تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مقتطفات من سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          Free connections, find your partner with no obligations (اخر مشاركة : yelshamy - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هَمَسات .. في كلمات ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 3684 )           »          أسباب دخول الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          {فكلي واشربي وقري عينا} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الحذر من أئمة الضلال وشبهاتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أهم الأدعية بصلاح القلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أقوال السلف في غضّ البصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مواقف مشرفة لأطفال السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حسبنا الله ونعم الوكيل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 28-04-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 611 الى صـ 616
الحلقة (121)





رزقهن وكسوتهن أي: على والد الطفل نفقة أمه المطلقة مدة الإرضاع، أي: طعامهن ولباسهن: بالمعروف وهو قدر الميسرة كما فسره قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها [ ص: 611 ] يعني طاقتها. والمعنى: أن أبا الولد لا يكلف في الإنفاق عليه وعلى أمه إلا قدر ما تتسع به مقدرته، ولا يبلغ إسراف القدرة: لا تضار والدة بولدها أي: يأخذ ولدها منها بعد رضاها بإرضاعه ورغبتها في إمساكه وشدة محبتها له: ولا مولود له يعني الأب: بولده بطرح الولد عليه. يعني: لا تلقي المرأة الولد إلى أبيه وقد ألفها، تضاره بذلك. وهذا التأويل على تقدير كون تضار مبنيا للمفعول، وأما على بنائه للفاعل، فالمفعول محذوف والتقدير. لا تضارر - بكسر الراء الأولى - والدة زوجها بسبب ولدها، وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد، وأن تقول بعد أن ألفها الصبي: اطلب له ظئرا، وما أشبه ذلك، ولا يضارر مولود له امرأته بسبب ولده، بأن يمنعها شيئا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها، أو يأخذه منها وهي تريد إرضاعه. والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد: وهو أن يغيظ أحدهما صاحبه: وعلى الوارث مثل ذلك أي: على وارث الأب أو وارث الصبي مثل ما على الأب من النفقة وترك الضرار إذا لم يكن الأب: فإن أرادا يعني الزوج والمرأة: فصالا أي: فصال الصبي عن اللبن قبل الحولين - يعني: فطاما: عن تراض منهما بتراضي الأب والأم: وتشاور بمشاورتهما: فلا جناح عليهما أي: على الأب والأم إن لم يرضعا ولدهما سنتين: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم يعني غير الأم عند إبائها أو عجزها أو إرادتها أن تتزوج: فلا جناح عليكم إذا سلمتم - يعني إلى المراضع -: ما آتيتم أي: ما أردتم إيتاءه إليهن من الأجرة: بالمعروف متعلق بسلمتم أي: سلمتم الأجرة إلى المراضع بطيب نفس وسرور. والمقصود: ندبهم أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشري الوجوه، ناطقين بالقول الجميل، مطيبين لأنفس المراضع، حتى يؤمن من تفريطهن بمصالح الرضيع: واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير فيه من الوعيد والتحذير عن مخالفة أحكامه ما لا يخفى.
[ ص: 612 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[234] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير .

والذين يتوفون منكم أي: يموتون من رجالكم: ويذرون أي: يتركون: أزواجا بعد الموت: يتربصن أي: ينتظرن: بأنفسهن في العدة: أربعة أشهر وعشرا يعني عشرة أيام: فإذا بلغن أجلهن أي: انقضت عدتهن: فلا جناح عليكم أي: على الأولياء في تركهن: فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب والتزين: بالمعروف أي: بوجه لا ينكره الشرع. وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع، فعليهم أن يكفوهن عن ذلك. وإلا فعليهم الجناح: والله بما تعملون خبير

اعلم أن في هذه الآية مسائل:

الأولى: خص من عموم الآية الحامل المتوفى عنها زوجها، فإن عدتها بوضع الحمل لقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولما في الصحيحين عن سبيعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة - وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن [ ص: 613 ] شهد بدرا - فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل. فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب. فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال: ما لي أراك تجملت للخطاب، لعلك ترجين النكاح؟ وإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حتى أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي. وأمرني بالتزويج إن بدا لي. وفيه قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا بأن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها حتى تطهر.

الثانية: المراد من تربصها بنفسها: الامتناع عن النكاح، والامتناع عن التزين، والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفي زوجها فيه. فالأول مجمع عليه.

والثاني: روي فيه عن أم حبيبة وزينب بنت جحش وعائشة - أمهات المؤمنين - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا » . متفق عليه. وعن أم سلمة أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا. كل ذلك يقول: لا. مرتين أو ثلاثا - ثم قال: « إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة » . متفق عليه.

وعن نافع: أن صفية بنت عبد الله اشتكت عينها - وهي حاد على زوجها ابن عمر، فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان، أخرجه مالك في " الموطأ ".

[ ص: 614 ] وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تلبس المتوفى عنها زوجها، المعصفرة من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل ولا تطيب» أخرجه أبو داود والممشقة: المصبوغة بالمشق وهي: المغرة.

وقد استنبط بعضهم وجوب الإحداد من قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن أي: من زينة وتطيب - كما قدمنا - فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو الإحداد.

وأما الامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفي فيه زوجها: فروى فيه أحمد وأهل السنن حديث فريعة بنت مالك قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طريق القدوم فقتلوه، فأتى نعيه وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي، ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق بي في بعض شأني؟ قال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني - أو أمر بي فدعيت - فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. وفي بعض ألفاظه: أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك فأخبرته، فأخذ به. وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح في الاحتجاج به.

[ ص: 615 ] الثالثة: أكثر الفقهاء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداء بالحول وإن كانت متقدمة في التلاوة، فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول، بل هو توفيقي. وذهب مجاهد إلى أنهما محكمتان. كما سيأتي بيانه.

الرابعة: أبدى المهايمي الحكمة في تحديد عدة المتوفى عنها بهذا القدر، فقال: لئلا يتعارض في قلبها حب المتوفى وحب الجديد، فأخذت مدة صبرها - وهو أربعة أشهر - وزيد عليه العشر، إذ بذلك ينقطع صبرها فتميل إلى الجديد ميلا كليا، فينقطع عن قلبها حب المتوفى، على أنه يظهر في حق المدخول بها حركة الحمل إذ تكون بعد أربعة أشهر، لكنها تبتدئ ضعيفة وتتقوى بمضي عشر أخر. ثم قال: ولم يكتف بالأقراء الدالة على عدمه ههنا، بخلاف الفراق حال الحياة، لأن الفراق الاختياري شاهد عدمه مع شهادة الأقراء، فثمة شاهدان، وههنا واحد، وعدم الحركة بعد هذه المدة يقوي شهادة الأول فيكون كالشاهد مع اليمين.
القول في تأويل قوله تعالى:

[235] ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم .

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أي: لا حرج عليكم أيها الخاطبون، في التعريض بخطبتكم النساء المتوفى عنهن أزواجهن قبل انقضاء العدة لتتزوجوهن بعد انقضائها. والتعريض: إفهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازا. كأن يقال لها: إنك جميلة أو صالحة، أو رب راغب فيك، أو من يجد مثلك. والخطبة - بالكسر -: طلب المرأة ( أو ) - فيما: أكننتم أي: أضمرتم من نكاحهن: في أنفسكم أي: [ ص: 616 ] قلوبكم، وإن كان حقه التحريم فضلا عن التعريض باللسان، لكن أباحه الله لكم، إذ: علم الله أنكم ستذكرونهن أي: لا تصبرون عن النطق برغبتكم فيهن، فرخص لكم في التعريض دون التصريح، وفيه طرف من التوبيخ على قلة التثبت، كقوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ولكن لا تواعدوهن سرا هذا الاستدراك من قوله: فيما عرضتم به و: سرا مفعول به، لأنه بمعنى النكاح. أي: لا تواعدوهن نكاحا. أو هو بمعنى ضد الجهر والإعلان، فيكون مصدرا في موضع الحال تقديره: مستخفين بذلك والمفعول محذوف تقديره: لا تواعدوهن النكاح سرا. أو صفة لمصدر محذوف، أي: مواعدة سرا، أو التقدير في سر فيكون ظرفا. وإنما نهى عن ذلك ; لأن المواعدة بذكر الجماع والرفث بين الأجنبي والأجنبية غير جائز إجماعا، كالمواعدة بينهما على وجه السر إذ لا تنفك ظاهرا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات.

قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. وقال أيضا: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمته.

وقوله تعالى: إلا أن تقولوا قولا معروفا أي: لا يستحيي منه عند أحد من الناس. فآل الأمر إلى أن المعنى: لا تواعدوهن إلا ما لا يستحيى من ذكره فيسر، وهو التعريض ; فنصت هذه الآية على تحريم التصريح. بعد إفهام الآية الأولى لذلك، اهتماما به لما للنفس من الداعية إليه - أفاده البقاعي.

وقال الرازي: لما أذن تعالى في أول الآية بالتعريض ثم نهى عن المسارة معها دفعا للريبة والغيبة، استثنى عنه أن يساررها بالقول المعروف. وذلك أن يعدها في السر بالإحسان إليها، والاهتمام بشأنها، والتكفل بمصالحها، حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض. والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 28-04-2022, 05:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 617 الى صـ 622
الحلقة (122)



تنبيه:

ما قدمناه من أن قوله تعالى: ولكن إلخ، استدراك من قوله: فيما عرضتم قاله أبو البقاء.

وجعل الزمخشري المستدرك محذوفا دل عليه: ستذكرونهن أي: فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا.

قال الناصر: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف ; لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الإباحة عقيبها. ونظير هذا النظم قوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن الآية، ولهذا الحذف سر - والله أعلم - وهو أنه اجتنب ; لأن الإباحة لم تنسحب على الذكر مطلقا، بل اختصت بوجه واحد من وجوهه، وذلك الوجه المباح عسر التميز عما لم يبح. فذكرت مستثناة بقوله: إلا أن تقولوا قولا معروفا تنبيها على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر، والأصل فيه الحظر. ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم. فإنه أبيح مطلقا غير مقيد ; فلذلك صدر الكلام بالإباحة والتوسعة. وجاء النهي عن مباشرة المعتكفة في المسجد تلوا للإباحة وتبعا في الذكر ; لأنها حالة فاذة. والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب، وهو الاعتكاف. فتفطن لهذا السر فإنه من غرائب النكت.

ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله العقدة بالضم من النكاح وكل شيء من البيع ونحوه، وجوبه. قال الفارسي: هو من الشد والربط، وقال الرازي: أصل العقد الشد. وسميت العهود والأنكحة عقودا ; لأنها تعقد كما يعقد الحبل. وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح ; لأن العزم على الفعل يتقدمه. فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى. ومعناه: ولا تعزموا وجوب النكاح لأن القصد إليه حال العدة يفيد مزيد تحريك [ ص: 618 ] من الجانبين، بحيث لا يطاق معه الصبر إلى انقضاء العدة.

وقوله: حتى يبلغ الكتاب أجله أي: العدة المكتوبة المفروضة آخرها واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من الميل إليهن قبل الأجل: فاحذروه واعلموا أن الله غفور يغفر ذلك الميل إذ لم يتعد العزم عقدة النكاح: حليم لا يعاجل بالعقوبة، فلا تستدلوا بتأخيرها على أن ما نهيتم عنه من العزم ليس مما يستتبع المؤاخذة....
القول في تأويل قوله تعالى:

[236] لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين .

لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ( ما ) شرطية، أي: إن لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة. يعني: ولم تعينوا لهن صداقا. فـ: ( أو ) بمعنى الواو - وحينئذ فلا مهر لهن، ولكن المتعة بالمعروف كما قال تعالى: ومتعوهن أي: من مالكم جبرا لوحشة الفراق: على الموسع أي: الغني الذي يكون في سعة من غناه: قدره - بسكون الدال وبفتحها قراءتان سبعيتان - أي: يجب على الموسر قدر ما يليق بيساره: وعلى المقتر أي: المعسر الذي في ضيق من فقره، وهو المقل الفقير، يقال: اقتر إذا افتقر: قدره أي: قدر ما يليق بإعساره: متاعا بالمعروف تأكيد لـ: {متعوهن } يعني: متعوهن تمتيعا بالمعروف - أي: بالوجه المستحسن، فلا يزاد إلى نصف مهر المثل ولا ينقص إلى ما لا يعتد به -: حقا أي: ثبت ذلك ثبوتا مستقرا: على المحسنين أي: المؤمنين لأنه بدل المهر ; وذكرهم بهذا العنوان ترغيب وتحريض لهم على الإحسان إليهن بالمتعة. وإنما كانت إحسانا لأن ملاك القصد فيها ما تطيب به نفس المرأة [ ص: 619 ] ويبقى باطنها وباطن أهلها سلما ذا مودة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. أفاده الحرالي.

وروى الثوري عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاها الخادم، ودون ذلك الورق. ودون ذلك الكسوة. وعنه: إن كان موسرا متعها بخادم ونحوه، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب.

وروى عبد الرزاق أن الحسن بن علي - عليهما السلام - متع بعشرة آلاف. فقالت المرأة: متاع قليل من حبيب مفارق.

تنبيه:

أخذ بعض المفسرين يحاول البحث بأن عنوان نفي الجناح - عما ذكر هنا - يفيد ثبوته فيما عداه، مع أنه لا جناح أيضا فيه. وتكلف للجواب - سامحه الله - ولا يخفاك أن مثل هذا العنوان كثيرا ما يراد به في التنزيل الترخيص والتسهيل، كما تكلف بعض بجعل أو بمعنى إلا أو حتى ; وجعل الحرج بمعنى المهر، مع أن الآية بينة بنفسها لا حاجة إلى أن تتجاذبها أطراف هذه الأبحاث. وعدولهم عن أقرب مما سلكوه - أعني: كون أو بمعنى الواو - مع شيوعها في آيات كثيرة - عجيب. وأعجب منه تخطئة من جنح لهذا الأقرب، مع أن مما يرشحه مساق الآية بعدها.

وما روي في سبب نزول هذه الآية: قال الخازن: نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت: لا جناح عليكم الآية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمتعها ولو بقلنسوتك» . وهذه الرواية - إن ثبتت - كانت شاهدة لما اعتمدناه، والله أعلم.
[ ص: 620 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[237] وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير .

وإن طلقتموهن - أي: الزوجات: من قبل أن تمسوهن أي: تجامعوهن. قال أبو مسلم: وإنما كنى تعالى بقوله: تمسوهن عن المجامعة، تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به وقد فرضتم أي: سميتم: لهن فريضة أي: مهرا مقدرا: فنصف ما فرضتم أي: فلهن نصف ما سميتم لهن من المهر، أو فالواجب عليكم ذلك: إلا أن يعفون أي: المطلقات عن أزواجهن، فلا يطالبنهم بنصف المهر. وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا أستمتع بي فكيف آخذ منه شيئا..؟: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج، فيسوق إليها المهر كاملا، أو الولي، يعني: إذا كانت صغيرة - أو غير جائزة التصرف - فيترك نصيبها للزوج.

قال مالك في " موطئه " في هذه الآية: هو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وكلا التأويلين مروي عن عدة من الصحابة والتابعين.

قال الحرالي: إذا قرن هذا الإيراد بقوله: ولا تعزموا عقدة النكاح خطابا للأزواج قوي فسر من جعل: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج معادلة للزوجات، ومن خص عفوهن بالمالكات - أي: الرشيدات - خص هذا بالأولياء.

ونقل ابن جرير: أن الشعبي رجع إلى أنه الزوج، وكان يباهل عليه.

وقال الزمخشري: القول بأنه الولي ظاهر الصحة.

وقال الناصر في " حواشيه ": وصدق الزمخشري أنه قول ظاهر الصحة، عليه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه ستة. ساقها بألطف بيان، فانظرها، والله أعلم.

[ ص: 621 ] وأن تعفوا أقرب للتقوى هذا خطاب للرجال والنساء جميعا، وغلب التذكير نظرا للأشرف، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو، وذلك لأن من سمح بترك حقه كان محسنا، وذلك عنوان التقوى: ولا تنسوا الفضل بينكم أي: التفضل بالإحسان لما فيه من الألفة وطيب الخاطر، فهو حث على العفو، فمن عفا منهما فله الفضل على الآخر، ومعلوم أن النسيان ليس في الوسع حتى ينهى عنه، فالمراد منه الترك، أي: لا تتركوه ترك المنسي، فالتعبير بالنسيان آكد في النهي، والخطاب هنا أيضا للقبيلين بالتغليب، كالذي قبله، وخصه الحرالي بالرجال، قال:

فمن حق الزوج - الذي له فضل الرجولة - أن يكون هو العافي، وأن لا يؤخذ النساء بالعفو، ولذلك لم يأت في الخطاب أمر لهن ولا تحريض، فمن أقبح ما يكون حمل الرجل على المرأة في استرجاع ما آتاها بما يصرح به قوله: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فينبغي أن لا تنسوا ذلك الفضل فتجرون عليه حيث لم تلزموا به.

وقد حكى الزمخشري عن جبير بن مطعم، أنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، فأكمل لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو..! وعنه: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه بنتا له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا، فقيل له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها علي فكرهت رده. قيل: فلم بعثت بالصداق؟ قال: فأين الفضل.

وقوله تعالى: إن الله بما تعملون بصير أي: فلا يضيع تفضلكم وإحسانكم. ولما كانت الحقوق المشروعة قبل، مما قد يشق القيام بها على بعض الناس، أمروا بما يخفف عنهم عبئها ويحبب إليهم أداءها، وذلك بالمحافظة على الصلوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذا أمر بها تعالى - إثر ما تقدم - بقوله سبحانه:
[ ص: 622 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[238] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين .

حافظوا على الصلوات أي: داوموا على أدائها لأوقاتها مع رعاية فرائضها وسننها من غير إخلال بشيء منها: والصلاة الوسطى أي: الوسطى بين الصلوات بمعنى المتوسطة أو الفضلى منها، من قولهم للأفضل: الأوسط. فعلى الأول: يكون الأمر لصلاة متوسطة بين صلاتين. وهل هي الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء؟! أقوال مأثورة عن الصحابة والتابعين. وعلى الثاني: فهي صلاة الفطر أو الأضحى أو الجماعة أو صلاة الخوف أو الجمعة أو المتوسطة بين الطول والقصر. أقوال أيضا عن كثير من الأعلام، والقول الأخير جيد جدا كما لو قيل بأنها ذات الخشوع لآية: الذين هم في صلاتهم خاشعون

وأما علماء الأثر فقد ذهبوا إلى أن المعني بالآية صلاة العصر لما في (الصحيحين) عن علي رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب (وفي رواية، يوم الخندق): « ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس » . وفي رواية: « شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر » . وذكر نحوه وزاد في أخرى: ثم صلاها بين المغرب والعشاء. أخرجاه في (الصحيحين) ورواه أصحاب السنن والمسانيد والصحاح من طرق يطول ذكرها...

وأجاب عن هذا الاستدلال من ذهب إلى غيره بأنه لم يرد الحديث مورد تفسير الآية حتى يعينها، وإنما فيه الإخبار عن كونها وسطى، وهو كذلك لأنها متوسطة وفضلى من الصلوات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 28-04-2022, 05:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 623 الى صـ 628
الحلقة (123)



وما رواه مسلم عن أبي يونس - مولى عائشة - قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن حفصة نحو ذلك. قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو. وكذا روى ابن جرير عن ابن عباس وعبيد بن عمير، أنهما قرآ كذلك.

فهذا من عائشة رضي الله عنها إعلام بالمراد من (الوسطى) عندها. ضمت التأويل إلى أصل التنزيل لأمن اللبس فيه، لأن القرآن متواتر مأمون أن يزاد فيه أو ينقص. وكان في أول العهد بنسخه ربما ضم بعض الصحابة تفسيرا إليه، أو حرفا يقرؤه. ولذا لما خشي عثمان رضي الله عنه أن يرتاب في كونه من التنزيل - مع أنه ليس منه - أمر بأن تجرد المصاحف في عهده مما زيد فيها من التأويل وحروف القراءات التي انفرد بعض الصحب، وأن يقتصر على المتواتر تنزيله وتلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو بكر في " الانتصار ": لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته، كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد....

هذا وقد أيد علماء الأثر ما ذهبوا إليه من أنها صلاة العصر، بأنها خصت بمزيد التأكيد والأمر بالمحافظة عليها، والتغليظ لمن ضيعها، فقد قال أبو المليح: كنا مع بريدة في غزوة، فقال في يوم ذي غيم: بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من ترك صلاة العصر فقد [ ص: 624 ] حبط عمله » . أخرجه البخاري. وقوله: « بكروا بصلاة العصر » ، أي: قدموها في أول وقتها.

