جميع أنواع الخمر حرام عنباً كان أم غير ذلك

[ابوالوليد المسلم]

جميع أنواع الخمر حرام عنباً كان أم غير ذلك

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد أثار د. سعد الدين هلالي الأستاذ بجامعة الأزهر الأسبوع الماضي شبهة حول حرمة الخمر المتخذ من غير العنب؟، وأن المحرم من الخمور قليله وكثيره إنما هو خمر العنب!

وأما غيره فلا يحرم إلا ما أسكر منه، وأما القليل منه الذي لا يسكر فهو حلال!! ونسب ذلك للإمام أبي حنيفة؟!

فنقول أولا: إن تحريم الخمر أمرٌ مجمع عليه بين المسلمين قاطبة والحمدلله، للآيات الصريحة والآحاديث المتواترة، قال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} (سورة البقرة).
وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} (سورة المائدة).
وقال تعالى {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} (سورة النساء).
وأما من خص التحريم بما كان من عصير العنب خاصة؟! وأما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة، مثل «السكر» وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ، و«الجعة» وهو نبيذ الشعير، و«السكركة» وهو خمر الحبشة من الذرة، فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه، وأما القليل منه فحلال!! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم!
فهذا التفريق مصادم للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر، وهو مخالف للقياس الصحيح، والنظر والعقل الرجيح.
أما النصوص:
فلإنه يشملها ما سبق من النصوص العامة التي تشمل كل ما يسمى خمراً.
ثانيا: قد ورد ما يرد هذه الشبهة الفاسدة من الأحاديث الصحيحة، فحديث عمر رضي الله عنه قال: «نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل».
وكقوله صلى الله عليه وسلم : «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
وأما مخالفته للقياس الصحيح:
فقد قال العلماء: أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره، وبين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر؟!
وهل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر، فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك والعلة واحدة؟!
فهذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق أنها تنسب إلى أحد من أهل العلم، لولا صحة ذلك عنهم، وأعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين!!
قال ابن القيم في «تهذيب السنن» (5 / 263) بعد أن ساق بعض النصوص السابقة: «فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن، وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس، مع كثرة النزاع فيه. فإذا قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء، تناولا واحدا، فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم، والقياس في الحكم. ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها؛ لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه، وإن لم يسكر، وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه، وقليله يدعو إلى كثيره. وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل، فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم، فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها، ولا اشتباه في معناها، بل هي صحيحة. وبالله التوفيق».
ونقول: إن الخمور اليوم علم احتواؤها على الكحول الذي هو سبب الإسكار، وبقدر وجوده ونسبته يكون الإسكار، فالقول إن ما أخذ من العنب هو الخمر المحرم، وغيره ليس كذلك، قول باطل شرعاً وحساً وعقلاً.
وأخيرا نقول: ما هي مصلحة المسلمين اليوم من إثارة هذه الأقوال الشاذة بينهم وتشكيكهم في الأمور الواضحة التحريم ومحاولة تهوين الكبائر، والجرأة على الفواحش، ولا سيما وأن الخمر هي أم الكبائر وأم الخبائث، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله الهدى والسداد للحق لجميع المسلمين والله تعالى أعلم.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي