فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836977 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379480 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191306 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2671 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 667 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 953 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1111 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 857 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 30-09-2021, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (11)

من صــ 310 الى صــ 317


فَصْلٌ:
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَهُمْ إذَا أَرَادُوا أَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ أَقْوَالٌ لَيْسَتْ نَفْسُهَا هِيَ الْمُسَمَّيَاتُ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ. وَأَرْبَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُنَازِعُونَ فِي هَذَا؛ بَلْ عَبَّرُوا عَنْ الْأَسْمَاءِ هُنَا بِالتَّسْمِيَاتِ وَهُمْ أَيْضًا لَا يُمْكِنُهُمْ النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ قَوْلِهِ يَا آدَمُ يَا نُوحُ يَا إبْرَاهِيمُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا نِدَاءُ الْمُسَمِّينَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ.

وَإِذَا قِيلَ: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَالْمُرَادُ خَلَقَ الْمُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ خَلَقَ لَفْظَ السَّمَاءِ وَلَفْظَ الْأَرْضِ وَالنَّاسُ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهِ وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِ أَحَدٍ إرَادَةُ الْأَلْفَاظِ؛ لِمَا قَدْ اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَالْأَسْمَاءَ يُرَادُ بِهَا الْمَعَانِي وَالْمُسَمَّيَاتُ؛ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ؛ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الْمُرَادُ إنْ لَمْ يَنْطِقْ بِالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا مِنْ الْبَيَانِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وَقَدْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولكن هؤلاء الذين أطلقوا من الجهمية والمعتزلة أن الاسم غير المسمى مقصودهم أن أسماء الله غيره؛ وما كان غيره فهو مخلوق. ولهذا قالت الطائفة الثالثة: لا نقول هي المسمى ولا غير المسمى. فيقال لهم:
قولكم إن أسماءه غيره مثل قولكم إن كلامه غيره وإن إرادته غيره ونحو ذلك وهذا قول الجهمية نفاة الصفات وقد عرفت شبههم وفسادها في غير هذا الموضع؛ وهم متناقضون من وجوه كما قد بسط في مواضع. فإنهم يقولون:
لا نثبت قديما غير الله؛ أو قديما ليس هو الله حتى كفروا أهل الإثبات وإن كانوا متأولين كما قال أبو الهذيل: إن كل متأول كان تأويله تشبيها له بخلقه وتجويزا له في فعله وتكذيبا لخبره فهو كافر؛ وكل من أثبت شيئا قديما لا يقال له الله فهو كافر ومقصوده تكفير مثبتة الصفات والقدر ومن يقول إن أهل القبلة يخرجون من النار ولا يخلدون فيها. فمما يقال لهؤلاء:
إن هذا القول ينعكس عليكم فأنتم أولى بالتشبيه والتجويز والتكذيب؛ وإثبات قديم لا يقال له الله فإنكم تشبهونه بالجمادات بل بالمعدومات بل بالممتنعات وتقولون إنه يحبط الحسنات العظيمة بالذنب الواحد؛ ويخلد عليه في النار وتكذبون بما أخبر به من مغفرته ورحمته وإخراجه أهل الكبائر من النار بالشفاعة وغيرها وإنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. وأنتم تثبتون قديما لا يقال له الله فإنكم تثبتون ذاتا مجردة عن الصفات ومعلوم أنه ما ليس بحي ولا عليم ولا قدير؛ فليس هو الله فمن أثبت ذاتا مجردة فقد أثبت قديما ليس هو الله وإن قال أنا أقول إنه لم يزل حيا عليما قديرا فهو قول مثبتة الصفات؛ فنفس كونه حيا ليس هو كونه عالما ونفس كونه عالما ليس هو كونه قادرا ونفس ذلك ليس هو كونه ذاتا متصفة بهذه الصفات فهذه معان متميزة في العقل ليس هذا هو هذا.
فإن قلتم هي قديمة فقد أثبتم معاني قديمة؛ وإن قلتم هي شيء واحد جعلتم كل صفة هي الأخرى والصفة هي الموصوف فجعلتم كونه حيا هو كونه عالما وجعلتم ذلك هو نفس الذات ومعلوم أن هذا مكابرة وهذه المعاني هي معاني أسمائه الحسنى وهو سبحانه لم يزل متكلما إذا شاء.
فهو المسمي نفسه بأسمائه الحسنى كما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه لما سئل عن قوله:
{وكان الله عزيزا حكيما} {غفورا رحيما} فقال هو سمى نفسه بذلك وهو لم يزل كذلك؛ فأثبت قدم معاني أسمائه الحسنى وأنه هو الذي سمى نفسه بها.
فإذا قلتم إن أسماءه أو كلامه غيره فلفظ " الغير " مجمل؛ إن أردتم أن ذلك شيء بائن عنه فهذا باطل؛ وإن أردتم أنه يمكن الشعور بأحدهما دون الآخر فقد يذكر الإنسان الله ويخطر بقلبه ولا يشعر حينئذ بكل معاني أسمائه؛ بل ولا يخطر له حينئذ أنه عزيز وأنه حكيم فقد أمكن العلم بهذا دون هذا؛ وإذا أريد بالغير هذا فإنما يفيد المباينة في ذهن الإنسان؛ لكونه قد يعلم هذا دون هذا وذلك لا ينفي التلازم في نفس الأمر فهي معان متلازمة لا يمكن وجود الذات دون هذه المعاني ولا وجود هذه المعاني دون وجود الذات.

واسم " الله " إذا قيل الحمد لله أو قيل بسم الله يتناول ذاته وصفاته لا يتناول ذاتا مجردة عن الصفات ولا صفات مجردة عن الذات وقد نص أئمة السنة - كأحمد وغيره - على أن صفاته داخلة في مسمى أسمائه فلا يقال: إن علم الله وقدرته زائدة عليه؛ لكن من أهل الإثبات من قال: إنها زائدة على الذات.

وهذا إذا أريد به أنها زائدة على ما أثبته أهل النفي من الذات المجردة فهو صحيح؛ فإن أولئك قصروا في الإثبات فزاد هذا عليهم وقال الرب له صفات زائدة على ما علمتموه.
وإن أراد أنها زائدة على الذات الموجودة في نفس الأمر فهو كلام متناقض؛ لأنه ليس في نفس الأمر ذات مجردة حتى يقال إن الصفات زائدة عليها؛ بل لا يمكن وجود الذات إلا بما به تصير ذاتا من الصفات ولا يمكن وجود الصفات إلا بما به تصير صفات من الذات فتخيل وجود أحدهما دون الآخر ثم زيادة الآخر عليه تخيل باطل.
وأما الذين يقولون: إن " الاسم للمسمى " كما يقوله أكثر أهل السنة فهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول قال الله تعالى:
{ولله الأسماء الحسنى} وقال: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " {إن لله تسعة وتسعين اسما} " {وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لي خمسة أسماء:
أنا محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب} " وكلاهما في الصحيحين.
وإذا قيل لهم: أهو المسمى أم غيره؟ فصلوا؛ فقالوا: ليس هو نفس المسمى ولكن يراد به المسمى؛ وإذا قيل إنه غيره بمعنى أنه يجب أن يكون مباينا له فهذا باطل؛ فإن المخلوق قد يتكلم بأسماء نفسه فلا تكون بائنة عنه فكيف بالخالق وأسماؤه من كلامه؛ وليس كلامه بائنا عنه ولكن قد يكون الاسم نفسه بائنا مثل أن يسمي الرجل غيره باسم أو يتكلم باسمه. فهذا الاسم نفسه ليس قائما بالمسمى؛ لكن المقصود به المسمى فإن الاسم مقصوده إظهار " المسمى " وبيانه. وهو مشتق من " السمو " وهو العلو كما قال النحاة البصريون وقال النحاة الكوفيون هو مشتق من " السمة " وهي العلامة وهذا صحيح في " الاشتقاق الأوسط " وهو ما يتفق فيه حروف اللفظين دون ترتيبهما فإنه في كليهما (السين والميم والواو والمعنى صحيح فإن السمة والسيما العلامة. ومنه يقال: وسمته أسمه كقوله: {سنسمه على الخرطوم} ومنه التوسم كقوله: {لآيات للمتوسمين} لكن اشتقاقه من " السمو " هو الاشتقاق الخاص الذي يتفق فيه اللفظان في الحروف وترتيبها ومعناه أخص وأتم فإنهم يقولون في تصريفه سميت ولا يقولون وسمت وفي جمعه أسماء لا أوسام وفي تصغيره سمي لا وسيم. ويقال لصاحبه مسمى لا يقال موسوم وهذا المعنى أخص.
" فإن العلو مقارن للظهور " كلما كان الشيء أعلى كان أظهر وكل واحد من العلو والظهور يتضمن المعنى الآخر ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " {وأنت الظاهر فليس فوقك شيء} " ولم يقل فليس أظهر منك شيء؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية؛ فقال: " فليس فوقك شيء ".
ومنه قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} أي يعلوا عليه. ويقال ظهر الخطيب على المنبر إذا علا عليه. ويقال للجبل العظيم علم؛ لأنه لعلوه وظهوره يعلم ويعلم به غيره. قال تعالى: {ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام}. وكذلك " الراية العالية " التي يعلم بها مكان الأمير والجيوش يقال لها علم وكذلك العلم في الثوب لظهوره كما يقال لعرف الديك وللجبال العالية أعراف لأنها لعلوها تعرف فالاسم يظهر به المسمى ويعلو؛ فيقال للمسمى:
سمه: أي أظهره وأعله أي أعل ذكره بالاسم الذي يذكر به؛ لكن يذكر تارة بما يحمد به ويذكر تارة بما يذم به كما قال تعالى: {وجعلنا لهم لسان صدق عليا} وقال: {ورفعنا لك ذكرك} وقال: {وتركنا عليه في الآخرين} {سلام على نوح في العالمين}.
وقال في النوع المذموم: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين} وقال تعالى: {نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون}. فكلاهما ظهر ذكره؛ لكن هذا إمام في الخير وهذا إمام في الشر.
وبعض النحاة يقول: سمي اسما لأنه علا على المسمى؛ أو لأنه علا على قسيميه الفعل والحرف؛ وليس المراد بالاسم هذا بل لأنه يعلى المسمى فيظهر؛ ولهذا يقال سميته أي أعليته وأظهرته فتجعل المعلى المظهر هو المسمى وهذا إنما يحصل بالاسم.
ووزنه فعل وفعل وجمعه أسماء كقنو وأقناء وعضو وأعضاء. وقد يقال فيه سم وسم بحذف اللام. ويقال:
سمى كما قال: والله أسماك سما مباركا. وما ليس له اسم فإنه لا يذكر ولا يظهر ولا يعلو ذكره؛ بل هو كالشيء الخفي الذي لا يعرف؛ ولهذا يقال: الاسم دليل على المسمى وعلم على المسمى ونحو ذلك.
ولهذا كان " أهل الإسلام والسنة " الذين يذكرون أسماء الله يعرفونه ويعبدونه ويحبونه ويذكرونه ويظهرون ذكره. " والملاحدة ": الذين ينكرون أسماءه وتعرض قلوبهم عن معرفته وعبادته ومحبته وذكره؛ حتى ينسوا ذكره {نسوا الله فنسيهم} {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}. والاسم يتناول اللفظ والمعنى المتصور في القلب وقد يراد به مجرد اللفظ وقد يراد به مجرد المعنى فإنه من الكلام؛ " والكلام " اسم للفظ والمعنى، وقد يراد به أحدهما؛ ولهذا كان من ذكر الله بقلبه أو لسانه فقد ذكره لكن ذكره بهما أتم.
والله تعالى قد أمر بتسبيح اسمه وأمر بالتسبيح باسمه كما أمر بدعائه بأسمائه الحسنى؛ فيدعى بأسمائه الحسنى ويسبح اسمه وتسبيح اسمه هو تسبيح له؛ إذ المقصود بالاسم المسمى؛ كما أن دعاء الاسم هو دعاء المسمى. قال تعالى:
{قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}. والله تعالى يأمر بذكره تارة وبذكر اسمه تارة؛ كما يأمر بتسبيحه تارة وتسبيح اسمه تارة؛ فقال: {اذكروا الله ذكرا كثيرا} {واذكر ربك في نفسك} وهذا كثير.
وقال: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} كما قال:
{فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه}. لكن هنا يقال: بسم الله؛ فيذكر نفس الاسم الذي هو " ألف سين ميم " وأما في قوله: {واذكر اسم ربك} فيقال:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله. وهذا أيضا مما يبين فساد قول من جعل الاسم هو المسمى. وقوله في الذبيحة {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} كقوله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وقوله: {بسم الله مجراها ومرساها} فقوله: {اقرأ باسم ربك} هو قراءة بسم الله في أول السور.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 30-09-2021, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (12)

