|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (1-10) الرياء والمن وإهمال كتابة الوقف وتوثيقه وترك الإشهاد عليه شرع الوقف لأهداف سامية، ومقاصد نبيلة، وامتاز بتنظيم محكم دقيق، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الواقفين من الانحراف به عن نهج الشريعة، وقصد الشارع من إنشائه. وليس في ذلك عيب في الوقف ونظامه وأحكامه، فإن جميع الأحكام قد شرعت لتحقيق مصالح الناس وسد حاجاتهم، إلا أن التطبيق العملي لهذه الأحكام قد أخرج بعضها عن الأهداف التي شرعت لأجلها، والمقاصد التي جاءت لتحقيقها، وذلك نتيجة لبعد الناس عن تعاليم الإسلام الحقة، وجهلهم بمعرفة الحكمة من تشريع هذه الأحكام(1 ). والأخطاء في تطبيق الوقف، قد يقع بها الواقف – غالباً عن غير قصد منه – وأحيانا تقع تلك الأخطاء مع حرص الواقف في استمرار وقفه، وتحقيق منافعه للموقوف، إلا أن الحرص وحده لا يكفي إن لم يقترن معه الوعي التام، والتوجيه المبني على أسس علمية وشرعية وقانونية . ولا شك أن تسليط الضوء وكشف غير الصواب الذي يمارسه بعض الواقفين باب عظيم من أبواب إحياء سنة الوقف ونشر ثقافته، ونجاح مؤسساته واستمرار نمائه وعطائه . ولذلك جاءت تلك المقالات لبيان تلك الأخطاء، من أقوال وأفعال وأحداث لا تصح، وتضر بالوقف ومقاصده التي شرع من أجل تحقيقها، وأردفتها بالتوجيه للصواب في الوقف، وقد وسمتها بعنوان: (أخطاء الواقفين) لعله يكون فيه نفع لحفظ الأوقاف وتفعيل دورها على مستوى الشعوب والدول والأمة بأكملها . وسأخصص في كل مقالة خمسة أخطاء أذكرها وأنبه على الصواب فيها وأبدأها بالأخطاء الآتية : 1-الوقف رياء وسمعة : شرع الوقف رحمة من الله تعالى بعباده، واستثماراً للمال في دنياهم لآخرتهم ، فالوقف عمل يقدمه المسلم في حياته، ويستمر معه أجره إلى يوم الدين، لا تُطوى معه صحائف الأعمال؛ بانتهاء آخر صفحات الحياة، بل تزداد فيها الحسنات أضعافاً مضاعفة. وهو من علامات التوفيق للعبد، أن يفتح على يديه من الخير ما يوفر للناس مشربهم ومطعمهم، في أماكن هم بأمس الحاجة فيها للماء، وقد تعددت مجالات سقي الماء، وتيسَّرت كثير من الأسباب المعينة على توفيره. فالموفق: من وفق لهذا النهر العظيم من الحسنات الجارية، والمحروم: من حرم هذا الخير الجزيل. والواقف إذا أوقف وقصد بوقفه السمعة والرياء فإن ذلك يبطل الأجر والمثوبة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(البقرة: 264). فالذي يوقف رئاء الناس قصد بحبسه غير وجه الله تعالى؛ لأن الإنسان إذا أنفق متبجحا بفعله، ولم يسلك طريقة التواضع والانقطاع إلى الله، والاعتراف بأن ذلك من فضله وتوفيقه وإحسانه، فكان كالمان على الله تعالى. فقصد القربة إلى الله تعالى، ومساعدة الآخرين وتحقيق حاجاتهم، باب للأجر والمثوبة، والذي يقصد بعمله الرياء والسمعة، فإن ذلك يضيع الأجر والمثوبة، إن لازم عمله مراءاة الناس مِن الأصل. وعلى الواقف أن يجعل عمله في وقفه خالصاً لله وحده. ولكن ليس مِن الرياء أن يُسرَّ الواقف بوقفه؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن». 2- المنّ في الوقف وأذى الموقوف عليهم : والمن من الواقف بأن يرى نفسه محسنا، وأن يتعمد إظهار وقفه والتحدث به، وطلب المكافأة من الموقوف لهم، بالشكر والخدمة والتعظيم والمتابعة في الأمور، أما الأذى فهو الاستخفاف بالموقوف لهم وإسماعهم ما لا يليق من القول . وقد أثنى الله تعالى في كتابه الكريم على المنفقين المخلصين، وذم المنفقين المانين والمرائين، فقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿262﴾ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴿263﴾ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿264﴾}(البقرة:262-263-264). فمن أتبع نفقته مناً أو أذًى بطل أجره، كما هو صريح قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}(البقرة: 264). روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالمن: المن على الله تعالى، والأذى الأذى للفقير. والمنّ كبيرة من كبائر الذنوب؛ جاء في الحديث النهي عن المن بالصدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». قال الضحاك : «ألا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى». فعلى الواقف الإخلاص لله، وأن يكون وقفه صحيحاً موافقاً للشروط الشرعية، ولا يتبعه مناً ولا أذى حتى يتحقق له الثواب المستمر من الله تعالى. 3- إهمال كتابة الوقف وتوثيقه : توثيق الأوقاف من أعظم أسباب حفظها واستمرارها، ودفع أيدي المعتدين والطامعين فيها، وهو السبيل الذي يحقق مقاصد الواقفين في بقاء أوقافهم مع تعاقب السنين، والحفاظ عليها من الضياع والاندثار، والتقيد بمصارفها كما نص عليها الواقف، وضبطها من التغيير والأهواء. والحكمة من مشروعية التوثيق للوقف واضحة جلية، قال الشيخ العلامة السعدي رحمه الله: «فكم في الوثاق من حفظ حقوق، وانقطاع منازعات»( ). كما أن في إثبات الأوقاف وضبط إجراءاتها حفظاً لها من الاندراس والنسيان، أو الاعتداء عليها بالظلم والعدوان، وضبط جميع الحقوق المتعلقة بها، وهو مقصد معتد به في الشرع( ). وإثبات الوقف بالكتابة -أيضاً-؛ لأن الكتابة أبقى من الشهادة؛ لذهاب أعيان المستشهد بهم، ووقف عمر بن الخطاب ثبت - بداية - بالإشهاد في عهد رسول الله، وكتابة الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة به وتدوينها، ومع ذلك كتب عمر رضي الله عنه وثيقته وأشهد عليها؛ لأن في توثيق الوقف صيانة للحقوق، وقطعاً للمنازعة، وديمومة للوقف. 4-ترك التفصيل في وثيقة الوقف : من المستحب تفصيل الواقف وقفه في وثيقة؛ لحفظه واستمراره، وإزالة اللبس في أعيانه وحدوده وشروطه ومصارفه، ومن يتولاه في النظارة. وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف -في الجملة- مصانة في الشريعة، وأن العمل بها واجب»( 3). وعبَّر ابن القيم - رحمه الله - عن هذا المعنى بقوله: «الواقف لم يُـخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتّباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه. وأهل العلم رفعوها إلى منـزلة النصوص الشرعية؛ من حيث لزومها، ووجوب العمل بها، فقالوا: «إن شرط الواقف كنص الشارع»( 4). ولكن هذه الشروط لا تكون بهذه المنـزلة إلا إذا كانت محققة لمصلحة شرعية، أو موافقة للمقاصد العامة للشريعة، وهي المتمثلة في: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بقوله: «من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده: أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف؛ لا في وجوب العمل بها، والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة«(5 ). 5- ترك الإشهاد على الوقف : وذلك يكون بداية من الواقف، ظناً منه أن ذلك أكثر أجراً، وهذا قد يدفع بعض الورثة إلى كتمان الوقف الذي أوقفه مورثهم، ويتلفون عمداً أي ورقة كتبها المورث(6 )؛ ليتصرفوا فيه بيعاً ونفعاً. فلا مرجعية في ذلك بعد أن أتلفت وثائق الوقف. ومن الأخطاء كتم الوقف وإخفاؤه، فالأصل في الوقف أن يُشاع بين الناس، ومما عُرف في العهود الإسلامية أن الواقفين كانوا يتعمدون الإعلام عن أوقافهم حتى يعرف الناس - على اختلاف - طبقاتهم بالوقف وشروطه. ومن الطرق التي نقلتها كتب التاريخ في القاهرة، زف كتاب الوقف بالأناشيد والأشعار في شوارع القاهرة، فضلا عن الحفلات التي تقام - عادة - عند افتتاح المنشآت الموقوفة مثل المدرسة وغيرها( 7). وفي العهود الإسلامية لجأ بعض الواقفين إلى الإكثار من الشهود على كتاب الوقف، ومما ذكره المقريزي - عند كلامه عن الدار البيسرية التي أنشاها الأمير بدر الدين الشمسي الصالحي النجمي - أنه أشهد على وقفه اثنين وتسعين عدلا(8 ). الهوامش: 1 - انظر : (أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية)، د.محمد الكبيسي، (1/35). 2 - (تيسير الكريم الرحمن) (ص 141). 3 -انظر: (الأصول الإجرائية لإثبات الأوقاف) للشيخ عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، بحث ضمن بحوث ندوة الوقف والقضاء، الرياض (10-12 صفر 1426هـ). 4 - (إعلام الموقعين» (1/236). 5 - (الدر المختار ورد المحتار) (3/426، 434، 456)، (الشرح الصغير) (4/119)، (مغني المحتاج) (2/385)، (كشاف القناع) (4/286-290)، «المغني» (8/234). 6 - ينظر: «مجموع الفتاوى» (31/448). 7 - وكتم الوقف أشد إثماً من تغييره وتبديله . 8 - ينظر المصدر السابق ص85، نقلا عن المقريزي (المواعظ والاعتبار)، ص 89،101 9 - (الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر) د.محمد محمد أمين صـ85 نقلا عن المقريزي، (المواعظ والاعتبار)، ص69. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (2-10) الوقف بقصد الإضرار بالورثة و الوقف لبعض الأولاد الحلقة الثانية وفيها خمسة أخطاء أذكرها وأنبه إلى الصواب فيها : 1- الوقف بقصد الإضرار بالورثة : نظام الوقف نظام محكم، جاء لتحقيق مصالح الناس وتوفير حاجاتهم، إلا أن بعضهم استغل ذلك النظام ليكون طريقاً لحرمان الورثة أو بعضهم من حقوقهم في الميراث. وهذه العلة قديمة حذر منها سلفنا الصالح، وعالج بعض صورها الفقهاء، بعد أن عمد بعض الناس إلى استغلال الوقف استغلالاً يبعده عن مقاصده وأهدافه التي شرع لتحقيقها، وفي مقدمتها الإضرار بالورثة، وفي ذلك بعدٌ عن قصد البر والتقوى والقربة إلى الله تعالى، وجريان الحسنات إلى ما بعد الممات، فمنهم من تعمد الوقف بماله كله أو جله قبل موته، ليضر الورثة أو ببعضهم . ومما لا شك فيه: أن هذا التصرف مخالف للشريعة ومقاصدها؛ لذا تصدى له الفقهاء والعلماء، وأوجدوا له الحلول لكي لا يخرج الوقف عن مقاصده، وإعادته إلى نبعه النقي، فالشوكاني يقول: “من وقف شيئاً مضارة لوارثه كان وقفه باطلاً” (1). والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومخالفة فرائض الله عز وجل، فهي باطلة من أصلها لا تعقد بحال؛ لأن الواقف لم يرد من وقفه التقرب إلى الله تعالى، بل أراد المخالفة لأحكام الله تعالى، والمعاندة لما شرعه لعباده ( 2). 2- الوقف للأولاد دون البنات: الوقف الأهلي أو الذري من أعمال البر والصلة والقربى، وقد أوقف قسماً من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - أوقافاً على ذراريهم وقرابتهم، كما فعل عمر وأبو طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة – رضي الله عنهم- ومقصدهم التقرب إلى الله تعالى، وحفظ كرامة من يعولون، وعلى ذلك سار سلفنا الصالح . إلا أن هذا السلوك قد تغير مع مرور الأيام، فعمد بعضهم في وقف الأوقاف على ذريته، واشتراط منافعها على أولاده من الذكور دون بناته الإناث، وفي ذلك خروج ومخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(3). وقد ظهر في آخر عصر الصحابة اتخاذ الوقف طريقا لحرمان بعض البنات من نصيبهن، واستنكرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- ذلك ، فكانت تقول : «ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله عز وجل : {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام: 139)، والله إنه ليتصدق الرجل الصدقة العظيمة على ابنته فترى غضارة «طيب العيش» صدقته عليها وترى ابنته الأخرى وإنه لتُعرف عليها الخصاصة لما حرمها من صدقته». وللخليفة عمر بن عبد العزيز الأموي قول قبل مماته: بأنه كان عازما على أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها البنات، ولكن المنية عاجلته قبل أن ينفذ ذلك (4). وقال الإمام مالك في رواية عنه: «إنه من عمل الجاهلية»(5)؛ لما في ذلك من التحايل على حرمان المرأة من الميراث. 3- الوقف لبعض الأولاد دون غيرهم : وفي ذلك خروج الوقف الأهلي (الذري) عن أهدافه، وتلك الشروط التي يمليها الواقف في وثيقة وقفه فيها أضرار لبعض الورثة، وزرع الفرقة بينهم، والبغضاء في نفوسهم . وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة على تخصيص بعض الأولاد بالعطية من غير سبب يبيح ، وسماه جورا ، وذلك فيما رواه مسلم (1623). عن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أنه قال إن أباه أتى به رسول الله ، فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله : أكل ولدك نحلته مثل هذا، فقال لا، فقال رسول الله : فأرجعه”(6) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلام . قال ابن قدامة رحمه الله : « يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية, إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به بعضهم, وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك, ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد, وعروة(7) . فيجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب(8) . 4- حصر الوقف في العقار فقط : لا يشترط في الوقف أن يكون عقاراً ذا قيمة عالية، بل إن الله تعالى يسر أعمالاً كثيرة تجري بها الحسنات بعد الممات لجميع خلقه، فيمكن للمسلم أن يوقف مصحفاً أو يجري نهراً، أو يغرس نخلاً، أو يحفر بئراً، أو يحبس فرساً في سبيل الله، وغيرهاً من الأعمال التي يدوم أجرها ونفعها. فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته»(9). والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن فتح لهم أبواباً من الخير يدوم فيها الأجر والمثوبة. فالوقف الإسلامي من سماته الشمول: فهو إما خيري، أو ذري أوكلاهما. وكذلك من سماته التنوع: فإما أن يكون للحاجات المادية؛ كالمأكل والمشرب والملبس والعلاج، أو لتوفير الحاجات المعنوية، كالتعليم والتطوير، أو للحاجات النفسية، كإدخال السرور في النفوس، وتوفير الحياة التي تحفظ للإنسان كرامته. فالوقف ليس محصوراً في الأراضي والدور، بل يتعدى ذلك إلى كل ما جاز الانتفاع به وصح وقفه، وإن قل ثمنه، فلا يشترط للوقف مبالغ كبيرة . 5- التهاون في رد المعتدين على الوقف: يتراخى بعض الواقفين في المدافعة عن الوقف؛ فالوقف المغصوب إن كان موجوداً وباقياً فيه يد غاصبة وجب رده، بلا خلاف بين العلماء لعموم وجوب رد عين الوقف المغصوبة وجاء في الفتاوى الهندية: ولو غصبها – أي الأراضي الموقوفة – من الواقف ، فان أبى وثبت غصبه عند القاضي حبسه حتى الرد(10). وما عمت به البلوى طمع الناس في أموال الأوقاف؛ ولهذا شدد الفقهاء في إجبار المعتدي على الوقف أن يعيده كما كان وإن لم يكن ذلك تؤخذ منه القيمة ليشتري بها وقفا مكانه؛ ولهذا على المعتدي الضمان بالقيمة. قال ابن فرحون رحمه الله: «ومن كسر خشبا من خشب المسجد فعليه أن يرد البنيان والخشب كما كان، ولا تؤخذ منه القيمة؛ خوفا من أن تؤخذ القيمة فلا يرد على حاله، فيؤدي ذلك إلى تغيير هيئة الخشب»(11) . الهوامش: 1- الدرر البهية مع الدراري المضية 2/141 ) . 2 - انظر: أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية،د.محمد الكبيسي، (1/37 ) 3 - المدونة الكبرى ج4 ص 245. 4 - المدونة الكبرى ج4 ص 245. 5 - شرح الخراشي:88/5 . 6- أخرجه مسلم في صحيحه ، برقم (1623) . 7 - المغني ( 5/387 ) . 8 - فتاوى الشيخ ابن باز (20/51) 9 -أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء) (2/390)، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع) برقم: (3602)، ونحوه في (صحيح الترغيب)، برقم: (73). 10- الفتاوى الهندي (2/421) . 11- انظر: أحكام الأوقاف ص202 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (3-10) الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة والوقف من أموال الزكاة 1- الوقف لأمور بدعية مخالفة للشريعة: الوقف أحد التشريعات التي تهدف إلى تحقيق الصلاح للإنسان ومن حوله، والصلاح لا يتحقق إلا بجلب المصالح ودرء المفاسد لهذا الإنسان، فإن الوقف يدخل ضمن المصالح التي تندرج في مقاصد الشريعة. والشريعة الإسلامية أعطت الحق للواقف بأن يشترط ما يشاء في وقفه شريطة أن لا تتعارض شروطه مع مقاصد الشريعة، ومن مقاصد الشريعة حفظ الدين كما شرع. ومن الشروط التي نص عليها العلماء أن تكون منفعة الموقوف مباحة، لا حُرمة فيها، وعليه فلا يصحّ وقف ما كانت منافعه محرّمة كآلات اللهو، وما أشبهها؛ لأن الوقف قُربة والمعصية تنافيه . فإن وقف على معصية من المعاصي فيكون ذلك إعانة على فعل المعاصي ، وتثبيتاً لوجودها ،فلا يصحّ وقف يكون ريعه لمعابد الكفّار، كالكنائس والبيعّ ، ولا على خدمتها، وفرشها وقناديلها، ولا على تأسيسها أو ترميمها، وغير ذلك مما يتعلق بها. ومثل هذا وقف السلاح على أصحاب الفتن وقّطاع الطرق ، فإن ذلك لا يجوز أيضا؛ لأن فيه الإعانة على المعاصي ، كما سبق أن ذكرنا. وكذلك الأوقاف التي توقف على القبور لرفع سمكها، أو تزيينها، أو فعل ما يجلب على زائرها فتنة، وكذلك أوقاف خصصت للموالد وجلسات الذكر البدعية, وغيرها من المخالفات . 2- تأخير الوقف إلى مرض الموت: وهو المرض الذي يتصل بالموت، ويشترط لتحقق أن المرض مرض الموت أن يتصل به موت الإنسان . فإن مات في مرضه كان الاعتراض على تصرفاته التي تبقى موقوفة لحين وفاته. واعتبر الفقهاء وقف المريض مرض الموت كالوصية فهو لازم في حدود الثلث، كتصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية . فلا تعتبر تبرعات المريض – مرض الموت- إن كان له وارث إلا في ثلث ماله . إلا إذا أجاز وارثه التبرع فيما زاد على ثلث ماله. (ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف ، ص 265 ). فمن الأولى أن يوقف الواقف وهو في صحته ليرى وقفه ويُعد وثيقته ويملي شروطه، ويعين عليه ناظراً أميناً وأن يتابعه بنفسه، من حيث تحصيل إيرادته وتوزيعها على ما خصهم في ذلك الوقف ، وأن يجعل من النظم واللوائح لوقفه ليدوم نفعه، ويستمر عطائه . فالواقف الذي يوقف في حياته ويحرص في أن يدوم نفع وقفه، يبذل الأسباب التي يستمر معها الوقف في عطائه؛ فيرعاه في حياته، ويجعل عليه القوي الأمين من ذريته أو غيرهم، ليديره إدارة رشيدة؛ لحفظ أصوله، وتحصيل ريعه، وصرفه في المصارف الشرعية المحددة،وتنميته وصيانته؛ حتى يبقى على حالة يدوم معها الانتفاع به، ويحقق مقاصده ، في حياته وبعد مماته. والوقف في مرض الموت قد يدخل العين الموقوفة – الموقوف - في إشكالات قانونية من حيث إجازة ورثته لوقفه ، والعمل نقضه من بعضهم أحياناً . ذكر حديث «لأن تتصدق وأنت صحيح». 3- الوقف من أموال الزكاة : الزكاة حق للأصناف الثمانية التي بينها الله عز وجل في كتابه بقوله سبحانه:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 60). فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف، ولا يصح أن توقف أموال الزكاة لصالح مشاريع خيرية أخرى؛ لأن في ذلك إخراجا لها عن ملك مستحقيها. فطريق الوقف غير طريق الزكاة . جاء في حاشية الروض: قال الوزير وغيره: اتفق الأئمة على أنه لا يجوز ولا يجزئ دفع الزكاة في بناء مساجد، وقناطر ونحو ذلك، ولا تكفين موتى ونحوه، وإن كان من القرب، لتعيين الزكاة لما عينت له. انتهى. جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرف الزكاة في جهات الخير غير ما تقدم بيانه، فلا تنشأ بها طريق ولا يبنى بها مسجد ولا قنطرة، ولا تشق بها ترعة، ولا يعمل بها ساقية، ولا يوسع بها على الأصناف. قال العلامة القرافي -رحمه الله- في الذخيرة: «لا يجوز وقف أموال الزكاة على جهاتها، لما فيه من التحجير على الفقراء» (الذخيرة 6/337)؛ لأن هذا يعني حصول الفقراء على ريع المال فقط، مع أن حقهم أن يحصلوا على الأصل نفسه؛ وذلك لأن الوقف حبس للعين إلى الأبد، أي حبس الأصل الموقوف وتسبيل منفعته (أو ريعه أو غلته)، والزكاة لا تحبس بل سبيلها الصرف عند قيام حاجة الفقراء والمساكين، ولا يجوز حرمانهم منها لأجل إنشاء المشاريع وقفية . 4- تأخير أداء حقوق المستحقين في الوقف : على الواقف أن لا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف، وعدم تأخيرها مطلقاً ، إلا لضرورة تقتضي تأخير إعطائهم لحقوقهم : كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين على الوقف ، لأن هذا مقدم على الإعطاء للمستحقين . وإعطاء المستحقين حقوقهم من غلة الوقف، يجب أن يكون بحسب ما اشترطه الواقف، لأن شروطه معتبرة، ولا يجوز كذلك للواقف أن يؤخر حق الانتفاع من عين الوقف للموقوف عليهم بلا ضرورة تقتضي ذلك. وعلى الواقف أن يتابع وقفه في حياته، ويتأكد من أداء حقوق المستحقين في الوقف، ويتأكد كذلك من أداء الناظر الذي اختاره ليرعى الوقف ويؤدي حقوق الموقوف عليهم ، وأن تدور تصرفاته في مصلحة الوقف أو الموقوف عليهم . 5- الخلط بين الوصية والوقف : تتشابه أحكام الوقف والوصية على الكثير من الناس، ولا يفرقون بينهما، وهذا جعل الخلط بين الوقف والوصية وأحكامهما . وقد لخص الفرق بين الوقف والوصية، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، في كتابه: (أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما)، بالآتي : 1- أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بينما الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان في الأعيان أم في المنافع. 2- أن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه في قول عامة أهل العلم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: «إن شئت حَبست أصلها وتصدقت بها». أما الوصية فإنها تلزم ويجوز للمُوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه. 3- الوقف يخرج العين الموقوفة عن التمليك لأحد وتخصيص المنفعة للموقوف عليه، بينما الوصية تتناول تملك العين الموصى بها أو منفعتها للموصى له. 4- تمليك منفعة الوقف يظهر حكمها أثناء حياة الواقف وبعد مماته، والتمليك في الوصية لا يظهر حكمه إلا بعد موت الموصي. 5- الوقف لا حدَّ لأكثره، بينما الوصية لا تتجاوز الثلث إلا بإجازة الورثة. 6- الوقف يجوز للوارث إلا إذا كان الموقف في مرض الموت، بينما الوصية لا تجوز لوارث إلا بإجازة الورثة. أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما، الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، ص 16. الهوامش: 1 - أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، ( 2/198). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (4-10) الوقـف للإضـرار بالغرمــاء وذلك أن يقصد الواقف المماطلة في سداد الديون، كالذي يوقف عقاراً على أولاده أو أعمال الخير هروباً من الديون قبل الحجر عليه للإضرار بغرمائه، وهذا لا يصح ولا يلزم عند الكثير من أهل العلم، بل ويحق للدائنين أن يطلبوا بإبطال وقف مدينهم، إن لم يكن محجوراً عليه بسبب الدين. فالوقف شرع لمقاصد وغايات جليلة، وحكم عظيمة، ومقصوده القربة إلى الله، ونفع الموقوف عليهم، بعيدا عن الإضرار بالدائنين والنكاية بهم. ووفاء الدين أهم من الوقف؛ لأن قضاء الدين واجب والوقف تطوع، وفي ذلك تحايل على أهل الديون. جاء في (الشرح الكبير): «أن من حبس في صحته، ولو على الفقراء فللغريم إبطاله وأخذه في دينه». انظر: الشرح الكبير ج4، ص81. وذلك حفظاً لحقوق الدائنين وحمايتهم من التصرفات التي تنقص من فرص سداد حقوقهم، وحق الدائنين بالقدر الذي يفي بديونهم فقط. ورأي كذلك بعض الحنفية والشافعية في إبطال وقف المدين إذا قصد به الإضرار بدائنيه. انظر: (أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية)، د.محمد الكبيسي ( 1/330 )، نقلاً عن: (الفواكه العديدة) ج1ص 426. سدا للذريعة في تأخير السداد، والمماطلة والتعسف في استعمال الحق. وكذلك إذا أوقف الواقف بمرض الموت ومات بعد ذلك، وعليه ديون، فإن كان الدين محيطا بماله ولم يبرئه الدائنون، فإن وقفه ينقض ويباع في الدين. انظر فتح القدير ج 5، ص 44. وجمهور الفقهاء على أن المريض مرض الموت تتعلق بأمواله حقوق الدائنين، وتتعلق بالثلثين حقوق الوارثين. 2- وقف ما لا يملك ( وقف الفضوليّ) : إذا وقف الواقف ملك غيره على أنه ملكه، فوقفه غير صحيح، أما إذا وقفه على أنه ملك غيره كان الواقف فضولياً، والفضولي في اللغة: من يشتغل بما لا يعنيه، نسبةً إلى الفضول، جمع فضل، وهو الزّيادة. وفي اصطلاح الفقهاء يطلق الفضوليّ على من يتصرّف في حقّ الغير بلا إذن شرعيّ وذلك لكون تصرّفه صادراً عن غير ملك ولا وكالة ولا ولاية (1). واختلف الفقهاء في حكم وقف الفضوليّ لمال غيره على قولين::أحدهما للمالكيّة على المشهور، والحنابلة، والشّافعيّ في الجديد: وهو أنّ وقف الفضوليّ باطل، سواء أجازه المالك بعد أم لا. والثّاني للحنفيّة، وهو قول عند المالكيّة، ورواية عن أحمد: وهو أنّ وقف الفضوليّ صحيح، غير أنّه يكون موقوفاً على إجازة المالك، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن تصرف الفضولي يكون موقوفاً على الإجازة من المالك، سواءً بالبيع أم بالشراء،خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة. قال رحمه الله: «مع أن القول بوقف العقود مطلقاً هو الأظهر في الحجة، وهو قول الجمهور، وليس ذلك إضراراً أصلاً، بل صلاح بلا فساد؛ فإن الرجل قد يرى أن يشتري لغيره أو يبيع له، أو يستأجر له أو يوجب له، ثم يشاوره فإن رضي وإلا لم يصبه ما يضره»(2). وخلاصة الأمر: إذا لم يجز المالك وقف الفضولي فلا ينفذ تصرفه بلا خلاف، أما إذا أجازه نفذ، وإن ردّه بطل. 3- عدم تصريح الواقف عن جهة وقفه: قد يتعجل الواقف ويوقف عقارا أو بستانا، ولم يتبع ذلك بتصريح عن مصرف الوقف الذي أوقفه، هل هو وقف خيري أم ذري أم لأعيان من الناس يخصهم بريع هذا الوقف ؟! وعليه نص أهل العلم إذا لم يُصرح الواقف عن جهة وقفه، فلا تصرف غلة الموقوف إلا على الفقراء. ولذلك لو وقف شخص أرضه، وسكت عن الجهة التي تُصرف عليه الغلة، فإنها تكون وقفاً على الفقراء. (ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، ص 17). حيث إن مصرف الوقف هم الفقراء، فتصرف لهم إن لم يحدد الواقف غيرهم، فالفقراء أصل في مصرف الوقف، وكذلك لو انقرض الموقوف عليهم، فتعود الغلة على الفقراء. لذا فإن عدم تصريح الواقف عن جهة وقفه، قد يدخل الوقف في إشكالات إن ادعى فئة من الناس أنهم المخصوصون بريع ذلك الوقف أو عينه، لا سيما إذا كان ذلك الإدعاء بعد وفاة الواقف، ولم ينص في وثيقة وقفه الفئة المستفيدة من هذا الوقف. والأنفع للوقف، استشارة الواقف أهل العلم والاختصاص بشأن وقفه قبل أن يوقف، حتى تكون خطواته للوقف صحيحة وافية لأفضل طرق إدارته وسبل مصارفه. 4- الوقف على الأغنياء وحدهم فيما يحتاجه الفقراء: الوقف يصح على الفقير والغني، وهذا ما أجازه أهل العلم، واستدلوا بفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه: «حين أوقف بئر رومة وجعل دلوه مع دلاء المسلمين ليستفيد من ذلك الماء العذب؛ حيث يدخل الأغنياء في هذا الوقف تبعاً للفقراء، واشترطوا لذلك الآتي: مادام الوقف فيه براً ومعروفاً». (أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمدة الكبيسي 1/402). أما أن يوقف للأغنياء فيما لا يحتاجونه ولا ينتفعون به فهو وقف خرج عن مقاصد الوقف في الشريعة الإسلامية، وكذلك وقف الماء على الأغنياء فقط ويحرم منه الفقراء فهذا مما لا يصح. ومثاله يصح وقف الأدوية على الفقراء والأغنياء، فيدخل الأغنياء في هذا الوقف تبعاً للفقراء، ولكن وقف الأدوية على الأغنياء وحدهم لا يصح(3). ويشترط الأحناف- في الجهة الموقوف عليها – أن يكون الوقف عليها قربة، أي يكون براً يتقرب به إلى الله ويرجى الثواب عليه، وعلى هذا في مذهب الحنفية: فإن الوقف على الأغنياء وحدهم لا يصح؛ لأنه ليس بقربة. أما إن جعل الوقف على الأغنياء ومن بعدهم الفقراء، أي جعل آخره للفقراء، فإنه يكون قربة في الجملة. وهنالك أوقاف يستوي فيها الأغنياء والفقراء، كالمساجد والمدارس والمنافع العامة، فتوقف لينتفع منها الجميع. 5- عدم انتفاع الواقف بوقفه: نص العلماء بجواز انتفاع الواقف بوقفه، مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في وقفه بئراً في المدينة المنورة؛ حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كأحد دلاء المسلمين، ووقف أنس رضي الله عنه داراً له في المدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره. ففي الحديث الموقوف عن ثُمَامة، عن أنس: «أنه وقَفَ دارًا بالمدينة، فكان إذا حج مرَّ بالمدينة، فنزل دارهُ». السنن الكبرى للبيهقي (6/161). وفتح الباري (7/24). وعقد البخاري في كتاب الوصايا، باباً أسماه: (إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين) وذكر وقف أنس رضي الله عنه : «ووقف أنس داراً، فكان إذا قدم نزلها» صحيح البخاري، برقم 2778. وعلق ابن حجر على فعل أنس رضي الله عنه بقوله: «وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتًا». فتح الباري (7/25). وقال أهل العلم بجواز شرط الواقف لنفسه منفعة من وقفه، وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز. فمن وقف مسجداً يكون هو وأولاده من جملة المصلين، ومن وقف معهداً أو مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم فيكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة، فمنفعة الوقف ليست قاصرةً على الفقراء وحدهم، بل تتعدَّى ذلك إلى أهدافٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ، وأغراضٍ خيّرةٍ شاملةٍ. الهوامش: 1 -انظر: البحر الرائق: (6/160). 2 - مجموع الفتاوى: (20/580، 578)، (29/249)، (31/386)، الفتاوى الكبرى: (5/140). 3- ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، على أفندي، ص 121. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (5-10) حصر الوقف في المساجد فقط مما يتبادر إلى أذهان الكثيرين، حينما نتكلم عن الوقف، أن يكون محصوراً في المساجد ، وحصر الوقف في الأمور التعبدية فقط، وهذا تحجيم لمقاصد الوقف وغاياته وسماته ، وتحجيم لدوره المجتمعي والتنموي . فالوقف الإسلامي من خصائصه وميزاته التنوع، فهو نظام إسلامي واسع شرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وشمل كل مناحي الحياة التعبدية والتعليمية والثقافية والإنسانية والإرشادية والمعيشية والإغاثية، فهو يلبي الحاجات المادية، من: مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعلاج، والحاجات المعنوية، من: تعليم وتثقيف وتطوير، والحاجات النفسية، من: إدخال السرور، ومعالجة مشكلة الفقر، والوفاء بحاجات المجتمع، ومن أبرز سماته الاستمرارية والديمومة . نعم، بناء المساجد من أبرز الأوقاف وأدومها، ولكن حاجات المسلمين تتعدد، فالوقف ليس بناء مساجد فقط، وليس محصوراً فيه. فأفضل الوقف ما كان أكثر نفعاً في زمنه، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ومدى الحاجة إليه، فأفضله ما عمّ نفعه ودام ظلّه، جاء في (إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف): «إن أفضل الأوقاف وقف شيء، يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(1).جاء بالسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته». والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، التي تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله -تعالى- على عباده ورحمته بهم أن فتح لعباده أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة. لذلك ينبغي للواقف أن يستشير من يثق بدينه وعلمه وخبرته واطلاعه على أفضل الوقف في زمنه . 2- وقف المجهول: اشترط العلماء لصحة الوقف أن يكون الوقف معلوماً علماً ينفي الجهالة عنه، منعاً للنزاع، وقد عقب ابن حجر على قول البخاري : «إذا وقف أرضاً» على أن تكون الدار المراد وقفها ملكٌاً صرفاً له وأنها ليست مرهونة ولا محجوزة. فقد اشترط الفقهاء للموقوف أن يكون معلوماً، إما بتعيين قدره كوقف دَوْنم (وحدة مسافة) أرض (ألف متر مربع) أو بتعيين نسبته إلى معين كنصف أرضه في الجهة الفلانية. فلا يصح وقف المجهول؛ لأن الجهالة تفضي إلى النزاع. كالذي يقول: وقفت بعض عقاراتي في المدينة، ولم يحدد عين تلك العقارات وعددها ومساحتها وأماكنها. فيشترط لصحة عقد الوقف أن يكـون الموقوف معلوما حـين الوقـف؛ فلا يصح وقف المجهول . قال في (المحرر): ولا يصح وقف المجهول. قال أبو العباس: المجهول نوعان مبهم ومعين، مثل: دار لم يرها فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته فأما الوقف على المبهم فهو شبيه بالوصية له، وفي الوصية روايتان منصوصتان مثل: أن يوصي لأحد هذين أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم، ووقف المبهم مفرع على هبته وبيعه وليس عن أحمد في هذا منع ويصح الوقف على أم ولده بعد موته. وهذا يختلف عن وقف المشاع كفعل عمر رضي الله عنه حين أوقف مئة سهم من خيبر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن القصد بالوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والمشاع كالمقسوم في ذلك . الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي، كتاب الوقف. 3- وقف ما لم يُملك ملكاً تاماً: يشترط لصحة الوقف أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ساعة وقفه ملكاً باتاً، لا ينازعه فيه أحد، وألا يكون محجوزاً عليه، أو مرهوناً لأي جهة . وهذا ما اتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالاً متقوماً، معلوماً، مملوكاً للواقف ملكاً تاماً، أي لا خيار فيه. أي أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف حين وقفه ملكاً تاماً: أي لا خيار فيه؛ لأن الوقف إسقاط مِلْك، فيجب كون الموقوف مملوكاً. جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: أن الواقف لا بد أن يكون مالكاً له وقت الوقف ملكاً باتاً. (حاشية ابن عابدين ج3، ص 497). وعند أبي حنيفة : من اشترى شيئاً بعقد بيع فيه خيار للبائع ثلاثة أيام، ثم وقفه في مدة الخيار، لم يصح الوقف؛ لأنه وقف مالا يملك ملكاً تاماً؛ لأن هذا البيع غير لازم (1). (البدائع): 220/6، (الدر المختار ورد المحتار): 393/3، 395. فلا يصح وقف عقارٍ أو بستانٍ ولم يتمكن الواقف من ملكه ملكاً تاماً، كالعقارات المملوكة للدولة، مثل: الشاليهات والقسائم الصناعية، والمزارع التي توزع على المواطنين للانتفاع بها؛ لأن من شروط الوقف أن يكون الشيء الموقوف ملكاً تاماً للواقف، والشاليهات ليست مملوكة لهم، ومن ثم لا يملك المنتفع بها أن يوقفها وقفاً شرعياً؛ لأنها غير مملوكة له . ولهذا يشترط أن يقدم للقاضي أصل الوثيقة الدالة على ملكيته للعقار. 4- الوقف لما هو منقطع : كأن يقف على ما انقطع من الأعمال، كالنساخ الذين تحبس لهم الأوقاف ليصرف من ريعها لنسخ الكتب ونشر العلم، وبعد ظهور المطابع أضحت هذه المهنة منعدمة . وكذلك كالذي يوقف على ولده وليس له ولد، وكالذي يوقف على رجل بعينه ولم يزد، فهو قد يموت فيصير الوقف منقطعاً، والأصل في الوقف أن يكون مؤبداً. وللخروج من الخلاف، قال أهل العلم على الواقف أن ينص في وقفه على عدم الانقطاع فإن كان الوقف لأبنائه – مثلاً – يقول: وقفت على أولادي وبناتي ثم على الفقراء. أو يقول : وقفت على ولدي – إن كان ولده الوحيد – ثم على الفقراء . والحنابلة يرون جواز الوقف على جهة يتوهم انقطاعها ومصرف الوقف المنقطع إلى المساكين، وفي رواية ثانية يصرف إلى أقارب الواقف . انظر: (المغني بهامش الشرح الكبير) (2/217) . وعلى الواقف أن يحرص كل الحرص أن يكون وقفاً نافعاً ومستمراً في عطائه، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «الوقف من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم.. وأفضله: أنفعه للمسلمين»(2). 5- وقف ما لا منفعة فيه: اشترط أهل العلم للوقف أن يكون فيه منفعة، فأما ما لا منفعة فيه فإنه لا يصح وقفه، كالذي يوقف حماراً هرماً، فهذا لا منفعة فيه؛ لأنه لا يركب ولا يحمل عليه، وإنما يؤذي بنفقته، فهذا لا يصح فيه الوقف؛ لأنه ليس فيه منفعة.أو كالذي وقف عَبْدٍ حُكِمَ عليه بالقتل بعد شهر مثلاً . واشترط أهل العلم أن يكون الموقوف ينتفع به مع بقاء عينه، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه. ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه. (الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الحادي عشر الشيخ محمد صالح بن عثيمين). فالوقف حفظ للمال، وضمان للبقاء، ودوام الانتفاع، وفيه من الخير الكثير، فهو امتثال لأمر الله -تعالى- في الإنفاق والتصدق والبذل في سبيل الله، ومنفعة الآخرين، وامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حثه وتوجيهه للصدقة والوقف الذي تتحقق فيه المنفعة للبلاد والعباد . فعلى الواقف أن يجتهد ليكون وقفه أكثر نفعاً في زمنه، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا باستشارة أهل الاختصاص والأخذ بتوجيهاتهم، سلامة للوقف من الخلل والنقص، وإبعاد له عما يفسده. الهوامش: 1 - إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف، عمر حلمي، ص5، إسطنبول 1307هـ . 2 - منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، باب الوقف، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ص 62-63. اعداد: عيسى القدومي
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-07-2024 الساعة 01:57 AM. |
#6
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (6-10)إهمال عمارة الوقف وترميمه إهمال عمارة الوقف أو ترميمه أو إصلاحه يؤدي إلى خرابه وهلاكه، وقد أجمع الفقهاء على أن العمارة هي أول واجب يلقى على عاتق الناظر أو القيم على الوقف، وعمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين سواء في الوقف الخيري أم الأهلي؛ لأنها تؤدي إلى دوام الانتفاع بالوقف وعدم تفويت منفعة من منافعه. ولحماية للأصول الوقفية ورعايتها وضمان استمرار عطائها، نص العلماء والفقهاء على أن تُصرف غلة الوقف على عمارته أولاً. قال الإمام النووي : «وظيفة المتولي العمارة، والإجارة، وتحصيل الغلة، وقسمتها على المستحقين، وحفظ الأصول والغلات»(1)، وجاء في الإسعاف: «أول ما يفعله القيم في غلة الوقف البداءة بعمارته، وأجرة القوام وإن لم يشترطها»(2)؛ سواء شرط ذلك الواقف أم لا(3) . فيجب على الناظر القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته، وفي مقدمة ذلك بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة حفظا لعين الوقف من الخراب والهلاك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “ويدار في الوقف مع المصلحة؛ حيث كانت”(4). فيعمل بما هو في مصلحة الوقف، ويُحرص على عمارته وترميمه لجعله صالحاً محققاً لمقصد الواقف في النفع. وقد قرر ابن عابدين قاعدة جليلة في الموضوع؛ حيث قال: «عمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين»(5). ونص ابن نجيم على أنه لو شرط الواقف استواء العمارة بالمستحقين لم يعتبر شرطه، وإنما تقدم عليهم(6). ترك الوقف بلا ناظر أو متولٍ يتولاه: من الأخطاء التي قد يقع بها بعض الواقفين، ترك وقفه بلا نظارة ترعاه وتنميه، ويؤدي ذلك إلى إضعافه، بل وتجرأ بعض ضعاف النفوس للتعدي عليه واستغلاله، فلا بد للموقوف من متول يدير شؤونه ويحفظ أعيانه، وذلك بعمارتها وصيانتها، واستثماره على الوجه المشروع، وصرف غلته إلى مستحقيه على مقتضى وثيقة الوقف، والدفاع عنه والمطالبة بحقوقه، كل ذلك حسب شروط الواقف المعتبرة شرعاً(7). والمقصود من الوقف هو انتفاع الواقف والموقوف عليه، انتفاع الواقف بما يحصل عليه من الأجر والثواب من الله تعالى في الدنيا والآخرة، وانتفاع الموقوف عليه بما يحصل عليه من المال أو المنفعة التي تندفع بها حاجته، ولا يتحقق ذلك إلا ببقاء العين الموقوفة على حالٍ ينتفع بها، والسبيل إلى ذلك هو الولاية التي تتوفر فيها الشروط والأحكام المعتبرة لذلك شرعاً. والتولية على الوقف أمر واجب، للمحافظة عليه من التلف والضياع والتعطل. ويشترط فيمن يتولى النظر على الوقف جملة من الشروط وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة والكفاية والحرية، وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه بما فيه المصلحة، أي القدرة على القيام بشؤون الوقف. ووظيفة الوالي على الوقف حفظ عين الوقف، والقيام بشؤونها، وتنفيذ شرط واقفها، وكل ما يتعلق بحماية العين عن الهلاك أو التعطل، وصيانتها، وعمارتها، ورعاية غلتها، والاجتهاد في تنميتها، وتحصيل الغلة وتوزيعها على مستحقيها، ودفع كل ضرر متوقع عن عين الوقف. اشتراط شروط لا تصح : شروط الواقفين هي المحور الأساسي الذي يدور حول تحقيق المقصد المطلوب من الوقف، وهو تنفيذ غرض الواقف من وقفه وإيقاعه موقعه بضوابطه الشرعية المعلومة. وعدم استشارة الواقف أهل الاختصاص قبل أن يوقف، قد يوقعه في كتابة اشتراطات باطلة في وثيقة وقفه، بعضها قد ينافي لزوم الوقف وتأبيده، كأن يشترط الواقف حق التصرف في الوقف بالبيع، أو الهبة، أو أن يعود الوقف إلى ورثته بعد موته، أو تؤول ملكيته إليهم عند الحاجة والعوز. فشروط الواقفين تنقسم من حيث الحكم عليها بإجماع العلماء إلى صحيحة، وباطلة تضرب الوقف أو الموقوف لهم، ولكنها غير مبطلة للوقف ولا يعتد بها، كاشتراط الواقف لعائد يدفعه الموقوف عليه نظير ما يناله من غلة الوقف، أو اشتراط عدم عزل الناظر ولو كان خائنًا، أو اشتراط ألاّ يستبدل بعين الوقف غيرها ولو صارت خربة، فعند بعض الفقهاء يكون الوقف صحيحًا، والشرط باطلاً ولاغيًا. والشروط الصحيحة واجبة الاعتبار لا يجوز مخالفتها إلا لضرورة بإجماع الفقهاء، أو لمصلحة راجحة للوقف أو للمستحقين عند بعض العلماء. يقول ابن القيم في أعلام الموقعين: “ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعة، وللمكلف مصلحة، وأما ما كان بضد ذلك لا حرمة له كشرط التعزب والترهب المضاد لشرع الله ودينه، فإنه تعالى فتح للأمة باب النكاح بكل طريق ، وسد عنهم باب السفاح بكل طريق، وهذا الشرط باطل لذلك ; فإنه يسد على من التزمه باب النكاح، ويفتح له باب الفجور ، فإن لوازم البشرية تتقاضاها الطباع أتم تقاض، فإذا سد عنها مشروعها فتحت له ممنوعها ولا بد. وقف ما لا ينتفع فيه في زمنه : كأن يوقف الواقف وقفاً بعيداً عن حاجات الناس وأماكن تواجدهم، فيشق الوصول له، كالذي يبني مسجداً بعيداً لا يستطيع المصلين الوصول له إلا بشق الأنفس، وكذلك من يقيم مسجداً في حيٍ لا يسكنه المسلمين، كحي للنصارى أو للدروز، فلا يَعمر بالمصلين ولا تقام فيه الجمعة والجماعة. أو كالذي يوقف أرضاً لتكون مقبرة وهي في واد سحيق يشق الوصول لها لدفن الموتى والمشي في الجنازة لوعورة الأرض، أو كالذي يحفر بئراً يستحيل الوصول له أو تكون تكلفة الوصول له ونقل الماء أعلى من تكلفة الماء . وهذا من وقف ما لا منفعة فيه، أو وقف ما لا ينتفع به إلا بعد سنوات أو قد لا يتحقق الانتفاع به في زمنه، فالأصل أن تدرس جدوى المشروع الذي سيوقف، ليتحقق نفعه في زمنه ويدوم نفعه لأجيال عديدة وقرون طويلة . فالوقف شرع لتحقيق أهداف سامية، ومقاصد نبيلة، لحفظ الحياة الكريمة ومتطلباتها وضروراتها، وأفضله ما كان أكثر نفعاً، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان، ومدى الحاجة إليه، جاء في « إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف»: «إن أفضل الأوقاف وقف شيء، يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(8).فأفضل الوقف، أبقاه وأعمه نفعاً، وأشده احتياجاً. فعلى الواقف أن يحرص على النفع من وقفه وأن يستمر معه النفع للموقوف له. إهمال ما ينبغي أن تحتويه وثيقة الوقف: ينبغي على الواقف أن تحوي وثيقة وقفه أو حجة وقفيتة على عناصر سبعة، وهي كالآتي : 1 – المقدمة أو الاستهلال: تتضمن البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله[، وذكر بعض الآيات والأحاديث الشريفة الدالة على عمل الخير. 2 – التوثيق: إثبات اسم القاضي الشرعي واسم الواقف وتاريخ تحرير الحجة واسم المحكمة الشرعية. 3 – الشهود: وهم الجماعة الذين حضروا واقعة تحرير الحجة لغرض التعريف بالواقف. 4 – صيغة الوقف: الصيغة التي تحدد الممتلكات الموقوفة وتعينها . 5- أغراض الوقف ومصارفه: تحديد المنتفعين من الوقف. 6- شروط الواقف: المتعلقة بالنظارة، وإجراءات صرف الغلة أو العائد. 7 – الخاتمة: يذكر فيها لزوم الوقف وتحذر من الاعتداء عليه أو انتهاك حرمته. والخاتمة تحتوي أيضا على ختم القاضي وتوقيع الواقف والشهود والتاريخ ومحرر الحجة أو الصك وما يتعلق بذلك. ولا يتأتى ذلك إلا باستشارة المختصين في مجال الوقف وتوثيقه، وما ينبغي أن تتضمنه وثيقة الوقف بوضوح لا لبس فيه، لتقطع التنازعات سواء من أهل الواقف أو الموقوف عليهم . الهوامش: 1 - روضة الطالبين، للنووي، ج5، ص 348. 2 -الإسعاف، للطرابلسي، ص60. 3 -انظر: روضة الطالبين،للنووي، ج5، ص 348؛ مغني المحتاج، ج2، ص394، والإسعاف للطرابلسي ، ص60 4 - انظر: فتاوى شيخ الإسلام 31/238، 261. 5 - ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، ج4 ، 367. 6 - ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص 201. 7 - روضة الطالبين 5/348. 8- إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف، عمر حلمي، ص5، اسطنبول 1307هـ. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (7-10) الوقف على من ليس أهلاً للتملك يلزم أن يكون الموقوف عليه يملك ملكاً ثابتاً، وأن يكون أهلاً للتملك، فلا يصحُّ الوقف إلا على أهل أن يتملك ذلك الموقوف، فلابد أن يكون الموقوف عليه يملك ملكاً ثابتاً، فلو قال: بيتي وقف على الملك جبريل فلا يصح، فلو قال بيتي وقف على الجني فلان فلا يصح، وكذلك لا يصح الوقف على الحمل، فلو قال بيتي وقف على حمل فلانة فلا يصح؛ لأن الحمل لا يملك ملكاً ثابتاً، لكن لو قال أوقفت على أولادي هذا البيت وكان من بين أولاده حملاً في بطن زوجته فيدخل الحمل تبعاً للقاعدة (يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلاًلاً). وبهذا قال النووي : «لا يصح الوقف على من لا يملك، كالجنين». (انظر: روضة الطالبين، ص 317) . وفي المغني لابن قدامة: «ولا يصح الوقف على من لا يملك ، كالعبد القن «القِنُّ هو العبد الذي كان أبوه مملوكا»، وأم الولد، والمدبر «هو العبد الذي وعده سيده بأن يعتقه إذا مات»، والميت، والحمل، والملك والجن والشياطين . قال أحمد فيمن وقف على مماليكه: لا يصح الوقف حتى يعتقهم؛ وذلك لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك . ولا يصح الوقف على مرتد، ولا على حربي; لأن أموالهم مباحة في الأصل ، ويجوز أخذها منهم بالقهر والغلبة، فما يتجدد لهم أولى . وكذلك لا يصح الوقف على بهيمة بعينها؛ لأنها ليست أهلاً للتملك، ويستثنى الوقف على مصالح الدواب النافعة، كالخيل المسبَّلةِ في الثغور؛ لأنه في الحقيقة وقف على مصالحها التي هي جهة قربة. كما يصح الوقف على حمَام مكة كما في الوسيطِ(1)، وتبِعَه ابنُ الرِّفعَةِ فقَالَ: «إطعَامُ حمامِ مكَّةَ مِنْ فرُوضِ الكفَاياتِ، فيكُونُ الوقفُ عَليها كَأنه وقفٌ عَلى مَنْ يجبُ له الإطعَامُ». منع المرأة أن تكون ناظرة على الوقف: يجوز أن تكون المرأة ناظرة على الوقف، وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أوصى بأن تكون ابنته حفصة -رضي الله عنها- ناظرة على وقفه الذي أوقفه في خيبر، وتولاه عمر ثم جعل الولاية من بعده لابنته حفصة بعد موته. جاء في الحديث الموقوف - الذي فيه كتاب صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي أوقفها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما ملك أرضاً في خيبر- عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، أن ثمغا وصرمة ابن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه». أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2879)، فقد أوصى عمر رضي الله عنه إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر لتولي ذلك الوقف من بعده، وهذا تخصيص لحفصة – أم المؤمنين - دون إخوتها وأخواتها في النظارة على وقف عمر رضي الله عنهما، وفيه دلالة على رجاحة عقلها وحسن إدارتها رضي الله عنها؛ فالذكورة ليست شرطاَ لصحة النظارة على الوقف(2)، فيجوز أن تتولى المرأة نظارة الوقف . عدم قطع النزاع فيمن سيتولى نظارة الوقف: الكثير من المنازعات التي تحصل في الأوقاف، تبدأ في النزاع حول الأحقية في النظارة، وفي ترك الوقف بلا ناظر إضاعة له، وكذلك جعل التنازع بين الأبناء أو غيرهم من غير حسم أمر النظارة تكون سبباً في إضاعة الوقف والذي سيؤدي حتماً إلى إضاعة المال . وإذا ظهر نزاع ودعوى في أحقية تولية الوقف بين الأبناء فنص أهل العلم على أن يولي القاضي ناظراً على الوقف لحين قطع النزاع وتوجيه توليه؛ لأن التولية على الوقف واجبة إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به، فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»(3). إذن المرأة لمحارمها وموافقتهم قبل أن توقف : لا يشترط موافقة أحد من محارم المرأة على وقفها ، فلها أن تنشئ وقفها الخاص؛ لأن ذلك من حقها فهي المالكة لذلك المال، فالشريعة الإسلامية جعلت للمرأة الحق في الملك ملكاً خاصاً بها، وجعلها صاحبة السلطان في إدارته والتصرف فيه، فأعطى الإسلام المرأة حق التملك وحق التصرف في ملكها بما تشاء: من البيع، والشراء، والهبة، والصدقة، والوصية، والإجارة، والإنفاق، والوقف، والرهن، كما أن للمرأة حق التقاضى والدفاع عن نفسها، وعن ملكها، كما أن للمرأة حق إقامة الدعوى. وفي صفحات التاريخ أخبار تدفع المسلمين رجالاً ونساء على الوقف، والفقهاء من جميع المذاهب استدلّوا بأوقاف النساء من أمّهات المؤمنين وغيرهن- رضي الله عنهنّ- لجواز أنواع من الوقف ولاستنباط بعض الأحكام. فإن كان من حق في التصرف في جميع مالها أو أملاكاً إذا كانت حرة رشيدة ما دام ذلك التصرف في دائرة المباح، من باب أولى إذا كان ذلك في القربات والطاعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته المشهورة أمر النساء أن يتصدقن ولو من حليهن، ولما تصدقن قبل منهن ما تصدقن به؟ ولم يسألهن هل يملكن غير ما تصدقن به وهل استأذن أولياءهن -أزواجاً أو غير أزواج- في ذلك؟ وهذا هو قول جمهور الفقهاء. وما سبق لا يمنع المشورة والتوجيه من المحارم وأهل الاختصاص، حتى يحقق وقفها النفع والاستدامة . الامتناع عن الوقف الذي يخدم الدولة: الامتناع عن الوقف الذي يخدم الدولة أو يظن أنه من اختصاصات الدولة والحكومة، فيمتنع عن وقف المدارس أو المستشفيات أو مراكز التوجيه والإرشاد ومراكز تأهيل الأيتام ورعايتهم والعجزة، أو غيرها من المؤسسات التي تخدم المجتمع ، ظناً منه أن ذلك من واجبات الدولة في توفيرها . وهذا من الأخطاء الشائعة ، ففي العهود الإسلامية كانت دولة الإسلام دولة قوية وغنية، ومع ذلك أوقفت الأوقاف التي تخدم الدولة، وكان لها الدور الأكبر في مواجهة الكثير من التحديات والمشكلات التي واجهت أمتنا الإسلامية عبر تاريخها الحضاري، فأسهم الوقف في كل مناحي الحياة الاجتماعية والعلمية والعسكرية الدعوية والإنمائية . وتاريخ الوقف مليء بأعاجيب ومشاريع تثير الفخر في النفوس، حتى في عهد ازدهار الدولة الإسلامية وفي فترات رخائها وغنائها، تكفلت الأوقاف بمعظم أعباء التعليم الأساسي والجامعي والشؤون الصحية والبنية الأساسية، وصرفت على متطلبات الأمن والدفاع، وأسهمت في تنمية التعليم والدراسة منذ مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة . الهوامش: 1 - انظر: الوسيط في المذهب 4/256. 2 - ينظر: الإسعاف ص(53)، والفتاوى الهندية 2/408، و مواهب الجليل 6/38، وحاشية القليوبي 3/109، وكشف المخدرات 2/47. 3 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/86. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (8-10) اشتراط عدم المشاركة في الوقف الواحد قد يظن الواقف بأن أجر الوقف لا يكتب في صحائفه إلا إذا انفرد بالوقف وحده، مع عجزه – أحياناً - وقلة موارده لإتمامه، ولا شك أن ذلك من الأخطاء فتعدد الواقفين - الوقف الجماعى والمشاركة في الوقف- من المسائل الفقهية الجائزة؛ حيث يقول السرخسى: «ولو تصدق كل واحد منهما بنصف صدقة موقوفة على المساكين وجعلا الوالى لذلك رجلا واحدا فسلماها إليه جاز». ويؤكد ذلك بقوله «فلقد صار الكل صدقة واحدة مع كثرة المتصدقين»(1). والوقف الجـماعي صـورة من صـور التـعـاون على البـر والتـقــوى، وفـيـه تجــمـيع للأسهم وللحصص الصغـيرة وجعلها في صندوق أو محفظة لتوقف مجتمعة لخدمـة مشـروعات الخيـر المتعددة. ولا شك أن ذلك يشـجع علـى الوقـف بين قطـاعــــات عــريضــة من النـاس ويؤمن مـصادر لتـمويل مـشروعـات الخير. ومن أهم مشكلات الوقف فى العصر الحاضر قلة إنشاء أوقاف جديدة، ومن أسباب ذلك أنه استقر فى الأذهان أن الواقف لابد أن يكون ثريا جدا، وأن الوقف يجب أن يكون بمال كثير تعجز عنه إمكانيات الكثير من المسلمين الآن الذين يرغبون فى الصدقات الجارية بالوقف، وبذلك يمكن إنشاء صندوق وقفى لغرض خيرى ودعوة العديد من المسلمين للإسهام فى تكوين مال الوقف اللازم له استنادا إلى جواز مسألة تعدد الواقفين والغرض واحد (2). خلط مال الوقف بمال غيره: ينبغي أن تكون أمور الوقف واضحة جلية؛ فالوقف له ذمة مالية مستقلة عن غيره، والخلط في ذلك يضيع حقوق الوقف، وحقوق الموقوف عليهم؛ فإذا ما اختلط مال الوقف بمال غيره من غير تفصيل سهل على البعض الاعتداء عليه، والادعاء بادعاءات باطلة، فلا بد أن تكون أصول الوقف واضحة محددة وموثقة ومشهوداً عليها، بوثائق تثبت الوقف وشروطه وطرق إدارته. فالواقف ذمته مستقلة عن ذمة الوقف، فمتى ما أوقف الوقف فإن الموقوف يخرج من ملك الواقف، لذا تعتمد آلية الوقف حقيقة على المحافظة على رأس مال الوقف، وصرف الغلة والربح والثمرة للموقوف عليهم في مختلف وجوه الخير والمصالح العامة. فيجب على ناظر الوقف، سواء كان الواقف أم غيره، وسواء كان قاضياً أم متولياً أوم ديواناً أم نظارة أم وزارة، أن يحافظ على أصل الوقف مادياً (وهو الحفظ المادي) كحفظ العين العقارية الموقوفة، أو المال النقدي، أو المال المنقول، أو المال المتمثل بالمنافع، كما يجب عليه حفظ وثيقة الوقف التي تم توثيق الوقف بها (وهو الحفظ المعنوي)؛ لأن الوقف خرج عن ملك الواقف إلى ملك الله تعالى «عند الجمهور» فلا يحق لأحد التصرف فيه، ولا يجوز الاعتداء عليه، أو الغصب، أو وضع اليد، إلا بطريق شرعي مأذون فيه(3). وقف الأرض المغتصبة: وتلك من طرق التحايل علي الوقف، بأن يغتصب ضعاف النفوس أرضاً أو بيتاً ثم يوقفوه ويجعلوا ريعه على أنفسهم وذراريهم؛ أو يضعوا أيديهم أيضاً على أراضٍ مشاعة ثم يتحايلوا بصياغة وثائق ويجعلوها وقفاً على مصارف تعود عليهم بالمنفعة كما يريدون. واجتهد العلماء والفقهاء في تنبيه العامة والخاصة على حرمة التعدي على الأوقاف، واجتمعوا على أن الاعتداء وغصب العين الموقوفة محرم؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم ذلك، ومنها قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190). وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أخذ شبراً من الأرض ظلماً فإنه يطوق يوم القيامة من سبع أرضين» (4). ونص العلماء إذا كانت العين المغصوبة موجودة في يد غاصبها، وجب ردها بلا خلاف بين العلماء، لعموم وجوب رد العين المغصوبة (5). ودليل ذلك: ما رواه سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (6). تبديد الأصول الوقفية: وذلك بان يقترض من أجل الوقف، ولا يسدد هذا القرض، فيتحمل الوقف أعباء الديون مع قلة إيراداته، وهذا استغلال للوقف وتحميله مالا يحتمل. وفي الموسوعة الفقهية: «أما الاستقراض على الوقف , فهو جائز لداعي المصلحة». فالاستدانة على الوقف لا تجوز إلا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف كتعمير وشراء بذر فتجوز بشرطين: الأول إذن القاضي. الثاني: أن لا يتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها. قال في شرح البهجة: ولا يجوز أن يأخذ من مال الوقف شيئا على أن يضمنه، فإن فعل ضمنه، وإقراض مال الوقف كإقراض مال الصبي. ومن صور تبديد الأصول الوقفية إقراض مال الوقف بدون ضوابط، وللفقهاء أقوال في ضوابط إقراض مال الوقف، وإجازة البعض بضوابط وشروط دقيقة منها أن يكون في إقراضه أكثر حرزا لمال الوقف، وأن يكون ذلك عند الضرورة، وأن يكون ذلك من قبل القاضي أو بإذنه للناظر، وأخذ رهن عليه، وأن يكون المستقرض ذا أمانة وخلق ومتكسبا قادرا على السداد. وصورة أخرى لتبديد الأصول الوقفية المضاربة غير الآمنة التي تضيع أصول الوقف ونقده، وذلك في الدخول في مضاربات نسبة المخاطرة فيها عالية، بل ويكون القصد من ذلك أحياناً تنفيع بعض المقربين أو من تجمعهم مصالح مشتركة، كأخذ نسبة من ذلك الربح، وغير ذلك من أوجه التهاون في مال الوقف. التسويف والتردد في الوقف: الوقف فضل من الله - سبحانه - على عباده، الموفق من وفقه الله إلى الخير، ومن أعظم مسالك البر والقربة، وأجل الطاعات، الوقف الذي تجري معه الحسنات في الحياة وبعد الممات. فمتى عزم الواقف واستخار واستشار، فلا يؤجل وقفه، ويمضي فيه، ويوثقه، ويُشهد عليه، فلا يدري ما يطرأ عليه في قادم أيامه، أو بعد مماته، هل يمضي ورثته ذلك الوقف، أم سيجدون المسوغات لتعطيله؟! فإقرار الوقف والمضي في حبسه توفيق من الله تعالى لعبده، قال جابر الأنصاري رضي الله عنه: «لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف»(7). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّكُمْ مالُ وارثِهِ أحبُّ إليهِ مِنْ مالِهِ؟»، قالوا: يا رسولَ الله! ما منَّا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليْهِ! قال: «فإنَّ مالَهُ: مَا قدَّم، ومَالُ وارثِه: ما أخَّر»(8). فمال العبد في الحقيقة هو: ما قدم لنفسه ليكون له ذخراً بعد موته، وليس ماله: ما جمع فاقتسمه الورثة بعده، فالذي يخلفه الإنسان من المال وإن كان منسوباً إليه؛ فإنه بانتقاله إلى وارثه يكون منسوباً للوارث. والوقف خير استثمار؛ وإن فنيت الأعمار. الهوامش: 1- المبسوط للسرخسى: 12/38-39 2- انظر ندوة: التطبيق المعاصر للوقف تجربة صناديق الأوقاف وآفاق تطبيقها في المجتمع الإسلامي في روسيا -الفترة من 14-17/6/2004م بمدينة قازان – جمهورية تتارستان، والورقة المقدمة بعنوان التخطيط والموازنات في إدارة صناديق الأوقاف للدكتور/ محمد عبد الحليم عمر. 3- حاشية ابن عابدين 3/408، 441-444، فتح القدير 6/206، 214، 223، الروضة 5/348، الفقه الإسلامي وأدلته 8/214، 233، الوقف ودورة في التنمية، الهيتي ص48. 4- اخرجه البخاري في صحيحه برقم 2452، ومسلم برقم 4137. 5- انظر حاشية ابن عابدين 6/193، والقوانين الفقهية ص 349، ومغني المحتاج 2/277، والمغني 7/361. 6- أخرجه أحمد في المسند 5/12، وأبو داود في السنن في كتاب البيوع برقم 3561، والترمذي في الجامع في كتاب البيوع برقم 1261. 7- أخرجه أبو بكر الخصاف في «أحكام الوقف»، رقم: (15). 8- أخرجه البخاري في «صحيحه»، في (كتاب: الرقاق، باب: ما قدم من ماله فهو له)، برقم: (6442). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (9-10) الظن بأن الوقف لا ينعقد إلا بالكتابة قال أهل العلم : «ينعقد الوقف بالعبارة أو الكتابة، فإذا كان الواقف عاجزاً عنهما انعقد الوقف بالإشارة المفهمة».والوقف ينعقد بصيغ متعددة وهي كالآتي: - أولاً: اللفظ: ويقصد بذلك العبارة الصادرة عن المتكلم التي تعبر عن إرادته في ترتيب آثاره ولزوم تصرفه. وتكاد تجمع كتب الفقه قديماً وحديثاً على أن صيغة الماضي أصرح الصيغ في الكشف عن إرادة المتلفظ وبيانها بياناً جازماً لا تردد فيه ولا احتمال؛ لأن الشرع قد نقلها إلى الإنشاء مثل: وقفت وحبست وسبلت، كقول الواقف بيتي هذا موقوف ومحبوس. - ثانياً: التعبير بالأفعال: ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد الوقف بالفعل مع القرائن الدالة عليه، مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس بالصلاة فيه، أو مقبرة ويأذن في الدفن فيها، أو سقاية ويأذن في دخولها، جاء في مواهب الجليل: (من بنى مسجداً وأذن في الصلاة فيه فكالصريح؛ لأنه وقف وإن لم يخص زماناً ولا شخصاً ولا قيد الصلاة فيه بفرض ولا نفل فلا يحتاج إلى شيء من ذلك ويحكم بوقفيته. - ثالثاً: التعبير بالكتابة: يجوز التعبير عن الوقف بالكتابة من غير لفظ؛ لأن القلم أحد اللسانين وهي إحدى طرائق التعبير عن الإرادة كالعبارة سواء بسواء. - رابعاً: شهادة السماع: يثبت الوقف بشهادة السماع وبيان مصرفه فإذا اشتهر أن فلاناً وقف على كذا جاز له أن يشهد به؛ لأنه إن لم يجز أدى ذلك إلى استهلاك الأوقاف(1). الثقة المطلقة في كُتّاب وثيقة الوقف : من المشاهد أن أكثر الواقفين يضعون ثقتهم في الكتاب لوثيقة الوقف، ويفوضون لهم تحرير ما يريدون، بل إن بعضهم يطلب من أناس ليسوا من أهل الاختصاص بهذا العلم والدراية بأحكام الوقف وتشريعاته وضوابطه وقوانينه، ولا شك أن يؤدي إلى عاقبة مؤلمة، تخرج الوقف عن مقصده، وتخالف شروط الواقف التي قصدها في وقفه . فلا بد أن يكون الكاتب ذا ضبط ودقة وعناية لتسلم وثيقة الوقف من الأخطاء التي قد تضر بالوقف والموقوف عليهم, وغالباً يحصل ذلك لقلة خبرة الكاتب، ولا بد حين كتابة وثيقة الوقف أن تسلم من الأخطاء التي قد تغير من مقاصد الواقفين، ولعل بعضها يتضمن مخالفات شرعية. وعلى الواقف أن يتحرى تدوين ثبوت الوقف أو تسجيل إنشائه على وجه يحتج به شرعًا، ولا يتم ذلك إلا بالموثق المؤهل الذي توافرت لهم الخبرة التامة بأمور التوثيق والدراية بالمسائل الشرعية، وأحكام القانون الذي يضبط الأوقاف في البلد الذي ينعقد فيه الوقف، حتى لا يؤدي الوقف إلى خلق متاعب وخصومات طويلة ملتوية لا مسوغ لها. • عدم تعيين الوقف : لا يصح الوقف إذا لم يكن العين الموقوفة معيَّنة، فلو وقف إحدى دارَيه، أو إحدى سيّارتَيه من غير تعيين للموقوف، فإن هذا الوقف غير صحيح لعدم بيان العين الموقوفة، وكان قوله هذا أشبه بالعبث، لا بالجد، فلا بد أن يكون الموقوف عيناً معيَّنة. وكذلك يعد في العين الموقوفة أن تكون عيناً موجودة فلا يصح وقف الدين، كقوله: وقفت ما هو لي في ذمة زيد من فرش أو إناء أو نحوهما، أو قال: وقفت فرساً أو عبداً من دون تعيين. فالواقف لا بد أن يكون مالكاً للعين الموقوفة، مختاراً، نافذ التصرف فيها بالعقل وعدم الحجر لسفه أو رق أو فلس. •لا يوقف إلا إن كان غنياً: فهذا ظن الكثير من الناس أن الوقف مقصور على الأغنياء، فلا يوقف ضعيف الحال أو متوسط الدخل في حياته شيئاً، وقد أخبرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن أموراً سبعة يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته»(2). والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، والتي تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الكُلفة والاختيار، وهذا من فضل الله عز وجل على عباده ورحمته بهم أن فتح لهم أبواباً من الخير ما يدوم فيها الأجر والمثوبة. وفي إحداها توريث المصحف، وتوزيع نسخه ووقفها في المساجد والمستشفيات وأماكن الانتظار والتجمعات، أجرٌ عظيم كلما تلا في ذلك المصحف تالٍ، وكلما تدبر فيه متدبر، وكلما عمل بما فيه عامل. وقد هيأ الله عز وجل في عصرنا مؤسسات وقفية تنشر ثقافة الوقف، وترعى الأوقاف، وتجمع الأسهم الوقفية، وتتبنى المشاريع الوقفية، وتيسر للناس سبل الإسهام والمشاركة في المشاريع الوقفية، فيمكن للمسلم مهما كان وضعه المادي أن يجعل لنفسه وقفاً ولو كان غرس نخلة . •وقف الكثير على فئة قليلة من الناس: حيث يوقف الواقف مالاً كبيراً على مصارف ضئيلة، كأن يوقف مجمعاً عقارياً على أولاده، وليس له إلا ولد أو ولدين، أو كأن يوقف على طلبة علم من العلوم لا يدرسه إلا ما ندر من الطلاب وليس للمجتمع حاجة لتخصص الكثيرين في هذا العلم. فالبعض قد ينجذب ويدفعه شغفه واهتمامه في فن من الفنون لأن يوقف له المال الكثير، والفقراء من حوله بأمس الحاجة إلى مد يد العون لهم. فالأولى توسيع مصارف الوقف حتى يشمل التوزيع أكبر عدد ممكن من أهل الحاجة، وهذا من مقاصد الوقف الذي يرعى حاجات المجتمع بكل فئاته، فيبدأ بالفقراء ثم ينتقل إلى غيرهم. الهوامش: 1 - انظر للاستزادة :المغني، لابن قدامة، (6/6-8). 2- أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (2/390)، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» برقم: (3602)، ونحوه في «صحيح الترغيب»، برقم: (73). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: أخطاء الواقفين
أخطاء الواقفين (الحلقة الأخيرة) إهمـــال توثيــق الوقـــف قانـونيــاً في الشريعة الإسلامية ينعقد الوقف ويصح بأحد أمرين: الأول: القول الدال على الوقف، كأن يقول: وقفت أو سبّلت أو حبست أو أبَّدت، وهذه الألفاظ صريحة في أن المتصدق أراد الوقف لعدم احتمال غيره . الثاني: الفعل الدال على الوقف في عرف الناس، فإذا حصل فعل، وصحبه ما يدل على إرادة الوقف، صار وقفاً بذلك،كمن بنى على أرض له مسجداً وأُذن للصلاة فيه، أو من جعل أرضه مقبرة وأَذنَ للناس في الدفن فيها، أو حفر بئراً وسبلها للناس، أو من وضع في المسجد المصاحف والكتب، فتصير بذلك وقفاً لدلالة الحال عليه. وحيث لم تشترط الشريعة الإسلامية (التوثيق) لإنشاء الوقف، ولم تمنع سماع الدعوى به إذ لم يكن مكتوباً؛ لذلك فقد كان من الجائز إثبات الوقف بكافة الأدلة المقبولة شرعاً. دفعاً للإشكالات والمنازعات التي قد تحدث بعد موت الواقف. وقد نصت قوانين تنظيم الوقف في بعض الدول العربية والإسلامية على أن الوقف لا يتم إنشاؤه إلا بإشهاد شاهدي عدل على إنشاء وقفه على يد قاض شرعي، كما نصت على أن الوقف لا يكون حجة على الآخر إلا إذا كان مسجلاً بسجل المحكمة التى بدائرتها العقار الموقوف. وهذا أدعى لتوثيق الوقف قانونياً بتحرير (حجة وقف)، معتمدة من دوائر الدولة؛ حتى تحفظ الأصول الوقفية . يعد الوقف في جميع أحواله مستحبا : الوقف في حكمه العام مستحب، والأصل في استحبابه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(1). وقوله[: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته؛ علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته»(2). والوقف لا يأخذ حكماً واحداً في جميع أحواله، فيكون الوقف مباحاً أحياناً، ويكون الوقف واجباً وفرضاً أحياناً ، كما لو قال أحدٌ : إن داري هذه وقف إذا ما عاد ابني من غربته، أو إذا ما شفيتُ من مرضي ، فشفي من مرضه ، وعاد الابن من غريته لزم على القائل وقف داره، وفاءً بنذره. ( انظر: ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، على أفندي، ص 110) . فهو ليس في كل الوقت مخيرا في إمضائه وانعقاده، فإن تعلق بنذر وجب الوفاء به إن تحقق النذر، وترك الوفاء به محرم، إلا نذر المعصية، لقوله صلى الله عليه وسلم : «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». وقف الصبي الصغير الذي لم يبلغ الحلم: من شروط الوقف كي يكون صحيحًا: أن يكون الواقف حرًا مالكًا عاقلا بالغًا غير محجور عليه بسفه أو غيره. وعليه فلا يصح وقف الصبي مميزاً كان أم لا ، ومثله وقف المجنون، والمديون ، والمحجور ، والعبد ، إلا إذا أذن له مولاه بالوقف(3). وقد اشترط مشروع قانون الوقف الكويتي في المادة الثالثة منه -ضمن شروط صحة الوقف- ما يلي: «أن يكون الواقف عاقلاً، مختارًا، قد بلغ الثامنة عشرة سنة». فمن شروط إنشاء الوقف، أن يكون الواقف أهلاً للتبرع ، لهذا لا يصح وقف المعتوه أو المجنون أو الصغير مأذوناً كان أم غير مأذون، بناء على أن الوقف كالهبة، والصدقة من قبيل التبرع، وعدم أهلية هؤلاء للتبرع، وعليه فلو وقف أحد هؤلاء القاصرين داره مثلاً على جهة ما، ثم مات، أدخل ورثته الدار ضمن تركته(4) . فيعد في الواقف بالبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه، وفي المقابل يصح الوقف على القاصرين، فلو أوقف رجل داره على صغير أو مجنون، صح ولزم وقفه. وقف المال الموهوب قبل قبضه : نص أهل العلم بعدم صحة وقف الموهوب له للموهوب قبل قبضه، فلا يصح أن يوقف الموهوب له المال الموهوب له قبل قبضه، فيشترط أن يقبض ذلك المال ويكون بحوزته وملكه، ثم يوقفه بعد ذلك، فيصح وقفه بعد قبضه(5). فيشترط قبض الموهوب، وبعد ذلك يتم الوقف، وكذلك أن يكون ممكن القبض، فلا يصحّ وقف ما لا يمكن قبضه، كالدّابّة الشاردة، فلا يتحقّق الوقف إلا حين القبض، ولو مات الواقف قبل القبض بطَلَ الوقفُ وصار المالُ ميراثاً لورثته . وذكر (الخصاف) أيضا أن الموهوب له لا يصح وقفه قبل القبض، فالملك شرط وقت الوقف. الهوامش: 1 - أخرجه مسلم في الوصية، باب: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث برقم (1631). 2- أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب: ثواب معلّم الناس الخير برقم (242). وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 200. 3- ترتيب الصنوف في أحكام الموقوف، على حيدر أفندي ، ص 92. 4 - المرجع السابق نفسه ، ص 113. 5- انظر: ترتيب الصنوف، ص 129 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |