كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-06-2022, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1)

كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1)


فضل محمد الحميدان






قرأتُ، من أيّامٍ، قولَ الرّافعيّ في المرأةِ:

[بعضُ النّساءِ تَنْقُصُ بها الحزْنَ، وبعضُهُنَّ تُغَيِّرُ بها الحزنَ، وبعضُهنَّ.. تُتِمّ بها حُزنَكَ][1].




فكتبْتُ رسالتي الأولى له...

كنْتَ، هذا الصّباحَ، يا أبا السّامي، في هجمةِ هذا التّفاؤلِ الذي تنزّلَ عليّ نديّاً، أكادُ أتهيّأ، معَهُ، لأفيءَ إلى نفسي، فأرى فيها ما كانَ من أسبابِ هذهِ السّعادةِ التي جعلتْنِي أنشرُ البهاءَ فيمنْ حولي، فأختارُ لهم منْ أخبارِ السّابقينَ ما يُبْهجُ، ويبعثُ على الأملِ!



وهيَ النّظرةُ الأولى في سحابكَ الأحمرِ هذا اليومَ، الأولى فحسبُ = قد أوقعتْنِي على معناكَ هذا في المرأةِ، وأيَّ معنًى؟

قدْ أعادتْنِي صورتُكَ الأولى ههنا إلى ذلكَ الجيلِ العربيّ الأصيل منْ نساءِ العربِ، نساءٍ صُنِعنَ ليكنَّ منْ مادّة السّعادةِ القلبيّةِ وحدَها!




مادّةٍ لا تتكَدّر، ولا تتبَدّلُ، ولا تختَلطُ، وإنْ داخلَتْها معاني منْ ضدّها في ثوبٍ من حزنٍ ممضٍّ مكينٍ!

ثمَّ إذا ألّحَّ عليها، وصبرَ ليغيّر فيها، وتمكَّنَ إلى حدٍّ قريبٍ = تَزَايَلَتْ عنه هذهِ السّعادةُ القلبيةُ مزايلةَ الزّيت للماءِ، فما شابَ ماؤُها زيتَ هذا الهمِّ القادمِ، ورائحتِه، وتركيبِهِ، وصبرِه، وسطوتِهِ!




هذهِ المرأةُ، بفلسفتِها هذي، إن كانتْ هيَ فيها منْ سكانِ الأرض، فهي من زوّار السّماءِ، وإنَ كانَ فيها منْ المرأةِ ما يجعلُ لها من صفاتِها التي يتهيّبها الرّجلُ = فإنّ فيها منَ السّحرِ ما يتمنّاهُ قلبُ أيّ رجلٍ!




امرأةٌ تزيدُ في حزنِ نفسِها لتُنْقِصَ في حزِنِ حبيبِها، وتُنقصُ في سعادِةِ قلبِها لتزيدَ في سعادةِ قلبِهِ!

هذهِ النّظرةُ الأولى قد زادَتني في نفسِي تفاؤلاً، وإشراقاً، وجمالاً، ولعلّ الثّانيةَ تكونُ في ظِلالها! لعلّها!




يا أبا السّامي:
قد كنْتُ، صباحيَ هذا، قبل أن أنظرَ في سحابِكَ، لكالميْتِ خرجَ إلى الدّنيا، بعدَ أنْ وُوريَ الترابَ أيّاماً، وسُدّتْ عليهِ منافذُ الحياةِ، وأيقنَ أنّهُ منْ أهلِ الدّارِ الثّانيةِ، فهيَ لهُ مقرٌّ، وليسَ لهُ مفرٌّ، حتّى تنزلّتْ عليهِ الرّحمةُ من أسبابِ السّماءِ، في منحةٍ إلهيةٍ، تقصرُ عنها كلماتُ أديبٍ، فجعلته في الدّارِ الأولى ثانيةً، يتنفسُ هواءَها، ويتلذّذ ماءَها، ويتحسّسُ جمالَها!





أو كالذي تسلّمَتْهُ ملائكةُ العذابِ فظنَّ أنّه واقعٌ في نارٍ لا تَنْقضي، ولا تَفْنى، فيها منَ العذابِ ألوانٌ لا تُصوّرُ، ولا تُخيّلُ، ولا تُجسّدُ، حتّى إذا أشرفَ عليها، واستسلمَ لما كانَ لهُ = جاءَتْهُ رحمةٌ إلهيّةٌ بدلّتْ جنّتَهُ بنارِهِ، وأقبلَ عليهِ جندٌ منَ النّور، ما زالوا يبثونَهُ جمالَ ما مسحتْ بهِ يدُ الرّحمنِ فيهم، فهو يرقى، ويعلو، حتّى يتلمّسَ طريقَ النّعيمِ، فيرتَعَ، ويهنأَ، ويستروحَ نسيمَ الجنّةِ، يداخلُ أنفاسَهُ، وأحاسيسَهُ، وأحلامَهُ!




وكنتُ رأيتُ الكونَ في روعتِهِ وجمالهِ، واتّساعِهِ = مثلاً منَ الضّيقِ، والقُبحِ، والكآبةِ، إلى أنْ.....

(وأشارَ أبو السّامي بحاجبيه، مع ابتسامةٍ وقورةٍ مشوقةٍ، منبسطَ الأساريرِ، قائلًا: إلى أنْ......، وكأنّهُ يطالبني بالإكمالِ، فأكملتُ




إلى أنْ زارنِي ذلكَ الطيفُ منها، يتدَثَّرُ بالحياءِ، ويتوهّجُ بالجلالِ، ويتزيّنُ بالسّترِ، ترى قليلَهُ، فيغريكَ كثيرُهُ، ملاكٌ حفّتْهُ الهيبةُ منْ أيِّ الزّوايا نظرْتَ إليهِ، وغشّاهُ النّورُ منْ أسفلِهِ وأعلاهُ، وعن شمالِهِ ويُمناهُ!




ولم يسطِعْ ذلكَ الخمارُ الذي تراخَى مَحْبوراً مَحْسوداً على صفحةِ وجهِها، على سُمكِهِ، ومناعَتِهِ، وقوتِهِ = أنْ يمنعَ ذلكَ السّحرَ المسكونَ فيهِ منَ أنْ يتجلّى في فتنةٍ ذبّاحةٌ آسرةٍ، تأخذُ ناظرَها، وواصِفَها، وقارِئَها، فتنةٍ قدْ استلهَمتْ أثرَها من فعلِ الخمرةِ، ونشوتِها!




ملهِمَةٌ هــيَ، يا أبا السّامي، ما حاورْتُها، وأثبتُ الفكرَ في كلماتِها القادمةِ في معنى الضّياء، إلا طمحْتُ، حواراً منْ بعدِ حوارٍ، إلى معَانيها فيَّ، معانٍ كلّها شعاعٌ، وكلّها أقمارٌ!




وما نظرَتُ إليها مرّةً إلا مشى يقينٌ ثابتٌ في دمائي يقولُ: إنّ ملهمتي منَ السّماءِ، جاءتْ إليّ في صورةِ امرأةٍ، وليسَ فرقٌ بينَها وبينَ النّساء إلا أنّها كانتْ منَ السّماء، وكُنّ هنّ منَ الأرضِ!






[1] ( كلامُ الرّافعيّ في السحاب الأحمر - ص 24).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-09-2022, 12:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1)

من رسائلي إلى الرافعي (2)
فضل محمد الحميدان












شيخي أبا السَّامي!



غدَرتْنِي أيَّامي الماضيةُ، وأخَذتني فيها الحياةُ أخذةً، أتَتْنِي منْ فوقي، ومنْ تحتي، فجعلتْني موضع بهْجتِها هيَ، تُقلِّبُني في نعيمِها مرَّةً، وفي نعيمِها أخْرى، فأغدو، كأنِّي بينَ نعيمها، كالعاشقِ في عالمٍ منزوعٍ منهُ دَسَمُ الحبِّ، وضميرُ الحبِّ، فهوَ في صورةِ النَّاسِ المُنَعَّمُ المُترفُ، وهو في حقيقةِ الحياةِ المعذَّبُ المُدْنَف!







ثمَّ إنِّي، عندَ فجري هذا، رميتُ النَّفسَ في أحضانِ سحابِكَ، فلمعتْ في نفسي بوارقُ الضِّياءِ، حينَ أشرقَ فيَّ منْ جديدٍ هذا الأثرُ الإلهيُّ القديمُ في التَّكوينِ الإنسانيِّ، نعم، حينَ لمعَ، في صدري، هذا الأثرُ الباقي المُسمَّى بالحبِّ!







ثمَّ سفرتْ بي الرُّوحُ سفْرةَ الخيالِ، وامتطتْ آلةَ الزَّمنِ؛ لنعودَ أنا وروحي إلى عشرينَ سنةً تامَّة تامَّة، فنقفُ مترقبينَ تلكَ التي مسحَ اللهُ على قلبِها، منْ معنى قلبي، ونفخَ في روحي، من معنى روحِها، حتَّى غدونا في معتركِ الحياةِ قلبينِ وروحينِ، نجوسُ، ونستطلعُ، ونبحثُ، كلٌّ منَّا يتطلَّبُ جُزْأه الثَّاني، ففي هذا الثَّاني أنسُهُ، وألمُهُ، وفيهِ فلسفةُ العُمُرِ، وابتداءُ العمرِ، وبركةُ العمرِ!







أكتبُ لك من زمنٍ، من معانيكَ فيَّ، ولسْتُ أدري، حتَّى السَّاعة، كيفَ تجعلُ أنتَ الكلمة، حينَ نقرؤُها في أدبِكَ، خيالًا يسرحُ فينا، ويجولُ بنا، في عالمِ الوجدِ، وسحرِ الوجدِ!



ولا أدري كذلك، كيفَ ترمي الصُّورةَ الملغمَةَ منكَ، بمعنى الحنين، فتنفجر في أمانينا، وأحلامِنا، آهاتٍ منَ الشَّوقِ، وزفراتٍ منَ اللوعةِ!







أستاذي أبا السَّامي:



قدْ كتبتَ، حينَ استوى بكَ الحبُّ على سوقِهِ، وعرفْتَ منْ خَبئِهِ، ومنْ علانيتِهِ، فكانتْ رقصاتُ حروفكَ إيماءاتٍ بأسرارٍ عميقةٍ، أتوقفُ، على حُنكةٍ معها، أسترقُّ قلبَها، فلعلَّها تجودُ لي بشيء، أو أظفرُ منها بسببٍ!



وإنِّي أجتهدُ كلَّ مرَّة، فما تجدُها إلا كالمحبوبةِ التي استبدَّ بها جمالُها، واستعلنتْ فيها فتنتُها؛ تحبُّ وتجودُ، وترقى فيرقى بها محبُّوها، ولكنَّها تُخفي سرَّ استعلائِها الدَّائمِ المسكونِ بالهيبةِ، الموسومِ بالقربِ، المصنوع منْ علوِّ الحبِّ!



فهلْ لي يا سيِّدي، إنْ أذنتَ عن حبٍّ، أن أقصَّ عليكِ من خبرِ ملهمتي التي لم أعرفْ وجهها بعدُ، ولا كيف تكتبُ، ولا كيف تستقبلُ سرَّ العاطفة المحبَّة، ثمَّ تُحيلها، في نفسي، وأسلةِ قلمي، ومادَّة قلبي - هالاتِ إلهامٍ وسحرٍ وأشجان.



(وأومأ لي بابتسامةِ رجلٍ هدَّه الحبُّ، ورقَّاهُ، ورفعه: أنْ هاتِ ما عندَك)







إنَّها رسالتها الأولى..



أتتْني، قُبيل الفجر، حلمًا رقيقًا، وما هي إلا سويعاتٌ حتَّى خرجتْ لي من رؤيا النَّائم إلى رؤية اليقظةِ، فبرزتْ لي في رسالةٍ صباحية من بريدٍ لم يكنْ عنوانه بين عنوانات بريد رسائلي، رسالةٍ حَييةٍ عَلَتْها صورةُ شابَّةٍ، شابتْ ملامحُها من صنوف الكبرياء الأنثوي، وضروبُ الصَّلف الذي يسكن الأنثى الجميلة - ما يوحي لرائيها الحَبْرِ الفَطِن أنَّها صورةٌ لأميرة عربيَّة لم تَعْرف، لأوَّل نظرةٍ منك، من التواضعِ، إلا اسمَهُ، بل ربما لم تسمع بالتواضع إلا لأنَّه جاء نقيضًا لكل صفاتها الخاصَّة.







نظرتُ صورةَ هذه الأنثى، فتخايلتْ لي وكأنها بعضٌ من سحر الرَّبيع الذي أُقيم في نسقٍ مُحكم، قامت له الطبيعةُ كأنما تقوم بين يدي مليكها، فزادتْهُ من تاجِ العزَّة الملكيَّة الزيادةَ التي جعلتْهُ مفردًا في موازين الاتِّساق والإحكام والتصنيف.







ولكَ، يا سيِّدي، أن تتخيَّل معي، تلك اللحظةَ التي قابلتُ فيها، مطلع ذلك اليوم الجميل، جلالَ عينيها اللتين قد توضَّعتا في طلعتها، لكأنَّهما كوكبانِ درِّيَّان حفَّهما النورُ، ولفَّهما الضياءُ، وهما تبادرانك بالخَطْرة المتوجِّسة المقبلة منهما، حتى تقفَ بك خطراتُ قلبكَ على حوافِّ الأنس الرُّوحي الذي تحسُّه، ولا تحسنُ الإفصاح عن هيئته، بَلْهَ أن تفسِّر بعضًا من ألقِ بهجته.







تنظرُ إليهما فلا يستقبلُك فيهما إلا السُّرورُ الجديدُ على نفسك، فتتلألأ فيكَ السماءُ لا بفعل النجوم التي فيها، بل بأثر النَّجمتين الثائرتينِ المقبلتين منها عليك.







ويا عجبًا، إن أنتَ زُغْتَ بعينكِ عنهما، فإنك إن زُغتَ خَلقتْ في تخييلك من أوهامها، وأومضت في إغماضتك من أهوالها، وما زالتْ على هذا حتى تتواترَ على أعصابك بجديدها لا بقديمها، وتلدَ في لحظة واحدة من عاطفتها في نفسك ما كان يتخلَّقُ فيكَ من إحساسك بها، قبلُ، في لحظات.



وما زالتْ هذهِ الزائرةُ تُلقي في رُوعكَ من عطرها ونورها، وأنت تتأمَّل فيها حتى تجدَ في نفسكَ منها من مثل النِّعناع الحارِّ النَّضِر القوي الذي لا يُتجاهل، ومن أصل تلكَ الحرقةِ القاهرة اللذيذةِ التي لا تُردُّ.



(أحسسْتُ بابتسامةِ الشَّيخ قد اتَّصلتْ في تخييلهِ بصورةٍ تذكَّرها، وحين وقفتُ أومأ مرَّة أخرى بأنْ أَكْمِلْ...)







تركتُ رسالتها، وعدتُ فنظرتُ إلى وجهها، فإذا به الوجهُ الأزهرُ الذي قد أبهى حتى جاوز البهاءَ، وصفا ففاق الصفاءَ، وتآلفتْ ألوانُه حتى غدتْ تلك الحمرةُ التي توسَّطتْهُ لكأنَّها أصلٌ ناشئٌ فيه، لا عارضُ حياءٍ كالذي يباغتُ الكاعبَ المُخَدَّرة.







ثمَّ نظرتُ إليه ثانيةً نظرةَ الباحث الساكنِ المستفسر عن سرِّ هذه الفتنةِ المهيبةِ التي فيه فما تراءى لي، في هذه الثانية، إلا كالعاشق الذي يتفجَّر العشقُ بين يديه، وتعتلجُ أوارُ الهوى في صدرِه.







ثمَّ كانت نظرةٌ ثالثةٌ فإذا به، بابتسامتهِ، كأنَّه الوجهُ الذي قد عرف سوالفَ الابتسام وأرواحَها وأسرارَها، فلا يبعث في رائيه إلا السُّرور والسُّرور والسُّرور.



فهذي ثلاثُ نظرات قد ذهبتْ بي مذهبَ الفيلسوفِ الذي لا يرى الحبَّ إلا في صورةٍ واحدة، هي صورةُ المرأة التي جمعت بين حيائها، وفتنتها، ومهابتها، وسرور محبِّها، وإنني قد صرتُ معها الرَّجلَ الذي لا يجدُ أجملَ جمالًا، ولا أبلغَ بلاغةً، من الجنَّة الأرضيَّة المتمثِّلة في وجه امرأةٍ حسناءَ هو وجهها، وجهٌ فيه من قدرة الإلهام السامي ما يجعلُ النفس ترقى فوقَ كلِّ معنًى ذليلٍ.







وما زالتْ صورةُ وجهها هذه، مذ عرفْتها، كأنَّها بعضُ السرِّ في كتابتي، وكأنني في وقوفي أمامها أستأذنُها أن تلقي سرَّها في صدري، فأجلوَ بنورها، وأثمرَ بمائها.



(هزَّ أبو السَّامي رأسَه متعجِّبًا من أثر هذه الملهمة في نغم كلماتي، وعرضتْ ابتسامتُهُ حتَّى كادَ يتبسَّم ضاحكًا، ثم أشارَ أنْ أكملْ...)



إنَّ ملهمتي هذه، لم تكن أنثى مكررةً في صورتها، أو أنثى مألوفةً في طبعها، بل كانتِ امرأةً تتميز من بني جنسها بأثر فضيلةٍ مشرقة في كلِّ جزءٍ فيها تسمَّى فضيلة الحبِّ.







ولستُ مجانبًا حقيقتها بأنَّها لو كانتْ تكلمتْ، لصنعتْ لكلامها أخيلةً في قلب سامعها، حتى يثبتَ فيه، فتقع كلماتُها منه كالحقائقِ الرَّاسخةِ العالية؛ ثابتةً لا تُجادلُ، وساميةً لا تتسفَّل.







وما يزيدُك عُلقةً بها عينانِ ملوَّنتان ينبئانكِ بدهاء عتيدٍ مستقرٍّ فيهما، وأنتَ كلَّما حاولتَ تفسيرَه، ازددتَ رغبةً بالنَّظر إلى عينيها المرَّةَ تلوَ المرَّة، وما زلتَ مقبلًا على عينيها تتأمَّلُ لتفسِّر، حتى تغلبَكَ هيَ بالاثنين مجتمعين: تأمُّلِك وتفسيرِك، فلا أنتَ بالرَّجل الحاذقِ الذي رُويتَ، ولا أنتَ بالذي فسَّرْتَ؛ وإنَّما أنتَ عاشقٌ مصروعٌ، تنقذُهُ وتصرعُهُ امرأةٌ.








ودعْني، أيُّها الأستاذُ الصَّفِيُّ، لأخبركَ بأنَّها لو حدَّثتْكَ فقد دخلتَ زمنَها، واعتراكَ حالُها، وما زالتْ في حديثها لكَ؛ حتَّى تمَّحِيَ من ذاكرتِكَ صورُ نساءِ الدُّنيا مجتمعاتٍ، وتجتمعَ لكَ الدُّنيا، من بعدُ، بكلِّها، في صورتها هيَ، هيَ وحسبُ.







ولا تظنَّنَّ، إنْ رأيْتَها يومًا تقسو، أنَّها تحاربُ فيك رجولتكَ ومروءتك؛ بل إنَّها تحاربُ في نفسِكَ، ما يحولُ بينكَ وبينَ نفسها، إنَّها تحاربُ فيك تلك المعاني التي تشدُّها لتكونَ أرضيَّة، فتتصيَّدها هي فيكَ على حذرٍ فتقتلُها، وما كلُّ ذلك منها إلا لتكون سماويَّ النزعةِ والفكرِ والقلب، فتكونَ معها وتكونَ معك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.32 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]