نقل عبء إثبات عدم التعدي أو التفريط على المصرف المضارب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         آيات الآفاق والأنفس || دكتور يحيي وزيري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 22 - عددالزوار : 1297 )           »          هذه زوجتى فضيلة الشيخ سعد عرفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 1773 )           »          النداء الموسم الرابع || الشيخ د محمد حسان مع د محمد خالد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 22 - عددالزوار : 1220 )           »          من أحكام الاعتكاف (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          قصة معركة بدر المعركة الفاصلة التي استمرت عبادة الله في الأرض بسببها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          ليلة القدر أعظم ليالي العام ليلة الرحمة والمغفرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          درس وعظي (ذكر الله في رمضان) (8) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          خصائص شهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          البرنامج اليومي لشهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 1621 )           »          تفطير الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-02-2025, 04:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,287
الدولة : Egypt
افتراضي نقل عبء إثبات عدم التعدي أو التفريط على المصرف المضارب

نقل عبء إثبات عدم التعدي أو التفريط على المصرف المضارب

د. عبدالله بن يوسف الأحمد

الحمد لله؛ أما بعد:
فمن الأعمال المصرفية الإسلامية المعاصرة جمع أموال المودعين والمضاربة بها مع جهة استثمارية، على أساس عقد المضاربة (القراض)، بحيث يكون المصرف شريكًا مضاربًا، ووكيلُ المصرف وذراعه في الاستثمار والمضاربة هو في حكم المصرف الأصيل، فتسري عليه أحكام المضاربة الشرعية.

ولا خلاف بين الفقهاء، في أن يد المضارب على أموال المستثمرين يد أمانة، فلا يضمن ما يلحق بأموالهم من خسارة إذا لم يتعدَّ أو يفرط في المحافظة عليها، وأن الأصل قبول قولهم، كسائر الأمناء، في نفي الضمان عن أنفسهم في حالة هلاك أموال المودعين أو خسارتها؛ إذا ادَّعَوا أن ذلك وقع من غير تعدٍّ منهم أو تفريط، إلا إذا أقام أصحاب المال البينةَ على تعدِّيهم أو تفريطهم.

قال ابن تيمية: "المضاربة جوَّزها الفقهاء كلهم، اتباعًا لما جاء فيها عن الصحابة رضي الله عنهم، مع أنه لا يُحفظ فيها بعينها سنةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد كان أحمدُ يرى أن يقيس المضاربةَ على المساقاةِ والمزارعة"؛ [ا.هـ من مجموع الفتاوى (29/ 101)].

والفقهاء استندوا في تقرير مبدأ قبول قول المضارب في نفي الضمان عن نفسه على أمرين:
أحدهما: استصحاب البراءة الأصلية للأمين الحائز، وهو المضارب هنا، وذلك يقتضي عدم رفع البراءة عنه تجاه أرباب الأموال، إلا إذا أقاموا البينة على ما يُوجب رفعها عنه، وهو هنا تعدي المضارب أو تفريطه.

الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((البيِّنة على المدَّعي، واليمين على المدَّعى عليه)).

مع أن كذب المدَّعى عليه ممكن، إلا أن الأصل براءة ذمته من الحقوق؛ لأن المدَّعي يدَّعي أمرًا خلاف الأصل، ولذلك كُلِّف بالحُجة القوية؛ وهي البينة، وحُمِّل عبء الإثبات.

أما المدَّعى عليه، فهو المتمسك بالأصل؛ فكان القول قوله في نفي ما يوجب ضمانه؛ إذ الأصل فراغ ذمته في كل التزام أو مسؤولية تجاه الغير، ولذلك اكتُفي منه في بعض الأقضية باليمين، واليمين حُجة ضعيفة، فأفادت معه نظرًا لقوة جانبه.

غير أن تخريج أحكام الضمان المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة على أحكام المضاربين التي ذكرها الفقهاء، من حيث الأخذ بقول المصارف الإسلامية التجارية إذا قرروا - في حال الخسارة - عدم التعدي والتفريط في أموال المودعين من غير تكليفهم ببينة تُثبت صدقَ دعواهم؛ صار مشكلًا عند بعض الباحثين المعاصرين، على اعتبار أن مآله إلى إغراء مديري الاستثمار في المصارف بعدم الاحتياط لأرباب الودائع في الأعمال الاستثمارية، أو التهاون في المحافظة على أموالهم من الخسارة؛ لاطمئنانهم إلى قبول دعواهم المجردة بعدم التعدي والتفريط، والحكم ببراءتهم من التبعة والضمان المالي.

