مفهوم البطولة في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         علم الحديث: رواية ودراية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أحكام تتعلق بالهدي وبالذبح والنحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أفضل الأنساك: التمتع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 665 )           »          أسئلة وأجوبة في الحج والعمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حاجة الأمة للإعلام الهادف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          عيد الفطر السعيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          سعد بن عبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الدرة المصونة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من أسرار اللغة في الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 06-05-2024, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,222
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم البطولة في الإسلام




مفهوم البطولة في الإسلام (2)



عرف التاريخ الإسلامي عدداً من النكسات، ولكنها كانت كلها مقدمات لنصر كبير ظافر، وقد كانت جماعة الموحدين المخلصين دائماً قادرة على مواجهة الخطر، مهما بلغ من الشراسة والعنف، بالاعتصام بحبل الله عز وجل والتضحية. ولقد رسم القرآن الكريم صورة البطولة وجعلها في مواجهة المسلمين؛ لتكون العبرة قريبة منهم.
وكل الأبطال الذين عرضهم القرآن أبطال مقاومة لا يستسلمون ولا يحنون الرؤوس للظلم والانحراف والطغيان، ومن هنا عجزت قوى الكفر عن أن تقتلعهم أو تنتصر عليهم، وكانت المقاومة عند هؤلاء المسلمين إيماناً في أعماق القلب، وسلاحاً في اليد، يعملان معاً في يقين راسخ بأنهم أصحاب أمانة إلهية ودعوة ربانية، ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الكامل للبطل الإسلامي، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم موضع القدوة لكل الأجيال الإسلامية المتلاحقة، والرجال الذين تربوا على يديه كتبوا صفحات بارعة من المجد التليد، وظلوا رضي الله عنهم موضع إعجاب الأجيال الإسلامية المتوالية، وكانوا قدوة حسنة تقتدي بها الأجيال اللاحقة، ومن ثم اتصلت في تاريخ الإسلام روح البطولة والتضحية والموت من أجل الحياة الإيمانية، وكانت مقاومة الظلم والانحراف هي أبرز صفحات الجهاد في مواجهة كل باغ وظالم ومعتد على الإسلام وأهله، ولقد استمد المجاهدون الأبطال من الرسول صلى الله عليه وسلم أبرز مفاهيم البطولة حيث جمعوا بين بطولة الفكر، وبطولة الجهاد، فقد كان العلماء العاملون كلهم قادة معارك يحملون السلاح في مواقف الجهاد، ولو لم يعيشوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عصر خلفائه الراشدين، ولا في عصر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يكن عجيباً أن نرى في تاريخ أمتنا الإسلامية أناساً تجردوا لله عز وجل فتألق نجمهم في مجتمعهم بعد عصر النبوة بنحو مائة وخمسين عاماً، وكان موضع تألقه بعيداً عن منزل الوحي ومهبط الرسالة، كان هناك في شمال أفريقيا، ومع ذلك بقي الإسلام يمده بالإيمان المشرق، ويرشده إلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يصده تأخر الزمان ولا بعد المكان عن الإسهام الرائع في بناء مجتمعه على أساس الدين والعلم، والإعداد والربط بين الدرس وجهاد النفس، ذلكم هو الإمام العالم أسد بن الفرات الذي جمع الله تعالى له الإمارة والقضاء، وكان يقال له من أجل ذلك: القاضي الأمير، الذي جمع بين العلم والعمل، وبين الفقه والجهاد، وسعى في الدنيا ليربح الآخرة.
ولقد أكرم الله تعالى أمتنا الإسلامية بعلماء كثيرين جاهدوا بلسانهم وسنانهم وإيمانهم وقلمهم، منهم الإمام ابن تيمية الحراني -رحمه الله -الذي ولد في حران، وهي مدينة مشهورة على طريق الموصل والشام والروم، في أسرة ذات علم ودين، فأبوه وجده كانا من كبار علماء الإسلام، وقد ارتحل به والده في طفولته إلى دمشق بسبب غارات التتار المخربة على بلاد الإسلام، وهناك نشأ نشأته الإسلامية العلمية القرآنية الحديثية الفقهية العربية، القائمة على أسس من طهارة الأنساب وتقوى الآباء وصفاء البيئة الشامية والاستعداد الطيب لخدمة الإسلام وعلومه، وكان ذكياً حاضر الذهن قوي الذاكرة بصورة باهرة، وكان يجادل ويحاور وهو صغير، وبدأ الإفتاء قبل أن يبلغ العشرين من عمره، وكان خبيراً بعلوم الحديث والتفسير والفقه واللغة، والغوص في دقائق المعاني، وأتقن دراسة المذاهب الفقهية، يقول عنه ابن فضل الله العمري: «كان أمة وحده، وفرداً حتى نزل لحده»، وقد ازداد ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على مر الأيام صلابة في دينه، وقوة في يقينه، ولا عجب فهو أشهر الأتباع للإمام المجاهد المحتسب الجليل أحمد بن حنبل -رحمه الله- الذي احتمل ما لا يحتمله سواه من الأذى في سبيل الاستمساك بعقيدته في كلام الله العزيز وقرآنه المجيد، وكان ابن تيمية -رحمه الله- متيقظاً شهماً شجاعاً لا يفتر عن الأعداء ليلاً ولا نهاراً، بل هو مناجز لأعداء الإسلام وأهله، وساع للمّ شعث المسلمين واجتماع شملهم، أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عوناً ونصراً للإسلام وأهله، وشوكة في حلوق المارقين من الفرنجة والتتار والمشركين، فأبطل الخمور، ونفى الفساق من البلاد، وكان لا يرى شيئاً من الفساد والمفاسد إلا سعى في إزالته بجهده وطاقته، وتصدى لمقاومة الفتن، وخاطب عقول الجماهير، وتبنى مهمة الرد على الفرق والملل غير الإسلامية، وقاوم عقائدها وتقاليدها وتأثيرها، وبعث الفكر الإسلامي الصحيح، وجدد العلوم الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، وما صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونقد بشدة الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وفضح البدع والمنكرات وعبادة القبور السافرة المؤيدة من بعض المشايخ، والاستخفاف بشعائر الله عز وجل، وتصدى لأصحاب المشاهد ووقاحة جرأتهم وشركهم، ورفع رحمه الله تعالى لواء تجديد التوحيد، ومنع الاستغاثة بغير الله عز وجل، وشرح عقيدة الإسلام الصحيحة، وقام بمسؤولية ورثة الأنبياء عليهم السلام في عصره، وعمل بمصداق قوله جل وعلا: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} (الحجر: 94)، فكان عمله رحمه الله وجهاده دليلاً على ما خصه الله به من مكانة عالية في مجال الإصلاح والتربية والدعوة والتجديد، وقد وجد بتأثير كتاباته ومؤلفاته رجالاً من أهل الدعوة والتربية بين حين وآخر ممن رفعوا راية الجهاد ضد تقاليد الوثنية الجاهلية بكل صدع وإعلان، وارتفع صوت القرآن مدوياً عالياً: {ألا لله الدين الخالص} (الزمر: 3).
فارتجع العالم الإسلامي وجاوبه السهل والجبل، وعاش هذا الإمام أكثر سنوات حياته متاعب في سبيل الله عز وجل، وترك لأجيال المسلمين دائرة معارف أو مكتبة تضمنتها مجموعة فتاويه التي تحتوي على (37) مجلداً، نشرتها المملكة العربية السعودية، فترى في كتبه حقائق علمية وبحوثاً نقدية، ومباحث أصولية، تشق طريقاً جديداً لفهم الكتاب والسنة، وتفتح باباً فريداً إلى إدراك مقاصد الشريعة الربانية.
وكانت في الإمام ابن تيمية رحمه الله صفة بارزة رفعت من شأنه وأعزت من مكانته، وهي صفة الثبات على العقيدة والاستمساك بما يثق فيه، والجهر بكلمة الحق، والرائع في موقفه أنه حينما أغلقوا عليه باب السجن، قال مستشهداً من القرآن الكريم: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} (الحديد: 13).
وكان يقول رحمه الله: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
إن السجن في نظر ابن تيمية رحمه الله تعالى فرصة يخلو فيها إلى العبادة والذكر والمطالعة والبحث والمعرفة والعلم، بعيداً عن الشهوات والملذات.
ويعتبر القتل شهادة في سبيل الله تعالى؛ لأنه يسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وابن تيمية رحمه الله تعالى واحد من محبيه ومتبعيه، فليمض إلى ربه مجاهداً لينال أجر المجاهدين الصابرين.
ويؤمن بأن إخراجه من بلده رحلة هجرة في سبيل الله تعالى، أليس هو القائل: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً} (النساء)، إذاً فلا بد من السياحة وكسب الخير والتعرف على الناس، وبث الدعوة.
وهكذا امتلأت قلوب المؤمنين بالإسلام شجاعة واندفاعاً، وعلموا أن إنكار الذات في سبيل الله تعالى يصنع البطولات، وفق القيم الأخلاقية لهذا الدين العظيم؛ لأن المنتصر فيه لا يموت، وهذا نموذج بسيط موجز عن الأبطال العلماء العالمين، أما الأمراء العادلون الذين أسهموا بكل إيمان وقوة وهمة وحيوية في بناء دولة الإسلام، وتطبيق أحكام الله تعالى، وصنعوا حياة مليئة بالعمل الصالح والعلم النافع، والبناء الرائع في كل المجالات، فالحديث عنهم يطول ويخرجنا عن مقصدنا الذي نبتغيه، ويكفينا أن نعلم أن بطولات المسلمين من العلماء العاملين والأمراء المخلصين، كانت تسير جنباً إلى جنب في بناء الحياة الإسلامية ببذل الجهود في تحصين المسلمين، وتأمين الحدود، مع إثارة روح العمل الصالح والتنافس في مجالات العلم والعمل والجهاد، وقد ظل الإسلام حافلاً بالمسلمين وقادتهم من العلماء والأمراء الذين يحملون اللواء، ويحمون معاقل هذا الدين، وهكذا يتوالى ظهورهم فترة بعد فترة، ويخرجون من قبل مجتمعهم ليصدوا عنه فتنة جديدة، ويظهروا الإسلام في صورته البيضاء الجامعة الحقيقية، ويعدوا العدة لصون العقيدة الإسلامية والمفاهيم الإيمانية، ولولا الله جل شأنه ثم هؤلاء الرجال الأوفياء الذين أعدهم الله تعالى لخدمة دينه، ووفقهم للقيام في وجه المنكر بأي لون كان، لما عاش المسلمون مبيضي الوجوه، ولما ورثوا الدين نقياً طاهراً من رواسب الجاهليات والأنانيات؛ ولذلك فإن كل مسلم موحد مدين لهم في إيمانه وعقيدته، وفي صفاء أفكاره، وإن لهم علينا منة كبيرة فيما نعيش فيه من طاعة وسعادة، وما نتمتع به من تاريخ زاهر بالمآثر والبطولات والجهاد.
ومن ثم فإن لهؤلاء الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام حقاً كبيراً على كل مسلم معاصر، وعلى الأجيال المتلاحقة التي حظيت بنعمة الدين الخالص والعقيدة الصافية، وإن أداء هذا الحق والوفاء بواجب الشكر لا يتم إلا بالمحافظة على الإسلام الذي جاهدوا من أجله بإحياء سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتركيز على بناء أنفسنا وأجيالنا على هدي من الكتاب والسنة، لنقدم للعالم نموذجاً حياً للمسلم الذي يتمثل فيه الإسلام كاملاً، وعندها تعود أمتنا كما أراد الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} (آل عمران: 110).
الهوامش:
1- يقول ابن كثير رحمه الله عند ذكر الواقعة: أقبل ملك الروم رمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرخ والفرنج وعَدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق مائتا ألف فارس. (راجع بتوسع، البداية والنهاية/ 100-110-106-107).
2- كان ذلك سنة 465هـ الموافق 1072م.




اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.90 كيلو بايت... تم توفير 1.57 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]