استثمار المواهب في بناء الدولة: علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208984 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59566 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 758 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 65 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15883 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-04-2021, 04:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي استثمار المواهب في بناء الدولة: علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجا

استثمار المواهب في بناء الدولة


علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجًا

عبدالستار المرسومي


هو (علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن، أول الناس إسلامًا في قول كثير من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)[1].

لقد لفت نظرَ النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه الذكاءُ الوقاد والشجاعة الإقدام اللافت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مازال صغير السن، لذلك قرر أن يضمه لعائلته، فإن ( قريشًا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب في عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس و كان من أيسر بني هاشم:
( يا أبا الفضل إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله آخذُ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا فنكفلهما عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب:
إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب:
إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فضمَّهُ إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل عليٌّ مع رسول الله رضي الله عنه حتى بعثه الله نبيًا فاتبعه وصدقه )[2].

ولم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك بل زوجه ابنته فاطمة رضي الله عنها لتكون الوشائج العائلية سببًا إضافيًا لديمومة بقاء التواصل عن قرب مع هذه الموهبة الفريدة.

لقد كانت مواهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه متعددة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركز على موهبتين منها وهي المهارات الحربية القتالية والذكاء المتميز في الفقه والقضاء، فأوكل له فيما بعد المهام وفقًا لهذه المواهب.

ولقد كان نبوغ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وظهور موهبته ومهاراته في ثلاثة محاور:

المحور الأول: تمثل في إبداعه في مجال الأدب وتسخير ما يمتلك من حكمة وبيان في اللغة لشعره ونثره.

والمحور الثاني: يتجلى في شجاعته ومهارته وإقدامه في الحرب والقراع والقتال.

وأما المحور الثالث: فكان في علوم القرآن الكريم والفقه والقضاء وأحكام الإسلام، وكان رضي الله عنه يَعرف قيمة ما يعلم ولكن بتواضع وأمانة وإخلاص، فهو رضي الله عنه يقول:
( سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل )[3].

وسنذكر هنا نماذج من الثمار التي جاءت على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووفق المحاور التي ذكرت:
المحور الأول: الشعر والأدب

فلقد اشتهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذاع صيتُهُ بشعر الحكمة، فكل بيت شعر يقوله فيه بيان لحال وعبرة مستفادة وفيه حكمة، ففي بيان عقيدة المسلم التي ينبغي أن يكون عليها، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
إذَا عَقَدَ القَضَاءُ عَلَيْكَ أَمْرًا

فليس يحلُّهُ إلا القضاءُ

فَمَا لَكَ قَدْ أَقَمْتَ بِدَارِ ذُلٍّ

وأرضُ الله واسعةٌ فضاءُ

تَبَلَّغْ باليَسِيْرِ فَكُلُّ شَيْىء

من الدنيا يكونُ له انتهاءُ

وفي بيان طلب الرزق، يقول رضي الله عنه:
وما طلب المعيشة بالتمني

وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلاَءِ

تُجِئْكَ بملئِها يومًا ويومًا

تُجِئْكَ بحَمأةٍ وقليل ماءِ


وفي فوائد السفر قال رضي الله عنه:
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلُى

وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ

وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِدِ


ومن بلاغته رضي الله عنه قوله: ( ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ )[4].

ومن أشهر أقواله[5]:
المرءُ مخبوءٌ تحتَ لسانهِ.
قيمةُ كلُّ امرئٍ ما يُحسن.

المحور الثاني: الفروسية والشجاعة والإقدام

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه فارسًا لا يشق له غبار، فارسًا نبيلًا وهو يقاتل الأعداء، وكان شجاعًا ومقدامًا لا يلتفت إلى النتائج لكيلا لا تكون سببًافي تراجعه أو تردده، وكيف لا يكون كذلك وهو ذلك الموهوب الذي نشأ في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت نظره، فمن المواقف التي كانت تعد من النتائج العظيمة لاستثمار موهبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنختار حادثتين هنا لأنها كثيرة، وهما:

1- في غزوة الخندق سنة 5 هجرية
لقد بلغ الحال بالمسلمين في غزوة الأحزاب بأن زاغت أبصارهم وبلغت القلوب الحناجر، وكانوا في وضع حرج جدًا فقد كان الابتلاء عظيمًا، وكما وصفهم القرآن الكريم: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب 10-11].

كان المسلمون بحاجة ماسة لأي حدث يرفع من روحهم المعنوية، وهم على الحال الذي وصفهم فيه القرآن الكريم يخرج أحد صناديد قريش، فارس كبير وشرس، فيطلب المنازلة هو عمرو بن عبد ود العامري، فقد (خَرَجَ يَعْنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَنَادَى:
مَنْ يُبَارِزُ؟ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِى الْحَدِيدِ فَقَالَ:
أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّهُ عَمْرٌو، اجْلِسْ ". وَنَادَى عَمْرٌو:
أَلاَ رَجُلٌ وَهُوَ يُؤَنِّبُهُمْ، وَيَقُولُ – عمرو بن ود -:
أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا أَفَلاَ يَبْرُزُ إِلَىَّ رَجُلٌ؟ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَالَ:
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" اجْلِسْ ".

ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ وَذَكَرَ شِعْرًا[6] فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :
" إِنَّهُ عَمْرٌو ". قَالَ - عليٌّ -:

وَإِنْ كَانَ عَمْرًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَشَى إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ وَذَكَرَ شِعْرًا[7]، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو:
مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
أَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ؟ فَقَالَ:
أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ:
غَيْرُكُ يَا ابْنَ أَخِي مِنْ أَعْمَامِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ. فَقَالَ عَلِي رضي الله عنه:
لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ.

فَغَضِبَ فَنَزَلَ وَسَلَّ سَيْفَهُ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِىٍّ رضي الله عنه مُغْضَبًا وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِدَرَقَتِهِ فَضَرَبَهُ عَمْرٌو فِي الدَّرَقَةِ فَقَدَّهَا وَأَثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ وَأَصَابَ رَأْسَهُ بِشَجَّةٍ وَضَرَبَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَسَقَطَ وَثَارَ الْعَجَاجُ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّكْبِيرَ فَعَرَفَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَدْ قَتَلَهُ )[8].

2- في غزوة خيبر سنة 7 هجرية
وتأتي أهمية هذه الغزوة من آنها المواجهة القتالية الأولى بين المسلمين واليهود، فقد انتصر المسلمون على بني قريضة من غير قتال، لذلك لابد من إحراز نصر صريح في بداية النزال يكون فتحًا وفألًا حسنًا لما بعده، لذلك لابد من العناية الفائقة في اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة، وبالفعل اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره، فقد ( " قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ:

" لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "

فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقِيلَ:
يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ – عليٌّ -:
أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)[9].


وكان مَرْحَبٌ وهو من كبار مقاتلة اليهود قد خرج طالبًا المبارزة الفردية، خرج وهو يقول:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
شَاكِي السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُـرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:
أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

قَالَ فَضَرَبَ – عليٌّ رضي الله عنه - رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ رضي الله عنه)[10].

المحور الثالث: في الفقه والقضاء

وحَسْبُ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأقضاهم علي بن أبي طالب )[11] ويقصد صلى الله عليه وسلم أقضى الصحابة أي أعلمهم وأكثرهم معرفة بالقضاء، فهو من كبار وعلماء الصحابة، وهم الرعيل الأول ممن رافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معهم العلم والفقه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( عليٌّ أقضانا )[12].

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله والذين حُفِظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيِّف وثلاثون نفسًا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعةً: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر )[13].

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستشارًا وقاضيًا في الرأي والفقه والقضاء لا ترد له كلمة في عهد الخليفتين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطابرضي الله عنه، يقول ابن الجوزي في ذكر غزارة علم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرًا إلى علمه، وكان عمر يقول: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو الحسن)[14].

فمن قضايا القضاء والذكاء التي اجتهد فيها والتي أدهشت من شهدها أو سمع بها بعض ما كان قضى في اليمن وفي غيرها فكانت تعرض عليه رضي الله عنه القضايا التي تبدو أنْ لا حل لها ولكنه رضي الله عنه كان يقضي فيها القضاء المناسب والصحيح أو يخرجها التخريج المناسب والذي يعضده بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن تلك القضايا:
1- قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ حَفَرَ قَوْمٌ زُبْيَةً لِلأَسَدِ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الزُّبْيَةِ وَوَقَعَ فِيهَا الأَسَدُ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ وَتَعَلَّقَ بِرَجُلٍ وَتَعَلَّقَ الآخَرُ بِالآخَرَ حَتَّى صَارُوا أَرْبَعَةً فَجَرَحَهُمُ الأَسَدُ فِيهَا فَهَلَكُوا، وَحَمَلَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ فَكَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ:
أَتَقْتُلُونَ مِائَتَي رَجُلٍ مِنْ أَجْلِ أَرْبَعَةِ أُنَاسٍ تَعَالَ أَقْضِ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ فَإِنْ رَضِيتُمُوهُ فَهُوَ قَضَاءٌ بَيْنَكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ رُفِعْتُمْ ذَلِكِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ رضي الله عنه وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ.

قَالَ فَجَعَلَ لِلأَوَّلِ رُبُعَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلثَّانِي ثُلُثَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلثَّالِثِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلرَّابِعِ الدِّيَةَ وَجَعَلَ الدِّيَاتِ عَلَى مَنْ حَضَرَ الزُّبْيَةَ عَلَى الْقَبَائِلِ الأَرْبَعَةِ.

فَسَخِطَ بَعْضُهُمْ وَرَضِيَ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ:« أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ » الله وقصوا عليهالْقِصَّةَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ "، فَقَالَ قَائِلٌ:
فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَدْ قَضَى بَيْنَنَا، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَضَى عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" الْقَضَاءُ كَمَا يَقْضِى عَلِيٌّ ".)[15].

2- اشترك جماعة في قتل رجل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشك في أنهم يُقتلون به، فـ ( قال له عليٌّ رضي الله عنه:
يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرًا اشتركوا في سرقة جزور فأخذ هذا عضوًا وهذا عضوًا أكنت قاطعهم؟
قال - عمر -: نعم،
قال عليٌّ: فذلك )[16].

3- لما أراد أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه أن يُسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداية لِما كان قد بدر منه سابقًا من إساءة للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجد له طريقًا مناسبًا لكسب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أشار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ابن عمه أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه بوسيلة يترضّى بها رسول الله رضي الله عنه فقال له:

( ائته من قبل وجهه، وقل ما قال إخوة يوسف:
" تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ " يوسف: 91،فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه جوابًا، ففعل ذلك أبو سفيان رضي الله عنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " يوسف: 92 )[17].



[1] الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج4، ص564.

[2] المستدرك للحاكم 6463.

[3] الطبقات الكبرى لابن سعد، ج2، ص338.

[4] صحيح البخاري باب في الأمل وطوله ج16، ص 220.

[5] الإعجاز والإيجاز، للثعالبي، ص27.

[6] كان شعر عمرو قوله:
ولَقَدْ بُحِحْتُ مِن النداءِ بِجَمعِكُم هَلْ مِنْ مُبَارِزْ
وَوَقَفْتُ إذْ جَبُنَ الشجاع مَوقِفَ البَطَل المُناجِزْ
إنّي كذلك لم أزَلْ متسرّعًا نحو الهزاهزْ
إنّ الشجاعة في الفَتى والجود خيرُ الغرائزْ


[7] كان شعر عليّ قوله:
لا تعجلنَّ فقَد أتاكَ مُجيبُ صَوتِكَ غيرُ عاجزْ
ذُو نِيّة وبصيرة والصد ق مُنجيَ كلّ فائزْ
إنّي لأرجو أن أُقيمَ عليكَ نائحةَ الجنائزْ
مِن ضَرْبَة نَجلاء يبقى ذِكْرها عِندَ الهَزاهِزْ


[8] السنن الكبرى للبيهقي 18812.

[9] صحيح البخاري 3009.

[10] صحيح مسلم 4779

[11] سنن ابن ماجه 154.

[12] أخبار القضاة، البغدادي، ج1، ص89.

[13] أعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، ج1، ص63.

[14] المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، أبو الفرج ابن الجوزي، ج5، 68.

[15] السنن الكبرى للبيهقي 16836.

[16] مسند عبد الرزاق الصنعاني 18077.


[17] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ج2 ص35.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.88 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]