اللغة في الشعر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213433 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2022, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي اللغة في الشعر

اللغة في الشعر



د. إبراهيم عوض


اللغة في الشعر

لغة المتنبي.. خروج عن المألوف (الغريب)




كان المتنبي في مطلع حياته فقيرًا؛ إذ ولد في أسرة فقيرة، لقد انتهينا في دراستنا التي خصصناها لحياته وشخصيته إلى أن أباه كان سقَّاءً، على خلاف النظرية التي اخترعها الأستاذ محمود شاكر في العصر الحديث، وحاول أن يوهمنا - بغير أساس يستند إليه - أنه كان ابنًا لأحد أشراف العلويين، وهو ما فنَّدناه في كتابنا السالف ذكره[1].

ونحسب أنه كان من نتيجة الصراع بين تلك النشأة الفقيرة وهذا النسب الخامل (على ما تواضع عموم الناس على الخمول والنباهة في هذه المسائل، وإن كنا لا نشاركهم في هذا)، وبين الموهبة الشِّعرية والذكاء اللذين حبَا الله سبحانه المتنبي بهما، فضلًا عن الثقافة التي اهتم الشاعر اهتمامًا شديدًا بتحصيلها منذ صغره، تحصيلًا جعل بعض مترجميه يضربون بها الأمثال[2] - نحسب أنه كان من نتيجة الصراع بين هذين الجانبين في نفسه، ضمن أشياء أخرى أن تتبلور عنده الرغبة في الخروج على المألوف في شعره للفت أنظار الناس إليه، بل تعليق عيونهم به، وكأنه وقد فاته أن يلفت أنظارهم إليه بنسب ماجد أو مال وافر، أراد أن يشغلهم بشِعره ويحير ألبابهم ويجعلهم يرددون فيه النظر مرارًا مشدوهين أو مستغربين.

وقد اتخذ الشاعر عدة وسائل إلى ذلك؛ كاستخدام الغريب الخشن والإكثار منه في بعض قصائده، واستخدام الصيغ غير المألوفة، وتعويص العبارة، وبخاصة في مطلع القصيدة، واللجوء إلى المدرسة الكوفية المهجورة يجري على قواعدها التي تخالف ما اصطلح عليه عامة العرب...، إلخ، مما سنتعرف إليه في هذا الفصل.

على أنه لا بد من الآن من المسارعة إلى القول بأننا لا نقول إن المتنبي كان يلجأ إلى كل وسيلة من هذه الوسائل في كل وقت وفي كل بيت أو حتى في كل قصيدة، لا، وإنما الذي نراه أنه كان غرضه لفت الأنظار بالخروج على ما ألفه الناس والنقاد في دنيا الشعر، فكان يتخذ هذه الوسيلة أو تلك مكثرًا من اللجوء إليها زمنًا، ثم ينتقل إلى غيرها زمنًا آخر، وقد يجمع بين أكثر من وسيلة في نفس الوقت، وهكذا، وكل ذلك تبعًا للظروف وحالته النفسية، وما إلى ذلك.

ونبدأ بالإغراب والخشونة:
لقد عيبت عليه الخشونة منذ وقت جد مبكر من تاريخ نقده، بل إن الحاتمي - على ما يحدثنا هو نفسه والعهدة عليه - قد واجهه بهذه السمة في شعره وآخذه عليها، إذ انتقد استعماله في التغزل بامرأة للفظتي (ربحلة) و(سبحلة)... وكان رأي الحاتمي أن مثل هاتين اللفظتين مستهجنتان في شعر المحدثين لمباينتهما مذاهب المطبوعين والمرهفين لما فيهما من جفاء[3].

وإذا كان الحاتمي قد عاب عليه أنه استخدم في تغزله لفظتين جافيتين، فإن الصاحب بن عباد قد عمم الانتقاد؛ إذ جعل استخدامه الغريب سمةً عامة لشعره غير موقوفة على الغزل، فقال: (وأطم ما يتعاطاه التفاصح بالألفاظ الفاخرة والكلمات الشاذة)[4].

ومع ذلك، فإنه لم يورد له من هذه (الألفاظ النافرة والكلمات الشاذة) إلا لفظة (التوراب)، وهي وإن كانت صيغة غريبة ليست في رأيي من غريب الألفاظ ذاتها، فإن كل الفرق بينها وبين الصيغة المعروفة (التراب) لا يخرج عن الواو، والسياق على كل حال يبين معناها على أجلى ما يكون، فقد وردت في البيت التالي من قصيدة للشاعر في رثاء ابن سيف الدولة:
أيفطمُه التورابُ قبل فطامِهِ ♦♦♦ ويأكُلُه قبلَ البلوغِ إلى الأكلِ؟
ولا أظن البيت محتاجًا إلى أي شرح.

ومن الطريف أني لم أقع على هذا الانتقاد في (الوساطة)، رغم أن القاضي الجرجاني قد اجتهد أن يجمع في كتابه كلَّ ما أخذ على المتنبي، ورغم أنه قد خصص صفحات طوالًا في أوائل الكتاب للحديث عن البداوة والتحضر وتأثيرهما على الشعر جفاءً وخشونة، أو رقة وسهولة، وعاب على أبي تمام إغرابه في اللفظ وخروجه على مقتضى الطبع على العكس من البحتري وجرير، اللذين جريا مع الطبع، فلم يغربا أو يتوعَّرا[5].

فإذا انتقلنا إلى الثعالبي (350 - 429هـ) - وهو قرب عهد المتنبي (ت 354هـ) - وجدناه يخصص لهذه السمة الأسلوبية في شعر المتنبي ما يمكن أن يسمى فصلًا مستقلًّا، وإن لم يزد عن ثلاث صفحات، بعنوان (استعمال الغريب الوحشي)، أخذ عليه فيه أنه - وإن كان من المحدَثين وجرى على رسومهم في اختيار الألفاظ المعتادة المألوفة بينهم، بل ربما انحط عنهم بالركاكة والسفسفة - قد تعاطى الغريب الوحشي والشاذ البدوي، الذي ربما زاد فيه على أقحاح المتقدمين، ثم ذكر له من هذه الألفاظ كلمة (ابتشاك) (الكذب)، و(الحفش) (جمع السيل للماء من كل جانب إلى مستنقع)، و(القدى) (المقدار)، و(تطس) (تدق)، و(اليرمع) (الحجارة البيض الرخوة)، و(اليلل) (إقبال الأسنان وانعطافها على باطن الفم) و(الكنهور) (القطعة العظيمة من السحاب)، و(النال) (المعطي)، و(متديريها) (المتخذين منها دارًا)[6].
ومن الملاحظ أن هذه مجرد أمثلة، وإلا فالغريب في شعر المتنبي كثير.

أما العميدي (ت 433هـ)، فإنه - وإن خصص كتابه لسرقات المتنبي - قد تنبه مثلًا إلى استخدام الشاعر للمدام كلمة (القنديد) تشبهًا بالجاهليين[7]، ولكنه لم يتوسع في هذه النقطة لخروجها عن موضوع كتابه كما سلفت الإشارة، كذلك فقد نبه البغدادي في (خزانة الأدب) على هذا الملمح الأسلوبي؛ إذ قال: إن في ألفاظه تعقيدًا وتعويصًا[8].

ويكاد يكون كل مَن تناول أسلوب المتنبي من المحدَثين قد تعرض لهذه المسألة؛ فعل ذلك اليازجي، ومحمد كمال حلمي بك، وبلاشير، وفك، ود. عبدالوهاب عزام، والعقاد، وطه حسين، وأنيس المقدسي، ود. محمد كامل حسين، وإبراهيم العريض، ود. محمد عبدالرحمن شعيب، ود. صلاح عبدالحافظ، وغيرهم.

ونحب الآن أن نتناول بالمناقشة العوامل المسؤولة عن هذه السمة في شعر الشاعر، ومدى انتشارها فيه، وهل هي تزيد في مراحل معينة من شعره، أو في لون بذاته من القصائد عن غيرها من القصائد والمراحل.

فأما الباعث له على انتهاج هذه الطريق فقد سبق أن قلت إنه رغبته في الخروج على المألوف وشغل الناس والعلماء والنقاد به وبشعره، أليس هو القائل:
أنامُ مِلءَ جُفُوني عن شوارِدِها ♦♦♦ ويسهَرُ الخلقُ جرَّاها ويختَصِمُ

ثم إن رده على مَن كان يستفسر منه عن معنى شيء في شعره بأن ابن جني لو كان موجودًا لأجابه، يدل على هذه الرغبة[9]، وإلا فما الذي يمنعه من الجواب وهو - لا ابن جني - صاحب الشعر؟ بل إنه كان يقول: ابن جني أعرف بشِعري مني[10]، وما نحسب هذا القول من المتنبي إلا زيادة في الإدلال بمعرفته بالغريب الذي لا يعرفه غيره، ولكنه إدلال في صورة التواضع واللامبالاة، فإن أخباره كلها تتضافر على اعتزازه بعلمه باللغة وغريبها.

على أنه ينبغي ألا يفهم أن المتنبي كان هو الوحيد بين الشعراء العباسيين الذي كان يستعمل الغريب، أو حتى الوحيد الذي كان يكثر منه، فإن أبا تمام مِن قبله قد اشتهر بذلك[11]، بل إن البحتري المشهور بين النقاد بسلاسة لفظه وجريه مع طبعه من غير تكلف ولا اعتساف، حتى ليصفه ابن شرف بأن (لفظه ماء ثجاج ودر رجراج...، طبع لا تكلف يعنيه ولا العناد يثنيه)[12]، والذي يقول عنه د. شوقي ضيف: إنه لا يكاد يغلظ لفظه[13]، البحتري هذا له ألفاظ غريبة مستكرهة كما للمتنبي، وإن لم تكثر عنده كثرتها عند شاعرنا، وقد وجدت له بالمصادفة في بعض الكتب التي استشهدت بأبيات من شعره؛ مثل (طيف الخيال) للشريف المرتضى، و(حديث الشعر والنثر) للدكتور طه حسين، و(العصر العباسي الثاني) للدكتور شوقي ضيف، ألفاظه مثل (المسبكر) (الشاب التام المعتدل)، و(رداع) (أثر الطيب في الجسم) و(صائك) (لاصق)[14].
هذا، والشعر الذي وردت فيه هذه الألفاظ إنما هو بيتانِ لا غير، وفي الغزل.

ومن ذلك أيضًا كلمة (مَرْت) (بفتح الميم وسكون الراء)، و(صديع): (صبح)، و(شروع): (الإبل الداخلة في الماء)[15]، و(ابذعر): (تفرق)، و(غباغب الثور)، و(عِيص) (بكسر العين)، و(سميدع): (البطل الشجاع)، و(سُمُوك) (بضم السين والميم: الأعالي)[16].

ومن المؤكد أننا لو رجعنا إلى الديوان نفسه لوجدنا أكثر من ذلك كثيرًا، ولكن يبدو من كلام النقاد الذين درسوا شعره، أن البحتري لم يشتهر بالإغراب والجفاء في ألفاظه.

والآن إلى العوامل المسؤولة عن هذه السمة في شعر المتنبي:
لقد ربط عدد من النقاد - قدماء ومحدثين - بين هذه السمة وبين البداوة. وربما كان ابن عباد هو أول من أشار إلى ذلك؛ إذ قال: وأطمُّ ما يتعاطاه التفاصح بالألفاظ النافرة والكلمات الشاذة، حتى كأنه وليد خباء أو غذي لبن، ولم يطأ الحضر ولم يعرف المدر)[17].

كما ربط الثعالبي والبديعي بين هذه السمة وبين البداوة، وإن كانا قد أضافا إلى ذلك أن هذه إحدى سمات الأقحاح من الشعراء القدماء؛ إذ نصَّا على أنه قد (تعاطى الغريب الوحشي والشاذ البدوي، بل ربما زاد في ذلك على أقحاح المتقدمين)[18].

بيد أنه يلاحظ أن الربط قد اقتصر عند الصاحب على تشبيه المتنبي بالبدو، وعند الثعالبي والبديعي على وصف الألفاظ نفسها بالبدوية مرة، ومرة أخرى على أن المتنبي ربما زاد في استعماله لمثل هذه الألفاظ على أقحاح المتقدمين، هكذا من غير تحديد للمقصود بـ(المتقدمين): أهم الأمويون، أم الجاهليون، أم أولاء وأولئك؟ ولا المراد بـ(أقحاحهم): أهم أهل الوبر منهم أم ماذا؟

أيًّا ما يكن الأمر، فإنهم لم يربطوا بين هذه الصفة الأسلوبية عند المتنبي وبين قضائه عامين في البادية وهو صبي، على ما هو معروف من سيرة حياته، فضلًا عن أن يصفوا المتنبي نفسه بأنه بدوي، كما يفهم من كلام بعض من تناولوا شعره من المحدثين؛ كمحمد كمال حلمي، الذي أرجع حب الغريب من الألفاظ إلى ما بقي من أثر البداوة في نفسه[19]، وإن عاد فقال: إنه كان ميالًا إلى البداوة، متعصبًا للأعراب[20]، (ومثله في ذلك الدكتور عبدالوهاب عزام)[21]، وكالدكتور محمد مندور، الذي وصفه بـ(البدوي الشجاع)[22].

فأما أن المتنبي كان بدويًّا، فغير صحيح:
لا على الحقيقة، فإنه ولد بالكوفة وعاش طول عمره في المدن، سواء بالعراق أو الشام أو مصر أو بغداد أو فارس (على الترتيب)، اللهم إلا وقتًا من عمره قضاه ببادية الشام، على ما هو مشهور من سيرته.

ولا على المجاز؛ (إذ قلنا: إن المقصود من كلام محمد كمال حلمي، ود. عزام، ود. مندور، أنه بدوي الطباع، وأنه كان يحب البادية وأهلها، ويحن إليها وإلى العيش فيها، ويرى في أخلاق سكانها وتقاليدهم مثله العليا)، فإنه كان طامحًا طول عمره إلى الغنى ودوي الشهرة، ثم انضاف إلى ذلك بعد تركه حلب إلى كافور طمعه في ولاية يولِّيه إياها العبد الحبشي، ولم يكن ممكنًا أن يحقق ذلك لو عاش في البادية.

وأيضًا حري بنا أن نلتفت إلى أنه حتى عندما تحطمت آماله في مصر، لم يلجأ إلى البادية ولو ليستريح فيها من عناء مطامعه وخيبة أحلامه مؤقتًا، بل انطلق إلى العراق رأسًا، وحين نبا به المقام في بغداد وتكالب عليه صنائع المهلبي، لم ييمم وجهه قصد البادية، بل اتجه إلى فارس، وإن تعليقه على ضيق مساحة أرجان وبساطة مبانيها حين أشرف عليها، لَيدل دلالة قوية على أنه كان يعشق فخامة الحضارة متمثلة في اتساع المدن وتطاول البنيان وضجة العمران[23].

ومما يدل كذلك على أن رأيه في الأعراب لم يكن طيبًا أنه حين كان يعيش بينهم كان يبدي ضيقه بهم واحتقاره لهم، ويشبه نفسه معهم بالمسيح بين اليهود وصالح في ثمود؛ إذ قال:

ما مقامي بأرض نخلة إلا

كمقامِ المسيح بين اليهودِ



أنا في أمَّةٍ تداركها الل

هُ غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ




وأن أيامه في البادية كانت أيام الفقر الأزرق، وكان مشايخ القبائل الذين يقصدهم بمدائحه لا يُجيزونه عليها إلا بالدرهمين والثلاثة.

وإلى هذه الفترة من حياته ينتسب مثل هذا الشعر الصارخ من الجوع والفقر والحرمان:

أين فضلي إذا قنعت من الدهـ

ـرِ بعيشٍ معجلِ التنكيدِ؟



ضاق صدري وطال في طلب الرز

قِ قيامي وقلَّ عنه قعودي



أبدًا أقطع البلادَ ونجني

في نحوس وهمتي في سعودِ




و:
أرى أناسًا ومحصولي على غنمٍ ♦♦♦ وذكر جودٍ ومحصولي على الكلم

و:

إلى كم ذا التخلف والتواني؟

وكم هذا التمادي في التمادي؟



وشغل النفسِ عن طلب المعالي

ببيع الشِّعرِ في سوق الكسادِ؟




و:

فسرتُ نحوك لا ألوي على أحدٍ

أحث راحلتيَّ: الفقر والأدبا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-12-2022 الساعة 04:12 AM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-12-2022, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة في الشعر

أذاقني زمني بلوى شرقت بها

لو ذاقها لبكى ما عاش وانتحبا



و:

فؤاد ما تسليه المُدامُ

وعمرٌ مثل ما تَهَب اللئامُ



ودهرٌ ناسُه ناسٌ صغارٌ

وإن كانت لهم جثثٌ ضخامُ



وما أنا منهمُ بالعيش فيهم

ولكن مَعدِن الذهب الرغامُ



ولم أرَ مثل جيراني ومثلي

لمثلي عند مثلهمُ مقامُ



بأرض ما اشتهيتُ رأيت فيها

فليس يفوتها إلا الكرام




و:

كيف الرجاء من الخطوب تخلصًا

من بعد ما أنشبن فيَّ مخالبا



أوحدنني ووجدن حزنًا واحدًا

متناهيًا فجعَلْنَه لي صاحبا



ونصبنني غرض الرماة تصيبني

محن أحدُّ من السيوفي مضاربا



أظمتني الدنيا فلما جئتها

مستسقيًا مطرت عليَّ مصائبا




فهذه حال المتنبي أيام أن كان في البادية بين الأعراب ومشايخهم، فهل ترى ذكرياته هناك ما يعطفه على البادية كرة أخرى بعد أن فارقها، أو يحببه في أهله، وبخاصة أن رأيه فيهم أيام أن كان يعيش بينهم سيئ أشد السوء؟!

وإذا أردتَ أن تعرف رأيه السيئ في الأعراب، فاقرأ قصيدته في هجاء الأعراب الذين هاجموا الكوفة، واشترك هو في ردهم عن المدينة بعد عودته من مصر إليها من طول غياب، ومطلعها هو:
كدعواك كل يدعي صحة العقلِ ♦♦♦ ومَن ذا الذي يدري بما فيه مِن جهلِ؟
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-12-2022 الساعة 04:13 AM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-12-2022, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة في الشعر

اللغة في الشعر



د. إبراهيم عوض







وتهكمه بالأعراب في رائيته في ابن العميد، وأولها:
(بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا).

ولقد كفانا المتنبي المؤونة حين صرح في مصر قائلًا:
وكل امرئ يولي الجميل محببُ ♦♦♦ وكل مكان ينبت العز طيبُ

والبادية لم توله جميلًا ولا أنبتت له عزًّا، بل فقرًا وهوانًا، وفوق ذلك السجن لأول وآخر مرة في حياته، فكيف ننتظر منه أن يحبها أو يحب عيشها وأهلها؟ (وهذا لا ينافي أن حياة البادية وشظف عيشه بها قد طبعا بطابع الخشونة، كما أشرت في كتابي السابق عنه).

لم يكن المتنبي إذًا بدويَّ المنزع، بل هو رجل متحضر، وإن عاش في البادية سنتين في صباه، إنه متعلق بالمدينة والثقافة، ومخالطة العلماء، والشهرة والمال الكثير، ثم الولاية عندما كان في مصر.

إنما الأمر هو أن إقامته في البادية في فترة من عمره قد أمدَّته بفيض من غريب الكلام ووحشيِّه، فاستغلَّه في بعض الأحيان في الخروج على المألوف؛ لإدهاش مَن حوله من المستمعين والنقاد والأدباء، وتحييرهم وشغلهم بشعره، يقلِّبون فيه النظر والأذهان، وللمباهاة باتساع معرفته باللغة اتساعًا ليس متوفرًا إلا للقليلين من أمثاله، وفرق بين هذا وبين القول إنه كان بدويًّا، فإنه حتى من جهة العبارة كان يميل أحيانًا إلى التعقيد في تراكيبه والغموض في معانيه، وليس هذا صنيع البدوي البسيط العقلية، المباشر العبارة، الذي لا يعرف التعمق في المعنى والتفلسف فيه.

كذلك فنحن نعرف أنه كان يحب في بعض الأحيان أن يتبع مذهب الكوفيين في النحو، ومعلوم أن الكوفيين لم يكونوا يتشددون مثل البصريين، فيقتصروا على الأخذ عن الأعراب، بل كانوا يأخذون عن النازلين في الحضر أيضًا، كما كانوا يتوسَّعون في الشاذ ويقيسون عليه بما يخرج نحوهم في بعضه عن قواعد اللغة كما يعرفها الأعراب والعرب القدماء[24].

أما اتخاذ تغزله بالأعرابيات دليلًا على ميله للبداوة وحبه للأعراب، فيبدو لي أنه إبعاد في الاستنتاج، فإن هذا تقليد شِعري كان يأخذ به كثير من الشعراء الإسلاميين المتحضرين؛ جريًا على سنة الجاهليين في الوقوف على الأطلال وبكاء الدمن، ووصف العيش والظعائن، وما إلى ذلك[25].

وهل أدل على ذلك من أن اثنين في الذروة من التحضر والترف بين الشعراء؛ كالشريفين الرضي والمرتضى، قد اشتهرا بالتغزل في الأعرابيات، وأكثرا من ذكر نجد والخيام وما أشبه؟[26].

ولو كان الأمر أمر إقامة في البادية، لقد أقام البحتري في البادية زمنًا، وهاهم النقاد يضربون به المثل في السهولة والسلاسة، وإن رأينا أن شعره هو أيضًا لا يخلو من اللفظ الغريب الخشن، ثم إن شعر المتنبي عندما كان في البادية - بل وعندما كان لا يزال قريب عهد بها - هو من أقل شعره حظًّا من الحوشي الغريب.

وأول قصيدة ضمت عدة ألفاظ وحشية (أربعة ألفاظ على أقصى تقدير)، هي قصيدته (هذي برزت لنا فهجت رسيسًا)، وقد قالها بعد خروجه من السجن وتركه البادية بوقت طويل، وسوف نتناول هذه النقطة بالتفصيل بعد قليل، بل إن الغريب الخشن في ألفاظ المتنبي قليل بالقياس إلى شعره، وإن كان كثيرًا بإزاء بعض الشعراء الآخرين من معاصريه، ليس ذلك فحسب، فإنه كما استخدم الغريب الوحشي، قد استعمل أيضًا المولد، وانتقد عليه بعض نقاده ما عدُّوه لجوءًا منه إلى العامي من الألفاظ والعبارات[27].

وعلى أي حال فإن القاعدة في شعره هي اللفظ المعتاد والوضوح، ولكن كثرة الغريب النسبية في شِعره هي التي أوهمت امتلاءه به كما ردد بعض مَن كتبوا عنه.

ومع ذلك، فليست إقامته في البادية هي العامل الوحيد في هذه المسألة، بل هناك تلمذته على شعر أبي تمام في بداية حياته الشعرية قبل أن يستقل بفنه ومذهبه، والمعروف كما سبق القول أن أبا تمام كان من المُكثِرين من الغريب (إلى أن جانب تعقيده وغموضه مما يتشابه معه المتنبي فيه أيضًا)[28].

ويضاف إلى ذلك غرام المتنبي بالدراسات اللُّغوية وعكوفه على كتبها وتبحره فيها[29]، وكان وهو ينظم شعره يضع علماءها في حسابه.
وقد وصفه البغدادي بأنه (من حفَّاظ اللغة)[30].

وقال عنه ابن رشيق: إنه كان يلجأ إلى مثل هذه الألفاظ عامدًا؛ ليدل على علمه باللغة وبراعته فيها[31].
كما قال عنه العكبري: إنه كان يستخدم الألفاظ غير المألوفة ليلفت بها أنظار الفضلاء من العلماء والأدباء[32].

ثم علينا ألا نغفل دواوين الشعراء السابقين من جاهليين وأمويين وعباسيين، فإن لصوق الألفاظ بالذاكرة عن طريق النصوص - وبخاصة النصوص الشعرية - أسرع وأدوم، بل إنه يجعلها تقفز إلى سن قلم الشاعر أو طرف لسانه عندما ينظم، بغير استجلاب منه ولا استكراه؛ كما هو الحال لو أنه استمدها من المعاجم وكتب اللغة، فإنها في موقعها من الشعر تكتسي حياة بل وحيوية.

والسؤال الآن:
ما مدى انتشار الغريب في شعر المتنبي؟
وهل يستوي شعر الشاعر في مراحل حياته المختلفة في حظه منه؟

إن مؤرخي الأدب ونقَّاده مختلفون في هذا، فبعضهم يحصر الغريب في ثلاثة عشر موضعًا فقط، وبعضهم يقول: إن الغريب يكثر في شعر الشباب، وبعضهم يرى أن شعره في حلب هو أكثر شعره غريبًا، وبعض ثالث يؤكد أن الأراجيز هي التي تستحوذ على نصيب الأسد، وهلم جرًّا.

إن الدكتور النعمان القاضي يقول: إن ما أخذ على المتنبي من الغريب (لا يتجاوز ثلاثة عشر بيتًا، أحصاها الثعالبي تحت عنوان (استعمال الغريب الوحشي)، وليس فيها من الكافوريات سوى قوله:
أعزُّ مكان في الدنا ظهرُ سابحٍ ♦♦♦ وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ[33]

مما يفهم منه أن الغريب في ألفاظ المتنبي جد قليل، وهي ملاحظة غير دقيقة، فإن الثعالبي فيما أفهم لم يحاول أن يتقصى كل ما أخذ على الشاعر في هذا المجال، وإنما اكتفى بعدة أمثلة كما سبق أن قلت، وإلا ففي استطاعتي أن أذكر للقارئ أمثلة أخرى أكثر من ذلك؛ مثل: الخيزلي، والهيدبي، والمخشلب، والتامور، والكتد، والطرطبة، والغلبة، وتيبه (فعل مضارع، بمعنى تشعر)، وسنبة، والتوس، وغلت، والمبطوح، وسدك، والشاكد، وتسئد، ويستوبي، وهي مجرد عيِّنة التقطتها من الجزء الأول وحده من شرح العكبري (4 أجزاء).

لكن هل معنى هذا أن شعر المتنبي تغلب عليه مثل هذه الألفاظ الغريبة؟
ولا ذاك أيضًا، وقد سبق أن قلت: إن المتنبي إن كان يكثر في شعره الغريب بالنسبة إلى بعض الشعراء الآخرين، فإن هذا الغريب بالنسبة إلى شعره كله قليل، ومِن هنا فإننا لا نوافق الأستاذ عباس حسن الذي يرى أن شعره كله تقريبًا تعيبه خشونه اللفظ[34].

أما متى تكثر هذه الألفاظ الغريبة في شعر المتنبي، فقد رأى بعض النقاد - كاليازجي - أن ذلك كان في أوائل شعره، وإن استدرك فقال: (إنه لم يزل في ملكته شيء من ذلك القديم أشبه بعداد السليم ويعاوده؛ حيث يحتفل ويقصد الإغراب والمبالغة في الإحسان فيأتي كلامه معقدًا بادي التكلف)[35]، ثم أضاف إلى ذلك أراجيزه؛ لأنه كما قال كان يقصد بها محاكاة البدويات[36].

ومن الذين قالوا إن الإدلال بالغريب والميل إلى الإغراب من خصائص شعر الشباب عند المتنبي، المرحوم الدكتور عبدالوهاب عزام[37].

أما أنيس المقدسي، فإنه يرى أن شعره في طوره الأول (أي قبل اتصاله بسيف الدولة) يكثر فيه التعقيد اللفظي والمعنوي، وإن تكلف في حلب أيضًا استعمال الغريب أحيانًا[38]، بَيْدَ أن الدكتور شوقي ضيف لا يحدد زمنًا معينًا تبرز فيه السمة الأسلوبية في شعر الشاعر، وربما فهم من كلامه أن هذه السمة موجودة بوضوح في كل شعر المتنبي طوال حياته، ومع ذلك فقد رأى أن أراجيزه يكثر فيها الغريب كثرة مفرطة، وأنه لعله كان ينظمها محاكاة لرؤبة والعجاج وأبي النجم، حتى يثبت مهارته وتفوقه في اللغة، وأن قصيدته (ألا كل ماشية الخيزلي) قد حشدت فيها الألفاظ الغريبة حشدًا)[39].

وهناك عبارة للدكتور صلاح عبدالحافظ قد يفهم منها أنه يرى أن المتنبي كان يستعمل الغريب الوحشي في الموضوعات البدوية، وإن كان في كلامه تناقض كما سنبين بعد قليل، ونص العبارة - وقد قالها تعليقًا على استخدام المتنبي للفظتي (مطلخم) و(مثعنجر) في البيت التالي:
ملطخم الروقين مثعنجر الوَدْ ♦♦♦ قِ مسف الجهامِ داني الربابِ

هو: (فالبيت... يحوي لفظتين نافرتين بطبعهما، نابيتين عن السياق فيه، وليس هناك من داعٍ لذكرهما بهذه الصورة، ولا من حاجة إليهما سوى كلف المتنبي... ببدوية الألفاظ وغريبها، ثم إننا نلاحظ أيضًا أنهما في وصف الغيث، مثلما رأينا في وصف (الساحي)، فكأن المتنبي يعطي لكل وصف ما يلائمه من لفظ، فوصف الغيث والسحاب من بيئة البدو، ومن علامات الصحراء والبيادي (كذا)، فإذا هو تحدث عنها أتى بما يناسبها من ألفاظ؛ لأننا نجد هذه الألفاظ تقل أو تكاد تنعدم إذا كان يتحدث عن نفسه مثلًا أو عن تجرِبة معينة أو حكمة)[40].

ووجه التناقض هو أنه على حين يرى أن هاتين اللفظتين نابيتان عن السياق، ولا داعي لذكرهما على هذه الصورة، إذا به بعد نصف سطر يعود فيرى أنهما مناسبتان لموضوع الكلام، وهو وصف السحاب الذي يراه من علامات الصحراء، وكأن أحدًا لا يصف المطر والسحاب سوى أهل البادية، فاللفظتان في نظر الكاتب هما مرة نابيتان عن السياق، ومرة هما في موضعهما المناسب.

ونعود فنتناول آراء النقاد في الفترة أو القصائد التي يكثر فيها الغريب في شعر الشاعر.

فأما دعوى اليازجي أن ذلك يكثر في أوائل شعره، فيبدو لي أن قصائد الصبا تقول غير هذا، فعبثًا يفتش الإنسان في قصائد المتنبي ومقطوعاته في تلك الفترة؛ إذ لا يكاد يجد شيئًا[41]، وكل الذي يجده في الخمس عشرة قصيدة والخمس والعشرين مقطوعة الأولى التي تلي ذلك مباشرة سينيته في مدح محمد بن زريق الطرسوسي، لا يعدو تسعة ألفاظ غريبة، غريبة بالنسبة إلينا نحن، وربما لم تكن كلها غريبة في عصر المتنبي، وهذه الألفاظ هي:
قَرْدَد (بفتح القاء والدال الأولى وسكون الراء: الأرض المرتفعة، وقد وردت في ثاني قصيدة في ديوانه وهي من ألفاظ القافية).
تغشمرت: (تعسفت).
بُخْنُق (بضم الباء والنون وسكون الخاء: قطعة قماش تلف على رأس المولود وتشد تحت حنكه).
المخش (صيغة مبالغة: الجريء على الليل).
النَّدُس (بفتح النون وضم الدال: الذكي الفطن).
سَم (بفتح السين وعدم تشديد الميم: لغة في (اسم).
القِرضاب (بكسر القاف: القاطع، وقد عددتها من الغريب تجوزًا).
وإِسًى (بكسر الهمزة وفتح السين وتنوينها: الدواء).
الهواجل (جمع هوجل: الفلاة لا أعلام لها).

وقد وردت هذه الألفاظ التسعة في ثلاثمائة وستين بيتًا ونيِّف، وأظن أن هذه الأرقام ناطقة بنفسها، فهذا أول شعر المتنبي إلى ما بعد خروجه من السجن بوقت طويل، ثم تلي ذلك سينيته في مدح محمد بن زريق الطرسوسي[42]وأبياتها ثلاثون، وفيها أربعة ألفاظ، وهي أول قصيدة، كما سلف القول، فيها هذا العدد؛ وهذه الألفاظ هي:
الرسيس: (ابتداء الحب).
والنسيس: (بقية الروح).
والدِّعِّيس (بكسر الدال والعين مع تشديدها: الكثير الطعن).
والناووس: القبر.
وكلها من ألفاظ القافية.

ثم تلي هذه القصيدة عشر قصائد وأربع مقطوعات، مجموع أبياتها يتجاوز المائتين والخمسين بيتًا، وليس فيها على قدر ما لاحظت إلا:
مسيح: (عرق)، واللاذ: (ثوب من الكنان رقيق)، تنوفة: (مفازة، وقد تجوزت فيها)، والحزائق: (الجماعات)، والسَّمالق (بفتح السين: الأراضي البعيدة)، وثوب شُبارق (بضم الشين: ممزق)، والألفاظ الثلاثة الأخيرة من قصيدة واحدة، ومطلعها:
(هو البين حتى ما تأنى الحزائق)[43]، وكلها ألفاظ قوافٍ، وهي كما ترى نسبة جد ضئيلة، ثم تلي ذلك قصيدة من سبعة وثلاثين بيتًا[44] تضم هذه الألفاظ: المتديِّريها (بتشديد الياء الأولى وكسرها: المتخذيها دارًا)، والشَّموع (بفتح الشين: اللعوب الضحوك)، والقطيع: (الثوب يقطع من جلد البعير)، والخبعثنة: (اسم من أسماء الأسد)، ثم قصيدة من اثنين وأربعين بيتًا أولها:
أحق عافٍ بدمعك الهِمَمُ ♦♦♦ أحدثُ شيء عهدًا به القِدَمُ[45]

فيها ألفاظ:
الوَحاء (بفتح الواو: السرعة)، والعَفوني (بفتح العين والفاء والنون الممدودة، من صفات الأسد: الشديد)، وماوِيَّة (بكسر الواو وتشديد الياء وفتحها: المرآة)، والعهاد (جمع عهد: المطر بعد المطر).

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-12-2022 الساعة 04:14 AM.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-12-2022, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة في الشعر

اللغة في الشعر



د. إبراهيم عوض




ثم قصيدة مكونة من خمسة وثلاثين بيتًا
[46]، فيها كلمتان غريبتان؛ هما:


الضَّرَب (بفتح الضاد والراء: العسل)، والمخشلب: (خرز أبيض).

وبعد ذلك تأتي قصيدة أبياتها ثلاثة وأربعون، ليس فيها من الغريب شيء، ثم أخرى أبياتها ستة وثلاثون[47] ليس فيها إلا:

قُفّ (بضم القاف وتشديد الفاء: الغليظ من الأرض لا يبلغ أن يكون جبلًا)، فقصيدة من أربعين بيتًا ليس فيها شيء، ثم تليها أخرى من تسعة وثلاثين[48] فيها:
مثجم: (غزير متزايد)، الفرصاد: (ثمر التوت الأحمر)، فقصيدة من سبعة وثلاثين بيتا[49] فيها الألفاظ التالية: تطس: (تضرب بشدة)، والجَداية (بفتح الجيم: الغزال) والندس: (الفطن، وقد مرت)، الهِبرِزِي (بكسر الهاء والراء والزاي وتشديد الياء: الجميل الوسيم، السيد الكريم).

ثم مقطوعة من أربعة أبيات تخلو من الغريب، فقصيدة من سبعة وثلاثين بيتًا[50] فيها لفظه واحدة هي خدال (وصفًا للسيقان: غلاظ)، فأخرى من أربعة وأربعين[51] فيها لفظتان اثنتان هما الإسئاد: (إدمان السير)، والرُّحَضاء (بضم الراء وفتح الحاء: عرق الحمى، وقد تجوزت في عدها من الغريب)، ثم أرجوزة على روي اللام فيها من الغريب أكثر من أي قصيدة مضت[52]، وسوف نتناولها مع غيرها من الأراجيز فيما بعد؛ لأن لهن وضعًا خاصًّا.

ثم قصيدة أخرى مكونة من ثلاثة وعشرين بيتًا[53] فيها لفظة واحدة: النَّفُود (بفتح النون وضم الفاء مع مدها: العدم).
فقصيدة من ثلاثة وأربعين بيتًا[54] فيها كلمتان: العرامس (النوق الصلاب)، والمجفِرة (اسم فاعل: الواسعة الجنبين).

فقصيدة من سبعة وأربعين بيتًا[55] لا تضم من الغريب فيما لاحظت إلا (الغُرَيرِي) (بضم الغين وفتح الراء الأولى وكسر الثانية وتشديد الياء: الفحل الكريم).

ثم تلي ذلك سبع قصائد أبياتها نحو مائة وثلاثين، وثلاث وعشرون مقطوعة أطولها من خمسة أبيات ومعظمها ثلاثة أبيات، وليس فيها إلا ثماني كلمات؛ هي:
أزل (على وزن أفعل: قليل اللحم)، وطِمِرَّة (بكسر الطاء والميم وتشديد الراء: الوثابة)، والقمقام: (السيد)، والبرسام: (علة تجلب الهذيان)، وعُذافر (بضم العين: العظيم الشديد من الإبل) والخِير (بكسر الخاء: الكرم)، والنَّشْح (بفتح النون وسكون الشين: الشرب القليل)، ونأم (زأر)، وهكذا مع بقية القصائد التي نظمها قبل اتصاله بسيف الدولة، فهي إما لا تشتمل على غريب أو إن اشتملت فعلى كلمة أو كلمتين أو ثلاث.
(أما المقطوعات، فقليلًا ما تحتوي على شيء من الغريب).

ويشذ عن ذلك (غير أرجوزة نرجئ الحديث عنها إلى ما بعد) ثلاث قصائد احتوت كل منها على عدد أكبر من ذلك، وأولاها (42 بيتًا) تلك التي مطلعها:
لك يا منازلُ في القلوبِ منازلُ ♦♦♦ أقفرتِ أنتِ وهنَّ منك أواهلُ

وهي في مدح القاضي أحمد بن عبدالله بن الحسين الأنطاكي[56]، وها هو الغريب الذي وجدته فيها:
سجر: (ملأ، ألهب)، وقنابل (جمع قَنبلة، بالفتح: الطائفة من الخيل من ثلاثين إلى أربعين)، وأم دفر وأم الدهيم: (اسمان للداهية)، والحُلاحِل (بضم الحاء الأولى وكسر الثانية: السيد الركين).

أما ثانيتهما، فهي الزائية (38 بيتًا) التي مدح بها أبا بكر علي بن صالح الروذبازي[57]، وهي الزائية الوحيدة بين مقطوعاته وقصائده وأراجيزه.

والملاحظ أن كل ما فيها من غريب هو من ألفاظ القافية ما عدا كلمة واحدة، وهي: العنتريس: (الناقة الغليظة الشديدة)، وعددها كلها ست كلمات؛ وهي:
الجُراز (بضم الجيم: القاطع)، والأجواز (جمع جوز: وسط الشيء)، وسام الركاز: (عروق الذهب)، والنُّحاز (بضم النون: داء يسبب للإبل السعال الشديد)، والأقواز (جمع قَوز، بفتح القاف: الكثيب الصغير)، والخازباز: الذباب، وهو في الأصل حكاية صوته)، ثم الثالثة، وهي شينيته في مدح أبي العشائر (36 بيتًا)، وأولها:
مبيتي من دمشقَ على فراشِ ♦♦♦ حشاه لي بحرِّ حشايَ حاشِ
وهي كذلك الشينية الوحيدة في شعره[58].

فإذا أضفنا أن تسعة من ألفاظها الغريبة التي تبلغ عشرة هي كلها ألفاظ فلربما أعطانا هذه إلماحة إلى سر كثرة الغريب في هذه القصيدة؛ إذ لعل محفوظه من الألفاظ المعتادة التي تنتهي بالشين، (وبخاصة إذا كان يسبقها ألف) كان قليلًا، فلذلك كان يستعين مضطرًا بالغريب، (ومثلها في ذلك الزائية)، وهذه الألفاظ؛ هي:
المُشاش (بضم الميم وفتح الشين: رؤوس العظام الرخوة)، والمحاش (اسم مفعول: ما أحرقته النار)، وراش (اسم فاعل: الخوار الضعيف)، والاحتراش: (صيد الضب)، والنستجاش (الذي يطلب منه الجيش)، والعِشاش (بكسر العين: النخل الدقيق القليل السعف، جمع (عَشَّة)، بفتح العين وتشديد الشين)، والجِحاش (بكسر الجيم: المدافعة، والخِشاش (بكسر الخاء: عود يدخل في أنف البعير يشد فيه الزمام)، والغِشاش (بكسر الغين: العجلة)، والفِياش (بكسر الفاء: المفاخرة)، أما الكلمة التاسعة، فهي المناقلة (إسراع نقل القوائم).

من هذه الإحصائيات التي أرجو ألا تكون قد أملَّت القارئ وأنفدت صبره، يتبين لنا أن أوائل شعر المتنبي تكاد تخلو من الغريب، وأن القصائد التي يكثر فيها الغريب بعد ذلك (أربعة ألفاظ فصاعدًا، وأكثرها لم يتجاوز التسعة الألفاظ) هي جد قليلة، وأن أكثر غريبها إنما يتركز في القوافي، وأن القافيتين اللتين فازتا بنصيب الأسد من هذا الغريب هما الزاي والشين، وقد حاولنا فيما مضى أن نخمن السر في ذلك.

كذلك لا بد من الإشارة إلى أن الغريب الذي درسناه حتى الآن، والذي ورد فيما يقرب من نصف شعر المتنبي ليس مقصورًا على المعاني والأدوات البدوية، بل لا تشكل هذه المعاني والأدوات أكثره.
هذا بالنسبة لشعره قبل سيف الدولة.

أما في حلب، فقد عددت له نحو ستين لفظة غريبة في نحو 270 صفحة (من ص5 إلى ص273، ومتوسط ما في الصفحة من أبيات ستة أبيات)، على حين عددت له في مصر نحو 23 لفظة غريبة في نحو 80 صفحة فقط (من ص 294 إلى ص 373).

ومن هذه الإحصائيات التقريبية يتبيَّن لنا أن غريبه في مصر أكثر منه في حلب، مما يدل على أن تنبه أنيس المقدسي إلى لجوئه أحيانًا إلى الغريب في حلب وعدم تنبهه إلى نفس الشيء في مصر، هو على عكس الأحرى، كما يدل أيضًا على عدم صحة دعوى المرحوم د. النعمان القاضي، القائلة بأن شعر المتنبي في مصر قد تخلص من الغريب بسبب سهولة الحياة في مصر، وكونها بيئة زراعية، وسماحة الروح المصرية[59]، وربما دفعه إلى هذا الحكم المتعجِّل أنه لم يراعِ أن القصائد التي نظمها الشاعر في مصر قليلة جدًّا بالقياس إلى قصائده في حلب، فإذا أضفنا إلى ذلك أن عددًا من قصائد المتنبي في مصر هي قصائد ذاتية؛ كقصيدته التي مطلعها:
بم التعللُ لا أهل ولا وطن ♦♦♦ ......................

وقصيدته:
صحِب الناسُ قبلنا ذا الزمانا ♦♦♦ وعناهم مِن شأنِه ما عنانا

وقصيدته في الحمى، وأن قصائده الذاتية، كما لاحظت، ينعدم فيها الغريب، وإذا وجد فكالمنعدم تأكد لدينا أن ملاحظة د. النعمان ينقصها الدقة تمامًا؛ إذ إن غريب المتنبي في مصر برغم ذلك كله لا يكاد يقترب من نصف غريبه في حلب، مع أنه لا نسبة بين عدد قصائده وأبياته عمومًا في حلب وأمثالها في مصر.

كذلك لا صحة لما قاله د. النعمان من أن المتنبي في مقصورته التي قالها لدى مغادرته مصر، قد انطلق فيها إلى ما كان ودعه في مصر من جهامة الألفاظ وخشونتها وغلظها وغرابتها، فإن هذه المقصورة لا تحتوي إلا على خمسة ألفاظ غريبة؛ هي: (الخيزلي، والهيدبي، ودئداؤها، والكفاف، والتوى)، وهي كما ترى ليس فيها من الغلظ شيء، ويبدو أن امتلاء الأبيات من السادس إلى السادس عشر بأسماء المواضع الغريبة التي مر بها الشاعر في رحلته هو الذي أوهمه أنها مملوءة بالغريب الخشن، ونفس الوهم وقع فيه فيما يبدو د. شوقي ضيف[60].

شيء آخر يتصل بالغريب عند المتنبي في حلب ومصر لاحظته، وهو أن القوافي تستأثر هنا أيضًا بنصيب الأسد، فمِن بين الستين لفظًا في شعره الحلبي نجد أن أكثر من أربعين لفظة فيها هي من ألفاظ القافية، ومن بين شعره المصري نرى أن ما يقرب من نصف غريبه هو من كلمات القافية.

أما القصائد الحلبية التي يكثر فيه الغريب نسبيًا (أكثر من ثلاثة ألفاظ)، فعددها فيما لاحظت أربع؛ هي:
(وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمة) (6 ألفاظ)[61].
و(غيري بأكثر هذا الناس ينخدع) (8 ألفاظ)[62].
و(بغيرك راعيًا عبث الذئاب) (5 ألفاظ)[63].
و(تذكرت ما بين العذيب وبارق) (7 ألفاظ)[64].

وفي مصر نجد قصيدتين:
الأولى (من الجآذر في زي الأعاريب) (4 ألفاظ)[65].
والثانية (لا خيل عندك تهديها ولا مال) (7 ألفاظ)[66].

ويضاف إلى هذه الملاحظات أني وجدت أن قصائد الرثاء في هاتين المرحلتين - علاوة على القصائد الذاتية التي أشرت إليها قبل قليل - ينعدم أو يقل فيها الغريب إلى حد كبير.

وتبقى آخر مرحلة في شعره، وهي مرحلة العراق وفارس، وليس فيها من ناحية الغريب شيء جديد؛ إذ هي بوجه عامٍّ امتداد لشعر المتنبي منذ سينيته في ابن زريق الطرسوسي.

نخرج من ذلك بأن أوائل شعر المتنبي هي - على عكس ما هو متداول بين دارسيه - أقل شعره غريبًا، ويدخل في ذلك شعره في البادية وفي السجن وبعد أن خرج من السجن بوقت غير قصير.

ثم نبتدئ نلاحظ الغريب في شعره في القصيدة بعد القصيدة كما قلنا، واستمر الحال على هذا المنوال بقية عمره.

أما سائر شعره، فالقصيدة إن احتوت تحتو كلمة أو اثنتين أو ثلاث، كذلك فأكثر الغريب إنما يقع في القافية، وبخاصة تلك التي يندر أو يقل نظمه فيها.

أيضًا فقد وجدنا أنه كلما حزن أو رثى قل غريبه، فأما الألفاظ الغريبة ذاتها، فلم ألاحظ أنها تنتمي إلى بيئة معينة كالبيئة البدوية مثلًا، بل هي من كل مجال.

فأما بالنسبة لأراجيزه وما فيها من غريب، فإنه قد نظم منها أربعًا، علاوة على أنه نظم مقطوعات في بحر الرجز، فأما المقطوعات، فلا غريب فيها، وأما بالنسبة لأراجيزه الأربع، فإنه قد ارتجل منها ثلاثًا؛ هي:
1 -وشامخ من الجبال أقود (12 بيتًا).
2 -حجب ذا البحر بحار دونه (13 بيتًا).
3 -ومنزل ليس لنا بمنزل (28 بيتًا).

والرابعة نظمها في فرس تأخر الكلأ عنه بوقوع الثلج، ومطلعها:
ما للمروج الخضر والحدائق (28 بيتًا)[67].

ثم إن الأولى والثانية تخلوانِ من الغريب، اللهم إلا كلمة (عُون) (بضم العين، وجمع عانة: القطعة من الوحش)، وقد وردت في الثانية، هذا إن عددناها من الغريب، فإن مفردها لفظة معروفة، وإنما صيغة الجمع هي الغريبة.

وتبقى الثالثة والرابعة، وهما اللتان تحتويان على عدد ملحوظ من الألفاظ الغريبة:
الثالثة على نحو تسعة ألفاظ (في 28 بيتًا)؛ وهي:
مسوجر، يغزَل (بفتح الزاي)، ساط، شمردل، سجنجل، ربذات، مصبر، التنفل، هوجل.

والرابعة على نحو 16 لفظًا (في 28 بيتًا)؛ وهي:
المهارق، الشوذانق، الفائق، زاهق، الشارق، البوغاء، الشقائق، الريد، يشأي، الأبارق، شحا، الناهق، الجلاهق، الخرانق، الآفق، السفاسق.

ويلاحظ أن خمسة من التسعة الموجودة في القصيدة الثالثة، واثني عشر من الستة عشر التي تتضمنها القصيدة الرابعة، هي من ألفاظ القافية؛ أي إن القافية تقوم كما رأينا بدور كبير في استخدام الشاعر للغريب.

كما يلاحظ أن الأراجيز الثلاث المرتجلة، ينعدم في اثنتين منها الغريب، على حين أنه في الثالثة لا يزيد تقريبًا على نصف ما في الرابعة، التي لم يرتجلها، (وهما متساويتان في عدد الأبيات)، مما يدل على أن للارتجال دخلًا في سهولة شعر المتنبي، وإن لم يصعب عليه مع ذلك أن يمتح مِن محصوله من الغريب حتى وهو ينظم مرتجلًا، ولعل الذي ساعده على ذلك أن الثالثة وإن كان ارتجلها فقد كان معه ساعتها ورق وقلم يسجل فيه ما يرتجله لتوِّه، فإن للقلم والورق دورًا في تنشيط الذاكرة ومراجعة الإلهام الأدبي وتنقيحه.

وثمة ملاحظة ثالثة، هي أن قول د. شوقي ضيف: إن المتنبي كان يكثر في أراجيزه من الغريب كثرة مفرطة[68]، ينبغي ألا يؤخذ على إطلاقه، فإن اثنتين من أراجيز المتنبي قد خلتا من الغريب، على حين أن إحدى الاثنتين الباقيتين لم يزد فيها الغريب على تسعة ألفاظ، وقد سبق أن رأينا أن مثل هذا العدد قد وجد في قصيدة له في غير بحر الرجز؛ أي إن ملاحظته لا تصدق إلا على الأرجوزة الرابعة (التي على حرف القاف).

وقبل أن نفارق هذا المبحث نحب أن نؤكد مرة أخرى أن عامة شعر المتنبي يقل فيه الغريب، وننبه أيضًا إلى أنه ليس كل غريبه خشنًا غليظًا، فكلمات مثل (الجرشي) و(الخبعثنة)، و(العنتريس)، و(العرامس)، و(المخشلب)، مما فيه ثقل وجهامة، هي أقل غريبه.

وعلى أية حال، فلا أظن إلا أن كثيرًا من الشعراء العرب هم أكثر من المتنبي استعمالًا للغريب، وأحسب أن الذي أوهم أن غريبه أكثر مما هو في الحقيقة هو أنه يكثر من استخدام الصيغ غير الشائعة، أو يحب أن يجري على قواعد النحو الكوفي غير المألوفة، ويحرص على توبلة شعره أحيانًا، وبخاصة في مطالعه بالتراكيب الملتوية مما سنتناوله بعد قليل.

أما من ناحية الفنية، فإن شعر المتنبي حين ينفعل ويتألق خياله، يغطي بنوره الوهاج على ما قد يحويه من لفظ غريب، بل إن بعض هذا الغريب بل والغليظ أيضًا قد يسهم في تأكيد المعنى بما يطلقه حول العبارة من إشاعات وإيحاءات؛ لنأخذ مثلًا كلمتي (المروري والشناخيب)، (المرورى: الفلاة الخالية، والشناخيب: رؤوس الجبال، واحدها شنخوب)، فهما على ثقلهما وغلظهما على اللسان وفي الأذن توحيان في البيت التالي (من أول قصيدة له في كافور يصف له فيها ما لاقاه من إرهاق في رحلته إليه):
لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دونَهُ ♦♦♦ وَجُبتُ هَجيرًا يَترُكُ الماءَ صادِيا

بوعورة الطريق وطوله:
الأولى برائها المتكررة مرَّتين محركة بين حرف لين ساكن، ومدتها الأخيرة.

والثانية بشينها ونونها وخائها المتتابعة على هذا النحو، ومدتيها، وهذا كله يتجاوب مع لظى الهجير الذي يبلغ من قسوته وفظاعته أن يترك الماء نفسه (الماء الذي يذهب الصدى) صاديًا.

ومثلها في ذلك كلمة (تغشمرت) في البيت التالي الذي يصف فيه الممدوح آخر صعوبة التي لاقتها ناقته في وطء الحصى الصلب في رحلتها الصحراوية إليه.


[1] انظر كتابنا: المتنبي دراسة جديدة لحياته وشخصيته، 27 - 73.

[2] انظر: محمود شاكر، المتنبي، 2 / 341 - 342، نقلًا عن (المقفى) للمقريزي، وانظر كذلك: (الصبح المنبي)؛ للبديعي / 20 - 21؛ حيث يحكي أنه استطاع في جلسة واحدة قصيرة أن يستظهر كتابًا بأكمله، وإن كنا قد استبعدنا وقوع هذه الحكاية على النحو الذي رويت به؛ انظر كتابنا (المتنبي - دراسة جديدة لحياته وشخصيته) / 233.

[3] الرسالة الموضحة / 26، ولم أقع للحاتمي في هذه الرسالة على انتقاد آخر للغريب في شعر المتنبي غير أنه قرب نهايتها / ص193 قد انطلق يمدح ألفاظ البحتري الرطبة العذبة؛ كما سماها، وأنه كان لا يستدعي من الكلام نافرًا ولا يؤنس وحشيًّا، وكأن الحاتمي كان في أعماقه يريد أن يغض من مذهب المتنبي في الغريب.

[4] الصاحب بن عباد / الكشف عن مساوئ المتنبي / انظر ذلك في: الإبانة عن سرقات المتنبي / للعميدي / 234.

[5] انظر: الوساطة / 17 - 30.

[6] انظر: يتيمة الدهر / 1 / 173 - 176. وكذلك الصبح المنبي / للبديعي، الذي نقل عنها / 366 - 370.

[7] العميدي / الإبانة عن سرقات المتنبي / 165.

[8] انظر: خزانة الأدب / 2 / 363.

[9] انظر: معجم الأدباء / لياقوت الحموي / 12 / 102.

[10] انظر: الصبح المنبي / 66 / هـ 1.

[11] انظر مثلًا: الوساطة / 18 - 23، 70 - 71 وأنيس المقدسي / أمراء الشعر في العصر العباسي / 206، 210.

[12] الصبح المنبي / 180.

[13] الفن ومذاهبه في الشعر العربي / 225.

[14] انظر البيتين اللذين وردت فيهما هذه الألفاظ في: (طيف الخيال) / 43 - 45.

[15] انظر: (من حديث الشعر والنثر) 125 - 126.

[16] انظر: العصر العباسي الثاني / 278 - 279، 289، 291، 295.

[17] انظر: رسالته (الكشف عن مساوئ المتنبي) الملحقة بـ(الإبانة عن سرقات المتنبي) / للعميدي / 234.

[18] يتيمة الدهر / 1 / 173، والصبح المنبي / 234.

[19] انظر: كتابه / أبو الطيب المتنبي - حياته وخلقه وشعره وأسلوبه / 22.

[20] السابق / 347.

[21] انظر: ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام / 187.

[22] النقد المنهجي عند العرب / 313.

[23] البغدادي / خزانة الأدب / 2 / 356، ونص عبارته كما رواها ابن جني: تركت ملوك الأرض وهم يتعبدون بي، وقصدت رب هذه المدرة! (يقصد ابن العميد) فما يكون منه؟

[24] انظر: في ذلك يوهان فك / العربية / 130 ود. شوقي ضيف / المدارس النحوية / 158 - 161، 173، 176، 193.

[25] انظر: مثلا د. درويش الجندي / ظاهرة التكسب وأثرها في الشعر العربي ونقده / 181.

[26] انظر: مقدمة محمد سيد كيلاني لـ(طيف الخيال) / 10 - 11.

[27] انظر: في ذلك اليتيمة / 1 / 176 - 178، والوساطة / 456 - 457، 473، و(العربية) ليوهان فك / 190.

[28] انظر: الوساطة / 70 - 71، (والعرف الطيب) لليازجي / 1 / 53، والنقد المنهجي / 114 - 165، 260 - 261، 297، 361.

[29] انظر: الأنباري / نزهة الألبا / 72، والبديعي / 87.

[30] خزانة الأدب / 2 / 363

[31] انظر: د. نعمان القاضي / كافوريات أبي الطيب - دراسة نصية / 291.

[32] انظر: العكبري / التبيان في شرح الديوان / 2 / 21.

[33] د. نعمان القاضي / كافوريات أبي الطيب / 402.

[34] انظر: عباس حسن / المتنبي وشوقي / 131.

[35] العرف الطيب / 1 / 53، 57 - 58.

[36] السابق / 59.

[37] انظر: ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام / 339.

[38] انظر: أمراء الشعر في العصر العباسي / 359.

[39] انظر: الفن ومذاهبه في الشعر العباسي / 335 - 336، 342 - 343.

[40] د. صلاح عبدالحافظ / الصنعة الفنية في شعر المتنبي / دراسة نقدية / 63.

[41] اعتمدنا هنا على (العرف الطيب) اليازجي، الذي رتب القصائد على تاريخ نظمها.

[42] العرف الطيب / 1 / 194.

[43] هي قصيدة:
ملثَّ القطر أعطشُها ربوعَا ♦♦♦ وإلا فاسقِها السمَّ النقيعَا
العرف الطيب / 1 / 214.

[44] العرف الطيب / 1 / 219.

[45] هي قصيدة في مدح المغيث العجلي، ومطلعها:
دمعٌ جرى فقضى في الربعِ ما وجبا ♦♦♦ لأهله وشقى، أنى؟ ولا كربا
العرف الطيب / 1 / 225.

[46] العرف الطيب / 1 / 237.

[47] العرف الطيب / 1 / 250

[48] ومطلعها هكذا:
أرَكائِبَ الأحْبابِ إنَّ الأدْمُعَا ♦♦♦ تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا
العرف الطيب / 1 / 256.

[49] هي قصيدة:
صلة الهجر لي وهجر الوصالِ ♦♦♦ نكساني في السقم نكس الهلالِ
العرف الطيب / 1 / 262.

[50] العرف الطيب / 1 / 267.

[51] العرف الطيب / 1 / 275.

[52] العرف الطيب / 1 / 280

[53] العرف الطيب / 1 / 283

[54] العرف الطيب / 1 / 289.

[55] العرف الطيب / 1 / 348.

[56] العرف الطيب / 1 / 390.

[57] العرف الطيب / 1 / 447.

[58] انظر: كتابه (كافوريات أبي الطيب. دراسة نصية) / 446 - 448.

[59] كافوريات أبي الطيب / 447.

[60] انظر: (كافوريات أبي الطيب)، و(الفن ومذاهبه في الشعر العربي)، والقصيدة في / العرف الطيب / 2 / 401، والعكبري / 1 / 236.

[61] اليازجي / 2 / 5.

[62] اليازجي / 2 / 89.

[63] اليازجي / 2 / 196.

[64] اليازجي / 2 / 215.

[65] اليازجي / 2 / 306.

[66] اليازجي / 2 / 365.

[67] انظر: في ظروف نظمه لهذه الأراجيز: العكبري / 2 / 14، 4 / 171، 3 / 202، 2 / 352 على الترتيب، وكذلك اليازجي / 1 / 419، 2 / 177 / 275، 1 / 430 على نفس الترتيب.

[68] الفن ومذاهبه في الشعر العربي / 336.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-12-2022 الساعة 04:15 AM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 128.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 124.93 كيلو بايت... تم توفير 3.40 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]