يخرجه عن أن يكون صحابياً، ولكن هذا يدل على خطورة الغلول من الغنيمة، ولو كان شيئاً يسيراً، فهو صحابي، وإن كان حصلن له هذه المعصية.


قول: بأبي وأمي تحتمل القسم، وتحتمل التفدية

السؤال: قول: بأبي وأمي هل هو من الحلف بغير الله؟

الجواب: إذا كان المقصود به اليمين فهو يمين، وإن كان المقصود به الفداء أو التفدية، فلا يكون يميناً؛ لأنه مر بنا أن قول: بأبي وأمي بمعنى: مفدى بأبي وأمي، فإذا كان المقصود به ذكر التفدية، فهذا ليس من قبيل القسم بشيء، وإن كان المقصود به اليمين والقسم، فهو حلف بغير الله، وهو لا يجوز.


الوفاء بنذر الطاعة والكفارة بنذر المعصية


السؤال: بالنسبة لنذر الغضب، أحياناً يكون نذراً في طاعة؟
الجواب: الحديث الذي فيه ذكر الغضب فيه كلام فيه محمد بن الزبير ، لكن إذا وجد من الإنسان النذر، فإنه يجب عليه الوفاء إن كان طاعة، وإن كان معصية يكفر كفارة يمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #856  
قديم 18-09-2022, 12:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإيمان والنذور

(481)

- باب الثالث من الشروط في المزارعة والوثائق - باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع



شرع لمن استأجر أجيراً أن يعلمه أجره قبل الشروع في العمل، ومن استأجر أجيراً على طعامه سنة وسنة أخرى على شيء آخر جاز له ذلك؛ لأن هذا فيه معلومية المدة والأجرة إلا أنها تكون في سنة كذا وفي السنة الثانية كذا.

كتاب المزارعة. الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق



شرح أثر أبي سعيد: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب المزارعة. الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق.أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن شعبة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)].
أورد النسائي كتاب المزارعة، وجاء في أول باب فيه الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق.
الأحاديث التي ستأتي تتعلق بالمزارعة، وبعض النسخ فيها: كتاب المزارعة، وبعضها فيها هذا الباب بهذه الصيغة، وعلى هذا فيكون تابعاً للكتاب الذي قبله، الذي هو كتاب الأيمان والنذور، ولهذا فإن الذين وضعوا الفهارس جعلوا هذا باباً من أبواب كتاب الأيمان والنذور، وأحالوا على كتاب الأيمان والنذور؛ لأنه جاء فيه: الثالث من الشروط فيه المزارعة والوثائق، وكلمة الثالث هذه تفيد بأنه متصل بما قبله، وأنه تابع لما قبله، قال المحشي: وكأنه اعتبر أن أبواب النذور وأبواب الأيمان أنها قسمين، وجاء بعدها الثالث الذي يتعلق بالمزارعة والوثائق؛ قال: لأن كلاً منهما فيه تعليق؛ لأن الشروط فيه تعليق، والنذر فيه تعليق، واليمين يعني يكون فيه تعليق، يكون تعليقاً على شيء، فكأن الكل من باب واحد، من جهة أن كلاً فيه تعليق، وإن كان هذا الذي هو كتاب الأيمان شيئاً مستقلاً، والنذور شيء مستقل، والمزارعة شيء مستقل، إلا أن صلة النذور بالأيمان واضحة جلية؛ لأن بينهما تشابهاً وارتباطاً في الأحكام، لا سيما في الكفارة، كفارة النذر وكفارة اليمين، وأما المزارعة فلا ارتباط لها بالأيمان والنذور، لكن الذي جعل المحشي يقول هذا، أنه قال: الثالث من الشروط، ومعناه أنه تابع لشيء متقدم، ولم يتقدم إلا الأيمان والنذور، قال: فكأنه اعتبر الأيمان والنذور الأول والثاني، والثالث من الشروط المزارعة والوثائق، بجامع أن الذي يجمع بينها كلها أنها كلها فيها تعليق، وكلها فيها شروط، وكلها معلق بشرط أو معلق بشيء، اليمين تكون معلقة في الغالب، والنذر كذلك يكون معلقاً في الغالب، والمزارعة فيها تعليق وشروط، والأحاديث التي ستأتي كلها في المزارعة.
والمزارعة هي إعطاء الأرض لمن يزرعها بشيء معلوم النسبة مما يخرج منها، يعني من ثلث أو ربع أو خمس أو سدس أو ما إلى ذلك، هذه هي المزارعة، وكثيراً ما يأتي في كتب الحديث والفقه الجمع بين المزارعة والمساقاة، والمساقاة هي دفع الشجر لمن يسقيه وله جزء معلوم النسبة من الثمرة، يعني ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك، فالمزارعة تتعلق بالزرع والأرض التي تزرع، ويكون للزارع جزء معلوم النسبة من النتاج، والمساقاة تتعلق بالشجر الموجود الذي يحتاج إلى سقي، ويكون للساقي جزء معلوم النسبة من ثمرة ذلك الشجر، فالمزارعة إنما هي على الأرض البيضاء تزرع، والمساقاة إنما تكون على الشجر الموجود الذي له ثمر، ويسقى بجزء معلوم النسبة مما يخرج منه.
والأحاديث الصحيحة دلت على ثبوت المساقاة والمزارعة، فكل منهما ثابت، وكل منهما جاء فيه أحاديث، ومن أوضح ما جاء: أحاديث معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، لليهود، حيث أبقاها على النصف مما يخرج منها، على أن لهم النصف من الثمرة، وهذه المساقاة، وكذلك المزارعة، يعني إذا زرع يعني مع الثمر أو مع النخل فإنه أيضاً يكون على النصف، وكذلك لو كانت الأرض بيضاء واستؤجرت لزرعها على أن يكون للزارع جزء معلوم النسبة مما يخرج منها، كل ذلك صحيح وسائغ.
أورد النسائي أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا استأجر أحدكم أجيراً فليعلمه أجره.
يعني: يخبره بالأجرة، ويتفق معه على الأجرة، وهذا أمر لا بد منه.
يعني أن الإنسان عندما يستأجر فالذي ينبغي له أنه يتفق معه على مقدار الأجرة حتى لا يحصل لبس، وحتى لا يحصل خلاف، ولو حصل خلاف فإنه يرجع إلى أجرة المثل حيث لا تعين، لكن تعيينها يقطع النزاع ولا يحتاج الناس إلى أن يرجعوا إلى أجرة المثل، ولا إلى الخبرة، ولا يكون بينهم شقاق ونزاع، ولهذا يعرفون المؤاجرة بأنه لا بد فيها من بيان الأجر بأجرٍ معلوم، يعني أن تشتمل على عمل معلوم وعلى أجر معلوم.
قوله: (إذا استأجرت أجيراً) قد يكون عاماً في عموم الإجارة، وقد يكون خاصاً حيث وضعه النسائي في المزارعة، والذي يبدو أنه عام يعني في المزارعة وغيرها، أي أنه يشمل المزارعة ويشمل غير المزارعة.

تراجم رجال إسناد أثر أبي سعيد: (إذا استأجرت أجيراً فأعلمه أجره)


قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن حبان].
حبان، هو: حبان بن موسى المروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .
[عن عبد الله].
عبد الله، هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو: حماد بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم هو: ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، الفقيه، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد].
هو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أن إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد، وعلى هذا فيكون مرسلاً، ويكون منقطعاً.

شرح أثر الحسن البصري: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)].أورد النسائي أثراً عن الحسن البصري، وهو مثل ما تقدم، أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره، يعني: قطعاً للنزاع، ولكنه لو لم يعلمه أجره وأعطاه وأرضاه فإنه لا بأس بذلك، المحظور هو ما يحصل من التنازع والخصومات بسبب عدم التعيين، والأصل هو أن يعين وأن يبين، لكنه إذا لم يبين فيصار إلى أن يعطيه ويرضيه أو يرجع في ذلك إلى أجرة المثل؛ لأنه إذا حصل الخلاف فلا بد من فصل الخلاف، لكن المطلوب هو الحيلولة دون وجود الخلاف الذي ينشأ ويطرأ وذلك بأن يتفق معه على أجرٍ عند الدخول وعند الاتفاق.
وهذا أثر أن الحسن كره أن يستأجر أجيراً حتى يعلمه بأجره، أي يسمي له الأجر ويتفق معه عليه قطعاً للنزاع.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري: (أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره)

قوله: [أخبرنا محمد].محمد هو محمد بن حاتم الذي مر ذكره.
[عن حبان].
في تحفة الأشراف: سويد بن نصر بدل حبان.
وعلى كل فهذا لا يؤثر، سواء كان سويداً أو كان حبان فكل منهما ثقة، يعني سويد بن نصر المروزي وحبان بن موسى المروزي كل منهما ثقة، إلا أن حبان بن موسى أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأما سويد بن نصر فأخرج له الترمذي والنسائي.
[عن عبد الله عن حماد بن سلمة].
عبد الله مر ذكره، وحماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يونس].
هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر حماد بن أبي سليمان في استئجار الأجير على طعامه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أنبأنا عبد الله عن جرير بن حازم عن حماد -هو ابن أبي سليمان -: أنه سئل عن رجل استأجر أجيراً على طعامه؟ قال: لا، حتى تعلمه].أورد النسائي أثراً عن حماد بن أبي سليمان: أن رجلاً استأجر أجيراً على طعامه يعني: الأجرة طعامه، الطعام الذي يقدم له يأكله هذه أجرته، فقال: لا، حتى تعلمه، يعني: يعلمه بالطريقة التي يتم بها إعطاؤه الطعام، هل يأكل معه ويطعمه من طعامه، أو أنه يطعمه طعاماً يخصه؟ ثم أيضاً مقدار الطعام الذي يعطى إياه يعني بحيث يحدد كذا وكذا وكذا حتى تكون الأجرة معلومة، وحتى لا ينقطع، وحتى لا يحصل النزاع والشقاق بعدم التعيين، واستئجار الأجير بطعامه سائغ، لكن يحتاج الأمر إلى البيان الذي ينقطع معه الخلاف والنزاع، وتدفع به الخصومات، وقد جاء في القرآن الكريم مؤاجرة موسى عليه الصلاة والسلام، مع والد زوجته على أن يأجره ثمان حجج، يعني استأجر بعمله أو بكده وبفعله، وهذا ليس من هذا القبيل، يعني هذا مثال ليس لقضية الطعام، هذه مسألة أخرى، يعني لا علاقة لها بالطعام، هذه مسألة أخرى غير ما نحن فيه، فهي ليست من هذا القبيل، وإنما الأصل هو جواز ذلك حتى يأتي دليلٍ يمنع، لكن يحتاج إلى بيان المقدار والكيفية التي يتم بها تقديم الطعام.
وبعض العلماء يمنع من ذلك ويقول: إنه لا يجوز أن يستأجر أجيراً بطعامه؛ لأن هذا شيء الناس يتفاوتون فيه، لكن إذا حصل البيان وحصل الإيضاح والبيان يزول الإشكال، ومن العلماء من قال: إنه يجوز في المرضعة فقط هي التي تستأجر على طعامها، وقد يكون لهم مقصد في أن تكون الأجرة الأكل، وهو أن يحصل اللبن وحتى يحصل الدر للرضيع؛ لأنهم لو أعطوها نقوداً فيمكن أن تقتر على نفسها فيتبع ذلك إلحاق المضرة بالجنين أو بالرضيع، فمن العلماء من منعه وأجازه في المرضعة الظئر التي ترضع، قالوا: لأن هذا لا يكون فيه مشاحة؛ لأنهم في الغالب يغدقون عليها لتدر اللبن لرضيعهم، وقد يكون لهم قصد وهو أن يتحققوا بأن الأم استفادت حتى يستفيد الابن تبعاً لاستفادتها.

تراجم رجال إسناد أثر حماد بن أبي سليمان في استئجار الأجير على طعامه

قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن جرير بن حازم].مر ذكر الثلاثة، وجرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن أبي سليمان].
حماد بن أبي سليمان مر ذكره.

شرح أثر قتادة وحماد: (في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا، فإن سرت شهراً -أو كذا وكذا شيئاً سماه- فلك زيادة كذا وكذا، فلم يريا به بأساً، وكرها أن يقول: استكري منك بكذا وكذا، فإن سرت أكثر من شهرٍ نقصت من كرائك كذا وكذا].أورد النسائي أثر عن قتادة وحماد بن أبي سليمان في رجل استأجر من رجلٍ إلى مكة وقال: أستكرى إلى مكة بكذا وكذا، وقال له: فإن سرت شهراً أو كذا وكذا شيئاً سماه فلك زيادة كذا وكذا، فلم يريا به بأساً.
هي سرت بالفتح؛ لأنه استكراه على أن يذهب إلى مكة مثلاً بشيء، إما يوصل بضاعة أو يوصل يعني شيئاً أو رسالة أو ما إلى ذلك.
وقوله: (فلم يريا به بأساً)؛ لأن المقصود الاستعجال، وأنه يحصل زيادة من أجل الاستعجال؛ لأن هذا أمر مقصود، يعني الإيجار بكذا وكذا، لكن إن حصل الاستعجال فإنه يحصل زيادة، يعني لا بأس بذلك، لم يريا بذلك بأساً.
أما عكس ذلك، فقد كرها أن يقول: أستكري منك بكذا وكذا، فإن سرت أكثر من شهر نقصت من كرائك كذا وكذا.
لأن هذا فيه ظلم؛ لأنه يزيد في السير وينقص في الأجر، فأجاز ذاك؛ لأن فيه مصلحة، ومنع هذا؛ لأن فيه مضرة وظلماً.

تراجم رجال إسناد أثر قتادة وحماد (في رجل قال لرجل: أستكري منك إلى مكة بكذا وكذا...)


قوله: أخبرنا محمد حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن معمر، عن حماد، وقتادة.كلهم مر ذكرهم إلا قتادة وهو: ابن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #857  
قديم 18-09-2022, 12:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح أثر عطاء بن أبي رباح في استئجار الأجير سنة بطعامه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءةً قال: قلت لـعطاء: عبد أؤاجره سنة بطعامه وسنةً أخرى بكذا وكذا، قال: لا بأس به، ويجزئه اشتراطك حين تؤاجره أياماً، أو آجرته وقد مضى بعض السنة، قال: إنك لا تحاسبني لما مضى].أورد النسائي أثراً عن عطاء وهو ابن أبي رباح، وقد سأله ابن جريج قلت لـعطاء: عبد أؤاجره سنةً بطعامه وسنةً أخرى بكذا وكذا، قال: لا بأس به.
يعني: سنة يستأجره بطعامه على أنه أجرته، لكن تكون معينة كما عرفنا من قبل، وسنةً بكذا وكذا يعني معيناً، فقال: لا بأس بذلك؛ لأن هذا كله معلوم، المدة معلومة والأجرة معلومة، إلا أنها في سنة تكون كذا، وفي سنة تكون كذا، ولا بأس بذلك.
والعبارات التي تأتي فيها شيء من الخفاء.
ثم قال: ويجزئه اشتراطك حين تؤاجره أياماً، قال المحشي: إن السنة ليست بلازمة، وإنما يجزئ أن يكون ذلك بأيام، وهذا غير واضح؛ لأنه إذا استأجر منه على مدة سنة فالإجارة عقد لازم فليس لواحدٍ منهم أن يفسخ بمفرده، بل لا بد من اتفاق الطرفين على الفسخ، فيترتب على ذلك إشكال ويترتب على ذلك خصومات.
ثم قال: أو آجرته وقد مضى بعض السنة، قال: إنك لا تحاسبني لما مضى.
أنا ما يظهر لي هذا المعنى، وقد ذكر السندي أن هذا الكلام من كلام ابن جريج وأيضاً قال: كأنه افترض أنه صور المسألة مع عطاء، ولهذا قال في آخر الكلام: لا تحاسبني فيما مضى، يعني العبارة غير واضحة.

تراجم رجال إسناد أثر عطاء بن أبي رباح في استئجار الأجير سنة بطعامه


قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم عن حبان عن عبد الله عن ابن جريج].مر ذكرهم إلا ابن جريج فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض ..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إبراهيم أخبرنا خالد -هو ابن الحارث - قال: قرأت على عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي عن رافع بن أسيد بن ظهير عن أبيه أسيد بن ظهير رضي الله عنهما: (أنه خرج إلى قومه إلى بني حارثة فقال: يا بني حارثة! لقد دخلت عليكم مصيبة، قالوا: ما هي؟ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله! إذا نكريها بشيء من الحب، قال: لا، قال: وكنا نكريها بالتبن، فقال: لا، وكنا نكريها بما على الربيع الساقي، قال: لا، ازرعها أو امنحها أخاك) خالفه مجاهد].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر].
محصل ما تدل عليه الأحاديث أنه إذا كانت المزارعة بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها وهي ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك فهي سائغة، وكذلك إذا كانت بشيء معلوم كأجرة يدفعها المستأجر للمؤجر، وهي معلومة، ثم يأخذ الأرض في مقابل هذه الأجرة فذلك سائغ، فإذا كانت في شيء معلوم إما معلوم المقدار يدفعه المستأجر للمؤجر في مقابل استئجاره الأرض، أو المستأجر لا يدفع شيئاً، ولكن يتفق مع مؤجر الأرض على أن له النصف مما يخرج من الزرع، أو الثلث، أو الربع، أو أقل أو أكثر، المهم أن يكون معلوم النسبة، ولا يكون شيئاً معيناً من الخارج، أو يكون نصفاً أو سدساً ومعه شيء آخر معين من الخارج، كأن يقول: الذي تنتج البقعة الفلانية، أو الذي يكون على السواقي، أو الذي يكون على المكان الذي يجتمع فيه الماء وقريب من الماء، هذا هو الذي لا يجوز، فيجوز استئجار الأرض بشيء معلوم يدفعه المستأجر للمؤجر ويكون حاصل الأرض كلها له أي: للمستأجر أو لا يدفع شيئاً، ولكن يتفق مع مالكها على أن يزرعها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، ليس بشيء معلوم مما يخرج منها، هذا سائغ، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث: حديث قصة خيبر أنه عاملهم على النصف من الثمر، والمساقاة مثل المزارعة؛ لأنها كلها تأجير بنصف ما يخرج أو ثلث ما يخرج أو ربع ما يخرج، أو ما إلى ذلك، فإذا كانت الأجرة شيئاً معلوماً مما يخرج بأن يقول مثلاً: لي من الزرع ألف صاع والباقي لك، لا يجوز هذا؛ لأنه يمكن ألا يخرج إلا ألف صاع، يعني يمكن الزرع كله يصير هذا المقدار ثم يحوزه أحدهما والثاني يتعب ولا يحصل شيئاً، أو يقول: ما تنتجه البقعة الفلانية، يعني هذه البقعة الذي يخرج منها يكون لي والباقي لك، هذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه يمكن ألا يخرج إلا في هذه البقعة، فيحوز الزرع أو يحوز الفائدة واحد منهما، ويكون ذاك ذهب عمله بدون مقابل، أو يقول: الذي على السواقي يعني مجرى الماء الذي كان نابتاً عليه هذا يكون لي، أيضاً كذلك لا يجوز؛ لأن تعيين شيء معين سواءً كان المقدار مكيلاً أو بقعة يعني نتاجها على أن يكون له، هذا غير جائز وغير سائغ، أما إذا كان معلوماً وكان خارج الزرع بأن دفع المستأجر شيئاً أو بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، فهذا هو الذي يسوغ ولا بأس به، والأحاديث التي وردت في هذا الباب في كراء الأرض كثيرة، وفيها اختلاف كثير، وبعضها يدل على أن النهي كان لغرض من الأغراض وهو الإشارة إلى أنه ما كان ينبغي لهم إذا استغنوا عن الأرض أن يؤجروها بل يعطوها لمن يحتاجها، ولا شك أن هذا خير لمن فعل ذلك، كونه يعطي ويمنح بالمجان هذا خير، لكن يجوز له أن يؤجر أرضه بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، وبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قال: إن الذي أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه يكون خيراً له) ولا شك أنه إذا منح يكون خيراً له من أن يؤجر، والصلاة خيرٌ من النوم بلا شك، يعني التمثيل بأن هناك يعني شيئين بعضهما أفضل من بعض كالصلاة فلا شك أنها خيرٌ من النوم، وكون الإنسان يمنح خيراً من كونه يؤجر، كون الإنسان يعطي عطية خير من أن يؤجر، مثل الصلاة خير من النوم، النوم يستفيد منه الإنسان ولكن الصلاة أحسن منه، والتأجير يستفيد منه الإنسان والمنح أحسن منه، فهو مجرد تمثيل للشيء المتشابه.
لكن إذا استأجر أو أجر وكان الإيجار سائغاً ولا محظور فيه فإنه لا بأس بذلك، والأحاديث التي ستأتي كلها تدور حول كراء الأرض والنهي عن كراء الأرض، وأنه إذا كان كذا يجوز، وإذا كان كذا لا يجوز، وسنأتي عليها واحداً واحداً.
أولها: حديث أسيد بن ظهير رضي الله تعالى عنه أنه خرج إلى قومه إلى بني حارثة فقال: يا بني حارثة! لقد دخلت عليكم مصيبة، قالوا: ما هي؟ قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله!).
يعني: كانوا قبل يكرون أراضيهم ويأخذون عليها الأجرة.
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، قلنا: يا رسول الله! إذاً نكريها بشيء).
يعني قوله: مصيبة يعني أنهم كانوا يستفيدون من أراضيهم بالكراء، وقد بلغه النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذاً هذه مصيبة لهم أنه يضيع عليهم هذه الفوائد التي كانوا يستفيدونها من قبل.
(قلنا: يا رسول الله، إذاً نكريها بشيءٍ من الحب؟ قال: لا).
إذاً نكريها بشيء من الحب يعني: مقدار من الحب يعني، إذا كان المقصود به مما يخرج منها، فهذا لا يجوز وأمره واضح؛ لأنه كما قلت: يمكن ما يخرج إلا هذا المقدار المعين، أما لو كانت الأجرة من الخارج يعني أجرة يدفعها المستأجر كأن يكون عنده حب أو عنده دراهم أو دنانير أو عنده سيارة أو عنده أي شيء من أنواع الأموال فيدفعها أجرةً في مقابل استخدامه الأرض فلا بأس بذلك.
(قال: لا، قال: وكنا نكريها بالتبن، فقال: لا).
وهو نتيجة للحصيدة، يعني عندما تداس ويميز الحب من غيره الذي يكون علفاً للبهائم الذي هو التبن، فقال: لا.
(وكنا نكريها بما على الربيع الساقي، قال: لا).
يعني: الربيع الذي يسعد بالماء، والذي يعني يمشي معه في الماء، يعني: كأن يقول المؤجر: لي ما ينبت على السواقي، وما ينبت على مجرى المياه، وحول مجرى المياه فالرسول منع من ذلك، وهذا طبعاً لا يسوغ؛ لأنه قد لا ينبت إلا هذه البقعة فيكون الإنسان عمل بدون مقابل.
(قال: لا، ازرعها، أو امنحها أخاك) وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل، وهو كون الإنسان يزرع أو يمنح، وأما كونه يؤجر فهو خلاف الأولى، لكنه لو أجر وكان على وجه سائغ بأن يكون بشيء معلوم يدفعه المستأجر أو كان بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها فإنه لا بأس بذلك؛ لأن هذا يتيح للكل أن يستفيد؛ لأنه لو خرج صاع واحد يكون بينهم، ولو خرج ألف صاع يكون بينهم، لأنهم كلهم يستفيدون إذا كان بشيءٍ معلوم النسبة.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)


قوله: [أخبرنا محمد بن إبراهيم].هو محمد بن إبراهيم بن صدران، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن خالد قال: قرأت على عبد الحميد بن جعفر].
خالد بن الحارث مر ذكره وعبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن رافع بن أسيد بن ظهير].
وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبيه أسيد بن ظهير].
وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
قال في آخره: [خالفه مجاهد].
ثم قال: خالفه مجاهد وذكر الأثر الذي بعده وفيه مخالفة مجاهد.

شرح حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى -وهو ابن آدم - حدثنا مفضل -وهو ابن مهلهل - عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير رضي الله عنهما قال: جاءنا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن الحقل، والحقل: الثلث والربع، وعن المزابنة، والمزابنة: شراء ما في رءوس النخل بكذا وكذا وسقاً من تمر)].أورد النسائي الحديث من طريق مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الحقل).
والحقل قيل: هو الإيجار بالثلث والربع، هذا تفسير، وفسر الحقل أو المحاقلة بأن الإنسان عندما يأتي ليشتري يدفع أوساقاً من الحب بأوساق مما يزرع، وهذا لا يجوز؛ لأن فيه ربى النسيئة، وأيضاً يكون نسيئة؛ لأنه يدفع أوساقا معلومة على أن يحصل مكانها أوسقا معلومة مما يخرج من الزرع، فيكون باع براً ببر، وهو نسيئة، هذا لا يجوز، لكن أن يكون على الثلث والربع فهذا سائغ وجائز، وهو من جنس المساقاة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر على النصف مما يخرج، لكن لعل المقصود من ذلك هو ما جاء في بعض الأحاديث: أن عدم الاستئجار بأي طريقة من الطرق أولى من التأجير، وأن المنح خير من التأجير، ويكون هذا فيه إرشادٍ إلى الأكمل وإلى الأفضل، لكن لا شك أنه محرم، وهو مثل المزابنة التي قال: إنه أوسق من التمر، يعني: في مقابل أوسق من شيء مما على رءوس النخل، وهذا لا يجوز؛ لأنه بيع ربوي بربوي، وأما مسألة المؤاجرة يعني بالثلث والربع فإنها سائغةً وجائزة ولا إشكال فيها، وأما ما جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يؤجرون على الثلث والربع فقال: لا، امنحوها، فهو إرشادٌ إلى ما هو الأكمل والأفضل.

تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن يحيى هو ابن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مفضل هو ابن مهلهل].
مفضل بن مهلهل وهو ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وابن ماجه .
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج].
أسيد بن ظهير وقد مر ذكره، ورافع بن خديج صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث رافع بن خديج في النهي عن الحقل والمزابنة من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت مجاهداً يحدث عن أسيد بن ظهير قال: أتانا رافع بن خديج رضي الله عنهم فقال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم، نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرض فليمنحها أو ليدعها، ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل)وقال: (من كانت له أرض فليمنحها).
يعني: يزرعها أو يمنحها ولا يؤجرها، ولا شك أن هذا خير وأفضل، لكن التأجير في أمر لا محذور فيه لا بأس به، وإنما يكون فيه بأس إذا كان فيه محذور وفيه مخالفة لما جاءت به السنة عن سول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا فهو إرشاد إلى الأولى والأفضل والأكمل.
(ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر).
يعني إما يأخذ الذي على رءوس النخل بأوساق يأتي بها، وهذا يكون فيه الربا من حيث النسيئة، وإن كان أخذ منه الثمر كله بأوساق معلومة، أيضاً يكون فيه الربا في الفضل؛ لأنه قد جهل ذلك المقدار الذي على رءوس النخل، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #858  
قديم 18-09-2022, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المزارعة

(482)

- تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [1]



جاء الإسلام بكل خير، وحذر من كل ضير، وأمر بعمارة الأرض واستخراج خيراتها حتى تعم المصلحة، ومن عجز عن زراعة أرضه أرشده أن يتركها لأخيه يقوم عليها، ويستفيد من نتاجها، ولا يتركها عاقرة بدون استثمار، وحرم كل معاملة فيها غش أو ظلم للآخرين.

تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


شرح حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت مجاهداً يحدث عن أسيد بن ظهير رضي الله عنهما أنه قال: أتانا رافع بن خديج رضي الله عنه، فقال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم، نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرض فليمنحها أو ليدعها، ونهى عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل، فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر)].فالأحاديث التي أوردها النسائي في المزارعة وفي كراء الأرض كثيرة جداً، قد مر في الدرس الماضي بعضها، ونأتي اليوم وبعده على جملةٍ كبيرة من هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت في الدرس الماضي أن كراء الأرض أو استئجار الأرض للزراعة أن فيه تفصيلاً فمنه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ، فالذي لا يسوغ منه هو الذي يكون فيه جهالة، كأن يشترط أحدهما أي: صاحب الأرض أو العامل فيها أن يكون له ناحية معينة، أو ما يكون على حافة السواقي التي يمر بها الماء، أو يقول: إن له كذا مما يخرج من الأرض والباقي يكون للثاني، أو يكون بينهما على نسبةٍ يتفقان عليها، المهم أن واحداً منهما يشترط لنفسه شيئاً معيناً يختص به دون صاحبه، كل هذا لا يسوغ ولا يجوز، أما إذا كان في شيءٍ معلوم كأن يستأجر الأرض بنقود يدفعها لصاحب الأرض ثم يزرعها، وما يحصل منها فإنه يكون له أي: للزارع فيها، وحق المالك هو ما دفعه إليه من الأجرة التي استأجر بها أرضه، سواءً كان نقوداً أو غير نقود؛ لأنه يكون دفع الأجرة ثم استلم الأرض وانتفع فيها، وكل ما أخرجت الأرض يختص به، أو يستأجرها على جزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها، بأن يكون النصف للعامل والنصف لمالك الأرض، أو يكون له الثلث أو الربع أو السدس أو الخمس أو أي نسبة يتفقان عليها؛ لأنه بذلك كلٌ يستفيد، إذا حصل فائدة استفاد الكل سواءً كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنه لو حصل صاع فيكون الصاع بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، وإن كان بلغ ما بلغ من الكثرة فيكون على النسبة، فلا يستفيد واحد ويحرم الثاني، كل هذا سائغٌ وجائز ولا بأس به.
إذاً فكراء الأرض أو استئجار الأرض حكمه فيه تفصيل: منه ما هو سائغ ومنه ما لا يسوغ، وقد ذكرت الأمثلة لما هو سائغ.
ولما هو غير سائغ، الذي أورده النسائي أو أول الأحاديث التي أوردها النسائي من الأحاديث بعد الذي مر في الدرس الفائت حديث رافع بن خديجنهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم).
ثم قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً) يعني: أنهم كانوا ينتفعون من أراضيهم بتأجيرها على ما كانوا يفعلونه، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يستأجرون بأشياء مجهولة، وجاء في بعضها أنها بأشياء معلومة، والحكم هو أن ما كان مجهولاً فهذا لا يصح أبداً، وما كان معلوماً فهذا كان في أول الأمر، وكان فيه إرشاد إلى ما هو الأفضل، مثل التأجير بالثلث والربع، فإن هذا سائغ ولا بأس به؛ لأن هذا شيء معلوم النسبة، ولكنه إما أن يكون كان أولاً ثم نسخ، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو خير منه وإلى ما هو أفضل منه، وهو كون الإنسان يعطيها بالمجان، وهذا خير للإنسان من أن يؤجرها بثلث أو ربع أو بدراهم معينة، لا شك أن هذا خير، وعلى هذا فالنهي الذي جاء إما أن يكون المقصود به خلاف الأولى، وهذا فيما إذا كان شيئاً معلوماً ولكن أرشد إلى ما هو خيرٌ منه، أو يكون شيئاً يشتمل على جهالة وعلى غرر، فهذا لا يسوغ ولا يجوز أبداً.
وقد جاء مثل هذا التفصيل عن رافع بن خديج نفسه رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في صحيح مسلم وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام قال: إن الكراء بالذهب والفضة لا بأس به، إنما كان الناس يؤجرون على الماذيانات وأقبال الجداول، وما يسعدوا بالماء، فيحيا هذا ويهلك هذا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأعمال التي كانوا يعملونها، أما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فهذا لا بأس به، كأن يكون فيه نسبة أو أن يكون شيئاً معلوماً من الدراهم والدنانير أو غيرها يدفعها المستأجر لصاحب الأرض ثم يتصرف في الأرض وتكون فائدتها خالصةً له.
ولما قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، يعني: أنهم كانوا ينتفعون بهذا الكراء، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم، يعني: الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك الشيء الذي نهى عنه والصيرورة إلى ما أرشد إليه لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى ما هو خير، ولا يدل إلا على ما هو خير، فهو أنصح الناس للناس، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وهذا الكلام من رافع رضي الله عنه فيه بيان أن الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان لا بأس به إلا أنه إذا أرشد إلى ما هو أفضل فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم، أما إذا كان لا يسوغ ولا يجوز فلا شك أن تركه والابتعاد عنه ابتعادٌ عن محرم، والابتعاد عن المحرم فيه الخير الكثير وفيه الفائدة العظيمة للناس، (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم) يعني: فيما أرشد إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يكري عليه أو يعطيه الأجر) ولا شك أن هذا خير، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، يعني: أن الإنسان إذا عاقب بمثل ما عوقب به فهو سائغ، لكن خيرٌ من هذه العقوبة أن يعفو ويصفح ويصبر، وذلك خير، ومثل قول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] يعني: كون الإنسان يتجاوز ويسامح المدين ويتنازل عنه هذا خير، ولكن الذي أمامه إذا لم يتسامح فليس له إلا الإنظار، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
(نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرضٌ فليمنحها أو ليدعها).
يعني: كون الناس يؤجرون أراضيهم وكونهم يكرون أراضيهم، وهذا أيضاً يقال له: المخابرة على أحد تفسيرات المخابرة؛ لأنها مأخوذة من الأرض الخبار وهي الرخوة التي تؤجر، وهذا إما أن يكون النهي عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وإما أن يكون النهي كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ ذلك النهي بإباحته بالشيء المعلوم الذي لا جهالة فيه.
قوله: (فليمنحها أو ليدعها) يعني: لا يؤجرها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل، وإلى ما هو الأفضل، وليس بأمر محرم إذا كان بشيء معلوم، كما جاء ذلك مبيناً مفصلاً من حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم في صحيحه وذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفسير لما أجمل في بعض الروايات المتفق عليها من النهي عن كراء الأرض، يعني: أن الذي أجمل المقصود به أن يكون شيئاً فيه جهالة، أما أن يكون شيئاً مضموناً معلوماً لا جهالة فيه ولا غرر فهذا لا بأس به، وتفسير الحقل هو بمعنى المخابرة الذي هو تأجير الأرض، وتأجير الأرض إذا كان بشيءٍ معلوم لا بأس به، وأما إذا كان بشيء مجهول فهو لا يجوز.
(ونهى عن المزابنة. والمزابنة: الرجل يكون له المال العظيم من النخل فيجيء الرجل فيأخذها بكذا وكذا وسقاً من تمر).
(ونهى عن المزابنة) وفسر المزابنة بأن الرجل يكون عنده نخل كثير فيه ثمر كثير، فيأتي إنسان وعنده أوسق من التمر ويعطيها إياه في مقابل ذلك الذي على رءوس النخل، وهذا لا يجوز؛ لأنه ربا، وذلك أنه إن كان في الحال وهذا سلمه الأوسق وهذا سلمه النخل ففيه ربا الفضل؛ لأن هذه الأوساق المعلومة يقابلها شيء مجهول الوزن، ومن المعلوم أن التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل سواءً كان جيداً أو رديئاً، فلا يباع جيد برديء مفاضلاً، وإنما يبيع الرديء ويشتري جيداً، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث، فبيع التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل، ولا بد فيه من التقابض، لا بد من الأمرين: أن يسلم من ربا الفضل، وأن يسلم من ربا النسيئة، وربا الفضل أن يزيد بعضها على بعض، وربا النسيئة أن يكون واحد مقدماً وواحد مؤخراً.
وإن كان أعطاه التمر الأوساق ثم يسلمه فيما بعد الذي على رءوس النخل فيكون فيه المحذوران: المحذور الذي هو عدم التماثل، والمحذور الثاني الذي هو عدم التقابض الذي هو ربا النسيئة، فهو على كل حال سواءً كان التقابض فيما بينهما في الحال بأن سلم هذا له التمر الأوساق، وهذا سلم له ما على رءوس النخل يجذه ويستفيد منه، فهذا فيه ربا الفضل وإن كان يجب التقابض، وإن كان دفع إليه الأوسق مقدماً ثم بعد ذلك يقبض منه النخل أو الذي على رءوس النخل فهذا يكون فيه المحذوران، النسيئة والفضل.
ومن المعلوم أنه لا بد من أن يعلم الشيئان اللذان حصل التبايع فيهما -وهو التمر بالتمر- بأن يكون معلوماً وأن يكون مثلاً بمثل، فلا تفاضل ولا نسيئة، هذا هو الواجب فيه، وإذا كان مجهولاً كالذي على رءوس النخل فإنه لا يعلم مقداره، فإذا بيع فالتساوي ليس متحققاً، ومن القواعد المشهورة: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل؛ لأنك لو بعت صبرة من تمر بصبرة من تمر بدون وزن وقد جهل مقدار كل منهما فهذا فيه علمٌ بالتساوي وأنهما غير متساويان فهو كالعلم بالتفاضل، كما لو قال: خمسين كيلو بستين كيلو فهذا معلوم التفاضل، لكن لو أعطيت صبرة مجهولة بصبرة مجهولة فذلك لا يجوز؛ لأن الجهل في التساوي كالعلم بعدمه، فالجهل بكون الشيئين متساويين كالعلم بتفاضلهما، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، صبرة مجهولة، بصبرة مجهولة العلم بعدم التساوي موجود، إذاً هو كالعلم بالتفاضل، كل ذلك لا يجوز، إلا كيلاً بكيل، ووزناً بوزن، لا يجوز الربوي بمثله إلا وزناً بوزن، ويداً بيد، وإذا كان الوزن معروف ولكن فيه تفاضل، فهذا هو التفاضل، وإذا كان الوزن غير معروف فإنه مجهول، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
إذاً: بيع أوساق من التمر معلومة الوزن بشيء على رءوس النخل مجهول، لا يجوز، وكذلك يقال في المحاقلة وهو أحد تفسيراتها؛ لأنها فسرت بأنها تباع بأجرةٍ مما يخرج منها، أو بجزء مما يخرج منها، وهذا يسمى المخابرة، وتفسر المحاقلة مثل المزابنة بأن يبيعه جملةً أو أوساقاً من الحب بالحب الذي في السنابل في الزرع، يعني مثل مسألة المزابنة تماماً، يعطيه أوساقاً من التمر بالذي على رءوس النخل، ويعطيه أوساقاً من الحب البر بالذي في السنابل على رءوس الزرع؛ لأن هذا مجهول وهذا مجهول؛ فهذا أيضاً يقال له: محاقلة وهو لا يجوز مثل المزابنة تماماً، المحاقلة بهذا التفسير غير جائزة، كما أن المزابنة بهذا التفسير غير جائزة، وأما إذا كانت المحاقلة استئجار الأرض بجزءٍ مما يخرج منها -الذي هو المخابرة- فإن هذا سائغ وجائز؛ لأن المنع إنما هو فيما فيه جهالة، أما إذا كان بشيء معلوم مضمون لا غرر فيه ولا جهالة، فهذا لا بأس به، كما جاء ذلك مفسراً مبيناً من رافع نفسه في صحيح مسلم، والذي أورده الحافظ في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفصيل لما أجمل في الأحاديث المتفق عليها في النهي عن كراء الأرض.

تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى هو الملقب بـالزمن أبو موسى العنزي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن محمد].
هو محمد بن جعفر، الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسيد بن ظهير].
أسيد بن ظهير صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن رافع بن خديج].
رافع بن خديج رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان ينفعكم ... نهاكم عن الحقل) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير قال: (أتى علينا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: ولم أفهم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمر كان ينفعكم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم مما ينفعكم، نهاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحقل، والحقل: المزارعة بالثلث والربع، فمن كان له أرضٌ فاستغنى عنها فليمنحها أخاه، أو ليدع، ونهاكم عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يجيء إلى النخل الكثير بالمال العظيم، فيقول: خذه بكذا وكذا وسقاً من تمر ذلك العام)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه جاء إلى قومه وقال: (نهاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لكم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم مما ينفعكم) وهذا الذي كانوا يفعلونه منه ما هو معلوم، ومنه ما هو مجهول كما أشرت إليه، وهنا قال: (نهى عن الحقل) والحقل هو المزارعة بالثلث والربع أو النصف أو غير ذلك، يعني بشيء معلوم بالنسبة مما يخرج من الأرض، وهذا كما هو معلوم كان نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وليس لكونه محرماً؛ لأن ذلك سائغ وجائز ولا بأس به، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر؛ حيث أعطاهم أرض خيبر ونخلها على النصف مما يخرج منها من زرع أو ثمر، هذا الفعل واضح الدلالة على جواز ذلك، وكان ذلك أخيراً، فإما أن يكون الذي جاء من النهي في حديث رافع إما أنه إرشاد إلى ما هو الأولى، وأن الإنسان لا يعطي بالأجرة ويعطي بالمجان، لا شك أن هذا خير، أو أن هذا كان في أول الأمر من أجل الإرفاق بالناس، ولكنه بعد ذلك رخص لهم بأن يؤجروا بالنصف.
الحاصل: أن التأجير بالثلث أو الربع أو شيء معلوم النسبة لا بأس به، وما جاء في حديث رافع إما أن يكون المقصود منه الإشارة إلى ما هو الأفضل، ولا شك أن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من كونه يؤجر بالثلث أو الربع، أو أنه كان في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وعلى هذا فيتبين أن الذي جاء في الحديث الذي معنا من ذكر النهي عن الثلث أو الربع أن يكون المقصود منه نهي تنزيه، وأنه خلاف الأولى، وأن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من أن يعطي بالثلث أو الربع، وهو مثل ما ذكرت من الأمثلة: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، وأن هذا خير وذاك خلاف الأولى، وإن كان سائغاً، أو أنه كان في أول الأمر ثم نسخ، ويوضحه ما جاء عن رافع نفسه، والذي ذكرته معزواً إلى صحيح مسلم، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أن النهي في الشيء الذي فيه جهالة، وأن الذي فيه شيءٌ معلوم مضمون فهذا لا بأس به.
ثم قال: (ونهاكم عن المزابنة، والمزابنة: الرجل يجيء إلى النخل الكثير بالمال العظيم، فيقول: خذه بكذا وكذا وسقاً من تمر ذلك العام).
يأتي الرجل إلى نخل كثير، يأتي بمال عظيم ويقول: خذه بكذا، يعني وسق من تمر ذلك العام، هذا إذا كان المقصود بالمال الذي يأتي به أنه تمر حاضر مقابل تمر يأتي من النخل، فهذا لا يجوز، وهو المزابنة المنهي عنها؛ لأن فيه كما ذكرت ربا النسيئة وربا الفضل، وإن كان المقصود به غير التمر، كأن يأتي بنقود ويعطيها إياه على أن يأخذ مقابلها أوساقاً معلومة من التمر، فكون الإنسان يقدم الثمن ويؤجل المثمن، هذا يقال له: سلم، تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، فكون إنسان يأتي لإنسان صاحب نخل محتاج، ثم يعطيه شيئاً من الريالات، على أنه يعطيه عندما يجذ التمر مقداراً معيناً يتفقان عليه، فهذا هو السلم الذي جاء في الأحاديث المتفق عليها جوازه، قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين فقال: (من أسلف -أي: أسلم- فليسلف بكيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) هذا يسمى السلم، وتعريفه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، ضد بيع التقسيط، وبيع التقسيط: هو تعجيل المثمن الذي هو السلعة المبيعة، وتأجيل الثمن، والسلم -تعجيل الثمن وتأجيل المثمن- لا بأس به إن كان الذي دفع في مقابل أوسق التمر المعلومة من تمر ذلك العام إن كان دفع نقوداً قيمةً لها، لا بأس بذلك، وإن كان المقصود به أنه دفع أوساقاً معلومة في مقابل أوساق معلومة تماثلها، فهو ربا نسيئة، وإن كانت لا تماثلها فيكون ربا فضل وربا نسيئة، وكل ذلك لا يجوز.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهاكم رسول الله نهانا عن أمر كان ينفعكم ... نهاكم عن الحقل) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي، وابن ماجه.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج].
قد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

شرح حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً ...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد حدثنا سعيد بن عبد الرحمن عن مجاهد حدثني أسيد بن رافع بن خديج قال رافع بن خديج رضي الله عنه: (نهاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنفع لنا، قال: من كانت له أرض فليزرَعها، فإن عجز عنها فليزرِعها أخاه) خالفه عبد الكريم بن مالك].أورد حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وقد ذكر فيه النهي عن أمر كان نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم، والذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز فليزرعها أخاه).
يعني: يعطيها إياها بالمجان، ومن المعلوم أن هذا ما فيه نهي عن كراء الأرض، ولعل الأمر مثل ما قال رافع بن خديج في الحديث الذي أشرت إليه في مسلم، يعني كانوا يؤاجرون على أنواع فيها جهالة، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما شيء معلوم مضمون فلم ينه عنه، ولكنه أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وهو أنه يعطيه بالمجان، ولا شك أنه إن أعطاه بالمجان فهو خير من أن يعطيه بالأجرة، يعني ذاك سائغ إذا كان بأمر معلوم، وهذا خير منه وأفضل، وعلى هذا فيكون رافع بن خديج فهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى النهي من أن يتعاملوا هذه المعاملة، أو أنه جاء التصريح بالنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه محمول على التنزيه فيما إذا كان في أمر معلوم، وعلى التحريم فيما إذا كان فيه جهالة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #859  
قديم 18-09-2022, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (نهاكم رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً ...) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عفان].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الواحد].
هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن].
هو سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده
[عن مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج ].
مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
وهل هو أسيد بن رافع أو أسيد بن ظهير؟
على كل لا ندري إذا كان المقصود أسيد بن أخي رافع فهو ذاك الذي سبق أن مر، وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
وقد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا عبيد الله -يعني ابن عمرو - عن عبد الكريم عن مجاهد، قال: أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خديج، فحدثه عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن كراء الأرض)، فأبى طاوس فقال: سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأساً. ورواه أبو عوانة عن أبي حصين عن مجاهد قال: قال عن رافع: مرسلاً]. أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وتحديث ابن رافع لـطاوس وقوله: إنه أبى ذلك، يعني لم يوافق على ذلك؛ لأن النهي عن كراء الأرض المقصود به فيما إذا كان هناك جهالة، أما إذا كان في شيءٍ معلوم فلا بأس به، وقال: إن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً، ويأتي فيما يأتي عن ابن عباس أن طاوساً نقل عنه قال: حدثني من هو أعلم منه أي: ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ من أن يؤاجره أو أن يعطيه بأجر) فيكون معنى هذا أن الذي فهمه طاوس عن ابن عباس أنه لم يكن هناك نهي من رسول الله عن كراء الأرض، وإنما نهي عن شيء معين وهو الذي فيه جهالة، أما أن يكون منع من كراء الأرض مطلقاً، فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه)، ولا شك أن كون الإنسان يمنح أخاه خير من أنه يؤجره، وإن كان التأجير يجوز في بعض الصور ويمنع في بعض الصور، يجوز في بعض الصور التي فيها علم وضمان حق، ولا يجوز في بعض الصور التي فيها جهالة، كما سبق أن أشرت إليه من قبل، يعني: أتى بالدليل الذي يدل عليه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه يكون خيراً له).

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى روسل الله عن كراء الأرض)

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عبيد الله يعني ابن عمرو].
عبيد الله ابن عمرو هو الرقي، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم].
هو عبد الكريم بن مالك الجزري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج].
مجاهد عن ابن رافع بن خديج، الذي هو أسيد بن رافع، هذا الذي قال عنه ابن حجر في ترجمته: أخرجه النسائي وحده.
وهو مقبول، لكن قوله: اذهب إلى ابن رافع، فيه إشعار بأنه روى عن أبيه.

شرح حديث: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً) من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن مجاهد قال رافع بن خديج رضي الله عنه: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرأس والعين، نهانا أن نتقبل الأرض ببعض خرجها) تابعه إبراهيم بن مهاجر].أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أمرٍ كان لهم نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين) يعني: أنه مقبول، (على الرأس والعين) يعني: نقبله ولا نتردد فيه.
(نهانا أن نتقبل الأرض ببعض خرجها) يعني: إذا كان المقصود به جزء معلوم النسبة، فيكون النهي عنه على خلاف الأولى، وإن كان بشيء معلوم معين كأن يقول مثلاً: لي من الزرع ألف صاع والباقي لك، أو يقول: لي ما تنبته الأرض المعينة أو القطعة المعينة، فذلك لا يجوز؛ لأن فيه جهالة؛ لأنه قد لا يحصل من الأرض إلا الألف صاع التي حازها أحدهما، أو ما ينبت إلا ما في هذه القطعة، فيكون عمل الآخر يذهب سدى، لكن إذا كان معلوم النسبة.. إن كان صاعاً واحداً فهو بينهما على النسبة، وإن كان بلغ ما بلغ فهو بينهما على النسبة؛ لأن هذا شيء معلوم، وذاك مجهول، فقوله: (ببعض خرجها) فإن كان المقصود منه يعني النهي عن الثلث والربع، فهذا يمكن أن يكون مثل ما كان في أول الأمر، أو أنه إرشاد إلى ما هو الأولى وليس تحريماً، والنهي للتنزيه، يعني: نهى عنه نهي تنزيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً) من طريق رابعة

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عوانة].
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حصين].
أبو حصين هو عثمان بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع بن خديج قد مر ذكرهما.

شرح حديث: (أن رسول الله نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً ...) من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن عبيد الله حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أرض رجل من الأنصار قد عرف أنه محتاج، فقال: لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، فقال: لو منحها أخاه، فأتى رافع الأنصار، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمرٍ كان لكم نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنفع لكم)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وفيه أن رافعاً فهم من كون النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: (لو منحها إياه لكان خيراً له) فهم منه النهي، والواقع أنه لا نهي، بل إرشاد إلى ما هو الأولى، ولو كان هناك نهي فهو نهي تنزيه وإرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.. بلا شك أن الإنسان يؤجر بأمر معلوم جائز، وإن أعطاه بدون مقابل فهو أحسن وأفضل، وعلى هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ كان يعلم أنه محتاج، فقال: (لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو منحه إياها لكان خيراً له) يعني: لو أعطاه بالمجان كان خيراً، لا شك لو أعطاه بالمجان لكان خيراً، لكن إذا كان الأجر معلوماً فهو جائز، وإذا كان مجهولاً فهو لا يجوز.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً ...) من طريق خامسة

قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان هو الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن مهاجر].
إبراهيم بن مهاجر صدوقٌ لين الحفظ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع بن خديج مر ذكرهما.

شرح حديث: (نهى رسول الله عن الحقل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحقل)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وهو قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل)، ولم يفسر الحقل، وقد فسر في بعض الروايات بأنه تأجير الأرض ببعض ما يخرج منها، وقلنا: إن هذا إذا كان مجهولاً فهذا غير جائز، وأما إذا كان بجزء معلوم النسبة فإن ذلك سائغ وجائز، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر، فإذاً: إذا كان المقصود بالحقل هو تأجيرها بجزء مما يخرج منها، فهذا فيه تفصيل:
إن كان المقصود بجزء مجهول أو معلوم يؤدي إلى الغرر فذلك لا يجوز، وإن كان بشيء معلوم النسبة.. ثلث أو ربع أو نصف فلا بأس، وهو الذي دل عليه حديث خيبر.
ويفسر الحقل أيضاً بمثل ما تفسر به المزابنة، إلا أن المزابنة شراء التمر على رءوس النخل بأوسق معلومة من التمر، والمحاقلة شراء الحب في الزرع بحب أو بأوساق معلومة، كل ذلك لا يجوز؛ لأن فيه الربا.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الحقل)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار].محمد بن المثنى مر ذكره، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كـمحمد بن المثنى.
[عن محمد عن شعبة عن الحكم].
محمد هو ابن جعفر، وقد مر ذكره، عن شعبة وقد مر ذكره.
[عن الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن رافع].
مجاهد عن رافع قد مر ذكرهما.

حديث: (نهانا رسول الله عن أمر...) من طريق سادسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن خالد -وهو ابن الحارث - حدثنا شعبة عن عبد الملك عن مجاهد قال: حدث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهانا عن أمرٍ كان لنا نافعاً، فقال: من كان له أرضٌ فليزرعها، أو يمنحها، أو يذرها)].أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، يعني خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن أمر كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرض فليزرعها أو ليمنحها) إما أن يزرعها هو، أو يمنحها لغيره، ولا يؤاجرها، وهذا على الأولى كما عرفنا، أما إذا كان بالتأجير ففيه تفصيل: منه سائغ، ومنه ما لا يسوغ، وقد أشرت إلى ذلك من قبل.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سادسة

قوله:[أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة.
[عن خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة عن عبد الملك].
شعبة مر ذكره، وعبد الملك هو ابن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن رافع].
مجاهد عن رافع قد مر ذكرهما.

حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج حدثني شعبة عن عبد الملك عن عطاء وطاوس ومجاهد عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهانا عن أمر كان لنا نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لنا، قال: من كان له أرض فليزرعها، أو ليذرها، أو ليمنحها)، ومما يدل على أن طاوساً لم يسمع هذا الحديث].أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ونهاهم عن أمرٍ كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها، أو ليذرها) يعني: يتركها دون أن يتصرف فيها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأولى والأفضل والأكمل، وأما التأجير فكما أشرت فيه تفصيل منه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول الله عن أمر ...) من طريق سابعة


قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن خالد].عبد الرحمن بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة عن عبد الملك].
شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قد مر ذكرهما.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و طاوس].
هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع، يعني ثلاثة يروونه عن رافع بن خديج، والروايات السابقة مجاهد يروي عن رافع بن خديج، ثم ذكر أن هذا الحديث لم يسمعه طاوس من رافع بن خديج، ثم ذكر بعد ذلك الرواية التي تدل على أنه لم يسمعه منه.

شرح حديث ابن عباس: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلماً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا زكريا بن عدي حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: (كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بالثلث والربع بأساً، فقال له مجاهد: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع منه حديثه، فقال: إني والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خيرٌ من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً)، وقد اختلف على عطاء في هذا الحديث فقال عبد الملك بن ميسرة: عن عطاء عن رافع، وقد تقدم ذكرنا له، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عطاء عن جابر]. ذكر النسائي الحديث الذي فيه أن طاوساً لم يسمع من رافع هذا الحديث، وأتى بالدليل على ذلك.
كان طاوس يكره تأجير أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بأساً بالتأجير بالثلث والربع، وكلٌ منهما جائز كما عرفنا ذلك من قبل؛ لأن التأجير بالذهب والفضة تأجيرٌ بشيءٍ معلوم يدفعه المستأجر، يدفع مثلاً ألف ريال أجرة لهذه الأرض، ثم يتصرف بهذه الأرض بالزرع أو غيره.. لا بأس في ذلك، وهذا الذي كان كرهه طاوس، ولا يرى بأساً بالنصف والثلث، كونه بنصف ما يخرج منها، أو بثلث ما يخرج منها.
رافع بن خديج جاء في بعض الروايات عنه النهي عن الكراء بالثلث والربع، فقال مجاهد لـطاوس: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فيحدثك عن أبيه، يريده أن يسمع منه ما جاء من النهي عن الثلث والربع، فقال: (إني والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه ما فعلته).
يقول طاوس: والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه -يعني عن الثلث والربع، وأنه منعه وحرمه- ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس، يعني أعلم من رافع.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له) يعني: ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو الأكمل، وما ذكر النهي، وعلى هذا فالتأجير بالثلث والربع جائز، وخيرٌ منه أن يعطى بالمجان.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ خراجاً معلوماً)


قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن زكريا بن عدي].
زكريا بن عدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فأخرج له في المراسيل.
[عن حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
هو عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس رضي الله تعالى عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #860  
قديم 18-09-2022, 01:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المزارعة

(483)

تابع باب ذكر الأحاديث المختلفـة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع [2]

بين الشرع أن كراء الأرض بالثلث والربع وغير ذلك مما هو معلوم النسبة، أن هذا سائغ وصحيح والمزابنة هي: بيع الأوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، والمحاقلة جاء في بعض الروايات تفسيرها بالمزابنة، وجاء في بعضها أنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وجاء أنها بيع الحب بالحب في السنابل وفي الزرع.


تابع ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر


شرح حديث: (من كان له أرض فليزرعها )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز أن يزرعها، فليمنحها أخاه المسلم، ولا يزرعها إياه)].مرت أحاديث عديدة تتعلق بالمزارعة وكراء الأرض، وهذه جملة من الأحاديث المتعلقة في الموضوع، أولها حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز أن يزرعها فليمنحها أخاه، ولا يزرعها إياه) أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وهو أن الإنسان يمنح أخاه الأرض التي هو غير محتاجٍ إليها ليزرعها ويستفيد منها.
قوله: ولا يزرعها إياه، يعني: لا يؤجرها عليه، وإنما تكون بدون مقابل، وتكون إحساناً وإرفاقاً إليه، ولا شك أن هذا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.
وقد عرفنا في الدرس الماضي أو الدروس الماضية أنه إذا كان التأجير بشيء معلوم يدفعه المستأجر لصاحب الأرض، ثم يستفيد من الأرض، وما ينتج عنها يكون له، أو يأخذ منه الأرض بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها كالثلث والربع والنصف وما إلى ذلك، عرفنا أن ذلك سائغ وجائز، وليس بمحرمٍ ولا ممنوع، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث مما في معناه المقصود منه: الإشارة إلى ما هو الأكمل، وإلى ما هو الأفضل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من كان له أرض فليزرعها )


قوله: [حدثنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خالد بن الحارث].
هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
هو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عطاء].
وهو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، ولا يكريها) تابعه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم (من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، ولا يكريها) يعني: لا يكريها أخاه المسلم وإنما يعطيها إياه بالمجان، وبدون مقابل إرفاقاً وإحساناً، وهذا كما أشرنا إرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك عن عطاء عن جابر].
عبد الملك عن عطاء عن جابر قد مر ذكرهم.

شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كان لأناس فضول أرضين يكرونها بالنصف والثلث والربع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها أو يزرعها أو يمسكها) وافقه مطر بن طهمان].ثم أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه: (أن أناساً كان لهم فضول أرضين) يعني: زائدة عن حاجتهم، وهم مستغنون عنها، فاضلة عن حاجتهم وعما يقومون به، (وكانوا يؤجرونها على الثلث والربع)، يعني: على الثلث والربع مما يخرج منها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، أو يزرعها، أو يمسكها).
والمقصود يُزْرعها يعني: يمنحها ويعطيها أخاه ولا يؤجرها.
(أوليمسكها)، يعني: يتركها بدون أن يستعملها أو بدون أن يؤجرها، وهذا كما عرفنا إشارة إلى ما هو الأكمل وإلى ما هو الأفضل، وأن كون الإنسان يعطيها بدون مقابل إرفاقاً وإحساناً خير من أن يعطيها بثلث أو ربع أو بغير ذلك، وقد عرفنا أن الحكم الثابت المستقر هو أنه يجوز تأجيرها بالثلث والربع كما جاء في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فقد أبقاها بأيديهم على النصف مما يخرج منها.
وهذا يدلنا على جواز التأجير بالثلث والربع، أو المزارعة أو المساقاة بالثلث والربع، وهو مثل المضاربة التي يدفع الإنسان نقوداً لإنسانٍ عامل يعمل فيها، وما يحصل من الربح فهو بينهما نصفين..، وهذه مسألة مجمع عليها بين العلماء، لا خلاف فيها، فهذه مثلها، فالذي لا يجيد إلا التجارة، أمامه المضاربة، يأخذ بجزءٍ معلوم النسبة من الربح، والذي لا يجيد التجارة ولكنه يجيد الزرع، يأخذ الأرض بجزء مما يخرج منها ثلث، أو ربع، أو نصف، أو ما إلى ذلك، وهكذا كثير من الأمور والأعمال، فمثلاً كون الإنسان عنده سيارة، يعطيها لإنسان آخر يؤجرها له ويستفيد منها على النصف مما يخرج منها، هذا له النصف من أجل ملكه السيارة، وهذا له النصف من أجل عمله، وهكذا من يؤاجر على شيء من أجل أن يجذه بنصفه، أو يسقيه بنصفه، أو يخدمه بنصفه.. بجزء معلوم النسبة مما يخرج، كل ذلك سائغٌ وجائز، ولا بأس به، وهو من المشاركة المعتبرة مثل شركة المضاربة، فهذه من جنسها اشتراك، هذا منه الأرض، وهذا منه العمل، والربح والنتائج بينهما، وهكذا.. كل ذلك سائغ ولا بأس به، وكذلك تأجيرها بالذهب والفضة، أو بأي شيءٍ آخر يدفعه المستأجر مقدماً ويأخذ الأرض أو يستخدمها على جزء، وتكون فائدتها له بأكملها؛ لأنه دفع الأجرة لصاحبها، فلم يبق له نصيب في منفعتها، فصارت منفعتها مختصة بالعامل الذي أخذها مزارعة، أو أخذها استئجاراً.

تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من الطريق الثالثة

قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن يحيى بن حمزة].
يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي].
الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء عن جابر].
عطاء عن جابر قد مر ذكرهما.

شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن محمد -وهو أبو عمير بن النحاس - وعيسى بن يونس -هو الفاخوري - قالا: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يؤاجرها)].أورد النسائي حديث جابر من طريقٍ أخرى وهو مثل ما تقدم (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها) يعني: يعطيها بالمجان، (ولا يؤاجرها) يعني: لا يعطيها لأحدٍ بالأجرة، وإنما يعطيها له بالمجان، وهذا كما هو معلوم إرشادٌ إلى ما هو الأفضل والأكمل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها ...) من طريق رابعة


قوله: [أخبرنا عيسى بن محمد وهو أبو عمير بن النحاس].عيسى بن محمد أبو عمير بن النحاس ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[و عيسى بن يونس هو الفاخوري].
عيسى بن يونس الفاخوري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن ضمرة].
هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن شوذب].
ابن شوذب هو عبد الله بن شوذب، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، أصحاب السنن الأربعة.
[عن مطر].
هو مطر بن طهمان الوراق، وهو صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، وهنا من طريق عطاء، لكن الحديث كما هو معلوم جاء من طرقٍ عديدة عن عطاء بهذا اللفظ.
أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء عن جابر].
عطاء عن جابر قد مر ذكرهما.

شرح حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس حدثنا حماد عن مطر عن عطاء عن جابر رفعه رضي الله عنه: (نهى عن كراء الأرض) وافقه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج على النهي عن كراء الأرض].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو بلفظ: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض)، والمقصود من ذلك كراؤها بأي شيء، يعني كما مر أنه لا يكريها وإنما يمنحها، وهذا مبني على ما هو الأكمل والأفضل، اللهم إلا أن يكون المقصود بالنهي عن كراء الأرض فيما إذا كان يعني شيئا فيه جهالة وغرر، فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، أما إذا كان المقصود منه تأجيرها بالثلث والربع، أو تأجيرها بشيء معلوم يدفعه المستأجر سواء ذهباً أو فضة أو غير ذلك، فإن هذا لا بأس به، والنهي عن كرائه بهذه الطريقة إنما هو إرشاد إلى ما هو الأكمل.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن كراء الأرض)

قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يونس].
هو يونس بن محمد البغدادي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطر عن عطاء عن جابر].
مطر عن عطاء عن جابر قد مر ذكرهم.

شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن المخابرة والمزابنة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا المفضل عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة، وبيع الثمر حتى يطعم إلا العرايا) تابعه يونس بن عبيد].أورد النسائي حديث جابر وقد قال في الحديث السابق: إن عبد الملك بن جريج وافقه على النهي عن كراء الأرض، وقد أورد هذا الحديث من طريق ابن جريج، وليس فيه ذكر كراء الأرض، ولكن فيه ذكر المخابرة.

معنى المخابرة

والمخابرة مما فسرت به أنها النهي عن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا يحمل على ما كان في أول الأمر من أنه أرشدوا إلى ما هو الأفضل والأكمل، أو أنه كان منهياً عنه في الأول ثم نسخ بما حصل في خيبر من كون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها لليهود على أن يعملوها بنصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع.وحديث جابر رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة) والمخابرة فسرت بأنها تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا هو الذي يطابق ما أشار إليه المصنف من أن ابن جريج وافق على رواية النهي عن كراء الأرض؛ لأن النهي عن المخابرة هو نهي عن كراء الأرض على معنى أن المخابرة هي استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها.
وقد فسرت المخابرة أيضاً بتفسيرٍ آخر؛ وهو بيع العنب بالزبيب أو بأوساق من الزبيب، فيكون من جنس المزابنة التي هي بيع أوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل، فيكون إذا بيع الزبيب بالكرم -أي: بالعنب- وهو في الشجر، يكون من هذا القبيل، أي: بيع الشيء بجنسه غير معلوم المساواة، ويكون متفاضلاً، وقد عرفنا أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فبيع الشيء بمثله إذا كان غير معلوم الوزن، وأن هذا مثل هذا، وأنه يداً بيد، فإن ذلك لا يصح؛ لأنه إن قبض الزبيب، وهذا قبض العنب على شجره، فيكون فيه ربا فضل، وإن كان أعطاه الزبيب ثم يعطيه فيما بعد العنب فيكون ربا فضل وربا نسيئة، ومن المعلوم أنه حتى بيع العنب بالزبيب لا يجوز، وبيع الرطب بالتمر لا يجوز؛ لأنه ليس متساوٍ؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، ولهذا نهى الرسول نهى عن بيع التمر بالرطب، وقال: (أينقص الرطب إذا جف؟) يعني وأرشد إلى الحكمة وإلى العلة بأن الرطب إذا بيع بالتمر فإنه بيع غير متساوٍ؛ لأن التمر ينقص إذا جف، فيكون بيع الشيء بمثله غير متساوٍ.
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، وعن المزابنة)، وفسرت المخابرة بأنها مثل المزابنة وهي بيع الحنطة بالحب في السنابل على الزرع، يعني إنسان يعطيه أوساقاً من الحنطة، وقيمتها الحب الذي في السنابل، مثل مَن يبيع أوساقاً من التمر، وقيمتها التمر الذي على رءوس النخل، أو يبيع أوساقاً من الزبيب، وقيمتها العنب الذي في الشجر؛ لأن هذا فيه الربا من جهة عدم التساوي، ومن جهة ما قد يكون فيه أيضاً من النسيئة.
وعلى هذا فالمخابرة فسرت بتفسيرات عدة: فسرت باستئجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وهذا ثابت جوازه في خيبر وغيرها، وفسرت بأنها بيع الحب المصفى الجاهز بحبٍ في السنابل على الزرع، وهذا لا يجوز، وفسرت بتفسيرٍ آخر -سيأتي- بأنها بيع الكرم أو الزبيب بالكرم أو العنب في شجره، وهذا يصير مثل المزابنة، وكل ذلك لا يسوغ ولا يجوز.

معنى المحاقلة

(والمحاقلة).والمحاقلة: هي مأخوذة من الحقل، وفسرت بأنها هي المزابنة كما جاء في بعض الروايات، وفسرت بأنها بيع الحقل مثل ما فسرت المخابرة بأنها بيع الحب بالحب في السنابل على الزرع، يعني أنها تصير مثل المخابرة.
(وبيع الثمر حتى يطعم) يعني لا يباع الثمر وهو غير مطعوم لم يستو ولم يزه؛ لأنه عرضة للتلف والفساد، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يزهو، يعني: حتى يطيب أكله.
(حتى يطعم) يعني: يؤكل ويجيء وقت كونه يؤكل، يعني بيع التمر حتى يطعم يعني: على رءوس النخل لا يباع حتى يطعم، أما إذا جذ ونزل من رءوس النخل وبيع على الناس، فهذا ما فيه بأس؛ لأن الإنسان يقبض السلعة التي اشتراها، يعني كونه يجذه وهو لم يزه ثم يبيعه، هذا ما فيه إشكال..، ولا بأس به؛ لأنه سيأكله، ولكن الشيء الذي هو عرضة للفساد والتلف، وعرضة للجائحة حين يباع وهو أخضر على رءوس النخل قبل أن يحمر ويصفر، ولم يأت وقت أكله فيكون ذلك محظوراً، أما لو قطع القنو وهو أخضر وبيع، فهذا لا بأس به ولا محظور فيه.

معنى العرايا

(حتى يطعم إلا العرايا).(إلا العرايا) العرايا فسرت بعدة تفسيرات، لكن قد يكون الأقرب لمعناها هنا: كون الإنسان يعطي فقيراً نخلة أو نخلتين.. يمنحها إياه، ثم يأتي الإنسان يتردد ويدخل كل يوم في ذلك البستان من أجل هذه النخلة، ومن أجل إصلاحها وخدمتها، فيتضرر به الذي منحه، يتضرر بدخوله عليه، فيستردها منه ويعطيه مكانها شيئاً مما يحصله من الثمر، فيكون أعطاه عرية عطية، ثم رجع واشتراها منه، ومعلوم أن هذا غير جائز، فالإنسان إذا تصدق فلا يشتري بعد ذلك صدقته، ولا يجوز له ذلك، لكن مثل هذا مستثنى من النهي؛ لما فيه من دفع الضرر الذي يحصل له بتردد ذلك الشخص على بستانه حيث يؤذيه ويلحق به حرجاً ومشقة وضرراً، فله أن يشتري الشيء الذي أعطاه إياه، ويكون ذلك مستثنى من كون الإنسان منهي أن يشتري صدقته ممن تصدق بها عليه.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي نهى عن المخابرة والمزابنة ...)

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المفضل].
هو المفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء وأبي الزبير].
عطاء مر ذكره، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر قد مر ذكره.

شرح حديث جابر: (أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة ...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين حدثنا يونس بن عبيد عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وعن الثنيا إلا أن تعلم)، وفي رواية همام بن يحيى كالدليل على أن عطاء لم يسمع من جابر حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان له أرض فليزرعها)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه قوله: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة)
المحاقلة قد عرفناها، وهي بيع الحب الجاهز الخالص بالحب على السنابل الذي في الزرع، أو استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها، وقد عرفنا أن بعضها سائغ وبعضها لا يسوغ، فتفسيرها بحب يباع بحب، هذا لا يجوز، وكونه يستأجرها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، ذلك جائز.
والمزابنة وهي تتعلق بالتمر، يعني بيع أوساق من التمر بالتمر على رءوس النخل.
والمخابرة قيل: إنها بمعنى المحاقلة، وهي استئجار الأرض بجزء مما يخرج منها.
(وعن الثنيا إلا أن تعلم) يعني: الاستثناء، (إلا أن تعلم) يعني معناه: لا تكون مجهولة، أو يكون فيها غرر، مثل كون الإنسان يقول: أعطيك هذه الأرض على أن تزرعها ولي من الزرع ألف صاع والباقي لك، فهذا لا يجوز؛ لأنه يمكن أن الأرض ما تخرج إلا ألف صاع، ما تخرج إلا هذا المقدار، فيحوزه أحدهما، والثاني الذي هو العامل يذهب عمله بدون مقابل، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز بالثلث أو الربع، يعني استثناء ثلث أو ربع أو نصف أو ما إلى ذلك، يقول: هي لك إلا الثلث فإنه لي، هي لك إلا الربع فإنه لي، هذا شيء معلوم غير مجهول، أما إذا كان مجهولاً بأن يقول: تأخذ الأرض ولي سهمٌ منها، هذا شيء مجهول؛ لأن السهم لا يدرى ما هو.. يختلفون في معناه ولا يتفقون عليه، أو يقول العامل: لي ألف صاع والباقي لك، فيحوزه أحدهما دون الآخر، ولكن إذا كانت الثنيا في شيءٍ معلوم بأن يقول مثلاً: إلا الثلث فإنه لي، فإن هذا شيء معلوم النسبة، ولا بأس بذلك.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 393.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 387.32 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]