وأرباب الأموال من عملاء المصارف يتعذر عليهم، أو يعسر، بحسب الواقع المشاهَد، إثبات واقعة تعدي المصرف أو تفريطه، ولا سيما مع تغير أحوال الناس وتبدل الظروف والأعراف والتنظيمات، وتنوع طرائق التجارة، وفشو الكذب والخيانة، وفساد الذمم وضياع الأمانة، وضعف الوازع الديني في الأمناء، وهذا الفارق المؤثر من الدواعي المعتبرة لإعادة النظر في تنزيل الأحكام الاجتهادية السالفة على الوقائع المستجِدة؛ هكذا قرروا من حيث الجملة.

والأدلة التفصيلية لأصحاب هذه الوجهة – القائلين بنقل كلفة إقامة البينة على دعوى التلف والخسارة، من أرباب الأموال وأصحاب الودائع الاستثمارية إلى المضاربين الذين يتولون إدارتها – جمعتُها مرتبةً في أربعة أدلة؛ وهي كما يأتي:
الدليل الأول: العُرف.
بيانه: أن الفقهاء قيَّدوا قبول الأمين في براءة نفسه بكون ذلك متسقًا مع عرف الناس المستقر وعاداتهم الجارية؛ فلا يُقبل قوله حتى يُقيم البينة على صدق دعواه؛ لأن دلالة العرف أقوى وأظهر من استصحاب أصل براءة الذمة عند تعارضهما.

وفي عصرنا الحاضر تغير العرف، وأضحت المؤسسات المالية مطالَبةً بالشفافية وملزمَةً بالإفصاح والكشف عن بياناتها المالية، وأعمالها الاستثمارية، وأساليبها في إدارة مخاطر الاستثمار، والاحتياطات التي تتخذها في ممارسته، والضمانات التي تأخذها من الغرماء والعملاء لحفظ ودائع الناس وصيانتها من الخسارة، ومن ثَم صار مجرد ادعاء المؤسسة المالية إفلاسها أو خسارتها، من غير تعدٍّ منها أو تفريط، بدون تقديم الأدلة والحجج والبراهين المعتبرة عليه لا قيمةَ له، ولا يُؤخذ به، ولا يُعوَّل عليه عرفًا.

الدليل الثاني: التهمة.
حيث قرر طائفة من الفقهاء أن التهمة موجِبة لنقل عبء الإثبات إلى الأمناء، إذا ادَّعَوا تلف مالَ مَن ائتمنهم عليه بغير تعدٍّ منهم أو تفريط، ومن الفروع على ذلك: ما نص عليه فقهاء المالكية من أن الأُجراء على حمل المتاع ونقله من مكان لآخر، إذا هلك في أيديهم، ولم يكن طعامًا، وادَّعَوا وقوع ذلك من غير تعديهم أو تفريطهم، فإنه يُقبل قولهم؛ لأن يدهم عليه يد أمانة؛ استصحابًا للحكم الأصلي في الأمناء، أما إذا كان المتاع طعامًا، فإنه لا يُقبل قولهم في دعوى التلف بدون تعدٍّ منهم أو تفريط، إلا إذا أقاموا البينة على صدق دعواهم.

ومن المفترض في المصارف: المحافظة على رؤوس الأموال، وتحقيق المكاسب والأرباح، واجتناب الخسائر والأضرار؛ لأن المُودعين ما ائتمنوهم إلا لما لهم من الخبرة والمهارة في تنمية الأموال، وإدارة المخاطر.

فادِّعاء المصرف المُضارِب الخسارةَ بعدئذٍ محلٌّ رِيبة وتهمة، فالشاهد وظاهر الحال يكذِّب دعواهم، وقول المتهم ليس بحُجة.

الدليل الثالث: المصلحة.
قالوا: المصلحة مُوجِب معتبر شرعًا لنقل عبء الإثبات من أرباب الأموال إلى المضاربين (المؤسسات المالية الإسلامية)؛ لداعي المشقة أو العسر الذي يلحق أرباب الأموال لإثبات تعدي المصرف المضارب أو تفريطه، واستصحاب براءة الذمة للمضارب يسوغ إذا غلب في الناس الصدق والأمانة والورع في أكل الأموال بالباطل، فإذا فشا الكذب والخيانة، والشُّحُّ والجشع، قُدم هذا الظاهر على الأصل؛ هذا هو مقتضى مصلحة معاملات الناس، كما هو مُقرَّر في قواعد الفقهاء، ومنها: الأصل قبول قول الأمناء إلا حيث يكذبهم الظاهر.

الدليل الرابع: دلالة الحال.
ودلالة الحال: الأمَارة الظاهرة للحال، وتُقدم في النظر الفقهي على الأصل عند تعارضهما، وتكون بمثابة دليل على عدم صدق من يتمسك بذلك الأصل، وهي مرتبطة بقاعدتي المصالح والذرائع، وذات صلة بالعرف الجاري والعادة المستمرة؛ إذِ العلم الحاصل عن حكم العادة مرتب على قرينة حالية.

ولأجله نبَّه فقهاء المالكية إلى أن قبول قول عامل القراض إذا ادَّعى ضياع مال المضاربة أو خسارته، قد وقع بغير تعدٍّ منه أو تفريط، يجب تقييده بما إذا لم تكذبه دلالة الحال، وأن تصديق العامل في دعاوى التلف والخسارة من غير مراعاة ذلك مفضٍ إلى أكل الأموال بغير حقٍّ، وذلك فساد لا ريب فيه.

وبعدُ؛ فنقل عبء الإثبات على عدم التفريط أو التعدي إلى المُضارِب يجعله ضامنًا للخسارة، ما لم تكن الخسارة بسبب خارجي، بأن يثبت أنه لم يتعدَّ ولم يفرط، ومن شأن ذلك قلب يد المضارب الأمينة إلى يد ضمان، وذلك محل نظر، ولا سيما إذا لم يتقيد ذلك بالتهمة؛ لما تقدم في صدر هذا المطلب من الأدلة الدالة على أن يد المضارب يد أمانة، وهو محل إجماع، وعليه فُتيا الصحابة رضي الله عنهم؛ إذ روي عن غير واحد الأثر: «ليس على مؤتمن ضمان»؛ [البيهقي، 12699]، وما في معناه، ويد المضارب على أموال المستثمرين يد أمانة.

وقد تقدم في الباب الأول القاعدة الفقهية: اشتراط الضمان على الأمين باطل، وفي لفظ: كل ما كان أمانة لا يصير مضمونًا بشرطه، وما كان مضمونًا لا ينتفي ضمانه بشرطه، وفي لفظ: ما لا يُضمن بدون شرط لا يصير بالشرط مضمونًا.

والدليل على هذه القواعد في الجملة: أن اشتراط الضمان على الأمين شرط ليس في كتاب الله؛ أي: في حكمه، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق))؛ [البخاري، 2168].

ولأن شرط التضمين يخالف المقصود من عقد المضاربة، وهو شرط يُتذرع به إلى الربا؛ لِما فيه من تضمين المضارب الخسارةَ، فتنقلب يده من يد أمانة لداعي المضاربة إلى يد ضمان لداعٍ يشبه القرض، واشتراط ما يخالف مقتضى العقد يفسده، كما لو اشترط عليه في البيع ألَّا يقبضه، وفي النكاح ألَّا يدخل بالمنكوحة.

وأهل الجاهلية لما بدلوا مواضع بعض الأشهر الحرم مع بقاء أصل الحكم، وهو تحريم أربعة أشهر من السنة، كان ذلك من سوء أعمالهم، وزيادةً في كفرهم؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 37]، وتضمين المضارب فيما لم يتعدَّ فيه أو يفرط مُخل بأصول هذا الباب، وذريعة إلى ظلم أفراد الناس من قِبل المصارف؛ قال الخطابي: "والشيء إذا كان حكمه في الأصل على الأمانة، فإن الشرط لا يغيره عن حكم أصله"؛ ا.ه.

وفي القرار الصادر من مجمع الفقه الإسلامي بشأن القراض والمضاربة المشتركة في المؤسسات المالية ما نصه: "المضارب أمين... ولا يتغير بدعوى قياسها على الإجارة المشتركة، أو بالاشتراط والالتزام".

فإن ظهر لرَب المال تقصير المصرف المضارب، فله اتهام المصرف بالتقصير؛ استنادًا إلى ما جرى به العرف مما يلزم المصرف المضارب مع المضاربين من الإفصاح وإصدار البيانات المالية؛ فإن إخلال المصرف بذلك دليل على تقصيره باعتبار ما تخضع له المصارف في الأعمال الاستثمارية، إلى ما يسمى مسؤولية المحترفين، وهذه المسؤولية لا تسري على التاجر أو المضارب غير المحترف، ولا المعروف في السوق، ولأجل ذلك لم يُساوَ المصرف بغيره في معيار التفريط والتعدي.

وهذا الاتجاه في تضمين المحترفين، بشروطه الفقهية التي بيَّنتها في رسالتي في الضمان، معتبر شرعًا؛ لأن التعدي والتفريط مرجعه إلى العرف، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والأزمان، والأمكنة والأشخاص.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.71 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]