من صــ 318 الى صــ 324


وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبين أن هذه الآية تدل على أن القارئ مأمور أن يقرأ بسم الله وأنها ليست كسائر القرآن؛ بل هي تابعة لغيرها وهنا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كما كتب سليمان وكما جاءت به السنة المتواترة وأجمع المسلمون عليه؛ فينطق بنفس الاسم الذي هو اسم مسمى لا يقول بالله الرحمن الرحيم؛ كما في قوله:
{واذكر اسم ربك} فإنه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ونحو ذلك وهنا قال: {اقرأ باسم ربك} لم يقل: اقرأ اسم ربك وقوله:
{واذكر اسم ربك} يقتضي أن يذكره بلسانه. وأما قوله: {واذكر ربك} فقد يتناول ذكر القلب. وقوله: {اقرأ باسم ربك} هو كقول الآكل باسم الله. والذابح باسم الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " {ومن لم يكن ذبح فليذبح بسم الله} ". وأما التسبيح فقد قال: {وسبحوه بكرة وأصيلا} وقال: {سبح اسم ربك الأعلى} وقال: {فسبح باسم ربك العظيم}.
وفي الدعاء: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} فقوله:
{أيا ما تدعوا} يقتضي تعدد المدعو لقوله {أيا ما} وقوله {فله الأسماء الحسنى} يقتضي أن المدعو واحد له الأسماء الحسنى وقوله {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} - ولم يقل ادعوا باسم الله أو باسم الرحمن - يتضمن أن المدعو هو الرب الواحد بذلك الاسم.
فقد جعل الاسم تارة مدعوا وتارة مدعوا به في قوله: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فهو مدعو به باعتبار أن المدعو هو المسمى وإنما يدعى باسمه. وجعل الاسم مدعوا باعتبار أن المقصود به هو المسمى وإن كان في اللفظ هو المدعو المنادى كما قال {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} أي ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم والمراد إذا دعوته هو المسمى؛ أي الاسمين دعوت ومرادك هو المسمى:
{فله الأسماء الحسنى}.
فمن تدبر هذه المعاني اللطيفة تبين له بعض حكم القرآن وأسراره فتبارك الذي نزل الفرقان على عبده فإنه كتاب مبارك تنزيل من حكيم حميد لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من ابتغى الهدى في غيره أضله الله ومن تركه من جبار قصمه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو قرآن عجب يهدي إلى الرشد أنزله الله هدى ورحمة وشفاء وبيانا وبصائر وتذكرة.
فالحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. آخره ولله الحمد والمنة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(فصل)
وسئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله -:
عما يشتبه على الطالب للعبادة من جهة الأفضلية مما اختلف فيه الأئمة من المسائل التي أذكرها:

وهي أيما أفضل في صلاة الجهر ترك الجهر بالبسملة أو الجهر بها؟ وأيما أفضل المداومة على القنوت في صلاة الفجر أم تركه أم فعله أحيانا بحسب المصلحة؟ وكذلك في الوتر وأيما أفضل طول الصلاة ومناسبة أبعاضها في الكمية والكيفية أو تخفيفها بحسب ما اعتادوه في هذه الأزمنة؟ وأيما أفضل مع قصر الصلاة في السفر مداومة الجمع أم فعله أحيانا بحسب الحاجة؟ وهل قيام الليل كله بدعة أم سنة أم قيام بعضه أفضل من قيامه كله؟ وكذلك سرد الصوم أفضل أم صوم بعض الأيام وإفطار بعضها؟ وفي المواصلة أيضا؟ وهل لبس الخشن وأكله دائما أفضل أم لا؟ وأيما أفضل فعل السنن الرواتب في السفر أم تركها؟ أم فعل البعض دون البعض.
وكذلك التطوع بالنوافل في السفر وأيما أفضل الصوم في السفر أم الفطر؟ وإذا لم يجد ماء أو تعذر عليه استعماله لمرض أو يخاف منه الضرر من شدة البرد وأمثال ذلك فهل يتيمم أم لا؟ وهل يقوم التيمم مقام الوضوء فيما ذكر أم لا؟ وأيما أفضل في إغماء هلال رمضان الصوم أم الفطر؟ أم يخير بينهما؟ أم يستحب فعل أحدهما؟ وهل ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أفعاله وأحواله وأقواله وحركاته وسكناته وفي شأنه كله من العبادات والعادات هل المواظبة على ذلك كله سنة في حق كل واحد من الأمة؟ أم يختلف بحسب اختلاف المراتب والراتبين؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:

الحمد لله هذه المسائل التي يقع فيها النزاع مما يتعلق بصفات العبادات أربعة أقسام:
منها: ما ثبت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن كل واحد من الأمرين واتفقت الأمة على أن من فعل أحدهما لم يأثم بذلك لكن قد يتنازعون في الأفضل وهو بمنزلة القراءات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي اتفق الناس على جواز القراءة بأي قراءة شاء منها كالقراءة المشهورة بين المسلمين فهذه يقرأ المسلم بما شاء منها وإن اختار بعضها لسبب من الأسباب.
ومن هذا الباب الاستفتاحات المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقولها في قيام الليل وأنواع الأدعية التي كان يدعو بها في صلاته في آخر التشهد فهذه الأنواع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها سائغة باتفاق المسلمين لكن ما أمر به من ذلك أفضل لنا مما فعله ولم يأمر به.
وقد ثبت في الصحيح أنه قال: {إذا قعد أحدكم في التشهد فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات. ومن فتنة المسيح الدجال} فالدعاء بهذا أفضل من الدعاء بقوله:
{اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت} وهذا أيضا قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله في آخر صلاته لكن الأول أمر به. وما تنازع العلماء في وجوبه فهو أوكد مما لم يأمر به ولم يتنازع العلماء في وجوبه. وكذلك الدعاء الذي كان يكرره كثيرا كقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} أوكد مما ليس كذلك.
القسم الثاني: ما اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلا من الأمرين كانت عبادته صحيحة ولا إثم عليه؛ لكن يتنازعون في الأفضل وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ومسألة القنوت في الفجر والوتر والجهر بالبسملة وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب.
فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته ومن خافت صحت صلاته وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته ومن لم يقنت فيها صحت صلاته وكذلك القنوت في الوتر.
وإنما تنازعوا في وجوب قراءة البسملة وجمهورهم على أن قراءتها لا تجب وتنازعوا أيضا في استحباب قراءتها وجمهورهم على أن قراءتها مستحبة. وتنازعوا فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة. والصحيح المقطوع به أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئا في نفس الأمر:
لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم}. وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده. وإن كان لا يقنت لم يقنت معه. ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
أحدها أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب:
كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز.
والثالث: أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: {لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه} فترك الأفضل عنده: لئلا ينفر الناس.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 30-09-2021, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (13)

من صــ 325 الى صــ 331


وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن وإنما تنازعوا في الأفضل فهو بحسب ما اعتقدوه من السنة. وطائفة من أهل العراق اعتقدت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا شهرا ثم على وجه النسخ له فاعتقدوا أن القنوت في المكتوبات منسوخ وطائفة من أهل الحجاز اعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا ثم منهم من اعتقد أنه كان يقنت قبل الركوع ومنهم من كان يعتقد أنه كان يقنت بعد الركوع.
والصواب هو " القول الثالث " الذي عليه جمهور أهل الحديث. وكثير من أئمة أهل الحجاز وهو الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما. أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم ترك هذا القنوت ثم إنه بعد ذلك بمدة بعد خيبر وبعد إسلام أبي هريرة قنت وكان يقول في قنوته: {اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف}.
فلو كان قد نسخ القنوت لم يقنت هذه المرة الثانية وقد ثبت عنه في الصحيح أنه {قنت في المغرب وفي العشاء الآخرة}.
وفي السنن أنه كان يقنت في الصلوات الخمس وأكثر قنوته كان في الفجر ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر ولا غيرها؛ بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال: {لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا}.
فالحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال: {ما زال يقنت حتى فارق الدنيا} إنما قاله في سياقه القنوت قبل الركوع وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح فكيف وهو لم يعارضه. وإنما معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائما قبل الركوع.
وأما أنه كان يدعو في الفجر دائما في الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع فهذا باطل قطعا وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة وعلم أن هذا لو كان واقعا لنقله الصحابة والتابعون ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه وإنما يشرع نظيره؛ فإن دعاءه لأولئك المعينين وعلى أولئك المعينين ليس بمشروع باتفاق المسلمين؛ بل إنما يشرع نظيره.
فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: " اللهم العن كفرة أهل الكتاب " إلى آخره.
وكذلك علي - رضي الله عنه - لما حارب قوما قنت يدعو عليهم وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنا. وأما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة أقوال: قيل: لا يستحب بحال لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر.
وقيل: بل يستحب في جميع السنة كما ينقل عن ابن مسعود وغيره؛ ولأن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - دعاء يدعو به في قنوت الوتر وقيل: بل يقنت في النصف الأخير من رمضان.
كما كان أبي بن كعب يفعل. وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله ومن شاء تركه. كما يخير الرجل أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع وكما يخير إذا أوتر بثلاث إن شاء فصل وإن شاء وصل.
وكذلك يخير في دعاء القنوت إن شاء فعله وإن شاء تركه وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن وإن لم يقنت بحال فقد أحسن.
كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددا معينا؛ بل كان هو - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك. وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره.
ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه كل ذلك سائغ حسن.
وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها. وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة. إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود هكذا كان يفعل في المكتوبات وقيام الليل وصلاة الكسوف وغير ذلك.
وقد تنازع الناس هل الأفضل طول القيام؟ أم كثرة الركوع والسجود؟ أو كلاهما سواء؟ على ثلاثة أقوال: أصحها أن كليهما سواء فإن القيام اختص بالقراءة وهي أفضل من الذكر والدعاء والسجود نفسه أفضل من القيام فينبغي أنه إذا طول القيام أن يطيل الركوع والسجود وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لما
{قيل له: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت} فإن القنوت هو إدامة العبادة سواء كان في حال القيام أو الركوع أو السجود كما قال تعالى:
{أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} فسماه قانتا في حال سجوده كما سماه قانتا في حال قيامه.
وأما البسملة: فلا ريب أنه كان في الصحابة من يجهر بها وفيهم من كان لا يجهر بها بل يقرؤها سرا أو لا يقرؤها والذين كانوا يجهرون بها أكثرهم كان يجهر بها تارة ويخافت بها أخرى وهذا لأن الذكر قد يكون السنة المخافتة به ويجهر به لمصلحة راجحة مثل تعليم المأمومين فإنه قد ثبت في الصحيح أن ابن عباس قد جهر بالفاتحة على الجنازة ليعلمهم أنها سنة. وتنازع العلماء في القراءة على الجنازة على ثلاثة أقوال: قيل: لا تستحب بحال كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك.
وقيل: بل يجب فيها القراءة بالفاتحة. كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد. وقيل: بل قراءة الفاتحة فيها سنة وإن لم يقرأ بل دعا بلا قراءة جاز وهذا هو الصواب. وثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب كان يقول:
" الله أكبر سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " يجهر بذلك مرات كثيرة. واتفق العلماء على أن الجهر بذلك ليس بسنة راتبة؛ لكن جهر به للتعليم ولذلك نقل عن بعض الصحابة أنه كان يجهر أحيانا بالتعوذ فإذا كان من الصحابة من جهر بالاستفتاح والاستعاذة مع إقرار الصحابة له على ذلك فالجهر بالبسملة أولى أن يكون كذلك.
وأن يشرع الجهر بها أحيانا لمصلحة راجحة. لكن لا نزاع بين أهل العلم بالحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بالاستفتاح. ولا بالاستعاذة؛ بل قد ثبت في الصحيح {أن أبا هريرة قال له: يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم بعد بيني وبين خطاياي كما بعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد}.
وفي السنن عنه أنه كان يستعيذ في الصلاة قبل القراءة والجهر بالبسملة أقوى من الجهر بالاستعاذة؛ لأنها آية من كتاب الله تعالى وقد تنازع العلماء في وجوبها وإن كانوا قد تنازعوا في وجوب الاستفتاح والاستعاذة.
وفي ذلك قولان في مذهب أحمد وغيره؛ لكن النزاع في ذلك أضعف من النزاع في وجوب البسملة. والقائلون بوجوبها من العلماء أفضل وأكثر لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بها وليس في الصحاح ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر والأحاديث الصريحة بالجهر كلها



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 30-09-2021, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (14)

من صــ 332 الى صــ 338


وفي ذلك قولان في مذهب أحمد وغيره؛ لكن النزاع في ذلك أضعف من النزاع في وجوب البسملة. والقائلون بوجوبها من العلماء أفضل وأكثر لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بها وليس في الصحاح ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة؛ بل موضوعة؛ وهذا لما صنف الدارقطني مصنفا في ذلك قيل له:
هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها دائما لكان الصحابة ينقلون ذلك ولكان الخلفاء يعلمون ذلك ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك بعد انقضاء عصر الخلفاء ولما كان الخلفاء الراشدون ثم خلفاء بني أمية وبني العباس كلهم متفقين على ترك الجهر ولما كان أهل المدينة - وهم أعلم أهل المدائن بسنته - ينكرون قراءتها بالكلية سرا وجهرا والأحاديث الصحيحة تدل على أنها آية من كتاب الله وليست من الفاتحة ولا غيرها. وقد تنازع العلماء: هل هي آية أو بعض آية من كل سورة؟ أو ليست من القرآن إلا في سورة النمل؟ أو هي آية من كتاب الله حيث كتبت في المصاحف وليست من السور؟ على ثلاثة أقوال.

والقول الثالث: هو أوسط الأقوال وبه تجتمع الأدلة فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله. وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {نزلت علي آنفا سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها}.

وثبت في الصحيح {أنه أول ما جاء الملك بالوحي قال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} {خلق الإنسان من علق} {اقرأ وربك الأكرم} {الذي علم بالقلم} {علم الإنسان ما لم يعلم} فهذا أول ما نزل ولم ينزل قبل ذلك بسم الله الرحمن الرحيم.
وثبت عنه في السنن أنه قال: {سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي {تبارك الذي بيده الملك} وهي ثلاثون آية بدون البسملة}. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: {يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: {مالك يوم الدين} قال الله: مجدني عبدي.
فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الله: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل}.
فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة ولم يعارضه حديث صحيح صريح. وأجود ما يرى في هذا الباب من الحديث إنما يدل على أنه يقرأ بها في أول الفاتحة لا يدل على أنها منها؛ ولهذا كان القراء منهم من يقرأ بها في أول السورة ومنهم من لا يقرأ بها.
فدل على أن كلا الأمرين سائغ لكن من قرأ بها كان قد أتى بالأفضل وكذلك من كرر قراءتها في أول كل سورة كان أحسن ممن ترك قراءتها؛ لأنه قرأ ما كتبته الصحابة في المصاحف فلو قدر أنهم كتبوها على وجه التبرك لكان ينبغي أن تقرأ على وجه التبرك وإلا فكيف يكتبون في المصحف ما لا يشرع قراءته وهم قد جردوا المصحف عما ليس من القرآن حتى أنهم لم يكتبوا التأمين ولا أسماء السور ولا التخميس والتعشير ولا غير ذلك.
مع أن السنة للمصلي أن يقول عقب الفاتحة: آمين فكيف يكتبون ما لا يشرع أن يقوله وهم لم يكتبوا ما يشرع أن يقوله المصلي من غير القرآن فإذا جمع بين الأدلة الشرعية دلت على أنها من كتاب الله وليست من السورة.
والحديث الصحيح عن {أنس ليس فيه نفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} أو فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم} ورواية من روى " فلم يكونوا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا آخرها " إنما تدل على نفي الجهر لأن أنسا لم ينف إلا ما علم وهو لا يعلم ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم سرا.
ولا يمكن أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت؛ بل يصل.
التكبير بالقراءة فإنه قد ثبت في الصحيحين {أن أبا هريرة قال له: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول}. ومن تأول حديث أنس على نفي قراءتها سرا فهو مقابل لقول من قال مراد أنس أنهم كانوا يفتتحون بفاتحة الكتاب قبل غيرها من السور وهذا أيضا ضعيف فإن هذا من العلم العام الذي ما زال الناس يفعلونه وقد كان الحجاج بن يوسف وغيره من الأمراء الذين صلى خلفهم أنس يقرءون الفاتحة قبل السورة ولم ينازع في ذلك أحد ولا سئل عن ذلك أحد لا أنس ولا غيره ولا يحتاج أن يروي أنس هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ومن روى عن أنس أنه شك هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة أو لا يقرؤها فروايته توافق الروايات الصحيحة لأن أنسا لم يكن يعلم هل قرأها سرا أم لا وإنما نفى الجهر.
(الحمد لله رب العالمين (2)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
والحمد ضد الذم. والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، والذم خبر بمساوئ المذموم مقرون ببغضه ; فلا يكون حمد لمحمود إلا مع محبته، ولا يكون ذم لمذموم إلا مع بغضه، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة.

وأول ما نطق به آدم: [الحمد لله رب العالمين]، وأول ما سمع من ربه: يرحمك ربك، وآخر دعوى أهل الجنة: أن الحمد لله رب العالمين، وأول من يدعى إلى الجنة الحمادون، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب لواء الحمد، آدم فمن دونه تحت لوائه، وهو صاحب المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا بحب المحمود، وهو سبحانه المعبود المحمود.
وأول نصف الفاتحة الذي للرب حمده، وآخره عبادته، أوله: {الحمد لله رب العالمين}، وآخره: {إياك نعبد}. كما ثبت في حديث القسمة: " يقول الله - تبارك وتعالى -: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل.
يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين} ; فيقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: {الرحمن الرحيم}، فيقول الله تعالى: أثنى علي عبدي، يقول العبد: {مالك يوم الدين} فيقول الله - تبارك وتعالى -: مجدني عبدي، يقول العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين}، فيقول الله تعالى: هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل.
يقول العبد: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة. يقول الله تعالى: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل» رواه مسلم [في صحيحه]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أفضل ما قلت: أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» " فجمع بين التوحيد والتحميد. كما قال تعالى: {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} [سورة غافر 65].
وكان ابن عباس يقول: إذا قلت: لا إله إلا الله، فقل: الحمد لله رب العالمين، يتأول هذه الآية.

وفي سنن ابن ماجه وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله» ".
وفي السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» ".
وقال أيضا: " «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء» ".
فلا بد في الخطب من الحمد لله ومن توحيده ; ولهذا كانت الخطب في الجمع والأعياد وغير ذلك مشتملة على هذين الأصلين، وكذلك التشهد في آخر الصلاة أوله ثناء على الله، وآخره الشهادتان، ولا يكون الثناء إلا على محبوب، ولا التأله إلا لمحبوب، وقد بسطنا الكلام في حقائق هذه الكلمات في مواضع متعددة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 30-09-2021, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (15)

من صــ 339 الى صــ 345



وإذا كان العباد يحمدونه ويثنون عليه ويحبونه، فهو سبحانه أحق بحمد نفسه والثناء على نفسه والمحبة لنفسه، كما قال أفضل الخلق:
" «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» "فلا ثناء من مثن أعظم من ثناء الرب على نفسه، ولا ثناء إلا بحب، ولا حب من محبوب لمحبوب أعظم من محبة الرب لنفسه، وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه، فهو يحب المقسطين والمحسنين، والصابرين والمؤمنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويفرح بتوبة التائبين، كل ذلك تبعا لمحبته لنفسه ; فإن المؤمن إذا كان يحب ما يحبه من المخلوقات لله ; فيكون حبه للرسول والصالحين تبعا لحبه لله، فكيف الرب تعالى فيما يحبه من مخلوقاته؟!.
إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه، وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها.
فما خلق شيئا إلا لحكمة، وهو سبحانه قد قال: {أحسن كل شيء خلقه} [سورة السجدة: 7]، وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88].
وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ; ولهذا كانت كلها حسنى، والحسنى بخلاف السوأى، فكلها حسنة، والحسن محبوب ممدوح.
فالمقصود بالخلق ما يحبه ويرضاه، وذلك أمر ممدوح، ولكن قد يكون من لوازم ذلك ما يريده ; لأنه من لوازم ما يحبه ووسائله، فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، كما يمتنع وجود العلم والإرادة بلا حياة، ويمتنع وجود المولود -مع كونه مولودا - بلا ولادة.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، حديث الاستفتاح:
" «والخير كله بيديك، والشر ليس إليك» " وقد قيل: في تفسيره لا يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهي عنها، وقد قيل:
لا يضاف إليك بناء على أنه المخلوق.
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
والحمد مفتاح كل أمر ذي بال: من مناجاة الرب ومخاطبة العباد بعضهم بعضا والشهادة مقرونة بالحمد وبالتكبير فهي في الأذان وفي الخطب خاتمة الثناء فتذكر بعد التكبير ثم يخاطب الناس بقول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح وتذكر في الخطب ثم يخاطب الناس بقول: أما بعد وتذكر في التشهد ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فالحمد والتوحيد مقدم في خطاب الخلق للخالق والحمد له الابتداء.

فإن الله لما خلق آدم عليه السلام أول ما أنطقه بالحمد فإنه عطس وقال: الحمد لله رب العالمين فقال الله: يرحمك ربك وكان أول ما نطق به الحمد وأول ما سمع من الله الرحمة وبه افتتح الله أم القرآن والتشهد هو الخاتمة.
فأول الفاتحة {الحمد لله} وآخر ما للرب {إياك نعبد}. وكذلك التشهد. والخطب فيها التشهد بعد الفاتحة. فأن يتضمن إلهية الرب وهو أن يكون الرب هو المعبود هذا هو الغاية التي ينتهي إليها أعمال العباد و {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لكن قدم الحمد؛ لأن الحمد يكون من الله ويكون من الخلق.
وهو باق في الجنة: فآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين بخلاف العبادة. فإن العبادة إنما تكون في الدنيا بالسجود ونحوه وتوحيده وذكره باق في الجنة يلهمه أهل الجنة كما يلهمهم النفس.
وهذه الأذكار هي من جنس الأقوال ليست من العبادات العملية كالسجود والقيام والإحرام والرب تعالى يحمد نفسه ولا يعبد نفسه فالحمد أوسع العلوم الإلهية والحمد يفتح به ويختم به. فالسنة لمن أكل وشرب أن يحمد الله وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها} وقال تعالى:
{وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وقال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} وقال: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
وسئل:
عن " الحمد والشكر " ما حقيقتهما؟ هل هما معنى واحد أو معنيان؟ وعلى أي شيء يكون الحمد؟ وعلى أي شيء يكون الشكر؟.

فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، " الحمد " يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر؛ لأنه يكون على المحاسن والإحسان فإن الله تعالى يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى وما خلقه في الآخرة والأولى؛ ولهذا قال تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} وقال: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة} وقال: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء}.
وأما " الشكر " فإنه لا يكون إلا على الإنعام فهو أخص من الحمد من هذا الوجه؛ لكنه يكون بالقلب واليد واللسان كما قيل: أفادتكم النعماء مني ثلاثة: يدي ولساني والضمير المحجبا ولهذا قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}. و " الحمد " إنما يكون بالقلب واللسان فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه والحمد أعم من جهة أسبابه ومن هذا الحديث {الحمد لله رأس الشكر فمن لم يحمد الله لم يشكره} وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها} والله أعلم.
تلخيص مناظرة في " الحمد والشكر "
بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وبين ابن المرحل
كان الكلام في الحمد والشكر وأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح والحمد لا يكون إلا باللسان. فقال ابن المرحل: قد نقل بعض المصنفين - وسماه -: أن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد. ومذهب الخوارج: أنه يكون بالاعتقاد والقول والعمل وبنوا على هذا: أن من ترك الأعمال يكون كافرا. لأن الكفر نقيض الشكر فإذا لم يكن شاكرا كان كافرا. قال الشيخ تقي الدين: هذا المذهب المحكي عن أهل السنة خطأ والنقل عن أهل السنة خطأ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 30-09-2021, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (16)

من صــ 346 الى صــ 352


فإن مذهب أهل السنة: أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل. قال الله تعالى: {اعملوا آل داود شكرا} {وقام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:
أفلا أكون عبدا شكورا}. قال ابن المرحل: أنا لا أتكلم في الدليل وأسلم ضعف هذا القول؛ لكن أنا أنقل أنه مذهب أهل السنة. قال الشيخ تقي الدين:
نسبة هذا إلى أهل السنة خطأ فإن القول إذا ثبت ضعفه كيف ينسب إلى أهل الحق؟ ثم قد صرح من شاء الله من العلماء المعروفين بالسنة أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل وقد دل على ذلك الكتاب والسنة. قلت: وباب سجود الشكر في الفقه أشهر من أن يذكر وقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سجدة سورة ص سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا}.
ثم من الذي قال من أئمة السنة: إن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد؟. قال ابن المرحل: - هذا قد نقل والنقل لا يمنع لكن يستشكل. ويقال: هذا مذهب مشكل.

قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: النقل نوعان. أحدهما: أن ينقل ما سمع أو رأى. والثاني: ما ينقل باجتهاد واستنباط. وقول القائل: مذهب فلان كذا أو مذهب أهل السنة كذا قد يكون نسبه إليه لاعتقاده أن هذا مقتضى أصوله وإن لم يكن فلان قال ذلك. ومثل هذا يدخله الخطأ كثيرا.

ألا ترى أن كثيرا من المصنفين يقولون: مذهب الشافعي أو غيره كذا ويكون منصوصه بخلافه؟ وعذرهم في ذلك: أنهم رأوا أن أصوله تقتضي ذلك القول فنسبوه إلى مذهبه من جهة الاستنباط لا من جهة النص؟. وكذلك هذا لما كان أهل السنة لا يكفرون بالمعاصي والخوارج يكفرون بالمعاصي. ثم رأى المصنف الكفر ضد الشكر -:

أعتقد أنا إذا جعلنا الأعمال شكرا لزم انتفاء الشكر بانتفائها ومتى انتفى الشكر خلفه الكفر ولهذا قال: إنهم بنوا على ذلك: التكفير بالذنوب. فلهذا عزي إلى أهل السنة إخراج الأعمال عن الشكر. قلت: كما أن كثيرا من المتكلمين أخرج الأعمال عن الإيمان لهذه العلة. قال: وهذا خطأ لأن التكفير نوعان: أحدهما: كفر النعمة. والثاني: الكفر بالله. والكفر الذي هو ضد الشكر:
إنما هو كفر النعمة لا الكفر بالله. فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة لا الكفر بالله. قلت: على أنه لو كان ضد الكفر بالله فمن ترك الأعمال شاكرا بقلبه ولسانه فقد أتى ببعض الشكر وأصله. والكفر إنما يثبت إذا عدم الشكر بالكلية. كما قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرا حتى يترك أصل الإيمان. وهو الاعتقاد.

ولا يلزم من زوال فروع الحقيقة - التي هي ذات شعب وأجزاء - زوال اسمها كالإنسان إذا قطعت يده أو الشجرة إذا قطع بعض فروعها. قال الصدر ابن المرحل: فإن أصحابك قد خالفوا الحسن البصري في تسمية الفاسق كافر النعمة كما خالفوا الخوارج في جعله كافرا بالله. قال الشيخ تقي الدين: أصحابي لم يخالفوا الحسن في هذا فعمن تنقل من أصحابي هذا؟ بل يجوز عندهم أن يسمى الفاسق كافر النعمة حيث أطلقته الشريعة.

قال ابن المرحل: إني أنا ظننت أن أصحابك قد قالوا هذا لكن أصحابي قد خالفوا الحسن في هذا. قال الشيخ تقي الدين: - ولا أصحابك خالفوه. فإن أصحابك قد تأولوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي أطلق فيها الكفر على بعض الفسوق - مثل ترك الصلاة. وقتال المسلمين - على أن المراد به كفر النعمة. فعلم أنهم يطلقون على المعاصي في الجملة أنها كفر النعمة.
فعلم أنهم موافقو الحسن لا مخالفوه. ثم عاد ابن المرحل فقال: أنا أنقل هذا عن المصنف. والنقل ما يمنع لكن يستشكل. قال الشيخ تقي الدين: إذا دار الأمر بين أن ينسب إلى أهل السنة مذهب باطل أو ينسب الناقل عنهم إلى تصرفه في النقل كان نسبة الناقل إلى التصرف أولى من نسبة الباطل إلى طائفة أهل الحق مع أنهم صرحوا في غير موضع:
أن الشكر يكون بالقول والعمل والاعتقاد. وهذا أظهر من أن ينقل عن واحد بعينه. ثم إنا نعلم بالاضطرار أنه ليس من أصول أهل الحق: إخراج الأعمال أن تكون شكرا لله. بل قد نص الفقهاء على أن الزكاة شكر نعمة المال. وشواهد هذا أكثر من أن تحتاج إلى نقل.
وتفسير الشكر بأنه يكون بالقول والعمل في الكتب التي يتكلم فيها على لفظ " الحمد " " والشكر " مثل كتب التفسير واللغة وشروح الحديث يعرفه آحاد الناس. والكتاب والسنة قد دلا على ذلك.
فخرج ابن المرحل إلى شيء غير هذا فقال: - الحسن البصري يسمى الفاسق منافقا وأصحابك لا يسمونه منافقا. قال الشيخ تقي الدين له: بل يسمى منافقا النفاق الأصغر لا النفاق الأكبر. والنفاق يطلق على النفاق الأكبر الذي هو إضمار الكفر وعلى النفاق الأصغر الذي هو اختلاف السر والعلانية في الواجبات. قال له ابن المرحل: - ومن أين قلت: إن الاسم يطلق على هذا وعلى هذا؟.
قال الشيخ تقي الدين: - هذا مشهور عند العلماء. وبذلك فسروا قول النبي صلى الله عليه وسلم {آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان} وقد ذكر ذلك الترمذي وغيره. وحكوه عن العلماء. وقال غير واحد من السلف " كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك ".
وإذا كان النفاق جنسا تحته نوعان فالفاسق داخل في أحد نوعيه.
قال ابن المرحل: كيف تجعل النفاق اسم جنس وقد جعلته لفظا مشتركا وإذا كان اسم جنس كان متواطئا والأسماء المتواطئة غير المشتركة فكيف تجعله مشتركا متواطئا ". قال الشيخ تقي الدين: أنا لم أذكر أنه مشترك.
وإنما قلت: يطلق على هذا وعلى هذا والإطلاق أعم. ثم لو قلت: إنه مشترك لكان الكلام صحيحا. فإن اللفظ الواحد قد يطلق على شيئين بطريق التواطؤ وبطريق الاشتراك. فأطلقت لفظ النفاق على إبطان الكفر وإبطان المعصية تارة بطريق الاشتراك وتارة بطريق التواطؤ كما أن لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن عند قوم باعتبار الاشتراك وعند قوم باعتبار التواطؤ. ولهذا سمي مشككا. قال ابن المرحل: - كيف يكون هذا؟ وأخذ في كلام لا يحسن ذكره.
قال له الشيخ تقي الدين: - المعاني الدقيقة تحتاج إلى إصغاء واستماع وتدبر. وذلك أن الماهيتين إذا كان بينهما قدر مشترك وقدر مميز واللفظ يطلق على كل منهما فقد يطلق عليهما باعتبار ما به تمتاز كل ماهية عن الأخرى. فيكون مشتركا كالاشتراك اللفظي. وقد يكون مطلقا باعتبار القدر المشترك بين الماهيتين. فيكون لفظا متواطئا.
قلت: ثم إنه في اللغة يكون موضوعا للقدر المشترك ثم يغلب عرف الاستعمال على استعماله: في هذا تارة وفي هذا تارة. فيبقى دالا بعرف الاستعمال على ما به الاشتراك والامتياز.
وقد يكون قرينة مثل لام التعريف أو الإضافة تكون هي الدالة على ما به الامتياز مثال ذلك: " اسم الجنس " إذا غلب في العرف على بعض أنواعه كلفظ الدابة إذا غلب على الفرس قد نطلقه على الفرس باعتبار القدر المشترك بينها وبين سائر الدواب.
فيكون متواطئا. وقد نطلقه باعتبار خصوصية الفرس فيكون مشتركا بين خصوص الفرس وعموم سائر الدواب ويصير استعماله في الفرس: تارة بطريق التواطؤ وتارة بطريق الاشتراك. وهكذا اسم الجنس إذا غلب على بعض الأشخاص وصار علما بالغلبة:
مثل ابن عمرو والنجم فقد نطلقه عليه باعتبار القدر المشترك بينه وبين سائر النجوم وسائر بني عمرو. فيكون إطلاقه عليه بطريق التواطؤ. وقد نطلقه عليه باعتبار ما به يمتاز عن غيره من النجوم ومن بني عمرو.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 30-09-2021, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (17)

من صــ 353 الى صــ 359


فيكون بطريق الاشتراك بين هذا المعنى الشخصي وبين المعنى النوعي.
وهكذا كل اسم عام غلب على بعض أفراده يصح استعماله في ذلك الفرد بالوضع الأول العام فيكون بطريق التواطؤ وبالوضع الثاني فيصير بطريق الاشتراك.

ولفظ " النفاق " من هذا الباب. فإنه في الشرع إظهار الدين وإبطان خلافه. وهذا المعنى الشرعي أخص من مسمى النفاق في اللغة فإنه في اللغة أعم من إظهار الدين. ثم إبطان ما يخالف الدين إما أن يكون كفرا أو فسقا.
فإذا أظهر أنه مؤمن وأبطن التكذيب فهذا هو النفاق الأكبر الذي أوعد صاحبه بأنه في الدرك الأسفل من النار. وإن أظهر أنه صادق أو موف أو أمين وأبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك. فهذا هو النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقا.
فإطلاق النفاق عليهما في الأصل بطريق التواطؤ. وعلى هذا؛ فالنفاق اسم جنس تحته نوعان. ثم إنه قد يراد به النفاق في أصل الدين مثل قوله {إن المنافقين في الدرك الأسفل} و {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} والمنافق هنا: الكافر. وقد يراد به النفاق في فروعه. مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
{آية المنافق ثلاث} وقوله {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا} وقول ابن عمر: فيمن يتحدث عند الأمراء بحديث. ثم يخرج فيقول بخلافه " كنا نعد هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نفاقا " فإذا أردت به أحد النوعين. فإما أن يكون تخصيصه لقرينة لفظية مثل لام العهد؛ والإضافة. فهذا لا يخرجه عن أن يكون متواطئا كما إذا قال الرجل: جاء القاضي.
وعنى به قاضي بلده لكون اللام للعهد. كما قال سبحانه: {فعصى فرعون الرسول} أن اللام هي أوجبت قصر الرسول على موسى لا نفس لفظ " رسول ".
وإما أن يكون لغلبة الاستعمال عليه فيصير مشتركا بين اللفظ العام والمعنى الخاص. فكذلك قوله {إذا جاءك المنافقون} فإن تخصيص هذا اللفظ بالكافر إما أن يكون لدخول اللام التي تفيد العهد والمنافق المعهود: هو الكافر.
أو تكون لغلبة هذا الاسم في الشرع على نفاق الكفر. وقوله صلى الله عليه وسلم {ثلاث من كن فيه كان منافقا} يعني به منافقا بالمعنى العام وهو إظهاره من الدين خلاف ما يبطن. فإطلاق لفظ " النفاق " على الكافر وعلى الفاسق إن أطلقته باعتبار ما يمتاز به عن الفاسق.
كان إطلاقه عليه وعلى الفاسق باعتبار الاشتراك. وكذلك يجوز أن يراد به الكافر خاصة. ويكون متواطئا إذا كان الدال على الخصوصية غير لفظ " منافق " بل لام التعريف.
وهذا البحث الشريف جار في كل لفظ عام استعمل في بعض أنواعه إما لغلبة الاستعمال أو لدلالة لفظية خصته بذلك النوع. مثل تعريف الإضافة أو تعريف اللام. فإن كان لغلبة الاستعمال صح أن يقال: إن اللفظ مشترك. وإن كان لدلالة لفظية كان اللفظ باقيا على مواطأته. فلهذا صح أن يقال " النفاق " اسم جنس تحته نوعان. لكون اللفظ في الأصل عاما متواطئا.
وصح أن يقال: هو مشترك بين النفاق في أصل الدين وبين مطلق النفاق في الدين. لكونه في عرف الاستعمال الشرعي غلب على نفاق الكفر.
بحث ثان
وهو أن الحمد والشكر بينهما عموم وخصوص.

فالحمد أعم من جهة أسبابه التي يقع عليها؛ فإنه يكون على جميع الصفات والشكر لا يكون إلا على الإحسان. والشكر أعم من جهة ما به يقع فإنه يكون بالاعتقاد والقول والفعل. والحمد يكون بالفعل أو بالقول أو بالاعتقاد. أورد الشيخ الإمام زين الدين ابن المنجا الحنبلي: أن هذا الفرق إنما هو من جهة متعلق الحمد والشكر لأن كونه يقع على كذا ويقع بكذا خارج عن ذاته فلا يكون فرقا في الحقيقة والحدود إنما يتعرض فيها لصفات الذات لا لما خرج عنها.
فقال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية: - المعاني على قسمين: مفردة ومضافة. فالمعاني المفردة: حدودها لا توجد فيها بتعلقاتها. وأما المعاني الإضافية فلا بد أن يوجد في حدودها تلك الإضافات. فإنها داخلة في حقيقتها. ولا يمكن تصورها إلا بتصور تلك المتعلقات فتكون المتعلقات جزءا من حقيقتها فتعين ذكرها في الحدود.
والحمد والشكر معلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. فلا يتم ذكر حقيقتهما إلا بذكر متعلقهما. فيكون متعلقهما داخلا في حقيقتهما. فاعترض الصدر ابن المرحل: بأنه ليس للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية.
فلا يكون للحمد والشكر من متعلقهما صفة ثبوتية. فإن المتعلق صفة نسبية. والنسب أمور عدمية. وإذا لم تكن صفة ثبوتية لم تكن داخلة في الحقيقة. لأن العدم لا يكون جزءا من الوجود. فقال الشيخ تقي الدين: قولك: ليس للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية. ليس على العموم.
بل قد يكون للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية وقد لا يكون. وإنما الذي يقوله أكثر المتكلمين: ليس لمتعلق القول من القول صفة ثبوتية. ثم الصفات المتعلقة نوعان: أحدهما: إضافة محضة. مثل الأبوة والبنوة والفوقية والتحتية ونحوها.
فهذه الصفة هي التي يقال فيها: هي مجرد نسبة وإضافة. والنسب أمور عدمية. والثاني صفة ثبوتية مضافة إلى غيرها كالحب والبغض والإرادة والكراهة والقدرة وغير ذلك من الصفات فإن الحب صفة ثبوتية متعلقة بالمحبوب. فالحب معروض للإضافة بمعنى أن الإضافة صفة عرضت له؛ لا أن نفس الحب هو الإضافة. ففرق بين ما هو إضافة وبين ما هو صفة مضافة. فالإضافة يقال فيها: إنها عدمية.
قال: وأما الصفة المضافة فقد تكون ثبوتية كالحب. قال ابن المرحل: الحب أمر عدمي. لأن الحب نسبة والنسب عدمية. قال الشيخ تقي الدين: كون الحب والبغض والإرادة والكراهة أمرا عدميا باطل. بالضرورة.
وهو خلاف إجماع العقلاء. ثم هو مذهب بعض المعتزلة في إرادة الله. فإنه زعم أنها صفة سلبية. بمعنى أنه غير مغلوب ولا مستكره. وأطبق الناس على بطلان هذا القول. وأما إرادة المخلوق وحبه وبغضه فلم نعلم أحدا من العقلاء قال: إنه عدمي. فأصر ابن المرحل على أن الحب - الذي هو ميل القلب إلى المحبوب - أمر عدمي. وقال: المحبة: أمر وجودي.
قال الشيخ تقي الدين: - المحبة هي الحب. فإنه يقال: أحبه وحبه حبا ومحبة. ولا فرق. وكلاهما مصدر. قال ابن المرحل: وأنا أقول: إنهما إذا كانا مصدرين فهما أمر عدمي. قال له الشيخ تقي الدين: الكلام إذا انتهى إلى المقدمات الضرورية فقد انتهى وتم.
وكون الحب والبغض أمرا وجوديا معلوم بالاضطرار؛ فإن كل أحد يعلم أن الحي إن كان خاليا عن الحب كان هذا الخلو صفة عدمية. فإذا صار محبا فقد تغير الموصوف وصار له صفة ثبوتية زائدة على ما كان قبل أن يقوم به الحب.
ومن يحس ذلك من نفسه يجده كما يجد شهوته ونفرته ورضاه وغضبه ولذته وألمه. ودليل ذلك: أنك تقول: أحب يحب محبة. ونقيض أحب: لم يحب. ولم يحب صفة عدمية ونقيض العدم الإثبات. قال ابن المرحل: هذا ينتقض بقولهم: امتنع يمتنع؛ فإن نقيض الامتناع: لا امتناع.
وامتناع صفة عدمية. قال الشيخ تقي الدين: الامتناع أمر اعتباري عقلي؛ فإن الممتنع ليس له وجود خارجي. حتى تقوم به صفة. وإنما هو معلوم بالعقل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 30-09-2021, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (18)

من صــ 360 الى صــ 366


وباعتبار كونه معلوما له ثبوت علمي وسلب هذا الثبوت العلمي: عدم هذا الثبوت؛ فلم ينقض هذا قولنا: نقيض العدم ثبوت وأما الحب فإنه صفة قائمة بالمحب. فإنك تشير إلى عين خارجة وتقول: هذا الحي صار محبا بعد أن لم يكن محبا. فتخبر عن الوجود الخارجي.
فإذا كان نقيضها عدما خارجيا كانت وجودا خارجيا.
وفي الجملة: فكون الحب والبغض صفة ثبوتية وجودية معلوم بالضرورة. فلا يقبل فيه نزاع ولا يناظر صاحبه إلا مناظرة السوفسطائية. قلت: وإذا كان الحب والبغض ونحوهما من الصفات المضافة المتعلقة بالغير: صفات وجودية. ظهر الفرق بين الصفات التي هي إضافة ونسبة. وبين الصفات التي هي مضافة منسوبة.
فالحمد والشكر من القسم الثاني؛ فإن الحمد أمر وجودي متعلق بالمحمود عليه. وكذلك الشكر أمر وجودي متعلق بالمشكور عليه. فلا يتم فهم حقيقتهما إلا بفهم الصفة الثبوتية لهما التي هي متعلقة بالغير.
وتلك الصفة داخلة في حقيقتهما. فإذا كان متعلق أحدهما أكبر من متعلق الآخر وذلك التعلق إنما هو عارض لصفة ثبوتية لهما. وجب ذكر تلك الصفة الثبوتية في ذكر حقيقتهما. والدليل على هذا: أن من لم يفهم الإحسان امتنع أن يفهم الشكر
فعلم أن تصور متعلق الشكر داخل في تصور الشكر. قلت: ولو قيل: إنه ليس هذا إلا أمرا عدميا. فالحقيقة إن كانت مركبة من وجود وعدم وجب ذكرهما في تعريف الحقيقة. كما أن من عرف الأب من حيث هو أب. فإن تصوره موقوف على تصور الأبوة التي هي نسبة وإضافة. وإن كان الأب أمرا وجوديا.
فالحمد والشكر متعلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. وإن لم يكن هذا المتعلق عارضا لصفة ثبوتية. فلا يفهم الحمد والشكر إلا بفهم هذا المتعلق. كما لا يفهم معنى الأب إلا بفهم معنى الأبوة الذي هو التعلق. وكذلك الحمد والشكر أمران متعلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. وهذا التعلق جزء من هذا المسمى. بدليل أن من لم يفهم الصفات الجميلة لم يفهم الحمد. ومن لم يفهم الإحسان لم يفهم الشكر.
فإذا كان فهمها موقوفا على فهم متعلقهما فوقوفه على فهم التعلق أولى. فإن التعلق فرع على المتعلق. وتبع له. فإذا توقف فهمهما على فهم المتعلق الذي هو أبعد عنهما من التعلق. فتوقفه على فهم التعلق أولى. وإن كان التعلق أمرا عدميا. والله أعلم.

قال له الشيخ تقي الدين ابن تيمية: - قوله: {وأحل الله البيع} قد أتبع بقوله {وحرم الربا} وعامة أنواع الربا يسمى بيعا. والربا - وإن كان اسما مجملا - فهو مجهول. واستثناء المجهول من المعلوم يوجب جهالة المستثنى فيبقى المراد إحلال البيع الذي ليس بربا.

فما لم يثبت أن الفرد المعين ليس بربا لم يصح إدخاله في البيع الحلال. وهذا يمنع دعوى العموم. وإن كان الربا اسما عاما فهو مستثنى من البيع أيضا. فيبقى البيع لفظا مخصوصا. فلا يصح ادعاء العموم على الإطلاق. قال ابن المرحل: - هذا من باب التخصيص. وهنا عمومان تعارضا وليس من باب الاستثناء. فإن صيغ الاستثناء معلومة.
وإذا كان هذا تخصيصا لم يمنع ادعاء العموم فيه. قال الشيخ تقي الدين: - هذا كلام متصل بعضه ببعض وهو من باب التخصيص المتصل. وتسميه الفقهاء استثناء كقوله: له هذه الدار ولي منها هذا البيت. فإن هذا بمنزلة قوله: إلا هذا البيت. وكذلك لو قال: أكرم هؤلاء القوم ولا تكرم فلانا وهو منهم. كان بمنزلة قوله: إلا فلانا. وإذا كان كذلك صار بمنزلة قوله: أحل الله البيع إلا ما كان منه ربا.
فمن ادعى بعد هذا أنه عام في كل ما يسمى بيعا فهو مخطئ. قال ابن المرحل: أنا أسلم أنه إنما هو عام في كل بيع لا يسمى ربا. قال له الشيخ تقي الدين: وهذا كان المقصود. ولكن بطل بهذا دعوى عمومه على الإطلاق؛ فإن دعوى العموم على الإطلاق ينافي دعوى العموم في بعض الأنواع دون بعض. وهذا كلام بين. وادعى مدع. أن فيه قولين.
أحدهما: أنه عام مخصوص. والثاني: أنه عموم مراد. فقال الشيخ تقي الدين: فإن دعوى أنه عموم مراد: باطل قطعا فإنا نعلم أن كثيرا من أفراد البيع حرام. فاعترض ابن المرحل: بأن تلك الأفراد حرمت بعدما أحلت.
فيكون نسخا. قال الشيخ تقي الدين: - فيلزم من هذا أن لا نحرم شيئا من البيوع بخبر واحد ولا بقياس. فإن نسخ القرآن لا يجوز بذلك. وإنما يجوز تخصيصه به. وقد اتفق الفقهاء على التحريم بهذه الطريقة.
قال ابن المرحل: رجعت عن هذا السؤال؛ لكن أقول هو عموم مراد في كل ما يسمى بيعا في الشرع. فإن البيع من الأسماء المنقولة إلى كل بيع صحيح شرعي. قال الشيخ تقي الدين: البيع ليس من الأسماء المنقولة؛ فإن مسماه في الشرع والعرف هو المسمى اللغوي؛ لكن الشارع اشترط لحله وصحته شروطا. كما قد كان أهل الجاهلية لهم شروط أيضا بحسب اصطلاحهم. وهكذا سائر أسماء العقود مثل الإجارة والرهن والهبة والقرض والنكاح. إذا أريد به العقد وغير ذلك: هي باقية على مسمياتها.
والنقل إنما يحتاج إليه إذا أحدث الشارع معاني لم تكن العرب تعرفها. مثل الصلاة والزكاة والتيمم. فحينئذ يحتاج إلى النقل. ومعاني هذه العقود ما زالت معروفة. قال ابن المرحل: أصحابي قد قالوا: إنها منقولة. قال الشيخ تقي الدين: لو كان لفظ البيع في الآية المراد به البيع الصحيح الشرعي لكان التقدير: أحل الله البيع الصحيح الشرعي.
أو أحل الله البيع الذي هو عنده حلال. وهذا - مع أنه مكرر - فإنه يمنع الاستدلال بالآية. فإنا لا نعلم دخول بيع من البيوع في الآية حتى نعلم أنه بيع صحيح شرعي. ومتى علمنا ذلك استغنينا عن الاستدلال بالآية.
قال ابن المرحل: - متى ثبت أن هذا الفرد يسمى بيعا في اللغة.

قلت: هو بيع في الشرع؛ لأن الأصل عدم النقل وإذا كان بيعا في الشرع دخل في الآية. قال الشيخ تقي الدين: هذا إنما يصح لو لم يثبت أن الاسم منقول أما إذا ثبت أنه منقول. لم يصح إدخال فرد فيه. حتى يثبت أن الاسم المنقول واقع عليه.
وإلا فيلزم من هذا أن كل ما سمي في اللغة صلاة وزكاة وتيمما وصوما وبيعا وإجارة ورهنا: أنه يجوز إدخاله في المسمى الشرعي بهذا الاعتبار. وعلى هذا التقدير:
فلا يبقى فرق بين الأسماء المنقولة وغيرها. وإنما يقال: الأصل عدم النقل إذا لم يثبت. بل متى ثبت النقل فالأصل عدم دخول هذا الفرد في الاسم المنقول حتى يثبت أنه داخل فيه بعد النقل.
فصل:
قال الله عز وجل في أول السورة: {الحمد لله رب العالمين} فبدأ بهذين الاسمين: الله والرب. و " الله " هو الإله المعبود فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر. الحمد لله سبحان الله لا إله إلا الله و " الرب " هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة.

ولهذا يقال: {رب اغفر لي ولوالدي} {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب. فالاسم الأول يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه وما خلق له وما فيه صلاحه وكماله وهو عبادة الله والاسم الثاني يتضمن خلق العبد ومبتداه وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية والربوبية تستلزم الألوهية أيضا. والاسم " الرحمن " يتضمن كمال التعليقين وبوصف الحالين فيه تتم سعادته في دنياه وأخراه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 30-09-2021, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (19)

من صــ 367 الى صــ 373



ولهذا قال تعالى: {وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب} فذكر هنا الأسماء الثلاثة:
(الرحمن و (ربي و (الإله وقال: {عليه توكلت وإليه متاب} كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن؛ لكن بدأ هناك باسم الله؛ولهذا بدأ في السورة بـ (إياك نعبد) فقدم الاسم وما يتعلق به من العبادة؛ لأن تلك السورة فاتحة الكتاب وأم القرآن فقدم فيها المقصود الذي هو العلة الغائية فإنها علة فاعلية للعلة الغائية.
وقد بسطت هذا المعنى في مواضع؛ في أول " التفسير " وفي " قاعدة المحبة والإرادة " وفي غير ذلك.
فصل:
ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته وكان الدعاء له والاستعانة به والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له والإنابة إليه. ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية وقد أخبر عنهم أنهم {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال:
{وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين} فأخبر أنهم مقرون بربوبيته وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم.

وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته؛ لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون وهؤلاء من جنس الملوك وقد ذم الله عز وجل في القرآن هذا الصنف كثيرا فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق ويعملون عليها وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به والله سبحانه أعلم.
فصل:
وذلك أن الإنسان بل وجميع المخلوقات عباد لله تعالى فقراء إليه مماليك له وهو ربهم ومليكهم وإلههم لا إله إلا هو فالمخلوق ليس له من نفسه شيء أصلا؛ بل نفسه وصفاته وأفعاله وما ينتفع به أو يستحقه وغير ذلك إنما هو من خلق الله والله عز وجل رب ذلك كله ومليكه وبارئه وخالقه ومصوره.
وإذا قلنا ليس له من نفسه إلا العدم فالعدم ليس هو شيئا يفتقر إلى فاعل موجود؛ بل العدم ليس بشيء وبقاؤه مشروط بعدم فعل الفاعل لا أن عدم الفاعل يوجبه ويقتضيه كما يوجب الفاعل المفعول الموجود؛ بل قد يضاف عدم المعلول إلى عدم العلة وبينهما فرق وذلك أن المفعول الموجود إنما خلقه وأبدعه الفاعل وليس المعدوم أبدعه عدم الفاعل فإنه يفضي إلى التسلسل والدور؛ ولأنه ليس اقتضاء أحد العدمين للآخر بأولى من العكس؛ فإنه ليس أحد العدمين مميزا لحقيقة استوجب بها أن يكون فاعلا وإن كان يعقل أن عدم المقتضي أولى بعدم الأثر من العكس فهذا لأنه لما كان وجود المقتضي هو المفيد لوجود المقتضي صار العقل يضيف عدمه إلى عدمه إضافة لزومية؛ لأن عدم الشيء إما أن يكون لعدم المقتضي أو لوجود المانع.
وبعد قيام المقتضي لا يتصور أن يكون العدم إلا لأجل هاتين الصورتين أو الحالتين؛ فلما كان الشيء الذي انعقد سبب وجوده يعوقه ويمنعه المانع المنافي وهو أمر موجود وتارة لا يكون سببه قد انعقد صار عدمه تارة ينسب إلى عدم مقتضيه وتارة إلى وجود مانعه ومنافيه. وهذا معنى قول المسلمين:
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ إذ مشيئته هي الموجبة وحدها لا غيرها فيلزم من انتفائها انتفاؤه لا يكون شيء حتى تكون مشيئته لا يكون شيء بدونها بحال فليس لنا سبب يقتضي وجود شيء حتى تكون مشيئته مانعة من وجوده بل مشيئته هي السبب الكامل فمع وجودها لا مانع ومع عدمها لا مقتضى {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}.
وإذا عرف أن العبد ليس له من نفسه خير أصلا؛ بل ما بنا من نعمة فمن الله وإذا مسنا الضر فإليه نجأر والخير كله بيديه كما قال: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وقال: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في سيد الاستغفار الذي في صحيح البخاري:
{اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} وقال في دعاء الاستفتاح الذي في صحيح مسلم:{لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك تباركت ربنا وتعاليت}. وذلك أن الشر إما أن يكون موجودا أو معدوما فالمعدوم سواء كان عدم ذات أو عدم صفة من صفات كمالها أو فعل من أفعالها مثل عدم الحياة أو العلم أو السمع أو البصر أو الكلام أو العقل أو العمل الصالح على تنوع أصنافه مثل معرفة الله ومحبته وعبادته والتوكل عليه والإنابة إليه ورجائه وخشيته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وغير ذلك من الأمور المحمودة الباطنة والظاهرة من الأقوال والأفعال.
فإن هذه الأمور كلها خيرات وحسنات وعدمها شر وسيئات؛ لكن هذا العدم ليس بشيء أصلا حتى يكون له بارئ وفاعل فيضاف إلى الله وإنما هو من لوازم النفس التي هي حقيقة الإنسان قبل أن تخلق وبعد أن خلقت؛ فإنها قبل أن تخلق عدم مستلزم لهذا العدم وبعد أن خلقت - وقد خلقت ضعيفة ناقصة - فيها النقص والضعف والعجز فإن هذه الأمور عدمية فأضيف إلى النفس من باب إضافة عدم المعلول إلى عدم علته وعدم مقتضيه وقد تكون من باب إضافته إلى وجود منافيه من وجه آخر سنبينه إن شاء الله تعالى.
و " نكتة الأمر " أن هذا الشر والسيئات العدمية ليست موجودة حتى يكون الله خالقها فإن الله خالق كل شيء.
والمعدومات تنسب تارة إلى عدم فاعلها وتارة إلى وجود مانعها فلا تنسب إليه هذه الشرور العدمية على الوجهين:
أما " الأول " فلأنه الحق المبين فلا يقال عدمت لعدم فاعلها ومقتضيها.
وأما " الثاني " - وهو وجود المانع - فلأن المانع إنما يحتاج إليه إذا وجد المقتضي ولو شاء فعلها لما منعه مانع وهو - سبحانه - لا يمنع نفسه ما شاء فعله؛ بل هو فعال لما يشاء؛ ولكن الله قد يخلق هذا سببا ومقتضيا ومانعا فإن جعل السبب تاما لم يمنعه شيء وإن لم يجعله تاما منعه المانع لضعف السبب وعدم إعانة الله له فلا يعدم أمر إلا لأنه لم يشأه كما لا يوجد أمر إلا لأنه يشاؤه وإنما تضاف هذه السيئات العدمية إلى العبد لعدم السبب منه تارة ولوجود المانع منه أخرى.
أما عدم السبب فظاهر فإنه ليس منه قوة ولا حول ولا خير ولا سبب خير أصالة ولو كان منه شيء لكان سببا فأضيف إليه لعدم السبب؛ ولأنه قد صدرت منه أفعال كان سببا لها بإعانة الله له فما لم يصدر منه كان لعدم السبب.
وأما وجود المانع المضاد له المنافي فلأن نفسه قد تضيق وتضعف وتعجز أن تجمع بين أفعال ممكنة في نفسها متنافية في حقه فإذا اشتغل بسمع شيء أو بصره أو الكلام في شيء أو النظر فيه أو إرادته أو اشتغلت جوارحه بعمل كثير اشتغلت عن عمل آخر وإن كان ذلك خيرا لضيقه وعجزه؛ فصار قيام إحدى الصفات والأفعال به مانعا وصادا عن آخر.
والضيق والعجز يعود إلى عدم قدرته فعاد إلى العدم الذي هو منه والعدم المحض ليس بشيء حتى يضاف إلى الله تعالى وأما إن كان الشيء موجودا كالألم وسبب الألم فينبغي أن يعرف أن الشر الموجود ليس شرا على الإطلاق ولا شرا محضا وإنما هو شر في حق من تألم به وقد تكون مصائب قوم عند قوم فوائد. ولهذا جاء في الحديث الذي رويناه مسلسلا {آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره} وفي الحديث الذي رواه أبو داود:
{لو أنفقت ملء الأرض ذهبا لما قبله منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك} فالخير والشر هما بحسب العبد المضاف إليه كالحلو والمر سواء وذلك أن من لم يتألم بالشيء ليس في حقه شرا ومن تنعم به فهو في حقه خير كما {كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من قص عليه أخوه رؤيا أن يقول:
خيرا تلقاه وشرا توقاه خيرا لنا وشرا لأعدائنا} فإنه إذا أصاب العبد شر سر قلب عدوه؛ فهو خير لهذا وشر لهذا؛ ومن لم يكن له وليا ولا عدوا فليس في حقه خيرا ولا شرا وليس في مخلوقات الله ما يؤلم الخلق كلهم دائما ولا ما يؤلم جمهورهم دائما؛ بل مخلوقاته إما منعمة لهم أو لجمهورهم في أغلب الأوقات كالشمس والعافية فلم يكن في الموجودات التي خلقها الله ما هو شر مطلقا عاما.
فعلم أن الشر المخلوق الموجود شر مقيد خاص وفيه وجه آخر هو به خير وحسن وهو أغلب وجهيه كما قال تعالى: {أحسن كل شيء خلقه} وقال تعالى:
{صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقال تعالى: {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} وقال: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا}. وقد علم المسلمون أن الله لم يخلق شيئا ما إلا لحكمة؛ فتلك الحكمة وجه حسنه وخيره ولا يكون في المخلوقات شر محض لا خير فيه ولا فائدة فيه بوجه من الوجوه؛ وبهذا يظهر معنى قوله:
{والشر ليس إليك} وكون الشر لم يضف إلى الله وحده؛ بل إما بطريق العموم أو يضاف إلى السبب أو يحذف فاعله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 30-09-2021, 03:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (20)

من صــ 374 الى صـ
ـ 380
فهذا الشر الموجود الخاص المقيد سببه: إما عدم وإما وجود؛ فالعدم مثل عدم شرط أو جزء سبب إذ لا يكون سببه عدما محضا فإن العدم المحض لا يكون سببا تاما لوجود؛ ولكن يكون سبب الخير واللذة قد انعقد ولا يحصل الشرط فيقع الألم؛ وذلك مثل عدم فعل الواجبات الذي هو سبب الذم والعقاب ومثل عدم العلم الذي هو سبب ألم الجهل وعدم السمع والبصر والنطق الذي هو سبب الألم بالعمى والصمم والبكم وعدم الصحة والقوة الذي هو سبب الألم والمرض والضعف. فهذه المواضع ونحوها يكون الشر أيضا مضافا إلى العدم المضاف إلى العبد حتى يتحقق قول الخليل:
{وإذا مرضت فهو يشفين} فإن المرض وإن كان ألما موجودا فسببه ضعف القوة وانتفاء الصحة الموجودة وذلك عدم هو من الإنسان المعدوم بنفسه حتى يتحقق قول الحق {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وقوله: {قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} ونحو ذلك فيما كان سببه عدم فعل الواجب وكذلك قول الصحابي: وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان.
يبين ذلك أن المحرمات جميعها من الكفر والفسوق والعصيان إنما يفعلها العبد لجهله أو لحاجته فإنه إذا كان عالما بمضرتها وهو غني عنها امتنع أن يفعلها والجهل أصله عدم والحاجة أصلها العدم.
فأصل وقوع السيئات منه عدم العلم والغنى ولهذا يقول في القرآن: {ما كانوا يستطيعون السمع} {أفلم تكونوا تعقلون}؟ {إنهم ألفوا آباءهم ضالين} {فهم على آثارهم يهرعون} إلى نحو هذه المعاني. وأما الموجود الذي هو سبب الشر الموجود الذي هو خاص كالآلام مثل الأفعال المحرمة من الكفر الذي هو تكذيب أو استكبار والفسوق الذي هو فعل المحرمات ونحو ذلك.
فإن ذلك سبب الذم والعقاب وكذلك تناول الأغذية الضارة وكذلك الحركات الشديدة المورثة للألم فهذا الوجود لا يكون وجودا تاما محضا؛ إذ الوجود التام المحض لا يورث إلا خيرا كما قلنا إن العدم المحض لا يقتضي وجودا؛ بل يكون وجودا ناقصا إما في السبب وإما في المحل كما يكون سبب التكذيب عدم معرفة الحق والإقرار به وسبب عدم هذا العلم والقول عدم أسبابه من النظر التام والاستماع التام لآيات الحق وأعلامه.
وسبب عدم النظر والاستماع: إما عدم المقتضي فيكون عدما محضا وإما وجود مانع من الكبر أو الحسد في النفس {والله لا يحب كل مختال فخور} وهو تصور باطل وسببه عدم غنى النفس بالحق فتعتاض عنه بالخيال الباطل.
و " الحسد " أيضا سببه عدم النعمة التي يصير بها مثل المحسود أو أفضل منه؛ فإن ذلك يوجب كراهة الحاسد لأن يكافئه المحسود أو يتفضل عليه. وكذلك الفسوق كالقتل والزنا وسائر القبائح إنما سببها حاجة النفس إلى الاشتفاء بالقتل والالتذاذ بالزنا وإلا فمن حصل غرضه بلا قتل أو نال اللذة بلا زنا لا يفعل ذلك والحاجة مصدرها العدم وهذا يبين - إذا تدبره الإنسان - أن الشر الموجود إذا أضيف إلى عدم أو وجود فلا بد أن يكون وجودا ناقصا فتارة يضاف إلى عدم كمال السبب أو فوات الشرط وتارة يضاف إلى وجود ويعبر عنه تارة بالسبب الناقص والمحل الناقص وسبب ذلك إما عدم شرط أو وجود مانع والمانع لا يكون مانعا إلا لضعف المقتضي وكل ما ذكرته واضح بين إلا هذا الموضع ففيه غموض يتبين عند التأمل وله طرفان:
" أحدهما " أن الموجود لا يكون سببه عدما محضا. و " الثاني " أن الموجود لا يكون سببا للعدم المحض وهذا معلوم بالبديهة أن الكائنات الموجودة لا تصدر إلا عن حق موجود.
ولهذا كان معلوما بالفطرة أنه لا بد لكل مصنوع من صانع كما قال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} يقول: أخلقوا من غير خالق خلقهم أم هم خلقوا أنفسهم؟.
ومن المتكلمين من استدل على هذا المطلوب بالقياس وضرب المثال. والاستدلال عليه ممكن ودلائله كثيرة. والفطرة عند صحتها أشد إقرارا به وهو لها أبده وهي إليه أشد اضطرارا من المثال الذي يقاس به.
وقد اختلف أهل الأصول في العلة الشرعية هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي فيها مع قولهم: إن العدمي يعلل بالعدمي؟ فمنهم من قال:
يعلل به ومنهم من أنكر ذلك ومنهم من فصل بين ما لا يجوز أن يكون علة للوجود في قياس العلة ويجوز أن تكون علته له في قياس الدلالة فلا يضاف إليه في قياس الدلالة وهذا فصل الخطاب وهو أن قياس الدلالة يجوز أن يكون العدم فيه علة وجزءا من علة؛ لأن عدم الوصف قد يكون دليلا على وصف وجودي يقتضي الحكم.
وأما " قياس العلة " فلا يكون العدم فيه علة تامة؛ لكن يكون جزءا من العلة التامة وشرطا للعلة المقتضية التي ليست بتامة وقلنا: جزء من العلة التامة. وهو معنى كونه شرطا في اقتضاء العلة الوجودية وهذا نزاع لفظي فإذا حققت المعاني ارتفع. فهذا في بيان أحد الطرفين وهو أن الموجود لا يكون سببه عدما محضا.
وأما " الطرف الثاني " وهو أن الموجود لا يكون سببا لوجود يستلزم عدما فلأن العدم المحض لا يفتقر إلى سبب موجود بل يكفي فيه عدم السبب الموجود؛ ولأن السبب الموجود إذا أثر فلا بد أن يؤثر شيئا والعدم المحض ليس بشيء فالأثر الذي هو عدم محض بمنزلة عدم الأثر؛ بل إذا أثر الإعدام فالإعدام أمر وجودي فيه عدم فإن جعل الموجود معدوما والمعدوم موجودا أمر معقول أما جعل المعدوم معدوما فلا يعقل إلا بمعنى الإبقاء على العدم والإبقاء على العدم يكفي فيه عدم الفاعل والفرق معلوم بين عدم الفاعل وعدم الموجب في عدم العلة وبين فاعل العدم وموجب العدم وعلة العدم. والعدم لا يفتقر إلى الثاني؛ بل يكفي فيه الأول.
فتبين بذلك الطرفان وهو أن العدم المحض الذي ليس فيه شوب وجود لا يكون وجودا ما: لا سببا ولا مسببا ولا فاعلا ولا مفعولا أصلا فالوجود المحض التام الذي ليس فيه شوب عدم لا يكون سببا لعدم أصلا ولا مسببا عنه ولا فاعلا له ولا مفعولا أما كونه ليس مسببا عنه ولا مفعولا له فظاهر وأما كونه ليس سببا له فإن كان سببا لعدم محض فالعدم المحض لا يفتقر إلى سبب موجود وإن كان لعدم فيه وجود فذاك الوجود لا بد له من سبب ولو كان سببه تاما وهو قابل لما دخل فيه عدم؛ فإنه إذا كان السبب تاما والمحل قابلا وجب وجود المسبب فحيث كان فيه عدم فلعدم ما في السبب أو في المحل فلا يكون وجودا محضا.

فظهر أن السبب حيث تخلف حكمه إن كان لفوات شرط فهو عدم وإن كان لوجود مانع فإنما صار مانعا لضعف السبب وهو أيضا عدم قوته وكماله فظهر أن الوجود ليس سبب العدم المحض وظهر بذلك القسمة الرباعية وهي أن الوجود المحض لا يكون إلا خيرا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 197.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.02 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]