قراءة في قصة قصيرة جدا للقاص "ميمون حرش" - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2022, 04:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي قراءة في قصة قصيرة جدا للقاص "ميمون حرش"

قراءة في قصة قصيرة جدا للقاص "ميمون حرش"
محمد مختاري




أضحَتِ القصة القصيرة جدًّا الموضوعَ الأكثر تفشِّيًا في الساحة الأدبية، بعدما كان التألُّق للأجناس الأدبية الكلاسيكية؛ كالرواية، والقصة، والقصة القصيرة...، هاته الهيمنةُ فرضَتْها عدةُ تحولات طالَت المجتمعات الإنسانية بما فيها المجتمع العربي، حيث لم يَعُدِ الوقت كافيًا لقراءة الروايات "النهرية" والمسهبة؛ كثلاثية "نجيب محفوظ" أو غيرها من المؤلَّفات التي تحتاج إلى وقت وصبر كثير؛ فحَظِي هذا الجنس الجديد بحفاوةٍ استثنائية، حتى أخذَتْه الملتقَيات والمهرجانات الأدبيَّة الحديثة موضوعًا لها.



إن مصطلح القصة القصيرة جدًّا - الذي يعد "آرنست همنغواي" مبتكرَه بلا منازع - يوحي لأول وَهْلة بالقصر الشديد وسهولة التناول، مما يتيحُ للجميع قراءتَها في غضون لحظات.



اختلفت تسمياتُها باختلاف الأقطار التي انتشرت فيها، ففي اليابان تدعى: "قصص بحجم راحة اليدِ"، وفي الصين: "قصص أوقات التدخين"، كما هناك تسميات أخرى كـ: "قصة الأربع الدقائق"، و"القصص المجهرية"، و"الشرارات" و"القصة اللقطة"، وغيرها من التسميات التي تعبِّر عن شكل هذا النوع الأدبي الحديث.


لكن ما يجعل هذا الجنس تاركًا الأثر البهيجَ في نفوس قرائه، هو قدرتُه على شحن كمٍّ هائل من الدلالات على الرغمِ من قصره الشديد، ولعلَّ هذا ما حذا بالبعض إلى تشبيهِه بالحُلم؛ نظرًا لما يحويه من تقنياتِ الاختصار والتكثيفِ؛ لتظهر كتابات تواكبُه من الناحية النقديَّة؛ كأعمال الدكتور "حميد الحمداني"، ومؤلفات "محمد شويكة"، و"أحمد جاسم الحسين"، دونَ أن ننسى كتاباتِ الناقدِ الدكتور "جميل الحمداوي" في هذا الصَّدد، وبرع في هذا الجنس مبدعون وقصَّاص كبارٌ من قبيل "سعيد منتسب"، و"حنان فاروق"، و"عبدالله المتقي"، و"وفاء الحمري"، وأيضًا القاص الكبير "ميمون حرش"، والذي سنقف عند قراءة تحليليَّة لإحدى قصصه بعد قليل.



من بين المبدعين الكبار الذين جادَ بهم وطنُ المغرب، نجد القاصَّ الأستاذ "ميمون حرش" الذي أبدع في تأليف عددٍ لا يُستهان به من الـ(ق ق ج)، شَمِلت مواضيعَ عدة ذات أبعاد متنوعةٍ، ومن بين مجموعاتِه القصصية التي لقيت حظًّا وازنًا من الاستقبال لدى جمهور القراء نذكر: "نجي ليلتي"، وهي مجموعة قصصية تعرَّضت لها كتابات نقديَّة عديدة؛ وذاك لما تحمله من موضوعات تستحقُّ المواكبة النقديَّة.



(لا يستويان)[1]


يملك أكثرَ من يد...

يدقُّ بها على كل الأبواب دفعة واحدة...

ولا يُفتَح إلا بابٌ واحدٌ، صاحبه مبتور اليدين...!


تندرج قصة "لا يستويان" التي نعالجُها ضمن مجموعة قصصية لـ"ميمون حرش" بعنوان "نجي ليلتي"، وقد صدَرت هذه المجموعة سنة 2013؛ أما "ميمون حرش"، فهو قاصٌّ مبدع في القصص القصيرةِ جدًّا.




فضَّل الكاتب عرض النصِّ على الورقة بشكل عموديٍّ من الأعلى إلى الأسفل على طريقة القصيدة الحرَّة، مما يعطي القصة انطباعًا شاعريًّا، وأما علاماتُ الترقيم، فكانت عبارةً عن نقط حذف، هذا يعني: أن القصة تختزل الكثيرَ من الدلالات التي لم تَبُحْ بها، تاركة المجال للقارئ ليشرعَ أبواب القصة على التأويلات المتعددة، والكاتب هنا لا يحترم علاقاتِ الفصل والوصل في اللغة العربيَّة؛ بسبب طريقة وضع السطور على الورقة، إن الكاتب يخرق هذا النظام ويصرُّ على جعله طيعًا في يديه.


تأخذ قصة "لا يستويان" حيِّزًا محدودًا من الفضاء داخل المجموعة القصصية؛ فهي لا تتجاوز أربعةَ أسطر، والملاحَظ أن الكاتب في قصته يستوحي - بشكلٍ ضمني - بعضَ أنماط القصِّ القديم كـ"النادرة"، وهذا واضح من خلال البعد العجائبيِّ في هاته القصة، وأيضًا تشبه أجناسيًّا القصيدةَ الحرَّة على مستوى الشكل في توزيع الكلمات على الورقة، وتُشبِهُها على مستوى الدلالة في توفُّرها على عناصر الإدهاش والغموض والتكثيف والإيجاز.



المجموعةُ تعالج العديد من الموضوعات، وتختلف باختلاف القصص، وهذا التنوع يمنحُ القصة مسحةً بهيجةً، وتجعل أفقَ انتظارِ القارئ أكثرَ تفاؤلًا بالقصص الآتيةِ، أما فيما يخصُّ قصة "لا يستويان" تحديدًا، فالأمرُ يتعلَّق بشخصٍ يُصوِّرُه الكاتب على أنه يملك أكثرَ من يدٍ، وهذا التوظيف العجائبيُّ يجعل الأياديَ هاهنا رمزيَّة، هاته الأيادي تقرع أبوابًا عديدة راجيةً يدَ المساعدة (حسب تأويلنا)، لكن لا أحدَ يستجيب لها إلا بابًا واحدًا فاتحُه لا يدَ له!




إن هذا المسار المأساوي في أحد أبعادِه يسعى إلى القيام - حسب الاصطلاح الأرسطي - بعملية التطهير، حين يحسُّ القارئ بهذا المشهد، ويحُزُّ في نفسه هاته السيرورة التي توحي بالإيثار والتضحية مع قله الأبواب المفتوحة، واقعُ انعدام مدِّ يدِ المساعدة مستتبٌّ في مجتمعاتنا حتى تكاد تختفي تلك النفوس الرحيمة، وتنسيقًا مع عنوان القصة فحقًّا لا يستوي مَن يملك أكثرَ من يدٍ ومن كانت يداه مبتورة، شتان بين الاثنين!



ونحن هنا لا ندَّعي إيجاد الحقيقةِ في هذا النص الزاخر بالدلالات، بل فقط نضع نصبَ أعيننا تأويلًا من التأويلات المتنوعة.



تركيبيًّا: قُدِّم النص في قالب إخباري؛ إذ لا توجد جملةٌ إنشائية واحدة، والجمل جميعها فعليَّة ما عدا واحدة، تحيلُ كلُّها على صيغة "يفعل" التي تكون دائمًا ملتبسة في إحالتها الزمنية؛ لأنها تكون بين الحاضرِ والمستقبل؛ مما يجعل القصةَ أكثرَ تبنِّيًا للتأويل، فإحالة الزمن فيها صعب التحديد، وهذه ميزة تنضاف للكاتب.



والجمل في هذه القصَّة بسيطةٌ تعمل على تكثيف المعنى عمومًا، فالألفاظ في الجملة الواحدة محدودةٌ؛ مما يفسح المجالَ لظاهرة تركيبيَّة واضحة في ثنايا القصة، يمكن أن نعبِّر عنها ببلاغة الحذف "إن الكاتب يقول الكثيرَ من خلال ما لا يقوله!".

كما نجد الغيابَ شبه التام لوسائل الرَّبط اللفظيَّة؛ لتبقى الروابطُ المعنوية هي التي تحقِّق الاتِّساق والانسجام في النص.


ونُلاحِظُ كذلك وجودَ عاملِ التَّكرار في القصَّة، ففي الـ(ق ق ج) لا يعني التَّكْرارُ طلبًا للإطالة أو الإطناب في الحديث، بل يتَّخذ مسارًا آخرَ في هذا الجنس حين يتحوَّلُ إلى أداة تحقِّق شاعرية النص، ويمكن رصدُ ظاهرةِ التَّكْرار من خلال تكرار الأسماء "يد" و"الباب"، هاتان الكلمتان تحملان "مفاتيح فهم القصة" - إن صح التعبير.



ومن الناحية السرديَّة فليس للسارد حضورٌ في النصِّ؛ فهو يتحدَّث بضميرِ الغائب، هذا الغيابُ يجعل الرؤيةَ من الأعلى هي المهيمنةَ على الحَكْي، فمن مظاهر هاتِه الهيمنةِ التصرُّفُ في تقديم الأحداث، والاطِّلاع الشامل عليها (الأحداث)، فحسب روَّاد "الشكلانية الروسية" لا يوجد توازٍ بين زمن المتن الحكائيِّ والمبنى الحكائي، فالقصة تروي أحداثًا تأخذ وقتًا طويلًا على مستوى الواقع في غضون سطورٍ محدودة، والأحداث في هذا النص تتميَّز بسيرورة تعاقبيَّة.




على منوال "غريماس" سنقوم بإنشاء نموذجٍ عاملي لهاته القصة، خصوصًا إذا علمنا أن كل قصة مهما تنوَّعت فهي تحتوي على ستِّ وظائف، وهذا ما سنراه مع هاته القصة:

العامل الذات: مالك الأيادي الكثيرة.

العامل الموضوع: البحث عن المساعدة.

العامل المرسِل: الظروف الاجتماعية.

العامل المرسَل إليه: الأبواب المطروقة.

العامل المساعد: كثرةُ الأيادي.

العامل المعارض: الأبواب المغلقة - اليدان المبتورتان.

العلاقة بين العامل الذاتِ والعامل الموضوع تكتنفُها عَلاقة رغبة.

العلاقة بين العامل المرسِل والعامل المرسَل إليه عَلاقة تواصل.

العلاقة بين العامل المساعد والعامل المعارض عَلاقة صراع.



ومن خلال هذا النموذج يتبيَّن مدى حركيَّة وحيوية هاته القصة التي لا تخلو من ديناميَّة الأحداث.

تتميَّزُ القصة ببعض الخصائص الدلاليَّة، التي يمكن إجمالُها في خصائص الطرافةِ والإدهاش، والتلغيز والبعد الفلسفي، كلها ميزاتٌ تُفصِحُ عن هذا التكامل الذي يطول القصة ويجعلها غنيَّة في دلالتها.


وكذا توجد خصائص شكلية؛ كالقصر الشديد، والتكثيف، ووَحْدة الموضوع، والمشهدية، وأيضًا المفارقة، كلُّ هاته العوامل ساهمَتْ في جعل القصة زاخرةً بمؤهلات قَمِينَةٍ بأن تمثِّل هذا الجنس الأدبي بامتياز.



وبعدَ هذه القراءة في قصة قصيرة جدًّا غنية على جميع مستوياتها، المنسوبةِ إلى القاصِّ الكبير الأستاذ "ميمون حرش"، لا يمكننا إلا أن نسلِّم له بالريادة في هذا المجال، وأن نتوقَّع مستقبلًا زاهرًا لهذا الجنس الأدبي على أيدي مبْدِعينَ من طينة "ميمون حرش".


[1] هذا النص (لا يستويان) اختاره الدكتور المصري شريف عابدين ضمن باقة من النصوص العربية (أكثر من 80 قصة قصيرة جدًّا)، وضمَّنه في كتاب: "عطر الفجر"، وهو قصص قصيرة جدًّا لنخبة من المبدعين العرب - رقم الإيداع 2013/ 20768- الترقيم الدولي 6- 1065/ 978/ 977/ 90.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 10-04-2023 الساعة 12:12 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.13 كيلو بايت... تم توفير 1.75 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]