وروى الشيخان عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله..! » أي: نقص وسلب أهله وماله فبقي فردا فاقدهما. والمعنى: ليكن حذره من فوت صلاة العصر كحذره من ذهاب أهله وماله.

وقد ساق الحافظ عبد المؤمن الدمياطي في كتابه " كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى " ما امتازت به صلاة العصر من الخصائص والفضائل، قال عليه الرحمة:

فمنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فواتها بذهاب الأهل والمال في الحديث المتقدم.

ومنها: حبوط عمل تاركها المضيع لها في الحديث السالف أيضا.

ومنها: أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: « من حافظ عليها كان له أجرها مرتين » . رواه مسلم.

ومنها: أن انتظارها بعد الجمعة كعمرة - رواه أبو يعلى. وروى الحاكم: كمن أتى بحجة وعمرة.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم [ ص: 625 ] ولهم عذاب أليم.. - إلى أن قال - ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله أنه أخذها بكذا وكذا، فجاء رجل فصدقه فاشتراها » . متفق عليه. ثم قال: قلت: وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد فيما شجر بينهم بعدها فقال: تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله

قال عامة المفسرين: بعد صلاة العصر، ولذلك غلظ العلماء اللعان وسائر الأيمان المغلظة بوقت صلاة العصر لشرفه ومزيته.

ومنها: أن سليمان - عليه السلام - أتلف مالا عظيما من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس، فمدحه الله تعالى بذلك وأثنى عليه بقوله تعالى: نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الآية.

ومنها: أن الساعة التي في يوم الجمعة قد قيل: إنها بعد العصر.

ومنها: أن وقتها وقت ارتفاع الأعمال.

[ ص: 626 ] ومنها: الحديث المرفوع: إن الله تعالى يوحي إلى الملكين: لا تكتبا على عبدي الصائم بعد العصر سيئة.

ومنها: ما جاء في قوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر

قال مقاتل: العصر: هي الصلاة الوسطى، أقسم بها - حكاه ابن عطية.

ومنها: ما روي في الحديث، أن الملائكة تصف كل يوم بعد العصر يكتبها في السماء الدنيا فينادي الملك: ألق تلك الصحيفة، فيقول: وعزتك ما كتبت إلا ما عمل، فيقول الله عز وجل: لم يرد به وجهي. وينادي الملك الآخر: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول الملك: وعزتك إنه لم يعمل ذلك. فيقول الله عز وجل: إنه نواه.

ومنها: أن وقتها وقت اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم في الغالب.

وقد أفرد الكلام على تفسير هذه الآية بمؤلفات، وذكر العلامة الفاسي - شارح " القاموس " - فيما نقله عنه الزبيدي، أن الأقوال فيها أنافت على الأربعين، فرضي الله عن العلماء المجتهدين وأرضاهم.

سنح لي وقوي بعد تمعن - في أواخر رمضان سنة 1323 - احتمال قوله تعالى : والصلاة الوسطى بعد قوله: حافظوا على الصلوات لأن يكون إرشادا وأمرا بالمحافظة على أداء الصلاة أداء متوسطا لا طويلا مملا ولا قصيرا مخلا. أي: والصلاة المتوسطة بين الطول والقصر، ويؤيده الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، قولا وفعلا.

ثم مر بي في " القاموس " - في 23 ربيع الأول سنة 1324 - حكاية هذا قولا. حيث ساق في مادة " و س ط " الأقوال في الآية، ومنها قوله: (أو المتوسطة بين الطول والقصر) قال شارحه الزبيدي: وهذا القول رده أبو حيان في " البحر ".

[ ص: 627 ] ثم سنح لي احتمال وجه آخر: وهو أن يكون قوله: والصلاة الوسطى أريد به توصيف الصلاة المأمور بالمحافظة عليها بأنه فضلى، أي: ذات فضل عظيم عند الله، فالوسطى بمعنى الفضلى، من قولهم للأفضل: الأوسط. وتوسيط الواو بين الصفة والموصوف مما حققه الزمخشري واستدل له بكثير من الآيات، وفي سوق الصفة بهذا الأسلوب، من الاعتناء بالموصوف ما لا يخفى، وأسلوب القرآن أسلوب خاص انفرد به في باب البلاغة، لم ينفتح من أبواب عجائبه إلا قطرة من بحر، ولعل هذا الوجه هو ملحظ من قال: هي الصلوات الخمس، وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكأنه أشار إلى أن المعطوف عين المعطوف عليه، إلا أنه أتى بجملة تفيد التوصيف.

وقوله تعالى: وقوموا لله - في الصلاة: قانتين خاشعين ساكتين. روى الشيخان عن زيد بن أرقم: إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت. هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.

وروى أبو يعلى عن ابن مسعود قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم يرد علي، فوقع في نفسي إنه نزل في شيء، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: « وعليك السلام - أيها المسلم - ورحمة الله، إن الله يحدث في أمره ما يشاء، فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تتكلموا » .

[ ص: 628 ] وروى الطبراني في " الأوسط " والإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي في " مسنديهما " وابن حبان في " صحيحه " عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل حرف ذكر من القنوت في القرآن فهو الطاعة » .
القول في تأويل قوله تعالى:

[239] فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون

فإن خفتم أي: فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره: فرجالا أي: فصلوا راجلين، أي: ماشين على الأقدام - يقال: رجل - كفرح - فهو راجل، ورجل - بضم الجيم - ورجل - بكسرها - ورجل - بفتحها - ورجيل ورجلان إذا لم يكن له ظهر في سفر يركبه فمشى على قدميه. والجمع رجال ورجالة ورجال - كرمان -: أو ركبانا أي: راكبين، فيعفى عن كثرة الأفعال وإتمام الركوع والسجود واستقبال القبلة. وهذا من رخص الله تعالى التي رخص لعباده، ووضعه الآصار والأغلال عنهم. وقد رويت صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات مختلفة مفصلة في كتب السنة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى في كل موطن ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.

قال الرازي: صلاة الخوف قسمان:

أحدهما: أن تكون في حال القتال - وهو المراد بهذه الآية.

والثاني: في غير حال القتال، وهو المذكور في سورة النساء في قوله تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 28-04-2022, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 629 الى صـ 634
الحلقة (124)





وقد روى مالك عن نافع: أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف، وصفها ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.

قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه الشيخان.

ولمسلم أيضا عن ابن عمر قال: فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء.

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود، بإسناد جيد، عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي - وكان نحو عرنة وعرفات - فقال: « اذهب فاقتله» . قال: فرأيته - وحضرت صلاة العصر - فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل، فجئتك في ذلك، قال: [ ص: 630 ] إني لفي ذلك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد. وهذا نص أبي داود.

وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وأبو يعلى والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فشغلنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك. وذلك قوله: وكفى الله المؤمنين القتال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن ينزل عليه: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا

تنبيه:

هذه الآية قد أطلقت الخوف، فيدخل فيه أي مخافة من عدو أو سبع أو جمل صائل، وهذا قول الأكثر. وشذ قول الوافي وبعض الظاهرية: إن الخوف مختص بأن يكون من آدمي. وقد أفادت هذه الآية أن فعلها بالإيماء هو فرضهم، فلا قضاء عليهم بعد الأمن. قال في (التهذيب) خلاف ما يقوله بعضهم، ولكن هذا إذا أتوا بما يسمى صلاة، فإن لم يمكنهم شيء من الأفعال، وإنما أتوا بالذكر فقط. فقال الناصر زيد وابن أبي الفوارس وأبو جعفر: هذا لا يسمى صلاة فيجب القضاء. وقال الراضي بالله والأمير الحسين: هو بعض الصلاة، فلا قضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» . وإذا ثبت الترخيص [ ص: 631 ] في هذه الصلاة - بترك كمال الفروض - رخص فيها بفعل ما تحتاج إليه، وبلباس ما فيه نجس إذا احتيج إليه - كذا في تفسير بعض علماء الزيدية.

فإذا أمنتم أي: زال خوفكم: فاذكروا الله أي: فصلوا صلاة الأمن. عبر عنها بالذكر ؛ لأنه معظم أركانها. وقوله: كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون أي: مثل ما علمكم من صلاة الأمن، أو لأجل إنعامه عليكم، فالكاف للتعليل. وهذه الآية كقوله تعالى: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا والفائدة في ذكر المفعول فيه، وإن كان الإنسان لا يعلم إلا ما لم يعلم: التصريح بذكر حالة الجهل التي انتقلوا عنها، فإنه أوضح في الامتنان.
القول في تأويل قوله تعالى:

[240] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم

والذين يتوفون منكم أي: يقبضون من رجالكم: ويذرون أي: يتركون: أزواجا بعد الموت: وصية لأزواجهم خبر (الذين) أي: يوصون، أو ليوصوا، [ ص: 632 ] أو كتب الله عليهم وصية. وفي قراءة بالرفع، أي: عليهم وصية لأزواجهم في أموالهم: متاعا إلى الحول بدل من وصية، على قراءة من نصبها. وعلى قراءة الرفع فمنصوب بـ وصية أو بفعله: غير إخراج حال من أزواجهم، أي: غير مخرجات. والمعنى: يجب على الذي يتوفون أن يوصوا قبل الاحتضار لأزواجهم بأن يمتعن بعدهم حولا بالنفقة والسكنى من غير أن يخرجن من مسكن زوجهن: فإن خرجن عن منزل الأزواج من قبل أنفسهن: فلا جناح عليكم على أولياء الميت: في ما فعلن في أنفسهن من معروف لا ينكره الشرع - كالتزين والتطيب وترك الحداد والتعرض للخطاب - وفيه دلالة على أن المحظور إخراجها عند إرادتها القرار، وملازمة مسكن الزوج، والحداد من غير أن يجب عليها ذلك، وأنها مخيرة بين الملازمة مع أخذ النفقة، وبين الخروج مع تركها: والله عزيز حكيم ثم ليعلم أن اختيار جمهور المفسرين أن هذه الآية منسوخة بالتي قبلها وهو قوله تعالى: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قالوا: كان الحكم في ابتداء الإسلام أنه إذا مات الرجل اعتدت زوجته حولا، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول، وكانت نفقتها وسكناها واجبتين في مال زوجها تلك السنة، وليس لها من الميراث شيء، ولكنها تكون مخيرة. فإن شاءت اعتدت في بيت زوجها ولها النفقة والسكنى، وإن شاءت خرجت قبل تمام الحول وليس لها نفقة ولا سكنى ؛ وكان يجب على الرجل أن يوصي بذلك. فدلت هذه الآية على مجموع أمرين، أحدهما: أن لها النفقة والسكنى من مال زوجها سنة. والثاني: أن عليها عدة سنة، ثم نسخ هذان الحكمان.

