حديث الأنبياء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-07-2021, 02:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي حديث الأنبياء

حديث الأنبياء (1)






خالد آل رحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن الأنبياء أفضل البشر، ولهم مكانة خاصة عند الله -تعالى-؛ مما جعل حبهم واتباعهم عبادة يتقرب بها إلى الله -تعالى-؛ ولذلك اختارهم الله مِن أشرف الأنساب، وأفضل البقاع، وأسبغ عليهم نعمة النبوة حيث قال -تعالى-: (اللَّـهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام:124).

قال البقاعي -رحمه الله-: "أي: أن الله بما له من صفات الكمال، أعلم مِن كلِّ مَن يمكن له منه علم، فهو لا يضع شيئًا من رسالته بالتشهي" (انتهى بتصرف يسير).

وقال الساعدي -رحمه الله-: "وفي هذه الآية دليل على كمال حكمه الله -تعالى-؛ لأنه وإن كان رحيمًا واسع الجود، كثير الإحسان، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله" (انتهى).

ولذلك لما اعترض بعض الكفار على النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31).

قال البغوي -رحمه الله-: "يعنون الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف" (انتهى).

فردَّ الله عليهم بقوله: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (الزخرف:32).

وعدد الأنبياء والرسل كما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: (مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا) (روه أحمد، وصححه الألباني).

وجعل -تبارك وتعالى- الإيمان بهم أصل من أصول الدِّين حيث قال: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) (البقرة:177).

قال الحرالي: "ففيه: أي: الإيمان بهم وبما قبلهم قهر للنفس للإذعان لمَن هو مِن جنسها، والإيمان بغيب مَن ليس مِن جنسها؛ ليكون في ذلك ما يزع النفس عن هواها" (انتهى).

وقال -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) (البقرة:285).

قال البقاعي -رحمه الله-: "ولما أجمل فقال مبتدئًا (كُلٌّ) أي: منهم، فجمعهم في كلية، كأن قلوبهم قلب واحد لم يختلفوا؛ لأن القبول واحد، والرد يقع مختلفًا" (انتهى).

وفضَّلهم -تعالى- على جميع الخلق، وفضَّل بعضهم على بعض حيث قال: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) (البقرة:253)، (وَلَقَد فَضَّلنا بَعضَ النَّبِيّينَ عَلى بَعضٍ) (الإسراء:55).

وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وجعلهم -تبارك وتعالى- من البشر لحكمة حتى يتمكَّن البشر مِن الأخذ منهم؛ إذ لو كان مِن الملائكة كما قال بعض الكفار: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ) لكانوا لا يستطيعون التعامل معه ولا تحمل رؤيته؛ لصعوبة رؤية الملائكة على صورتهم الحقيقية كما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل -عليه السلام- على صورته الحقيقية، فذهب فزعًا لخديجة -رضي الله عنها-، فلذلك ردَّ الله -تعالى- عليهم بقوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:8)، فجعله رجلًا منهم ليدعوهم ويتعامل معهم ويفهموا عنه.

والرسل الذين ذكروا في القرآن عددهم خمسة وعشرون كما جمعها الشاعر في قوله:

فـي تـلـك حـجـتـنا مـنهم ثـمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهم

إدريس هود شعيب صالح وكـذا ذو الكفل آدم بالمختار قد خُتموا

وورد ذلك في قوله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام:83-86)، ومنهم أربعة مِن العرب، هم: شعيب، وهود، وصالح، ومحمد -صلوات ربي وسلامه عليهم-.


وإلى اللقاء في الحلقة القادمة -بإذن الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-07-2021, 02:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث الأنبياء

حديث الأنبياء (2)
تكريم الله للأنبياء






خالد آل رحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنتواصل في الحديث عن الأنبياء، وحديثنا اليوم عن تكريم الله لهم وحفظه ومعيته، وكما ذكرنا أن الأنبياء جميعًا مكرَّمون عند الله، ولهم ومكانة وفضل بعضهم على بعض، وذكر بعضهم ولم يذكر الكثير، كما قال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (غافر:78)، وحديثنا عن مَن قصهم الله على نبيه في القرآن الكريم، فقد كرم -تعالى- آدم -عليه السلام-، وهو أبو البشر جميعًا بمَن فيهم الأنبياء والرسل، فخلقه -تعالى- بيديه، ونفخ فيه مِن روحه وأمر الملائكة بالسجود له حيث قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) (البقرة:34)، (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (ص:71-72).

وقد اختص الله -تعالى- آدم -عليه السلام- بأربع خصائص:

الأولى: خلقه بيديه وفيها رد على مَن يدعي أن اليدين تعني القدرة، بل له -تعالى- يدين كما وصف نفسه، ولكن ليس كأيدي البشر دون تعطيل أو تكييف أو تمثيل، فهو -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11).

الثانية: نفخ -تعالى- فيه من روحه.

الثالثة: أسجد له الملائكة.

الرابعة: أعلمه الله -تعالى- أسماء الأشياء كلها، وقد ذكر آدم -عليه السلام- في القرآن الكريم ست عشرة مرة، وهذا إدريس -عليه السلام- حيث قال -تعالى- فيه: (وَرَفَعناهُ مَكانًا عَلِيًّا) (مريم:57).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: رفع الله ذكره في العالمين، ومنزلته بين المقربين، فكان عالي الذكر، عالي المنزلة" (تفسير السعدي).

وقال البغوي -رحمه الله-: "وقيل: هو أنه رُفع إلى السماء الرابعة" (تفسير البغوي).

وهذا نوح -عليه السلام- قال -تعالى-: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ) (هود:37).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: بحفظنا ومرأى منا وعلى مرضاتنا، وهذا إبراهيم -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَلَقَد آتَينا إِبراهيمَ رُشدَهُ مِن قَبلُ وَكُنّا بِهِ عالِمينَ) (الأنبياء:51)".

قال السعدي -رحمه الله-: "أعطيناه رشده واختصصناه بالرسالة والخلة، واصطفيناه في الدنيا والآخرة؛ لعلمنا أنه أهل لذلك وكفء له".

وهذا إسحاق -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ) (الصافات:113).

قال السعدي -رحمه الله-: "أنزلنا عليهما البركة التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما" (تفسير السعدي).

وهذا يعقوب -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (فَلَمّا أَن جاءَ البَشيرُ أَلقاهُ عَلى وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصيرًا) (يوسف:96)، عند هذه النعمة التي أعطاها له المولى -تعالى- قال لأبنائه: (أَلَم أَقُل لَكُم إِنّي أَعلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ) (يوسف:96).

وهذا يوسف -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَأَوحَينا إِلَيهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمرِهِم هـذا وَهُم لا يَشعُرونَ) (يوسف:15)، وهذه فيها بشارة ليوسف -عليه السلام- تكريمًا له مِن الله أنه لن يصيبك أذي مما فعلوا، بل وستخبرهم بهذا كله.

وهذا موسى -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:7)، (قالَ لا تَخافا إِنَّني مَعَكُما أَسمَعُ وَأَرى) (طه:46)، (وَأَلقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنّي وَلِتُصنَعَ عَلى عَيني) (طه:39)، فحفظه وكرَّمه المولى -تعالى- وليدًا وصبيًّا وكبيرًا.

وهذا داود -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ:10)، (وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ) (الأنبياء:79).

وهذا سليمان -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ . وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) (الأنبياء:81-82)، (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل:16).


وهذا عيسى -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيًّا) (مريم:31-33).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-07-2021, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث الأنبياء

حديث الأنبياء (3)
خصائص الأنبياء



خالد آل رحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنواصل الحديث عن الأنبياء -صلوات ربي وسلامه عليهم-، وحديثنا اليوم عن خصائصهم التي خَصَّهم بها المولى -تعالى-، وهي كثيرة.

نذكر منها على سبيل المثال:

أولًا: الذكورة: وهي مسألة مهمة؛ أن الأنبياء جميعًا من الذكور؛ وذلك لقوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (الأنبياء:7)، قال السعدي -رحمه الله-: "وفي هذه الآية دليل على أن النساء ليس منهن نبية؛ لا مريم ولا غيرها؛ لقوله: (إِلَّا رِجَالًا)" (انتهى).

ولهذا حِكَم مِن الله -تعالى-، منها:

- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحتاج لملاقاة الناس والحديث معهم في كل وقت، وكذلك السفر ليدعو الناس ويتعرض لمتاعب ومصاعب يصعب على المرأة تحملها.

- ومنها: أن الأصل في القوامة أنها للرجل على المرأة؛ فلو كانت المرأة نبية ستكون هي القَوَّامة للرجل، والنبي لا يمكن لأحدٍ أن تكون له قوامة عليه.

- ومنها: أن النساء ناقصات عقل ودين، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث عند البخاري.

ثانيًا: أنهم يُوحَى إليهم بنص قوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) (يوسف:109)، وقوله -تعالى-: (وَما أَرسَلنا قَبلَكَ إِلّا رِجالًا نوحي إِلَيهِم) (الأنبياء:7).

قال الطبري -رحمه الله-: "ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا" (انتهى).

ثالثًا: الحرية: فلم يبعث الله -تعالى- من الأنبياء عبدًا ولا مملوكًا.

رابعًا: الكمال: فهم أكمل الناس خَلْقًا وخُلُقًا.

خامسًا: الاصطفاء: كما قال -تعالى-: (وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) (ص:47).

قال القرطبي -رحمه الله-: "أي: الذين اصطفاهم مِن الأدناس، واختارهم لرسالته" (انتهى).

وقال الطبري -رحمه الله-: "الذين اخترناهم لطاعتنا ورسالتنا إلى خَلْقِنا" (انتهى).

سادسًا: تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم: كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس -رضي الله عنه- في حديث الإسراء: "وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ" (رواه البخاري)، وقد ورد هذا مِن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد صحّ عنه أنه قال: (إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا) (أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) (متفق عليه).

سابعًا: العصمة: فالأنبياء معصومون في ثلاثة أمور باتفاق، وهي:

1- معصومون من الشرك والكفر والكبائر.

2- معصومون في التبليغ فلا يخطئون فيه.

3- معصومون من خوارم المروءة.

واختلف أهل العلم في الصغائر: هل تقع منهم أم لا؟ مع اتفاقهم على أن الصغائر إذا وقعت من الأنبياء؛ فإنهم لا يقرون عليها، بل يأتي التحذير من الله مباشرة، وهذا كثير في القرآن (وسيأتي الحيث عنه مُفَصَّلًا بحول الله).

ثامنًا: يُخيَّرون عند الموت: فقد روى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (النساء:69)، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ.

تاسعًا: يُقبَرون حيث يموتون: ولذلك لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- دُفِن حيث مات، وهكذا الأنبياء؛ للحديث الشريف: (لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

عاشرًا: لا يورِّثُون مالًا: كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، وإنما يورثون العلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

الحادي عشر: لا تأكل الأرض أجسادهم: جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أهل السنن أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ)، قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرَمْتَ؟ -أي: بَلِيتَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).


الثاني عشر: أن دعوتهم مُستجابة: ولكن ليس هذا على إطلاقه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وأما الدعوات الخاصة -يعني بالأنبياء-؛ فمنها ما يُستجاب، ومنها ما لا يستجاب" (فتح الباري).

وغير ذلك من الخصائص العظيمة وهذا غيض مِن فيض.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-07-2021, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث الأنبياء

حديث الأنبياء (4)
استجابتهم لربهم



خالد آل رحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن أفضل مَن استجاب لله -تعالى- في أوامره والابتعاد عن نواهيه، هم الأنبياء -صلوات ربي وسلامه عليهم-، والأمثلة كثيرة نقتطف بعضها.

- فهذا نوح -عليه السلام-: لما دعا الناس ألف سنة إلا خمسين عامًا، وجاء الأمر مِن الله بأن يصنع الفلك على اليابسة لم يتردد، بل قام على الفور بصناعة الفلك ممتثلًا أمره -تعالى-: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا) (هود:37).

قال مجاهد : كما نأمرك.

قال البغوي -رحمه الله-: "فلما أمره الله -تعالى- أن يصنع الفلك، أقبل نوح -عليه السلام- على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره".

(وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ) (هود:37).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: لا تراجعني في إهلاكهم" (تفسير السعدي).

ويمر عليه الناس مِن قومه فيسخرون منه؛ لأن ما يفعله لا يصدقه عاقل؛ فكيف ستبحر هذه السفينة على اليابسة؟! ويصف المولى -تعالى- هذا المشهد قائلًا: (وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ) (هود:38).

قال القرطبي -رحمه الله-: "في سخريتهم منه قولان: أحدهما: أنهم كانوا يرونه يبني سفينته في البر، فيسخرون به ويستهزئون، ويقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجارًا. الثاني: لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بُنيت قالوا: يا نوح ما تصنع؟ قال: أبني بيتًا يمشي على الماء، فعجبوا من قوله وسخروا منه. قال ابن عباس: ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر؛ فلذلك سخروا منه" (تفسير القرطبي).

لكن نوح عليه السلام متيقن أن الذي أمره ببنائها سيجريها؛ ولذلك قال -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-: (إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ) (هود:38)، ولما قَدَّر الله -تعالى- إغراق القوم، نادى على ابنه فلم يستجب له، فخاطب ربه في ذلك قائلًا: (ربّ إِنَّ ابني مِن أَهلي وَإِنَّ وَعدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحكَمُ الحاكِمينَ) (هود:45)، فجاء الرد قاطعًا من الله -تعالى-: (يا نوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ فَلا تَسأَلنِ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَن تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ) (هود:46)، فقال نوح -عليه السلام- مستجيبًا لربه: (رَبِّ إِنّي أَعوذُ بِكَ أَن أَسأَلَكَ ما لَيسَ لي بِهِ عِلمٌ وَإِلّا تَغفِر لي وَتَرحَمني أَكُن مِنَ الخاسِرينَ) (هود:47).

قال السعدي -رحمه الله-: "ودلَّ هذا على أن نوحًا -عليه السلام- لم يكن عنده علم بأن سؤاله لربه في نجاة ابنه محرم، داخل في قوله: (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)، بل تعارض عنده الأمران وظن دخوله في قوله: (وَأَهْلَكَ)، وبعد ذلك تبيَّن له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم والمراجعة فيهم" (تفسير السعدي).

- وهذا إبراهيم -عليه السلام-: لما قال له -تعالى- له: (أَسْلِمْ)، قال مباشرة: (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131).

قال الطبري -رحمه الله-: "قَالَ إبْرَاهِيم مُجِيبًا لِرَبِّهِ: خَضَعْت بِالطَّاعَةِ، وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره".

وقال السعدي -رحمه الله-: "قالها امتثالا لربه".

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا".

ليس هذا فحسب، بل وصى بها أبناءه: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ) (البقرة:132).

وأمره -تعالى- بذبح ولده فاستجاب مباشرة دون مناقشة: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) (الصافات:102).

قال السعدي -رحمه الله-: "قال إبراهيم لابنه: إن أمر اللّه -تعالى- لا بد من تنفيذه".

- فجاء رد إسماعيل -عليه السلام- مستجيبًا لربه: (تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

قال الطبري -رحمه الله-: "يقول: ستجدني إن شاء الله صابرًا من الصابرين لما يأمرنا به ربنا".

ولما أمره ربه أن يعرض عن المجادلة عن قوم لوط: (يا إِبراهيمُ أَعرِض عَن هـذا إِنَّهُ قَد جاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُم آتيهِم عَذابٌ غَيرُ مَردودٍ) (هود:76)، لم يثبت أنه جَادَل ربه فيهم ثانيًا.

- وهذا لوط -عليه السلام-: لما أمره الله أن يذهب بأهله ولا يلتفت خلفه، ففعل دون مناقشه أو تردد: (فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ اللَّيلِ وَلا يَلتَفِت مِنكُم أَحَدٌ إِلَّا امرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصيبُها ما أَصابَهُم) (هود:81).

قال القرطبي -رحمه الله-: "فخرج لوط وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم".

وقال السعدي -رحمه الله-: "(وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي: بادروا بالخروج، وليكن همكم النجاة، ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم".

- وهذا يحيى -عليه السلام-: "لما أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة: (يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا) (مريم:12).

قال الطبري -رحمه الله-: "قال ابن زيد: القوّة: أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه ففعل. قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب. قال : ما للعب خلقت. وقال قتادة: :إن يحيى -عليه السلام- لم يعصِ الله قط بصغيرة ولا كبيرة".

وقد أتاه الله الحكم وهو صبي: (وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا) (مريم:12)، وظل كذلك حتى قُتل وقُدِّمت رأسه لبغيٍ مِن بغايا بني إسرائيل استجابة لربه -تعالى-.

- وهذا موسى -عليه السلام-: حيث أمره الله أن يذهب لفرعون: (اذهَب إِلى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغى . قالَ رَبِّ اشرَح لي صَدري . وَيَسِّر لي أَمري . وَاحلُل عُقدَةً مِن لِساني . يَفقَهوا قَولي) (طه:24-28).

قال السعدي -رحمه الله-: "فامتثل أمر ربه، وتلقاه بالانشراح والقبول، وسأله المعونة وتيسير الأسباب".

ففعل ولم يطلب إلا مسانده هارون -عليه السلام-؛ ليساعده في دعوته، قائلًا: (وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي . هارونَ أَخِي . اشدُد بِهِ أَزري . وَأَشرِكهُ في أَمري . كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا . وَنَذكُرَكَ كَثيرًا . إِنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرًا) (طه:29-35)، وكذلك لما أمره الله بلقائه ماذا قال؟ قال: (وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضى) (طه:84).

قال قتادة في قوله: (وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضى): "شوقًا".

وقال السعدي -رحمه الله-: "والذي عجلني إليك يا رب طلبًا لقربك، ومسارعة في رضاك وشوقًا إليك".

قال البغوي -رحمه الله-: "لتزداد رضًا".

وكذلك لما أُمر بالخروج ببني إسرائيل من مصر.

- وهذا محمد -صلى الله عليه وسلم-: وإن كانت حياته كلها قد قضاها استجابة لربه، لكن نذكر من ذلك أنه لما أمره -تعالى- أن يدعو الناس بقوله: (قُمْ فَأَنذِرْ) (المدثر:2).

قال السعدي -رحمه الله-: "بجد ونشاط".

فما جلس بعدها أبدًا حتى لقي ربه، ولما أمره بقيام الليل بقوله -تعالى-: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "كذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلًا ما أمره الله -تعالى- به من قيام الليل، وقد كان واجبًا عليه وحده"، فما نام عن ذلك، وكان يقوم حتى تفطرت أقدامه بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.

- استجابة الأنبياء جملة -صلوات ربي وسلامه عليهم-:

وكذلك استجاب جميع الأنبياء لله -تعالى-، بل وأخذ عليهم الميثاق فى اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَإِذْ ‌أَخَذَ ‌اللَّهُ ‌مِيثَاقَ ‌النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81).

قال الطبري -رحمه الله-: "(قَالُوا أَقْرَرْنَا) فإنه يعني به: قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية: أقرَرْنا بما ألزمتنا مِن الإيمان برسلك الذين ترسلهم، مصدّقين لما معنا من كتبك، وبنصرتهم".

وقال السعدي -رحمه الله-: "أي: قبلنا ما أمرتنا به".

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-07-2021, 02:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث الأنبياء

اللين والتسامح في دعوتهم (محمد -صلى الله عليه وسلم-) (5)




خالد آل رحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن اللين والتسامح أصل الشرائع التي أنزلها المولى -تعالى-؛ ولذلك كان أمره -جل وعلا- لكل أنبيائه بهذا، ومنهم محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال له: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ) (النحل: 125).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح، (بِالحِكمَةِ) أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقوله وانقياده. ومن الحكمة: الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب؛ إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها.

وإما بذكر إكرام مَن قام بدين الله وإهانة مَن لم يقم به، وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعيه إلى الباطل فيجادَل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلًا ونقلًا.

ومِن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.

وقال -تعالى- مخبرًا عن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ) (آل عمران:159)؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- متمثلًا هذا الأمر، وينزله واقعًا عمليًّا في مواقف كثيرة، نذكر طرفًا منها:

مع عدي بن حاتم -رضي الله عنه-:

لما قَدِم عليه عدي بن حاتم الطائي دعاه إلى منزله، فألقيت إليه الجارية وسادة يجلس عليها فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض، قال عدي: "وعرفت أنه ليس بملك".

ومع أبي رافع:

أرسلت قريشٌ أبا رافع برسالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأراد الإسلام والمقام عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وألا يرجع إليهم، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ)، قَالَ: فَذَهَبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمْتُ. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

إنه لم يذكر رجل في التاريخ في حالة حرب، وهو في قلة من العدد والعتاد، وفي ضعف ومع ذلك يأبى أن ينقض عهدًا حتى ولو كان في صالحه، وحتى لو كان محتاجًا لرجل يقاتل معه في هذه الظروف العصيبة، فلا يفعل ذلك إلا محمد -صلى الله عليه وسلم- الوفي الصادق الأمين، والذي شُهد له بذلك حتى مِن أعتى أعدائه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن هرقل سأل أبا سفيان -وكان آنذاك على الكفر- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل يغدر؟ فقال أبو سفيان: "لا"، فقال هرقل: "وكذلك الرسل لا تغدر" (رواه البخاري).

مع أبي قحافة -رضي الله عنه-:

قالت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، ودخل المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِي إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ)، فَأَسْلَمَ، قَالَتْ: وَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني).

وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في توقير كبار السن واحترامهم، ويؤكِّد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وقال أنس -رضي الله عنه-: "لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قيل له: "أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه مسلم).

مع معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (رواه مسلم).

وفيه بيان ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عظيم الخلق الذي شهد الله -تعالى- له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه" (شرح النووي).

مع مالك بن عوف -رضي الله عنه-:

كان مالك بن عوف -رضي الله عنه- سيدًا من سادات هوازن، وكان شديد العداوة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما رأى من النبي -صلى الله عليه وسلم- الخُلُق الجميل أسلم، فعندما لحق النبي -صلى الله عليه وسلم- فأدركه بالجعرانة أو بمكة فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل أسلم وحسن إسلامه.

مع الأعرابي الذي بال في المسجد:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) (متفق عليه).

وكان ذلك شأنه -صلى الله عليه وسلم- في حق كلِّ مَن بعثه إلى جهة من الجهات، يقول: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا) (متفق عليه).

مع الأعرابي الذي أراد قتله:

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُم ُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ) -ثَلاَثًا- وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. (متفق عليه).

وفي هذه دلالة واضحة على قوة يقينه وصبره -صلى الله عليه وسلم- على الأذى، وحلمه على الجهال وشدة رغبته في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام؛ ولهذا ذكر أن هذا الأعرابي رجع إلى قومه واهتدى به خلق كثير.

وقد واجهه الأعرابي بالجفاء وسوء الأدب، فحلم فصفح، وقد أمتثل أمر ربه في قوله: (فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر: 85)، فكان لا يكافىء على السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح، وكان لا ينفذ غضبه إذا كان لنفسه، ولا ينتقم لشخصه، بل إذا غضب ازداد حلمًا، وربما تبسَّم في وجه مَن أغضبه!

عـَدُوُّكَ مَـذمـومٌ بِـكُـلِّ لِــسَــان وَلَو كانَ مِن أَعدائِكَ القَـمَران

وَلِـلَّـهِ سـِرٌّ فـي عُـلاكَ وَإِنَّـما كَـلامُ العِدا ضَربٌ مِنَ الهَذَيانِ

- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ لَهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي، فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَيْحَكَ تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟ قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ؟)، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: (إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ)، فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَ، أَوْفَى اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: (أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ، إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

وصدق الله -تعالى- حين قال: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199)، قال النسفي: "ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عليهم" (تفسير النسفي).

- وعن قيس بن أبي حازم -رضي الله عنه-: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: (هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيد) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

- وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأَسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).


وإلى اللقاء في الحلقة القادمة -إن شاء الله-.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.89 كيلو بايت... تم توفير 3.74 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]