فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190826 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92676 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56885 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26178 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 724 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 21-10-2021, 06:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (4)

أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ..


أسماء محمد لبيب




مَا إن يبدأُ ولدُكِ في إدراكِ مفاهيمَ الحياةِ مِن حَولِهِ، فإنَّ أولَ مَطلُوبٍ تُلَقِّنينَهُ إياهُ بَعدَ التوحيدِ هو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}
وربما ذلكَ قَدْ يَبدأُ بعدَ إتمامِه لعامِه الثانِي واللُه أعلم، فهذا الشَّطرُ من الآيةِ قد جاءَ بعدَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن}
ولكن إنِ استوعبَ الأمرَ قبلًها فبادرٍي، فالعِبرَةُ بالاستيعاب..
فما إنْ يَعقِلُ مَفاهِيمَ التواصُلِ والامتنانِ، لَقِّنِيهِ شُكرَ أصحابِ الإنعامِ الأكبرِ عليهِ في حياتِه:
-ربِّه تباركَ وتعالَى أولًا، خالقِه ورازِقِه،
-ثم أمِهِ وأبيهِ ثانيًا، مَنْ جَعَلَهُما اللهُ سببًا في وُجُودِه ورِزقِهِ وعافيتِه وسعادتِه..

وكما هو معروفٌ أنَّ الشكرَ أصلُ العبادةِ للهِ عز وجل وأَصلٌ في تَحَقُّقِها حيث قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فهو كذلك من أسبابِ ((التعلقِ والارتباطِ الشعوري)) عمومًا، بولِيِّ الفَضلِ والنِّعمَةِ،
ومن أقوَى أسبابِ الإحساسِ بالسكنِ معَهُ وحُبِّ الانقيادِ لَه،
بسببِ الشعورِ العميقِ بالامتنانِ والتقديرِ تجاهَه..

ولا شكَّ أن هذا يكونُ مِن أقوَى الأسبابِ المُحَفِّزَةِ للنفسِ على البِرِّ والطاعةِ والتسليمِ بينَ يَدَيِ المُرَبِّي عُمومًا،
وبالتالي يُقَوِّي من الاستجابةِ للتقويمِ والتوجِيهِ والتربيةِ على الإسلامِ والاستقامةِ،
وتسليمِ الزِّمامِ طواعيةً بسَهُولةٍ ولِينٍ ويقينٍ وثِقَةٍ وحُبّ..

فمَنْ يَشكُرْ للهِ = سيَعبُدُه ويُطيعُه ويَبَرُّهُ ويَستسلِم لَهُ ويَخضَعُ بين يَدَيهِ..
ومن يشكرْ لوالديهِ = سيُطُيعُهُما ويَبَرُّهُما ويَنقادُ لهما بالمعروفِ ويَخفِضُ لهما الجناحَ ويَلِينُ بينَ يَديهِما..

ولذلكَ نجدُ التفكُكَ المُجتَمَعِيَّ في أعلَى صُوَرِه مَوجُودًا في المجتمعاتِ الغربيةِ الحديثة،
إذْ إنَّ من أقوَى أسبابِ انهيارِ المُجْتمَعات:
هَدمُ مَفهومِ بِرِّ الوالدينِ في الأُسرةِ،
والتسخيفُ مِن قِيمةِ الالتزامِ نحوَهُما بِشَيْء،
وكَسْرُ هيبتِهِما في عُيونِ الأبناء،
وانتشارُ ثقافةِ الاستغناءِ عن أبيكَ وأمِّكَ ودعواتِ التخلُّصِ من هيمنةِ الكِبارِ والسُّلطَةِ الأَبَوِيَّة،
والتهوينُ من قُبحِ جُحُودِ نِعمَتِهِمْ أو مِن كَربِ العَيْشِ بِدُونِهِمْ،
وبالتالي تَمَرُّدُ الأبناءِ على توجِيهاتِ الآباءِ وقُيُودِهم..
ولا يَخفَى على كُلِّ عاقلٍ ما نَتَجَ عن ذَلِكَ مُجْتَمَعِيًّا ودِينيًا وإنسانيًّا، ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله..

فالحمدُ للهِ على نِعمةِ الإسلامِ، الذي قَرَنَ بِرَّ الوالِدَينِ، والامتنانَ لنِعَمِهِمَا، وطاعتَهُمَا في المَعروف،
بتمامِ العُبودِيَّةِ للمُنْعِمِ الأعظمِ وشُكرِهِ عَزّ وجَل، وخَوَّفَ من التفريطِ في ذلك،بِيَوْمِ الجَزَاءِ والحِسابِ قائلًا:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ... إليَّ المصير}

لكن أيتها الأمُّ الطيبة،،،
أهَمُّ ضامِنٍ لفعاليةِ هذهِ القاعدةِ مَعَكِ بإذن الله، هو ألا تُلَقِّنِيها لوَلَدِكِ بطريقةٍ فيها ((مَنٌّ وأذَى))..
وإنما بطريقةٍ تُنَشِّؤُهُ على أنَّ الأدبَ، والمُرُوءةَ، والخُلُقَ القَوِيمَ، وعَيْنَ الإسلامِ والإيمانِ:
-الامتنانُ لِرَبِكَ،
-والامتنانُ لوالِديْكَ..

وهنا يأتِي سؤالٌ: ألَا يجلِبُ امتنانُهم لنا وإجلالُهم إيانا، التَروِيضَ المُمَيْكِنَ، بدلًا من التربيةِ التَزكَوِيَّة؟
والإجابةُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..













__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 23-10-2021, 11:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (5)

شابٌ نشأ في طاعةِ الله: تربيةٌ أم ترويض؟


أسماء محمد لبيب




التربيةُ ليس مرادِفُها أن تَجعَلي أبناءَكِ مُنضَبِطِي السلوكِ فقط مادُمتِ حاضِرَةً بسَمعِكِ وبَصَرِكِ مَعَهُم..
إنما التربيةُ هي أن يَفعَلواَ الصوابَ حتى وأنتِ لستِ في الجوار..
النوعُ الأولُ اسمهُ "ترويضٌ" أو "تعايشٌ سِلمِيٌ"،
وهذا هو ما تقدمه لكِ نظرياتُ التربيةِ الغربيةِ الحديثةِ للأسف، خاصّةً لو طبقتِها بدونِ مِسطَرَةِ التربيةِ الإسلامية..

والنوع الثاني اسمُه "تربيةٌ" و "تزكيةٌ" و"فنُّ صناعَةِ الرِّجال"، ذُكرانًا وإناثًا..
الترويضُ استئناسٌ للنفسِ لتصبح أليفةً، حتى إذا فُتِحَ القفصُ أو غابَ الحارِسُ، عادتْ لتَوَحُّشِها..
لكنِ التربيَةُ، هي إعادةُ تشكيلٍ للنفسِ بالتقوَى الذاتِية، فيَستَوِي عندَها وجودُ رقيبٍ من عَدَمِه، لعلمها أن الله شهيدٌ رقيب..
إذًا...

الترويض تطويعٌ مٌؤقَّت، بينما التربيةُ تَطوِيعٌ دائم..

لكني لا أُنكِرُ أنَّ التربيةَ تحتاجُ معَها للترويضِ أحيانًا بالفعل، بل إنَّ بعضَ نظرياتِ الترويضِ المنتشرةِ، موجودةٌ في دينِنا نحنُ قبلَ كلِّ تلكَ الكُتُب..
لَكِنِ الفرقُ، أن الترويضَ في التربيةِ الإسلاميةِ لا يكونُ وحدَهُ بأيةِ حالٍ، وإن وُجِدَ فلا يكونُ هو الأصلُ..
أي إننا يُمكننا الاستغناءُ عنِ الترويضِ ونحن نُرَبِّي،
لكن لا يمكننا الاستغناءُ عن التربيةِ ونحن نُروِّض..

ولأجلِ ذلكَ، فإنَّ خليطَ التربيةِ الإسلاميةِ وَحدَهُ يُحَقِّقُ المعادلةَ التربويةَ المُدهِشة في قوله تعالى: {يَهدِي لِلَتِي هِيَ أَقْوَمُ}..

فإنْ سألَ سائِلٌ:
كيفَ السبيلُ إلى تلكَ التربيةِ الإٍسلاميةِ التي تؤتِي أُكُلَها الطيبةَ دونَ خَلَلٍ بإذنِ رَبِّها،
وتُنشِيءُ أطفالَ المسلمينَ على الاستقامةِ في كلِ حال؟

فالجوابُ في ثلاثٍ:
أولًا: سقايةٌ متينةٌ ومحكمةٌ للعقيدةِ النقيةِ في قلوبهمُ الغَضَّةِ..
كمفهومِ التوحيدِ الخالِصِ وشُرُوطِ لا إلهَ إلا الله/ وأسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه/ وأركانِ الإسلامِ/ وأركانِ الإيمانِ، خاصَّةً رُكنُ الإيمانِ بالأنبياءِ القدواتِ الحسنةِ، والإيمانِ بالملائكةِ الكرامِ الكتبةِ، والإيمانِ بيومِ الجزاءِ والجنةِ والنارِ..
فتلك المنظومةُ المتراصَّةُ بإحكامٍ ستُنبِتُ في قلوبِهِمُ التقوَى والخوفَ من غَضَبِ الله/ والرجاءَ في جَنَّتِهِ ومَحَبَّتِه/ والإخلاصَ/ وحُبَّ الخيرِ وأهلِه/ وبُغضَ الشرِّ وأهلِه/..
وسنفصلُ ذلكَ أكثرَ في مقالاتٍ لاحقةٍ بحولِ اللهِ وقُوَتِه..

ثانيًا: سِقايةٌ متأنيةٌ وعلى مُكثٍ، للقرآن..
وتعليقِهِم بِهِ كغذاءٍ لا غِنَىً عنْهُ،
كغذاءِ البَدَنِ تمامًا بلْ أشد..
فينشأونَ على أنَّ "القرآنَ حياةٌ"، حِفظًا وفَهمًا وحُجَّةً وعَمَلًا ودِرْعًا أمامَ المِحَنِ..

ثالثا: وسائلُ أخرى لا تقلُّ أهميةً، مِن إخلاصِ النيةِ للهِ/ وصِدقِ الاستعانَةِ به/ والقدوةُ/ والصبرُ/ والحبُ والمرحمةُ/ والذِّكرُ للهِ كثيرًا وفيهِ الدعاءُ..
وتكلمنا عنهم من قَبلُ ولازالَ للتفصيلِ بقيةٌ بإذنِ الله..

فختامًا نقولُ،،،
الإسلامُ يُنَشِّئُهُم منذُ صِغَرِهِم على حَملِ هَمِّ الدينِ وهَمِّ إهدائِهِ للناسِ قُدوةً وقِيادة.
ويَنقَعُ قلوبَهم وأعمارَهُم فِي القُرآن.
ويُرَبِّيهُم على الخشونةِ والتخفُّفِ مِنَ الدُنيا وعدمِ الهشاشةِ أو المُيُوعةِ.
ويُلَقِّنُهُم أنَّ مَعَالِي الأمورِ لا نَملِكُ رفاهيةَ تَرْكِها.
ويُعَلِّمُهُم فَنَّ التخطيطِ الشاملِ لحياتِهم حولَ كَعبَةِ رضا الله.
ويَغرِسُ فيهم أنَّ الإنجازَ الساحِقَ والميداليةَ الذهبيةَ = في رضا اللهِ لا الناسِ، وأنَّ ذلكَ هُو الفوزُ العظيم.
وكذلك الإسلامُ يُعَلِّمُكِ وأباهم أن تُلقِناهُم ذلك وأنتُما تحيطانِهِم بحبٍ وتَحنانٍ وحُسْنِ صُحبَةٍ وتَشجِيعٍ واحتواءٍ وصبرٍ وحِكمةٍ..
ويَحَثُّكُما على أن تكونا قدوةً في كلِّ ذلكَ أولًا، ليَقتَفُوا خُطُواتِكما بثباتٍ، فِي فَنِّ ((مَلءِ الصحيفةِ بالحسناتِ))..

فإن رَبَيتُم وتَرَبَيتُم على ضوءِ تِلكَ الثمانيةِ، فلن تقلقُوا من فَخِ الترويضِ، ولن تحتاجُوا إلى الغَربِ لِكَيْ يُعَلِّمُوكُم كيفَ تُرَوِّضُونَ أبناءِ المسلمين..
لأنَّ الثمرةَ إن لم تكُنْ "شابًا نشأَ في طاعةِ الله"، فإننا حِينئذٍ لَم نُرَبِّ غالبًا، وإنَّمَا قد رَوَّضْنا وحَسب..
والتربيةُ صعبةٌ.. أجَلْ..
لَكِنِ الثمرةُ تستحقُّ..
فروِّضُوا أبناءَكم بالإسلامِ..


وهنا قد تسألُ أمٌ فاضلةٌ: هل من نَمُوذجٍ قرآنِيٍّ عَمَلِيٍّ، يُبرِزُ ويُؤكِّدُ هذا الكلامَ، نضَعُهُ نُصْبَ أعينِنا ونَسِيرُ عَلَيهِ؟
والجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..

أسماء محمد لبيب









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 23-10-2021, 11:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (6)

صناعةُ القادةِ والقدواتِ، وآتَيْناَهُ الحُكْمَ صَبِيًّا


أسماء محمد لبيب


كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ = سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
قواعد: (6) صناعةُ القادةِ والقدواتِ.. {وآتَيْناَهُ الحُكْمَ ((صَبِيًّا))..}

{وآتيناه الحُكمَ ((صبيًّا))..}
مَنْ هَذَا....؟
سيدُنا يَحيَى عليهِ السلام..
وما معنى الآية؟
معناها أنَّهُ أُوتِيَ مَعرِفةَ أحكامِ اللهِ والحُكمَ بها، وهو في حالِ صِغَرِه وصِباه..*1
فهل من آيةٍ أخرى؟
نعم: { {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ.. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ((بِيَحْيَى)).. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ((سَيِّدًا)) وَ((حَصُورًا)).. وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} }..

لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مِن نَعِيمِ الدنيا الذِي يُبَشَّرُ بهِ المَرءُ، أن يكونَ ولدُهُ ((سيدًا)).. و((حَصُورًا))..
سَيِّدًا مُؤَثِّرًا فِي الناسِ، لَهُ كلمةٌ مًسمُوعةٌ وينتهِي إليهِ القولُ، سَواءً في دائرتِهِ أو أوسَعَ منها..
وحَصُورًا لا يأتِي الذنوبَ والفواحِشَ، بل حَصَرَ نفسَهُ عَنها، وخَصَّصَ بَدَنَهُ لطاعةِ ربِهِ وَتَزكِيةِ نَفسِهِ،
بالِغًا بذلك دُرَّةً عاليةً في الطُّهْرِ والاستقامة:
= فهو سيدٌ في المَشُورةِ والإمامَةِ، أي: ((قائدٌ))..
= وسيدٌ في الصلاح ِ والعِفةِ والعِصمَةِ من المُنكَرَاتِ، أي: ((قدوة))..
والآيةُ تُشِيرُ إلى أنَّ من أقوَى أسبَابِ ذلك: التسلُّحُ بالعلمِ الشرعيِّ منذُ الطفولةِ، وأخدُهُ بقُوةٍ..

ببساطةٍ..
الآيتانِ تَلفِتانِ نِظَرَنا لنوع ٍ مِنَ التَرْبيةِ اسمُهُ [[ فَنُّ صِناعَةِ القادةِ والقُدْواتِ ]]..
فمِن فُنُونِ صِناعَةِ القادةِ: التربيةُ على هدفٍ أكبرَ من دائرةِ الذَّاتِ: "سيادةُ العالمِ وإمامَةُ الناسِ"..
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ، سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!"
تلك أمٌّ قد فَقِهَتْ الآيةَ، ورَبَّتِ ابنَها بها، حتى صارَ "مَعاويةَ بنَ أبِي سُفيان"، داهيةَ العَرَبِ قبلَ الإسلامِ وأحدَ فُضلاءِ الصحابةِ بعد الإٍسلامِ.. رضي الله عنه..
أما نحنُ اليومَ؟... فنتَحَسَّسُ رقابَنا إذا فَكرْنا في مُخاطَبَةِ بَعضِ الناسِ بأدبياتِ تربيةِ تلكَ النفوسِ التِي سادَتِ الدنيا..!!
هذا فيما يَخُصُّ فَنَّ صِناعةِ القادةِ..

أما فيما يَخُصُّ فَنَّ صناعةِ القُدْواتِ:
فمِن أقوَى ما يُعِينُ عليهِ وأشارتْ إليهِ الآياتُ، تربيةُ ولدِكِ على الانتباهِ جيدًا لسلوكياتِهِ ومواضعِ خُطُواتِه حِرصًا على خُطُواتِ الناسِ خَلفَهُ، إخوتِهِ وجِيرانِه وصُحبَةِ المَسجِدِ والمَدرَسةِ وغيرِهم.. فتَكرَارُكِ ذَلِكَ عليهِ دومًا، من أقوَى وسائلِ تَنمِيَةِ حِسِّ القُدْوَةِ بداخِلِه..
مثلما فَعَلَ سيدُنا عُمَرُ معَ سيدِنا طَلحةَ..
ففي يومٍ مِن أيامِهِمُ النَّدِيَّةِ، رأى سيدُنا عُمَرُ سيدَنا طلحةَ وهو مُحرِمٌ بملابسَ مصبوغةٍ، فسألَهُ عن ذلكَ.
فقالَ لهُ طلحةُ: إنما هُوَ مَدَرٌ – أي إنه طِين ٍ لَزِج ٍ فحسْبْ.. وقد ظَنَّهُ سيدُنا عُمَرُ صبغةَ ألوانٍ من التِي لا تَجُوزُ في حَقِّ الرِجالِ..
فقال عُمَرُ جُملتَهُ الذَّهَبِيَّةَ:
[[ إِنَّكُم أيُّها الرَّهطُ أئمَّةٌ يَقتدِي بكُمُ الناسُ.. فلو أن رجلاً جاهِلاً، رَأَى هذا الثوبَ، لقالَ: "إنَّ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلبَسُ الثيابَ الْمُصَبَّغَةَ في الإحرامِ"، /فلا تَلبَسوا أيُّها الرَّهطُ شيـئًا من هَذِهِ الثِّيابِ المُصَبَّغَةِ..]]
رضِيَ اللهُ عن لَئالِيءِ الأُمَّةِ..

ونقولُ خِتاماً..
= رَبِّي وّلَدَكِ على سِيادةِ الدنيا بالقدوةِ الصَّالِحَةِ..
= فِإنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَسِيادةُ قومِه..
= فإن لمْ يَستَطِع، فسيادةُ نَفْسِه وامْتِلاكُ زِمامِها، كَأهَمّ وأَجَدَرِ غايَةٍ للِفلاحِ..
= وهَيِّئِيهِ لتلكَ الدَرَجاتِ العُلَى بِالعِلمِ والقُوَّةِ وكلِّ الأسبابِ، مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ..

فقطْ نَنتَبِهُ ونحنُ نُرَبِّيهِمْ على سِيادَةِ العالَمِ، أن لَّا نَزرَعَ فيهم حُبَّ الرِّئاسَةِ ولا السَّعْيَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ مَالٍ أَوْ مَنصِبٍ أو زَعَامَةٍ، وَلا دُونَ جَدَارَةٍ واستِحقَاقٍ.. فلا يُقَدِّمُ نَفسَهُ لِلقِيادَةِ والإداراةِ وما شابَهَ إلَّا إذا تَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالكَفاءَةِ وَالإِخلاصِ للهِ، كما فَعَلَ سيدُنا يوسفُ {اجعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الآرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. وكما دَعَا عِبادُ الرحمَنِ الذين زكاهم الله: {وَاجعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}..

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟.. فَضَرَبَ ﷺ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ.. إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» "..

لكن في نفسِ الوَقتِ، عن عُثمانَ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "يا رسولَ اللهِ! اجعَلْنِي إِمَامَ قومِي" فقالَ ﷺ: أنتَ إِمامُهُم..
رُغْمَ أَنَّهُ كانَ أصغَرَ قَومِه مِن وَفدِ بَنِي ثَقِيف، إلا إنَّهُ كانَ أحْرَصَهُم عَلَى طَلبِ العِلمِ بَينَ يَدَيِ النبيِ ﷺ، فاستَحَقَّ إمَامَتَهُم..

فالأمرُ أولًا وأخيرًا بضوابِطَ وأدواتٍ نربيه عليها أولًا، ولا يَتَسِعُ لها المَقامُ هُنا..
فيكونُ سَعْيُه لِلقِيادةِ والقُدوَةِ وَسِيلَةً لنَشر ِ دِينِ اللهِ، وليستْ غايةً لِصَرْفِ وُجُوهَ النَّاسِ إِليهِ..
فحِينَها ((سيَحيَى)) بِحَقٍ كَسِيدِنا ((يَحيَى))، الذي كان سَيّدًا فِي النَّاسِ بعِلمِهِ وعملِهِ ذا كَلِمَةٍ مَسمُوعَةٍ، وسيدًا في الصلاح ِ ذا نَفْسٍ حَصُورَةٍ عن الشَّهَوَاتِ والذُّنُوبِ، وسَيِّدًا فِي الأنبياءِ بَلَغَ مِنَ الخَيرِ والكمالِ البَشَرِيِّ ذُرْوَتَهُ..

فيُحْيِي اللهُ الناسَ بِوَلَدِكِ، و((يَحيَى)) هو خالدَ الذِّكْرِ بِلِسانِ صِدْقٍ فِي الآخِرِين.. بحول ِ اللهِ وقُوَّتِهِ..

وهُنا يَأتِي سؤالٌ: كيف يَلِينُ بَينَ يَدَيْكِ فِي كُلِّ ذَلِك...؟
والجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بِإذنِ الله..


--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 23-10-2021, 11:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (7)

الصِدْقُ والعدلُ أساسُ المُلْك.. {لأعدِلَ بينَكُم}


أسماء محمد لبيب



إِذا سَألْنا كيفَ يَلِينُونَ بَينَ يَدَيكِ ويَثِقُونَ في توجيهاتِكِ، فإنَّ أَوَّلَ صِفَتَينِ تملكِينَ بِهِما -بحولِ اللهِ وقوتِهِ- زِمامَ قلبِهِمْ وعقلِهِمْ، هُمَا: الصدْقُ والعدلُ.. وتأتيانِ قبلَ حَتَى كلامِنا عن الحُبِّ والحَنان..

فحنانُكِ مَعَهُم ومَرحَمَتُكِ، ومُشارَكَتُكِ إياهُم لَعِبِهِم، وإلقامِهِمْ مَا لَذَّ وَطابَ مِنَ الأطعِمَةِ، واهتمامُكِ بتفاصِيلِهم المُحببَةِ إليهِم، وتَلْقِينُكِ إياهُم الخِبراتِ الحياتِيَّةِ بِلِينٍ ورِفقٍ، وضَحِكُكِ مَعَهُم وحِرصُكِ على مَصلَحَتِهِم في العاداتِ الصحيةِ، وما إلَى ذلكَ مِنْ مَظاهِرِ أمُومَتِنا لِفَلَذاتِ أكْبادِنا، إن كانتْ جَميعُها لَدَيكِ بنِسَبٍ مُتَوَسِّطَةٍ أو مَقبُولَةٍ، فلا تُحبَطِي مَادُمْتِ في الصِّدقِ والعدلِ تُحَقِّقِينَ دَرجاتٍ نِهائِيةٍ ونِسَبًا قِياسِيَّةٍ...

بلْ أُبَشِّرُكِ: سَتَملِكينَ قلوبَهُمْ أسرَعَ وأقوَى بإذنِ الله..
وبالمُقابِلِ: قد تكونُ نسبتُها كلُّها في أُمُومَتِكِ عَاليةً جِدًا وتَبذُلِينَ فِيهم مَجهُودًا جَبارًا قاصِمًا للظَّهرِ (باركَ اللهُ فِيكِ وتقبلْ مِنكِ فهوَ مِن مَعانِي الأمُومَةِ الجَميلةِ قَطعًا بلا شَكّ)، لكنَّكِ في ذاتِ الوَقتِ تُخفِقِينَ في تَحقِيقِ النَّجاحِ في درجاتِ الصدقِ والعدل، أو ربما في نَظَرِ أولادِكِ قد أحرَزتِ درجةَ السُّقوطِ والعياذِ بالله، فهُنا أخشَى أن أحَذِّرَكِ: أنكِ قد تَخسَرِينَ قُلُوبَهُمْ وعُقُولَهُمْ مهما فَعَلْتِ لهم من مُبهِجاتِ، إلا أنْ يَرحَمَكِ اللهُ، لأنَّ أبناءَكِ هكذا يَفقِدُونَ الشعورَ بالأمانِ في جَنابِك،ِ والثقةِ في حُكمِكِ أو كلامِكِ..
نَعَم سَتَرَيْنَ أبناءً بَارِّينَ مُطِيعِينَ فهذا هو دِينُهم، لكن قلوبُهم وعقولُهم لا سُلطانَ لهُم عليها، ستكونُ مُهاجِرةً من وَاحَاتِكِ لواحاتٍ آُخرَى آمِنَةٍ، بحثًا عن الصدقِ والعَدلِ..
لذلك هما أكثرُ صِفَتَينِ غَيرُ مَقبُولٍ فيهما نِسَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ، بل لا أبالغُ إنْ قُلتُ غَيرُ مَقبُولِ فيهما أصلًا أقلَّ من مائة بالمائة.
حين ضاقَتْ الدنيا على الصحابةِ لشدةِ تَعذِيبِ قريشٍ لهم، وصَّاهُم النبيُّ ﷺ بالحَبَشَةِ..
لماذا بالذات......؟
الجوابُ مِنَ الحديثِ: «لأنَّ عِندَهُم مَلِكٌ لا يُظلَمُ عِندَه أَحَدٌ: النَّجَاشِيّ» (السلسلة الصحيحة)
فكانَ عدلُه سببًا لأن تَهوِي إلَيهِ القلوبُ مِن كُلِّ جَانِبٍ..
فالأمانُ مُقُدَّمٌ على الحُبِّ، لأنَّ دَفْعَ الضَرَرِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المنفعة..
بل لا حُبَّ بِدونِ أمانٍ....
ولا أمانَ بِدونِ عدلٍ...
ولا عدلَ بِدونِ صِدق...
وحينَ كانَ هُناكَ نِزاعٌ بينَ فَريقَينِ من الصحابةِ، حولَ مسألةِ "أيهُما أحقُّ برسولِ اللهِ ﷺ، احتِجاجًا بمِعيارِ "أيهُما الأسبَقُ للهِجرَةِ مِنَ الآَخَرِ"، كان بعضُ المهاجرين يقولون لمُهاجِرَةِ البَحرِ الذينَ هاجَرُوا للحَبَشَةِ قَبلَهُمْ بالسفينةِ ثمَّ بَعدَ بِدْءِ الهِجرَةِ لِلمَدِينَةِ هَاجَرُوا للمدينةِ:
"نحنُ سَبَقناكُم بالهجرَةِ ونحنُ أحقُّ بالنبيِّ مِنكُمْ"..!!
وفي مَرَّةٍ، قالها سيدُنا عُمَرُ لإحدَى مُهاجِراتِهم: السيدةُ أسماءُ بِنتَ عُمَيْسْ.. فَغَضِبَتْ بشدةٍ وقالتْ له كلامًا مُلَخَّصُهُ:
"هذا الذي تقولُهُ يا عُمَرُ كَذِبٌ!!.. وإِنَّكُمْ كُنتُمْ في أمانٍ والنَّبِيُّ ﷺ بينَ أظهُرِكُم يُطعِمُ جائعَكُم ويُوعِظُ جاهلَكُم، بينما نَحنُ كُنا وَحدَنَا بِدونِهِ، نُؤذَى ونَخَافُ للهِ وفي اللهِ ورسولِه..!! "
وأقسَمَتْ ألا تَأكلَ أو تشرَبَ إلا بعدَ تبليغِ الرسولِ ﷺ بالأمرِ ليأتيَ لها بحقِّها هِيَ وَمَنْ مِثلِها مِنْ مُهاجِرَةِ الحَبَشَةِ.. فلما اشتكتْ للنَّبِيِّ ﷺ، أنصَفَها وخَطَّأَ سيدَنا عُمَرَ، قائلًا إجمالًا: « ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان » (رواه البخاري ومسلم)
تَتَخَيَّلُونَ حَجمَ سعادتِها وقومِها بهذا الإنصافِ المُنتَظَرِ، ومَدَى تمَلُّكِ النَّبِيِّ ﷺ لقلوبِهم وعقولِهم بعدَها أكثرَ وأكثرَ؟
وصَفَتْ، جانبًا من رَدّ فِعلِهِم فقالتْ: ((ما مِنَ الدنيا شيئٌ هُم بِهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهِم مما قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ..))
فيا أيَّتُها الأمهاتُ الطيباتُ..
- اعْدِلنَ بينَ أولادِكُنَّ: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]
- واحكُمنَ بينَهُم بالعدلِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} [المائدة:42]
- وأنصِفُوهُنَّ مِن أنفُسِكُنَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]
- وأَتْقِنَّ الصِّدقَ والعَدلَ..
- وكُنَّ مَلاذَهُمُ الآمِنَ الأمِين...
تَملِكْنَ قلوبَهمْ بإذنِ مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار..
فالعدلُ أساسُ المُلْكِ.. والصِّدْقُ أساسُ العدلِ.... والعدلُ هو بَذْلُ الحُقُوقِ بلا نُقصَانَ، والتسويةُ بَيْنَ المُستَحِقِّينَ في حُقُوقِهِم..
وأَعدَلُ قانونَ حُقُوقٍ تُطَبِّقِينَهُ مَعَهُم، بَلْ تَخضَعُونَ لَهُ جَميعًا بأمانٍ فلا تَناقُضَاتٍ فيه تُفقِدُ الثِّقَةَ في عَدَالَتِهِ وتُفسِدُ الوُدَّ وتُوغِرُ الصدُورَهو العدلُ الإلهيُّ، المُتَمَثِّلُ في شَرعِهِ الحَكيمِ الذِي أُحكِمَتْ آياتُه.. ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كثيرًا وميلًا عَظيمًا..
في قانُونِهِ خَمسَةُ أحكامٍ للأمورِ: واجبٌ/ حرامٌ/ مَكرُوهٌ/ مُستَحَبٌ/ مُباحٌ..
- أنصِفِي ابنَكِ مِنكِ فِيهِنَّ تَملِكِينَ قَلبَهُ وعَقلَهُ وتُعَزِّزِينَ إيمانَه بإذنِ الله..

وتَذَكَّرِي أنَّ نِصْفَ حُرُوفِ الـ ((أَ مَ ا ن)) هي الـ ((أُ مَّ)) ..
إلا ما كانَ عَنْ تَقصِيرٍ بَشَرِيٍّ طَبِيعِيٍّ، فنُسارِعُ بَعدَهُ بالإِقرَارِ بالخَطَأ، وهذا عَيْنُ الصِّدقِ والعَدْلِ..فكلنا ذَوُو خَطأٍ، وخَيرُ الخَطائِينَ التوَّابُون..
والسؤالُ: كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَهُمْ بالأحكامِ الخَمسَةِ؟ وما علاقتُها بِالتَربِيةِ وتأسيس السلوك وتعديله؟
والجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذنِ الله.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 27-10-2021, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (٨)
وأنزلْنا مَعَهُم ((الكتاب)) و ((الميزان)) ليقومَ الناسُ بالقِسط..


أسماء محمد لبيب





[[ قوانين الأسرة]]


كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَ أبنائِنا بالأحكامِ الخَمسَةِ؟
بالكتابِ والمِيزانِ: {لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ.. وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ}
المسألةُ ليستْ بهوَى الأمهاتِ ولا الأبناءِ.. المسألةُ: بالكتابِ والميزانِ.. هم ونحن عباد لله.. {وَمَا ٱختَلَفتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ}.
فما الكتابُ والميزانُ؟ هما باختصارٍ: الدينُ والعدلُ.. الحَقُّ المِسطَرَةُ للمَنطِقُ المُستَقيمُ...
فحين يَشكُو إِليكِ ابنُكِ أمْرًا في الحياةِ لا يُعجِبُه، فقبلَ أنْ تقولي له "هذا خطأٌ أو ليسَ خَطَئًا، أو هذا ليسَ مِنْ حقك الشَكوَى مِنه أو أنتَ مُحِقٌ في شَكواكَ"، عليكِ أولًا:
-أنْ تَزِنِي الفِعلَ بمِيزانِ الشَرعِ.
-وأن تُبَيِّنِي لهم كلَّ مَرَّةٍ أنكِ تَحكُمِينَ على الأمُورِ أو تُعَدِّلِينَ سلوكَهم وِفْقَ الكتابِ والميزان.
-وتَسُوقِينَ لِذلكَ دليلًا من مَصادِرِ التشريعِ التي نَستَقِي مِنهَا حُكمَنَا على الأمور، سواءٌ مِنَ المَصادِرِ المُتفقِ عليها من آيَةٍ أو حَدِيثٍ أو قِياسٍ أو إجماعٍ، أو المختلَفِ عَلَيها كالاستِحسانِ، والمَصَالِحِ المُرسَلَةِ، والاستِصْحابِ، والعُرْفِ، ومَذهَبِ الصَحَابِيِّ، وشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وسَدِّ الذَّرائِعِ..
وكلُها مُستَقَاةٌ بأدِلَّةٍ، مِنَ المَصدَرَينِ الأَصْلِيَيْنِ للتشرِيعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ/ وتابِعَةٌ لَهُما/ ولا تَسبِقْهُما..
وتلك هي عَلاقَةُ الأحكامِ الخَمسَةِ بِالتَربِيةِ وتأسِيسِ السُّلوكِ وتَعْدِيلِه..
مع العِلمِ أن مراعاةَ المكروهِ والمُستَقبَحِ في العُرْفِ، مَطلُوبٌ شَرَعِيٌّ، بل مِن مَحَاسِنِ الإسلامِ وواقِعِيَّتِه، ما لمْ يُخالِفِ الشَّرِيعَةَ..
فدينُنا لم يَترُكْ أيًّا مِن أُمُورِ حياتِنا اليَومِيَّةِ إلا وأرشَدَنا فِيها لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وأرقَى..
سواءٌ قَصَّةُ الشَّعْرِ، وَشَكلُ وَطُولُ الأظافرِ، والنظافةُ الشخصيةُ، والأدَبُ حتى مَعَ نَواةِ التَمرَةِ والزيتونَةِ، وألوانُ الملابسِ وهَيئتُها، وطريقةُ الأكلِ ونَوعِيَّتُهُ وآدابُه، وفِقهُ الهَدِايا والعَوَراتِ والأماكِن، وآدابُ الصُّحبَةِ والزِيارةِ والحِوارِ واللَعِبِ والمِزاحِ وإخراجِ الريحِ،
صُعودًا إلى العِبادَاتِ والفرائضَ والأركانِ والمقاصِدِ الكُبرَى للدين..
مَا فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيءٍ.. وكُلَّ شَيءٍ فَصَّلناهُ تَفصِيلًا... فالحمدُ للهِ علَى الإسلامِ.. أكملُ وأحكَمُ وأشمَلُ قَواعِدَ وأدواتٍ تَربَوِيَّةٍ في الوُجُود..

نَموذَجُ حِوارٍ تأسيسيٍّ لقانونِ الأُسرَةِ:
يا أبنائِي الأعزاء،،
-لن أقولَ على أمرٍ ما أنَّهُ ((خطأٌ)) لمجردِ أنَّ هذا الشيءَ ليسَ مُوافِقًا لذَوقِي وهَوَايَ، وإنَّما لأنَّ هذا حُكمُ الشرعِ فِيه.
-ولن أقولَ على أمرٍ ما أنهُ ((جميلٌ وصَوابٌ)) بِغَضِّ النَّظَرِ عَن رَأيِ الشَّرعِ فِيهِ ولمجردِ أنِّي أُحِبُّهُ..
-وإنما لوِ الأمرُ وُجهَةُ نَظَرٍ فسأقولُها صَرَاحَةً: هذا رأيِي الشخصيُّ ولكم ما شِئتُم..
-ولو الأمرُ شَرعِيٌّ فسأقولُ بوضَوحٍ: هذا رأيُ الشَرْعِ وهَاكُمُ الدليلُ..
-فأقولُ على الخطأِ الشَرْعِيٍّ حَرامٌ.. ولا أقولُ على المَكرُوهِ أنه حَرامٌ أو مُنكَرٌ.. ولا أقولُ على المُستَحَبِّ أنَّه واجِبٌ أو فَرْضٌ.. وأقولُ على الخطأِ العُرفِي: ((لا يَلِيقُ كذا/ أو الأقربُ للتقوَى والجَمالِ ومُرادِ اللهِ وسَدِّ الذرائعِ وتَحقِيقِ المَصْلَحَةِ كذا..))
-ولَنْ أُمَكِّنُكُم مِنَ المُنكَرَاتِ، ولنْ أُجبِرَكُم على المُستَحَبَّاتِ، لكن سأُحاسِبُكُم على تَركِ الواجِباتِ والمسؤولياتِ، وسأنصَحُ لكُم في المُشتبَهاتِ بتركِها أحوطَ لِدِينِنا وعِرْضِنا..
-بوضوحٍ هكذا في كُلِ مَسألةٍ دونَ خَلطٍ للأمُورِ ولا تَذوِيبٍ للفَواصِلِ بينَ الدينِ والعُرفِ والهَوَى، فَلَا أُشَدِّدُ عَليكمْ بِغَيرِ حَقٍّ ولا أُفَرِّطُ في حَقٍّ للهِ والعِياذُ باللهِ.. فدِينُنُا قدْ قالَ: {كُونُوا قَوامِينَ بِالقِسطِ} ، {وَإِذَا قُلتُمْ فَاعدِلُوا}، و «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ...
-بالتالي يا حباتِ الفؤادِ، مَن يَعتَرِضْ مِنكم بعدَها على قَبولِ حُكْمِ الدينِ في شأنِه، يَكُونُ رافِضًا لِحُكمِ اللهِ، وقد جاءَ الإسلامُ لِنُخرِجَ أنفُسَنا من داعِيَةِ هواها ونُطَوِّعُها لِمرادِ اللهِ: { {أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ یَبۡغُونَ.. وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ} }.. { {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيؤِ هُدًى مِنَ الله} }؟...
-فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا العِنادَ، فَذَلِكَ لَنْ يَمنَعَني مِنَ الاستمرارِ في تَربِيَتِكُم بِما يُرضِي رَبِّي ورَبِّكُم، وأَزِّكُم أَزًّا علَى فِعلِ الخَيرِ وتَركِ الشَّرِ، وتَكرَارِ النُّصحَ لكُم سِرًا وَجَهرًا، لَيلًا ونَهَارًا، بأمرِ اللهِ: " {فَاصدَعْ بِما تُؤمَرُ} "..
-فإِصرارُكُم علَى الخَطَأِ لن يَجْعلَنِي أترك نُصحَكُم وتَذْكِيرَكُمْ:{ {أفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} }؟
ولا أَرضَخُ وأُسَهِّلُ لكُم المُنكَرَاتِ، فكلٌ مِنا يَجمَعُ لصَحِيفَتِهِ: { {قُلْ كُلُّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} }، { {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ} }، { {وَمَن یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} }..


فإن وَجَدتِ بَعدَها أيتُها الكريمةُ، أحدَهُم مُتَضَجِّرًا بَعدَ مَا بَيَّنْتِ لَهُ مِيثاقَ القَوانِينَ الحاكِمَةِ للأُسرَةِ تَحتَ مِظَلَّةِ شَرعِ اللهِ، فهذا يَعنِي أَنَّهُ بِحاجَةٍ للتَذكِيرِ بالتوحيد وحُقوقِ العُبُودِيَّةِ والشُرُوطِ السبعة لـ"لا إله إلا الله"، إلَى آخِرِ مَا بَينَّاهُ فِي القاعِدَةِ الخامِسَةِ،
لِتُوقظي لَدَيْهِ {سَمِعنَا وَأَطَعْنَا} مَعَ اللهِ ثانيةً، رَغَبًا وَرَهَبًا..

{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ}.. وسنفصلها أكثر في الممنوعات التربوية بإذن الله..
{فَإِنْ أَسْلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهْتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَیْكَ ٱلْبَلَـٰغُ.. وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلْعِبَادِ}..

وتذكري دومًا قول أبي حامد الغزالي رحمه الله:
"الصبي أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهرُ جَوهَرَةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورةٍ، وهو قابلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كلِ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليهِ، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرةِ أبواه وكلُ مُعَلِّمٌ له ومؤدبٌ.. وإن عُوِّدَ الشرَ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه"


وهنا يأتي سؤال: هل مِن قواعدَ تفصيليةٍ أكثر لإدارةِ الأزمات بالعدلِ بيني وبين أبنائي....؟
والجواب في المقالة القادمة بإذن الله..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 27-10-2021, 10:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (9)

قواعدُ إدارةِ النزاعاتِ مع ابنكِ: من القرآن..


أسماء محمد لبيب


-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

حين تحدثُ أزمةٌ بينِكِ وببنَ وَلَدِكِ، ما القواعدُ التفصيليةُ التي تمشينَ عليها تَطبيقًا لما سَبَقَ من القواعدِ العامة؟
بدايةً.. استحضِرِي الغايةَ الكبرى: إرضاءُ ربُ العالمين.. واستحضِري نظرَه إليكِ وتسخيرَهُ لملكينِ عِندَكِ يَرصُدانِ كلَ ما تلفِظِينَ من قولٍ أو فِعل... {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
وبناءً عليه..
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
وليس ((نفسيتَكِ)) أنتِ/ وتفريغَ انفعالاتِكِ: {ونَهَى النفسَ عنِ الهَوَى}..
-بالتالي لاتَغضَبي لنفسِكِ.. اغضبِي للهِ فقط: { {ليس لكَ مِنَ الأمرِ شيء} }
-فإن كان الغضبُ لغيرِ اللهِ وإنما لعارضٍ مِن الأمورِ الحياتِيةِ مثلا، فاذكُرِي اللهَ وتَعَوَّذِي مِن الشيطانِ واتْلِي قُرآنًا لتسكينِ القلوبِ وترغيمِ الشيطانِ وتَهيئةِ النفوسِ للخير:{ {وإما يَنزَغَنكَ مِنَ الشيطانِ نَزغٌ فاستعِذ بِالله} }/ { {ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القلوب} }/ {إنَّ هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِيَ أقوَمُ}..
-ثم أنزِلِي حُكمَ اللهِ على المشكلةِ كما فَصَّلنا في مَقالَتَيْ العدلِ/ والكتابِ والميزان: { {وأنِ احكمْ بينهم بما أنزلَ اللهُ} }.. {فلا وربكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّمونَكَ فيما شَجَرَ بينَهم ثم لا يَجِدُوا في أنفُسِهِم ((حَرَجًا)) مما قَضَيتَ.. ويُسَلِّمُوا تَسلِيمًا}.. { {وَمَن لَمْ يَحكُمْ بِما أنزلَ اللهُ فأولئكَ هم الظالمون} }
-وإن ثبتَ أنكِ أنتِ المُخطِئة، فاعترفي بالحقِ بشجاعةٍ وتواضُع: { {كونوا قوامينَ بالقِسطِ شُهُداءَ للهِ ولو عَلَى أنفُسِكُمْ أو الوالدينِ والأقربين} }
-ولا تترددي في إعطاءِ صاحبِ الحقِ حقَه،ُ ولا تنسِبِي الخَطَأَ لغيرِكِ بغيرِ حَقّ: {وَمَن يَكسِبْ خَطيئةً أو إِثمًا ثمَ يَرمِ بِهِ بريئًا فقدِ احتَمَلَ بُهتانًا وإثمًا مُبِينًا}
-ولا تُتْبِعِي ذلكَ الحَرَجَ بويلاتِ عقوباتٍ وجزاءاتٍ شتَّى حِفظًا لماءِ وجهِكِ وتنفيسًا عن ضِيقِكِ من كَونِكِ المخطئة.. كلا: فكما قلنا: {ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهِم حَرَجًا مما قضَيْتَ}.. { {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} }... { {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا.. اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتقْوَى} }.. { {وقد خابَ من افتَرَى} }.. {وقد خابَ من حَمَلَ ظُلمًا}...
-واحذَرِي من مُعاقَبَةِ كل البيتِ بجريرةِ شَخصٍ واحد: { {ألا تزِرُ وازرةٌ وِزرَ أُخرَى} .. { وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما ((سَعَى))} ..}
{ {وَلَا تَعْتَدُوا.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} }/ { {واللهُ لا يُحِبُ ((الظالِمِين))} ..}
-وإياكِ أن تتهاوَنِي في حَقِ الناسِ إرضاءً وانحيازًا لأحدِ أبنائِكِ لو كانتْ الأزمةُ تَمَسُّ حَقًا للهِ أو الآخَرِين: {إنما أموالُكُمْ وأولادُكُم فِتنةٌ واللهُ عندَهُ أجرٌ عظيم}.. {لا تُلهِكُم أموالُكم ولا أولادُكُم عن ذِكرِ اللهِ.. وَمَنْ يفعلْ ذلكَ فأولئكَ هُمُ الخاسِرُون}.. {إنَّ مِن أزواجِكم وأولادِكُم عَدُوًا لكم فاحذَرُوهُم}..
-خاصةً حقوقُ الناسِ فلا تَرضَيْ فيها بالظلمِ ثم أنتِ عندَ حقِكِ وحقِ أبنائِكِ تُقِيمِينَ الدنيا حرائقَ وتقولينَ "هذا لا يُرضِي الله"، كلا.. فهذا مِن أمراضِ القُلُوب: { {ويلٌ للمطففين} }.. { {وإذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِه ليَحكُمَ بينهم إذا فريقٌ منهم مٌعرِضُون.. وإن يَكُن لهمُ الحقُّ يأتُوا إليهِ مُذعِنين} }
-و كلُّ ما عَدَا حَقِّ اللهِ والآخَرِين، وتقدِرِين على العَفوِ فِيه، وتعلَمِينَ أن عَفوَكِ لَن يُفسِدَ وَلَدَكِ ولن يُجَرِؤه أكثرَ على التمادِي، فاعفِي واصفَحِي: {وأن تعفُوا أقرَبُ للتقوَى}.. {والصُلْحُ خَيرٌ}.. {والكاظِمين الغيظَ والعافِينَ عنِ الناسِ}.. {وإذا ما غَضِبُوا هُم يَغفِرُون}
-واجعليهِ عَفوَ الكرام لا عفوٌ فيهِ مَنّ وأذَى: { {فاصفَحِ الصَفحَ ((الجميل))} }.. { {قَولٌ معروفٌ ومَغفرةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذَى واللهُ ((غَنِيٌّ حَلِيم)).. يا أيها الذينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدقاتِكُم بِالمَنِّ والآذَى} }..
-وإياكِ وكُفرانَ العِشِير، فلا تَشطُبِي مواقفَهمُ الطيبةَ بِسببِ غَضَبِكِ: {ولا تَنسَوا الفَضْلَ بينكُم}.. {إن اللهَ يأمُرُ بالعَدلِ والإِحسانِ}
-وَتَخَيِّرِي ألفاظَكِ بعنايةٍ فمِن الكلامِ ما قَتَل: {وقُل لعبادِي يَقولُوا التي هِي أحسَنُ إنَّ الشيطانَ يَنزَغُ بينَهُم}.. {وقُولُوا للناسِ حُسنًا..}.. {لا يُحِبُ اللهُ الجَهرَ بالسوءِ مِنَ القَولِ إلا مَن ظُلِم}.. { {وهُدوا إلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ} }..
-و اسمعي منه فقد يكونُ مُجردَ سُوءِ فَهم: { {فتبينوا أن تُصِيبُوا قومًا بجهالَةٍ فتُصبِحُواعلى ما فَعَلتُمْ نادِمِين} }
-وإن عَجَزتِ عَن حَسمِ الحُكمِ واشتبهَتْ عليكِ المسألة، فلا تَتَعَجَّلِي بحُكمٍ عَشوائِيٍّ لإنهاءِ المَوقِفِ وحَسب، بل فَهِّمِي أبناءَكِ أنك فَوَّضْتِ الحُكمَ للهِ عَالمِ الغيبِ والشهادة.. هذا أفضلُ عندَ رَبِكِ وأبنائِكِ من أن تَتَبِعِي الهوَى فتظلِمِي: {فلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أن تَعدِلُوا}
-ولا تُكثِرِي مِن الحَلِفِ باللهِ وأنتِ غَضْبَى كيلا تَندَمِي.. ولو أقسَمْتِ على شَيء، فَبَرِّي قَسَمَكِ إن لم يِكُنْ فيهِ إثمٌ أو عذابٌ وَعَنَتٌ على أهلِك، وإلا فَلتَحنثي ولتُكَفّرِي عَن يَمِينِكِ طالما الخيرُ والإصلاحُ في ذلك: {ولا تجعَلوا الله عُرضَةً لأيمانِكُم أن تَبَرُّوا وتَتَقُوا وتُصلِحُوا} { {واحفَظُوا أيمانَكم} }.. فحِفظُها يَكُونُ عنِ الكَذِب/ أو الإسرافِ/ أو الحِنْثِ إِلا لِخَير..

وختامًا..
أعلمُ أن كَبحَ زِمامِ النفسِ شديد، وأننا لن نُوَفَّقَ فيهِ دومًا..
لكنه يسهلُ بالاستعانةِ بالِله: { {واستعينوا بالصبرِ والصلاة} }...
وبالمجاهدةِ المستمرةِ كما في الوصيةِ النبوية: "استَعِن باللهِ ولا تَعجَز"/ إنما العِلمُ بالتعلمِ وإنما الحِلمُ بالتحلُم.."
مع تَذكِيرِ النفسِ دَومًا أنهم أمانةٌ في حُجُورِنا قد وهَبْنا غَرسَها للهِ بلا حَظِ نَفسٍ أو مَصلحةٍ سِوَى الفِردَوس..
وبذلك لن يكونَ سَهلًا عَليكِ ظُلمُهُم والثأرُ لِنفسِكِ، وسيكونُ ذِكرُ اللهِ رفيقَكِ، وستَقطِفِينَ ثمرَةَ حُبِهِم واطمِئنانِهم مَعَكِ، فتغنَمِينَ في الدنيا والآخرةِ ما يُعَوِّضُ صَبرَكِ، فمَن تَزَكَّى فإنما يتزكَّى لنفسِه...

فإن سألتِ: كيفَ نوازن بين الحِرصِ على نفسيتِهِم و" {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء} "،
وبين تعلِيمِهِمْ تَحَمُّلِ عواقِبِ الأمور؟
فالجوابُ في القاعِدةِ القادمة بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 27-10-2021, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (10)

تفصيل قاعدة {ليس لك من الأمر شيء}


أسماء محمد لبيب





فإن سألتِ: كيفَ نحقق قاعدةَ "ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء"، دون إهمالِ تَعلِيمِهم تَحَمُّلِ عَواقِبِ الأمور؟

مثلا، إذا سَقَطَ منه كوبُ العصير دون قصدٍ أو إهمال، أو لم يصنعْ لكِ كوبَ قَهوَتِكِ كما تحُبِينَهُ، أو دَخَلَ إلى المنزِلِ بحذائِهِ الممتليءِ بالرملِ، أو أغلقَ السيارةَ قبل أن تنزِعوا المفاتيحَ منها، أو أضاعَ هاتفَهُ أو نَزَلَ إلى المَسبَحِ ناسيًا أن الهاتفَ فِي جَيبِهِ.. إلى آخِرِ تلكَ المواقفَ اليوميةِ العفويةِ التي لا تتماسُّ مع العقوقِ أو الحقوقِ، ومتصلةٌ بأمورٍ دنيويةٍ لا دينية، وليس فيها شُبهَةُ إهمالٍ أو سوءُ خُلُق..
فبدايةً:
-استهدِي باللهِ وحَوقِلِي واسترجِعِي واحمَدِي اللهَ علَى كُلِ حال..
ثم اقبَلِي اعتِذارَهُ ولا تُشعِلِي البيتَ حرائقَ على مِثلِ تلكَ الأمور، مهما كانتْ مُوجِعةً لكِ وسخيفة..

-وفهّمي ولدَكِ أنها دنيا لا تُساوِي عِندَ اللهِ جَناحَ بَعوضةٍ فلن تغضَبِي لفواتِ دُنيا، وأنكِ ستحتَسِبِينَ أجرَ كَظمِ الغيظ، لأنكِ دومًا تَدْعِين أن يُصَبِرَكِ اللهُ على مصائبِها ومُنَغِّصاتِها وسخافاتِها كي تَغنَمِي أجرَ الصبرِ الجميلِ، وأنكِ تَحمَدِينَ اللهَ أنها ليست مَصائبَ في الدينِ ولا فِيهم فالحمدُ للهِ أنهم بِخير.. وأن قُدوَتَكِ في ذلكَ النبيُ ﷺ الذي لم يغضَب لنفسِهِ ولا انتقمَ لها قَط ..
-واجعَلِيهِ يُساهِمُ في إصلاحِ الخطأِ قدرَ استطاعتِهِ، فلا تَحمِلِي عنهُ واجِبَ الإًصلاحِ إلا قليلًا حسبَ تقديرِكِ للظرفِ الراهِنِ، بكلِ هدوءٍ وصبرٍ وحِلم..
فمادامَ قد أخطأَ رُغمًا عنهُ ودونَ إهمال، ووَجَدتِهِ نادمًا، فسامحِيه.. ولا تلومِيهِ كأنه مُتُعَمِدٌ.. ففي الحديث: «رُفِع عن أمَّتِي الخطأَ والنسيانَ وما استُكْرِهُوا عَلَيه»
ولو كان أخطأَ عن قَصدٍ وهناكَ شبهةُ إهمالٍ، لكنهُ نادمٌ، فاجعلِي غايتَكِ أن يَتَعَلمَ الدرسَ المُستفادَ مِن خَطَئِهِ، وسُرعَةَ إزالتِهِ بإقرارٍ واعتذارٍ وإصلاحٍ: {ويدرؤون بالحسنةِ السيئة}، وقال النبي ﷺ: «أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمْحُها» ..
ولا تكن غايتُكِ أن يرى قدراتَكِ على الانتقامِ والبَطشِ/ وشِدةَ اعتدادِك بحظِّ نفسِكِ والعياذُ بالله/، ورَفْضَكِ لقبولِ الإصلاحَ مِنه/
فلا يدفَعُكِ حِرصُكِ على ردعِهِ إلى أن تفعَلي ذلك..: {إنما التوبةُ على اللهِ للذينَ يعمَلُونَ السُوءَ بجهالةٍ ثم يتُوبُونَ مِن قَرِيب} .. {إلا من ظَلَمَ ثُم بَدَّلَ حُسْنًا بعدَ سُوءٍ فَإنِي غَفورٌ رحيم} ..
فإن الشعور َبالذنبِ أقوَى رادعٍ عن الخطأِ بالفِعل، وقد تحقَقْ لكِ..

أما إن كان قد أخطأَ عامدًا مُتَعَمِّدًا وتكرارًا، ولديهِ استهانةٌ بحقِ الآخرينَ أو النعمةِ، مع عدمُ الشعورِ بالذنبِ أو الندم، فلتكُنْ غايتُكِ هنا كذلكَ وأنتِ تتخيرينَ وسيلةَ الردعِ، أن تربيَهُ على النفورِ من تَكرارِ الخطأِ والحرصِ على الحقِ واجتنابِ الظلمِ، لا أن تَجعَلِيهِ يكتئِبُ وييأسُ من نفسِهِ بسببِ شِدةِ ردِّ فِعلِكِ..
وأحيانًا تَضعُفُ مقاومَتُنا ولا رَيْب.. فلو غَضِبتِ لنفسِكٍ في موقِفٍ ليسَ لديكِ نيةٌ للهِ من ورائِهِ بل ثأرًا لحظِّ نفسِكِ فقط، وتَجاوَزتِ الحَدَّ في رِدِّكِ وظَلَمْتِ وقَصَّرتِ في تطبيقِ القواعد، فحذارِ أن تُبَرِرِي ذلكَ بأعذارٍ تَنفِي بها أنّ ما صدرَ مِنكِ كان خَطَئًا وظُلمًا يَستَوجِبُ توبةً واعتذارًا، ولا تُلقِي بالخطأِ على ولدِكِ كما قلنا سابقًا،
بل على النقيض: بادِري بالإقرارِ بشجاعةٍ وتواضُعٍ أنه كان سلوكًا خاطِئًا وكلُنا ذوُو خَطأٍ وخَيرُ الخطائينَ التوابون.. {يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوامِينَ بالقِسطِ شُهَداءَ للهِ ولو على أنفُسِكُم}..

وإن كان خَطَؤُهُ في أمورٍ دينيةٍ أو أخلاقيةٍ، كتَكاسُلٍ عن مَوعِدِ الصلاةِ مَثَلاً أو التلفُظِ بالسبِّ أو الكذِبِ أو خيانةِ أماناتٍ وأسرار
أو السخريةِ والاغتيابِ لغيرِه وما إلَى ذلك، فاغضَبِي ها هنا للهِ إن شِئتِ ولا حرج عليكِ، لأنك تُعَلِّمِينَهُ بغضَبِكِ هنا أن يَعمَلَ حِسابًا لغَضَبِ الله لا غَضَبِك، فغَضَبُكِ هنا تربيةٌ إسلاميةٌ قَوِيمةٌ، وإن رأوْا أوداجًا مُنتَفِخَةٌ ووَجهًا مًتَمَعِّرًا حتى، فليسَ عليكِ مَلام..

وفهِمِيهِم كلَ مَرةٍ هذا التمايُزَ السلوكِيَ بينَ المواقفِ التِي ((للهِ))، والمواقفِ التي ((لنَفسِكِ))، غرسًا لقِيمةِ الأُولَى في نفُوسِهم، وطلبًا للمساعدةِ منهم كصُحبَةٍ صالحةٍ، حالَ ضَعفِكِ في الثانية،
وأن رسولَهم ﷺ لم يغضَبْ لنفسِهِ قَط، إلا إنّ يَقَعَ مُنكَرٌ أمامَه أو تَهاوُنٌ في حقوقِ الغَير وما إلى ذلك، وأن غضَبَهُ ﷺ كان درجاتٍ:

-أولُها يَسكُتُ ويَتَغَيَّرُ وجهُهُ بالعُبُوسِ أو بتعبيراتِ الاستياءِ، وتَختَفِي ابتسامتُه الحَنونةُ الدائمةُ، وقد تَحِلُّ مَحِلَّها ((ابتسامةُ المُغضَب)) كما حدثَ في قِصةِ كعبٍ بنِ مالِكٍ وغزوةِ تَبُوك.
-ثانيها يسكُتُ ويَحْمَرُّ وجهُهُ ويُقرَأُ الغضبُ في وجهِه، وتَضطَرِبُ لذلكَ قلوبُ رِجالٍ كالفاروقِ عُمَر..
-ثالِثُها يَنهَرُ المُخطِيءُ بغضَبٍ واضحٍ يَهابُ مِن وَقعِهِ الحاضِرُون..

فخِتامًا...
كُونِي قدوةً في الاعتِرافِ بالخطأِ/ والتواضعِ للحقِ/ والتوبةِ من قريبٍ/ والغضبِ للهِ لا للنَفسِ/ وكُونِي في ذاكِرَتِهِم الأمَّ التقيةَ الرحيمةَ العَفُوَّةَ، التي تُسامِحُ في أمورِ الدنيا إجمالًا، لكِنَها في حَقِ اللهِ وتربيتِهم على الاستقامةِ لا تِتهاوَن..

وبذلكَ تُحَقِقِينَ التَوازُنَ في {لَيسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيءٌ} ، وتُضاعِفِينَ مِن أمانِ أبنائِكِ النفسيِّ والدِينِيّ، بإذن الله..

وأعلمُ أن كثيرًا منا قد تَرَبَّى خلافَ هذا ورُبَمَا يَعوقُهُ ذلكَ كثيرًا عن المجاهدَة..
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 03-11-2021, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء


قواعد: (11)

ثلاثُ قواعد في عَلاقَةِ والديكِ بتربيتكِ لأبنائك


أسماء محمد لبيب


كل ما سَبَقَ سَهلٌ بحولِ الله وقوته الالتزام به، وأعلمُ أن كثيرًا منا تَرَبَّى بخِلافِه ورُبَمَا يَعُوقُ ذلكَ مُجاهدتَهُ، إذ يَجِدُ طِباعَهُ تَغلِبُ محاولاتَهُ الإصلاحِية باستمرار، أو يَجِدُ آباءَه يَعوقُونَ توجِيهاتَه التربويةَ المخالفةَ لبعضِ ما رَبَّوهُ عَليه، ومِنا مَن تَشَرَّبَ الخَلَلَ حتى النخاعِ ولا يَقبَلُ حتى فكرةَ أن يُرَبِّي أبناءَه بشكلٍ مُختَلِف...
والحلُّ لهذِهِ المُنَغِّصاتِ بجانِبِ ما سبقَ من قواعِد: تَذَكُّرُ ثلاثَ قواعِدَ خاصةٍ لتطويعِ هذهِ العقباتِ وتَمهِيدِ طريقِ التربيةِ بإذنِ اللهِ..
:القاعدةُ الأولَى
قولُ النبيِّ ﷺ: «احرِصْ على ما يَنفَعَك»
فلا تجعلي حِرمَانَكِ سببًا فِي حِرمانِ أبنائِك، فإنَّ فاقدَ النعمةِ هو أَقدَرُ الناسِ على إعطائِها..
فَأيُّ قِسوِةٍ أو حِرمانٍ أو ألَمٍ قد تَعَرَّضتِ لهم في بيتِ أهلِكِ الكِرامِ -عفا اللهُ عنهم وعنا- اجتهِدِي أن تُجَنِّبِيهِ أولادَكِ.. وكلنا غَيرُ مَعصُومين..
وكذلك... أيُّ فَضيلةٍ أو قِيمَةٍ تعلمْتِها مِنهُم في بيتِهم الكريمِ -جزاهمُ اللهُ الجنةَ- اجتَهدِي في تعليمِها لأبنائِكِ بغَضِ النَظَرِ عن ألمِكِ فِي غيرها، وتَذَكَّرِي والديكِ بالثناءِ حينَها أمامَ أولادِكِ، وادعِي لهما جَهرًا بصِدقٍ وامتنانٍ، أحياءً أو أمواتًا.. هذا تربيةٌ على الامتنانِ وحُسنِ العَهد، لقلبِكِ بالتَكرار، ولأبنائِكِ بالقُدوَة..
انسَيْ تمامًا قاعدةَ: "فاقد الشيء لا يعطيه"..
وتَذَكَّرِي فقط قاعدةَ: {قد أفلح من زكاها} ..
فإنَّ فاقِدَ الشيءِ هوَ أقدَرُ الناسِ على إعطائِهِ، لأنهُ الأكثرُ مَعرِفَةً بقَدرِ هذا الشيءِ وبأثَرِ وشعورِ الحِرمانِ مِنه..
هذا فقط لوِ القلبُ سليمٌ، لم يَفسُدْ بنَبْضِ الثأرِ، وَلَمْ تُقَسِّهِ القَسوَةُ، ولمْ تَحرِقْهُ شَهوَةُ الحِقدِ والانتقام؛ ويَتُوقُ لتخرِيجِ أجيالَ مُسلِمةٍ خاليةٍ من التشوهاتِ النفسيةِ والإعاقاتِ الروحيةِ والاعوجاجِ التربوِي...
سلامٌ على كل ابنَةٍ رَحِمَتْ أبناءَها من أيِّ بلاءٍ تَربَوِيٍّ أثَقَلَها، فَجبَرَتْ نَقصَ والديها الكرامِ بإكمالِ حالِ أبنائِها فِيه، وأوقَفَتْ مُسَلسَلَ التشوهاتِ والعُقَدِ النفسيةِ عِندَ عَتَبَتِها..
سلامٌ على كل رُوحٍ مُتعَبةٍ، وتأبَى إلا الإحسان..

القاعدة الثانية:
قاعدة عامة ولها استثناء:
{بِرُّوا آباءَكم تبرَّكم أبناؤُكم}
فبقدرِ بِرِكِ بوالديكِ، بِقَدرِ بِرِّ أبنائِكِ بِكِ، غالبًا وليس مُطلقًا..
ورغم أن الحديثَ مُختَلَفٌ حولَ صِحَتِه، إلا أَنَّهُ صحيحُ المعنَى وإن لم يكن قاعدةً مُطلَقَة..
فإن أردتِ مضاعفةَ صلاحِ ثَمَرَتِكِ، فَعَلَيكِ بِبِرِّ والدَيكِ..
فلو لازالا أحياءَ فبادِرِي بالتوبةِ عنِ التقصِيرِ أو الخطأِ، وأدرِكِي ما فاتَكِ باجتهادٍ وصِدقٍ..
قال ﷺ: «رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ...! قيل: مَنْ يا رَسُولَ اللهِ؟! قال: مَن أدرَكَ والدَيهِ عِندَ الكِبَرِ، أحدَهُما أو كِلَيهِما، ثم لم يَدْخِلِ الجَنةَ» *2
ولو ما عَادا أحياءَ، فِبِرُّهُمْ لَم يَنقَطِعْ بَعدُ رُغمَ الفِراق..
قال رجل: " «يا رسولَ اللهِ إنَّ أبَوَيَّ قد هلَكا، فهلْ بَقِيَ لِي بَعدَ مَوتِهِما مِن بِرِّهِما شَيءٌ؟ قال ﷺ: نَعَم، الصَّلاةُ عليهِما، والاستغفارُ لهُما، وإنفاذُ عُهُودِهما مِن بَعدِهما، وإكرامُ صديقِهِما، وَصِلةُ رَحمِهما الَّتِي لا رَحِمَ لكَ إلَّا مِن قِبَلِهما» ".*3
فلازال أمامَكِ سَبَبٌ من أسبابِ تَحسِينِ ثَمَرَتِكِ تأخُذِينَ بِهِ كلما تأمَّلْتِها بِحُزنٍ لِتَأَخُّرِها أو لذُبُولِ بَعضِ وُرَيقَاتِها، فإنْ عَجَزتِ عن سببٍ فلا تَعجَزِي عن غَيْرِه.. {والذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِين} ..
و {جَاهَدُوا فِينَا} تُنَبِّهُكِ ألا تَنْسَيْ إخلاصَ النيةِ لِوَجهِ اللهِ الكَرِيم..
القاعدة الثالثة:
{وَاخفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِ}
عِندَ تَعارُضِ تَوجِيهاتِكِ لابنِكِ، معَ توجيهاتِ وَالدَيكِ لَه، فالأمرُ يَنقَسِمُ لأُمُورٍ دِينِيةٍ وأمورٍ حياتِيةٍ عادِية..
فمثلًا، إن كانَ الجَوُّ بارِدًا ووالدتُكِ الكريمةُ تَحرِصُ بِشِدَّةٍ علَى المُبالَغَةِ فِي تَدفِئَةِ ولَدِكِ بسِروالٍ إضافيٍّ ووُشاحٍ على عُنُقِهِ وأنفِهِ ورُبمَا طاقِيَّةٍ وقُفازاتٍ وجواربَ صُوفِيَّةٍ، بينما أنتِ تَترُكِينَ أبناءَكِ يُقَرِّرُونَ بأنفُسِهِم حَسبَ شُعُورِهِم بِالبَردِ، ما يَوَدُّونَ ارتداءَهُ دُونَ إفراطٍ أو تَفرِيط، وَتَعلَمِينَ أنهُم علَى قَدرٍ مِنَ المَسؤُولِيةِ هُنا، لِتَعلِيمِكِ إياهُم حُسنَ التَفكِيرِ وَتَقدِيرِ عَواقِبَ الأُمور..
الشاهد: هذا مَوقِفٌ دُنيَوِيٌّ عام، وَلَيسَ شَرعِيًا مَحضًا، تَجِدِينَ فيهِ أُمَّكِ الكريمةَ تُعارِضُ توجيهاتِكِ تِلكَ أمامَ ابنِكِ، وَتُوَجِّهُهُ لِخِلافِها، وَتُصِرُّ أمامَهُ أنَّ كلامَكِ خَطَأٌ وكلامُها هُوَ الصَوَاب...
هنا..
استمِعِي لكلامِها ولَيِّنِي قَلبَ وَلَدِكِ.. ولا تُعارِضِيها أكثَرَ مِن ذَلكَ أمامَه.. واخفِضِي لها جَناحَ الذُلِّ مِن الرَحمَةِ بشكلٍ عَمَلِيٍّ، وأَرِيحِي قلبَها أراحَ اللهُ قلبَكِ وكَتَبَ أجرَكِ.. ولا تَخشَيْ هُنا عَلَى تَربِيةِ وَلدِكِ بسببِ فِعلِهِ عَكسَ توجيهاتِكِ القَوِيمَةِ، فعلَى النَقِيضِ: وَلدُكِ الآنَ قَد تَرَبَّى بِشكلٍ عَمِيقٍ سَتقَطِفِينَ ثِمارَهُ الزكيةَ وَلوْ بَعدَ حِينٍ..
كيف....؟
وَلدُكِ هكذا قَد تَعَلَّمَ عَمَلِيًا مَعنَى البِرَّ بالآباءِ واحتِرامِهِم، وهذه الفَضِيلةُ تحاوِلِينَ ليلَ نهارٍ تَلقِينَهُ إياها تِجاهَكِ وتجاهَ والدِهِ لِيَلِينَ في أيدِيكُما للتَربِيةِ الرَشيدَةِ على الكتابِ والسُنة، فرآكِ مُتَسِقَةً مع قِيَمكِ وتعاليمِ دينِكِ التي تُلَقِّنِينَهُ إياها، بشكلٍ واضِحٍ وصادِقٍ وحَقِيقِيٍّ بعيدًا عن الشِّعارات..
باختصار: رآكِ قُدوةً له في بِرِ الوالدين....
فاحتسِبِي الأجرَ والثمَرَةَ حينَها واطمِئنِّي، فالبِرُّ لا يَبْلى.
ثم حين تَعُودُون لِبَيتِكُم، تفاهَمِي مَعَهُ على انفرادٍ وبهُدُوءٍ وعَقلانِيةٍ وحنان، حولَ الموقَفِ والعِبرَةِ فِيه، مَعَ كاملِ احتِرامٍ وإحسانٍ وَحِفْظٍ لِسِيرَةِ أُمِّكِ بِالغَيبِ، ولا تَنسَيْ أن تَشكُرِيهِ على بِرِّهِ لَكِ في إعانَتِكِ عَلَى بِرِّها..
وَلَقِّنِيهِ بالدليلِ الشرعيِّ والعِلمِي، ما الصوابُ في المسألة، وأنَّ قاعدةَ "إنْ عَليكَ إلا البلاغُ" نَحنُ مأمورنَ بتَطبِيقِها معَ الناسِ كافَّة..
وأنَّ الواجبَ عَلَيهِ هوَ أن يختارَ الصوابَ ويَترُكَ الخطأَ، عَمَلًا بقاعدةِ: {كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهيِنٌ} ،
وَحَفِّزِيهِ لاتباعِ الحِكمَةِ أينما وَجَدَها، بقاعدِةِ: {الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ}
أما إنْ كانَ النزاعُ على أُمُورٍ عَقَدِيَّةٍ/ أو مُنكَرَاتٍ لا يَجُوزُ السكوتَ عَنها/ أو حَثٍّ عَلَى تَركِ نوافلَ أو فِعْلِ مَكرُوهات --- فَلَعَلَّ والدتُكِ لا تَعرِفُ.. فَلتُوَضِّحِي لها الحُكمَ بِكُلِّ بِرٍ وَبِالدَلِيل،
فِي حينِها أو لاحقًا حَسْبَ المُناسِب..
ولو علمتِ أَنَّ الأقربَ لِقَلبِها وَقبُولِها كلامُ وَلَدِكِ معها بدلًا مِنكِ، فلا تترددي..
ثم بعدَها فلا سُلطانَ لكُما عليها، وَما أَنتَ عَلَيهِمْ بِوَكَيل...
أهَمُ شَيءٍ:
-البرُّ والاحترامُ والمصاحبةُ بالمعروفِ..
-وتَقدِيرُ المكانةِ والسنِ والعِلمِ والحِكمَةِ الأعلَى للكِبارِ عامَّةً والوَالِدَينِ خاصَّة، عَلَنًا أمامَ الأحفاد..
-وتَجاهُلُ الإساءةِ، والصبرُ عليها إيمانًا واحتسابًا..
-ثم نَهجُرُ الخطأَ الشَرعِيَّ الذِي يَحُثانا عَلَيهِ، ونَتِّبِعُ سَبِيلَ الطائِعِينَ وَلو لَمْ يَكُونا مَعَنا فيه: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }


هذا وكُلُّ ما سبقَهُ يَقودُنا للكلامِ عن القُدوَةِ.. في القاعِدةِ القادِمةِ بإذن الله..

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 03-11-2021, 10:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (١٢)

{فَبُهُداهُمُ اقتَدِه}: لا قُدوة على غَيرِ هُدًى..


أسماء محمد لبيب




قالَ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَهُ الكريمَ ﷺ: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقتِدِهْ} ..
يأمرُهُ بالاقتداء بالصالِحِين، وهو ﷺ أكمَلُ الناسِ صَلاحًا وَخُلُقًا وَطَرِيقةً، وأعلمُهُم بِالهُدَى..!
فكيف بنا نحن؟
لا شَكَ سنقولُ جَميعًا: ((لكننا قُدوَةٌ صالحةٌ لأبنائِنا بالطبعْ..!))
فأتساءلُ: ومِن أينَ استقَينا المَعْرِفَةَ أو المعلوماتِ التي تُؤَسِّسُ أفعالَنا وقناعاتِنا الصادرةَ أمامَهم لِيَقتَدُوا بِنا فِيها كي نَجزِمَ بيقينٍ أننا قُدوةٌ صالحة؟ ألا نُدرِكُ أن الأفعالَ هي ثمَرةُ القناعاتِ؟ وأن القناعاتِ هي ثمَرةُ المعرفةِ؟
إن القدوةَ هي مُحاكاةٌ لنَموُذَجٍ ما، سواءٌ كان النموذجُ غائِبًا أو حاضِرًا.. فالنَمُوذجُ الحاضِرُ قُدوَةٌ عَمَلِيَّةٌ حِسِّيَّةٌ -أي نَتلقَّاها بالحواسّ-/ والنمُوذجُ الغائبُ: قُدوَةٌ عِلميةٌ خَبَرية -أي نتلقاها بالأخبارِ والمَعرِفة..
تَظُنِينَ حبيبتي أن اللهَ سيأمُرُ نبيَهُ بالاقتداءِ بقومٍ مِن زَمانٍ آخرَ لم يُعاشِرْهم، ثُم لا يَمُدُّهُ بمَعلوماتٍ عن هَديِهِم وطَرِيقتِهِم وأخلاقِهِم؟
القاعدةُ الأصوليةُ الفِقهِيةُ المَعروفَةُ تقول: ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا بِهِ فهو واجبٌ..
فلا يَشُكُّ عاقلٌ أن الأمرَ الإلهيَّ بالاقتداءِ بالقُدواتِ الغائبةِ، مُتَضَمِّنٌ لأمرٍ آخَرَ مَنطِقِيٍّ لا ينفكُّ عَنهُ وَلا يَتِمُّ إلا بِه، ألا وهُو: تَعَلُّمُ سِيرِتِهِم وأفعالِهم أولًا..
هذا... وهو النبيُّ واسِعُ العِلمِ بالأخلاقِ والفضائلِ وأركانِ الصلاحِ الإنسانِيَّ الشامِلِ عِلميًا وعَمليًا،
فما بالكم نحن، وَنحنُ لم نُتَمِمْ بَعدُ ما لا يَسَعُ المسلمَ جَهلُهُ في أبسَطِ أصولِ ومعارِفِ دينِنا الإيمانيةِ والأخلاقيةِ والسلوكيةِ؟ كيف سنربِي أولادَنا على شَيءٍ لم نتَرَبَّ بِهِ نحنُ أولًا كقدوةٍ حاضرةٍ أمامَ حواسِّهم الخَمسَة؟
كيف سأكون صبورةً وأُربي ولدي على مَراتِبِ الصبرِ، ولم أَتَعَلمْ مثلًا قِصةَ أيوبَ ويوسفَ ونُوح؟
كيف سأربي نفسِي ووَلَدِي على معاني العِفَةِ، ولم أتعلَمْ مثلا قِصةَ يوسفَ ومريمَ؟
كيف سأربيهم على الحياءِ ولم أتعلمْ قصةَ موسَى وبناتِ شُعَيب؟
كيف سأربيهم على الصِدقِ دونَ أن أتعلمَ قِصةَ كعبٍ بنِ مالِكٍ،
أو على الدعوةِ بلا يأسٍ أو قنوطٍ دُونَ أن أتعلمَ قِصةَ نوحٍ ويونُسَ؟
بل كيف سأربيهم على أي خَصلَةِ خيرٍ دونَ أن أتعلمَ قَصصَ الأنبياءِ والصحابةِ والصالحينَ من سلفِ الأمةِ كافَّة؟
تلك هي القدواتُ المطلوبُ منكِ أنتِ أولًا تَعَلُّمَ سِيرتِها الصحيحةِ معرفيًا، قبلَ أن تكونِي فيها قُدوةً عَمَلِيًا،
إن كنتِ تريدينَ غَنِيمَةَ الآخرةِ لكليكُما كما قالَ تعالَى: {لقد كانَ لكُمْ فِيهِمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ}
تَأَمَّلِي بَنِي إسرائيل حينما استَنكَرُوا وِلادةَ مريمَ لطِفلٍ دونَ زوجٍ وظنوا السوءَ بها، ماذا قالوا أولَ شَيء: {يَا أُختَ هارُونَ ما كان أبوكِ امرأَ سَوءٍ وما كانتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ... يُذَكِّرُونَها بقدواتِ بيتِها الكرامِ ويستنكرُونَ أن يَصْدُرَ مِنها ما ينافِي سيرتَهُم العفيفةَ وأخلاقَهم القويمةَ..
تَأَمَّلِي كذلكَ كلمةَ "كما" في قولِ اللهِ تعالَى: {فاصبِرْ ((كما)) صَبَرَ أولُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ}
القدوةُ إذًا -حاضرةً أو غائِبةً- هي أقوَى الأدلةُ إقناعًا وأشدُّها َحَثًا لأولئكَ البراعمَ المقتفينِ لأثَرِنا، أنَّ كلامَنا عَمَلِيٌّ تطبيقيٌّ، لا مُجِردَ شِعاراتٍ نظرِيةٍ عَصِيَّةٍ على التنفيذ.. فيَصبِرُونَ كما تَصبُرِين، ويَعفُونَ كما تَعفِينَ، ويستُرُونَ كما تَستُرِين، ويَجُودُونَ بالخيرِ كما تَجُودِين، ويَتَرَفَّعُون عنِ الفواحشِ كما تترَفَّعِين، وهَلُمَّ جَرًا..
بالتالي... فإنَّ على رأسِ القُدواتِ المطلوبُ مِنا تَوفيرُ أصولِها في أنفسِنا لأبنائِنا: النبيَ محمد ﷺ..
فهو الذي قِيلَ فيه أنه ((قرآنٌ يَمشِي على الأرضِ)).. والقرآنُ هو الذي قِيلَ فيه أنه {يَهدِي للتي هِيَ أقوَمُ} ..
فصار ﷺ أسوةٌ حسنةٌ حاضرًا وغائبًا، على أكملِ وأجملِ ما يكونُ..
فتعلَمِي عنهُ هُو بالأخص:
كيفَ يُعَظِّم اللهَ وشعائرَه/ وكيف لا يَغضبُ لنفسِهِ ولا يَسُبُ ولا يَكذِبُ ولا يَسخَرُ/ وكيف يَعدِلُ ويَحكُمُ بما أنزلَ اللهُ دونَ حَرج/ وكيفَ كَرَمُه وحياؤُهُ وصِدقُهُ وعَفوُهُ ورِفقُهُ وتواضُعُهُ/ وكيف هِمَّتُهُ وعبادتُهُ واعتناؤُهُ بالعِلمِ وزُهدُهُ في الدنيا/ وغيرُ ذلكَ من هَديِهِ القويمِ في المُعاملاتِ والآدابِ وكلِّ فَضِيلَةٍ تَستَطِيعِينَ تَحصِيلَ عِلمَها وتَطبيقَها، قَبلَ أن تطلُبِي من أولادِكِ الالتزامَ بها..
وصَدَقَ مَن قال:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
فأعيذُكِ أن تكوني كمن قال فيهم ﷺ: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ، كمثلِ السِراجِ: يُضِيءُ للناسِ... و((يُحرِقُ نفسَهُ))"..
وكلُ ذلكَ لن ينجحَ دونَ الاستعانةِ بحولِ اللهِ وقُوتِهِ، على أنفسِنا وأبنائِنا..
فسدِدُوا وقارِبُوا.. وأبشرُوا..
فالتوازنُ مطلوبٌ، دونَ مِثالِيةٍ مُحبِطةٍ، ولا عَفَوِيَّةٍ مُهلِكَةٍ، ولا تناقُضاتٍ مُخجِلَةٍ..

فكيف نُحَقِّقُ هذا التوازنَ؟ ومتى ينبغِي أن ننتبِهَ لأمرِ القدوةِ؟ ومَتَى تبدأُ المحاكاةُ عادَةً؟ وإنْ خُدِشتِ القدوةُ أمامَ الأبناءِ يَومًا فكيفَ التصرُفُ؟ وإنْ كَبُرَ وَلَدِي وأنا لازِلتُ أجاهِدُ نفسِي ولم تَكتَمِلْ قُدوَتِي لهُ بَعدُ فِي حَدِّها الأدنَى ويُقَلِدُنِي، فما الحل؟
والجوابُ في القواعِدِ القادمةِ تِباعًا بإذن الله..










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 03-11-2021, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (١٣)

كل ابن آدم خطاء": ليسوا ملائكة.. ولا أنتِ!


أسماء محمد لبيب



ثمةُ أمهاتٍ يُعامِلنَ أولادَهُنَّ كملائِكَةٍ لا يَعصُونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرون..

رُغمَ إقرارِهِنَّ أنَّ كلَ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، إلا أنهُنَّ عَمَلِيًا يَنسَوْنَ هذا القانونَ البَدَيهِيَّ..
حبيبتي..
ابنُكِ دونَ الحُلُمِ مَرفُوعٌ عنهُ القلمُ لأنهُ سيُخطِيءُ كثيرًا عن جهلٍ وعُذْرٍ، وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..!
فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟
لأنه غيرُ مُكتَمِلِ النُمُوِّ الجسديِّ والعَقليِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ.. فلا يُمُيِّزُ الصوابَ من الخطأِ ولا يُدرِكُ عواقِبَ الأمورِ ولا يُلِمُّ بقوانينِ الحياةِ كلِها بَعْد.. فيتَعَثَّرُ تمامًا كَتَعَثُرِهِ حينَ يتعلمُ المَشْيَ أولَ مَرَّة..
ويُصبحُ مكلفًا مُحاسَبًا بأهليةٍ وجَدارَةٍ حين يَبلُغُ الحُلُمَ ويَشتَدُّ عُودُه، دونَ أدنَى ظُلمٍ له مِن ربِهِ أرحمِ الراحِمينَ وأحكمِ الحاكِمين..
ونِسبَةُ الخطأِ والتَعَثُرِ تَقِلُّ تدريجيًا كلما كَبَرُوا وانتقلوا بسلامٍ من المرحلةِ العُمرِيَّةِ الأدنَى إلى الأعلَى، وكانت تربيتُهم فِي جَوٍّ أُسِرِيٍّ آمِنٍ وصِحِيٍّ وإسلامِيّ، بلا عَقبَاتٍ قاصِمة فِي طريقِ نُمُوِهِمُ الشامِل..
فعليكِ:
-إدراكُ ذلك
-والإلمامُ بالحدِ الأدنَى من المعرفةِ بطبيعةِ وسِماتِ واحتياجاتِ المرحلةِ العُمْرِيةِ، وبكيفيةِ تحقيقِ التوازُنِ بين طبيعةِ كلِ مَرحَلَةٍ ومُتَطلباتِها وخُطَةِ التربيةِ التي رسَمتِها لهم
-واستيعابُ أنَّ صبرَكِ على أخطائِهِم ليسَ تَفَضُّلًا وإنعامًا مِنكِ حبيبتي، إنَما هو شَهادةٌ في حَقِكِ بالرُشدِ والحِكمَةِ، وأنكِ عاقِلَةٌ فِكرِيًا ومُتَزِنَةٌ انفعاليًا، مُستَوعِبَةٌ للبَدِيهِياتِ وتُعطِينَ الأمورَ حَجمَها، وتُمَيزِين جيدًا مَنِ الصغيرُ ومَنِ الكبيرُ/ ومَنِ القويُ ومَنِ الضعيفُ/ ومَنِ العالِمُ ومَنِ الجاهلُ/ ومَنِ المُكَلَفُ ومَنِ المَرفُوعُ عنهُ القلمُ..
ليسوا ملائكةً.. وكذلك أنتِ.. كلاكُما ابنُ آدم وكُلُ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ..
فلو تَعذُرِينَ نَفسَك؟ِ= فَهُم أجدرُ بالمَعذِرة، فعلَى الأقلِ هم مَعذُورون لقلةِ رُشدِهِم ونُضجِهم وخِبراتِهم، بينما أنتِ كبيرةٌ وراشدةٌ وخبيرةٌ، فكيفَ عُذرُكِ مُقارَنةً بهم؟
ولو عذرُكِ في عَصَبِيتكِ هو الضُغوطُ والمسؤولياتُ؟= فأعِيدِي مُراجعةَ وترتيبَ أوضاعِكِ مِن جديدٍ وأزيحِي منها ما أمكَنَ، مِن عَمَلٍ أو دِراسَةٍ أو رسائلَ عِلمِيةٍ قد لا يكونوا بالضرورةِ العاجلةِ التي تبدو لكِ بل ربما الأفضلُ لكِ ولبيتِكِ تأجيلُها لأجواءٍ أكثرَ بركةً في التحصِيل، واكتفِي مُؤقتًا بالضغوطِ الأصلِيةِ في حياتِكِ كأمٍ وابنةٍ وأختٍ وزوجة، فنحنُ جنودٌ لله، نَعمَلُ حيثُ سخَرَنا وقَدَّرَ لنا، وتَذَكَّرِي دعاءَ النبيِّ ﷺ بالجنةِ حينَ قال: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ"، أي إذا أُقِيمَ في مُقَدِمَةِ الجَيشِ لِحراسَتِه رَضِيَ وقامَ، وإنْ أُقيمَ في السَّاقةِ مُؤَخِّرةِ الجَيشِ رَضِيَ وقامَ، ولا يَضُرُّهُ تفاوتُ المَواضِع، لابتغائِهِ وَجهِ اللهِ، وهو خامِلُ الذِّكرِ بِلا مَكانةٍ بيْنَ النَّاسِ ولا يَسعَى لوَجاهَةٍ بيْنَهُم..
فطُوبَى كذلكَ لأُمٍ آخذةٍ بعِنانِ نفسِها ولِجامِ أمرِها في سبيلِ اللهِ، مُنطَلقةً تُجاهِدُ في تربيةِ أبنائِها بإحسانٍ، مُستَدبرَةٍ زخارفِ الدنيا، خَفِيةِ الذِكرِ بينَ الناسِ بِلا مكانةٍ عِلمِيةٍ أو شَرَفِيَةٍ، لكنها عندَ ربِها حَفيةُ الذِكرِ شريفةُ القدرِ مَحفُوظةُ الأجرِ..
ولو عُذرُكِ هُو جَهلُكِ بقواعِدِ التربيةِ تِلك، فها قد عَرَفتِ فالزَمِي، وقولي ربِّ زِدنِي عِلمًا.. وأكمِلِي مَسيرَةَ طلبِ العِلمِ التربوِيِّ، لتفكيكِ ما يُضاعِفُ تَعَثُرَكِ مَعَهُم.
ولو عُذرُكِ ضَعفُ مُقاومَتِكِ؟= فكيفَ بِمَن هم أضعَفُ وأَعجَزُ مِنكِ؟ لا شكَ أنكِ بَشَرٌ تَضعُفِينَ وتَعجَزِينَ، لكنِ الصغارُ أضعَفُ وأضعَف.. اجبُرِي ضعفَكِ بحَوقَلاتٍ واستغفاراتٍ وركعاتِ بَثٍّ مِن نوعِيةِ "أرِحنا بِها يا بلال"، وبمُحاسَبَةٍ دَورِيةٍ وإصلاحٍ، وبالاستعانةِ بمن يَدعَمُكِ ويَحمِلُ عَنكِ/
وَلَبِنَةٌ فوقَ لَبِنَةٍ يَكتَمِلُ البِناءُ.. فاستعِنْ باللهِ ولا تَعجَز..
ولو عُذرُكِ هُو حُزنُكِ لتأخُرِ الثَمَرةِ وتُبَرِّرِينَ عَصَبِيَتَكِ بذلك؟= فكما قُلنا مِرارًا: كُلُّ نَبتَةٍ لها مُدةُ إنباتٍ..
هناك بِذرَةٌ تحتاجُ سبعَ سنواتٍ لتُزهِرَ، كشجرةِ المانجو مثلًا، وهناك بِذرةٌ تحتاجُ لسبعَةِ أيامٍ، كالعَدَسِ مثلًا.. فتأمَّلِي! سبعُ سنواتٍ وسبعُ أيامٍ، والماءُ واحدٌ والتُربَةُ واحدةٌ.. وفي السماءِ رِزقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ.. والرِزقُ يحتاجُ لسَعْيٍ، فاسعَيْ وتَرَقَّبِي رِزقَهُ برضا وتَوَكُلِ الطيرِ= فتَغدِينَ بكفوفٍ خاويةٍ، وتَعُودِينَ بها عامرةً بالأزهارِ..

فاسقَي.. واستمِرِي.. واصبرِي.. وأبشرِي.. ربُكِ سيسألُكِ عن السقايةِ، لا ثمرتِها، ما دُمتِ رَعَيتِها بِما علَّمَكِ..
وثمةُ أمهاتٍ تتعاملُ مع خَطئِها بجلدٍ للذات مُفرِطٍ ومُحبِطٍ..
فَلا تنسَي: أنتِ لستِ ملاكًا.. فلا تُسَوِّقي نفسَكِ عِندَهُم كالملاكِ أو قريبٍ مِنه، حتى إذا زَلَلْتِ تكونُ صدمةٌ لكليكُما..
بَل أدرِكِي ضَعفَ نَفسِكِ، واعلَمِي أن هناكَ مِساحاتُ عَجزٍ وقِلَةِ حِيلَةٍ نستعينُ فيها باللهِ ذِي القوةِ والطولِ، والتقصيرُ مَعفِيٌّ عنهُ طالما نجتهدُ ونجاهِدُ بنفسٍ لوامةٍ بغيرِ إفراطٍ، تُصحِحُ المسارَ أولًا بأول..
وكَرِّرِي عليهم أن كُلَ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابُون، وأنكِ قُدوةٌ تُسارِعُ إلى الخيرِ الذي تأمُرُ بِه، وتمتَنِعُ عن الخطأِ الذي تَستَنكِرُه.. ولا تَمنَعَنَّكِ زلاتُكِ عن الاستمرار..
قِيلَ عنِ الحسنِ البَصرِيِّ أنهُ ما بَلَغَ ما بَلَغَهُ مِن مكانةٍ إلا لكَونِهِ إذا أمَرَ الناسَ بشَيءٍ يَكونُ أسبقَهُم إليه، وإذا نهاهم عن شَيءٍ يكونُ أبعدَهم مِنهُ.. وهوَ نفسُهُ الذِي حِينَ قِيلَ لَهُ أنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ مَخافَةً أن يقُولَ مَا لَا يفْعَلُ، قال: [وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟-يَقصِدُ ((كُلَّ)) ما يَقول- [وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّ يظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ]..
=فالأساسُ أن فِعلُكِ مُوافِقٌ لقولِكِ، لا انفصامَ بينَهُما ولا ازدواجيةً للمعايير، فقاعدتُكِ: {وما أُريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}/ {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}/ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
=والخطأُ والتقصيرُ وارِدٌ، وقاعِدتُكِ: {كل ابن آدم خطاء}/ و{إن أريد إلا الإصلاح ((ما استطعت))}..
=وبادِرِي بالإقرارِ والاعتذارِ إن أخطأتِ، وقاعدتُكِ: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}..
=وتَجَنَّبِي مَواطنَ الشُبهَةِ وبَرِّئِي سُمعَتَكِ... وقاعدتُكِ: {ما عَلِمنَا عليه من سوء}.. كما فعلَ النبيُ ﷺ حين كان مع صفيةٍ في الطريقِ ليلًا، فبعضُ الصحابةِ أَسرَعُوا الخُطَى، فَبَرَّأَ ﷺ موقفَهُ وأوضحَ أنها زوجتُه.. ذَكَرَ ابنُ حَجَر ضِمنَ فوائدِ الحديثِ: ((اجتنابُ التَعَرُّضَ لسوء الظن بنا وتقديم العذر فيه))..

غَفَرَ اللهُ لنا انفلاتَ أعصابِنا معَ المَرفُوعِ عنهُم القَلَمُ..
شَمِلتْهُم رحمتُهُ تعالَى، وضاقَتْ عنهم رحمَتُنا...
فاللهم سامِحْنا واجبُرْ عَجزَنا واجبُرْهُم.. وما أُبَرِّيءُ نفسِي فكُلنا خطَّاؤُون.. وخيرُ الخطائِينَ التوابُون..
فإن سألتِ: متى وكيفَ ننتبِهُ لأمرِ القُدوَةِ؟ ومَتَى تَبدأُ المُحاكاةُ عادَةً؟
فالجوابُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 168.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 162.35 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.60%)]