[ ص: 633 ] أما الوصية بالنفقة والسكنى فنسخت بآية الميراث، فجعل لها الربع أو الثمن عوضا عن النفقة والسكنى، ونسخ عدة الحول بأربعة أشهر وعشر.

وقد روى البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها..؟ قال: يا ابن أخي! لا أغير شيئا منه من مكانه.

وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: نسخت بآية الميراث بما فرض الله لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.

هذا، وقد ذهب مجاهد إلى أن هذه الآية محكمة كالأولى. أخرجه عنه البخاري. قال مجاهد: دلت الآية الأولى وهي: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا على أن هذه عدتها المفروضة تعتدها عند أهل زوجها، ودلت هذه الآية، بزيادة سبعة أشهر وعشرين ليلة على العدة السابقة تمام الحول، أن ذلك من باب الوصية بالزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا، ولا يمنعن من ذلك، لقوله: غير إخراج فإذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر - أو بوضع الحمل - واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل، فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله: فإن خرجن إلخ. قال الإمام ابن كثير: وهذا القول له اتجاه، وفي اللفظ مساعدة له. وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس ابن تيمية.

ومنهم أبو مسلم الأصفهاني قال: معنى الآية: من يتوفى منكم ويذرون أزواجا، [ ص: 634 ] وقد وصوا وصية لأزواجهم بنفقة الحول وسكنى الحول، فإن خرجن قبل ذلك وخالفن وصية الزوج بعد أن يقمن المدة التي ضربها الله تعالى لهن فلا حرج: في ما فعلن في أنفسهن من معروف أي: نكاح صحيح، لأن إقامتهن بهذه الوصية غير لازمة. قال: والسبب أنهم كانوا في زمان الجاهلية يوصون بالنفقة والسكنى حولا كاملا، وكان يجب على المرأة الاعتداد بالحول، فبين الله تعالى في هذه الآية أن ذلك غير واجب، واحتج على قوله بوجوه ساقها الفخر الرازي عنه - إلى أن قال: فكان المصير إلى قول مجاهد أولى من التزام النسخ من غير دليل، ثم قال: وإذا عرفت هذا فنقول: هذه الآية من أولها إلى آخرها تكون جملة واحدة شرطية، فالشرط هو قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فهذا كله شرط، والجزاء هو قوله فإن خرجن فلا جناح عليكم إلخ، هذا تقرير قول أبي مسلم.

قال الرازي: وهو في غاية الصحة، والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[241] وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين .

وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين أي: للمطلقات متعة من جهة الزوج بقدر الإمكان، جبرا لوحشة الفراق، وأما المهر فهو حق البضع.

قال ابن كثير: وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة، أو مفروضا لها، أو مطلقة قبل المسيس، أو مدخولا بها.

وإليه ذهب سعيد بن جبير وغيره من السلف، واختاره ابن جرير.

وقد أخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لكل مؤمنة طلقت، حرة أو أمة، متعة. وقرأ الآية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 28-04-2022, 05:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 635 الى صـ 640
الحلقة (125)





وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله قال: لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة، أتت [ ص: 635 ] النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لزوجها: « متعها» . قال: لا أجد ما أمتعها قال: « فإنه لا بد من المتاع، متعها ولو نصف صاع من التمر» .

وأخرج البيهقي عن قتادة قال: طلق رجل امرأته عند شريح، فقال له شريح: متعها! فقالت المرأة: إنه ليس لي عليه متعة. إنما قال الله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين } . وليس من أولئك!!.

وأخرج البيهقي عن شريح أنه قال لرجل فارق امرأته: لا تأبى أن تكون من المتقين. لا تأبى أن تكون من المحسنين.
القول في تأويل قوله تعالى:

[242] كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون .

كذلك أي: مثل ذلك البيان الشافي: يبين الله لكم في جميع المواضع: آياته الدالة على أحكامه: لعلكم تعقلون لكي تفهموا ما فيها وتعملوا بموجبها.
القول في تأويل قوله تعالى:

[243] ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .

ألم تر إلى الذين خرجوا أي: ممن تقدمكم من الأمم: من ديارهم أي: التي ألفوها لما وقع فيها مما لا طاقة لهم به من الموت. ولفظة: ألم تر قد تذكر لمن تقدم علمه، فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير - كالأحبار وأهل التاريخ - وقد تذكر لمن لا يكون كذلك، فتكون لتعريفه وتعجيبه.

[ ص: 636 ] قال الراغب: "رأيت" يتعدى بنفسه دون الجار، لكن لما استعير " ألم تر " لمعنى " ألم تنظر " عدي تعديته بـ " إلى " وفائدة استعارته: أن النظر قد يتعدى عن الرؤية، فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له، وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال: رأيت إلى كذا.

وهم ألوف أي: في العدد جمع ألف، أو وهم مؤتلفون ومجتمعون جمع آلف، بالمد - كشاهد وشهود - أي: إن خروجهم لم يكن عن افتراق كان منهم ولا تباغض، ولكن: حذر الموت مفعول له - أي: فرارا منه. وقوله: فقال لهم الله موتوا معناه: فأماتهم، وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك مشيئة خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف، كقوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون

ثم أحياهم عطف. إما على مقدر يستدعيه المقام، أي: فماتوا ثم أحياهم - وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته، وإما على " قال " لما أنه عبارة عن الإماتة: إن الله لذو فضل على الناس قاطبة. أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة، وأما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم إلى مسلك الاعتبار والاستبصار، فقد تفضل على الجميع ليشكروه: ولكن أكثر الناس لا يشكرون أي: فضله كما ينبغي.

تنبيه:

روي عن ابن عباس: أن الآية عني بها قوم كثيرو العدد، خرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم الله ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فكأنها ذكرت ممهدة للأمر بالقتال بعدها في قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله

[ ص: 637 ] ومعلوم أن سورة البقرة مما نزل في المدينة إثر الهجرة قبل فتح مكة، وكان العدو في مكة وما حولها في كثرة وقوة ومنعة، فأمر المسلمون المهاجرون ومن آواهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وقص لهم من الأنباء ما فيه بعث لهم على الجهاد وتبشير لهم بالفوز والعاقبة، وإن يكونوا في قلة وضعف، ما داموا مستمسكين بحبل الوفاق والصبر والمصابرة. وقد ذهب بعض الرواة إلى أن هذه الآية عني بها ما قص في التوراة عن حزقيل - أحد أنبياء بني إسرائيل - أنه أوحي إليه أن يخرج إلى فلاة واسعة قد ملئت عظاما يابسة من موتى بني إسرائيل، وأن يناديها باسمه تعالى، فجعلت تتقارب ثم كسيت لحما، ثم نادى أرواحها فعادت إلى أجسامها واستووا أحياء على أقدامهم بأمره تعالى. وهم جيش كثير جدا. وأوحي إلى (حزقيل) أنهم سيعودون إلى وطنهم بعد أن أجلوا عنه. وهذه القصة مبسوطة في توراتهم في الفصل السابع والثلاثين من نبوة (حزقيل).

وممن روي عنه أنه عني بهذه الآية نبأ (حزقيل)، وهب بن منبه وأشعث بن أسلم البصري والحجاج بن أرطاة والسدي وهلال بن يساف وغيرهم. أخرجه عنهم ابن جرير. فإن صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات (حزقيل) في إحياء الموتى له، كما أحيي لعيسى عليه السلام، فيرى قومه ما لا ييأسون معه من جهاد عدوهم ليسترجعوا وطنهم الذي أجلاهم عنه عدوهم، لأن (حزقيل) كان فيمن أجلي إلى بابل. قالوا: ونبوته تتضمن القضاء المنزل على بني إسرائيل وبشرى السلام الذي يعقب ذلك القضاء. وقد نقل ابن كثير عن عطاء أنه قال في هذه الآية: إنها مثل. ولعل مراده: أنها مثل في تكوينه تعالى أمة قوية تقهر وتغلب وتسوس غيرها بعد بلوغها غاية الضعف والخمول، فكان حياتها وموتها تمثيلا لحالتيها قبل وبعد. فيكون إشعارا بما ستصير إليه العرب من القوة العظيمة والمدنية الفخيمة، وتنبيها على أن الوصول إلى ذلك إنما يكون بجهاد الظالمين واتفاق المتقين على دحر المتغلبين الباغين والله أعلم.

[ ص: 638 ] ثم إنه لا خفاء في أن ما قص من حوادث الإسرائيليين كان معروفا في الجملة لمخالطة اليهود للعرب في قرون كثيرة.

قال ولي الله الدهلوي في " الفوز الكبير ": واختار سبحانه في تنزيله من أيام الله، يعني: الوقائع التي أحدثها الله سبحانه وتعالى: كإنعام المطيعين وتعذيب العصاة، ما قرع سمعهم، وذكر لهم إجمالا مثل قصص قوم نوح وعاد وثمود، وكانت العرب تتلقاها أبا عن جد، ومثل قصص سيدنا إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل فإنها كانت مألوفة لأسماعهم لمخالطة اليهود العرب في قرون كثيرة، وانتزع من القصص المشهورة جملا تنفع في تذكيرهم، ولم يسرد القصص بتمامها مع جميع خصوصياتها. والحكمة في ذلك أن العوام إذا سمعوا القصص النادرة غاية الندرة، أو استقصى بين أيديهم ذكر الخصوصيات، يميلون إلى القصص نفسها ويفوتهم التذكر الذي هو الغرض الأصلي فيها. ونظير هذا الكلام ما قاله بعض العارفين: إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة.
القول في تأويل قوله تعالى:

[244] وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم .

وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم

قال المفسرون: في إتباع القصة المتقدمة الأمر بالقتال، دليل على أنها سيقت بعثا على الجهاد. فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار من الموت لا يغني، كما قال تعالى: الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين وأصل السبيل هو الطريق، وسميت المجاهدة سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها ليتمكن من إظهار عبادته تعالى، ونشر الدعوة إلى توحيده وحماية أهلها والمدافعة عن الحق وأهله، فالقتال: دفاع في سبيل الله لإزالة الضرر العام. [ ص: 639 ] وهو منع الحق وتأييد الشرك، وذلك بتربية الذين يفتنون الناس عن دينهم وينكثون عهودهم لا لحظوظ النفس وأهوائها، والضراوة بحب التسافك وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب. وفي قوله تعالى: واعلموا أن الله سميع عليم بعث على صدق النية والإخلاص. كما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» .
القول في تأويل قوله تعالى:

[245] من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون .

من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة - هذا حث من الله تعالى لعباده على الصدقة، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع.

قال القرطبي: طلب القرض في هذه الآية لما هو تأنيب وتقريب للناس بما يفهمون. والله هو الغني الحميد. لكنه تعالى شبه إعطاءه المؤمنين، وإنفاقهم في الدنيا الذي يرجون ثوابه في الآخرة، بالقرض. كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة، بالبيع والشراء. حسبما يأتي بيانه في سورة براءة، وكنى الله سبحانه وتعالى عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن [ ص: 640 ] الحاجات ترغيبا في الصدقة، كما كنى عن المرض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة، ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى: « يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. استطعمتك فلم تطعمني، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي » وكذا فيما قبله. أخرجه الشيخان. وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به. وقد أخرج سعيد بن منصور والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية، قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله! وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: « نعم يا أبا الدحداح » قال: أرني يدك، يا رسول الله! فناوله يده.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 28-04-2022, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 641 الى صـ 646
الحلقة (126)






قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي (وحائط له، فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيها وعيالها) فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « قد [ ص: 641 ] قبله منك » . فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « رب عذق لأبي الدحداح مدلى في الجنة » وفي رواية: « كم من عذق »
إلخ. وقوله تعالى: حسنا أي: طيبة به نفسه من دون من ولا أذى. وقوله سبحانه: فيضاعفه له أضعافا كثيرة كما قال سبحانه: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ولما رغب سبحانه في إقراضه أتبعه جملة مرهبة مرغبة فقال: والله يقبض ويبسط أي: يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ويوسعه على آخرين. أي: فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم، لئلا يبدل السعة الحاصلة لكم بالضيق.

وإليه ترجعون أي: يوم القيامة فيجازيكم.

قال المهايمي: وكيف ينكر بسط الله وقبضه، وهو الذي يعطي الفقير الملك ويسلبه من أهله، ويقوي الضعفاء من الجمع القليل ويضعف الأقوياء من الجمع الكثير؟! يعني كما قصه تعالى في قوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[246] ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين .

ألم تر إلى الملإ وهم القوم ذو الشارة والتجمع: من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم إنما نكر لعدم مقتض لتعريفه، وزعم الكتابيون أنه صموئيل: [ ص: 642 ] ابعث لنا ملكا أي: أقم لنا أميرا: نقاتل أي: معه عن أمره: في سبيل الله وذلك حين ظهرت العمالقة، قوم جالوت على كثير من أرضهم: قال لهم نبيهم: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا

قال الزمخشري: خبر (عسيتم) ألا تقاتلوا. والشرط فاصل بينهما. والمعنى: هل قاربتم ألا تقاتلوا: يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون؟ أراد أن يقول عسيتم ألا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل (هل) مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى: هل أتى على الإنسان معناه التقرير. وقرئ (عسيتم) بكسر السين، وهي ضعيفة.

قالوا وما لنا ألا نقاتل أي: وأي سبب لنا في ترك قتال عدونا: في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا أي: والحال أنه قد عرض ما يوجب القتال إيجابا قويا من أخذ بلادنا وسبي أولادنا: فلما كتب عليهم القتال بعد إلحاحهم في طلبه: تولوا أي: أعرضوا عن قتال عدوهم جبنا: إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين وعيد لهم على ظلمهم بالتولي عن القتال وترك الجهاد وعصيانا لأمره تعالى.

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة هذه الآية الكريمة أنها دلت على أحكام:

الأول: وجوب الجهاد، لأن الله تعالى إنما ذكر هذه القصة المشهورة في بني إسرائيل وما نالهم تحذيرا من سلوك طريقهم. وأيضا: شرائع من قبلنا تلزمنا.

الثاني: أن الأمير يحتاج إليه في أمر الجهاد لتدبير أمورهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية أمر عليها أميرا. قال في " الكشاف ": [ ص: 643 ] وروي أنه أمر الناس إذا سافروا أن يجعلوا أحدهم أميرا عليهم.

الثالث: وجوب طاعة الأمير في أمر السياسة وتدبير الحرب، لأن سياق الآية يقضي بذلك، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: « أطيعوا الأمير ولو كان عبدا حبشيا » . وقد ذكر أهل علم المعاملة: أنه ينبغي في الأسفار أن يجعل أهل السفر لهم أميرا ودليلا وإماما، وهذا محمود؛ إذ بذلك ينقطع الجدال وتنتظم أمورهم. ويلزم مثل هذا في كل أمر يحتاج فيه إلى ترداد في الآراء، نحو أمور الأوقاف والمساجد والإمامة لكل مسجد ونحو هذا.

قال الحاكم: وفيه دلالة على أن للأنبياء تشديد العهود والمواثيق فيما يلزمهم ووجه ذلك أنه قال: هل عسيتم وهذا نوع من التأكيد عليهم، وكذا يأتي في الإمام قياس ما ذكر الحاكم في النبي.
القول في تأويل قوله تعالى:

[247] وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم .

[ ص: 644 ] وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا هذا شروع في تفصيل ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأقوال والأفعال، إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم. أي: قال لهم (بعد ما أوحى إليه ما أوحى) إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا أي: ملكه عليكم، فانتهوا في تدبير الحرب إلى أمره، وكان طالوت من سبط لم يكن الملك فيهم. وطالوت اسم أعجمي كجالوت وداود، ولذلك لم ينصرف، وزعم قوم أنه عربي من (الطول) لما وصف به من البسطة في الجسم. ولكنه ليس من أبنية العرب، فمنع صرفه للعلمية وشبه العجمة. وقد زعم الكتابيون أن طالوت هو المعروف عندهم بشاول قالوا معترضين على نبيهم بل على الله تعالى: أنى يكون له الملك علينا أي: من أين يكون أو كيف يكون ذلك: ونحن أحق بالملك منه أي: لأن فينا من هو سبط الملوك دونه.

قال الحرالي: فثنوا اعتراضهم بما هو أشد وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملكه الله عليهم. فكان فيه حظ من فخر إبليس، حيث قال حين أمر بالسجود لآدم: أنا خير منه

ولم يؤت سعة من المال أي: فصار له مانعان:

أحدهما: أنه ليس من بيت الملك.

والثاني: أنه مملق. والملك لا بد له من مال يعتضد به.

قال الحرالي: فكان في هذه الثالثة فتنة استصنام المال، وأنه مما يقام به ملك. وإنما الملك بإيتاء الله. فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك، فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى طلبه من أنفسهم.

قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم لما استبعدوا [ ص: 645 ] تملكه بسقوط نسبه وبفقره، رد عليهم ذلك أولا: بأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم، وثانيا: بأن العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة، وجسامة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب، وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر. قاله أبو السعود.

والله يؤتي ملكه من يشاء في الدنيا من غير إرث أو مال ؛ إذ لا يشترط في حقه تعالى شيء، فهو الفعال لما يريد: والله واسع يوسع على الفقير ويغنيه: عليم بمن يليق بالملك ممن لا يليق به، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة.

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية أن النبوة والإمامة لا تستحق بالإرث وأن الغنى والصيانة من الحرف الدنيئة، لا تشترط في أمير ولا إمام ولا قاض. أي: لما روي أن طالوت كان دباغا أو سقاء مع فقره. قال الحاكم: فيبطل قول الإمامية إنها وراثة، والمعروف من قولهم أن الإمامة طريقها النص، وتدل الآية أيضا على أنه يشترط في الأمير ونحوه القوة على ما تولاه، فيكون سليما من الآفات عالما بما يحتاج إليه، لأن الله تعالى ذكر البسطة في العلم والجسم ردا على ما اعتبروا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 28-04-2022, 05:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 647 الى صـ 652
الحلقة (127)






القول في تأويل قوله تعالى:

[248] وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين .

وقال لهم نبيهم إن آية أي: علامة: ملكه أنه من الله تعالى: أن يأتيكم التابوت أي: يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم وهو صندوق التوراة، على ما سنذكره: فيه سكينة من ربكم أي: وقار وجلال وهيبة، أو فيه سكون نفوس بني إسرائيل يتقوون به على [ ص: 646 ] الحرب: وبقية أي: فضلة جملة، ذهب جلها: مما ترك آل موسى وآل هارون أي: من آثارهم الفاضلة: تحمله الملائكة إن في ذلك أي: في رد التابوت إليكم: لآية لكم أن ملكه من الله تعالى: إن كنتم مؤمنين بآيات الله وأنبيائه.

قال العلامة البقاعي عليه الرحمة: التابوت والله أعلم، الصندوق الذي وضع فيه اللوحان اللذان كتب فيهما العشر الآيات، ويسمى تابوت الشهادة، وكانوا إذا حاربوا حمله جماعة منهم، موظفون لحمله، ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم. وكان العمالقة أصحاب جالوت لما ظهروا عليهم أخذوه في جملة ما أخذوا من نفائسهم، وكان عهدهم به قد طال. فذكرهم بمآثره ترغيبا فيه وحملا على الانقياد لطالوت، فقال: فيه سكينة الآية.

وفي الإصحاح الخامس والعشرين من سفر الخروج ما نصه:

* 1 * وكلم الرب موسى قائلا.

* 2 * كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتي.

* 3 * وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس.

* 4 * وأسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى. (5) وجلود كباش محمرة وجلود نخس وخشب سنط. * 6 * وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر. * 7 * وحجارة جزع، وحجارة ترصيع للرداء والصدرة. * 8 * فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم. * 9 * بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته، هكذا تصنعون.

* 10 * فتصنعون تابوتا من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف، وارتفاعه ذراع ونصف. * 11 * وتغشيه بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشيه، وتصنع عليه إكليلا من ذهب حواليه. * 12 * وتسبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع؛ على جانبه الواحد حلقتان، وعلى جانبه الثاني حلقتان. * 13 * وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب. * 14 * وتدخل العصوين في الحلقات على جانب التابوت ليحمل التابوت [ ص: 647 ] بهما. * 15 * تبقى العصوان في حلقات التابوت، لا تنزعان منها. * 16 * وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك.

وفي الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر الخروج:

* 18 * ثم أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة: لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله.

وفي الإصحاح الرابع والثلاثين منه: أن موسى لما كسر اللوحين أمره الله أن ينحت لوحين مثل الأولين، وأمره أن يكتب عليهما كلمات العهد الكلمات العشر. ونصه:

* 1 * ثم قال الرب لموسى: انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما.

وفي حواشي التوراة: أن تابوت الشهادة هو التابوت الذي كان فيه لوحا الشريعة الإلهية المسماة: شهادة.

وزعموا أن السكينة معربة عن (شكينا) في اللغة العبرانية. وفي سفر صموئيل من سفر الملوك الأول في الإصحاح الرابع وما بعده نبأ انكسار الإسرائيليين أمام الفلسطينيين، وأخذ التابوت من الإسرائيليين، وأنه بقي التابوت في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر، في قصص مسهبة.
القول في تأويل قوله تعالى:

[249] فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين

[ ص: 648 ] وقوله تعالى:

فلما فصل طالوت بالجنود أي: خرج بالجيش، لما رد إليهم التابوت وقبلوا ملكه، وخرجوا معه، وكان طالوت أخذ بهم في أرض قفرة، فأصابهم حر وعطش شديد: قال لهم طالوت: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ، أي: من أشياعي الذين يقاتلون معي عدوي، ولا يجاوزه: ومن لم يطعمه فإنه مني أي: لم يذقه. من: طعم، كعلم الشيء، إذا ذاقه مأكولا كان أو مشروبا وفي إيثاره على لم يشربه إشعار بأنه محظور تناوله ولو مع الطعام. ذكره الراغب: إلا من اغترف غرفة بيده الواحدة فإنه لا يخرج بذلك عن كونه مني، لأنه في معنى من لم يذقه.

قال الحرالي في قراءة فتح الغين إعراب عن معنى إفرادها، آخذة ما أخذت من قليل أو كثير، وفي الضم، إعلام بملئها.

فشربوا منه أي: إلى حد الارتواء: إلا قليلا منهم لم يشربوا إلا كما أذن الله تعالى: فلما جاوزه أي: النهر: هو أي: طالوت: والذين آمنوا معه قالوا أي: المفرطون في الشراب: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده لأنه سلبت شجاعتهم

وجاء في التوراة تسميته بجليات. على ما سنذكره: قال الذين يظنون أي: يعلمون: أنهم ملاقو الله يرجعون إليه بعد الموت: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
القول في تأويل قوله تعالى:

[250] ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .

ولما برزوا ظهروا: لجالوت وجنوده إذ دنوا منه: قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا أي: أفضه علينا وأكرمنا به لقتالهم فلا نجزع للجراحات، وإنما طلبوه أولا لأنه [ ص: 649 ] ملاك الأمر: وثبت أقدامنا في ميدان الحرب فلا نهرب منه: وانصرنا لأنا مؤمنون بك: على القوم الكافرين بك. وهم: جالوت وجنوده، وهذا الآية تدل على أن من حزبه أمر، فإنه ينبغي له سؤال المعونة من الله، والتوفيق، والانقطاع إليه تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى:

[251] فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين .

فهزموهم أي: هؤلاء القليلون، أولئك الكثيرون: بإذن الله بنصره إذ شجع القليلين وجبن الكثيرين: وقتل داود وكان في جيش طالوت: جالوت الذي هو رأس الأقوياء: وآتاه الله الملك أي: أعطى الله داود ملك بني إسرائيل: والحكمة أي: الفهم والنبوة: وعلمه مما يشاء من صنعة الدروع وغيرها: ولولا دفع الله الناس بعضهم من أهل الشر: ببعض من أهل الخير: لفسدت الأرض أي: بغلبة الكفار وظهور الشرك والمعاصي، كما قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا الآية.

ولكن الله ذو فضل على العالمين أي: من عليهم بالدفع. ولذلك قوى سبحانه هؤلاء الضعفاء وأعطى بعضهم الملك والحكمة ومن سائر العلوم، ليدفع فساد الأقوياء بالسيف.
[ ص: 650 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[252] تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين .

تلك أي: المذكورات من إماتة الألوف وإحيائهم وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام جالوت وقتل داود إياه وتملكه: آيات الله إذ هي أخبار غيوب تدل على كمال قدرته سبحانه وحكمته ولطفه: نتلوها عليك أي: ننزل عليك جبريل بها: بالحق أي: اليقين الذي لا يرتاب فيه: وإنك لمن المرسلين بما دلت عليه هذه الآيات من علمك بها من غير معلم من البشر، ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر. وفي هذه القصص معتبر لهذه الأمة في احتمال الشدائد في الجهاد كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة، كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين، فكأنه قيل: قد عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء عليهم السلام في بني إسرائيل من الخلاف عليهم والرد لقولهم، فلا يعظمن عليك كفر من كفر بك، وخلاف من خالف عليك لأنك مثلهم. وإنما بعث الكل لتأدية الرسالة ولامتثال الأمر على سبيل الاختيار والطوع، لا على سبيل الإكراه، فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم، والوبال في ذلك يرجع عليهم. وقوله: وإنك لمن المرسلين كالتنبيه على ذلك. أشار له الرازي.

قال البقاعي: ولعل ختام قصص بني إسرائيل بهذه القصة، لما فيها للنبي صلى الله عليه وسلم من واضح الدلالة على صحة رسالته، لأنه مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق علماء بني إسرائيل.

قلت: يرحم الله البقاعي، فإنه لم يطلع على هذه القصة من التوراة، مع أنها مسوقة في الإصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الأول ونصه:

* 1 * وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب فاجتمعوا في سوكوه التي ليهوذا ونزلوا بين سوكوه وعريقة في أفس دميم.

* 2 * واجتمع شاول ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي [ ص: 651 ] البطم واصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين. * 3 * وكان الفلسطينيون وقوفا على جبل من هنا وإسرائيل وقوفا على جبل من هناك والوادي بينهم. * 4 * فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جت طوله ست أذرع وشبر. * 5 * وعلى رأسه خوذة من نحاس، وكان لابسا درعا حرشفيا ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاس. * 6 * وجرموقا نحاسا على رجليه، ومزراق نحاس بين كتفيه.

* 7 * وقناة رمحه كنول النساجين، وسنان رمحه ست مائة شاقل حديد، وحامل الترس كان يمشي قدامه. * 8 * فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال لهم: لماذا تخرجون لتصطفوا للحرب؟ أما أنا الفلسطيني وأنتم عبيد لشاول. اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلي. * 9 * فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدا. وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيدا وتخدموننا.

* 10 * وقال الفلسطيني: أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم. أعطوني رجلا فنتحارب معا. * 11 * ولما سمع شاول وجميع إسرائيل كلام الفلسطيني هذا ارتاعوا وخافوا جدا.

* 12 * وداود هو ابن ذلك الرجل الأفراتي من بيت لحم يهوذا الذي اسمه: يسى وله ثمانية بنين، وكان الرجل في أيام شاول قد شاخ وكبر بين الناس.

* 13 * وذهب بنو يسى الثلاثة الكبار وتبعوا شاول إلى الحرب، وأسماء بنيه الثلاثة الذين ذهبوا إلى الحرب أليآب البكر، وأبيناداب ثانيه، وشمة ثالثهما.

* 14 * وداود هو الصغير، والثلاثة الكبار ذهبوا وراء شاول. * 15 * وأما داود فكان يذهب ويرجع من عند شاول ليرعى غنم أبيه في بيت لحم.

* 16 * وكان الفلسطيني يتقدم ويقف صباحا ومساء أربعين يوما. * 17 * فقال يسى لداود ابنه خذ لإخوتك إيفة من هذا الفريك، وهذه العشر الخبرات واركض إلى المحلة إلى إخوتك. * 18 * وهذه العشر القطعات من الجبن قدمها لرئيس الألف، وافتقد سلامة إخوتك وخذ منهم عربونا.

* 19 * وكان شاول وهم وجميع رجال إسرائيل في وادي البطم يحاربون الفلسطينيين.

* 20 * فبكر داود صباحا وترك الغنم مع حارس وحمل، وذهب كما أمره يسى وأتى إلى المتراس [ ص: 652 ] والجيش خارج إلى الاصطياف وهتفوا للحرب. * 21 * واصطف إسرائيل والفلسطينيون صفا مقابل صف. * 22 * فترك داود الأمتعة التي معه بيد حافظ الأمتعة وركض إلى الصف وأتى وسأل عن سلامة إخوته. * 23 * وفيما هو يكلمهم إذا برجل مبارز اسمه جليات الفلسطيني من جت صاعد من صفوف الفلسطينيين، وتكلم بمثل هذا الكلام فسمع داود. * 24 * وجميع رجال إسرائيل لما رأوا الرجل هربوا منه وخافوا جدا.

* 25 * فقال رجال إسرائيل: أرأيتم هذا الرجل الصاعد. ليعير إسرائيل هو صاعد، فيكون أن الرجل الذي يقتله يغنيه الملك غنى جزيلا، ويعطيه بنته ويجعل بيت أبيه حرا في إسرائيل.

* 26 * فكلم داود الرجال الواقفين معه قائلا: ماذا يفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل، لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي.

* 27 * فكلمه الشعب بمثل هذا الكلام قائلين: كذا يفعل بالرجل الذي يقتله.

* 28 * وسمع أخوه الأكبر أليآب كلامه مع الرجال، فحمي غضب أليآب على داود وقال: لماذا نزلت وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك، لأنك نزلت لكي ترى الحرب.

* 29 * فقال داود: ماذا عملت الآن؟ أما هو كلام؟

* 30 * وتحول من عنده نحو آخر وتكلم بمثل هذا الكلام، فرد له الشعب جوابا كالجواب الأول.

* 31 * وسمع الكلام الذي تكلم به داود وأخبروا به أمام شاول، فاستحضره.

* 32 * فقال داود لشاول: لا يسقط قلب أحد بسببه. عبدك يذهب ويحارب هذا الفلسطيني.

* 33 * فقال شاول لداود: لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني لتحاربه لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه.

* 34 * فقال داود لشاول: كان عبدك يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب وأخذ شاة من القطيع.

* 35 * فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه، ولما قام علي أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته.

* 36 * قتل عبدك الأسد والدب جميعا. وهذا الفلسطيني الأغلف يكون كواحد منهما لأنه قد عير صفوف الله الحي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 28-04-2022, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 653 الى صـ 658
الحلقة (128)





* 37 * وقال داود: الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب [ ص: 653 ] هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني. فقال شاول لداود: اذهب وليكن الرب معك.

* 38 * وألبس شاول داود ثيابه، وجعل خوذة من نحاس على رأسه وألبسه درعا.

* 39 * فتقلد داود بسيفه فوق ثيابه، وعزم أن يمشي لأنه لم يكن قد جرب. فقال داود لشاول: لا أقدر أن أمشي بهذه لأني لم أجربها. ونزعها داود عنه.

* 40 * وأخذ عصاه بيده، وانتخب له خمسة حجارة ملس من الوادي وجعلها في كنف الرعاة الذي له أي: في الجراب ومقلاعه بيده وتقدم نحو الفلسطيني.

* 41 * وذهب الفلسطيني ذاهبا واقترب إلى داود والرجل حامل الترس أمامه.

* 42 * ولما نظر الفلسطيني ورأى داود استحقره لأنه كان غلاما وأشقر جميل المنظر.

* 43 * فقال الفلسطيني لداود: ألعلي أنا كلب حتى أنك تأتي إلي بعصي؟ ولعن الفلسطيني داود بآلهته.

* 44 * وقال الفلسطيني لداود تعال إلي فأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البرية.

* 45 * فقال داود للفلسطيني: أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذي عيرتهم.

* 46 * هذا اليوم يحبسك الرب في يدي، فأقتلك وأقطع رأسك، وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض، فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لإسرائيل.

* 47 * وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا.

* 48 * وكان لما قام الفلسطيني وذهب وتقدم للقاء داود أن داود أسرع وركض نحو الصف للقاء الفلسطيني.

* 49 * ومد داود يده إلى الكنف وأخذ منه حجرا ورماه بالمقلاع، وضرب الفلسطيني في جبهته، فارتز الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض.

* 50 * فتمكن داود من الفلسطيني بالمقلاع والحجر وضرب الفلسطيني وقتله، ولم يكن سيف بيد داود.

* 51 * فركض داود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه من غمده وقتله وقطع به رأسه، فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا.

* 52 * فقام رجال إسرائيل ويهوذا وهتفوا ولحقوا الفلسطينيين حتى مجيئك إلى الوادي وحتى أبواب عقرون... إلخ.

[ ص: 654 ] وتتمة شأن داود بعد ذلك إلى أن آتاه الله الملك مذكور في الفصول بعد هذا الفصل من التوراة. فانظره إن شئت.
القول في تأويل قوله تعالى:

[253] تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد .

تلك الرسل إشارة إلى من ذكر منهم في هذه السورة أو المعلومة للنبي صلى الله عليه وسلم: فضلنا بعضهم على بعض بأن خص بمنقبة ليست لغيره: منهم من كلم الله تفصيل التفضيل أي: منهم من فضله الله، بأن كلمه من غير سفير، وهو موسى عليه السلام: ورفع بعضهم درجات كإبراهيم اتخذه الله خليلا. وداود آتاه الله النبوة والخلافة والملك.

قال الزمخشري: أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة.

والظاهر: أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشبه والمتميز الذي لا يلتبس؛ يقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول: أحدكم أو بعضكم. تريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به وأنوه بصاحبه. [ ص: 655 ] وسئل الحطيئة عن أشعر الناس؟ فذكر زهيرا والنابغة ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه. ولو قال: ولو شئت لذكرت نفسي، لم يفخم أمره.

ثم قال: ويجوز أن يريد إبراهيم ومحمدا وغيرهما من أولي العزم.

وآتينا عيسى ابن مريم البينات كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى: وأيدناه بروح القدس سبق الكلام فيه.

قال الزمخشري: فإن قلت: فلم خص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر؟ قلت: لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة. ولقد بين الله وجه التفضيل، حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات، فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات، خصا بالذكر في باب التفضيل، وهذا دليل بين أن من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فضل على غيره. ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها، كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع.

ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم أي: من بعد الرسل لاختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وتكفير بعضهم بعضا: من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد

قال الزمخشري: كرره للتأكيد. قال الناصر في حواشيه: ووراء التأكيد سر أخص منه، وهو أن العرب متى ثبت أول كلامهم على مقصد ثم اعترضها مقصد آخر وأرادت الرجوع إلى الأول، قصدت ذكره: إما بتلك العبارة أو بقريب منها، وذلك عندهم مهيع من الفصاحة مسلوك. وفي كتاب الله تعالى مواضع في هذا المعنى، منها قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا [ ص: 656 ] ومنها قوله تعالى: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم إلى قوله: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم وهذه الآية من هذا النمط. لما صدر الكلام بأن اقتتالهم كان على وفق المشيئة، ثم طال الكلام وأريد بيان أن مشيئة الله تعالى كما نفذت في هذا الأمر الخاص، وهو اقتتال هؤلاء، فهي نافذة في كل فعل واقع، وهو المعنى المعبر عنه في قوله: ولكن الله يفعل ما يريد طرأ ذكر تعلق المشيئة بالاقتتال لتلوه عموم تعلق المشيئة لتناسب الكلام، ويعرف كل بشكله. فهذا سر ينشرح له الصدر، ويرتاح له السر. والله الموفق.
القول في تأويل قوله تعالى:

[254] يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون .

يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم هذا أمر بالإنفاق لبعض من المال. قيل: هو أمر إيجاب وأنه أراد بذلك: الإنفاق الواجب وهو الزكاة، لأنه تعالى عقبه بالوعيد بقوله: والكافرون إلخ. حيث عني بهم مانعوها كما يأتي. وقال الأصم وأبو علي: أراد النفقة في الجهاد. وقال أبو مسلم وابن جريج: أراد الفرض والنفل. وهو المتجه. وقوله تعالى: من قبل أن يأتي يوم هو يوم القيامة: لا بيع فيه أي: فتحصلون ما تنفقونه [ ص: 657 ] أو تفتدون به من العذاب: ولا خلة حتى يعينكم الأخلاء الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ولا شفاعة حتى تتكلوا على شفعاء: إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا والكافرون هم الظالمون أراد: والتاركون الزكاة هم الظالمون وإيثاره عليه للتغليظ والتهديد، كما في قوله تعالى في آخر آية الحج: ومن كفر مكان ومن لم يحج وللإيذان بأن ترك الزكاة من صفات الكفار. قال تعالى: وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ذكره الزمخشري.

ويحتمل أن يكون المعنى: والكافرون هم الظالمون لأنفسهم، بوضع الأموال في غير مواضعها، فلا تكونوا أيها المؤمنون مثلهم، في أن لا تنفقوا فتضعوا أموالكم في غير مواضعها. وفي هذه الآية دلالة على حسن المسارعة إلى الخيرات قبل فواتها بهجوم ما يخشى معه الفوت، من موت أو غيره.
[ ص: 658 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[255] الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم .

الله لا إله إلا هو الحي أي: الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء: القيوم الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه، وقرئ: القيام والقيم.

لا تأخذه سنة ولا نوم تأكيد للقيوم. أي: لا يغفل عن تدبير أمر الخلق تعالى وتقدس. والسنة كعدة والوسن محركة، وبهاء والوسنة: شدة النوم أو أوله، أو النعاس. كذا في القاموس.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 28-04-2022, 05:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 659 الى صـ 664
الحلقة (129)






قال المهايمي: السنة: فتور يتقدم النوم. والنوم: حال تعرض للحيوان من استرخاء دماغه من رطوبات أبخرة متصاعدة تمنع الحواس الظاهرة عن الإحساس، فهما منقصان للحياة منافيان للقيومية، لأنهما من التغيرات المنافية لوجوب الوجود الذي للقيوم، ونفي النوم أولا التزاما، ثم تصريحا، ليدل كمال نفيه على ثبوت كمال ما ينافيه. ومن كمال قيوميته: اختصاصه بملك العلويات والسفليات المشار إليه بقوله: له ما في السماوات من الملائكة والشمس والقمر والكواكب: وما في الأرض من العوالم المشاهدات. وهذا إخبار بأن الجميع في ملكه وتحت قهره وسلطانه. كقوله: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا من ذا من الأنبياء والملائكة، فضلا عما ادعى الكفار شفاعته من الأصنام: الذي يشفع عنده فضلا عن أن يقاومه أو يناصبه: [ ص: 659 ] إلا بإذنه أي: بتمكينه تحقيقا للعبودية، كما قال تعالى: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى وكقوله: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة: « آتي تحت العرش فأخر ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع رأسك وقل يسمع، واشفع تشفع، قال: فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة » .

قال أبو العباس بن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع. وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: « من قال: [ ص: 660 ] لا إله إلا الله خالصا من قلبه» . فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبتت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص يعلم ما بين أيديهم أي: ما أتاهم علمه من أمر أنفسهم وغيرهم، لأن ما بين يدي المرء يحيط به حسه، وما علمه أيضا، فكأنه بين يدي قلبه يحيط به علمه: وما خلفهم وهو ما لم ينله علمهم، لأن الخلف هو ما لا يناله الحس، فأنبأ أن علمه من وراء علمهم محيط بعلمهم فيما علموا وما لم يعلموا. أفاده الحرالي. فهذه الجملة كقوله تعالى: عالم الغيب والشهادة ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أي: لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما أراد أن يعلمهم به منها على ألسنة الرسل. كما قال تعالى: فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول أي: ليكون ما يطلعه عليه من علم غيبه دليلا على نبوته وسع كرسيه السماوات والأرض روى ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن المعني بالكرسي: العلم. وذلك لدلالة قوله تعالى: ولا يئوده حفظهما أي: لا يئوده حفظ ما علم وأحاط به مما في السماوات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فأخبر أن علمه وسع كل شيء، فكذلك [ ص: 661 ] قوله: وسع كرسيه السماوات والأرض قال ابن جرير: وقول ابن عباس هذا يدل على صحة ظاهر القرآن لما ذكر. ولأن أصل الكرسي العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب: كراسة. ومنه قول الراجز في صفة قانص:


حتى إذا ما احتازها تكرسا


يعني: علم، ومنه يقال للعلماء: الكراسي، لأنهم المعتمد عليهم. كما يقال: أوتاد الأرض، يعني أنهم الذي تصلح بهم الأرض. ومنه قول الشاعر:


يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب


يعني بذلك: علمه بحوادث الأمور ونوازلها، وروى ابن جرير أيضا عن الحسن أن الكرسي في الآية هو العرش، وأيده بعضهم بأن لفظ عرش المملكة وكرسيها مترادفان، ولذلك قال تعالى على لسان سليمان: أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين فالعرش والكرسي هما شيء واحد، وإنما سماه هنا كرسيا، إعلاما باسم له آخر ولا يئوده [ ص: 662 ] أي: لا يثقله ولا يشق عليه. يقال: آده الأمر أودا وأوودا كقعود بلغ منه المجهود والمشقة حفظهما أي: السماوات والأرض فلا يفتقر إلى شريك ولا ولد. وكيف يشق عليه: وهو العلي قال ابن جرير قال بعضهم: يعني بذلك: علوه عن النظير والأشباه. وقال آخرون: معناه العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه، وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم العظيم أي: أعظم كل شيء بالجلال والكبرياء والقهر والقدرة والسلطان.

تنبيه:

آية الكرسي هذه لها شأن عظيم وفضل كبير. وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أعظم آية في كتاب الله، وأنها مشتملة على اسم الله الأعظم، وقد ساق ما ورد في فضلها الإمام ابن كثير في " تفسيره " والجلال السيوطي في " الدر المنثور " فانظرهما.

قال الزمخشري: فإن قلت: لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد؟!. قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى، ولا مذكور أعظم من رب العزة، فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار.

[ ص: 663 ] وقد حكى السيوطي في " الإتقان " عن الأشعري والباقلاني وابن حبان المنع من أن يقال في القرآن فاضل وأفضل. قالوا: وما ورد مما يفيد ذلك محمول على الأعظمية في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض، وقد رد ذلك غير واحد، حتى قال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة في التفضيل. وقال الغزالي في " جواهر القرآن ": لعلك أن تقول: قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض، والكلام كلام الله، فكيف يتفاوت بعضها بعضا. وكيف يكون بعضها أشرف من بعض؟ فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت، وترتاع على اعتقاد نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد، فقلد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فهو الذي أنزل عليه القرآن وقال: « يس قلب القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن » .

[ ص: 664 ] وآية الكرسي سيدة آي القرآن. وقل هو الله أحد، تعدل ثلث القرآن. والأخبار الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى:

[256] لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم .

لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال ابن كثير: أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن عمي قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرها مقسورا، فالنفي بمعنى النهي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 28-04-2022, 05:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,038
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 665 الى صـ 670
الحلقة (130)



[ ص: 665 ] وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير، وذهب آخرون إلى أنه خبر محض، أي: أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكين والاختيار. قال القفال - موضحا له - لما بين تعالى دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء ؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان. ونظير هذه الآية قوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وقوله تعالى: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين

تنبيه:

علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين، ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل.

فمن يكفر بالطاغوت أي: بالشيطان. أي: بما يدعو إليه من عبادة الأوثان: ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها أي: فقد تمسك من الدين بأقوى سبب. وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم. هي في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي [ ص: 666 ] شديد. وجملة: (لا انفصام لها) إما استئناف مقرر لما قبلها، وإما حال من (العروة)، والعامل (استمسك) أو من الضمير المستتر في (الوثقى) وإما صلة لموصول محذوف أي: (التي). نقله الرازي.

وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال: رأيت رؤيا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف (أي وصيف) فرفع ثيابي من خلفي، فقال: اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه. فقال: « أما الروضة: فروضة الإسلام، وأما العمود: فعمود الإسلام، وأما العروة: فهي العروة الوثقى. أنت على الإسلام حتى تموت » والله سميع عليم اعتراض تذييلي حامل على الإيمان، رادع عن الكفر والنفاق، بما فيه من الوعد والوعيد.
القول في تأويل قوله تعالى:

[257] الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

الله ولي الذين آمنوا أي: حافظهم وناصرهم: يخرجهم تفسير للولاية أو خبر ثان: من الظلمات أي: ظلمات الكفر والمعاصي: إلى النور أي: نور الإيمان الحق الواضح. وإفراد النور لوحدة الحق. كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال، كما قال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقونوالذين كفروا أولياؤهم الطاغوت أي: [ ص: 667 ] الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق: يخرجونهم بالوساوس وغيرها من طرق الإضلال والإغواء: من النور أي: الإيمان الفطري الذي جبل عليه الناس كافة. أو من نور البينات التي يشاهدونها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم: إلى الظلمات أي: ظلمات الكفر والغي: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

ثم استشهد تعالى على ما ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[258] ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

ألم تر إلى الذي حاج أي: جادل: إبراهيم في ربه أي: كيف أخرجه الطاغوت من نور نسبة الإحياء والإماتة إلى ربه، إلى ظلمات نسبتهما إلى نفسه: أن آتاه الله الملك أي: لأن آتاه الله. يعني: أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر، فحاج لذلك، أو حاجه لأجله. وضعا للمحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه الشكر، كما يقال: عاداني فلان لأني أحسنت إليه. تريد: أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ونحوه قوله تعالى: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون

قال الحرالي: وفي إشعاره أن الملك بلاء وفتنة على من أوتيه.

إذ قال إبراهيم حين سأله من ربك الذي تدعونا إليه ربي الذي يحيي ويميت أي: بنفخ الروح في الجسم وإخراجها منه: قال أنا أحيي وأميت أي: بالقتل [ ص: 668 ] والعفو عنه. ولما سلك الطاغية مسلك التلبيس والتمويه على الرعاع، كان بطلان جوابه من الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على أحد، والتصدي لإبطاله من قبيل السعي في تحصيل الحاصل، انتقل إبراهيم عليه السلام، إرسالا لعنان المناظرة معه إلى حجة أخرى لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر للطاغية أن يخرج عنها بمخرج مكابرة أو مشاغبة أو تلبيس على العوام. وهو ما قصه تعالى بقوله: قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب أي: إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته. فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلها كما ادعيت فأت بها من المغرب:فبهت الذي كفر تحير ودهش وغلب بالحجة، لما علم عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام.

والله لا يهدي القوم الظالمين أي: لا يلهمهم حجة ولا برهانا بل حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .
القول في تأويل قوله تعالى:

[259] أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير

[ ص: 669 ] أو كالذي مر على قرية استشهاد على ما ذكر تعالى من ولايته للمؤمنين وتقرير له، معطوف على الموصول السابق، وإيثار (أو) الفارقة على (الواو) الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر، والكاف: إما اسمية جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر، وإما زائدة، والمعنى: أو لم تر إلى مثل الذي. أو إلى الذي مر على قرية، كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود: وهي خاوية على عروشها خالية ساقطة حيطانها على سقوفها: قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها أي: كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها، فكان منه كالوقوع في الظلمات، فأراه الدليل على الإحياء الحقيقي في نفسه مبالغة في قلع الشبهة، إخراجا له منها إلى النور: فأماته الله مائة عام ليندرس بالكلية: ثم بعثه أي: أحياه ببعث روحه إلى بدنه وبعض أجزائه إلى بعض بعد تفرقها: قال الله له: كم لبثت أي: مكثت ميتا: قال لبثت يوما أو بعض يوم قاله بناء على التقريب والتخمين، أو استقصارا لمدة لبثه: قال الله: بل لبثت مائة عام وإنما سأله تعالى ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشؤونه، وأن إحياءه ليس بعد مدة يسيرة، ربما يتوهم أنه هين في الجملة، بل بعد مدة طويلة، وينحسم به مادة استبعاده بالمرة. ويطلع في تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى، وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع، على ما كان عليه دهرا طويلا، من غير تغير ما، كما قال سبحانه: فانظر لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا: إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أي: لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد. والهاء يجوز أن تكون هاء سكت زيدت في الوقف. وأصل الفعل على هذا فيه وجهان:

أحدهما: يتسنن من قوله: حمإ مسنون فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت للجزم، والثاني: أن يكون أصل الألف واوا من قولهم: أسنى يسني إذا مضت عليه السنون. وأصل سنة سنوة، لقولهم: سنوات، أي: لم تمر عليه السنون. والمعنى على التشبيه. أي: كأنه لم تمر [ ص: 670 ] عليه المائة سنة لبقائه على حاله وعدم تغيره، ويجوز أن تكون الهاء أصلا ويكون اشتقاقه من السنة، بناء على أن لام السنة هاء وأصلها سنهة. لقولهم: سنهاء وعاملته مسانهة. فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا ؛ إذ الفعل مجزوم بسكونها. وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف. وقد قرأ حمزة والكسائي بحذف الهاء وصلا وإثباتها وقفا والباقون بإثباتها وصلا ووقفا. فإن قيل: ما فاعل يتسنى؟ قيل: يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب ؛ لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر، فكانا بمنزلة شيء واحد، فلذلك أفرد الضمير في الفعل، ويحتمل أن يكون جعل الضمير لـ " ذلك " و " ذلك " يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب فقط، لأنه أقرب، وثم جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير: وانظر إلى طعامك لم يتسنه، وإلى شرابك لم يتسنه، ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية كما قال الشاعر:


فكأن في العينين حب قرنفل أو سنبلا كحلت به فانهلت


أشار لذلك أبو البقاء: وانظر إلى حمارك كيف هو، فرآه صار عظاما نخرة: ولنجعلك آية للناس عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق. أي: فعلنا ما فعلنا، من إحيائك بعد ما ذكر، لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل. ولنجعلك آية للناس على البعث. أو متعلق بفعل مقدر بعده. أي: ولنجعلك آية للناس، فعلنا ما فعلنا: وانظر إلى العظام أي: عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء: كيف ننشزها قرئ بالزاي، أي: نرفع بعضها على بعض ونركبه عليه. من (النشز) وهو المرتفع من الأرض، وفيها على هذا وجهان: ضم النون وكسر الشين من (أنشزته) وفتح النون وضم الشين من (نشزته) وهما لغتان، وقرئ بالراء. وفيها وجهان:

الأول: فتح النون وضم الشين وماضيه (نشر) فيكون إما مطاوع أنشر الله الميت فنشر، وحينئذ نشر بمعنى أنشر. فاللازم والمتعدي بلفظ واحد، وإما من النشر الذي هو ضد الطي، أي: يبسطها بالإحياء. والثاني: ضم النون [ ص: 671 ] وكسر الشين، أي: نحييها، كقوله: ثم إذا شاء أنشره قاله أبو البقاء ثم نكسوها لحما أي: نسترها به: فلما تبين له أي: اتضح له إعادته مع طعامه وشرابه وحماره، بعد التلف الكلي، وظهر له كيفية الإحياء: قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فخرج من الظلمات إلى النور.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 243.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 237.23 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]