البيان الختامي للنبي العدناني صلى الله عليه وسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 22 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-05-2022, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي البيان الختامي للنبي العدناني صلى الله عليه وسلم

البيان الختامي للنبي العدناني صلى الله عليه وسلم (1)
محمد السيد حسن محمد



هذا بيان نبوي عام، وهذا بيان رسولي هام؛ ولأنه عام لكل أحد، ولأنه موجه لسائر الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، ولأنه بيان موقع بتوقيع الخير والهدى للناس.

ولكنه بيان هام، وإنما تنبع أهميته من كونه يوجز ملتنا، وإذ قد تم تفصيلها، وعلى مدار ثلاثة وعشرين عامًا كاملة.

وإذ لم يتبقَّ ولربما شبر من أرض جزيرة العرب، وإلا كان له فيه من أثر، وإلا فيه سَبَّح، وإذ لم يتبقَّ باع وإلا فيه وَحَّد، ودعا، وآمن، وجاهد، وحلم، ولطف، وعفا، وأصلح، وتجاوز، وعاقد، وعاهد، وأبرم اتفاقات، وعقد معاهدات، وسالم، وحارب، ومنح، وأوفى، وأعطى، ومنع، وكافح، وربت، وحلم، وصفح، وتغاضى، ودك حصون كفر كانت منيعة، وأطر أصول التوحيد وقد كانت مندرسة، ووطد عقائد الحق في ربه، وإذ كانت مشاعًا، يأخذ هذا منها ما تراءى له، ويترك ذاك منها ما حلا له، وتنازل عن ذات عرضه، وإلا أنه كان يغضب، ومن أشده أن كان لله تعالى، وحين انهتكت محارمه.

وكان منه هذا الإيجاز؛ وليضع نبينا به الأمة أمام مسؤولياتها تجاه أنفسها، وحين تأخذ بنواصي أنفسها إلى مراقي الهدى والإيمان والأمان، ومستنقذة ذواتها من براثن الذل والخسران والهوان.

ويكأن هذين لا يتحصلان، أحدهما، أو كلاهما إلا حين الوقوف على عتبة العبودية لله تعالى العلي الأعلى، وينخلع العبيد - كل العبيد - من ذواتهم، وإذ ها هم يتلبسون بلباس واحد، هو ذلكم لباس التقوى؛ وحين قال الله مولانا الحق المبين سبحانه: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

ويكأنه بيان ختامي، وإذ اتفق من لفظه، ومع بيانات الأغيار، ولكنه وقد اختلف، ومما حمله من بيان، ومما أضفاه من معانٍ.

وإذ كان هذا من تدبيجنا، ونحن عنه المسؤولون، وحين كان حقًّا لائقًا فنعما ما أسميناه، ونرجو له القبول، وإن اختلف حوله، فالتماس إعذارنا لمأمول.

وأوجزه في عشرين مسألة:
المسألة الأولى: قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].


هذه هي الآية الثالثة من سورة المائدة، وكما هو بيِّن من ألطافها، هو ذلكم تقاطر الدمع من وجنتيها، وانهمار المقل من حواليها، وحتى صارت مدامع سجامًا، لا مدمعًا واحدًا، وهي إذ تتأبى لا على نظر وشيك محدق، أو إبصار قريب مقبل؛ ولما قد حل بها من هول مطلع، ويكأنها لم تك يومًا له مستشرفة، ولا بها منه هاجس الحلول أو الظهور أو حتى الطلة الواحدة، ولو من ثقب تراه ظاهرًا أو خفيًّا، وها هي إذ تراها، وقد تقاطر دمعها، وها هي وإذ قد انهمر ذرفها، وتساكب الشجون من ضفافها، وتهاطل السكون من موجاتها، المتهدهدة، وليس من عهدها، بل فورانها، وثورانها، وتسارعها، وتجادفها، وتداخلها، وقد تناست عهدها، ووقفت تحكي قصة الألم، وحكاية الثلم.

وحين رأت هذا النبي يترقى عرفات ملبيًا، وإذ لم يكن يعلم أن هذا هو آخر عهده به، بأبي وأمي ونفسي هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكأنه الكون كله قد أرخى سدول الغشية، وقد أنزل أستار الخشية، ولكنه وإذ لا زال يشدو بالتوحيد أنشودة الإخبات، لله تعالى رب الأرض والسماوات، وإذ ها هو يترنم العقيدة الخالصة، وليسمعها كل حادٍ وغادٍ وآتٍ، وإذ ها هو يرقب نبينا يصاعد درجات الجبل، ويصعد عرفات الله تعالى ربه، موحدًا، ملبيًا، مناديًا، داعيًا، خاشعًا، متبتلًا، قانتًا، ويكأنه يهطل دمعًا، ولتنزرع من ريه أزهار التوحيد، وأوراق العقد الفريد، وثمار الحق الرشيد، ونفحات الدين الخالد الحنيف التليد.

وأن قد كان ها هنا يومًا قال نبي الله محمد: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده وصدق وعده، وهزم - أو غلب - الأحزاب وحده))، ويكأنه عرفات يتساكب أنينًا؛ ولعله يرقب من بعيد حلول يوم ليس يشرفه هذا النبي ثانية، ومن بعد أن أرساه جبلًا نطقت من حواليه الألسنة وألهثت دعاءها، ورفعت رجاءها، وتزلزل بها أزيزها، وانهمرت دموعها، وتذللت بأكف ضراعتها، ومن ذا الذي يمكنه على ذلك تصبرًا، أو تخيلًا، أو أن يحياه منامًا، وفضلًا أن يكون يقظة أيضًا.

ويكأنه يرقب من بعيد هذا العهد الذي ملأ الكون عدلًا، ورحمة، وإلفًا، وسماحة، وعفوًا، وحلمًا، ورحمة، ونبلًا، وشيمًا، وقيمًا، وهممًا، تسامت من عليائها، وتعالت من سمقها، وتنادت من علوها، وإن ها هنا محل العبرات، والزفرات، والشهقات، وإذ تزاحم أختها أختها، وفي شجون يحس، لا أنه من مرجل يجس، قد تمايز شجنًا، وقد تفرد رحمة، وقد تسامق شفقة؛ ولما قد لاح في الوجود أفقه، والله وحده الذي يعلم، وكم يمكن لهذا الوجود أن يتحامل عن ذات نفسه؟ وإذ ها هو يقرأ ويتلو ويترنم آية المائدة هذه مرة ومرات، ويكأنه يعيش لحظاتها، ويكأنه يستشعر مدلولاتها، ويكأنه يغض عنها طرفًا، وإلى أن يحين وقتها الذي ليست يقول الخليقة عندها، وإلا ما يرضي ربها وها هي الهمهمات، والخلجات، والأنَّات، قد غالبت طبعها، وحين وقد أمسكت عما إلا يكتبه رقيب اليمين، وإلا ما يقف عنده حاسرًا عتيد الشمال، وإذ إن هذا ليس توقيفًا على أن ملك اليمين رقيب أو ملك الشمال عتيد، ويكأن هذا وهذا، ومن باب أنهما من جنس رقيب وعتيد، فكلاهما رقيب، وكلاهما عتيد، وكلاهما مُعدٌّ ولمثل هكذا أمر، فهذا ملَكٌ كاتب الحسنات، وهذا ملَكٌ كاتب السيئات.

وإن شمس الهدى قد تقارب يوم مغيبها، وإن قمر النور قد اضمحل خفوتًا، ويكأنه من زينته بدا يغالب النهار يومًا، ويكأنه من سكونه علا يقارب الشمس ضياء، وعطاء، وهبة، ومنحًا، وهما أولاء يضفيان على الكون ظلال الفراق، وها هما يطلان إطلالة المودع والموادع، وعن قريب، ويكأنه الكون، تراه باكيًا، ويكأن وجودًا تحسبه منكسًا، وعينه دامعة، وقلبه قاطرًا، وفؤاده حاسرًا، وقد قرأ في عناوين الكون وصفحاته، هذا النبأ العظيم، وهذا الخبر المبين.

ويكأنه استحضر سنن الله الباقية، ويكأنه عايش ما كان خبرًا مواتيًا، ويكأنه وعن لمح بصر سيحياه طوعًا، أو كراهية، وكم من نجم قد أفل يومًا! وكم من ضياء قد انخفت يومًا! لكنه ليس كذاك الهدى وكمثل أو قريب أو حتى بعيد عما هو بين أيدينا، ولأنه وليس وجه ها هنا للمقارنة أو المناظرة أو حتى المشاكلة، وكم من نور قد تهدهد يومًا! غير أن الحق الذي لا ريب فيه، هو ذلكم النظر، والعبر، والبصر، واللمح، ولجلجة الصدور، وغليان المراجل، واضطراب الأحاسيس، وتداخل المشاعر، واهتزاز الأوتار، وعند القراءة مرة أخرى، ولدى التلاوة كرة ثانية، ولاستحضار ما وراء الكلم، وإذ وراءه ما ليس يقدر قلمٌ عن وصفه، وما ند بيان عن نعته، ومرة أخرى، وحين يسمع، أو حين يقرأ، أو حين يخبر، أو حين ينبأ، وإذ كل ذلك من معنى واحد، وإن اكتنفته تعابير الألسن، وبيانات الأقلام، وصريف المراسم، وهمهمة الجفون، وإذ ها هي تحاول أن تغمض مرة، وكيما لا ترى حدثًا حملته الآية، أو أن تتسمع حدثًا بعثته الآية، أو أن ترى ولو من بعيد بصيصًا يقصص قصة الفراق، ونبأ يحكي رواية البعاد، ومن بعد صحبة ترنم لها الكون ترنيمته، وأنشد لها الوجود أنشودته، وكتب لها البلغاء ما سطره بيانهم الساحر البيان.

وحين استحضر هؤلاء وهؤلاء قول رجل، صاحبَ الإنس، وأبلغَ الجن، وترنم القرآن، ودعا للرحمن، وأسلم على يديه الجن والإنسان، وقد عم الكون نور هديه، وقد اكتست الأرض بقناديل سعيه، ووحيه، وإذ ها هي تناظر حولها، وهل من مصدق لما آل به معنى آية المائدة، وما قد حملته إلى القارئين، لطيفًا، رفيقًا، حانيًا، من تهدهد، ومن ترفق بأولاء أناس، عاشوا الهدى من صورة هذا النبي، وصاحبوا الخير، من دلال هذا الرسول، واستقوا النفع كله، من في ولسان وبيان هذا الرسول، وإذ ها هو نلمحه، ونبصره، ونراه، وقد رأينا ميراثًا خالدًا، عريقًا، تليدًا، منيرًا، سراجًا، يهدي العالمين، كل العالمين، ويكأنه لذلك ترى الدمع حزنًا، ومما لا يطاق خبره، وكما لا يكاد يستحضر شجيه.

ولولا أن الله تعالى قد تحملت آياته الخبر، ولولا أن الله تعالى قد تراسل قرآنه النبأ والعِبر، ويكأنه من لطف العبارة، ويكأنه بحنو الإشارة، وأن يومًا وعساه ألَّا يكون وقد قرب عهده، وأوشك قدومه، والناس ما بين شاكٍّ به، ومصدق به، ويكأنه عمر الفاروق، قد عنه عبر، وأبان، وأوضح، وابن عباس الإمام الحبر الترجمان؛ وحين أنزل الله تعالى قوله الحكيم، وخبره اليقين: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وكذا وحين قال الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، وحين قال الله تعالى أيضًا: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، وحسبنا.

المسألة الثانية: سبب التسمية:
ولكن حجة الوداع هذه؛ ويكأنها وداع هذا الرسول للدنيا، وقد حل يوم ميقات ربه، والأجل الموعود.

وقد أسموها حجة الإسلام؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أدى بها فرض ربه، الحج إلى بيت الله الحرام، وإذ كانت هي حجته الأولى، ومن بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، ولما جاء هذا وقتها، وبه علمنا أن الحج وقد فرض عامه التاسع أو العاشر، وعلى قولين في ذلك.

وقد أسموها حجة البلاغ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ فيها أمر ربه، وأبان عن أصول الملة، وأوضح قواعد الشريعة، ويوم تركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، وليس يزيغ عنها ومن بعد بيانها هذا البيان الناصع، الشفاف، الرقراق، المؤنس، الحادي، الحاني، الهادي، الرفيق - إلا زائغ أو هالك، وحين قد تشمل بها كل مريد مهتدٍ سالك.

