مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" - الصفحة 15 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صفحات مِن ذاكرة التاريخ _____ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 40 - عددالزوار : 15863 )           »          نُعَيم بن خير البكريّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 1519 )           »          الديمقراطية : تعريف وتعليق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          دُرَر مختصرة من أقوال الإمام الشافعي رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          وما الله يريد ظلما للعالمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الوصية بالمداومة على العمل الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          أنفع الطرق للانتصار على الخصوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 123 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 309 - عددالزوار : 56350 )           »          علامات حسن الخاتمة التي تظهر للناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 206 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #141  
قديم 18-08-2024, 01:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (143)
مثنى محمد هبيان



القسم الأول من اللمسات البيانية في آية البقرة 177
﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة: 177]
السؤال الأول:
قوله تعالى في آية البقرة: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ ﴾ [البقرة:177] بالنصب، وقوله تعالى في آية البقرة: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ ﴾ [البقرة:189] بالرفع، فما دلالة الرفع ودلالة النصب؟ وما الفرق بينهما نحوياً؟
الجواب:
1ـ التعبير أصلاً مختلف ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ ﴾ [البقرة:177]: البِرَّ: خبر (ليس) منصوب مقدَّم؛ لأنَّ خبر (ليس) يجوزُ تقديمه، و﴿ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177] مصدر مُؤَوَّلٌ بمعنى التوليةِ في محل رفع اسم (ليس)، وخارج القرآن معناهاليست توليتُكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البِرَّ).
2ـ الثانية: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] لا يصح لغةً في الآية الثانية أنْ يقولليسَ البِرَّ بأنْ).
هذه الباءُ تدخل على الخبرِ مثل (خبرِ ليس، وما، لا، وكان المنفية) ولا تدخل على الاسم، كما في الآيات: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ١٨٢﴾ [آل عمران:182] ﴿ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ٨﴾ [التين:8] و﴿ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ٨﴾ [البقرة:8] والباء لا تدخل على الاسم أصلاً.
3ـ الآية الأولى يمكن أنْ يقال فيها: ليس البرُّ أو ليس البرَّ؛ لأنه يمكن أنْ يكون هناك تقديم وتأخيرٌ، لكنّ الآية الثانية لا يمكِنُ؛ لأنَّه ما دام عندنا (الباءُ)، والباءُ تدخلُ على الخبرِ حتماً مزيدةً للتأكيد ولا تزادُ في الاسمِ، فإذن لا يمكِنُ أنْ ننصبَ (البِرَّ) بسببِ دخولِ الباءِ؛ فاقتضى أنْ تكون الباءُ داخلةً على خبرِ (ليس)، ولا يمكِنُ غيرُ ذلك.
4ـ بشكلٍ عامٍّ يصح أنْ نجعلَ الخبرَ مبتدأً، إذا كنا نجهَلُ الاسمَ ونعرِفُ الوصفَ فنُلحِقُ الاسمَ بالوصفِ ونقولُ: (المجتهد زيدٌ).
السؤال الثاني:
ما الفرق البلاغي بين الصيغتين في الآيتين 177 و 189 ﴿ أَن تُوَلُّواْ ﴾ [البقرة:177] و ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189]؟
الجواب:
1ـ استعملت العربُ الباءَ لتأكيدِ النفيِ، كما استعملت اللامَ في تأكيدِ الإثباتِ نحو: (ما زيد بمنطلق) و (لست بذاهبٍ)، حيث نفي الانطلاق والذهاب، وتستعمل (الباء) عادة لتوكيد النفي، وخاصة عندما يكون النفي له قيمته.
2ـ جاء في سبب نزول الآية 189: أنّ أهل الجاهلية إذا أحرم أحدُهم نَقَبَ خلف بيته أو خيمته نقباً يدخل منه ويخرج، أو يتخذ سلماً يصعد منه سطح داره ثم ينحدر، فقيل لهم: ليس البر بتحرُّجِكُم عن دخول الباب، ولكنّ البر من اتقى، أي أعلمهم أنّ تشديدهم في أمر الإحرام ليس بِبِرٍّ ولكن البِرَّ من اتقى مخالفة أوامر الله، وأمرهم بترك سنة الجاهلية، فقال: ﴿ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ﴾ [البقرة:189].
لذلك جاءت الباء في قوله: ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189] لتأكيد النفي في هذه المسألة، حيث كانت هذه المسألة تشدداً منهم ولم يرد الله أنْ يُشرِّعَ ذلك فأكَّد النفي بالباءِ، لأنَّ ترك المألوفاتِ أشقُّ شيءٍ على النفس.
وجاءت هذه المسألة في سياقِ الآياتِ التي تتكلَّمُ عن الحج ومناسكه بعد هذه الآية، بينما لم يأتِ مثلُ ذلك في الآية 177، فلم يتطلب الأمر التأكيد بالباء، والله أعلم.
3ـ وكأنّ معنى الآية 189، أي: لا تجعلوا المسائل شكلية؛ لأنّ الله يريد أصل البر وهو الشيء الحسن النافع.
السؤال الثالث:
لِمَ قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ [البقرة:177] ولم يقل: وهو يحبه، في قوله تعالى: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [البقرة:177]؟
الجواب:
تأمل كيف قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ ولم يقل: وهو يحبه؛ لأنّ (على) أفادت التمكن من حب المال وشدة التعلق به، فنبّه بها على أبعد أحوال التعلق بالمال، فإذا كنت في حالة شدة حبك للمال تنفقه في سبيل الله وأنت مرتاح النفس، فكيف بك في أحوالك الأخرى؟
السؤال الرابع:
ما دلالة نصب ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ في هذه الآية في قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ ﴾؟
الجواب:
هذا يُسمّى القطع، والقطع يكون في الصفات أو العطف.
وإذا كان من باب الصفات فالقطع يكون للأمر المهم، ويكون القطع في الصفات مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع، والآية موضع السؤال هي من القطع من العطف لأهمية المقطوع.
والمقطوع يكون مفعولاً به بمعنى أخُصُّ أو أمدَحُ ويسمى مقطوعاً على المدحِ أو الذَّمِّ، وفي الآية ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ مقطوعةٌ وهي تعني: أخُصُّ أو أمدَحُ الصابرين، وكأننا نسلِّطُ الضَّوءَ على المقطوعِ، فالكلمةُ التي نريد أنْ نركِّزَ عليها أو نسلِّطُ عليها الضوءَ نقطَعُها.
لذلك (الصابرين): منصوبة ركّز عليها وقطع، ولم يقل: (الصابرون) بحيث تكون معطوفة على (الموفون) بل عطف على خبر (لكنَّ)؛ لأنّ الصابرين يكونون في الحرب والسلم وفي البأساء وهي عموم الشدة، والإصابة في الأموال والضرّاء في البدن والدين كله صبر، فقطع الصابرين لأهميتها.
والصبر هنا له منزلة عالية في البأساء والضراء، فنصبها إشارة إلى تخصص الصابرين وتمييزهم بين المذكورين، وتقديرا لفعل محذوف (أخصُّ الصابرين).
السؤال الخامس:
ما الفرق بين البأساء والضراء في الآية: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ ﴾؟
الجواب:
1ـ البأساء: هي البؤس والفقر والشدة والحرب والمشقة.
2ـ الضراء: هي المرض والأوجاع في الأبدان وما يصيب الأموال أيضاً، والإصابة في الأبدان من مرض وأوجاع، والإصابة في الأموال هي من الضراء.
وهما اسمان على وزن فعلاء، ولا أفعل لهما لأنهما ليسا بِنَعتَينِ.
السؤال السادس:
ما تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ في الآية؟ و لمَ لمْ يقل: لكن البر أنْ تؤمنوا، باعتبار أنّ البر هو الإيمان وليناسب الجزء الأول من الآية الذي أتى بالخبر مصدراً؟
الجواب:
جاء في آية البقرة 177 بالمصدر المؤول (أنْ تولوا = التولية) فافترض بعضهم أنّ يستعمل المصدر في الجزء الثاني من الآية أيضاً ليتناسب مع المصدر في بدايتها، فيقول: ولكن البر أنْ تؤمنوا، وكذلك في الآية الثانية.
وفي لغة العرب يمكن أنْ يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: ﴿ وَسۡ‍َٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ﴾ [يوسف:82]، ففيها مضاف محذوف تقديره: (واسأل أهل القرية) فحذف كلمةَ (أهل) وجعل كلمة (قرية) مكانها، وأخذت موقعها الإعرابيَّ.
فعندما يقول القرآن: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] كأن هذا المتقي صار هو البِرُّ بعينه. فالبِرُّ الحقيقيُّ هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البرُّ هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات.
السؤال السابع:
ما هدف هذه الآية؟
الجواب:
آـ أصل الكلام في الآيتين (177 و 189) هو عن القبلة التي هي أولى بالاتجاه نحوها؟ وفي أيِّ اتجاه يكون البِرُّ؟
والقرآن يريد أنْ يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم ما البِرُّ الحقيقي؛ فقال: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177].
ب ـ نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع ﴿ تُوَلُّواْ ﴾ بمعنى التحول والتحرك، أي: تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة التي تبين لنا أنّ البر يكون ممثلاً كاملاً في هذا الانسان المتصف بهذه الصفات.
ج ـ وتمضي الآية تعدد صفاته:
- الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد.
- ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة.
- والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي: جنس الكتاب.
- والنبيين: استعمل (النبيين) دون المرسلين؛ لأنّ عدد الأنبياء أكثر من عدد الرسل، فكل رسول نبي، وليس كلّ نبيٍّ رسولاً.
_ ثم انتقل إلى المعاملات: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾.
_ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض والزكاة.
_ وبيّن الفئات التي يصلها العطاء وتستحقه، فبدأ بذوي القربى من باب حرصه على الأرحام، وثنّى باليتامى، ثم بالمساكين الذين يحتاج المرء إلى البحث عنهم ليعرفهم، وهذا من التوجيهات الاجتماعية القرآنية في الرعاية المالية، ثم ذكر (ابن السبيل) ليطمئن المسلم على نفسه أنّى كان، فإذا انقطع به المال في سفر فإنّ له حقا في هذا المال، وذكر السائلين «من سأل بالله فأعطوه» فلا يبحث المرء أمحتاج هذا السائل أم لا؟ ما دام يسأل فعليَّ أنْ أعطي إنْ كنت قادراً. والسائلون ليسوا هم المساكين، ثم ختم بالرقاب.
وهذه الكلمة يثيرها بعض من لم يطلعوا على حقيقة الإسلام شبهةً ضده فيقولون: إنّ الإسلام يقر الرق ويدعو إلى العبودية، والحقيقة هي أنّ الإسلام أبقى منفذاً واحداً للرق وهو (رقيق الحرب) ثم فتح أبواباً لإخراج العبد من حالة عبوديته بالصدقات والكفارات والترغيب في العتق، وباباً آخر وهو (المكاتبة) فيحق لكل فرد من الرقيق أنْ يذهب إلى القاضي ويطلب مكاتبة سيده، فيرغمه القاضي على المكاتبة إلى أنْ يتخلص العبد من الرق، وهو من مصارف الإنفاق الطوعي ﴿ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.
ـ ﴿ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ انتقل بعد ذلك إلى تهذيب النفس وصلتها بالله.
ـ ﴿ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ وهذا تأكيد على أنّ الإنفاق المالي المتقدم ليس من الفرض والزكاة، فالزكاة مال تجمعه الدولة وتتولى إنفاقه في مصارفه، أمّا المذكور سابقاً فإنفاق شخصيٌّ يختلف عن هذا، وفي أيامنا تركت دول كثيرة جمع الزكاة إلى الناس أنفسهم وهذا امتحان لهم.
د ـ الحق تبارك وتعالى اعتبر في تحقيق ماهية البر خمسة أمور؛ وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل، وقد خصّ الإيمان بهذه الأمور الخمسة؛ لأنه دخل تحتها كل ما يلزم أن نصَّدق به.والله أعلم.
ملحوظة: القسم الثاني من اللمسات البيانية في هذه الآية سينشر في الحلقة القادمة رقم 144 بإذن الله تعالى.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #142  
قديم 25-08-2024, 03:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (144)


