منهج ابن كثير في دعوة الولاة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 851067 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 387040 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 231 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28469 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60108 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 856 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-05-2021, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي منهج ابن كثير في دعوة الولاة

منهج ابن كثير في دعوة الولاة








مبارك بن حمد الحامد الشريف


الوُلاة جمع والٍ، وهو كلُّ مَن وَلِيَ أمرًا أو قام به، ووليُّ العهد: وراثُ الملك، ووليُّ المرأة: من يلي عقدَ النكاح عليها ولا يدعها تستبدُّ بعقد النكاح من دونه، ووليُّ اليتيم: الذي يلي أمره ويقوم بكفالته[1].



والولاة "هم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهلُ اليد والقدرة، وأهل العلم والكلام"[2].



ويراد بالولاة عند ابن كثير الأمراءُ والعلماء، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] "﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ يعني العلماء، والظاهر - والله أعلم - أنها عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء"[3].



وكما أنه رحمه الله اعتنى بأمر العلماء؛ لأنهم من أولي الأمر الذين تجب طاعتهم بالمعروف؛ لأنها من طاعة الله ورسوله، فكذلك الوُلاة أيضًا هم من أولي الأمر الذين تجب طاعتهم بالمعروف؛ لأنها من طاعة الله ورسوله، كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾، وقد كان منهجه رحمه الله مع الولاة قريبًا من منهجه مع العلماء في الدعاء لهم، وبذلِ النصيحة، واحترامهم، ونحو ذلك مما هو متوجِّه إلى المنهج العاطفي، وأهمية وجود الإمام، وضرورة تعيينه، وأن طاعتهم في غير معصية من طاعة الله، وهو ما يتوجه إلى المنهج العقلي، والحديث عن شروط الإمامة، وأهمية مناصحة الأمراء وزيارتهم، وتوجيههم وإرشادهم إذا تيسَّر ذلك، مما يتوجه إلى المنهج الحسي.



وسنتناول في هذا المطلب بعض ما ذكره ابن كثير في تفسيره عن حقوق ولاة الأمر، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وضرورة نَصْبِ الإمام وتعيينه، ومبايعته على السمع والطاعة، وعدم جواز نَكْثِ هذه البَيْعة، وكذلك حقوق الراعي على رعيته، وحقوق الرعية على الراعي، وأهمية مناصحة السلطان، والأسلوب الأمثل في ذلك، وغيرها من المسائل المهمة التي تعرَّض لها ابن كثير؛ فمن ذلك:

1- أكَّد ابن كثير على أهمية وجود الإمام وضرورة تعيينه؛ حيث إن تطبيق شرع الله، وإقامة حدوده، ونُصرةَ دينه مرتبطٌ بوجود سلطان وإمام حاكم، فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80]: "وقال قتادة.... إن نبي الله صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أنْ لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله؛ فإن السلطان رحمة من الله جعَلَه بين أظهُرِ عباده، لولا ذلك لأغار بعضُهم على بعض فأكل شديدُهم ضعيفَهم، وقال مجاهد: ﴿ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾:حُجَّة بيِّنة، واختار ابن جرير... قول قتادة، وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهرٍ لمن عاداه وناوأه؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [الحديد: 25]، وفي الحديث: ((إن الله يَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن))[4] ؛ أي: يمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع"[5].



وقال رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]: "وقد استدل القرطبيُّ وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة؛ ليفصل بين الناس فيما يختلفون فيه، ويقطع تنازُعَهم، وينتصر من ظالمهم، ويقيم الحدود، ويزجر عن تعاطي الفواحش، إلى غير ذلك من الأمور المهمة، التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"[6].



2- وجوب طاعة ولاة الأمر إذا أمَروا بطاعة الله؛ لأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله، وطاعة الله ورسوله واجبة، فمن أطاع الأميرَ فقد أطاع الرسولَ صلى الله عليه وسلم، ومن أطاع الرسولَ فقد أطاع اللهَ؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، يقول ابن كثير: "يُخبِر تعالى عن عبده ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأنه من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله.... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أطاعَنَي فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني))[7].



ويقول أيضًا عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور: 51]: "وقال قتادة في هذه الآية: ﴿ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾:ذُكر لنا أن عباده بن الصامت رضي الله عنه - وكان عقَبيًّا (شهد بَيْعة العقَبة) بَدْريًّا، أحد نقباء الأنصار - أنه لما حضره الموت، قال لابن أخته جنادة[8] بن أبي أمية: ألا أُنبئك بماذا عليك ولك؟ قال: بلى، قال: فإن عليك السمع والطاعة في عُسرِك ويُسرِك، ومَنشَطِك ومَكرَهِك، وأثَرةً عليك، وعليك أن تقيم لسانَك بالعدل، وألا تُنازِع الأمرَ أهلَه، إلا أن يأمروك بمعصية الله بَواحًا، فما أُمرتَ به من شيء يخالف كتابَ الله فاتَّبِعْ كتاب الله، وقال قتادة: وذُكر لنا أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: لا إسلام إلا بطاعة الله، ولا خير إلا في جماعة، والنصيحة لله ولرسوله، وللخليفة وللمؤمنين عامَّة، قال: وقد ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: عروةُ الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والطاعة لمن ولَّاه الله أمر المسلمين. والأحاديثُ والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمَروا بطاعة الله - كثيرةٌ جدًّا، أكثر من أن تُحصَر في هذا المكان"[9].



1- من حقوق ولاة الأمر على رعيتهم طاعتُهم بالمعروف، وعدمُ الخروج عليهم، ومعاونتهم وبذل النصيحة لهم، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق لما يحبُّه الله ويرضاه.



ومن حقوق الرعية على ولاة الأمر: الرِّفقُ بهم، والنظر في مصالحهم، وعدم غشِّهم، والعدل والإحسان بينهم، وحماية عقائدهم وأخلاقهم، والدفاعُ عن بلادهم وحَوزة دينهم، ولما قرأ عمر بن عبد العزيز - وهو يخطب على المنبر - قولَه تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41]، قال: ألا إنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه، ألا أنبئكم بما يتم على الوالي من ذلكم، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم، وأن يأخذ لبعضكم من بعض، وأن يهديَكم للتي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلك الطاعةَ غير المبزوزة[10]، ولا المستكرهِ بها، ولا المخالفَ سرُّها علانيتها"[11].



ومن حقوق الرعية على الولاة أن يحكُموا بينهم بالعدل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، يقول ابن كثير: "أمر منه بالحكم بالعدل بين الناس؛ ولهذا قال محمد[12] بن كعب وزيد بن أسلم وشهر[13] بن حوشب: إنما نزَلتْ في الأمراء، يعني الحكام بين الناس، وفي الحديث: ((إنَّ الله مع الحاكم ما لم يجُرْ، فإذا جار وكَلَه الله إلى نفسه))"[14].



ومن حقوق الولاة على الرعية: عدم نكث وخلع بيعتهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [النحل: 91]، يقول ابن كثير: "هذه البيعة التي بايعهم على الإسلام... وقال الإمام أحمد..... عن نافع قال: لما خلع الناس يزيدَ بن معاوية جمع ابنُ عمر بنيه وأهله، ثم تشهد، ثم قال: أما بعد، فإنَّا قد بايعْنا هذا الرجلَ على بَيْع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الغادر يُنصَب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان))، وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الإشراك بالله - أن يُبايِعَ رجلٌ رجلًا على بَيْع الله ورسوله ثم ينكث بيعته، فلا يخلَعنَّ أحدٌ منكم يزيدَ، ولا يُسرفَنَّ أحدٌ منكم في هذا الأمر، فيكون صَيْلَم[15] بيني وبينه"[16].



ومن حقوق الولاة احترامُهم وعدم إهانتهم، واستخدام الأسلوب الأمثل والأرفق في مخاطبتهم ونصحهم والإنكار عليهم، قال ابن كثير: "وفي الحديث... أن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم وذي السلطان"[17]، وقال عند تفسير قوله تعالى: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ [طه: 44]:"هذه الآية فيها عِبرة وعِظة، وهو أن فرعون في غاية العتوِّ والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه آن ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطِب فرعون إلا بالملاطفة واللِّين... ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع"[18].



ومن حقوق الرعية على الولاة عدم تتبُّع عوراتهم حتى لا يفسدوهم، يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12]: "وقال سفيان الثوري..... عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعتَ عوراتِ الناس، أفسدتَهم أو كدت أن تُفسدهم))[19] ، فقال أبو الدرداء[20]: كلمة سمعها معاويةُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها، وعن أبي أمامه[21] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الأمير إذا ابتغى الرِّيبةَ في الناس أفسَدَهم))"[22].



2- ذكر الإمام ابن كثير بعض الأحكام والتوجيهات المتعلِّقة بالولاة، منها:

كيفية اختيار الإمام وتعيينه؛ فقد ذكر "أن الإمامة تُنال بالنصِّ، كما يقوله طائفة من أهل السُّنة في أبي بكر، أو بالإيماء إليه، كما يقوله آخرون منهم، أو باستخلاف خليفة آخر بعده، كما فعل الصدِّيق في عمرَ بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أو تركِه شورى في جماعة صالحين لذلك، كما فعل عمرُ، أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو مبايعة واحد منهم له، فيجب التزامها عند الجمهور، وحكى على ذلك إمامُ الحرمين الإجماعَ، أو بقهرِ واحدٍ الناسَ على طاعته فتجب؛ لئلا يؤديَ ذلك إلى الشِّقاق والاختلاف"[23].



من شروط الإمامة أن الإمام يجب أن يكون "ذكرًا حرًّا، بالغًا عاقلًا، مسلمًا عدلًا مجتهدًا، بصيرًا سليمَ الأعضاء، خبيرًا بالحروب والآراء، قرشيًّا على الصحيح، ولا يُشترَط الهاشمي، ولا المعصوم من الخطأ خلافًا لغُلاة الروافض، ولو فسَقَ الإمام: هل ينعزل أم لا؟ فيه خلاف، والصحيح لا ينعزل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إلا أن ترَوا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))[24]... وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوَّز نصب إمامين وأكثر إذا تباعَدَت الأقطار واتسعَت الأقاليم... قلت: وهذا شبه حال خلفاء بني العباس بالعراق، والفاطميين بمصر، وغيرهم بالمغرب"[25].



ومن الأحكام التي ذكَرَها ابن كثير أن إقامة الحدود ترجع إلى الإمـام أو نائبه، وليس إلى آحاد الرعية، فيقول عند تفسير الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ﴾ [النساء: 92]: "يقول تعالى: ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفسُ بالنفس، والثيِّبُ الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))"[26] ، ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتُله؛ وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه[27].



ومن الأحكام التي ذكرها ابن كثير: أن الحدود إذا رُفِعت للسلطان فيجب أن تقام ولا تُعطَّل، فقال عند تفسير الآية: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]: "قال مجاهد: إقامة الحدود إذا رُفِعت إلى السلطان فتقام ولا تُعطَّل، وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، وقد جاء في الحديث: ((تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني مِن حدٍّ فقد وجَب))"[28].



ومن التوجيهات التي ذكرها ابن كثير للولاة: عدم اتخاذ أهل الذِّمَّة بِطانةً من دون المؤمنين، فقال عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ [آل عمران: 118]: "أي مِن غيركم مِن أهل الاديان، وبطانةُ الرجل خاصةُ أهله الذي يَطَّلِعون على داخلةِ أمره، وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما... عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعَثَ الله من نبيٍّ، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانةٌ تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله))[29]... قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هاهنا غلامًا من أهل الحيرة حافظ كاتب، فلو اتخذتَه كاتبًا؟ قال: اتخذتُ إذًا بطانةً من دون المؤمنين، ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالةٌ على أن أهل الذمَّة لا يجوز استعمالُهم في الكتابة التي فيها استطالةٌ على المسلمين، واطلاع على دواخل أمورهم، التي يُخشى أن يُفشُوها إلى الأعداء من أهل الحرب"[30].



ويرى ابن كثير أن الاستقامة على الدِّين هي سبب أمن الولاة واستقرارهم، وأن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، وأن المسلمين كانوا "آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا، فأدخل عليهم الخوف، فاتخذوا الحجزة[31] والشرطة، وغيَّروا فغُيِّر بهم"[32].



وأخيرًا فالذي يقرأ كتاب البداية والنهاية يجد الممارسة العملية للإمام ابن كثير من خلال اتصاله بالولاة، والقيام بنصحهم وإرشادهم، وتقديم العون لهم، ومشاركتهم في الأحداث والمناسبات الاجتماعية والسياسية[33]، إلى غير ذلك من الآداب والأحكام والضوابط الشرعية في معاملة الحكام، مما ذكره ابن كثير أو قام هو بممارسته عمليًّا مع الولاة، والتي يتعين على الدعاة إلى الله - لا سيما في هذا العصر - أن يدركوا هذا المنهج الصحيح في معاملة الحكام؛ حتى تكون دعوتهم إلى الله على بصيرة، وعلى المنهج الذي سار عليه السلف الصالح، وحتى لا تضيع جهودُهم سدًى؛ فمما لا شك فيه أن معرفة هذه الأحكام الشرعية في هذا الباب - مما لا مجال للحديث عنه هنا - يؤدي بإذن الله إلى أن يسير قطار الدعوة في طريق آمنٍ من العوائق والمخاطر والانحرافات، وإن كان طبيعة طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ولكنْ فرق بين أن يبحث الداعية عن طريق مليء بالأشواك والعقبات والمخاطر، وبين أن تأتي هذه العقبات عرضًا في طريقه الصحيح ومنهجه السليم.





[1] انظر المعجم الوسيط؛ لإبراهيم أنيس وزملائه ص1058.



[2] الفتاوى؛ لابن تيمية 28/ 170.



[3] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 633.



[4] أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد بإسناده إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنه قال: "ما يزع الإمام أكثر ما يزع القرآن" 1/ 118، طبعة مكتبة السوادي جدة، بدون تاريخ.



[5] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 77.



[6] المرجع نفسه 1/ 93.



[7] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 645، والحديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به رقم (2956)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية رقم (1835).



[8] جنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي، من كبراء التابعين، ولي جنادةُ غزوَ البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وأدرك الجاهلية والإسلام، توفي سنة ثمانين (سير أعلام النبلاء 4/ 62).



[9] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 372.



[10] معنى المبزوزة: المغلوبة، انظر المعجم الوسيط ص54.



[11] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 285.



[12] محمد بن كعب بن سليم القرظي المدني: كان ثقة عالمًا كثير الحديث ورعًا، من أئمة التفسير، ومن أوعية العلم، وكان ذا عبادة وصلاح، توفي سنة 108هـ (سير أعلام النبلاء 5/ 65-68).



[13] شهر بن حوشب الأشعري: فقيه مقرئ، شامي الأصل، سكن العراق، ولي بيت المال مدة، مات سنة 100هـ (شذرات الذهب لابن العماد 1/ 119).



[14] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 631، والحديث أخرجه البيهقي، كتاب آداب القاضي، باب فضل من ابتلي بشيء من الأعمال فقام فيه بالقسط وقضى بالحق 10/ 88، طبعة دار المعرفة بيروت 1413هـ، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الأحكام 4/ 92، طبعة دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ.



[15] الصيلم: أي القطيعة، انظر المعجم الوسيط 521.



[16] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 721.



[17] المرجع نفسه 4/ 332، عند تفسير الآية: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78]، والحديث أخرجه أبو داود، كتاب الآدب، باب في تنزيل الناس منازلهم رقم (4843).



[18] المرجع نفسه 3/ 195.



[19] أخرجه أبو داود كتاب الأدب، باب في التجسس رقم (4888).



[20] هو عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الدرداء، الإمام القدوة قاضي دمشق وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكيم هذه الأمَّة، توفي سنة 32هـ (سير أعلام النبلاء 2/ 235، طبعة مؤسسة الرسالة ط11، 1422هـ).



[21] أبو أمامة صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، صحابي، كان مع علي في صِفِّين، وسكن الشام فتوفي في أرض حمص، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام سنة 81هـ (الأعلام 3/ 203).



[22] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 250-251، والحديث أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في التجسس رقم (4889).



[23] المرجع نفسه 1/ 93، عند تفسير الآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].



[24] اخرجه البخاري كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سترون بعد أمورًا تنكرونها)) رقم (7056).



[25] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 94 عند تفسير الآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].



[26] متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ...} [المائدة: 45]، رقم (6878)، ومسلم، كتاب الفساق والمحاربين، باب ما يباح به دم المسلم، رقم (4375).



[27] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 651.



[28] المرجع نفسه 3/ 328، والحديث أخرجه أبو داود كتاب الحدود، باب يُعفى عن الحدود ما لم تبلغ السلطان (4376).



[29] أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب بطانة الإمام وأهل مشورته رقم (7198)، والنسائي كتاب البيعة، باب بطانة الإمام رقم (4208).



[30] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 487، 488.



[31] الحجزة: جمع حاجز، وهم الذين يمنعون بعض الناس من بعض ويفصلون بينهم بالحق، القاموس المحيط (فصل الحاء باب الزاي) ص507، طبعة مؤسسة الرسالة بيروت ط6، 1419هـ.



[32] المرجع نفسه 3/ 375.



[33] انظر مثلًا:

- اجتماعه بالخليفة المعتضد بالله والسلام عليه، وقراءة جزء مما رواه أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في مسنده. (البداية والنهاية 18/ 548، في أحداث سنة 753هـ).

- اجتماعه بنائب السلطنة الأمير علاء الدين علي المارداني، وتباحث معه فيما حصل بينه وبين بعض الأمراء من الخلاف (المرجع نفسه 18/ 583 في أحداث سنة 759هـ).

- جوابه على فتيا الأمير يلبغار الذي ظهرت فيه فطنة ابن كثير وذكاؤه، حيث أدرك مراد الأمير ومقصوده من سؤاله (المرجع نفسه 18/ 631 في أحداث سنة 762هـ).

- مناصحته لنائب السلطنة بالشام، وإنكاره عليه أخذه من النصارى ربع أموالهم (البداية والنهاية 18/ 706).

- استجابته لطلب الأمير منجك في الكتابة عن الجهاد (الاجتهاد في طلب الجهاد لابن كثير ص61).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.92 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]