المسألة الثالثة: بذل المهج في معالم المنهج:
((لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده وصدق وعده، وهزم - أو غلب - الأحزاب وحده)).

وهذا الذي قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين صعد الصفا، و﴿ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]، وفي تأكيد على هذه الوحدانية، واستصحابًا لتاريخ نبوي مجيد، بل ومن سير، وعمل، وقول ثلة من النبيين والمرسلين الأولين الطاهرين، وحين جاؤوا أول ما جاؤوا بهذه العقيدة الصلبة في الله تعالى وحده لا شريك له، وهذه هي أيضًا عقيدة الناس الأتباع، الحنفاء، الأوفياء، الأتقياء، الأنقياء، في ربهم الحق، ويوم أن جاهدوا في الله تعالى حق جهاده، حتى أتاهم اليقين، وليتركوا لنا إرثًا آخر مجيدًا، يحكي لنا صورة البذل في أوجها، ويروي لنا حكاية الصدق في نصاعتها وثوبها، وحين كان هذا التوحيد عزيزًا منيرًا، وإذ ها هم أولاء الجيل الكريم، قد قدموا فيه النفس، والنفيس، والمال، والمهج، حكاية يتدارسها الأجيال، وجيلًا من بعد جيل آخر، وناصعًا أبيض شفافًا كريمًا، وإذ يحكي لنا الوفاء والإباء، وحين كان بذل المهج في سبيل إحقاق هذا المنهج، ولما كان سبيل فلاحهم، ولما كان قد استنقذهم من براثن عهد مظلم، طويل، دامس، داهمهم من معاشهم، ووعدهم، ووعيدهم، وإذ كان هذا النبل الذي سطرت فيه قوافل الموحدين تاريخًا، حكاه هذا التاريخ عنهم، وفي أبلغ بيان عرفه أديب، وفي أسمى بلاغ أهلَّ به أريب.

وهذا الوفاء لهذا المنهج، وإن كلف ما كلف، وإذ ليس شيء غاليًا دونه، بل رخيصًا دونه، وإذ كان من شأن هذا المنهج وإلا حين تراه يقف حائلًا أمام أنصاف الحلول، ورافضًا، ومتأبيًا، ومتعاليًا، ومتسامقًا، من سموه، ورقيه، وعلوه، ولطفه، وهناه، وهداه، وسناه وإذ يقف مزلزلًا عروش التعدي، والتحدي، والطغيان، ولأول مرة في هذا الحرم الرباني الشريف، البيت العتيق، وليعلن هذا الولاء لله تعالى وحده، وهذا البراء مما سواه أيضًا، وكما أنه إعلان لهذا التلقي عنه تعالى وحده.

وهذان هما صنوان هذا الدين، ويكأنهما عنوان هذه الرسالة الجديدة المجيدة التليدة الضاربة في أعماق التاريخ طوله وعرضه، توحيدًا، وعدلًا، وقسطًا، ونورًا، وسنا، ورحمة، عزَّ نظير شيء منها، وعلى نسقه، ورسمه، وخطه، وبيانه، وحين تقاطر من ذلك حتى فاض سيلًا، نهرًا، عذبًا، فراتًا، يروي ظمأ العطشى من وفي رمضائهم، وحين أثمر ينعًا، يقيم أصلابًا يانعة، فارهة، عدلها قد فاح طيبه، وتنسم الوجود نفحه وعبقه أيضًا؛ ولأنها استصحاب لرعيل كريم من أنبياء الله تعالى ورسله، عليهم الصلوات والتسليمات والتبريكات أبدًا أبدًا.

هذا العنوان؛ وحين كان مقتضاه أنه إله واحد، بمنهج واحد، وولاء واحد، ودكَّ حصون الجاهلية، ووضعها تحت قدميه صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الله تعالى مقتها ووضعها من قبل أيضًا.

وهذه هي معاني العزة أولياتها ونهاياتها، وابتداؤها وانتهاؤها، والتي أضحت من نصيب وقدر ولي الله تعالى، ولما أن جعل ولاءه لله تعالى وحده لا شريك له، وإذ يقف أمام كل جاهلية موقفه هذا رافضًا، وحين أعلن أيضا أن عهدًا جديدًا قد بدأ ينشر نوره وسناه وضياه وهداه، على هذا العالم، التائه، الضائع، الحائر، المسكين، الشريد، الطريد، وحين تلقفه الشر يمنة مرة، ويسرة مرة أخرى، وفي وضع مهين بالغ به حد الإهانة مبلغها ويكأنه ليس ببالغ رشدًا.

وإذ جاء هذا الدين لينتشل العباد - كل العباد - وليردهم ردًّا جميلًا إلى دين ربهم الحق الرحمن سبحانه، وحين قضَّ مضاجع الجاهلية كلها، وأجمعها، وأبعاضها، وأجزائها، حتى صارت من بين يديه ركامًا أطلالًا، وإذ كانت عهدًا مضى، ودينًا سلف.

وهذا الذي نستصحبه، ونتألفه، ونتألقه، وحين إطباقنا على هذه الدينونة لله تعالى القهار العزيز الجبار وحده، ولما كان الناس هكذا قد رأوا نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهكذا يضع الجاهلية وأركانها، وإنما هو سنن، وإنما هو سبيل ومنهج، وليس دغدغة للمشاعر بهذه الشهادة، وكما يقال يوم صعود الناس الصفا، أو المروة، أو عرفات الله، أو ما سواها، وها هم أولاء يحكون حكاية التصرم من منهج ربهم، وها هم يتداولون ومما بينهم، وعلى صعدهم مناهج شتى، وإذ ها هي خالية من اتباع، وإذ ها هي نائية عن سداد بل قريبة، بل هي عين الابتداع وفي حظ وافر منه، ويكأنك تعجب أن هذه هي أمة القرآن الحكيم، وأتباع خاتم النبيين، وإمام المرسلين، أم أولاء نفر غير نفر قد تنزل فيهم ولهم هذا الذكر المبين، قرآن رب العالمين؟

ولكن الربط بين ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفات، وهكذا الذي قاله يوم الصفا والمروة، وإذ كان ربطًا حقيقًا بين اللفظ ومقتضاه، وأن القول لزمه من عمل، ما ينهض برهانًا على أن هذا الدين قول واعتقاد وعمل، ولا ينتهض فصل بين هذه المكونات الثلاث ولو شيئًا، وليس يُقبل فصم بينها، ولو قدرًا، ولا فصل عن أي من هذه التركيبة النوعية المتآلفة المنسجمة المترابطة، ويكأنها كلٌّ واحد، منسجم مؤتلف، لا مبعثر ولا مختلف، ومن مثل كسوة رقيقة واحدة، وإذ تعددت أجزاؤها، وإذ تباينت أسماؤها، وحين تفاوتت أبعاضها، ولكنها يصنعها ذلكم الكل، الذي نراه ثوبًا أنيقًا يظهر الطلة، وتتبدى منه الهيئة.

وانظر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم على عرفات الله يوم الحج الأكبر، وأن الله برئ من المشركين ورسوله، وأن الله مخزي الكافرين، ويوم ترك لنا هذا الربط الوثيق المحكم بين مدلول هذه الشهادة قولًا ولفظًا، وتوثيقًا بينًا لمعناها؛ إحقاقًا لله تعالى بمنهجه، وضبطًا لسلوك الناس على نظام هذه الشهادة، وأن الفصل بينهما قيد شيء، وإذ يحسب وعلى أنه فصل بين الجسد ورأسه، ومن ثم فلسنا: لا قد ربحنا رأسًا وإذ كانت هامدة، ولا نحن قد كسبنا جسدًا وإذ أصبح هاملًا خاملًا، والحراك هو هذه الحياة التي تدب فيهما، وحين التأما، ويوم اتصلا، بهذه الروح التي كانت سببًا في بعث الحياة فيهما، ومن جدة وجديد، لا تجديد.

المسألة الرابعة: إرهاصات الهدى ودلائل التقى:
وانظر مرة أخرى إلى هذا الميثاق التليد العتيق الخالد، ويوم عرفات الله، ويوم الحج الأكبر، وليظل منهجًا قويمًا، وسبيلًا رشيدًا؛ لإنقاذ هذه البشرية، من تيهها، وحين أسس لها منهج فلاحها وصلاحها؛ وحين قال صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألَّا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد؛ ثلاث مرات))[1].

[1] صحيح مسلم: 1218.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.51 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]