رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله - الصفحة 30 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216032 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859536 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393901 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #291  
قديم 21-04-2022, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله



مشاهد رمضانية، وشواهد إيمانية


عبدالحكيم الأنيس




هذه مشاهد رمضانية، وشواهد إيمانية، فيها إشراقات إحسانية، ونفحات إلهية:

موعظة أبي الدرداء في رمضان:

جاء في «تاريخ دمشق لابن عساكر» (47/ 133) -والنقلُ بتصرُّف-:

«عن عبدالله الأسدي قال: بينا أبو الدرداء في رمضان إذ سلَّمَ في بعض القيام -وكان أمَّ الناسَ في القيام- فالتفتَ إلى الناس فقال: ‌يا ‌أهلَ ‌دمشق ‌ألا ‌تستحيون ممّا تصنعون؟ والله إنكم لإخواني في الدين، وجيراني في الدار، وأعواني على العدو، أفلا تستحيون ممّا تصنعون؟

تجمعون ما لا تأكلون.

وتبنون ما لا تسكنون.

وتأملون ما لا تدركون.

كالذين مِنْ قبلكم: جمعوا كثيرًا، وبنوا شديدًا، وأمّلوا بعيدًا.

فأصبح جمعُهم بورًا، وأصبحتْ بيوتُهم قبورًا، وأصبح أملُهم غرورًا».

***

الفتح على الأئمة في التراويح:

جاء في ترجمة أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني القارئ أحد الأئمة العشرة في حروف القراءات (ت: 127)، في «سير أعلام النبلاء» (5/ 288):

«كان يصلي خلف القراء في رمضان، يُلقنهم، يُؤمر بذلك، ‌وجعلوا ‌بعده ‌شيبة».

***

الخلوة في رمضان:

جاء في ترجمة الإمام القدوة عالم البصرة عبدالله بن عون (ت: 151)، في «الطبقات الكبير» لابن سعد (9/ 263):

«كان في شهر رمضان لا يزيد على المكتوبة في الجماعة، ثمّ ‌يخلو ‌في ‌بيته، وكان إذا خلا في منزله إنّما هو صامتٌ لا يزيد على الحمد لله ربّنا».

***

لا شعر في رمضان:

جاء في ترجمة أبي عمرو بن العلاء (70-154)، في «وفيات الأعيان» (3/ 468):

«كان أبو عمرو إذا دخل شهرُ رمضان ‌لم ‌يُنشد ‌بيت ‌شعرٍ حتى ينقضي».

***

الصدقة في رمضان:

جاء في «تاريخ دمشق لابن عساكر» (23/ 138):

«قال شقيق بنُ إبراهيم البلخي: أخذتُ التعاونَ والتوكلَ من إبراهيم بن أدهم، كنا جلوسًا عنده وذلك في شهر رمضان فأُهدي إليه ‌"سلة ‌تينٍ" فتصدَّق بها على المساكين والجيران.

قال شقيق: فقلنا له: يا أبا إسحاق لو تدع لنا شيئًا؟ فقال ألستم صوامًا؟ قلنا: بلى، قال: ليس لكم حياءٌ، ليس لكم رعةٌ -يعني الخوف- أما تخافون اللهَ بالعقوبة بطول أملكم إلى العشاء وسوء ظنِّكم بالله؟ -وذلك عند غيبوبة الشمس- ثم قال: ثقوا بالله وأحسنوا الظنَّ بالله، ما وعد اللهُ لعباده قال (ما عندكم ينفد وما عند الله باق)؟".

***

لا اضطجاع في رمضان:

جاء في ترجمة العلامة ابن اللبان: عبدالله بن محمد التيمي الأصبهاني (ت: 446)، في «تاريخ مدينة السلام» (11/ 375):

«أحد أوعية العلم... كان من أحسن الناس تلاوة للقرآن.

أدرك ابنَ اللبان شهرُ رمضان من سنة سبع وعشرين وأربع مئة وهو ببغداد، وكان يسكن درب الآجر مِن نهر طابق، فصلى بالناس صلاةَ التراويح في جميع الشهر، وكان إذا فرغ من صلاتهِ بالناس في كل ليلة، لا يزال قائمًا في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر درَّس أصحابَه، وسمعتُه يقول: ‌لم ‌أضعْ ‌جنبي للنوم في هذا الشهر ليلًا ولا نهارًا، وكان وردُه كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعًا من القرآن، يقرأه بترتيلٍ وتمهلٍ، ولم أر أجودَ ولا أحسنَ قراءةً منه».

***

كتابة مصحف في رمضان:

جاء في ترجمة المفتي الأوحد العالم العامل الزاهد إسحاق بن أحمد المعري (ت: 650)، في «سير أعلام النبلاء» (23/ 248):

« تصدَّر للإفادة والفتوى مدة، وتفقَّه به جماعةٌ، وكان قدوة في الورع، عُرضتْ عليه مناصب، فامتنع، وقال: في البلد مَن يقوم مقامي.

وكان يُدمن الصوم، ويتصدق بثلث جامكيته [راتبه]، ويؤثر رحمَهُ، وكان في كل رمضان ‌يكتب ‌ختمة ‌ويوقفها».

***

تفسير القرآن كله في شهر رمضان:

قال ابن حجر في ترجمة العلامة ابن النقاش (ت: 763)، في «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» (5/ 325-326):

«محمد بن علي بن عبدالواحد بن يحيى بن عبدالرحيم الدكالي ثم المصري أبو أمامة ابن النقاش. ولد في نصف شهر رجب سنة 720 وأخذ القراءات عن البرهان الرشيدي، والعربية عن المحب ابن الصائغ، وأبي حيّان، وحفظ "الحاوي" الصغير، وكان يقول: إنه أول مَن حفظه بالقاهرة، وتقدَّم في الفنون.

وصنَّفَ:

شرح "العُمدة" في ثماني مجلدات.

وتخريج أحاديث "الرافعي".

وشرحًا على "التسهيل".

وشرحًا على "الألفية".

وكتابًا في الفروق.


وكتابًا في التفسير مُطولًا جدًّا. ذَكرَ في أوله أنَّ الحامل له عليه أنه شرَعَ في إلقاء التفسير في الجامع الأزهر في شهر ‌رمضان فأكمله، فبلغه أنَّ بعضَ الناس استقصرَ علمَه، فشرعَ في إملاء تفسيرٍ على الفاتحة، فأقام فيه مدةً طويلةً، ثم شرعَ في كتابة التفسير، والتزم أنْ لا ينقل فيه حرفًا عن كتابٍ مِن تفسير أحدٍ ممن تقدَّمه».

***




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #292  
قديم 21-04-2022, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله




رمضان شهر الدعاء


محمد عدنان كاتبي




للدعاء معن كثيرة منها:

• الرَّغْبَةُ إلى الله تعالى، وهو من قولنا: دَعا يدعو دُعاءً ودَعْوَى

• وهو ما يُدْعَى به الله من القول، والجمع: أدعية

• وهو صوت المنادي،

• وهو أن يطلب الإنسان من الله سبحانه ما ينفعه ويكشف عنه ما يضره

وحقيقة الدعاء إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية وأساسها وروحها، واستشعار الذلة البشرية وضعفها، وفيه معن الثناء على الله، وإضافة الإحسان والجود والكرم إليه سبحانه.

والدعاء شأنه عظيم ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين فما استجلبت النعم بمثله، وما استدفعت النقم بمثله، ذلك لأنه يضمن توحيد الله سبحانه، وإفراده بالعبادة دون سواه، وهذا رأس الأمر وأصل الدين.

وشهر رمضان فرصة سانحة ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات وعلى رأسها الدعاء، وذلك أنّ مواطن الدعاء ومظان الإجابة تكثر في هذا الشهر المبارك، فلا غرو أن يكثر المسلمون فيه من الدعاء

ولعل هذا السر في توسط آيات الصيام بالحث على الدعاء وبيان قرب المولى من عباده، وسرعة استجابته لدعائهم حيث يقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)

وكلما عظمت معرفة العبد بربه، وقويت صلته به، كان دعاؤه إياه أعظم وانكساره بين يديه أشدّ، وهذا ما نجده من حال الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه، والصالحين من عباد الله ولا يخفى ما في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام من المواقف الكثيرة التي كان عليه الصلاة والسلام يكثر فيها الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه،

ففي رجوعه من الطائف يعلن انكساره لربه ويشكو له ضعف قوته وقلة حيلته، معلناً عبوديته التامة له: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكنّ عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أم الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحلّ على سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك).

وفي غزوة بدر يمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل وهو في العريش يدعو الله حتى سقط عنه رداؤه وأشفق عليه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكذلك في غزوة الخندق، وفي سائر الغزوات والمواقف.

ولهذا عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء عبادة، بل من أفضل العبادات وأكرمه على الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل العبادة الدعاء)، وقرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيئ على الله أكرم من الدعاء)

والله سبحانه وتعالى يحب أن يسمع دعاء عباده ووقوفهم على بابه مع غناه عنهم، وهو سبحانه يدلهم على الطريق، ويأمرهم أن يدعوه ليكرمهم ويحسن إليهم، ويجيب دعاءهم، لأنه سبحانه لا يخيب عبداً دعاه،ولا يردّ مؤمناً ناجاه، ففي الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون في الليل والنهار،وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كلّ واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر).

ومن فضل الله على عباده أن حثهم على الدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وفي الحديث الشريف عن سلمان الفارسي رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنّ الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم أو قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجل له دعوته، وإمّا أن يدخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف من السوء مثلها، قالوا يا رسول الله إذاً نكثر، قال: الله أكثر).

وللدعاء شروط آداب إذا تحققت تكون سبباً لإجابته، منها:

1. التوبة والبعد عن المعاصي، والاكثار من الأعمال الصالحة، فمما لا شكّ فيه أنّ اقتراف الذنوب، وترك الواجبات، سبب مهم لحجب الإجابة عن العبد، جاء في بعض الآثار: (لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي).