مثنى محمد هبيان





الجزء الثاني من اللمسات البيانية في آية البقرة 177
﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة: 177]
السؤال الثامن:
لِمَ قدَّمَ الملائكةَ والكتبَ في الذكر على الرسل؟
الجواب:
بالطبع لا علم لنا بوجود الملائكة وصدق الكتب إلاّ من خلال صدق الرسل، فكانت الرسل كالأصل في معرفة الملائكة والكتب، كما أنّ هذا الترتيب هو ترتيب الوجود الخارجي لا ترتيب الاعتبار الذهني، فقد وجدت الملائكة، أولاً ثم حصل بواسطتهم تبليغ الكتب إلى الرسل عليهم السلام.
السؤال التاسع:
لم قدّم الإيمان على أفعال الجوارح مثل إيتاء المال والصلاة والزكاة؟
الجواب:
للتنبيه على أنّ أعمال القلوب أشرف عند الله من أعمال الجوارح.
السؤال العاشر:
ماذا تفيد (الواوات) من معنى في الآية؟
الجواب:
هذه الواوات في الآية للجمع، لذلك من شرائط تمام البر أنْ تجتمع هذه الأوصاف معاً.
ولذلك قال بعضهم هذه الصفة خاصة للأنبياء عليهم السلام؛ لأنّ غيرهم لا تجتمع فيه هذه الصفات كلها. وقال آخرون: هذه عامة في جميع المؤمنين.
السؤال الحادي عشر:
ما دلالة انتقال الحديث من الإفراد إلى الجمع في الآية؟
الجواب:
نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة).
ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأنّ (مَن) تجمع الاثنين: الإفراد والجمع، وفي العمل الجماعي ذكر:
1ـ الوفاء بالعهد، ويجوز أنْ نقول: (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يوفون بعهدهم)؛ لأنها تصدق على الواحد والكثرة.
وقد جعل الوفاء بالعهد عاماً ليشمل وفاء المجتمع بالعهد، والفرد جزء من المجتمع، فأي فرد من المسلمين يمكن أنْ يعاهد عن بقية المسلمين، وهم جميعا ملزمون بالوفاء بعهده (يسعى بذمتهم أدناهم).
والوفاء بالعهد ليس سهلاً على المرء في مواطن كثيرة، إذ يصعب على النفس، وقد تشعر أن فيه هضماً لحقها، ونتذكر جميعا كيف كان المسلمون يأتون من مكة إلى الرسول ﷺ فيردهم وفاء لعهده مع المشركين في صلح الحديبية.
2ـ قوله تعالى: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ﴾ جاء باسم الإشارة ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ﴾ للبعيد ليقول: إنّ على المسلم أنْ يسعى ليكون مثلهم ويصل إليهم وإلى هذه الصفات.
﴿ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ والسؤال هنا لم جاء بالضمير ﴿ هُمُ ﴾ ؟
والجواب أنّ ﴿ هُمُ ﴾ [البقرة:177] ضمير فصل يؤتى به ليميز بين الخبر والصفة، وفيه أيضاً معنى التوكيد، ونفي الوصفية التي قد تفهم إنْ حُذف الضمير، فأثبت لهم الخبرية توكيداً وتخصيصاً.
3ـ جاء بعد كل الصفات المتقدمة بوصف المتقين، لأنّ ما ذكره الله عزوجل في هذه الآية من العقائد والأعمال الحسنة،هي برهان الإيمان ونوره، والمتصفون بها هم ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾. والله أعلم.
السؤال الثاني عشر:
ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية لخّصت الدينَ كله، فالحق سبحانه قال في بدايتها:
﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ ﴾:
ثم جاء التفصيل على النحو التالي:
أولاً: من آمن:
1ـ بالله.
2ـ واليوم الآخر.
3ـ والملائكة.
4ـ والكتاب.
5 ـ والنبين.
ثانياً: وآتى المال على حبه:
1ـ ذوي القربى.
2ـ واليتامى.
3ـ والمساكين.
4ـ وابن السبيل.
5ـ والسائلين.
6ـ وفي الرقاب.
ثالثاً: وكذلك:
1ـ وأقام الصلاة.
2 ـ وآتى الزكاة.
3ـ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا.
4 ـ والصابرين:
آ ـ في البأساء.
ب ـ والضرّاء.
ج ـ وحين البأس.
ثم تختم الآية بقوله تعالى:
﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾.
2ـ كانت اليهود تتوجه للمغرب كقِبلة لهم، والنصارى تتوجه للمشرق كقبلة لهم،ويعتبرون ذلك هو البِر، فأنزل الله هذه الآية، فبيّن أنّ البرّ ليس هو أمر القبلة حتى يحدث فيه الخلاف والشقاق، لأنّ التوجه للقبلة هو من الوسائل وليس من المقاصد، وإنما البرّ المطلوب هو الخصال العشر التي تضمنتها الآية، خمس منها في أصول الإيمان والعقيدة وهي:
ـ الإيمان بالله تعالى.
ـ الإيمان باليوم الآخر.
ـ الإيمان بالملائكة.
ـ الإيمان بجميع كتب الله المنزّلة.
ـ الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله.
وهذا في قوله تعالى: ﴿ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ ﴾.
وأمّا الإيمان بالقضاء والقدر فقد جاء في آية القمر: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩﴾ [القمر:49].
وأمّا الخمس الأخرى فتتعلق بالأعمال الصالحة في التعامل مع الناس وهي:
ـ بذل المال قليلاً أو كثيراً لـ: ﴿ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.
ـ أقام الصلاة.
ـ آتى الزكاة.
ـ الوفاء بالعهد والمواثيق.
ـ الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
3 ـ النتيجة: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧ ﴾.
والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #143  
قديم 25-08-2024, 03:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (145)
مثنى محمد هبيان




﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ١٧٨﴾ [البقرة: 178]
تقديم خاص للآية:
بعد بيان الله لخصال البرّ لأهل التقوى والإيمان في الآية السابقة (البقرة 177)، تذكرُ سورةُ البقرة ابتداء من هذه الآية (178) أربعين حكماً تشريعياً، لتحقيق منهج الله في المجتمع المسلم، وهذه الأحكام هي:
وهذه الآية (178) تذكر الحُكم الأول وهو: القِصاص وأحكامه، وبُدىء بهذا الحكم لأنه الأعظم في اختلال الأمن، وأهمية شيوع الأمن في المجتمع، وقد ناطَ الإسلامُ مسألة القصاص بالحاكم، ولم يتركها للناس، حتى لا يعتدي أحدٌ على أحد ظلماً وعدواناً بسبب القصاص.
السؤال الأول:
ما تفسير الآية 178 في سورة البقرة؟ وما الوجه البلاغي في هذا التقسيم؟
الجواب:
هل إذا قتلَ حرٌّ عبداً لا يؤخذ به؟ وإنما يقول: أعطونا ثمنه؟
نقول: في كثير من الآيات ينبغي الرجوع إلى سبب النزول.
يوجد عندنا قاعدة عامة ﴿ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ [البقرة:179] هذه القاعدة العامة.
كان هناك ثأرٌ بين حَيَّينِ من أحياء العرب أسلموا قبل أنْ تُفضَّ المشكلة وأحدهما كان قوياً متجبراً، فقبل أنْ يدخلوا في الإسلام كانوا يقولون - تجبراً منهم-: العبد منّا بالحرّ منهم، والمرأة منّا بالرجل منهم، حتى نصطلح وإلا فالحرب مستمرة، فلمّا دخلوا في الإسلام بقوا على حالهم وعلى قولهم، فنزلت الآية تفيد أن في القصاص حياةً، لكنّ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
وانظروا كم من أحراركم قُتِلَ وأحرارهم قُتِلَ! هذا بهذا والفارق تدفع عنهم الدِّية، وكذلك الأمر للعبيد وللنساء حتى تحل المشكلة، لكن تبقى القاعدة عامة ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ القصاص عامة.
السؤال الثاني:
ما الحكمة من بناء الفعل ﴿ كُتِبَ ﴾ هنا للمجهول في هذه الآية؟
الجواب:
الأمور المستكرهة يبنيها ربُّنا للمجهول ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ [البقرة:183] ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178] ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ ﴾ [البقرة:216].
لذلك نرى أنه في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يُبنى الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل، لكنْ لا ينسبه لنفسه، وهذا خط عام في القرآن.
السؤال الثالث:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ أي: فُرض بسبب قتل القتلى؛ لأنّ الحرف (في) قد يستعمل للسببية؛ كقوله ﷺ «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» والقصاص ليس بفرض، بل الوليُّ مخيرٌ فيه، بل مندوب إلى تركه.
والمراد هنا أنه فُرِضَ على القاتل التمكين، لا أنه فرض على الولي الاستيفاء.
السؤال الرابع:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ ﴾؟ ولِمَ عُدّيَ الفعلُ باللام؟ وما دلالة لفظة (شيء) منكرة؟
الجواب:
آـ المعنى: فمن له من أخيه شيء من العفو.
ب ـ إنْ قيل: إنَّ (عُفِيَ) يتعدَّى بـ (عن) وليس بـ(اللام) فما وجه (فمن عفي له)؟
والجواب: أنه يتعدى بـ (عن) إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوت عن فلان أو عن ذنبه، كما قال تعالى: ﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ ﴾[التوبة: 43]، فإذا تعدى إلى الذنب، قيل: عفوت عن فلان عما جنى، كما تقول: عفوت له عن ذنبه، فكأنّ معنى الآية (فمن عفي له من جنايته)، فاستغنى عن ذكر الجناية.
ج ـ لِم قيل (شيء) من العفو؟
والجواب: أنه إذا كان الحق يتألف من القود والمال، كان له أنْ يعفو عن القود دون المال، وله أنْ يعفو عن الكل فناسب ذكر (شيء) أي: جزء من العفو.
السؤال الخامس:
بأي معنى أثبت الله وصف الأخوة؟
الجواب:
هو أحد الاحتمالات التالية:
ـ الآية نازلة قبل أنْ يقتل أحدٌ أحداً والمؤمنون إخوة قبل الإقدام على القتل.
ـ الفاسق يتوب ويكون ولي المقتول أخاً له.
ـ في النسب: ﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ﴾ [الأعراف:65].
ـ ليعطف أحدهما على الآخر.
ـ الله أثبت الأخوة على الإطلاق بين المؤمنين بدون تقييد بزمان أو مكان.
السؤال السادس:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ وما إعراب ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾؟
الجواب:
آـ قوله ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فحكمه اتباع، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره: فعليه اتباع المعروف.
ب ـ على العافي الاتباع بالمعروف بألا يشدد بالمطالبة، فإنْ كان معسراً فالنظرة إلى ميسرة، وعلى المعفوِّ عنه أداءٌ بإحسان.
السؤال السابع:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾ أي: هذا الحكم تخفيف في حقكم؛ لأنّ العفو وأخذ الدية محرمان على أهل التوراة، والقصاص مكتوب عليهم البتة، والقصاص والدية محرمان على أهل الإنجيل والعفو مكتوب عليهم، وهذه الأمة مخيرة بين القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيراً.
2ـ قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ﴾ المراد: أنْ لا يقتل بعد العفو والدية، أو يقتل غير قاتله أو أكثر من قاتله، أو طلب أكثر مما وجب له من الدية، ويجب أنْ يحمل على الجميع لعموم اللفظ.
السؤال الثامن:
ما فائدة تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ خصّصه بتقديم الجار والمجرور، ونوع خاص من العذاب الأليم، قال النبي ﷺ «لا أعافي أحداً قَتَلَ بعد أخذ الدية» والله أعلم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #144  
قديم 25-08-2024, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (146)

مثنى محمد هبيان



﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة: 179]
السؤال الأول:
ما القيمة الفنية لقوله تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾؟
الجواب:
آـ هذه الآية فيها مقالات طويلة، ولقد كتب مصطفى صادق الرافعي مقالة بعنوان «كلمة مؤمنة في الرد على كلمة كافرة» حيث إنّ بعضهم قال: إنّ العرب تقول: (القتل أنفى للقتل)، فكتب في الفرق العظيم بين قولهم (القتل أنفى من القتل) التي فيها دماء، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ [البقرة:179] التي فيها حياة، والسيوطي ذكر عشرين فرقاً في كتابه «المزهر في اللغة» والرافعي زاد عليه.
ب ـ الآية بتمامها: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة:179]. وكلمة القِصاص مأخوذة من فعل: قصّ يقصّ، وفي الأصل القصّ هو القطع، أو القصّ هو تتبّع الأثر تحديداً، والأثر قد يكون خطاً ومنه قصّ الثوب؛ لأنّ الثياب لم تكن تُقصّ إلا بعد أنْ يوضع عليها خط أين يقصّ، والذي يقص بالمقص هو يتتبع أثراً، والقِصاص من قصّ يقص قِصاصاً ومقاصّة.
ج ـ القِصاص لكم فيه حياة، أي: حياة للمجتمع، وكلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ جاءت نكِرة فأخّرها على سُنّة العرب في كلامها، والإسلام يريد مجتمعاً هانئاً آمناً فذكر القِصاصَ.
د ـ أما مقولة (القتل أنفى للقتل) فهذه مقولة عربية يوازنوها أحياناً بـ ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ [البقرة:179]، ولكن عندما ندقق في الآية نجد سُمُوَّ التعبير ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰة﴾ [البقرة:179].
أما (القتل أنفى للقتل) فيقول بعضهم: إنها كلمة جاهلية، وحتى لو كانت جاهلية فإنها تحمل رائحة الدم، وليس فيها رائحة بناء المجتمع.
وأمّا كلمة ﴿ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ فهي كلمة موجزة، والقصاص فيه حياة للمجتمع، القصاص لم يحدد القتل وإنما هو عدالة، وعندما تقول (قصاص)، أي: أنت تتتبّع الذي فعله المخالِف فتقصّ فعله حتى تعاقبه بمثل فعله، واختصرت بكلمة (قصاص) مهما كان الشخص الذي قتل حاكماً أو سيداً في قومه فيقتل وحده، وبعد ذلك رُخِّص للمسلمين بقبول المقابل أو العدل، والدية هي مقابل القتل.
مقولة (القتل أنفى للقتل) مقولة تتكلم فقط عن القتل، بينما القصاص شامل ذكر كل هذه الأشياء، فضلاً عن أنّ كلمة (القتل أنفى للقتل) كما يقول علماؤنا: خطأ؛ لأنه ليس دائماً القتل ينفي القتل، ففي بعض الأحيان القتل يجلب قتلاً (قتل الظلم، قتل التعدّي) كما يقولون: (ومن يظلم الناس يُظلَم) وليس هكذا مفهوم الإسلام.
هـ ـ ثم كلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ نكرة، والنكرة لها في كل موضع معنى، وفي هذه الآية معناها حياة نبيلة، عظيمة، قيّمة، وعندما نسمع السياق نجده يعطي معنى الحياة السعيدة الهانئة، حياة صِفُوها بما شئتم من أوصاف الخير.
ولاحظ كيف بيّنت هذه الآية على وجازتها حكمة القصاص بأسلوبٍ لا يُمارى وعبارة لا تُحاكى، وكيف نُكِّرت كلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ فلم يقل (الحياة) إشعاراً أنّ في هذا القصاص نوعاً من الحياة لا يبلغه وصف.
ولكن كيف يكون القصاص حياة وهو قتلٌ للقاتل؟
الجواب: أنه إذا عَلِم القاتل أنه سيُقتل فلا شك أنه سيمتنع عن القتل، وهذا يصون النفس من القتل ويحمي القاتل، فكان القصاص حياة للنفسَينِ وهذا يؤدي إلى إحياء البشرية بأسرها.
قال قتادة: جعل الله في القصاص حياةً، فإذا ذكره الظالمُ المعتدي كفَّ عن القتل.والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #145  
قديم 25-08-2024, 03:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (147)
مثنى محمد هبيان



﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ١٨٠﴾ [البقرة: 180]
السؤال الأول:
ما الفرق بين استعمالي الفعل (حضر) و(جاء) مع الموت؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة: 133.
السؤال الثاني:
ما دلالة استعمال (إذا) في الآية؟ وما الفرق في الاستعمال بين (إذا) و (إن)؟
الجواب:
(إذا) تستعمل فيما هو كثير وفيما هو آكد وفيما هو واجب، و(إنْ) لما هو أقلّ في عموم الشرط، وقد يكون مستحيلاً وقد يكون قليلاً، وتفصيل ذلك:
1ـ (إنْ): تستعمل في القرآن الكريم في المعاني المحتملة الوقوع أو المشكوك في حصولها أو المستحيلة أو المفترضة:
شواهد للمعاني المشكوك في حصولها:
﴿ وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ ﴾ [الأعراف:143].
شواهد للمعاني المحتملة:
﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ ﴾ [البقرة:191].
﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ ﴾ [البقرة:230].
﴿ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ ﴾ [المائدة:6].
شواهد للمعاني المستحيلة:
﴿ قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ٨١﴾ [الزخرف:81].
﴿ يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ ﴾ [الرحمن:33].
شواهد للمعاني المفترضة:
﴿ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ﴾ [القصص:71].
2ـ (إذا): تستعمل للمقطوع بحدوثه والكثير الوقوع كما في الآيات:
﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ﴾ [البقرة:180].
﴿ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ ﴾ [النساء:6].
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ ﴾ [الجمعة:10].
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ ﴾ [النساء:86].
﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ ﴾ [الأعراف:204].
شواهد إضافية: [ آل عمران25 ـ المائدة 2 ـ الأعراف 34 ـ التوبة 5 ـ النور59 ـ البقرة 282 ـ يونس12].
3ـ شواهد مشتركة تتضمن(إذا وإنْ) معاً:
﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ ﴾ [البقرة:180].
﴿ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ ﴾ [البقرة:196].
﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم ﴾ [البقرة:239]
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡ‍ٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا ﴾ [البقرة:282]
﴿ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ﴾ [النساء:25].
﴿ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [التوبة:5].
شواهد إضافية: [ المائدة6ـ الأعراف131ـ الروم 36ـ البقرة 239ـ النساء 101ـ البقرة 229ـ230ـ 231ـ الرعد5 ].
4ـ ملاحظات عامة:
أـ (إذا) و(إنْ) من أدوات الشرط.
ب ـ وردت (إذا) في القرآن الكريم في أكثر من (362) مرة، لم ترد في موضع واحد غير محتمل الوقوع، بل هي كلها إمّا مقطوع بوقوعها أو كثير الوقوع، بخلاف (إنْ).
ولمّا كانت (إذا) تفيد الجزم بالوقوع، غلب معها الفعل الماضي، لكونه أدل على الوقوع، باعتبار لفظه، بخلاف (إنْ) التي تستعمل في المعاني المحتملة، والمشكوك فيها، فإنه غلب معها الفعل المضارع.
وقد وردت (إذا) في القرآن الكريم ـ شرطية وظرفية ـ في أكثر من (362) مرة، منها (18) فقط ورد معها الفعل المضارع، بينما ورد الفعل الماضي مع البقية.
ج ـ إذا كان فعل الشرط ماضياً فإنه يفيد افتراض حصول الحدث مرة أو وقوعه جملة، في حين أنّ الفعل المضارع قد يفيد تكرار الحدث، أو يفيد تطاول الحدث.
د ـ وقد وردت (إنْ) في القرآن الكريم في حوالي (554) مرة. والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما إعراب كلمة ﴿ ٱلۡوَصِيَّةُ ﴾ [البقرة:180] في هذه الآية؟
الجواب:
الوصيةُ: نائب فاعل مرفوع.
السؤال الرابع:
كيف عطف الأقربين على الوالدين، وهما أقرب المقربين والعطف يقتضي المغايرة؟
الجواب:
الوالدان ليسا من الأقربين؛ لأنّ القريب من يدلي إلى غيره بواسطة كالأخ والعم ونحوهما، والوالدان ليسا كذلك، وحتى لو كانا منهم لكان تخصيصهما بالذكر لشرفهما، كقوله تعالى: ﴿ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ ﴾ [البقرة:98].
السؤال الخامس:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية فيها وصيّة مجملة مردّها إلى العُرف، بالنسبة للوالدين والأقارب الوارثين، وكان ذلك قبل تحديد أنصبة المواريث في سورة النساء، ولكن هل نسخت هذه الآية؟ والجواب:
آ ـ عند جمهور أهل العلم نسخت هذه الوصية للوالدين والأقربين بآية الميراث في سورة النساء: ﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ ﴾ [النساء:11].
ب ـ وقيل: إنها غير منسوخة، وإنها نزلت في حق من ليس بوارث من الوالدين والأقربين بسبب الكفر أو الحَجْر أو نحوه، فشُرعت الوصية لهم قضاء لحق الأبوة والقرابة، فهي مستحبة في حق من لا يرث.
أي أنها خاصة بغير الورثة، لأنّ الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازتها الورثة لسبب خاص كأن يكون معاقاً أو نحوه.
2ـ هذا هو الحكم التشريعي الثاني: الوصية عند الموت.
والله أعلم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #146  
قديم 25-08-2024, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (148)


مثنى محمد هبيان





﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ١٨١ فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨٢﴾ [البقرة: 181-182]
السؤال الأول:
خُتمت الآية 182 بقوله تعالى: ﴿غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨٢﴾ وخُتمت آية البقرة 181 بقوله تعالى: ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٞ١٨١﴾ فما دلالة ذلك؟
الجواب:
ختم الآية: 181 بالسمع والعلم لمـّا قال قبلها: ﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ﴾ [البقرة:181] ليكون مطابقاً.
وختم الآية 182 بالمغفرة والرحمة لمـّا قال قبلها: ﴿فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ﴾ ليطابق المعنى.
السؤال الثاني:
ما دلالة هاتين الآيتين؟
الجواب:
الآية (181):
1ـ الآية جرت مجرى الوعيد في تغيير الوصية، ولا ذنب على الموصِي ولا الموصَى له، وإنما الإثم على من بدّل.
2ـ إقامة الظاهر مقام المضمر لزيادة الاهتمام بشأنه، ولو جرى على نسق الكلام السابق لقال: فإنما إثمه عليه وعلى من يبدله.
الآية (182):
1ـ بيّن في هذه الآية أنّ المراد بالآية السابقة هو التبديل من الحق إلى الباطل، أمّا إذا غيّره عن باطل إلى حق فقد أحسن.
2ـ (الجَنَف): الميل في الأمور، والعدول عن الاستواء، والانحراف عن الحق. يقال: جَنف يجنِفُ بكسر النون في الماضي، وفتحها في المستقبل.
3ـ الفرق بين الجنف والإثم أنّ الجنف هو الخطأ من حيث لا يعلم، والإثم هو العمد.
4ـ المجاز المرسل في (خاف) فقد جاءت بمعنى الظن أو التوقع، والعلاقة في هذا المجاز السببية، لأنه تعبير عن السبب بالمسبب.
5ـ جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الرجلَ ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته، فيختم له بشر عمله).
6ـ لذلك من أوصى بشيء فيه ظلم، فعلى وليّ أمر الميت وأولي الأمر بالمعروف أن يردوه إلى الصواب. والله أعلم.
السؤال الثالث:
قوله تعالى في الآية: ﴿جَنَفًا﴾ أي: مَيلاً، فما كلمات منظومة الجنح في القرآن الكريم؟
الجواب:
هذه هي مجموعة (جَنَحَ) وتشمل كل أنواع المَيل، وكلها صغائر تدل على أنّ الفعل المحرم لم يُرتكب:
1- جنح:
هي بداية الميل في الغالب وليس ميلاً كاملاً.
﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ ﴾ [الأنفال: ٦١].
2- زاغ:
هو الميل من الصواب إلى الخطأ، والزيغ هو النقص في الصواب.
﴿ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ٥ ﴾ [الصف: 5].
3- جنف:
خاص بالحكم عندما يكون قاضياً فيميل عن الحق قليلاً، مثل أنْ يميل قلب الأب إلى الذكور وليس هو الحكم بالظلم.
﴿ فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ ﴾ [البقرة: 182].
4- حنف:
ميل من الباطل إلى الحق ومن الخطأ إلى الصواب ﴿ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا ﴾ [آل عمران:67] وحنفاء، أي: ليس لديهم أي ميل للشرك، وهو عكس الزيغ.
5- راغ:
هو ميل لكنْ لاحتيال ﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ﴾ [الذاريات:26] من باب اللياقة وإكرام الضيف بأنْ يميل المضيف إلى أهله بطريقة خفية حتى يهيأ الطعام لضيفه.
6- عدل:
عَدَلَ بمعنى مال مع اعترافه بأنّ ميلَه ليس صحيحاً ﴿بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ٦٠﴾ [النمل:60].
7- زلّ:
ميل مرغم عليه ولا يقصده، كما يقال في زلة اللسان أو زلة القدم ﴿فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ﴾ [البقرة:36] ﴿فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ٢٠٩﴾ [البقرة:209].
8- ألحد:
هو الميل إلى كتمان الحق وهو أخطر أنواع الميل، والملحد هو الذي مال إلى كتمان التوحيد.
﴿وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٨٠﴾ [الأعراف: 180].
والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #147  
قديم 15-09-2024, 02:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (149)

مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي الثالث في سورة البقرة: الصيام وأحكامه
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣﴾ [البقرة: 183]
السؤال الأول:
ما موقع آيات الصيام كما جاءت في سياقها في القرآن الكريم؟
الجواب:
آيات الصوم وقعت بين آيات الشدة وذكر الصبر وما يقتضي الصبر قبلها، قال تعالى: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة:177] والصوم نصف الصبر كما في الحديث، والصبر نصف الإيمان، وتقدّمها أيضاً ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178] وهذه شدة، وتحتاج إلى صبر، وقبلها: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة:180] هذه شدة، وتحتاج إلى الصبر.
وبعدها آيات القتال:
﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ ﴾ [البقرة:190].
﴿ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ ﴾ [البقرة:191].
﴿ وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ ﴾ [البقرة:193].
الصوم من المشاق، والقتال من المشاق، والقتال يقتضي الصبر، والصوم نصف الصبر.
وبعدها ذكر آيات الحج؛ لأنّ الحج يقع بعد الصيام، وبعد شهر رمضان تبدأ أشهر الحج، فذكر ﴿ ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ١٩٧﴾ [البقرة:197].
ثم ذكر المريض في الحج، كما ذكر المريض في الصوم، وذكر الفدية في الحج، ومن الفدية الصيام ﴿ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾ [البقرة:196] إذن موقع آيات الصيام تقع بين آيات الصبر وما يقتضي الصبر وعموم المشقة.
السؤال الثاني:
كيف كان الصوم في البدء قبل مشروعية شهر رمضان؟
الجواب:
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة: إنّ مشروعية الصوم بدأت بالأيام المعدودة وهي: ثلاثة أيام من كل شهر، وهو اليوم العاشر والعشرون والثلاثون، وكان الإنسان مخيراً في تلك الأيام المعدودة، إنْ كان مطيقاً للصوم أنْ يصوم أو أنْ يفتدي.
أمّا حين شرّع الله الصوم في رمضان، فقد أصبح الصوم فريضة تعبدية وركناً من أركان الإسلام، وبعد ذلك جاءنا الاستثناء للمريض والمسافر.
وكلمة (رمضان) تدل على الحرارة والقيظ، وكان الناس حينما أرادوا أن يضعوا أسماء للشهور جاءت التسمية لرمضان وقتَ كان حاراً، فسمَّوه رمضان، كما سموا ربيعاً الأول وربيعاً الآخر عندما كان الزمان متفقاً مع وجود الربيع، وعندما سمَّوا جمادى الأولى وجمادى الآخرة، عندما كان الماء يجمد في تلك الأيام.
ورمضان مصدر (رَمَضَ) إذا احترق، من الرمضاء، ثم زيدت الألف والنون، وصار علماً، ومُنع من الصرف للعلمية.
السؤال الثالث:
قوله تعالى في الآية: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ﴾ والفعل (كُتب) مبني للمجهول وجاء مع ﴿عَلَيۡكُمُ ﴾ تحديداً، مع أنه ورد في القرآن ﴿ كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ ﴾ [التوبة:120] فما دلالة ذلك؟
الجواب:
نلاحظ في قول ربنا تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ [البقرة:183] أنه ناداهم بنفسه ولم يقل: (قل يا أيها الذين آمنوا) فيكلف الرسولَ بخطابهم، وإنما ناداهم مباشرة؛ لأهمية ما ناداهم إليه؛ لأنّ الصيام عبادة عظيمة قديمة كتبها تعالى على من سبقنا فنادانا مباشرة، ولم ينادنا بشكل غير مباشر عن طريق نبيه عليه السلام.
(عليكم ـ لكم)
آ ـ استعمال ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ﴾ فيه شدة ومشقة وما يستكره من الأمور عموماً، ولذلك عندما يقول: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ) يكون أمراً فيه شدة ومشقة وإلزام، ويكون في أمور مستثقلة.
ومن معاني (كُتب): ألزم ووجبَ وفرضَ، نحو قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178]،وقوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ ﴾ [البقرة:216]، وفيه شدة.
ب ـ أما (كَتبَ له) فهو في الخير بشكل عام، نحو قوله تعالى: ﴿ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ﴾ [البقرة:187]، بينما (كُتِب عليكم) فيه شدة ومشقة وإلزام، والصوم مشقة يترك الطعام والشراب والمفطرات من الفجر إلى الليل ففيه مشقة؛ لذا لم يقل (لكم).
صيغة المجهول (ما لم يُسمّ فاعله) وصيغة المعلوم:
آ ـ هناك قاعدة في القرآن الكريم،وهي أنّ الله سبحانه وتعالى يظهر نفسه في الأمور التي فيها خير، أمّا في الأمور المستكرهة وفي مقام الذم فأحياناً يُبنى للمجهول، نحو قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ﴾ [الحُجُرات:7] بينما قال: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ ﴾ [آل عمران:14] بصيغة الفعل المبني للمجهول للأمور التي فيها شر، ومثلها أيضاً: (آتيناهم الكتاب وأوتوا الكتاب) ففي مقام الذم يقول: (أوتوا الكتاب) مطلقاً، وفي مقام الخير يقولآتيناهم الكتاب).
فلمّا كان هناك مشقة في الصوم على عباده قال: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ﴾، ولم يقل: كتبنا، وأمّا في الأمور التي فيها خير ظاهر فيظهر نفسه، نحو قوله تعالى:
ـ ﴿ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ﴾ [الأنعام:12].
ـ ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ﴾ [الأنعام:54].
ـ ﴿ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِ‍َٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ١٥٦﴾ [الأعراف:156] هذا خير.
أمّا قوله تعالى:
ـ ﴿ وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ ﴾ [المائدة:45] هذه فيها إلزام لهم، كتب على بني إسرائيل الأمور التي شددها عليهم، وشدد عليهم لأنهم شددوا على أنفسهم.
ب ـ وحرف الجر يغير الدلالة وأحياناً يصير نقيضها، مثل: رغب فيه: يعني أحبّه، ورغب عنه: يعني كرهه. وضع الشيء عليه: يعني حمّله، ووضع الشيء عنه: أي أنزله.
السؤال الرابع:
ما دلالة استخدام (الصيام) لا (الصوم)؟
الجواب:
هذا من خصائص التعبير القرآني؛ إذ لم يستعمل (الصوم) في العبادة وإنما استعمله في (الصمت) فقط، قال تعالى: ﴿ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا ﴾ [مريم:26].
والصوم هو الإمساك، والفعل: (صام) يصوم صوماً وصياماً وكلاهما مصدر، وربنا استعمل (الصوم) للصمت، والكلمتان متقاربتان في اللفظ والوزن (الصوم والصمت)، واستعمل كلمة (الصيام) للعبادة لسببين:
آـ مدة الامتناع والإمساك عن الطعام والشراب طويلة فناسب كلمة (صيام) لأنها أطول من (صوم).
ب ـ والمتعلقات بالصيام أكثر: طعام وشراب ومفطرات، فهو أطول، فقال: صيام، ولم يستعمل الصوم في العبادة.
وهذا من خواص الاستعمال القرآني، يفرد بعض الكلمات أحياناً بدلالة معينة؛ كما ذكرنا في الرياح والريح، وفي الغيث والمطر،وفي وصّى وأوصى، ومن جملتها: الصوم والصيام.
وللعلم فإنه في الحديث الشريف القدسي وغيره من الأحاديث النبوية يستعمل الصوم والصيام للعبادة نحو: «الصوم لي وأنا أجزي به»، « الصوم نصف الصبر» لكنْ من خواص الاستعمال القرآني أنه يستعمل الصيام للعبادة.
السؤال الخامس:
ختمت الآية بقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ فما اللمسة البيانية فيها؟
الجواب:
آـ قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ وهذا يدل على علوِّ هذه العبادة وعظمتها، وربنا سبحانه وتعالى كتب هذه العبادة على الأمم التي سبقتنا ومعناها أنّ الصوم عبادة عظيمة ونحن لا نعلم كيفيتها، لكنْ كان الصيام موجوداً.
ب ـ ثم تدل الآية على الترغيب في هذه العبادة لأهميتها، فبدأ بها تعالى في الأمم السابقة؛ لأنّ الأمور إذا عمّت هانت، فالصيام ليس بِدعاً لكم وإنما هو موجود في السابق، فإذن هذا الأمر يدل على أهمية تلك العبادة، ويدل على تهوينها، حيث إنها ليست لكم وحدكم وإنما هي مسألة قديمة، فهي كما كتبت عليكم كتبت على الذين من قبلكم.
ج ـ كلمة ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ أطلقها ولم يقل: (تتقون كذا)، على نحو ما قال (اتقوا النار) أو (اتقوا ربكم) فيحتمل أشياء مرادة.
أمّا إطلاق ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ فتعني:
1ـ أنكم تتقون المحرمات وتحذرون من المعاصي؛ لأنّ الصوم يكسر الشهوة ويهذبها ويحُدّها كما في الحديث الشريف «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج».
2ـ وتتقون المفطرات والإخلال بأدائها، أي: تحفظون الصيام وتتقون الإخلال بأشياء تؤدي إلى ذهاب الصوم.
3ـ لعلكم تتقون، تحتمل تَصِلُون إلى منزلة التقوى وتكونون من المتقين، فإذن فيها احتمالات عديدة، وهي كلها مُرادةٌ.
4ـ وضمن آيات هذا السياق للصيام تكرر ذكر التقوى والمتقين، قال تعالى:
ـ ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة:177].
ـ ﴿ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة:179].
ـ ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ١٨٠﴾ [البقرة:180].
ـ ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ [البقرة:183].
ـ ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ١٨٧﴾ [البقرة:187].
ـ ﴿ ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ١٩٤﴾ [البقرة:194].
5ـ لذلك نرى أن التقوى تكررت في السياق وهي مناسبة لأول السورة، قال تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ [البقرة:2].
وفي عموم سورة البقرة كان إطلاق التقوى، وسورة البقرة ترددت فيها التقوى ومشتقاتها 36 مرة. والتقوى فِعلُها: (وَقَى) وقى نفسه، أي: حفظ نفسه وحذّرها، أي: احفظوا أنفسكم من الأشياء التي ينبغي أنْ تبتعدوا عنها.
وقسم يقول: إنّ التقوى هي ألا يراك الله حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك، ويعني الابتعاد عن المحرمات والانهماك في الطاعات، هذه هي التقوى. وقد جاءت التقوى في سورة البقرة على الإطلاق، ومنها قوله: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ يعني: تتقون أيَّ شيء عموماً. والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #148  
قديم 15-09-2024, 02:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (150)

