عملة نادرة (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-05-2021, 01:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي عملة نادرة (قصة قصيرة)

عملة نادرة (قصة قصيرة)
نورا عبدالغني عيتاني




الحمدُ لله، وبعد:
ففي ظهيرة أحد الأيام، وأنا في تأهُّبٍ لإقامة صلاة الظُّهر في المسجد، رأيتُ مشهدًا شدَّني وأسعدني وأثارَ إعجابي؛ كانت امرأة منتقبة - وقد رفعَت نقابها - متواضعة متبسِّمة، يستبشرُ المرء حين ينظرُ إلى وجهها، تقفُ في الصفِّ الأول، تشيرُ بلطفٍ للنِّساء والفتيات اللواتي يقفنَ في الخلف؛ كي يتقدَّمنَ إلى الأمام ويُتممنَ الصفَّ كما يجب.

ليس من عادتي أن أَسعد بمشهدٍ كهذا؛ فلطالما أزعجَتني ونفَّرتني كثيرٌ من النِّساء اللواتي يقدِّمن هذه النَّصيحة بغلظةٍ وقسوةٍ وعبوس، وكأنَّهنَّ مالكات المسجد والوصيَّات عليه! وكنتُ في الحقيقة قد بدأتُ أنفرُ من الصلاة في كثيرٍ من المساجد في الآونة الأخيرة، وأنا التي تَعلَّق قلبي بالمساجد منذُ الصغر؛ لكثرة ما رأيتُ هذه الظاهرة تتكرَّر وتتوسَّع وتنتشر، ولشدَّة ما كانت تزعجني عباراتُ بعضهنَّ الخالية من الأدَب والذَّوق، وغلظة أصواتهنَّ وارتفاع صداها في المسجد وهنَّ يتباهينَ بكونهنَّ صاحبات الأمر والنَّهي على باقي النسوة المؤدَّبات الرزينات اللواتي يُطِعنَ الأوامرَ مرغماتٍ؛ كي لا يثرنَ المشاكل في المسجد، حتى ولو كان هذا على حساب مشاعرهنَّ وراحتهنَّ وسَكينتهنَّ التي أتَينَ إلى المسجد ليبحثنَ عنها! هذا ناهيكَ عن كَيل الألفاظ والصَّرَخات والإهانات التي يتلقَّاها الأطفالُ وأمهاتهنَّ من بعض النِّسوة المعتكفات يوميًّا في المساجد خصِّيصى لهذا الهدف!

لطالما علقَت في ذاكرتي الطفوليَّة المزهرة صورةٌ لذاك الرجل الصعيديِّ البسيط المتواضع، صاحب الابتسامة المشرِقة، خادم المسجد بكلِّ تفانٍ ومحبَّةٍ وامتنان لتشرُّفه بخدمة بَيت الرحمن.

كان محمَّد يخدم المسجدَ ويُشرف عليه من قلبه قبل عينيه ويديه، حتى صار فيما بعد مؤذِّنًا فيه، ومن ثمَّ استكمل ذاك المتواضعُ المتبسِّم دراستَه، وهو الساكنُ في تلك الحجرة البسيطة القابعة في نهاية المسجد، ونال درجةَ الدكتوراه وصارَ مدرِّسًا لمادَّة التجويد في كليَّة الشريعة، وزاده اللهُ شرفًا ورقيًّا بالقرآن إلى أن صار إمامًا بعد ذلك في أحد أهمِّ مساجد بيروت.

تبارك الله، كيف صار لذلك الرجل كل هذه الدَّرجات والفتوحات في الدنيا؟! كيف نالَ القبولَ وارتفع لمجرَّد أنَّه كان من أشد الناس تواضعًا وتخفِّيًا بعلمه وعمله خلف ابتسامةٍ بارزة الوضوح والسِّحر والجاذبيَّة، واللهُ يعلمُ ماذا خُبِّئ له في الآخرة من درجاتٍ ومقاماتٍ أبهى وأعلى!

كنتُ في حينها ما زلتُ في العاشرة؛ حيثُ كنَّا نلعب ونقفزُ ونركضُ في المسجد أثناء الدورة الصيفيَّة أنا وإخوتي ورفاقي الأشقياء، ولم نكن أشقياء عاديِّين، بل وصلَت بنا الشقاوةُ إلى حدِّ التخريب في قِسم الرجال وإزعاجهم بالضحكات والأصوات، كان يَكتفي في حينها خادمُ المسجد البسَّام بالتطلُّع نحونا بنَظرته الساحِرة الآسِرة تلك، التي تَجمعُ بين الضحك والشَّفقة والرِّفق، وشيئًا من عتبٍ بسيطٍ لا يكاد يبين؛ كان يكتفي بتلك النظرات وهاتيكَ الابتسامات، وكنَّا نفهمُ ونتراجعُ ونزيدُ له احترامًا وتقديرًا؛ لأنَّه لم يَنهرنا يومًا ولم يؤنِّبنا، بل وكان لا يتوانى عن المزاح معنا وبثِّ روح الدعابة اللطيفة الطيِّبة.

الشيخُ محمد؛ هو اسمٌ لن أنساه، هو وجهٌ لا يتكرَّرُ إلَّا نادرًا، وعملةٌ نفتقدها بشدَّةٍ في أيامنا، ويفتقدُ قيمتَها وثراءَها شبابُنا.

ها هي العملةُ النادرةُ تتكرَّر اليومَ أمام ناظري في قِسم النساء، والسيِّدة الرقيقةُ اللَّطيفةُ البسَّامة تقترب بعد الصلاة لتحيِّي إحدى الفتيات المتبرِّجات ذوات الحِجاب العصريِّ الدارج؛ المكوَّن من بنطالٍ ضيِّقٍ لا نفعَ منه، وسترةٍ قصيرةٍ واصفةٍ لا تَسترُ ولا تُغني من سفور.. ها هي يدُها تحيطُ خاصرةَ الفَتاة برفقٍ ولِين لتتَّجه بها نحو ملصقٍ دعويٍّ مهمَلٍ معلَّقٍ على أحد الحوائط في المسجد، لا يَلتفتُ له أحد.. تَدعوها برفقٍ ولطفٍ للنَّظر إلى صورة الحجاب الكامل ومقارنتها بصور الكاسيات العاريات، ها هي تدعوها برفقٍ لكي تخرجَ من ضِيق دائرة الفئة الثانية ولتدخل في سعة رحمة الله ورضوانه، ها هي الفتاةُ تَبتسمُ وعيناها تَدمعان وتشكرُها بودٍّ على النَّصيحة والتذكير، فتُربتُ السيدةُ اللَّطيفةُ على كتفها بحنانٍ ومودَّةٍ عارمَين.

كم نَفتقدُ هذه العملة النَّادرة، وكم نَفتقدُ من يقبلُ التداولَ بها ويتقبَّلها! فهي والله رأسُ مال هذه الأمَّة!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.57 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]