2. إطالة السفر فيما أحلّ الله، فالسفر من دواعي إجابة الدعاء، لأن المسافر أكثر انكساراً لله تعالى، بطول غربته وبعده عن أهله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ في هنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده).

3. مدّ اليدين إلى السماء بانكسار وتضرع فقد ورد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (إنّ الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً).

4. الإلحاح في الدعاء والتضرع إلى الله بذلة وانكسار، والاكثار من مناجاته بلفظ الربوبية، يا ربّ، يا ربّ، وهذا من أعظم ما يطلب به استجابة الدعاء، فقد ورد عن عطاء، أنه قال: (ما قال العبد: يا ربّ يا ربّ ثلاث مرات إلا نظر الله إليه فذكر ذلك للحسن، فقال: أما تقرؤون القرآن ثمّ تلى قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾.

5. تحري الحلال في المطعم والمشرب والملبس، وقد كان سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مستجاب الدعوة، ولما سئل عن السبب قال: (ما رفعت إلى فمي لقمة، إلا وأنا أعلم من أين مجيئها، ومن أين خرجت)، وقال وهب بن منبه: من سره أن يستجيب الله دعوته، فليطب طعمته).

6. التماس الأحوال والأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ومنها:

1. عندما يكون المسلم في الصلاة، وفي السجود خاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)، وفي آخر الصلاة بعد الصلوات الإبراهيمية، وقبل السلام فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثمّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلمسل تعطه، سل تعطه).

2. عندما يكون المسلم محرماً بالحج أو بالعمرة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)، وأفضل ما يكون الدعاء يوم عرفة، فهو يوم إجابة ورحمة من الله، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كلّ شيئ قدير)، كما يستحب الدعاء، ويستجاب في كل منسك من مناسك الحج، والأحاديث في ذلك كثيرة.

3. عندما يكون المسلم صائماً، فعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث دعوت لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر).

ومن الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء

1. وقت السحر، وحين يبقى ثلث الليل الأخير، قال الله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له).

2. يوم الجمعة، فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: (فيه ساعة لا لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسال الله شيئاً إلا أعطاه إياه)، (وللعلماء أقوال متعددة في هذه الساعة، منهم من قال: إنها عند صعود الإمام وخطبته، ومنهم من قال: إنها بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ورجح الحافظ ابن حجر كلا القولين).

3. بين الأذان والإقامة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة فادعوا).

4.بعد الصلوات المكتوبة، فعن أبي امامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله أيّ الدعاء أسمع؟... قال: (جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبة)، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ ابن جبل (فعن مُعَاذٍ، أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: يَا مُعَاذُ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك).

5.في شهر رمضان، وفي العشر الأواخر منه وفي ليلة القدر خاصة فقد ثبت في الحديث عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر، ما أقول؟ قال: (قولي: اللهمّ إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).

فشهر رمضان من الأزمنة التي خصها الله باستجابة الدعاء، إذ هو موسم للقرب من الرحمن، والخضوع له، والتذلل بين يديه بالدعاء، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى، قد فتح للمؤمن في هذا الشهر أبواب الخير فاغتنمها، وتخلى عن المعاصي والرذائل، وتحلى بالطاعات والفضائل، وأعلن العبودية الخالصة لله تعالى، واخلص العمل له، وذلك بما أعانه الله عليه من تصفيد الشياطين، وفتح أبواب الرحمة والاستجابة، ولهذا كانت دعوة الصائم لا ترد فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (إنّ للصائم عند فطره لدعوة لا تردّ، فكان عبد الله يدعو عند فطره: اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء، أن تغفر لي)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الربّ: وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين).


فالدعاء ينمي في المسلم شعوره بالعبودية لله عزّ وجلّ، ورمضان موسم الدعاء، وشهر الإجابة، فليحسن المؤمن استغلاله بالتضرع والانكسار، وكثرة الدعاء لله، وقد هيئت له الأسباب، وفتحت له أبواب الإجابة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #293  
قديم 22-04-2022, 10:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر



الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعـد:

فمن السُنَّة وهدي النبي - عليه الصلاة والسلام - هو تعجيل الفطور وتأخير السحور، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وتواتر ذلك في الأمة الإسلامية؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: {لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ}؛ (متفق عليه).

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم [7 /208]: (فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه لا يزال أمر الأمة منتظمًا وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السُنَّة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه).

فعلق خيرية الأمة بتعجيل الفطر؛ لأنها علامة على أنهم ملتزمون بسُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أنهم رحماء بأنفسهم وأهليهم، فلا يُرهقون أبدانهم بما لا فائدة منه.

ويتحقق ذلك التعجُّل بشيء من التمر أو الماء بمجرَّد دخول وقت المغرب وهو أول الليل، كما في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»؛ (متفق عليه).

وعن بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: ((كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فلما غابت الشمس قال لرجل: «انزل فاجدح لنا» ، فقال: يا رسولَ الله، لو أمسيت، قال: «انزل فاجدح لنا، قال: إنَّ علينا نهارًا» فنزل فجَدَحَ له فشرب، ثم قال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا (وأشار بيده نحو المشرق)، فقد أفطر الصائم»؛ (متفق عليه).

قوله: (فاجدَح) بالجيم ثم الحاء المهملة، والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء.

والمعنى: وإن لم يفعل شيئًا مما أُبيح للمفطر، بل بمجرد غروب الشمس، فقد انقضى وقتُ الصوم ويحكم بفطره وإنْ استمرَّ بصومه؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الوصال؛ أي وصال النهار بالليل في الصيام، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن الوصال ويأمر بتبكير الإفطار وتأخير السحور))؛ مسند أبي يعلى.

فينبغي على الصائم المبادرة إلى الإفطار على لُقيمات يسكن بها جوعَه، ثم يقوم إلى الصلاة، ثم إن شاء عاد إلى الطعام حتى يقضي حاجته منه.

وهذا كان فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ))؛ (رواه الترمذي وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني).

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي [3 /311 ]: (أي المغرب، وفيه إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الفطر).

وأما قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة من الآية 178].
فالليل هنا غير داخل في الصيام؛ لأنه ليس من جنسه، حسب القاعدة الأصولية: الغاية تخالف المُغيا فإن كانت من جنسه دخلت فيه، وإلا فلا؛ [البحر المحيط 4 /459 التخصيص بالغاية]، وقول أبي العباس المُبَرد: إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل في جملته، وإن كان من غير جنسه لم يدخُل.

فاذا كان ما بعد الغاية - أي ما بعد حرف إلى - من جنس ما قبله، فهو داخل فيه وله حُكمه، مثل قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة من الآية 6].

فالمرافق داخلة في حكم الغسل؛ لأنها من جنس اليد، وإلى هنا بمعنى مع، ومن ذلك قولنا: (كُلِ الرغيفَ إلى آخره)، فآخر الرغيف يدخل في الأكل المذكور؛ لأن آخر الرغيف من جنس الرغيف.

وأما إن كانت الغاية مخالفة للمغيَّا وليست من جنسها، فإنها لا تدخل فيه ولا تأخذ حكمَه، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، فهنا (إلى) لانتهاء الغاية فلا يدخل الليل؛ لأنه ليس من جنس ما قبله، ومن ذلك قولنا: (اغسلْ وجهك من الذقَّن إلى الرأس)، فالرأس لا يكون داخلًا في الحكم؛ لأنه ليس جزءًا من الوجه.

قال الإمام الرازي في المحصول [3 /66]: (الغاية إما أن تكون منفصلة عن ذي الغاية بمفصل معلوم كما في قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل)، أو لا تكون كذلك كقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}، فإن المرفق غير منفصل عن اليد بمفصل محسوس، أما القسم الأول فيجب أن يكون حكم ما بعد الغاية بخلاف حكمِ ما قبله؛ لأن انفصال أحدهما عن الآخر معلوم بالحس).

وفي تعجيل الفطر حِكَمٌ كثيرة؛ منها:
1- ترك التشبُّه بأهل الكتاب، فإنهم يؤخِّرون الفطر؛ كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»؛ (رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان).

قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح [6 /476]: (إن هذه الملة الحنيفية سمحاء سهلة ليس فيها حرج، فيسهل قيامهم بها والمداومة عليها، بخلاف أهل الكتاب فإنهم شدوا على أنفسهم، فشدَّد الله عليهم، فغُلبوا ولم يقدروا أن يقيموا الدين؛ "لأن اليهود والنصارى يؤخرون"؛ أي الفطر إلى اشتباك النجوم وتبِعهم.... في زماننا).

2- فيه إحياءُ سُنَّةٍ من سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- والخيرُ كلُّ الخيرِ في اتباع سُنته، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ الإِفْطَارَ، وَأَنْ نُؤَخِّرَ السَّحُورَ، وَأَنْ نَضْرِبَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا في الصَّلاة»؛ رواه الطبراني في المعجم الكبير والضياء المقدسي في المختارة.

3- أنه علامة على أن الأمة بخير بتمسكها بسنَّة نبيِّها - صلى الله عليه وسلم -وترك اتِّباع أهل الغواية والضلالة من اليهود ومن أشبههم، فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزالُ أُمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرِها النجوم»؛ صحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

4- الفوز بمحبة الله تعالى؛ لأن المعجِّل بالفطور محبوب عند الله عز وجل، فقد روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجلَّ: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا».

ولعل سبب محبته تعالى إياه لطاعته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه إذا أفطر قبل الصلاة يؤدِّيها عن حضور قلب وطُمأنينة نفسٍ، ومن كان بهذه الصفة، فهو أحبُّ إلى الله تعالى ممن لم يكنْ كذلك؛ [شرح مصابيح السنة للبغوي 2 /517].

5- أقوى للصائم على العبادة بعدم الزيادة في النهار، وإدخال الليل فيه، وأبعد عن الغلو والتشدد؛ (والحكمة في ذلك ألا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أوفق بالصائم وأقوى له على العبادة)؛ [فتح الباري لابن حجر 4 /173].

الخلاصة:
استحباب تعجيل الإفطار وتأخير السحور، وأنها من سُنَّة النبي - عليه الصلاة والسلام - ومن هديه وهدي أصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان، فقد أخرج الإمام عبدالرزاق الصنعاني وغيره بإسناد صحيح - عن عمرو بن ميمون الأودي - قال (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُ سُحُورًا).

وأن تعجيل الفِطر بعد تحقُّق غروب الشمس ونزول القرص، وعدم انتظار النجوم من الليل، هو السُنَّة، وهو المراد من الآية المذكورة، فغروب الشمس ونزول قرصها علامة انقضاء النهار ودخول أول الليل، والليل في كلام العرب عُقيب النهار، ومَبْدَؤُه من غروب الشمس؛ كما في لسان العرب لابن منظور.

فلنحرص على تطبيق هذه السُّنة المباركة، حتى ننال ما يترتب عليها من فضائل ومِنَحٍ ربانية، وننال أجر إحياء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.

__________________________________________________ _
الكاتب: د. ضياء الدين عبدالله الصالح









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #294  
قديم 22-04-2022, 10:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

النصائح العشر لليالي العشر



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فليالي العشر الأواخر من رمضان هي أفضله؛ لأن فيها ليلة القدر التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»؛ (متفق عليه) .

ولأن العبادة فيها من خير العبادة في ألف شهر؛ ولكي تتحقق الاستفادة منها كانت هذه النصائح العشر لعلها تُعين بعد توفيق الله سبحانه على حُسن الاستفادة من ليالي العشر.

1- أخلِص لله تمامًا، واتِّبع سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلن يُقبَل أيُّ عملٍ بدونهما، قال سبحانه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]؛ أي: المخلصين، وقال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف فيها طلبًا لفضيلة ليلة القدر، فاقتدوا به صلى الله عليه وسلم، وأحيوا سُنة الاعتكاف؛ قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر، شدَّ مِئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهلَه؛ (رواه البخاري) .

2- ادعُ الله كثيرًا بالتوفيق والإعانة، فأنت ضعيف بدونها؛ قال سبحانه: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88].

3- تذكُّرك للموت، وأنك قد لا تدركها مرة أخرى - يدفعك لزيادة الاجتهاد في العشر؛ قال سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26].

4- لا تُعجبك نفسُك بأي عمل وفَّقك الله له، وتذكَّر قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61].

وتذكَّر قوله صلى الله عليه وسلم فيها: «هم الذين يصومون ويُصلون ويتصدَّقون، وهم يخافون ألا يُقبل منهم»؛ (رواه الترمذي) .

5- لا تشغل نفسك ولا غيرك برُؤى ليلة القدر، واعلم أن من قام العشر كلها فقد قام ليلة القدر.

6- إيَّاك أن تنشغل في لياليها بالأسواق أو القنوات، أو أي شاغل عنها، فهذا تفريط وحرمان.

7- لا تحرِص على العبادة في ليلة سبع وعشرين ثم تُقصر في غيرها، فهذا عمل الكسالى.

8- تذكَّر أن الصحيح أن ليلة القدر متنقلة في ليالي العشر، وهي غير ثابتة في ليلة واحدة.

9- لا تُلزم نفسك بالعمرة في ليلة سبع وعشرين لثلاثة أسباب؛ هي:
أ- لأن ليلة القدر غير ثابتة فيها.

ب- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، وهذا يعم أيَّ يومٍ من الشهر.

ج- لأنه في هذه الليلة زحامًا شديدًا، لا يتحقق معه الخشوع، بل ينشغل المعتمر بمدافعة الناس عن نفسه وعمن معه.

10- اسأل ربَّك سبحانه القبولَ، واخشَ من المحبطات ومنقصات الأجر؛ مثل: الرياء والسمعة والإعجاب.

تأمَّل كثيرًا في عمل نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، فقد قاما بعمل عظيم جدًّا تتضاءل أمامه جميعُ الأعمال، فما هو؟

هو بناء الكعبة، ومع ذلك قالا بعد انتهائهما من بنائها بكل إخلاص وتواضع وخشية: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].

حفِظكم الله، وتقبَّل منَّا ومنكم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
منقول











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #295  
قديم 22-04-2022, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

الصيام تدريب على مراقبة الله عز وجل



إن الصيام عبادة وثيقة الصلة بما يرمي إليه الإسلام من النواحي الاجتماعية البعيدة المدى، وعظم تدبير الحياة، يقول المولى تبارك وتعالى: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].

وإن وجدنا صلة الصيام بتلك الأهداف تأتي من ناحيةٍ لم يألفها الناس، فلا غرابة في هذا مادمنا لا نهدف إلا إلى تعاليم القرآن الكريم نقتدي بهديها، ونتخذها رائدًا لنا في هذا الصدد.


فمن حكمة الصيام قمعُ النفس وتهذيبها بالجوع والظمأ؛ كي تكون أبعد عن الخضوع لهواها، والانقياد لشهواتها، وفي ذلك يقول المصطفي - صلوات الله وسلامة عليه -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيهِ بِالجُوعِ وَالعَطَشِ».


وفي الصيام ترفع وتسامٍ عن مشتهيات النفس، وتنزه عن الأهواء والنزوات، وهذا من شأن الملائكة المقربين، الذين لا شهوة عندهم ولا غريزة، فالصائم حينئذ شبيه بالملائكة.


والصيام خير معين للإنسان على تقوى المولى تبارك وتعالى، والخشية منه؛ لأن النفس البشرية حين تكف عن الأشياء المباحة؛ خوفًا من الله - جل شأنه -، ورجاء في رحمته، وطمعًا في ثوابه، فإن ذلك سيقودها حتمًا إلى تجنب الحرام، وفي ذلك يقول المولى - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183].


الصيام والتربية الخلقية:

إننا إذا استطعنا أن نُخضع أنفسنا لسلطان الصيام، فلا نأكل ولا نشرب، أي لا نزاول ما هو طبيعي لنا في كل يوم من الأيام العادية؛ فإننا بذلك نكون أقدر على كبح جماح أنفسنا عمَّا هو ليس مباحًا عادة؛ لأن الصيام يعد أسمى درجات التحكم في النفس، فليس في الحياة ما هو أقوى من الحاجة إلى الطعام والشراب.

فإذا استطعنا أن نقهر هذه الرغبة الطبيعية، كان لنا في ذلك تدريب قوي على التحكم في رغباتنا أيًّا كانت، وبذلك يصبح الصيام عاملاً من أقوى عوامل التربية الخلقية للإنسان، لأن الحياة الكريمة الكاملة لا تتحقق إلا بعد أن يكون الفرد قد صهرته الشدائد، فاحتمل المشاق والمكاره، وثبت أمامها ثبوت الشجاع في المعركة.


ولذلك جاء في الأثر: «اخْشَوْشِنُوا فَإِنَّ النِّعْمَةَ لاَ تَدُومُ» وهذا في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فنخشوشن في صورة أقوى وأشمل؛ لنهز أنفسنا هِزة توقظنا من سباتنا، وننفض بها عن أنفسنا آثار الترف والانغماس، وإرضاء الرغبات والشهوات، ولنتخذ من رغباتنا التي تعوَّدنا إرضاءها كلما تحركت منها نفوسنا مطيةً ذلولاً نسيطر عليها، بدلاً من أن نخضع نحن لها.


أنواع الصيام:

لقد تناول الباحثون العصريون أنواع الصيام، وقسموها إلى أقسام حسب أغراضها العامة والخاصة، من قديم العصور إلى العصر الحديث، وحصروها في خمسة أقسام:

القسم الأول: صيام التطهير:

وهو الذي يكف الصائم عن الإلمام بالخبائث والمحظورات، من شهوات النفوس أو الأجسام.

القسم الثاني: صيام العطف:

وهو صيام الحداد في أوقات الحزن أو المحنة؛ ليشعر الصائم بأنه يذكر أحبابه الذاهبين أو الغائبين، ولا يبيح لنفسه ما حُرِمُوه بفقدان الحياة، أو فقدان النعمة، أو الحرية.

القسم الثالث: صيام التكفير عن الخطايا والذنوب:

وهو صيام تطوع من الصائم؛ ليعاقب نفسه على الذنوب التي ندم على وقوعها منه، واعتزامه التوبة منها، والتماس العذر فيها.

القسم الرابع: صيام الاحتجاج والتنبيه:

وهو صيام المظلومين، وأصحاب القضايا العامة، التي لا تلقى من الناس نصيبها الواجب من الاهتمام أو الإنصاف.

القسم الخامس: صيام الرياضة النفسية أو البدنية:

وهو الذي يتمكن الصائم بواسطته من السيطرة بإرادته على وظائف جسده، تصحيحًا لعزيمته، أو طلبًا للنشاط، واعتدال القامة.

وعند المقابلة بين أنواع الصيام تتضح لنا مزايا الصيام في الإسلام بين جميع هذه الأنواع؛ لأنه وافٍ بالشروط العامة للصيام المفروض بحكم الدين، لرياضة الأخلاق، وهو على ذلك صالح لمقاصد التطهير، العطف، والتوبة، والتكفير، وملتقى أمهات الفضائل، ومن أقوى عوامل التربية الخلقية.


الصيام تدريب على مراقبة الله عز وجل:

إن في الصيام تدريب على مراقبة المولى تبارك وتعالى، في السر وفي العلانية، وهذا التدريب - للإنسان - يكون أكثر وضوحًا في الصيام منه في سائر العبادات، فهو يغرس في نفس الصائم الصبرَ على طاعة الله - جل شأنه -، ويتعلم قوة الإرادة، وضبط وحكم النفس، التي تسرف في شهواتها طوال العام، ففي كثير من الأحيان يكون الطعام والشراب في متناول الصائم، وبين يديه بعيدًا عن أنظار الناس، ومع ذلك يكف عن تناولهما.

وما يفعل الصائم ذلك إلا خشية من الله - عز وجل -، وعلمه بأنه يراه ويسمعه ومطلع على أفعاله، وعلى سره وجهره، فيزداد إيمانه وخوفه، فلا يخاف غير الله - جل شأنه -، فينال رحمته ورضاه، بفضل تأثير هذه العبادة في نفسه، وهذا ما يفسر قول المولى - تبارك وتعالى - في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي».


وقد ذكر الإمام الغزالي في حكمة نسبة الصيام لله - عز وجل - معنيين: أحدهما: أن الصوم كفٌّ وترك، وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يُشاهد، وجميع الطاعات بمشهد من الخلق، ومرأى من أعينهم، والصوم لا يراه إلا الله - عز وجل - فإنه في الباطن بالصبر المجرد.


والآخر: أنه قهر لعدو الله - عز وجل -، فإن وسيلة الشيطان - لعنه الله - الشهوات. وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيهِ بِالجُوعِ». فإذا كان الصوم على الخصوص قمعًا للشيطان، وسدَّ مسالكه ، وتضييقًا لمجاريه؛ استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل.


فمن هذه الجوانب وغيرها من مزايا الصيام كانت صلته بأهداف الإسلام العليا في تدبير الحياة، وإن المتأمل في هذه المزايا ليلمح فيها ناحيتين متضادتين:

الأولى: وتتخذ طابعًا ماديًّا، فنرى أن مشتهيات النفس التي يمتنع الصائم عنها، هي من أهم ما تفضل المولى - تبارك وتعالى - به علينا من الآلاء والنِّعَم، وما أجدر الإنسان أن يدرك قيمتها، ويقوم بحق شكرها للخالق المنعِم - جل وعلا -، لأن النعم لا تُدرك قيمتُها إلا بفقدها، فالأعمى هو الذي يحس بجلال نعمة البصر، والمريض هو الذي يدرك عظمة الصحة، والإنسان لا يشعر بلذة الرخاء والرفاهية إلا إذا ذاق مرارة الحرمان والشدة، ولا يتذوق حلاوة النصر إلا مَن صُدم بقسوة الهزيمة.

وهذه هي سنة الحياة وطبيعتها؛ فالأشياء لا تتميز إلا بأضدادها، والصائم لا يعرف قيمة الطعام والشراب إلا عندما يذوق مرارة الجوع، وحرارة العطش، فيدرك نِعَم الله - عز وجل - فيجيء شكره على هذه النِّعَم صادقًا خالصًا من القلب، ولعل ذلك هو الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفض أن تصير بطحاء "مكة" له ذهبًا ويقول: «لاَ يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمَدْتُكَ».


الثانية: وتتخذ جانبًا روحيًّا معنويًّا، ويتضح هذا الجانب في تشبيه الصائم بالملائكة، لأن الإنسان مكوَّن من روح وجسد، فإذا استجاب الإنسان لغرائزه، وانغمس في شهواته مهملاً الجانب الروحي، كان إلى الحيوان الأعجم أقرب، أما إذا ارتقت نفسه، وعلت روحه، وسما بتصرفاته إلى كل ما يحقق غذاء روحه، بتحكمه في عواطفه، وقهر غرائزه أمام سلطان عقله وروحه، كان إلى الملائكة أقرب.


ونجد - أيضًا - الجانب الروحي في تأدب الصائم بصفة الصمدية، بالإضافة إلى تربية النفس، وكسر شهواتها بالجوع والحرمان.


إن الصيام عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم، في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة، ويوحد بين المسلمين في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويصبغهم جميعًا بصبغة الإنابة والرجوع إلى المولى - تبارك وتعالى -، ويرطب ألسنتهم بالتسبيح والتقديس، ويعفها عن الإيذاء وعن التجريح، ويسد على الناس باب الشر، ويغلق عليهم منافذ التفكير فيه، ويملأ قلوبهم بمحبة الخير والبر لعبادة الله - عز وجل -، وينشئ في قلوبهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة، وهكذا يريد الله - جل شأنه - أن يكون الإنسان.


الصيام من عناصر تكفير الذنوب:

لقد جعل المولى - تبارك وتعالى - الصيام عنصرًا مهمًّا من عناصر تكفير الذنوب، وذلك لما له من أثر كبير في تهذيب النفوس، وردعها، وكبح جماحها، فهو كفارة في القتل الخطأ يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].

وهو كفارة في الظِّهَار، يقول المولى - تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 - 4].


وهو كفارة في خطايا الحج،يقول المولى - تبارك وتعالى -: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة : 196]. أو صيد المُحرِم وقت إحرامه، يقول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [المائدة : 95].


وهو كفارة في اليمين، يقول المولى - تبارك وتعالى -: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 89].


ثمرة العمل وجزاء الجهد:

ولما كانت النفس البشرية من طبيعتها التلهف على معرفة ثمرة عملها، وجزاء جهدها وكفاحها؛ فقد أوضح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزاءَ الذي أعده المولى - تبارك وتعالى - للصائمين، الذين جاهدوا أنفسهم، وحاربوا شهواتهم، وألجموا أطماعهم، وخاضوا أشرس معركة أمام أهوائهم ونزعاتهم، فقال - صلوات الله وسلامه عليه -: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ .. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ .. فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

إن الصيام يربي النفس على مراقبة الله - عز وجل -، فالصائم حقًّا إنما يصوم مراقبًا لله - جل شأنه -، الذي لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يقول سبحانه وعز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].


والخير كله في مراقبة المولى - تبارك وتعالى -، ومن ذلك الخير العدلُ في الحكم، والإنصاف من النفس، وصون العرض والأمانة، وجميع شعب الإيمان التي يحرص كل الحرص مَن راقب ربه - عز وجل - على كسبها؛ فيغتنم ويسلم ويكون محسنًا، فقد قال المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه -: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».


اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى ما تحبه وترضاه، وطهر قلوبنا، وأرشدنا إلى الخير، واهدنا سواء السبيل، وحقق لنا الأمن والأمان، إنك نعم المولى ونعم النصير.


_______________________________________________
الكاتب: محمد رجاء











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #296  
قديم 22-04-2022, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

إنهم يغتالون فرحتنا برمضان!!


رياض بن محمد المسيميري


تسابقت القنوات الفضائية والأرضية في بث كل رذيلة على وجه الأرض، وتفننت في إغواء المُشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المذهل، والإغراء المدهش الذي يجعل أعقل الناس مجنونًا!! وأحلمهم حيرانًا!!
  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - ملفات شهر رمضان والعشر الأواخر -
يفرح المؤمنون الصادقون بإقبال شهر الصيام والقيام ، ولا تسعهم الأرض حين حلوله وشروعهم في صيامه وقيامه!!

أليس هو شهر القرآن والتلاوة والذكر؟! أليس هو شهر البر والصلة والصدقة؟! أليس هو شهر الاعتكاف وليلة القدر؟! أليس هو شهر الجهاد والفتوحات؟!


أليس هو شهر الاعتمار والجوار لبيت الله الحرام؟! إلى غير ذلك من المناقب والفرائد، والمزايا والخصائص التي لا يسع المقام لذكرها... فلله الحمد والمنة.


بيد أن هذه الفرحة برمضان وبهائه وجلاله سرعان ما تُذبح بتلك المخازي والمهازل، التي دأبت القنوات العربية على بثها طيلة الشهر الكريم، ودون خوف أو وجل من الله تعالى الذي يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40].

ولقد تسابقت القنوات الفضائية والأرضية في بث كل رذيلة على وجه الأرض، وتفننت في إغواء المُشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المذهل، والإغراء المدهش الذي يجعل أعقل الناس مجنونًا!! وأحلمهم حيرانًا!!


ولقد تنافس المنتجون والمخرجون والفنانون في (اغتنام!!) موسم رمضان، وتقديم كل أسباب الإفساد والتضليل، والصد عن سبيل الله!! ونتج عن هذا الإنتاج المهول، والواقع المرير أن ركع الكثيرون أمام مشاهد الغانيات الفاتنات، والفاجرات العاهرات!!


وباع الأكثرون دينهم وأمانتهم، حين رضوا بأن يهتكوا حرمة الشهر الجليل، ويغضبوا الملك الجبار، وهم يتابعون بشغف وأشر وبطر أفلامًا عارية، وتمثيليات فاضحة، وبرامج مشبوهة ،وكأنهم في منأى من الحساب والعقاب والبعث والنشور!!



وبعد إحياء الليل كله أمام عبث الشاشات يتحلق المشاهدون (الأوفياء!!) و (العُباد الأتقياء!!) أمام موائد السحور؛ استعدادًا لصيام يوم جديد، لا حظَّ لهم منه إلا الجوع والعطش بخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». وفي رواية: «قَوْلَ الزُّورِ وَالجَهْلَ». فأي زور وأي جهل فوق هذا يا مسلمون؟؟ لمصلحة مَن تنتهك حرمة رمضان، ويُستخف بالملك الديان؟ لمصلحة مَن تفتن الشاشاتُ الجماهيرَ المسلمة وتضللهم؟!

إن أمتنا اليوم تعيش واحدة من أحرج مراحل حياتها، والأخطار تحدق بها من كل اتجاه، والأعداء يتربصون من كل جهة، فهل من الحكمة في قليل أو كثير، أو قبيل أو دبير أن نظل في هذه الغفلة القاتلة، وقد رأينا حواضر العالم الإسلامي يتساقطن في أيدي الأعداء واحدة بعد الأخرى؟! أجيبوا بربكم أجيبوا!! ثم أنيبوا إليه.. أنيبوا إن كنتم مؤمنين!!










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #297  
قديم 22-04-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

حال السابقين مع رمضان



لرمضان في حياة البشرية من الذكريات ما ليس لغيره ، فهو ضيف يهل زائرا كل عام ، فيستعد لمجيئه أهل السماء قبل أهل الأرض ، يفتح الله فيه باب الجنة ، ويغلق فيه باب الجحيم ، وتُصفد فيه الشياطين ، ويُنادي مناد : يا باغي الخير هلم ، ويا باغي الشر أقصر. فكيف كان حال السابقين مع رمضان؟
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتهيأ له بما لم يتهيأ به لغيره من الشهور ، فيضاعف فيه من العبادات ، وفعل الطاعات ، والإقبال على ربه ؛ حتى قبل مبعثه ، إذ اعتاد كل عام أن يصحب زاده ويصعد به إلى غار حراء ، يترفع عن الدنيا ، ويسمو إلى السماء ..
فلما اصطفاه الله سبحانه وتعالى رسولا ، وكان الاصطفاء في رمضان صار يقدر لهذا الشهر قدره ، ويقوم لله في ليله حتى تتفطر قدماه ؛ شكرا لله على هذا الاصطفاء ، كما اعتاد جبريل عليه السلام أن يهبط إليه كل يوم بأمر ربه فيدارسه القرآن الكريم ، فيزيده ذلك صفاء على صفائه ، وكرما على كرمه ، فقد ورد في كتب الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان ، وفي رواية أخرى ” أجود من الريح المرسلة ” حين يلقاه جبريل ، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه : “كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير ، وأعطى كل سائل ..”
وسار على سنته السلف الصالح ، فكانوا إذا أهل عليهم رمضان شمروا عن ساعد الجد ، واجتهدوا في العمل الصالح طمعاً في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه ، وتدارسوا القرآن كما تدارسه رسول الله ، وسهروا على تلاوته ليلا كما كان يسهر رسول الله ..
وهذه رسالة أكتبها على عجل أبين فيها كيف كان حال السابقين في رمضان ، وكيف كانوا يقضون أيامه وساعاته ، وكيف كانوا يحسنون الاستفادة من نفحاته خير إفادة ، لعلنا نستطيع أن نقتدي بهم في هذا الأمر فنفوز كما فازوا ، وننعم بلذة الطاعة كما نعموا ، داعيا الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم في رفقة النبي صلى الله عليه وسلم ” إخوانا على سرر متقابلين ” وأن يجعل هلال رمضان علينا هلال خير وبركة ، وأن يجعله بداية لإزالة الغمة عن سائر المسلمين ، وأن يرفع عنا ببركة رمضان البلاء والغلاء ، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
ولتبدأ بالسابقين مع تلاوة قراءة القرآن الكريم في رمضان : فالقرآن كلام الله سبحانه ، يستمد عظمته وجلاله من عظمة الله عز وجل ، كما أنه المنهج الذي وضعه جل شأنه للإنسان ليسير عليه كي يحقق الغاية التي أوجده من أجلها ، ولذلك فإن دراسته هي السبيل لمرضاة الله وجلب الراحة والطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة ..
ليس فقط بل هو مأدبة الله التي يدعو إليها من أحب من عبادة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ ، لاَ يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ ، وَلاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، أَمَا إِنِّي لاَ أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلاَمٍ وَمِيمٍ” .
ولذلك عندما نتحدث عن حال السابقين مع رمضان، نجد أن السلف الصالح كانوا يتسابقون إلى تلك المأدبة، ويتنافسون فيها ، وخاصة في شهر رمضان المبارك الذي خصه الله سبحانه وتعالى دون شهور السنة بإنزاله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا الأسود بن يزيد رضي الله عنه يُروى عنه أنه كان يعكف على القرآن في رمضان حتى يختمه كل ليلتين ، وكذلك كان يفعل سعيد بن جبير ..
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.
وهذا محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله كان يجلس بعد صلاة القيام ليختم القرآن كل ثلاث ليالٍ .
وهذا مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة كان إذا دخل عليه رمضان يقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، ويترك كل شيء حتى مدارسة الحديث ، ومجالسة أهل العلم ..
وهذا سفيان الثوري رحمه الله كان إذا دخل عليه رمضان أيضا ترك كل مشاغل الدنيا ، وأقبل على قراءة القرآن ..
وكان الزهري رحمه الله إذا دخل عليه رمضان يفر من قراءة الحديث ، ومجالسة أهل العلم ، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان المازني البصري علامة زمانه في الفقه والنحو رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان لا ينشد بيتا من الشعر حتى ينتهي ، وإنما كان شغله قراءة القرآن ..
هكذا كان حال السابقين مع رمضان، فقد ترك هؤلاء فضائل الأعمال التي هي دون القرآن الكريم في المثوبة والأجر ، فما بالنا نحن لا نريد أن نعزم على ترك المحرمات والمكروهات في تلك الأوقات التي ينادينا فيها منادي السماء : أن يا باغي الخير أقبل ؟!!
كما كان الرجل من السلف الصالح يحرص على أن يُشرك أهله وأصحابه في ذلك الفضل، فهذا زبيد اليامي كان إذا حضر رمضان أحضر المصحف ، وجمع إليه أصحابه ..
وبعضهم كان يخصص ختمة لأولاده يجمعهم عليها ؛ لينشئوا على تعظيم رمضان وحب القرآن ..
ومنهم من كان يستغل الفترة من بعد الإفطار إلى صلاة العشاء ، وهي الفترة التي يقضيها الناس الآن في تسالي التلفاز في تلاوة القرآن ، ويجعل لنفسه ختمة مخصصة بهذه الفترة ، مثل سعيد بن جبير ، وساعدهم على ذلك أنهم كانوا يؤخرون صلاة العشاء في شهر رمضان تأخيرا شديدا ، كما قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ، فهل من مشمر للحاق بهم ؟؟ ..
وفي خضم الحديث عن حال السابقين مع رمضان ، نرى أنه من العجب أن الملوك من السابقين كانوا يسابقون سائر العباد في ذلك المضمار ، ولا عجب فكان علو الهمة عند أحدهم يجعله يطمع في أن يكون صاحب المنزلة العالية في الآخرة كما كان صاحب الملك في الدنيا ، فهذا الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي يُذكر عنه أنه كان يختم القرآن في كل ثلاثٍ.. وكان المأمون الخليفة العباسي يكثر من قراءة القرآن في شهر رمضان حتى يكون في صوته بُحة ..
وهذا الحجاج رغم مشاغله في الثورات والفتوحات كان يعين له قارئا في رمضان يقرأ عليه القرآن الكريم ..
السابقون والتهجد لله سبحانه وتعالى في رمضان : التهجد أو قيام الليل دأب الصالحين ، حيث وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله : ” والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ” وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : “إنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ “..
وهو سمة الذاكرين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ ..
وهو العلامة التي يعرف بها المتقون ، كما قال الله سبحانه وتعالى وهو يثني عليهم : ” إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ “.
ولذلك كان السابقون حريصين على أداء تلك العبادة ( عبادة قيام الليل ) فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا هدأت العيون قام فيُسَمعُ له دوي كدوي النحل حتى يصبح ، وكان طاووس رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلب عليه كما تتقلب الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ، ثم يقول: طيّر ذكر جهنم نوم العابدين ، وكان الحسن رحمه الله يقول : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال ، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره ، وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول: إنك للين ووالله إن في الجنة لألين منك ، ولا يزال يصلي الليل كله ، وكان الفضيل بن عياض يقول : إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي .
هذا كان حالهم في سائر الأيام فإذا ما جاءهم رمضان أكثروا من القيام ، وبالغوا في التهجد من الليل حتى كان بعضهم يقضي جُلّ الليل في التبتل إلى الله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أنه قال : سمعت أبي يقول:” كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل أحدنا الخدم بالطعام مخافة الفجر “.
وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا فرغ الناس من الصلاة بالمسجد أخذ إداوةً ( إناء يصنع من الجلد ) من ماءٍ ثم عاد إليه ، فلا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح .
وصار من السابقين من يختم القرآن في تهجده كل عشرة أيام ، ومنهم من يختمه في تهجده كل سبع ليال.
وحتى من تقدم بهم السن قد حرصوا على أخذ قسطهم من هذا الزاد ، حكا الوليد بن علي عن أبيه أن سويد بن غفلة كان يؤمنا في شهر رمضان في القيام ، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة ..
وبعضهم كان يتقاسم ليله مع أهله وأولاده ، قال أبو عثمان النهدي: تضيّفت أبا هريرة رضي الله عنه سبعاً ( أي نزلت عليه ضيفا ) فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً ، يصلي هذا ثم يوقظ هذا ..
ولم ينتشر ذلك بين الصفوة فقط ، وإنما كان أمرا مألوفا لدى عامة الناس ، يقول نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما : سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يستثقل ذلك .
وقال يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد : كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة ، وكانوا يقرءون بالمائتين ، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام ..
وهذا المثنى بن سعيد يقول: أدركت هذا المسجد ( مسجد بني ضبيعة ) وإمامهم يصلي بهم في رمضان ، يختم بهم في كل ثلاث رجل يقال له عمران بن عصام، وصلى فيهم قتادة بعده ، فكان يختم في كل سبع ..
فهل نعجز عن أن نكون مثل هؤلاء ؟! كلا ! وإنما نحتاج فقط إلى قليل من العزم مع التفكر فيما ينتظر من يفعل مثل ذلك من النعيم الدائم في جنات عرضها كعرض السموات والأرض ..
ولا يفوتنا أن نذكر أن هؤلاء السابقين كانوا يحرصون على التدبر في فيما يقرءون ويسمعون ، ولم يكن همُّ أحدهم فقط كم قرأ في كل ركعة ، فهذا سعيد بن جبير كان يصلي بالناس في رمضان ، ويرجّع القراءة ، فربما أعاد الآية مرتين ..
وكذلك حرصوا على القراءة في الصلاة من ذاكرتهم دون مصحف ، وكانوا يكرهون القراءة للصلاة في المصحف ، وإن وردت عن البعض فيها إباحة ، فقد جاء في تاريخ بغداد عن سويد بن حنظلة البكري أنه مر بقوم يؤمهم رجل في المصحف في رمضان فكره ذلك ، ونحّى المصحف .
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يكره أن يؤم الرجل الناس بالليل في شهر رمضان في المصحف ، وقال : هو من فعل أهل الكتاب ؛ ولأن ذلك ربما شغل القارئ عند التدبر فيما يقرأ ، ويكون كل تركيزه في متابعة القراءة ..
وللأسف هذا العادة انتشرت هذه الأيام مع كثرة الحفاظ ، فإذا كان عذر السابقين أنهم لم يجدوا الحفاظ من الكثير ، فما عذرنا نحن وحفاظنا يعدون بالآلاف المؤلفة؟! ..
ونذكر أيضا أن المقرئين الذين كانوا يؤمون الناس في الصلاة كانوا يحرصون على أن يجعلوا صلاتهم بالناس دون مقابل إلا من كان إماما راتبا من قبل الدولة ؛ طمعا في ثواب الله في الآخرة ، فقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة أنه قال : كنت نازلا على عمرو بن النعمان بن مقرن ، فلما حضر رمضان أتاه رجل بكيس دراهم فقال : إن الأمير مصعب بن الزبير يقرئك السلام ، ويقول : لم يدع قارئا إلا وقد وصل إليه منا معروف ، فاستعن بهذا ، فقال : قل له والله ما قرأنا القرآن نريد به الدنيا ، ورده عليه..
كما كانوا يلومون من يأخذ أجرة على صلاته بالناس ، فقد ورد أن رجلا أعمى كان يجالس سفيان الثوري فإذا كان شهر رمضان خرج إلى السواد ( القرى الزراعية ) فيصلي بالناس فيُكسى ويوهب له ، فقال سفيان : إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم ، ويقال لمثل هذا : قد تعجلت ثوابك ، فقال له الرجل : يا أبا عبد الله تقول هذا لي وأنا جليس لك ؟ قال : إني أتخوف أن يقال لي يوم القيامة : إنه كان جليس لك أفلا نصحته.
وأنا أنصح كل قارئ بما نصح به سفيان الثوري صاحبه ، وأقول لهم : لا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ولم يرض القراء بجعل قراءتهم ابتغاء ثواب الآخرة فقط ، بل حرصوا بصفتهم أهل القرآن على أن يتفوقوا على غيرهم في الاجتهاد في رمضان ، فهذا رجل يسمى ابن اللبان كان يصلي بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر ، وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائما في المسجد يصلى حتى يطلع الفجر ، فإذا صلى الفجر دارس أصحابه ، وقد وصفه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بقوله : وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعا من القرآن ، يقرأه بترتيل وتمهل ، ولم أر أجود ولا أحسن قراءة منه ..
وهذا البخاري كان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ، فإذا جاءه السحر أقبل يقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن ..
وما بعث الله نبيا إلى قوم إلا كانوا أكثرهم اجتهادا في فعل الصالحات ، وهكذا ينبغي أن يكون الأئمة الدعاة من بعدهم .
وأخيرا أقول : إنه كان من سنة السابقين في رمضان أن يأتوا بالأشربة في المساجد أوقات القيام والتهجد ، فيشرب منها الفقراء وغير الفقراء ، كما كانوا يقومون بتطييب المساجد في رمضان والجمع كي لا تتغير رائحتها بسبب طول المكث فيها فيملها الناس ، وقد ورد في تاريخ دمشق أن مولى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ المجمر قدّامه إذا خرج إلى الصلاة في شهر رمضان ، فما أجملها من خلال !! وما أحسنها من فضائل..
رمضان وولاة الأمر من السابقين : إن الحاكم في الإسلام كما هو مطالب بأن ييسر لرعيته سبل المعاش والحياة الهانئة في الدنيا مطالب أيضا بأن يرشدهم إلى ما يثقل موازينهم في جنة الخلد يوم القيامة، وكما هو مطالب بأن ينجيهم من كوارث الدنيا وأوبائها وأمراضها مطالب أيضا بأن يساعدهم على أن ينجو من عذاب الله وغضبه في الآخرة ، تطبيقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ” الْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” .
ولذلك كان ولاة الأمر من السابقين الصالح يقومون بدور مشكور في تشجيع الناس على ذلك ، ويحضونهم على قيام الليل في رمضان حضا ، ويجمعونهم في المساجد، ويرتبون لهم القراء ليصلوا بهم ، ومثال على ذلك ما جاء عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أُبَي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان ..
وفي رواية أخرى أنه جعل بالمدينة ثلاثة قراء يقرءون في رمضان، فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية ، وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين ، وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين .. وكتب بذلك إلى سائر البلدان المسلمة ليتأسوا به ..
وجاء في تاريخ دمشق لابن عساكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يأمر الناس بقيام رمضان ، ويأمّر للرجال إماما ، وللنساء إماما ..
كما كان ولاة الأمر من السلف يوسعون على الناس في أرزاقهم إذا هل رمضان ، فقد ذكر الشعبي أن عمر رضي الله عنه زاد الناس مائة مائة ، يعني في عطاء كل واحد من جند المسلمين ، وكان قد جعل لكل نفس من المسلمين في كل ليلة من رمضان درهما من بيت المال يفطر عليه ، ولأمهات المؤمنين درهمين درهمين ، فلما ولي عثمان رضي الله عنه أقر ذلك وزاده ، واتخذ سماطا في المسجد أيضا للمتعبدين والمعتكفين وأبناء السبيل والفقراء والمساكين ..
هذا فضلا عن سعيهم للقضاء على كل ما ينقص من قدر رمضان ، أو يفسد على الناس جوهم الإيماني ، فقد ورد أن شاعرا يسمى النجاشي مر بآخر يسمى أبا سماك الأسدي في رمضان فدعاه إلى الشرب فأجابه ، فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأخذ النجاشي وهرب أبو سماك ، فجلده علي رضي الله عنه ثم زاده عشرين على حد السكر ، فقال له : ما هذه العلاوة ، فقال : لجرأتك على الله في شهر رمضان وصبياننا صيام ..
وجيء إلى عمر رضي الله عنه برجل قد أفطر في رمضان فجعل يضربه ويقول : تفعل هذا وصبياننا صيام ، ثم نفاه إلى الشام ..
فلماذا لا يقوم ولاة أمر المسلمين الآن بتأديب كل من يتعدى على حرمة الشهر المبارك ، ويفسد على الناس طاعتهم ، ويوصون القائمين على الإعلام باتقاء الله فيما يعرض في الفضائيات من مفاسد في هذا الشهر المبارك قبل أن يأتي يوم القيامة فيحاسبون على أوزار الناس مع أوزارهم ، وليحرصوا على أن ينجوا بأنفسهم يوم لا ينفع لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، هذا اليوم الذي لو كان مع النفس البشرية ما في الأرض جميعا ومثله معه ما استطاعت أن تفتدي به من عذاب الله ..
السابقون والإنفاق في سبيل الله في رمضان : الصدقة تطفئ غضب الرب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا طيبا ـ إلا كان الله آخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد ” ( وقال صلى الله عليه وسلم ” كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ” وقال صلى الله عليه وسلم ” الصدقة تسد سبعين باباً من الشر ” ..
عرف السابقين كل هذا الفضل للتصدق والإنفاق في سبيل الله فأقبلوا عليه بنفس راضية ، بل وتسابقوا فيه وتنافسوا ، وكان أحدهم يرى نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من حاجة الفقير المسكين إليها ، قال الشعبي: ” من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه “.
وكان ذلكم التسابق وهذا التنافس بينهم يزداد بحلول شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أكرم من الرياح المرسلة ، يقول يونس بن يزيد وهو يصف حال ابن شهاب الزهري المحدث الشهير : ” كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن ، وإطعام الطعام ..
وهذا حماد بن أبي سليمان يُروى أنه كان يضيف في شهر رمضان خمسين رجلا كل ليلة ، فإذا كانت ليلة العيد كساهم ، وأعطى كل رجل منهم مائة درهم..
وكان إطعام الفقراء والجود عليهم سمة مألوفة عند الموسرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول : حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا ، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلا من أهل السعة فأخذه فانطلق به فعشاه..
بل إن بعضهم كان يجود بإفطاره الذي يعده لنفسه ، فهذا أحمد بن حنبل يأتي إليه سائل فيدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ، ثم يُطوي ويصبح صائماً، كما ورد أيضا أن داوود الطائي ومالك بن دينار كانا يؤثران بفطورهما وهم صائمان..
وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل ..
وكان الشافعي يقول: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم ..
وهذا السلطان ألب أرسلان يتفقد الفقراء في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار ( الدينار كان متوسط وزنه 4 جرامات ذهب ) أما صلاح الدين الأيوبي فذُكر أنه أقام بالقدس قبل حطين جميع شهر رمضان في صيام وصلاة وقرآن ، وكلما وفد عليه أحد من رؤساء الفرنج للزيارة فعل معه غاية الإكرام تأليفا لقلوبهم كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ..
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #298  
قديم 22-04-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله


وهذا أحد الخلفاء العباسيين يرتب عشرين دارا للضيافة يفطر فيها الصائمون من الفقراء ، يُطبَخ لهم في كل يوم فيها طعام كثير ، ويحمل إليها أيضا من الخبز النقي والحلواء شيء كثير ، وذاك آخر ـ أحسبه المستنصر ـ كان يقف على أمواله ويقول : أترى أعيش حتى أنفقها كلها ، فكان يبني الربط والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات ، وقد عمل بكل محلة من محال بغداد دار ضيافة للفقراء لاسيما في شهر رمضان ..
وحكي أنه اجتاز راكبا في بعض أزقة بغداد قبل غروب الشمس من رمضان فرأى شيخا كبيرا ، ومعه إناء فيه طعام قد حمله من محلة إلى محلة أخرى ، فقال : أيها الشيخ لم لا أخذت الطعام من محلتك ، أو أنت محتاج تأخذ من المحلتين ؟ فقال : لا والله يا سيدي ، ولم يعرف أنه الخليفة ، ولكني شيخ كبير وقد نزل بي الوقت ، وأنا أستحي من أهل محلتي أن أزاحمهم وقت الطعام فيشمت بي من كان يبغضني ، فأنا أذهب إلى غير محلتي فآخذ الطعام ، وأتحين وقت كون الناس في صلاة المغرب فأدخل بالطعام إلى منزلي بحيث لا يراني أحد ، فبكى الخليفة المستنصر ، وأمر له بألف دينار ، فلما دفعت إليه فرح الشيخ فرحا شديدا ، حتى قيل : إنه انشق قلبه من شدة الفرح ، ولم يعش بعد ذلك إلا عشرين يوما ..
وفي عصرنا مثل هؤلاء الأثرياء الكثير والكثير ، وبإمكانهم أن يخلدوا ذكراهم بالنفقة في سبيل الله كما خلد هؤلاء ذكراهم فيفوزا بطيب الدارين الدنيا والآخرة ، فهلموا أيها الكرماء !!!!!
وأذكر أن جود السابقين وكرمهم في رمضان قد امتد ليصل إلى المساجين ، فقد جاء في تاريخ دمشق أن زياد بن عبيد الله ـ وكان أميرا على مكة في عهد العباسيين ـ قال لصاحب له : يا أبا العلاء قد حضر هذا الشهر المبارك ، وقد رققت لأهل السجن لما هم فيه من الضر ، وقد رأيت أن أصيرك إليهم فتلهيهم بالنهار ، وتصلي بهم بالليل ..
ولو نظر أهل الخير للمساجين في عصرنا نظرة هذا الرجل لهدى الله أكثرهم للخير ، ولحقق المجتمع من وراء هدايتهم الكثير والكثير ، لأنهم سيكونون عناصر خيرة وإيجابية بعد خروجهم من السجن ..
السابقون والاعتدال في الطعام والشراب في رمضان : نقل أبو حامد الغزالي عن بعض الصالحين قوله : ” إن الأكل من الدين، وعليه نبه رب العالمين بقوله وهو أصدق القائلين ” كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ” وذلك لأن الأكل والشرب وسيلة التقوي على الحياة ، وبدون تلك الوسيلة لا يستطيع الإنسان عبادة ربه ، ولكي يؤدي الأكل تلك الوظيفة لابد من الاعتدال وعدم الإسراف فيه كما أمرنا الله سبحانه وتعالى في قوله عز وجل : ” كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ” ذلك لأن الإسراف يضر بصحة الإنسان بدلا من أن يفيدها ، ويجعل الطعام عليها نقمة لا نعمة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة في هذا الأمر ، ونصح أصحابه وسائر المسلمين بالتوسط والاعتدال بعد أن بين لهم أن الطعام الكثير شر ما يدخل على معدة المرء فقال صلى الله عليه وسلم “: ما ملا آدمي وعاء شرا من بطنه حسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن غلبته نفسه فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس ” .
وإذا كان المسلم يحتاج إلى ما يقويه ويعينه على الصيام في وجبتي الإفطار والسحور فلا بأس له بذلك ، وقد ورد في زاد المعاد لابن القيم عن الزهري وكان من خيار التابعين أنه كان يأكل اللحم في رمضان ويقول : أكلُ اللحم يزيد سبعين قوة ، وذكر نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عبد الله إذا كان رمضان لم يفته اللحم ..
إلا أن ذلك ينبغي ألا يحول هذا الشهر المبارك إلى موسم لعرض الموائد التي ترهق كاهل الأسرة المسلمة ، وتجعلها تحتاج للاستدانة في أحايين كثيرة ، مع إن المفترض أن المسلم بصيامه يوفر وجبة كل يوم من الثلاث وجبات ، وبالتالي تكون نسبة التوفير فيه تعادل 33 % من نفقته اليومية ، ويمكن أن يستفاد بها في أوجه أخرى من أوجه الإنفاق ، ولعل هذا ـ والله أعلم ـ ما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن شهر رمضان :” .. شهر يزاد فيه رزق المؤمن .. ” .
وهذان نموذجان أذكرهما للدلالة على اعتدال السابقين في تناول طعامهم وشرابهم في هذا الشهر المبارك ، النموذج الأول هو الخليفة العباسي المهتدي الذي حكم العالم الإسلامي في أوج مجده وغناه يقول عنه أبو العباس هاشم بن القاسم : “كنت عند المهتدي عشيَّةً في رمضان فقمت لأنصرف ، فقال: اجلس، فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام ، فأحضر طبقا عليه أرغفة وآنية فيها ملح وزيت وخل فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ فقال: ألم تكن صائماًً؟ قلت: بلى، قال: فكل واستوفِ ، فليس هنا غير ما ترى!..
والثاني هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي ورد عنه أنه كان في رمضان الذي قُتل فيه يتعشى ليلة عند الحسن ، وليلة عند الحسين ، وليلة عند عبد الله بن جعفر ، لا يزيد على لقم معدودة، ويقول : يأتي أمر الله وأنا خميص ، فعل ذلك وهو خليفة للمسلمين ..
ولا نطالب من وسّع الله عليه أن يتشبه في طعامه بعلي رضي الله عنه ولا بالمهدي في تقشفهما ، وإنما فقط أن يلتزموا بقول الله تعالى :” كلوا واشربوا ولا تسرفوا ” وألا يُذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا ، وألا يخرجوا بالصيام عن مقصده ، وألا ينسوا أن حولنا من المسلمين من لا يجدون ما يسدون به رمقهم ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يقول : ” ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ” .
السابقون وسنة الاعتكاف في رمضان : روى ابن ماجة في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” فِي الْمُعْتَكِفِ هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ وَيُجْرَى لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا “.
وورد في الأثر ” من اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين ” ([19]) وذلك لما فيه من خلو المرء بنفسه ، وابتعاده قليلا عن دوامة الحياة وضوضائها التي تلهي القلب وتشغله عن التفكر في مصيره ومآله بعد موته ..
وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على سنة الاعتكاف مدة بقائه بالمدينة المنورة بعد هجرته ، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله »وعن أنس رضي الله عنه أنه قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيما يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين».
وروي عن أنس رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حان العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه ، وشد مئزره ، واجتنب النساء ، وجعل عشاءه سحورا ..
واقتدى الصحابة ـ رجالا ونساء ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم في المحافظة على سنة الاعتكاف ، فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم ( أي أصحابه ) يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستر، وقال: ” إذا كان أحدكم يناجي ربه، فلا يرفعن بعضكم على بعض القراءة ” .
وصار على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السلف الصالح عبر التاريخ .. ، حتى رأينا من يذكر عنه : أنه ظل ستين سنة كاملة يعتكف في العشر الأخير من رمضان .
السابقون ومدارسة العلم وتدريسه في رمضان: العلم خير ما يرزق بها الإنسان ، ويعظم فضله إذا ما اقترن بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ، كما قال ربنا عز وجل : ” يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.
وهذا الفضل جعل السلف الصالح يقبلون على العلم تعلما وتعليما بشغف ، وكانت رغباتهم إليه تزداد في رمضان حيث يضاعف ثواب العمل الصالح ، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما وهو أمير البصرة كان يغشى الناس في رمضان فما ينقضي الشهر حتى يفقههم ..
ولعل ابن عباس لم يتفرغ للقرآن في رمضان كما فعل الزهري ومالك لأنه كان رجلا أميرا يرى من المسئولية عليه أن يضاعف من جهده في تفقيه الناس ، أما مالك والزهري فكانا يعلمان الحديث تطوعا ، فرأيا أن من الأفضل أن يتفرغا لأنفسهما في هذا الشهر ، ويؤكد ذلك أن مالكا لما سئل عن ذلك قال : شهر أحب أن أتفرغ فيه لنفسي ..
ويؤيده أيضا ما قاله النووي في الأذكار : والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فهم ما يقرأ ، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد له ، ولا فوت كماله ، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة في القراءة ..
أخلاق السابقين في رمضان : وكان من هدي السابقين في رمضان أيضا الصبر على الصوم مهما كان شاقا ، فقد روي عن الأحنف بن قيس أنه قيل له : إنك شيخ كبير ، وإن الصيام يضعفك ، فقال : إني أعده لسفر طويل ، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه..
كما كانوا يتصفون بالصراحة والشفافية مع النفس ، ومع الغير ، فلا يتردد أحدهم إذا وقع في الخطأ أن يقر بخطئه ، فهذا الصحابي سلمة بن صخر رضي الله عنه يقول : كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب منها شيئا فيتبع بي حتى أصبح ، فتظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينا هي تحدثني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء ، فلم ألبث أن نزوت عليها ، فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم ، فقلت لهم : امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لا نمشي معك ، وما نأمن أن ينزل فيك قرآن ، أو يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مقالة يلزمنا عارها ، ولنسلمنك بجريرتك ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت بذاك يا سلمة ، فقلت : أنا بذاك وها أنذا صابر لأمر الله ، فاحكم بما شئت ، فقال لي : حرر رقبة ، فضربت صفحة رقبتي ، وقلت : والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك رقبة غيرها، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقلت : وهل أصابني الذي أصابني إلا في الصوم ؟!! قال : فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا ، فقلت : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ، ما لنا طعام ، قال : فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ، فأطعم منها وسقا من تمر ستين مسكينا ، وكل بقيتها أنت وعيالك، فرجعت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي ، وقد أمر لي بصدقتكم ..
ومع حرصهم على الاجتهاد في فعل الخير في رمضان إلا أنهم كانوا يكرهون التكلف فيه ، جاء عن وهب بن جابر أنه قال : كنت في بيت المقدس فجاء مولى لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال : إني أريد أن أقيم ها هنا شهر رمضان ، فقال له عبد الله : تركت لأهلك ما يقوتهم ؟ قال : لا ، قال : فارجع فاترك عندهم ما يقوتهم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ..
كما كان من عادة السابقين عدم الهزل في رمضان ، والحرص على استغلال الأوقات ، فقد جاء في إحياء علوم الدين أن الحسن البصري مر بقوم وهم يضحكون فقال : إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا ، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون ، وخاب فيه المبطلون ..
هذا بالإضافة إلى حفظ سائر الجوارح عما نهى الله عنه ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء ، وكان أبو هريرة يقول: إذا كنت صائماً فلا تجهل ولا تساب ، وإن جُهِل عليك فقل: إني صائم ..
وكان من هدي السابقين أيضا ألا يسافروا في رمضان إلا إذا دعت الضرورة كي لا يرهق المسافر أو يضطر إلى الفطر فقد قدم رجل على عمر رضي الله عنه فقال : متى خرجت ؟ قال : في شهر رمضان ، قال : صدق من وصفك بالجفاء ألا أقمت حتى تفطر ثم تسافر ..
وأما عن السفر الضروري ، فأنقل ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر في رمضان فصام وأفطر وخيّر الصحابة بين الأمرين ، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله .
حال السابقين مع أولادهم في رمضان : دأب السلف على تدريب أطفالهم على الصيام فإذا شبوا ألفوه ، فقد جاء عن عكرمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنا نأخذ الصبيان من الكتاب فيقومون بنا في شهر رمضان ، ونعمل لهم الخشكنانج ( حلوى من السكر ) ..
وبتلك التربية كان ينشأ الصبي فيرى الصيام سهلا ميسورا ، ولو تركوا دون تدريب وتوجيه حتى شبوا بحجة أنهم غير مكلفين لشق عليهم الأمر كما يحدث لبعض الشباب المسلم الآن ، فليكن لنا أسوة حسنة في سلفنا الصالح في توجيه أبنائنا وتربيتهم على خصال الخير.
بكاء من عجز عن الصوم من السابقين : إن السابقين كانوا يبكون إذا أدرك أحدهم رمضان وبه علة تمنعه الصيام ، فقد روي عن سعيد الجريري عن أبي نضرة قال : مرض رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه أصحابه يعودونه فبكى ، فقالوا : يا أبا عبد الله ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” خذ من شاربك ثم اصبر حتى تلقاني ” فقال : بلى ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذات يوم وقد أهل شهر رمضان : ” لو يعلم العباد ما في شهر رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة “.
بكى المرضى لعجزهم عن الصيام وهم معذورون عند الله ، فما بال أصحاؤنا وما بال شبابنا وشباتنا ؟!! أما آن لهم أن يعرفوا فضل رمضان وصيامه ؟!!
وختاما، وسواء تعلق الأمر بحال السابقين مع رمضان، أو حالنا راهنا، أقول : الحمد لله على أن بلغنا رمضان ونحن أصحاء ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التأسي برسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسلفنا الصالح في استغلال أوقاته فيما يرفع درجاتنا ، وأن يوفقنا للعمل بما نعلم ، وأن يجعل تلك الكلمات التي كتبناها شاهدة لنا لا علينا ، وألا يجعلنا كالشمعة التي تحترق ليستضيء بها غيرها .
مسند أحمد : ج 6 / ص 388 .

شعب الإيمان للبيهقي :ج 8 / ص 140

سنن الدارمي : ج 10 / ص 191

صحيح البخاري :ج 21 / ص 406.

سنن أبي داود :ج 4 / ص 73.

الذاريات 15 :18.

إحياء علوم الدين :ج 1 / ص .354

صحيح البخاري : ج 8 / ص 253

أخرجه البخاري تعليقا ومسلم والترمذي والنسائي في الكبرى واللفظ لابن ماجة من حديث أبي هريرة.

أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم من حديث عقبة بن عامر.

رواه الطبراني.

المؤمنون : 51.

الأعراف : 31

السنن الكبرى للنسائي : ج 4 / ص 177

جزء من حديث رواه ابن أبي خزيمة .

رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن.

سنن ابن ماجه : ج 5 / ص 342

رواه الطبراني .

صحيح ابن حبان : ج 15 / ص 329

أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة .


المجادلة : 11 .


منقول



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #299  
قديم 22-04-2022, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

كيف تكون من الذاكرين ؟



إن شرف الذكر ومنزلته يدعوانك لتكون من الذاكرين لله تعالى .. وها هي طريق الذاكرين عسى الله أن يجعلك من أهلها.
إن مما ينبغي لك أن تعرفه أن تعلم أنَّ على المسلم أن يُكثر من ذكر الله تعالى، ولا يفرِّط في ذلك؛ حتى لا يدخل في زمرة أهل الغفلة.
المحافظة على الصلوات الخمس

إنَّ المحافظة على الصلوات بداية طريق أهل الذِّكر، فإنَّ من حافظ على الصلوات الخمس بحدودها وخشوعها فقد نال نصيبًا كبيرًا من ذكر الله تعالى؛ فالصلاة قد اشتملت على أنواعٍ من الذِّكر، مع معانٍ لا توجد في غيرها من خضوعٍ وتذلُّلٍ وخشوع، لذلك فإنَّ الله تعالى ذمَّ المنافقين بقلَّة ذِكرهم له في الصلاة فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} النساء: ١٤٢.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تلك صلاة المنافق؛ يجلس يَرقُبُ الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلاَّ قليلاً».
المحافظة على الأذكار دبر الصلوات

ورد في السنة النبوية الكثير من الأذكار، ولكلِّ ذِكرٍ موضعه الذي يُقال فيه، ومن هذه الأذكار أذكار الصلاة، والتي منها ما يُقال بعد الصلاة، فحافظ أخي على هذه الأذكار، وردِّدها بخشوع وتأنٍّ؛ فإنَّ الكثيرين يتهاونون بها، فترى أحدهم يسرع فيها لينصرف، والبعض ينصرف بدون أن يأتي بها! فعلى المسلم الحرص عليها حتى يكون من الذاكرين لله تعالى.
الإكثار من قراءة كتاب الله تعالى

تلاوة كتاب الله تاج الذِّكر وعنوان فضله .. وما ذكره الذاكرون بأفضل من قراءة كتابه العزيز .. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول “الم” حرف، ولكن “ألف” حرف، و”لام” حرف، و”ميم” حرف» (رواه الترمذي/ صحيح الترمذي: ٢٩١٠).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بمائة آية في ليلة؛ كُتب له قُنوت ليلة» (رواه أحمد والدارمي السلسلة الصحيحة (٦٤٤).. فاحرص أن تكون من أولئك الذين يتفقدون كتاب ربهم تعالى، ولا تكن من الهاجرين له .. وتأمَّل كم ستجد من الأجر وأنت تتلو كتاب الله تعالى، وقد أخبرك النبي صلى الله عليه وسلم أن ثواب الحرف الواحد؛ يُضاعف إلى عشر حسنات! فيما أيسر أن تكون من الرابحين الذاكرين لله تعالى.
المحافظة على الأذكار

وهذا باب عظيم يُدخِلك في جملة الذاكرين لله تعالى، وقد تعدَّدت أنواع الأذكار وصورها وفي جميعها الخير العظيم .. وليس صعبًا أن تكون من المحافظين على الأذكار، فما عليك إلاَّ أن تعزم على فعلها وتبدأ بتطبيقها في أمورك كلِّها. فإذا خرجت من منزلك قلت ذكر الخروج من من المنزل، وإذا ركبت سيارتك قلت ذِكر ركوب الدابة، وإذا دخلت الخلاء أو خرجت منه قلت ما جاء من الذِّكر في ذلك، وإذا أردتَ أن تتوضَّأ أو فرغت من الوضوء قلت ما جاء في ذلك من الذِّكر، وإذا لبست ثوبًا جديدًا قلت ما جاء من ذِكرٍ في ذلك.
وهكذا في كلِّ أمورك تحرص على المحافظة على الأذكار، ولا تضيِّع الفرصة في ذلك؛ فإنك إذا فعلت ذلك كنت من الذاكرين لله تعالى.
المحافظة على الأذكار التي ورد فضلها

هنالك جملة من الأذكار جاء الدليل بفضلها .. والثواب الجزيل على فعلها. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :«كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» (رواه البخاري )
تلك بعض العلامات التي تُدرَك على طريق الذاكرين، فحاول أن تأخذ بنصيبك في ذلك، واعزم عزم الصادقين، واستعن بربك تبارك وتعالى فاسأله التوفيق والإعانة على سلوك طريق الذاكرين، وأن يجعلك من الذاكرين له كثيرًا، فإن وُفقت إلى ذلك فأنت على خيرٍ عظيم!!
المصدر : كتاب غيث القلوب ذكر الله تعالى - المؤلف أزهري أحمد محمود
منقول








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #300  
قديم 24-04-2022, 01:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

مهمات في الاعتكاف


عبد الله بن صالح القصير



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإن الاعتكاف: هو لزوم مسجدٍ ليلةً أو يومًا فأكثر، قطعًا للعلائق عن الخلائق لله اشتغالًا بعبادة الخالق، فهو لزوم المسجد للعبادة.

♦ وهو مشروع في كل وقت؛ لما ثبت أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: «فأوفِ بنذرك فاعتكف عمر ليلة» (أخرجه البخاري)، وأخرج الطبراني بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله تعالى، جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين».

♦ والاعتكاف في رمضان أفضل، وهو الذي لازمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله؛ كما في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام...الخ»، وأفضله العشر الأواخر من رمضان، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأكيده صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة المتواترة.

♦ والسنة أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع حتى لا يخرج المعتكف من المسجد الذي اعتكف فيه، وأن يكون حال الاعتكاف صائمًا في النهار، وأن لا يخرج إلا لما لابد منه من حاجة الإنسان اليومية، إما لأكل أو لقضاء حاجة، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «السنة في المعتكِف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لابد منها، ولا يعود مريضًا ولا يمس امرأته، ولا اعتكاف إلا في المسجد جماعة، والسنة فيمن يعتكف أن يصوم»، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن عائشة، وروي معناه عن ابن عباس وابن عمر.

♦ وللمعتكِف أن يضع له فراشًا في المسجد ينام عليه وقت النوم حال اعتكافه؛ لما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف طُرح له فراش أو يوضع له سرير وراء أسطوانة التوبة.

♦ وبكل حال فالمقصود من الاعتكاف مزيد من الاجتهاد في العبادة من صلاة وتلاوة قرآن ودعاء وذكر، فينبغي للمعتكف أن يشتغل بما انقطع له من العبادة، وأن لا يجعل معتكفه منتدى للأصحاب والسُّمار، فإن ذلك خلاف السنة وخلاف مقصود الاعتكاف.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 191.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 185.94 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]