|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 1 ـ الشيخ: مَجْد بن أحمد مكي هذه خطب خطبتها عن (الإنسان في القرآن)، وهي تدخل في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وقد وجدت بعض المسوَّدات لهذه الخطب، وقام الأخ الكريم الجندي المجهول الذي يعمل بصمت وإخلاص الأستاذ طارق عبد الحميد قباوة بصفها، وقمت أثناء زيارتي لجدة قادماً من قطر، بتصحيحها ومراجعتها،وقام الأخ الكريم الوفي الأستاذ بلال بيانوني بترقيم الأحاديث ومراجعة تخريجها، وأبقيتها كما هي، لتكون نواةً لكتاب متكامل حَوْل هذا الموضوع بعون الله وتوفيقه، وأقدِّمها اليوم للقراء مسلسلة في حلقات، راجياً النفع بها، سائلاً المولى سبحانه أن يوفقني لإتمام المئات من المشروعات العلمية المنتظرة، وأن يرزقني السَّداد والإخلاص والقبول.خَلْق الإنسان أبان الله تعالى لنا في القرآن الكريم كيف خلق الإنسان الأول، وأنَّ الإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، قال الله تعالى في سورة الإنسان:[هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا].فقد مرَّ على الإنسان حينٌ من الدهر السحيق في أغوار الزمن الماضي لم يكن للإنسان فيه وجود، وكان في العدم المحض. 1 ـ والماء: هو العنصر الأول من العناصر الماديَّة التي تكوَّن منها خلق جسد الإنسان كما هو العنصر الأول الذي خلق منه كل كائن حي. قال تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ] {الأنبياء:30}. وقال تعالى:[وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {النور:45}. وقال تعالى:[وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا] {الفرقان:54}. 2 ـ والتراب: هو العنصر الثاني من العناصر التي تكوَّن منها خلق الإنسان. قال تعالى:[وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا] {فاطر:11}. ويقول سبحانه:[وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ] {الرُّوم:20}. 3 ـ ومن امتزاج عُنصري الماء والتراب يتكوَّن الطين، فالطين هو المزيج الذي تكوَّن منه خلق الإنسان، وفي بيان هذه الحقيقة يقول الله تعالى [ذَلِكَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ(6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(9) ]. {السجدة}.. ومرحلة الطين هذه في بَدْء خلق الإنسان الأول وصفها الله تعالى بأنها طين لازب، أي: طين لاصق بعضه ببعض متماسك لَزِج، فقال تعالى:[ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ] {الصَّفات:11}. 4 ـ وبعد مرحلة الطين تأتي مرحلة الحمأ المسنون، والحمأ هو الطين الأسود النتن، والمسنون هو: المُصَوَّر أو المملَّس. وفي بيان هذه المرحلة من خلق الإنسان الأول، قال الله تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:26}. 5 ـ وبعد مرحلة الحمأ المسنون تأتي مرحلة: جفاف الطينة ويبسها، حتى صارت صلصالاً، إذا نقرته صوَّت من يبسه. وفي بيان هذه المرحلة قال تعالى: [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}. 6 ـ ثم تأتي مرحلة نفخ الروح، فبعد أن صارت الطينة صَلْصالاً، عندئذ نفخ الله تعالى فيه من روحه، فكان بشراً سوياً. قال تعالى:[إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {ص:72}. وأما في السلالات الإنسانية فيكون نفخ الروح في الجنين بعد علوقه بأربعة أشهر: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ(14) ]. {المؤمنون}.. روى البخاري(3208) ومسلم(2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصَّادق المصدوق: (إنَّ أحدكم يُجمع خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويُؤْمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقي أو سعيد...) الغاية من خلق الإنسان: إنَّ الغاية من خلق الإنسان في الحياة الدنيا: ابتلاؤه واختباره. قال تعالى [إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ]. {الإنسان}.:. فدلَّت هذه الآيات على أنّ الغاية من خلق الإنسان ابتلاؤه واختباره. وأنَّ الخالق سبحانه لما خلق الإنسان للابتلاء مَنَحه وسائل المعرفة، وأهم وسائل المعرفة: السمع والبصر، لذلك قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. وقد أودع الخالق سبحانه في الإنسان الإدراك الذي يُميِّز به سبيل الهداية والرَّشاد، وسُبل الضلالة والفساد، وأنزل له الشرائع التي تُنير له الطريق، وتوجَّهه لسواء السبيل، دلَّ على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}. ***
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 2 ـ الشيخ: مَجْد بن أحمد مكي الإنسان كادح مكلف مسؤول محاسب قال تعالى:[لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ] {البلد:4}.أي : في شدة ومشقة ومعاناة ، منذ نشأته إلى منتهى أمره ، للامتحان والابتلاء في الحياة الدنيا . وقال تعالى [يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ(7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا(8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا(9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ(10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا(11) وَيَصْلَى سَعِيرًا(12) ]. {الانشقاق}.. [يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ] أي: إنك عامل مُتعب ٌنفسك راجعٌ إلى ربك لا مَحَالة. [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا] {الانشقاق:8} أي: لا مناقشة فيه. روى البخاري(103) ومسلم(2876) عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ حُوسِبَ يوم القيامة عُذِّب)، فقالت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا] {الانشقاق:8}. فقال: (ليس ذاك الحساب، إنما ذلك العرض ، من نُوقش الحساب عذِّب ). [وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ] {الانشقاق:10}.وهو الكافر ، [فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا] {الانشقاق:11}- أي: بالهلاك الأبدي - [وَيَصْلَى سَعِيرًا] {الانشقاق:12}. أي: ويدخل النار حتى يَصْلى حرَّها. [إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا] {الانشقاق:13}. هذا شأن أهل النار سرورٌ وضحكٌ في الدنيا، أما أهل الجنَّة فهم على مخافة وحزن وبكاء وشفقة:[فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ] {الطُّور:27}. [إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ] {الانشقاق:14}. أي: ظن ظنا ضعيفا أنه لن يرجع إلى ربه حياً مبعوثاً فيحاسب، ثم يثاب، أو يعاقب، {بلى} أي: ليس الأمر كما ظن:[ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا] {الانشقاق:15}. أي: بصيراً به وعليماً بما يؤول إليه أمره من السعادة أو الشقاء. فالله تعالى خلق الإنسان في محيط من الشِّدَّة والمشقَّة والضيق، ولذلك فهو بحاجة لتحقيق مطالبه إلى الكدح والسَّعي والعمل بنصَب ومشقَّة، ومصيرُ كدحه إلى ربه، ويومئذ يلقى جزاءَ كدحه، فإنْ كَدَح في طلب الخير ابتغاءَ مرضاة الله، نال ثوابه عنده في جنَّات النعيم، وإنْ كَدَح في طلب الشرِّ إرضاءً لأهوائه وشهواته، نال عقابه وكانت النار مثواه.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 3 ـ ـ3 ـ الشيخ مجد مكي الإنسان ناطقٌ مبينٌ امتنَّ الله سبحانه على الإنسان بأنه علَّمه البيان، فقال تعالى: [الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ القُرْآَنَ(2) خَلَقَ الإِنْسَانَ(3) عَلَّمَهُ البَيَانَ(4) ]. {الرَّحمن}. أي : علمه النطق بالكلام والإفهام بالقلم .فالبيان هو الوسيلة التي يكشف بها الإنسان عن مطالبه وحاجاته ومشاعر نفسه، وينقل بها أفكاره وعلومه للناس، ويتلقى بها أفكار الناس وعلومهم.وعن طريق البيان المنطوق والمكتوب انتشرت العلوم والمعارف ودونت . وللكلمة أهمية في حياة الإنسان، وإعلان الإسلام وإعلان الكفر يعتمدان على الكلام، فالنُّطق بالشهادتين يُدخل في الإسلام، والنُّطق بألفاظ الكفر يخرج من الإسلام. وإنَّ كلمة واحدة قد تدخل الجنة، وأخرى قد تدخل النار. روى البخاري (6477)عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنَّم). ولأهمية الكلمة أمر الإسلام بصيانة اللسان، وقرَّر أنَّ مِلاك عناصر الخير الموجبة للجنَّة كفُّ اللسان. فقد روى الترمذي(2616) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار... ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بمَلاك ذلك كله)؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، فقال: (كُفَّ عليك هذا)، قلت: يا رسول الله: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 4 ـ الإنسان قابل للعلم وصنعة الكتابة الشيخ مجد مكي ـ4 ـ الإنسان قابل للعلم وصنعة الكتابةامتنَّ الله على الإنسان بما فطره عليه من قابليَّته للعلم والكتابة لتحصيل المعارف والعلوم. قال تعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ(4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) ]. {العلق}. وحينما يولد الإنسان يكون خالياً عن العلم والمعرفة، والله سبحانه زوَّد الإنسان بأدوات المعرفة، وأصول البحث من سماع ، وقياس واجتهاد ، وأهمها الجوارح الثلاث : السمع والبصر والفؤاد. والمراد بالسمع : حاسته ، وبالبصر حاسته أيضاً ، وبالفؤاد : عمق القلب الذي يدرك به الوقائع والمعلومات، والذي تنطلق منه الإرادات. قال تعالى:[وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ] أي: أعطاكم وسائل الإدراك وأدوات اكتساب المعرفة ، وخلق لكم جهاز السمع الذي تصل إليه المسموعات ، ومراكز الإدراك للمرئيات في داخل الدماغ ، ومراكز فهم الأمور والقضايا ؛ لاستنباط الأحكام ، والتمييز والتحليل والتركيب، وربط العلل بمعلولاتها ، والأسباب بمسبَّباتها ؛[ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78}. أي : تستحضرون هذه النعم في نفوسكم وتذكرونها بالثناء على خالقها ، قلباً ولساناً وعملاً. والإنسان مسؤول عن هذه الأدوات والقدرات التي يكتسب بها العلم :[وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36} . أي : ولا تتبع - أيها الإنسان – في أيِّ أمر من أمور حياتك ما ليس لك به إدراك ومعرفة ولا إحاطة لك بحقيقته ، من قول أو فعل ، فالإنسان منهيٌّ أن يقول ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم ، لأنه مسؤول عما علمه ، بأن يؤدِّيه حقَّ أداء ، دون الاعتماد على الظن الواهم والتقليد الأعمى.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 5 ـ الشيخ مجد مكي من طبيعة الإنسان الجدلقال الله تعالى: [وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا] {الكهف:54} فالإنسانُ أكثرُ جدلاً في الكمِّ والكيف من كلِّ مجادل في الوجود. والسبب في كوْن الإنسان أكثر شيء جدلاً: ما منحه الله من قدرات فكريَّة، وقدرات النطق التي يستطيع عن طريقها عرض الحجَّة الواحدة بعدد وفير من أساليب القول. وما من رسولٍ أرسله الله إلا جادله قومه بالباطل جدالاً عنيفاً: [وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ ] أي : مع وضوح الحق يجادل الذين كفروا رسلهم بالباطل من المذاهب والأفكار والأكاذيب ؛ ليزلقوا الحق في مزالق الشبهات والتلبيسات ، فيزيلوه عن مواقع ثباته في قلوب المؤمنين [وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا] {الكهف:56} أي : شيئا يستزأ به ؛ إذ لم يستطيعوا أن يقابلوا ما فيها من حجج وبراهين بما يكافئها ، فسترواعجزهم بأنها لشدة ضعفها لا تستحق أكثر من أن يُستهزأ بها !! وقال تعالى: [مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلَادِ] {غافر:4}. وقال عزَّ وجل: [وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ] أي : خاصموا في آيات الله بالباطل من الأقوال المزخرفة والحيل الفكرية ؛ ليزلقوا الحق الذي جاءت به الرسل في مزالق الشبهات والتلبيسات والتدليسات؛ رغبة أن يزيلوا الحق عن مواقع ثبوته في قلوب المؤمنين به [ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ] {غافر:5}. وقد يتمسَّك الإنسان بما هو ظاهر الفساد والبطلان، ويحاول بكلِّ وسيلة جدليَّة أن يقلب الباطل حقاً، والحقَّ باطلاً. قال تعالى:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ] {الحج:3}أي : كل شيطان عاتٍ مفسد شديد الإقدام على الإغواء والإضلال . وقال سبحانه: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ] أي : بغير حجة جلية وبرهان عقلي مستند إلى مقدمات عقلية ذوات دلالات قطعية [ وَلَا هُدًى ] أي : ولا علم تجريبي ناتج عن تجارب متكررة [وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ] أي : ولا علم خبري أت عن طريق كتاب منير الدلالات صحيح الثبوت [ ثَانِيَ عِطْفِهِ ] حال كون هذا المجادل لاويا جنبه وعنقه متبخترا متكبرا عما يدعى إليه من الحق [لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ] {الحج:8-9}. ***
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن الكريم ـ6 ـ كثرة جدل الإنسان الشيخ : مجد مكي كثرة جدل الإنسان:نهى الإسلام عن الجدال بالباطل، وأوصى بالجدال بالتي هي أحسن:[ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] {النحل:125}. وخاطب الله المؤمنين بقوله:[وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ]أي : إلا بالأساليب الفكرية والقولية التي هي أحسن وأفضل، فتقيَّدوا في مجادلتكم بكل قول مهذب ، وأسلوب أفضل [إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ] أي: لكن الذين ظلموا من أهل الكتاب، وحادوا عن الحق ن وافرطوا في العناد ، ولم ينفع معهم الرفق ، فأغلظوا عليهم ، وقابلوا السيئة بمثلها ، [وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ] من التوراة والإنجيل مما لم يدخل فيه تحريف ولا تبديل [ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ] لا شريك له في ريوبيته وإلهيته [ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] {العنكبوت:46}. ومن الجدال المذموم: المراء، وهو طعن الإنسان في كلام غيره بإظهار خلل فيه لا لإظهار الحق. روى الترمذي (1993): عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك المراء وهو باطل بني له في ربض الجنة ـ أي: حولها ـ ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها). جَدَلُ الإنسان يوم القيامة: روى مسلم في صحيحه (2989) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُؤْتى بالرجل يوم القيامة من الكفار، فيقول الله له: ما صنعتَ فيما أرسلتُ إليك؟ فيقول: ربِّ آمنتُ بك، وصدَّقت برسلك، وعملت بكتابك، فيقول الله له: هذه صحيفتك ليس فيها شيء من ذلك؟ فيقول: يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة. فيقال له: هذه الملائكة الحَفَظة، يشهدون عليك، فيقول: لا أقبلهم يا رب، وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي؟! فيقول الله تعالى: هذا اللوح المحفوظ أمُّ الكتاب قد شهد بذلك، فيقول: يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال: بلى. فقال: يا ربِّ لا أقبل إلا شاهداً عليَّ من نفسي، فيقول الله تعالى: الآن نبعث عليك شاهداً من نفسك. فيتفكَّر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه؟. فيختم على فيه، ثم تنطق جوارحه بالشرك، ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، فيدخل النار، وإنَّ بعضه ليلعن بعضاً، يقول لأعضائه: لعنكُنَّ الله، فعنكُّنَّ كنتُ أناضل، فتقول أعضاؤه: لعنك الله، أفتعلم أن الله تعالى يُكتم حديثاً؟ فذلك قوله تعالى:[وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا] {الكهف:54}، وقال سبحانه: [اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {يس:65}. الإنسان كثير الأماني قال الله تعالى : [أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى] {النَّجم:24} أي: أيظن الإنسان الكافر أن له ما تمنَّى واشتهى من شفاعة الأصنام من غير جزاء . [فَللهِ الآَخِرَةُ وَالأُولَى] {النَّجم:25}.فله سبحانه ملك الآخرة بكل مافيها ،وملك الحياة الدنيا بكل ما فيها ، لا يملك أحد منهما شيئا إلا بإذنه ،وهو سبحانه يُعطي بحكمته من يشاء ويمنع من يشاء لا ما يتمنَّى الإنسان من دون عمل. قال الله تعالى:[لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ولا يجدْ له من دُونِ الله ولياً ولا نصيراً] {النساء:123}.