لم تنته الحياة عند عجلات كرسيي المتحرك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216224 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7838 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 63 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859810 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394158 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 90 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-10-2022, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي لم تنته الحياة عند عجلات كرسيي المتحرك

لم تنته الحياة عند عجلات كرسيي المتحرك


د. زهرة وهيب خدرج






كان أبي بالقرب من أمِّي حين رحت أطلُّ إلى الدنيا، كانت أمي تصرخ ألمًا، وترجو القابلةَ أنْ تساعدها حين شعر والدي بدوار أَفْقَدَه توازُنه؛ فالطفل الذي تلده أمي كان شكله مخيفًا، فشفتُه العليا مشقوقة، وأنفه غير متماسك، وكأن وجهه مقسوم إلى نصفين، لم يحتمل والدي ما شاهَدَتْه عيناه، فهرب باكيًا خارج الغرفة، حائرًا: ماذا سيقول لأمي؟ أسيقول لها: لقد ولدتِ صغيرًا مشوَّهًا؟

ليس هذا فقط، فقد خرَّ والدي صَعِقًا حين عَلِم من القابلة أنني أيضًا بدون سيقان، كان لديَّ نتوءات صغيرة منبسطة تتصل بأسفل الحوض، حلَّت محل الأقدام، لم يدرِ أحدٌ حينها إن كانت ستؤدي وظيفة الأقدام أم لا!
إلهي، لطفك بنا، ماذا يجري؟! قد يكون هذا مجرد كابوس مرعب ألمَّ بي في ليلةٍ حالكةِ الظُّلمة.

بيد أنَّ ذلك لم يكن حُلمًا مخيفًا، بل كان كابوسًا واقعيًّا لا بد من مواجهته والتعامل معه، واحتار والدي: كيف لي أنْ أُخْبِر تلك المسكينة؟ ماذا سأقول لها؟ ولكن حيرته لم تطُل، فقد رَأَتْ أمِّي بأُمِّ عينها المخلوقَ الغريب الذي خرج من بطنها للتو، فصرخت: ما هذا؟ أَبْعِدُوه عني.

أجابتها الممرضة وهي تحاول رسم ابتسامة هادئة على شفتيها: إنه ابنك، انظري ما أجمل عينيه! وما أشقر شعره! ما أنعم بشَرَتَه! هو ذكر، مبارك، ها هو ذا، احضنيه.

إلا أنَّ أمي صرخت بقوَّة: اغربي عن وجهي أنت وهذا الشيء، مِن أين أتيت لي بهذا المسخ؟ لا أريده، أَبعِديه عني.
رفضت أمي أنْ تلمسني، فلم ترضعني أبدًا أُسوةً بباقي المواليد، وحاولت الهروب من المشفى بدوني، رافضةً أن تعترف بأني مِن نَسْلِها، ومع محاولات أبي البائسة والحثيثة راحت أمي تتقبَّل فكرةَ لمسي بعد شهرين مِن ولادتي، اعتَنَت جَدَّتي بي خلالهما، وتدريجيًّا تقبَّلتني أمي كشيء يشبه الإنسان، ولكن ليس إنسانًا، ومع تعاقب الأيام عليَّ، أدركت أنَّ مشاعرها تجاهي كانت الشفقة بصوَرٍ تحاول تجميلَها ووضع الأصباغ عليها، فيكشفها وجهها الذي يغلب على قسماته الحزن والكآبة، وناهيك عن الدموع التي كنت أراها دومًا في عينَيْ أمي، دون أنْ أستطيع معرفةَ السبب، في الوقت ذاته كان والدي يفيض عليَّ بحبِّه وحنانه، ويدعمني، ويشجِّعني على الاعتماد على نفسي، ويعاملني وكأني طفل طبيعيٌّ لا ينقصه شيء، وكان يحكي لي دائمًا عن أشياءَ لم أفهمها في ذلك الحين، تدور حول الخالق، والابتلاءات والصبر، والأجر والثواب.

كبرت، وطفقت أخرج من البيت على كرسيٍّ صغير متحرِّك يدفعه إخوتي أو أبي، وحينها علمت تمامًا ما يجري، فأنا لم أذهب للمدرسة كما يفعل جميع أطفال العالم، وكنت مرفوضًا من أطفال الحيِّ، ومن أقاربي، هم يرفضون اللعب معي، والاحتكاك بي، ويهربون مني وكأنني وباء سأصيبهم بعدوى، ناهيك عن نظراتهم القاسية وهم ينقلونها بين وجهي وقدميَّ، شرعت أكره هذه الدنيا التي وُلِدت فيها ناقصًا، مختلفًا عن الآخَرين، ولم يكن من سؤال يلحُّ على ذهني، ويسيطر على نفسي طوال الوقت سوى:
لماذا أنا تحديدًا؟ الجميع لديهم أرجُل، لماذا أنا لا أَرْجُل لديَّ؟ لو كان وجهي طبيعيًّا على أقل تقدير كان سيكون حالي أفضل، ولكن... يا إلهي... لا رجلين، وشفة مشقوقة حتى الأنف، ووالد فقير لا يستطيع إجراء عملية جراحيَّة لي تحسِّن من منظري؟ ما أفظع حالي! فقير، منبوذ من مجتمعي، مُحتقَر دون أن يكون لي يد فيما أنا فيه.

وما إنْ بلغت الثالثة عشرة من عمري، حتى بَدَأَتْ أُولَى محاولاتي في الانتحار، وتكرَّرت واحدة تلو الأُخْرى؛ حتى بلغ عددها ست مرات، دون أن تنجح أيٌّ منها، وفي كلِّ مرة فاشلة كان يتولَّد لديَّ إصرار أكبر بأنني يجب أنْ أضع حدًّا لما أنا فيه، لا يجب أنْ أبقى هكذا... إلى أن كان ذات صباح مشرق، كنت أجلس فيه على كرسيِّي المتحرِّك في شرفة المنزل كعادتي كل يوم، تتجه عيناي إلى الجدار الغربيِّ، لفت انتباهي سِربٌ من النمل في مقدمته نملات عدَّة تحمل حبَّة فول كبيرة الحجم، حملتها النملات وسارت بها على الجدار، ولكن ما إنْ قطعت مسافة تزيد عن متر، حتى سقط ما كانت تحمل، فعادت المجموعة أدراجها، وحملت الحبَّة مرةً أخرى، وسارت في الطريق ذاته أيضًا، وقبل أنْ تبلغ المسافة التي قطعتها في المرة السابقة تكرَّر الحدث ذاته معها، ففعلت مجموعة النمل ما فعلت في المرة السابقة، ما راعني في المرة الثانية أنَّ النملة التي كانت تسير في مقدمة المجموعة لم تكن تمتلك ستةَ أطرف كباقي النملات، بل كان ينقصها طرفًا في مقدمة جسدها من الجهة اليسرى، بيد أنها سارت مع زميلاتي، ولم تتوانَ عن العودة معهن، ومعاونتهن في حَمْل الطعام، ركَّزت نظري على تلك النملة تحديدًا؛ لأرى كيف ستتصرَّف، وإن كانت ستضعف مع تكرار سقوط الحبَّة أم ماذا؟ واستغربت جدًّا لإصرارها، وتصرُّفها وكأنها لا تختلف نهائيًّا عن بقية النملات.

عددت ما يقارب عشرين محاولة فاشلة، وصلت النملات بعدها إلى نهاية الجدار، واختَفَت داخل شقٍّ يقود إلى قرية النمل على ما يبدو؛ قلت مؤنِّبًا نفسي: لديك عقل، وذكاء، ويدان، وحواس، والكثير الكثير من الميزات والنعم الأخرى، فتضعها جانبًا، وتحصر نفسك وقدراتك داخل دائرة ضيقة من الضعف والإعاقة، كم أنت إنسان غريب! وكم هذه النملة حشرة حكيمة! أتَدَعها تكون أحكمَ منك؟ وقلت أيضًا: أنا أحب الرسم بل أعشقه، ومِن شدَّة حنقي لما أعانيه من نقص، كنت أمزِّق وأحطِّم كلَّ ما رسمت عندما تستبدُّ الأفكار السوداء بعقلي، في الوقت الذي يحضُّني فيه والدي دائمًا على المثابرة في رسم اللوحات وتجهيزها ليقدمني لمؤسسة ترعى ذوي الاحتياجات الخاصة، ولديها استعداد لعملِ مَعرِض لما أرسم، وتعريف الناس بي كما يقول دائمًا، ولكني في كلِّ مرة أثور عليه قائلًا: أتريد أن تعرِّف الناس بمعاق مشوَّه؟! ماذا سأجني من ذلك؟


ولكن في ذلك الصباح اكتشفت كم كنت غبيًّا، جاحدًا للنعمة، فقرَّرت أنْ أبدأ رحلةَ التغيير، سأدخل صفَّ محوٍ للأُميَّة، وسأتابع دراستي، وسأثابر على رسم لوحاتي، وأعرضها للناس، وسأعرض لهم فكرةَ كلٍّ منها، والرسالة التي أردت إيصالها من خلالها، لن أبقى حبيس كرسيٍّ متحرِّك على شرفة منزلٍ نسي العالم وجودَه، ومَضَت أيامُه دون أن يشكِّل وجودُه فارقًا في هذه الحياة، منذ الآن لن تكون إعاقتي هي المنظار الذي سأنظر من خلاله للعالَم، بل سيكون القدرات التي أمتلكها والتي عطَّلتُها وأنكرت وجودها طوال الأعوام الفائتة.


الآن أنا ولدت، وسأنطلق للحياة بكلِّ ما أوتيتُ من قوَّةٍ وإصرار وأمل.
هذه قصة واقعية لشخص عرفته عن قرب..
إلى "نُعمان" أُهدي ما كتبت.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 10-04-2023 الساعة 06:08 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.33 كيلو بايت... تم توفير 1.75 كيلو بايت...بمعدل (3.42%)]