التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28425 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60031 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 819 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-07-2021, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود

التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود


د. محمد بريش




ترى دراسة أنجزت لصالح الوزارة الفرنسية للتربية الوطنية والبحث والتكنولوجيا قام بها فريق من الخبراء الفرنسيين برئاسة جاك أتالي (Jaques Attali) المستشار السابق للرئيس فرانسوا ميتران، والمعروف بدراساته المستقبلية والتحليلية التي لا تخلو من استفزاز، أن التعليم يواجه ثورات أربعًا[1]:
الأولى: في العلوم والتكنولوجيا:
في هذا المجال يتنبَّأُ فريق الخبراء، من خلال تشخيصهم وتحاليلهم، بأن المناهج ستشهد انقلابًا كبيرًا، وأن عليها أن تتماشى مع التقدُّم المعرفي السريع الخُطَى.

من أجل ذلك، نصح الخبراء بفسح المجال للعمليات التطبيقية، وأن يكون لها حظٌّ وافر بجنب الدراسات النظرية؛ لأنها مِفتاح البحث، وسبيل للانغماس في المتصور والمخمن، سواء حين العمل أو حين النشاط الترفيهي.

فالعديد من المهن القادمة ستتطلب معرفة كبيرة بعلوم الاتصال، وفنون التواصل الإليكتروني، وما يصاحبها من تكنولوجيات ومعرفة باللغات.

الثانية: في العَلاقات بين الدولة ومؤسسات التعليم العالي:
يرى الخبراء أن التعليم العالي مدعو اليوم - أكثر من أي وقت مضى - أن يبتعد عن أسلوبه القديم في الاكتفاء بإخراج الموظفين والأُطُر التي تحتاجها مؤسسات الإدارة الرسمية، وألا يجعله يحتل المرتبة الأولى في أولوياته كما كان عليه الحال فيالعشريات السالفة.

ذلك أن نوعًا جديدًا من العَلاقات بين الدولة وأجهزتها، والتعليم العالي ومؤسساته قد أضحى ضروريًّا للتغيير الذي تعيشه أجهزة الدولة نفسها، والواقع الشديد الزلزال الذي يخضع له كل من سوق الاقتصاد، وسوق العمل.

فمن واجب التعليم العالي - دومًا - أن يَسُدَّ حاجات إدارات ومؤسسات الدولة، ولكن عليه أساسًا اليوم أن يمدَّ المجتمع بكافة مؤسساته بالعقول النيِّرة، والأطر النابغة، التي تستطيع المنافسة دوليًّا، وتطوير الواقع محليًّا، والحفاظ على مستوًى من التقدم مواكب ونامٍ وطنيًّا.

إن هناك أنواعًا جديدة للتكوين ينبغي تلقينُها لنوع جديد من الإدارة والتدبير ملزمة به أجهزة الدولة ومؤسساتها، بما فيها مؤسسات التعليم على مختلف مستوياتها، وخاصة منها العاليَ، حتى تستطيع أن تواجه بنوعٍ من الثقة في الغد، والسيطرةِ على الواقع والوعي بتقلباته وهزَّاته، مختلف التحديات، وتجتاز بأمان أكبر ما يعتَرِضُها من العقبات.

فالإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات الرسمية كلها اليوم في حاجة إلى تكوين خاص، سواء حين التوظيف الجديد للأطر، أو للمزيد من التأهيل والتكوين للأطر الموجودة.

الثالثة: في العَلاقات بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص:
يلاحظ الفريق أن تشخيص تطور الواقع يوحي بأن سوق العمل بات يديره ويؤثر فيه بشكل عام القطاع الخاص، بل إن مقاولاته ومؤسساته، وما تحتويه من أُطُر عالية التأهيل وصناع مَهَرة، وما توظِّفه من أموال ورساميل - أضحت هي ثروة الدولة الأساسية، وعمودَ اقتصادها الفقري، ولا يمكن لمقاولات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص أن تؤدِّيَ دورها الوطني والدولي إلا بربط عَلاقات متينة مع مؤسسات التعليم العالي ومراكزها البحثية، علاقات لا تحكمها الخلفيات، ولا صراع الطبقات، أو تنافس السلطات.

كما يُقدِّمُ التقرير - كحجة على صحة ما انتهى إليه - مثلاً من الولايات المتحدة: فمعهد مساشوسيت للتكنولوجيا وحده كان وراء إنشاء قرابة 4000 مقاولة وشركة، أزيد من نصفها أسسه طلابٌ متخرِّجون من هذا المعهد بعد خمسَ عشْرةَ سنةً من التخرج، وواحد من ستة منها بعد خمس سنوات من التخرج، تضمن العيش في مجموعها لقرابة المليون من البشر.

فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمعهد واحد، فكيف بمؤسسات التعليم العالي كافة، المتنافسة في التألُّقِ في تكوين الأكثر كفاءةً، والأقدر على سد حاجات سوق العمل وتطوير سوق الاقتصاد؟!

هؤلاء المتخرِّجون من هذا المعهد وحدَه لهم وقعٌ اقتصادي، سواء من حيث الدخلُ، أو من حيث الأثرُ على الاقتصاد المحلي والدولي أكبر من أي بلد مرتبته الدولية دون العشرين من حيث الدخل القومي.

وغير خافٍ أن صناعة برامج الكمبيوتر ابتكرتها مؤسسات التعليم العالي بالولايات المتحدة، وهي من حيث الترتيب ثالث صناعة في البلد بعد صناعة الطيران والصيدلة، مثله في الولادة والنمو السريع كمثل إحدى الصناعات الحديثة: بيوجنيتيك (Biogenetique) (علم الاستنساخ)، الذي أفرزَتْه الجامعات ومراكزها العلمية بالأمس القريب جدًّا، والذي هو في طريقه كذلك إلى احتلال مرتبة مشابهة وأداء دور اقتصادي مماثل.

وإذا كانت فرنسا ترى نفسها متخلِّفةً عن مثل هذه المبادرات، وأن مؤسساتها ومقاولاتها لم تستطع إفراز مثل هذه الظاهرة في ابتكار الصناعات، فماذا يمكن قولُه عن بلدان العالم الإسلامي؟!


هذا، علمًا أن فرنسا لها مقاولتان بين الخمسين مقاولةً الأوائل على الصعيد الدولي في مجال البرمجيات (صناعة برامج الكمبيوتر )، وإن كانت تشكو من أن لا وجود لها ضمن الشركات العشر الأولى الصانعة للكمبيوتر، فإن لها شركة واحدة ضمن المائة شركة في مجال البيوتكنولوجيا.

ولكن هذه المرتبة تؤرِّقُها وتعتبرها غير مشرفة، خاصة حين ينبه الخبراء وذوو الاختصاص والمتابعة والمراقبة إلى أن الشركات الفرنسية الموجودة في مرتبات مقبولة، إذا ما قِيست بالعديد من الدول المتقدمة، تشكو من غياب الصلة بينها وبين التعليم العالي، رغم أن معظم مؤسسيها هم من خريجي هذا التعليم.

ولهذا ينصح فريق الخبراء بأن من مهام التعليم العالي الدفعَ إلى إنشاء المقاولات القوية وطنيًّا ودوليًّا، خاصة وأن الصناعة الحديثة أصبحت تستلزم من الذكاء حظًّا أوفر بكثير مما كانت عليه الصناعة قديمًا، حيث كان التركيز فيها أساسًا على المواد الخام.

ولهذا ينبغي أن تتطور القوانين والإجراءات الإدارية، بحيث يُسمَحُ للجامعات والمعاهد الكبرى بأن تُنشِئَ مقاولات وشركات للبحث العلمي والصناعة التكنولوجية، وأن تكون ممن يتنافس في تسجيل الابتكارات وإعداد المهارات في شتَّى العلوم والفنون.

وتجدر الإشارة - ونحن بصدد الحديث عن التحديات المستقبلية - إلى أن "الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي" لمنظمة الإيسيسكو قد أشارت، في جانبها الاستشرافي، إلى خلاصة الدراسات الاستشرافية العالمية الحديثة في بيان الاتجاهات المحتملة الوقوع في السنوات العشر أو السنوات العشرين القادمة، انطلاقًا من تحليل الماضي القريب ومعطيات الواقع الجاري، وهي تكاد تجمع في معظمها على سيادة الاتجاهات الثمانية الآتية[2]:
اشتداد الصراع الفكري والثقافي وسيادتهما في كل الميادين؛ لأن التحديَ الكبير الذي سيواجهه العالم في السنوات القادمة هو تحدٍّ فكري وثقافي بالأساس.

تضاعف النمو الديمغرافي وتفاقم سكان العالم الذين سيصل عددهم ما بين 8 إلى 10 مليار من السكان سنة 2025.

ويتفجر عن هذا الاتجاه أربع مشكلات أساسية:
الإدماج الاجتماعي والمهني للشباب.
الشيخوخة الديمغرافية في البلدان الصناعية.
الهجرات الدولية وما تُحدثه من بزوغ مجتمعات متنوعة الثقافة ومتعددة الأعراق.
الحضرية وتطور المدن.

صعوبة تحقيق الأمن الغذائي للبشرية، خاصة في دول الجنوب.

تفاقم الأميَّة؛ حيث سيكون واحد من كل أربعة أفراد في العالم أميًّا، مع التركيز على تلازم الفقر والأمية.

دخول العالم الثالث إلى المأزق بفعل تدهور أسعار المواد الأولية وارتفاع المديونية.

تفاقم الأخطار الكونية المتمثلة - أساسًا - في الكوارث الطبيعية والتقنية، وتزايد التلوث والصراع، واتِّساع رقعة التصحُّر من جرَّاء ارتفاع حرارة المناخ الأرضي.

اشتداد أثر التقنيَّات الحديثة مثل الإعلاميات، والبيوتكنولوجية، وصناعة المواد والألياف الجديدة، وانعكاس ذلك الأثر على فكر المجتمع وثقافته.

• بزوغ مجتمع الإعلاميات، وستصاحبه ثلاث قطيعات:
القطيعة المتزايدة بين التنمية الاقتصادية واستهلاك مواد الطاقة الأولية وغيرها.
القطيعة بين دائرة تداول النقد والاقتصاد الحقيقي.
القطيعة بين التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص الشغل، وذلك بفعل دخول التقنية الحديثة إلى جميع الميادين، بدرجة يمكن معها إنتاج المحتاج إليه فورًا وحسب مواصفات طالبه، حيث تصبح المقاولات والمؤسسات ملبيةً حاجات شخصية ناقلة من اقتصاد قطري أو تكتلي إلى اقتصاد كوني.

وبعض هذه الاتجاهات قد ساد بالفعل خلال الثمانينيات والتسعينيات، وبعضها يَظلُّ حاضرًا بضعف غير محتمل التطور، ولكن حضوره بشكل من الأشكال الحادة وارد.

ويصعب علينا دائمًا أن نقدر الاتجاهات المتعلقة خاصة بالعالم الإسلامي؛ ذلك أن العالم لم يخضع - ولو مرة واحدة - لدراسة شاملة تهتم بتصورات مستقبله بشكل علمي رصين وجاد، يقوم بها فريق متعدد التخصصات من الغيورين على إسلامهم والمحبين لأمتهم، على الرغم من تعدد المحاولات الفرعية في العديد من المجالات، كل منها على حدة، لكن دون تنسيق يذكر.

الرابعة: في حركة استلهام المعارف:
لاحظ الخبراء الفرنسيون - وإخالهم تأخروا في الملاحظة دهرًا طويلاً - أن الفصل بين التكوين وممارسة العمل لم يَعُدْ ذا جدوى؛ فالتكوين بحد ذاته عمل، ولم يعد مقبولاً أن يُرفَضَ تسجيل عامل في التعليم العالي إلى أن ينقطع عن عمله، أو يُرغَمَ متخرِّجٌ بعدم متابعة التعليم؛ كي ينخرط في الحياة المهنية؛ ولهذا أوصى هؤلاء الخبراء الجهاتِ المختصةَ بالانتباه إلى أشياء ثلاثة:
لن يكون لأي شهادة جامعية الشرعيَّةُ الأبدية؛ ففي مدة تتراوح بين ست وخمس عشرة سنةً تفقِدُ هذه الشهادةُ قيمتَها إذا لم يكن صاحبُها قد انخرط في تكوين، أو مارس بحوثًا تؤهِّله لمواكبة معارف عصره تحت إشراف الجامعة.

فالمعرفة اليوم تخضَعُ - أكثر من أي وقت مضى - للبِلَى والتقادُمِ، ومن هنا أصبح التكوين المستمر من أولويات وكُبرَيات مهام التعليم العالي، بل أصبح قضاء بضعة شهور كل خمس أو عشر سنوات - ولعل هذه المدة تصبح غدًا أقل من سنة أو سنتين - في رحاب الجامعة لمتابعة التعليم ضروريًّا، ليس فقط لمواكبة التطور، بل للمحافظة على العمل ذاته، سواء كان في القطاع العمومي أو القطاع الخاص.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-07-2021, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود

أن يستلزم أي تكوين إضافي ترقية وراتبًا إضافيًّا؛ فالتكوين المستمر لا يكون في صالح صاحبه فقط، وإنما في صالح المجتمع ككل؛ ولهذا ينبغي أن ينال صاحبُه ما يستحقُّه، ليس من باب التشجيع فحسب، ولكن من باب العدل في التقدير، وإحقاق الحقوق في التدبير، حتى يصبح مسلَّمًا به عند الجميع: أن الرقي في العلم والمعرفة يفضي إلى ارتقاء في الوضعية، وزيادة في الراتب، بل حتى لو كان صاحب هذا الترقي في العلم هو رب العمل ذاته، فسيشعر أن الإضافة في مؤهلاته العلمية، وتحسين معارفه الفنية، سيسمح لا محالة بزيادة الوعي بالمتاح أمامه من الإمكانات، ويؤهِّله لاستفادة قصوى ومفيدة من الفرص المتاحة له ولمؤسسته، ولا سبيل إلى الرقيِّ إذا لم يَعُدِ التعليم العالي إلى جعل هذا الأمر قضية مُسلَّمةً، وجزءًا هامًّا من الاستثمار الإستراتيجي.

• لم يعد مجديًا أن يؤدي أستاذ التعليم العالي نفس المهمة مدة طويلة:
وفي هذا المجال ينصح التقريرُ بتيسير النقل الجغرافي والمؤسساتي لأساتذة التعليم العالي، فكون التعليم مُجبرًا على ربط الصِّلاتِ الوثيقة بالقطاع الخاص، بل لزوم انخراطه في إنشاء المقاولات وابتكار الصناعات - يُلزم القوانينَ الرسمية والإجراءات الإدارية بأن تسمحَ لأستاذ التعليم العالي أن يُمارِس شتَّى المهام طِيلةَ نشاطه العلمي بالجامعة، حيث يدرس ويبحث، ويتابع تعليمَه هو كذلك أسوة بغيره، ويدير مؤسسات البحث والمقاولات في الصناعة المتولدة من المبتكرات الجامعية وغيرها، مما له نفع على تنمية مهاراته وخبراته.

ولعل البعض - وخاصة داخل عالمنا الإسلامي - يرى في خروج الأستاذ الجامعي للمجال المقاولاتي نوعًا من صرف اهتمامه عن العلم، وانغماسه في التجارة.

وننبه على أنه قد ولَّى الزمن الذي كانت التجارة فيه حكرًا على أصحاب رؤوس الأموال؛ فقد أضحى العلم والمعرفة رأسمال ذا قيمة لا تقدر بثمن، ولم يَعُدْ عيبًا بالدول الصناعية - إلا لدى بعض الفئات التقليدية - أن يتمتَّع الأستاذ الجامعي - إلى جنب تألُّقِه العلمي - بالدخل العالي، والتوفر على مال وفيرٍ يسمح له ولطاقمه بالاستثمار في شتى المجالات.

هـ) التعليم مجبر على التجديد إن رام تكوين العقليات العلمية:
من خلال ما عرضناه من تحديات ضخمة وواجبات جِسام، حُقَّ لنا أن نتساءل: هل نعيش نهاية زمن التعليم العالي وموت الجامعة كما عرفها الغرب منذ بدايات عصر التنوير وعهود ازدهار المعرفة الموسوعية؟
"إن سيادة معايير الكفاءة المقومة ماليًّا وربحيًّا محلَّ المعرفة، وصعود الإداريين في مواجهة الأكاديميين، وتهميش المشاركة في اتخاذ القرار في مؤسسات التعليم العالي، واحتمال تدهور البحث الأساسي، حيث لا يترتب عليه هامش ربحٍ مباشر للصناعة، كما في حالة البحث التطبيقي والتقاني"[3] - تُسهِمُ في موت الجامعة كما عرفت من قبلُ، وستفسح المجال لمخلوق آخر مُشوَّه البنية عديم الفائدة، بحجة مواكبة العصر ومسايرة التطور[4].

فمن أهداف العولمة الأساسية، بل من محركاتها القوية أن يكون المال دُولَةً بين الأغنياء من المجتمعات، وأن يؤول الأمر إلى الـمُتْرفين، وهذا ما يحاربه الإسلامي محاربة شديدة، وغياب التبصر لما يتطلبه التعليم العالي على ضوء ما نحتاجه من علماء في مستوى الإخراج الذي نبهنا له في ذكر الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، لا على ضوء ما تمليه ضغوط العولمة - سيُجنِّبُنا العمل بتلك الوصايا التي تنصحنا باغتراف تكنولوجيا الموت في وجه فن الحياة.

فلقد أخذ الخطاب التحذيري من الغفلة عن السباق التكنولوجي مع ما يصاحبه من تهويل مُفرطٍ للتقدم في مجال الاتصال، وتوفير المعلومات - شكلاً من الترهيب الذي يغرس في النفس التسليم بقوة مالكي زمام التفوق التكنولوجي في هذه العلوم، ويضعف الذات التي تحتاج إلى الجهد الكبير لتكون في مستوى الذكاء الصناعي للحاق بركب علوم الاتصال وتدبير المعلومات المعاصرة، ونحن نحتاج لمواجهته إلى الثقة بالنفس، والإيمان بأننا نستطيع التغيير والتمكن من تحديد المصير.

أكيد أننا نحتاج إلى إتقان السباق في درب اكتساب تكنولوجيا المعلومات، التي بدأ مفعولها الدولي بخُطًى بطيئة في أواخر السبعينيات، وأضحت اليوم شيئًا عَلَمًا بعد أن اكتسحت معظم ساحات النشاط الاجتماعي والثقافي والعلمي، والأمر ليس بالشيء الهين؛ فلقد احتاجت فرنسا لعشر سنوات لتعميم شبكة المنيتيل (Minitel) على 25000 مشترك، بيدَ أن شبكة الإنترنت تشهد ولادة ما يزيد على 1000000 موقع كل شهر في العالم، وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء الفرنسي الحالي ليونيل جوسبان حين أقدم على ثورته المعلوماتية سنة 1997 م؛ (انظر الملحق المخصص لعرض هذه الثورة لمزيد من الاستفادة).

وهذه الثورة المعلوماتية الفرنسية المعاصرة تدل دلالة واضحة على أن التعليم العالي لا يمكن أن يقوم بأعباء التغيير وحده، بل على أجهزة الدولة العليا أن تقوم بثورة كبرى، وتغيير جذريٍّ في عدة مجالات، وعلى أعلى المستويات؛ لكي يؤدي التعليم العالي واجبَه اليوم على شكل يسمح للمجتمع بسد الفجوة التي تفصله عن التقدم الضروري والمواكب للتطورات العلمية المعاصرة، مع الحفاظ على هويته الذاتية، وقيمه الثقافية والحضارية.

فصناعة الملتيميديا (multimedia)، أو صناعة الاتصال متعدد الوسائط، التي تضم صناعات الكمبيوتر والاتصال، وصناعات السمعي ـ البصري - تُشكِّلُ اليوم أحد المحركات الكبرى والضخمة للتنمية، ومنجمًا هامًّا لسوق العمل.

وأضحى علم الاتصال يكتسي حيويَّة إستراتيجية، وأداة هامة من أدوات التنافس، يضاف إلى ذلك أن نسبة الذكاء في الصناعة الحديثة عالية جدًّا، وكل مجتمع لا يفرز أذكياء بالعدد المطلوب ويتبنى التعليم المفرز للأذكياء، ويقوي في مجتمعه قيمَ احترامِ وبلورةِ الذكاء، مُعرَّضٌ - إن عاجلاً أو آجلاً - للاندحار والذَّوبان.

وبدهيٌّ أن تعليم التكنولوجيا المعاصرة يبدأ في المدارس الابتدائية؛ فعدم وجود وسائل الاتصال من كمبيوتر ووصل بشبكة الإنترنت بهذه المدارس وبمختلف مراكز ومؤسسات التعليم - يجعل إمكانيَّات التعليم تتفاوت، وحظوظ كسب المعارف تعزز من الفوارق الاجتماعية؛ لكون أبناء الأغنياء وذوي الدخل المتوسط سيتفوقون - حتمًا - على أبناء الفقراء وذوي الدخل المحدود، لتوفُّر الأوَّلين على إمكانات اقتناء الكمبيوتر والاشتراك في شبكة الإنترنت - إن لم يكن شيئًا عاديًّا من أثاث بيوتهم - بيدَ أن الآخرين لا يجدون لذلك سبيلاً إلا عن طريق مقاهي ونوادي الإنترنت، مما يزيد ذويهم كلفةً إضافيةً لا يطيقها إلا القليلُ منهم، رغم ضيق الوقت وضغط المناخ الذي يشعر به الطالب أو الباحث في المقهى أو النادي مقارنةً مع الجو العلمي الذي يحسُّ به وهو يمارس بحثَه عبر أدوات مماثلة في بيته، أو داخل الحرم الجامعي.

فالحثُّ على الذكاء، وإعداد رجاله أمر لا تقوم به المؤسسة التعليمية وحدَها - وإن كانت صاحبة الحظ الأكبر فيه - فإلى جنبها يقوم المجتمع - وعلى رأسه الدولة - بما عليه من الواجب، تقوم الأسرة كذلك بما يلزمها في هذا الصَّدَدِ، فأمران لا يجتمعان: فن وتعفن.

فعلى الدولة إزالةُ ما يُسهِمُ في تعفُّنِ الحياة الاجتماعية، والاستثمار في ازدهار الفنون، وفرض احترام الفن والعلم، وتعزيز قيمها في المجتمع: من حرية، وتشجيع المبادرات الطيبة، وحماية البيئة، وحب العلم، والحفاظ على العدل، واحترام الحقوق، وتكريم الجمال في الصَّنعة والعمران والهِندام.

كما على الأسرة القيامُ بقسط كبير من ذلك؛ حيث يمتثل أفرادها لما تمليه هذه القيم النبيلة: من سلوك، وواجبات، وتصرفات؛ فينشأ النشء حريصًا على العلم، مدافعًا عن العدل، محبًّا للجمال، نافرًا من كل ما يشينُ بالذات والمجتمع على السواء.

ومن المخاطر التي تهدد تعليمنا - نظرًا لغياب الإستراتيجية الشمولية في مجال تحديث أدوات التعليم، وإدخال وسائل الاتصال المتطورة كمنهل حديث للتزوُّدِ المعرفي - اتِّساعُ الفجوة بين طبقات المجتمع لوجود مؤسسات تربوية - وخاصة في القطاع الخاص - قد دخلت عصر التكنولوجيا الحديثة جاعلةً منه أداةً لاستجلاب العديد من الزبناء، بَيْدَ أن العديد من المدارس العمومية والخاصة يفتقر لأدنى وسائل البيداغوجية التقليدية، فضلاً عن تكنولوجيا المعلومات والاتصال المعاصرة، كما أن نفس الداء سيزيد من اتِّساع الهُوَّة بين المدينة والقرية، وسيجعل القرية تَئِنُّ أكثر من ذي قبلُ، ليس فقط لافتقارها إلى المؤسسات والأطر الضرورية، ولكن لضعف تجهيزاتها، التي لن تستطيع في ظل السياسات التربوية الحالية، لا مواكبة تطور المجتمعات في مجال العلوم الحديثة، ولا منافسة مثيلاتها في المدن والمراكز الحضرية.

هذا فضلاً عن الفوارق التي تحدثها وستحدثها هذه العلوم في صفوف فئات المجتمع؛ لأنها لغة تَخاطُبٍ واغترافٍ، خاصة مع المعرفة ومناهلها، يُتقِنُها المتمرِّنون، ويجهَلُها مَن لم يَألفْ، أو لم يُحسِنِ التعاطيَ لها، علمًا أن خبراء الاقتصاد المعتمدين على ذات الفنون في توسيع دائرة النفوذ سيسعَونَ إلى تعميم استعمال فنون التواصل في التلفاز والهاتف، وتدبير شؤون الحياة الروتينية، من أداء للفواتير المتعددة من ماء وكهرباء، وكِراء، ونقل، وطلب سلع، وشراء أدوات، وتعامل مع الأبناك، وصرف للعملات، وغيرها من الأمور التي ستَدفَعُ مع المدة كلَّ فئات المجتمع النَّشِطة إلى الانغماس الإجباري في بحور التفنن والإتقان لعلوم الاتصال المعاصرة، وخاصة في مستوياتها الشعبية.


[1] "في سبيل نموذج أوروبي للتعليم العالي" (Pour un modele europeen d' enseignement superieur)، وهو تقرير أعد من طرف لجنة من 16 خبيرًا برئاسة الأستاذ جاك أتالي، بناءً على طلب من وزير التربية الوطنية والبحث والتكنولوجيا الفرنسي بتاريخ 21 يوليو 1997 م.


[2] "الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي"، منظمة الإيسيسكو، ص 19 - 20.

[3] نادر فرجاني "التعليم العالي والتنمية في البلدان العربية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 238، 11 / 1998 م ، ص 84.

[4] نادر فرجاني "التعليم العالي والتنمية في البلدان العربية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 238، 11 / 1998 م ، ص 84.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 81.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.76 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]