مثنى محمد هبيان



﴿أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾ [البقرة: 184]
السؤال الأول:
قوله تعالى ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ لماذا (معدودات) وليس (معدودة)؟
الجواب:
في الجواب أمران:
آـ الجمع في غير العاقل: (معدودات) تدل على القلة و(معدودة) تدل على الكثرة، هذا هو القياس في اللغة، وكذلك في جمع غير العاقل الغالبُ أنْ يعود عليه الضمير في جمع الكثرة بالإفراد، وفي جمع القلة بالجمع، فتقول: (الأشجار سقطتْ) إذا كان عددها كبيراً فوق العشرة، وتقول: (الأشجار سقطنَ) إذا كان عدد الأشجار قليلاً دون العشرة، وكذلك تقول: (الجذوع انكسرتْ) لجمع الكثرة، وتقول: (الجذوع انكسرنَ) لجمع القلة.
وفي قوله تعالى: ﴿عَلَىٰ سُرُرٖ مَّوۡضُونَةٖ١٥﴾ [الواقعة: 15] وقوله تعالى: ﴿فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ١٣ وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَةٞ١٤ وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ١٥ وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ١٦﴾ [الغاشية: 13-16]، هذه الصفات تدل على الكثرة، ولو قال مثلاً: (مرفوعات ـ موضونات ـ مصفوفات ـ مبثوثات) لدلت على القلة عددياً أي دون العشرة.
وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ عند العرب نجد أنها تؤرخ بالليالي (لثلاث خلون، لأربع خلون) ويأتي بها بالجمع، أمّا (لإحدى عشرة ليلة خلت) يأتي بها بالمفرد؛ لأنها تدل على الكثرة، حتى في العدد نقول: ثلاثة رجال، عشرة رجال، أحد عشر رجلاً، مائة رجل، مليون رجل.
ب ـ جمع القلة يكون من واحد إلى عشرة، وأمّا في الآية فقالوا: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ تقليلاً لهن تهويناً للصائم، وقسم يقول: إنها في أول فرض العبادة كانت ثلاثة أيام في كل شهر ولم يبدأ بالشهر كاملاً، ثم نُسِخ وجاء شهر رمضان فبدأت معدودات، ثم قال: شهر رمضان بعد هذه الأيام.
و(المعدودات) تدل على القلة (حتى العشرة) و(معدودة) أكثر من عشرة، وقوله تعالى: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ ما اليوم؟ المشهور أن الأيام بمقابل الليالي، قال تعالى: ﴿ سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ٧﴾ [الحاقة:7]. وفي آية البقرة 184نصبت (أياماً) على الظرف أو بإضمار؛ أي صوموا أياماً.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ ﴾ لماذا ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾؟
الجواب:
يقال: لأنه أباح للمتهييء للسفر أنْ يفطر إذا اشتغل بالسفر قبل الفجر، وقوله تعالى: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ أي: لم يسافربعد وإنما هو متهييءٌ للسفر، مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ ﴾ [البقرة:283] أي: تتهيئون، فقوله تعالى: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ) لا يعني أنه سافر بالفعل، وكثير من الفقهاء قالوا: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ أي: أباح للمتهييِّء للسفر الفطر وإنْ لم يكن مسافراً، وقالوا: لو كان قال: (للمسافر) عندها لا يحق الإفطار لمن تهيأ للسفر؛ لذا قال: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ ومعناه أنه أباح للمتهييِّء للسفر أنْ يفطر.
السؤال الثالث:
ما معنى كلمة ﴿ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ في الآية؟
الجواب:
كلمة ﴿ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ فيها كلام متعددٌ:
آـ قسم قال: المقصود به هو في بدء فرض الإسلام للصيام، أي عند بداية الفريضة؛ لأنهم لم يكونوا متعودين على الصوم، فمن شاء صام ومن شاء فدى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولمّا نزلت هذه الآية كأنهم فهموا أنهم مخيّرون بين الصوم والإفطار.
ب ـ وقسم قال: هذه الآية نسخت؛ لأنهم كانوا فعلاً في أول الإسلام مخيرين، فمن شاء يفطر ويفدي ومن شاء يصوم.
ج ـ وقسم قال: أطاق، أي: تكلَّفه بمشقة وصعوبة، وتكون الهمزة للسلب، يعني: سلبت طاقته وجهده، والفعل الثلاثي (طاق) أي: تحمل، والفعل (أطاق) فيه همزة السلب، أي: سلب طاقته.
د ـ الفدية مرهونة بعدم الصيام، وعدمُ الصيام هو لأحد أمرين:
1ـ قالوا أنه في أول الإسلام كان المسلمون مخيرين في الإفطار ودفع الفدية أو الصوم، والصوم خير.
2ـ وإنْ كان غير ذلك، فالهمزة للسلب تبقى على دلالتها وليست منسوخة، وهي للذي لا يستطيع أنْ يصوم؛ لأنّ الصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكن من الصوم، فربّ العالمين رخصّ بالفدية للشيخ الكبير الهِرم، والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.
وعندها تبقى الآية على دلالتها مستمرة ليس فيها نسخ إذا جعلت للسلب، ويبقى الحكم عاماً سارياً إلى يوم القيامة.
ولا شك أنّ الصيام أفضل لقوله تعالى ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
السؤال الرابع:
ما الفرق بين (أطاق وقدر واستطاع)؟
الجواب:
1ـ الفعل (قدر) تعني أنّ الإنسان يقوم بالعمل دون أي جهد وأنّ العمل عليه سهل، ولذلك وصف الله تعالى ذاته العلية بأنه قدير؛ لأنه سبحانه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون.
شواهد قرآنية:
آيات: [البقرة 148ـ الأنعام 37 ـ النحل 77 ـ الإسراء 99].
2- الفعل (استطاع) مشتق من الاستطاعة وهي أنْ تقوم بالعمل الذي يساوي قوتك وجهدك دون أنْ تدخر منه شيئاً أو تتكلف أي جهد إضافي.
شواهد قرآنية:
﴿ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ ﴾ [آل عمران: 97]
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ ﴾ [الأنفال: 60].
3 ـ الفعل (أطاق) من الطاقة وهي القيام بالأمر ببذل أقصى الجهد والمشقة والتعب الشديد، أي: يقوم بالعمل ببذل مزيد من الجهد والعنت والشقاء.
شواهد قرآنية:
﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184].
﴿ وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ ﴾ [البقرة:286].
السؤال الخامس:
ما الفرق بين الفاء والواو في آيات البقرة: ﴿ فَمَن تَطَوَّعَ ﴾ [البقرة:184] ﴿ وَمَن تَطَوَّعَ ﴾ [البقرة:158]؟
الجواب:
1ـ الفاء للتعقيب وتأتي للسبب كقولك: درس فنجح، وأمّا الواو فهي لمطلق الجمع ولا تدل على ترتيب أو تعقيب.
2ـ جاء في الآية 158 ﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا ﴾ بالواو، وجاء في الآية 184﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا ﴾ بالفاء.
والسبب أنّ الأولى في الحج والعمرة ﴿ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ١٥٨﴾ أي: جاء بعبادة أخرى كطواف آخر أو حج آخر، فهي طاعة مستحدثة إضافية فناسبها الواو.
وأما الآية الثانية 184 فهي في الصوم فكيف يتطوع؟ أي: يزيد في الفدية في نفس المسألة وفي نفس الطاعة، فهي ليست طاعة مستحدثة، فناسبها الفاء.
السؤال السادس:
قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ﴾ بأنْ زاد على القدر المذكور، أو فعل أكثر من المطلوب؛ بحيث يُطعم مسكينَين أو أكثرَ، أو يجمع بين الصيام والفدية أوبين الإطعام والصيام.
2ـ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ يعني أيها الأصحاء أنْ تصوموا خير لكم، ملتفتاً من ضمير الغائب في ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ إلى المخاطب ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
3ـ كان يمكن أنْ يقال في غير القرآن: (وأن يصوموا)، لكنه تحوّل من الغيبة إلى الخطاب لئلا يخص المرضى والمسافرين؛ لأنه لو قال: (لو يصوموا خيراً لهم) لكان هذا يخص المرضى والمسافرين ويتداخل مع قوله: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ لكنّ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ أعم، وكل من هو مرخص له بالإفطار إنْ صام فهو خير له، وليس لهؤلاء فقط، وإنما أيضاً إذا صح الكلام أنهم في أول الصيام كانوا مخيرين بين الفدية والصيام قبل أنْ يفرض شهر رمضان، فإنهم يدخلون تحت هذا الحكم ؛ أي أن الجميع يدخل تحت قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
ولو قال: (وأن يصوموا) لكان يخص المرضى والمسافرين فقط، بينما لما قال: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ ﴾ شمل الجميع المرخّص لهم وغيرهم وليس خاصاً بالمرضى والمسافرين، لذلك كان هذا الالتفات للجمع وهذا اسمه التفات في الخطاب.
السؤال السابع:
ما دلالة استخدام أداة الشرط (إنْ) هنا ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِنْ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾؟
الجواب:
تأمل كيف جاء أسلوب الشرط مستخدماً (إنْ) التي تفيد التشكيك والتقليل، ولم يستخدم (إذا) التي تفيد الجزم والتحقيق، وفي ذلك إشارة إلى أنّ علمك أيها المؤمن بفوائد الصيام في الدنيا والآخرة عِلمٌ غير محقق؛ لأنّ فوائده خفية وأسراره قد لا تتوصل إلى معرفتها، ولذلك فإنّ الله يرغّبك في هذه العبادة حتى لو لم تدرِكْ فوائدها إدراكاً كاملاً.
السؤال الثامن:
قوله تعالى في الآية: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184] وكلمة (طعام) بدل من (فدية) فهل البَدَلُ يفيد التوكيد؟
الجواب:
للبدل عدة أغراض؛ منها أنْ يكون للإيضاح والتبيين، كما في قوله تعالى: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾ [البقرة:184] فطعام مسكين إيضاح للفدية.
السؤال التاسع:
ما مراحل الصيام التي مرّ بها في الإسلام؟
الجواب:
هناك ثلاث مراحل مرّ بها الصيام في الإسلام وهي:
1ـ لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويصوم عاشوراء، ثم إنّ الله فرض عليه صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر فأطعم مسكيناً، فأجزأ ذلك عنه. وهذا هو قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184].
2 ـ ثم أنزل الله تعالى الآية الأخرى: ﴿ شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ ﴾ [البقرة:185] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورّخص فيه للمريض والمسافر، وثبّت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع.
3ـ كانت فترة الإفطار من المغرب حتى العشاء، فحدث حرجٌ ومشقة للمسلمين من العطش والجوع وعدم اتيان النساء، فخفّف الله عنهم، بأن أحلّ لهم الرفث إلى نسائهم والأكل والشرب حتى مطلع الفجر، وهذا قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ [البقرة:187].والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #149  
قديم 15-09-2024, 02:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (151)

مثنى محمد هبيان



القسم الأول من أسئلة آية البقرة 185
﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ١٨٥﴾ [البقرة: 185 ]
السؤال الأول:
ما الفكرة العامة لهذه الآية؟
الجواب:
الملاحظ أنه تعالى ذكر الفريضة أولاً، فقال: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣﴾ [البقرة:183] ولم يحدد وقتاً ولا مدة وإنما ذكر الفريضة، ثم بعدها ذكر الأيام مبهمة فقال: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ ﴾ [البقرة:184] ولم يُحّددها، ثم بيّن بقوله: ﴿ شَهۡرُ رَمَضَانَ ﴾ [البقرة:185] فيما بعد، والآن تعيّن الوقت للصيام وحدّد وأصبحت الفريضة هي صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، أي: الذي ابتدأ فيه نزول القرآن من اللوح المحفوظ جملة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل منجماً فيما بعد على مدى ثلاث وعشرين سنة.
وللعلم فإنّ القرآن نزل به جبريلُ فأصبح سيدَ الملائكة، ونزلَ به على محمد فأصبح سيدَ الرسل، ونزل القرآن في رمضان فأصبح سيد الشهور، ونزل به في ليلة القدر فكانت خير الليالي.
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾؟
الجواب:
في ذلك دلالتان:
آـ إمّا ما ذكرناه آنفاً، أي: ابتداء إنزال القرآن فيه.
ب ـ أو أنزل في شأنه القرآن، أي: في تعظيمه.
إذن فيها دلالتان أنه نزل فيه وأنه أُنزل في شأنه القرآن، وهو من باب تعظيم هذا الشهر، والاحتمالان مرادان، ولمّا قال تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ١﴾ [القدْر:1] أي: أنزلناه في ليلة القدر وأُنزل في تعظيمها قرآن. وفي قوله تعالى: ﴿ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ ﴾ [البقرة:185] يعود الضمير (فيه) على الشهر كله.
السؤال الثالث:
لِم لمْ يقل ربنا مثلاً: (أنزلنا فيه القرآن) كما قال في آية الحديد: ﴿ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ ﴾ [الحديد:25]؟
الجواب:
لم يقل: (أنزلنا فيه القرآن)؛ لأنه يتكلم عن شهر رمضان، وليس على مُنزِل القرآن، ولو قال: (أنزلنا) يكون الكلام عن الله سبحانه وتعالى وليس عن الشهر، ولو قال: (أنزلنا) يعود الكلام إلى ضمير المتكلم، لكنه يريد الكلام عن الشهر تعظيماً لهذا الشهر.
بينما قال: ﴿ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ ﴾ [الحديد:25] تعظيماً لله تعالى وعظمته والنعمة التي أنعمها على خلقه.
وكما قال تعالى في آية فصلت 42: ﴿ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ٤٢﴾ أُنزل إليك ثم قال: من لدن حكيم حميد؛ لأنّ الكلام عن الكتاب ﴿ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ٤١﴾ [فُصِّلَت:41] وفي تعظيم الكتاب، وليس عن الله سبحانه وتعالى.
والفعل في آية البقرة 185 مبني للمجهول أو ما لم يُسمّ فاعله ﴿ أُنزِلَ ﴾ [البقرة:185] والفاعل مُضمر محذوف ليس له ذكر؛ لأنّ سياق الكلام عن شهر رمضان، وليس على مُنزل القرآن.
السؤال الرابع:
في الآية قبلها قال: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ ﴾ وهذا جمع قلة، والشهر ثلاثون يوماً، وجمع القلة حتى العشرة فكيف نفهمها؟
الجواب:
يجوز من باب البلاغة للتكثير وضع أحدهما مكان الآخر كما يستعمل القريب للبعيد والبعيد للقريب، لكنْ ذكرنا سابقاً أنّ هنالك أمرين:
آـ الأمر الأول: أنه تهوين الأمر على الصائمين بأنه شهر، أياماً معدودة وهو لا يقاس بالنسبة للأجر، فأنت تصوم هذه الأيام وهي قليلة جداً بالنسبة لأجر الله العظيم وما سيعطيك ربك من فضله مقابل ثمن قليل من أيام الصوم؛ فهي معدودات.
ب ـ ومن ناحية قالوا: إنّ الصيام كان فعلاً ثلاثة أيام في الشهر ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ ﴾ وكان مخيراً بين الفدية والصيام، فإذن كان فعلاً أياماً معدودات (ثلاثة أيام).
إذن تؤخذ من باب التهوين، وأنها قليلة بالنسبة لما سيعطيك الله تعالى، فهي قليلة، وبالتالي هي هينة على الصائم.
السؤال الخامس:
ما إعراب كلمة ﴿ هُدٗى ﴾ في الآية؟
الجواب:
هناك احتمالان:
حالٌ، أي: هادياً للناس، أو مفعول لأجله، أي: لأجل هداية الناس. والمفعول لأجله لا يشترط أنْ يسبق بلام، وإنما هذا معنى المفعول لأجله كما في قوله تعالى:
ـ ﴿ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ ﴾ [النساء:114] لم يقل: لابتغاء مرضاة الله، ليس فيها لام ولكنْ هي في المعنى هكذا.
ـ ﴿ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ ﴾ [البقرة:19] من الحذر، و﴿ حَذَرَ ﴾ مفعول لأجله.
والمفعول لأجله بيانُ عِلّةِ الفعل وسبب حدوثه، أي: السبب الذي من أجله حدث الفعل، كما تقول: أدرس طلباً للنجاح.
وقوله تعالى: ﴿ هُدٗى لِّلنَّاسِ ﴾ هذه الهداية غير موجودة لولا القرآن، فلولا القرآن لم تكن هنالك هداية، فإذن هي ابتغاء علة لم تكن حاصلة، لكنْ بالقرآن يحصل هذا الأمر.
ولذلك لفظة ﴿ هُدٗى ﴾ إمّا حال وإما مفعول لأجله، وبهذه الطريقة يجمع معنيين معنى الحالية ومعنى المفعول لأجله، ولو أراد الحالية فقط لقال: (هادياً للناس).
السؤال السادس:
ما الفرق بين (هادياً) و(هدى)؟
الجواب:
هادياً: اسم فاعل، وهدى مصدر، وهناك فرق كبير بينهما، حتى لو كان التنصيص على الحاليّة في كليهما.
وهناك فرق بين المصدر واسم الفاعل، أي: هناك فرق كبير بين (أقبل راكضاً) و(أقبل ركضاً) وكلتاهما حال، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا ﴾ [الأنفال:15] ما قال: (زاحفين) هذه حال، وكما في قوله تعالى أيضاً: ﴿ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ ﴾ [البقرة:260] لم يقل: (ساعيات) مع أنها حال، لكن لماذا اختار المصدر؟
والجواب أنّ اسم الفاعل يدل على الحدث وذات الفاعل، فعندما تقول: قائم، فهذا يدل على القيام مع الشخص الذي اتصف به، إذن (قائم) فيها شيئان: الحدث وهو القيام، وذات الفاعل.
لكن (القيام) هو المصدر المجرد، ليس فيه نفس الارتباط الذي مع اسم الفاعل، وعندما تقول: أقبل راكضاً، راكضاً يدل على الحدث وصاحب الحدث، أمّا: أقبل ركضاً، فقد تحوّل الشخص إلى مصدر، هو صار ركضاً.
وهذا ليس قياساً عند الجمهور، مع أنه يقع كثيراً.
وربنا تعالى لما ذكر إبراهيم في قوله: ﴿ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ﴾ [البقرة:260] قال (سعياً) وما قال: (ساعيات)؛ لأنه ليس فيهن شيء يُثقِلُهن من المادة؛ إنهن يتحولن من أقصى الهمود إلى حركة، أي: هنّ أصبحن سعياً، ولو قال: ساعيات فهذا يعني فيها صفة من الصفات ففيها الحدث وصاحب الحدث، و هناك فرق بين (أقبل ماشياً) و (أقبل مشياً) ليس فقط ماشياً، وإنما تحوّل إلى مشيٍ.
وفي قوله تعالى: ﴿ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى ﴾ [البقرة:185] يذكرون في الإخبار بالمصدر عن الذات أو العكس أو الوصف، فتقول: (محمد ساعٍ) هذا أمر عادي، لكنْ (محمد سَعْيٌ) هذا لا يجوز إلا على ضرب من التجوُّزِ، أي: محمد تحوّل إلى سعيٍ، ولذلك لمّا قال تعالى لنوح عليه السلام: ﴿ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ﴾ [هود:46] لم يقل: (عامل) وإنما (عملٌ) أي: ابنك تحول إلى كتلة عمل غير صالحة ولم يبق فيه شيء من البشرية والإنسانية، ولذلك لا يجوز هذا إلا على ضرب من التجوّز والمبالغة.
والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #150  
قديم يوم أمس, 07:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (152)
مثنى محمد هبيان




القسم الثاني والأخير من أسئلة آية البقرة 185
﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ١٨٥﴾ [البقرة: 185 ]
السؤال السابع:
ما دلالة ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ ﴾ في الآية؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ﴾ أي: وأُنزِل آيات بينات واضحات الدلالة، ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ﴾ الواو: حرف عطف، بينات: معطوفة على هدى، والعطف يصح من دون تقدير، مثل: أقبل محمد وخالد، أي: أقبل محمد وأقبل خالد، لا يحتاج إلى تقدير فعل مغاير.
إذن التقدير: أُنزل القرآن هدى للناس، وأُنزل القرآن آيات بينات واضحات الدلالة من الهدى والفرقان.
وإعراب (وبينات) الواو: حرف عطف، وبينات: معطوف منصوب، وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم، لكنّ الكلمة تدل على الصفة، والصفة لا نقصد إعرابها نعتاً، ولكن هي صفة.
2ـ اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة مشبهة أو صيغ المبالغة أو اسم التفضيل، هذه تسمى صفات، وهناك صفة مشبهة على وزن (فيعل) مثل ميّت، جيّد، طيّب، ليّن، هيّن، بيّن، وهذه صفات مشبهة.
السؤال الثامن:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾؟
الجواب:
﴿ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾ أي: الفارق بين الحق والباطل، أي: أنزل الله تعالى بينات من الهدى.
والقرآن هو هدى للناس وهذا للعموم، وفيه آيات بينات تبين الحجج الدامغة على أنه من عند الله، وفيها أحكام عظيمة جداً تهدي الناس.
لذلك يكون: (هدى للناس) هذه عامة، و(بينات من الهدى والفرقان) خاصة.
السؤال التاسع:
في أول سورة البقرة قال: ﴿ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ [البقرة:2] وهنا قال: ﴿ هُدٗى لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة:185] والآيتان في البقرة، فما دلالة ذلك في المعنى؟
الجواب:
القرآن فيه هداية عامة وفيه هداية خاصة، كما قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدٗىۗ ﴾ [مريم:76].
فالهداية العامة هي ﴿ هُدٗى لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة:185] والهداية الخاصة هي ﴿ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾.
وقوله تعالى: ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ ﴾ [البقرة:185] أي: فيه آيات بينات تستدل منها على أنّ هذا القرآن قطعاً هو من فوق سبع سموات، وفيه دلائل آيات واضحة تحتج بها على أنّ هذا القرآن هو من عند الله،وفيه آيات أحكام هادية للناس في معاملاتهم تفرق بين الحق والباطل.
إذن هناك هداية عامة وهداية خاصة، واستخدم الكلمتين بالمعنيين هنا ﴿ هُدٗى لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة:185] هدى عام و ﴿ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ و ﴿ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ ﴾ [البقرة:185] هدى خاص.
السؤال العاشر:
قوله تعالى في الآية: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ ﴾ [البقرة:185] كيف يشهد الشهر؟ هل يراه مثلاً؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿ فَمَن شَهِدَ ﴾ [البقرة:185] أي: من كان حاضراً غير مسافر، أي: من كان مقيماً وليس مسافراً، وشهد الشهر ليس شاهد الهلال أو رأى الهلال. تقول: أشهِدتَ معنا؟ أي كنت حاضراً معنا؟ وقوله تعالى: ﴿ وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ٧﴾ [البروج:7] وشرط الشهادة أنْ تكون حاضراً وليس مسافراً؛ لأنه ذكر المسافر فيما بعد.
السؤال الحادي عشر:
قال في الآية السابقة 183: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ [البقرة:183] باستخدام عليكم، فلماذا لم يقل مثلاً (لكم)؟
الجواب:
قوله تعالى في آية البقرة 183: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ لأنّ الله تعالى ذكر في نفس الآية ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ ﴾ و(على) هنا تفيد المشقة، والصوم فيه شدة وإلزام ومشقة؛ إذ يترك الصائم الطعام والشراب والمفطرات من الفجر إلى الليل ففيه مشقة؛ لذا لم يقل (لكم).
السؤال الثاني عشر:
قوله تعالى في الآية 185: ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ ﴾ ولم يستعمل (منكم) كما قال في الآية 184: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا ﴾ علماً أنه قال في الآية 185: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ ﴾ [البقرة:185] فلماذا؟
الجواب:
آـ في الآية (184) الخطاب للمسلمين لذلك قيّد؛ فلا بد أنْ يذكر ﴿ مِنكُم﴾ لئلا ينصرف المعنى للذين من قبلكم، فيُظن أنّ هذا حكم الأولين وليس لنا هذا الحكم، والخطاب في الآية (184) هو للمسلمين بدليل قوله تعالى في آخر الآية 183: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣﴾ ولذلك كان لا بدّ من ذكر ﴿ مِنكُم ﴾.
ب ـ في الآية الأخرى رقم (185) الكلام للمسلمين، و قوله تعالى: ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ ﴾ [البقرة:185] فلا لزوم لذكر (منكم) لأنهم مخاطبون.
ج ـ لو قال في غير القرآن: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان منكم مريضاً) يكون تكراراً، ولا معنى أنْ يقال: (ومن كان منكم) لأنها مذكورة فلا تحتاج الإعادة.
السؤال الثالث عشر:
لِمَ لمْ يقل تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ [البقرة:184] في الآية 185، كما قال في سابقتها 184؟
الجواب:
لأنه إذا قرأنا الآية نفسها ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ﴾ قال: يريد بكم اليسر، فكيف يقول: أنْ تصوموا خير لكم؟ وهذا من تمام رأفته ورحمته بنا سبحانه وتعالى.
السؤال الرابع عشر:
ما نوع (اللام) في قوله تعالى: ﴿ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ١٨٥﴾؟
الجواب:
هذه (اللام) فيها احتمالان:
1ـ احتمال أنْ تكون اللام مزيدة في مفعول فعل الإرادة، يعني يريد لتكملوا العدة، والقصد منها التوكيد؛ لأنّ فعل الإرادة يتعدى بنفسه ﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ﴾ [البقرة:185] وهنا جاء بـ (اللام) وهو يقع كثيراً في مفعول فعل الإرادة للتوكيد، فاحتمال أنْ تكون هذه اللام مزيدة في مفعول فعل الإرادة بقصد التوكيد.
2ـ والآخر يحتمل أنْ يكون للتعليل والعطف على علّة مقدرة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلِنَجۡعَلَكَ ﴾ في الآية ﴿ أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٥٩ ﴾ [البقرة:259] وفي هذه الآية علّل بدلالة الواو العاطفة ﴿ وَلِنَجۡعَلَكَ) أي: أنّ هنالك عللاً أخرى محذوفة لا يتعلق الآن غرض بذكرها لأنها ليست فقط لهذه العلة، ولأنّ أصل السؤال أنى يحيي الله هذه بعد موتها؟ فأماته الله، وما ذكر تلك العلل المحذوفة، وإنما ذكر ما يتعلق بإرادة المتكلم وهو أنْ يجعله آية للناس.
وقد يكون العطف على مقدّر، كما في قوله تعالى ﴿ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا﴾ [النساء:36] في غير العلّة، فإن قيل: (وبالوالدين) على أي شيء معطوف؟
فالجوابُ: هو أنه ليس هناك شيء مذكور وإنما مقدر، والمعنى: أحسنوا بالوالدين إحساناً، وهذا كثير في القرآن الكريم وفي لغة العرب.
السؤال الخامس عشر:
ما معاني الحرف (ما) في قوله تعالى في الآية ﴿ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ ﴾ [البقرة:185]؟
الجواب:
(ما) تحتمل معنيين، بمعنى اسم الموصول الذي، والمصدرية بمعنى الهداية، ونرجح المعنيين وهما مرادان، أي: على الذي هداكم، وعلى هدايته لكم.
وقد يعين السياق أحياناً على فهم دلالة واحدة، كما في قوله تعالى: ﴿ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ ﴾ [الأحزاب:23]؛ لأنه بمجرد أنْ قال: ﴿ عَلَيۡهِۖ ﴾ [الأحزاب:23] تحدد معنى (ما)، ولو لم يقل: (عليه) لاحتملت ما الموصولة أو المصدرية، فطالما لم يحدد يُطلق.
السؤال السادس عشر:
لماذا ذكر الشكر بعد ذكر أحكام الصيام بقوله تعالى: ﴿ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ١٨٥﴾ [البقرة:185] ولم يقل مثلاً: تفلحون؟
الجواب:
السبب أنّ الصائم قد يَظُنُّ لأول وهلة أنّ هذه العبادة شاقة عليه، فإذا ما انتهى منها أدرك لطف الله سبحانه وتعالى به، وهذا ما نجده بعد الانتهاء من صيام يوم أو صيام شهر، فنشعر بفضل الله تعالى علينا وكيف أعاننا على القيام بهذه الفريضة، فندرك عظمتها ونستشعر آثارها في أرواحنا، فنتوجه إلى الله تعالى بالشكر على هذه العبادة العظيمة وعلى عونه لنا على أدائها. والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 219.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 213.32 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]