خادمة أنقذتني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 32 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859207 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393526 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215796 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-11-2022, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي خادمة أنقذتني

خادمة أنقذتني
صفية محمود




كنتُ بالصف الثاني الثانوي وقتما تعرَّفتُ على مدرسة الرياضيات، وكأن الله ساق إليَّ خيرًا يمشي على قدمينِ، كانت لي (سلوى) اسمًا وحالًا، وكنتُ وقتها أتآكل من الهموم والغموم التي باتتْ رفيقتي وظِلِّي الذي لا يُفارقني، فكان مَن يراني كأنما لا يرى سوى فتيلٍ له عينان، عمري ستة عشر عامًا وأحمل همًّا كأني في السبعين من العمر، مكبلة بالقيود، لا أدري كيف يضحك الناس، وكثيرًا ما كنتُ أغضب وأُثار من رؤية الضاحكين أو الباسمين، وأحبس لساني في عناء حتى لا أثور فيهم: أبلهاء أنتم؟ علامَ تضحكون؟! وهل في الكون ما يُضحِك؟!

كان ذلك المنظر كفيلًا بإتلاف يومي كلِّه، مجرد رؤية رجلٍ باسمٍ أو امرأة باسمة يُغضبني، ولعلَّ الطفل الباسم معذورٌ عندي بجهله، وكنتُ لو تعكَّر مزاجي أُفرط في السهر وموجباته، والقهوة وأخواتها، وكانت القراءة ملاذي الوحيد، أُفتِّش عن ذلك العالَم الفاضل، ومناجم العدل والصدق نادرة الوجود، أهناك حقًّا مدينة فاضلة؟ أهناك ذلك الجنس الذي يشعر أن له قلبًا، وأن هناك شفقةً، وأن هناك للناس حقوقًا وعليهم واجبات كتلك التي يُنادي بها الدين، ويدعو لها الشرع، ورسم حدودها الأنبياء، وذهبت حياة بعضهم من أجلها، وبُحَّ صوت حاديهم، وأُجْلُوا من ديارهم، وسُلبوا من أجلها المال والسكن، والتحَفوا السماء والشجر، وافترشوا الفيافي والرمال، وربطوا على بطونهم الحَجَر؟! لله جهدهم!

أين هؤلاء الذين يتمثلون تلك القيم؟ غلبت المادة والجشع، وساد الأنا والطمع، ولعلك ترى في بيوت الناس غابةً مُصغَّرةً، لا يُبالي أبٌ بمن أنجب، ولا أخٌ برابطة نسب وعلائق دم، لعل أقل البيوت ظُلمًا فيما حولي تلك التي تجفُّ فيها مياه العواطف، مجرد هياكل تروح وتأتي وتنضم في ليلٍ لتنام في صف، لا يعبأ أحد بجاره وكأن المسافة بين قلبيهما كالمسافة بين المشرقين، فبئس الجوار هو، وبئست العلاقة الميتة.

ولما التقيتها في فصلي شقراء ثلاثينية، بوجه رائق يشفُّ عن مشاعرَ حيةٍ، وعين تحتوي مَنْ حولها، وتُدرِّس الرياضيات! للوهلة الأولى تعلَّقت بنظرتها، وتوسَّمتُ أنها ستدرسنا الدين أو الأدب، ولما تكلَّمتْ قالت: رياضيات.

كانت غاية في الأدب مع الكل والاحتشام الهائل، تحترم حتى إصبع الطباشير والقلم والسطور والورق وكل شيء، إنه النوع الذي يرُوقني وعنه أبحث، قليلة الابتسام، لكن وجهها مبتهج، حازمة صارمة بغير تجاعيد الغضب، من حصتها الأولى تعلَّقتُ بها، وساءلتها: من أنت؟ ومن أي الدول؟ قالت: مصرية، قضيتُ أعوامًا ستة في روسيا لدراسة زوجي، وطَّدتِ الأيامُ بيننا الصلة؛ فمهارتي في علوم الرياضيات، وولهي بالأدب قرَّبَ بيننا.

وكم رافقتُها حتى بيتها، لم أرَ منها إلا زيادةً في الاحترام، ودخلتُ يومًا بيتها، جالستُها وأهلها لساعاتٍ، وتغدينا معًا، وتكرَّرتْ تلك الزيارات، ورأيتُ تلك الخادمة عندها؛ بنتًا في العاشرة، تقيم لديها، وتخدم العائلة: معلمتي وزوجَها وابنتيها، والبنت لا تكلُّ، حماسة دائمة، وسعادة ظننتُها مرسومةً، فانفردتُ بها مرةً وسألتها: من تكونين؟ ولماذا هذا العمل؟ وأين الأهل؟ وكيف تُطيقين تلك الغربة؟

قالت: أنا سامية، من قرية زوج المعلمة، فقيرة من البلد، ولي أخوات صغار، ووالدٌ عاجز، وأمي كم أحبُّها، لها بسمة كنور القمر، وإخوتي الصغار: حَمَد، ورزق، وفؤاد، يا لهم! كيف يلتقونني عند إجازة آخر الشهر وأنا أُحضِر لهم بعض الحلوى التي تعطينيها أستاذة سلوى؟! يجرون حولي كما الفراشات، فقلتُ: وأنتِ، ألا تشتاقين للعب والدرس والكتب؟ قالت: سعادتي في سعادتهم، وسوف يلعبون هم، ويدرسون هم... ولي السعادة والفخر.

يا لكِ من سامية، فُزتِ بهذا الخُلق! من أين لكِ؟! لأنت أحقُّ أن أخدمك، أفي الناس لم تزل هناك مُثُل؟ علمتُ وقتها أنني أنظر من زاوية معتمة، ولم يزل هناك نفوس في البشر هي نفسها مدينتي الفاضلة التي ضللتُ عنها، ولم تزل في الناس نفوس سامية، فشكرًا سلوى، وحبي لسامية، كم خدمتِني أيتها النبيلة الخادمة!






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-11-2022 الساعة 09:37 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 46.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.99 كيلو بايت... تم توفير 2.40 كيلو بايت...بمعدل (5.18%)]