أي : ليس ما وعد الله من الثواب ودخول الجنة ولا النجاة من النار بالأماني الحاصلة في نفوسكم التي تريدون وقوعها – أيها المسلمون - ، ولا بأمانيِّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وإنما الأمر بالإيمان والاجتهاد في عمل الصالحات والسعي في فعل الخيرات، ولكن من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا، يجازه الله بها عاجلا أو آجلا ، ولا يجد له من دون الله وليا يحميه ويؤويه ن ولا نصيرا ينصره ، فيمنع عنه نزول العذاب الذي يستحقه بالعدل . وقال صلى الله عليه وسلم: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني) رواه أحمد (16674) والترمذي (2459) وابن ماجه (4260). ولشدة أمنيات الإنسان يرتكب الموبقات طمعا بكرم الله سبحانه . قال تعالى مخاطبا الإنسان :[يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ] {الانفطار:6}.أي : ما خدعك وسوَّل لك الباطل ، وأمَّنك من عذاب ربك الرفيع القدر ، العظيم الشأن ، حتى صنعت ما صنعت ، وضيعت ما أوجب الله عليك ؟؟ وقال بعض الشعراء في وصف الإنسان وتغيُّر أمنياته : فــهو لا يرضى بحال واحد قـُـتــل الإنسان ما أكفــره يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن -7- الإنسان كثير الأماني مجد مكي قال الله تعالى : [أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى] {النَّجم:24} أي: أيظن الإنسان الكافر أن له ما تمنَّى واشتهى من شفاعة الأصنام من غير جزاء . [فَللهِ الآَخِرَةُ وَالأُولَى] {النَّجم:25}.فله سبحانه ملك الآخرة بكل مافيها ،وملك الحياة الدنيا بكل ما فيها ، لا يملك أحد منهما شيئا إلا بإذنه ،وهو سبحانه يُعطي بحكمته من يشاء ويمنع من يشاء لا ما يتمنَّى الإنسان من دون عمل. قال الله تعالى:[لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ولا يجدْ له من دُونِ الله ولياً ولا نصيراً] {النساء:123}.أي : ليس ما وعد الله من الثواب ودخول الجنة ولا النجاة من النار بالأماني الحاصلة في نفوسكم التي تريدون وقوعها – أيها المسلمون - ، ولا بأمانيِّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وإنما الأمر بالإيمان والاجتهاد في عمل الصالحات والسعي في فعل الخيرات، ولكن من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا، يجازه الله بها عاجلا أو آجلا ، ولا يجد له من دون الله وليا يحميه ويؤويه ن ولا نصيرا ينصره ، فيمنع عنه نزول العذاب الذي يستحقه بالعدل . وقال صلى الله عليه وسلم: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني) رواه أحمد (16674) والترمذي (2459) وابن ماجه (4260). ولشدة أمنيات الإنسان يرتكب الموبقات طمعا بكرم الله سبحانه . قال تعالى مخاطبا الإنسان :[يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ] {الانفطار:6}.أي : ما خدعك وسوَّل لك الباطل ، وأمَّنك من عذاب ربك الرفيع القدر ، العظيم الشأن ، حتى صنعت ما صنعت ، وضيعت ما أوجب الله عليك ؟؟ وقال بعض الشعراء في وصف الإنسان وتغيُّر أمنياته : يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره فــهو لا يرضى بحال واحد قـُـتــل الإنسان ما أكفــره الإنسان الكفور ينكر البعث قال الله تعالى في شأن الإنسان المنكر للبعث : [أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى] {القيامة:36}. أي: أن يُخلَّى مهملاً، فلا يُؤْمر ولا يُنهى، بل حكمة الله قضت أن يعيش الإنسان على الأرض، وأن يرسل إليه رسلاً، ويشرع له شرائع ليتميز المؤمن من الكافر، والطائع من العاصي:[ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا] {الملك:2}. وقال سبحانه عن الإنسان الكفور :[وَيَقُولُ الإِنْسَانُ ]ـ أي : المنكر للبعث ، وهم عموم المنكرين للبعث، أو أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة الذي أخذ عظاماً بالية ، ثم فتَّتها بيده ، وقال للناس ساخراً: زعم لكم محمد أنا نبعث بعدما نموت. فالإنسان هنا عام مراد به الخصوص ـ [أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا(66) ] ـأي : أبعث من القبر ، كما يقول محمد فالاستفهام بمعنى النفي . أي : لا أحيا بعدما أموت ـ [أَوَلَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ] ـ أي : من قبل الحالة التي هو فيها الآن ـ[ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا(67) ]. {مريم}فيستدل بالابتداء على الإعادة . [فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ـ أي : المنكرين للبعث ـ وَالشَّيَاطِينَ ـ أي : نجمع كلاً منهم وشيطانه في سلسلة ـ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا] {مريم:68}. يقسم الله تعالى بأنه سيُعيدهم إليه ويحشرهم من قبورهم إلى المعاد ويعرضهم على النار: قال تعالى [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا] {مريم:72} أي : نأتي بهم ونضعهم حول جهنم قائمين على ركبتيهم وفي هذا دلالة على الذلة وضيق المكان بمن فيه .
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن ـ 11 ـ ندامة الإنسان الكفور في الآخرة الشيخ مجد مكي قال الله تعالى :[فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى(34)] ـ وهي الداهية التي تطم وتعلو على سائر الدواهي ، هي القيامة التي تبدأ بالنفخة الثانية ـ [يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى(35)] ـ ما عمل ، والمعنى : يتذكر أعماله ، ويشاهده مدوناً في صحيفته ، بعد أن كان نسيه من شدة غفلته ، أو قسوة ما لقيه من هول القيامة ـ [وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى(41) ]. {النَّازعات}. وقال تعالى في وصف بعض مشاهد القيامة:[ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى] ـ أي : من أين له العظة والعبرة ـ [يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي] ـ أي : لأجل حياتي الخالدة ـ [فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ] {الفجر:25}. أي: لا يُعذِّب أحدٌ تعذيباً مثل تعذيب الله في الشدَّة لهؤلاء الطغاة. هذا حالُ الإنسان الكفور العاصي، أما المؤمنُ الصالح، الذي آمن بالله وتوكَّل عليه واطمئنَّ بذكره سبحانه، ورضي بقضائه فيخاطب هذا الخطاب: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30) ]. {الفجر}. أي: ارجعي إلى دار كرامته حال كونك ، راضيةً بما نلت، مرضيةً عنده تعالى، فادخلي في زمرة عبادي المقرَّبين الذين اصطفيتهم ، وادخلي في جنَّتي. اللهم اجعلنا منهم . الإنسان هلوع: جزوع منوع [إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إذا مسه الشر جزوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلَّا المُصَلِّينَ(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ(25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) ]. {المعارج}. { إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا }: أي:جُبل الإنسان على حبِّ ذاته وحب لذّاته ، وما يتفرع عنهما من حب البقاء والسلامة ، والاستمتاع بما يستلذه، إذا أصابه الشر كان كثير التضجر والجزع ، وإذا أصابه الخير كان كثير المنع ممسكا قتورا فهو لا يصبر على خير ولا شر، حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي. ولهذا أمر الله تعالى بالصبر:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:153}. وأثنى الله تعالى على الصَّابرين، فقال:[قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10}. وروى البخاري(5643) ومسلم(2572): ( ما يصيب المسلم من نَصَب ـ أي : تعب ـ ولا وصب ـ أي مرض ـ ولا همّ ولا حَزَن، ولا أذىً ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه). وروى مسلم (2999): (عَجَباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له). {وإذا مسَّه الخيرُ منُوعا} أي: إذا أصاب المال مَنَعَ منه حقَّ الله تعالى، ولهذا أمر الله تعالى بالإنفاق، ورغَّب في السخاء والبذل. قال تعالى:[ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] {سبأ:39}. [وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {البقرة:272}. روى البخاري (1442) ومسلم(1010): (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكَان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقاً خَلَفاً،ويقول الآخر: اللُهمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تلفاً). وروى البخاري(1410) ومسلم(1014): (من تصدَّق بعدْل تمرة ـ أي: بما يعادلها ـ من كسب طيِّب، ولا يقبل الله إلا الطيِّب، فإنَّ الله يقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها، كما يربِّي أحدُكم فلُوَّه ـ أي مهره ـ حتى تكون مثل الجبل) وصدق الله تعالى حيث يقول:[ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ] {البقرة:276}.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() الإنسان في القرآن الكريم ـ 13 ـ الشيخ مجد مكي الحرص والطمع من طبيعة الإنسان ذمَّ الله تعالى الحرص والطمعَ اللذين هما من طبيعة الإنسان، فقال تعالى: [قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا] {الإسراء:100}. أي: بخيلاً مضيِّقاً بسبب ما جُبل عليه من البخل والحرص مع سعة ما يملك . روى البخاري(6436) ومسلم(1048): (لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب). وروى مسلم(1047) والترمذي(2445): ( يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الأمل وحب المال). وروى مسلم(2958): (يقول ابن آدم: مالي، مالي... وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت). وكما حضَّ الله سبحانه على البذل والجود والإنفاق، حذَّر من البخل والشح. قال تعالى:[ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {التغابن:16}. وروى مسلم (2578): (... واتقوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهلك مَنْ كان قبلكم، حَمَلَهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم). وأقبح أنواع البخل: البخل بما فَرَض الله تعالى، كالبخل بالزكاة المفروضة، والبخل بالحقوق المحتومة كالديون، وكذلك البخل بالواجبات، كالنذور، والكفَّارات والنفقة على العيال، وتأتي بعد ذلك مذمَّة البخل في سائر القُربات، كبناء المساجد ومواساة الفقراء وإغاثة الملهوفين. المُسْتَثْنَونَ من وصف الهَلَع استثنى الله تعالى من وصف الإنسان بالهلع : وهو شدة التضجر والجزع عند مس الشر ، وشدة المنع والإمساك والإقتارعند إصابة الخير من اتَّصف بهذه الأوصاف الثمانية: 1 ـ [إِلَّا المُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ] {المعارج:23}. أي: يواظبون على أداء الصلوات في مواقيتها، أو الذين يكثرون فعل التَّطوُّع منها. 2 ـ [وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ] – أي:نصيب معيَّن فرضه الله عليهم - [ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ] {المعارج:24-25}. السائل: هو المسكين الذي يسأل الناس. والمحروم: هو الفقير الذي يتعفَّف عن سؤال الناس، فيظنُّه الجاهل غنياً، فيحرم من العطاء، كما قال سبحانه، [يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا] {البقرة:273}.والمراد بالحق المعلوم: الزكاة المفروضة، لأنها جزء معلوم في كلِّ من الأموال التي تجب فيها الزكاة. 3 ـ [وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ] {المعارج:26}. أي: بيوم الجزاء،وفصل القضاء، وهو يوم القيامة، فيستعدون له بالأعمال الصالحة. 4 ـ [وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ] {المعارج:27}. أي: خائفون فلا يفرِّطون في طاعة كما قال سبحانه:[قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ] {الطُّور:26}. [إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ] {المعارج:28}. أي: لا يأمنه أحد، بل الواجب على كلِّ أحد أن يخافه ويشفق منه. وعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ـ أي: من البكاء ) رواه البخاري(4621) ومسلم (2359). وكلما كان الإنسان أعرف بالله تعالى كان أشدَّ خوفاً منه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (الله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) رواه البخاري (5063).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |