|
|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نشأة الواقعية
نشأة الواقعية قحطان بيرقدار تمهيد: نشأت الواقعيّة الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كرَدِّ فِعْلٍ على الرومانسية التي أفرطت في الخيال والأوهام والأحلام والانطواء على الذات والهروب من الواقع الاجتماعي والانزواء في الأبراج العاجية، وانصرفت عن معالجة شجون الإنسان جرَّاء صراعه اليومي في مجتمعه الصاخب، فجاءت الواقعية احتجاجاً على الرومانسية من الناحية الموضوعية، في حين جاءت كُلٌّ من البرناسية والرمزية رداً عليها من الوجهة الشكلية والجمالية. ومما دعا إلى نشوء الواقعية التقدم العلميّ والإنجازات العلمية الهائلة لا سيما في البيولوجيا وعلم الطبيعة والوراثة، وفي الدراسات الإنسانية والاجتماعية والفلسفية، إضافة إلى تزايد الاهتمام بالطبقات الاجتماعية المختلفة بما فيها الوسطى والفقيرة والمهملة، وعدم الاقتصار على النبلاء والبورجوازيين، وبهذا فإن الواقعية اتجاه نحو الإنسان بشكله المشخص لا الكلي، يعتمد على صدق تصوير الواقع الفردي والاجتماعي وتمثيله. نشأة الواقعيّة: بدأت معالم الواقعية بالظهور منذ عام 1826م إبّان الفترة الرومانسية، ولم يكن اصطلاح (الواقعية) قد ظهر بعد، ولم تبرز الواقعية مدرسةً واضحةَ السِّمات إلاَّ بعد مُنتصَف القرن التاسع عشر. وحين انتشر اصطلاح (الواقعية) كان يقصد به المذهب الذي يستمد عناصره من الطبيعة مباشرةً، لا من النماذج الكلاسيكية، وكانت تتجلَّى فيهِ التفصيلاتُ المستمدة من البيئة المحلية التي تشعر القارئ بالانطلاق من الواقع وبصدق التصوير. وكثيراً ما وضع النقاد تحت عنوان الواقعية ذلك الأدب الذي صدر عن كتّابٍ رومانسيين مثل (بَلزاك) و(هوغو)، ولكنهم لاحظوا ظهور مذهب جديد في الأدب قوامه تصوير العالم الحقيقي تصويراً أميناً، ووصف الحياة المعاصرة بطريقة الملاحظة والتحليل والعرض الموضوعي، بعيداً عن الذاتية والانفعال الخاص، وشيئاً فشيئاً تبلور هذا المذهب وأصبح له أعلامه مثل: (بلزاك، وستندال، وفلوبير، وميريميه، ودوماس الصغير، وغيرهم). هؤلاء الذين شَكَّلُوا مدرسة ذات معالم جديدة دون أن يُعترفَ بها في عالم الأدب والنقد، ودون أن يَعُوها هم أنفسهم، وكان لهذا الاتجاه خصومٌ رفضوا الاعتراف به وأخذوا عليه الإفراط في التفصيلات الماديّة وإهمال المثاليات واختفاء شخصية الكاتب، وقد برز هذا الصراع واضحاً بعد ظهور قصة (أسرار باريس) عام 1843م، للفرنسي (أوجين سو) وهي مأخوذة من الواقع الشعبيّ مصورة آلام الطبقة الفقيرة ومخاطر البؤس، والمكائد التي تحصد الناس وتحرمهم من الرعاية والحماية، وقد نزل فيها الكاتب إلى صفوف الأشقياء والفقراء والمساجين، فرأى بعضهم في هذه القصة مجموعةَ ألاعيب بهلوانية لا غاية لها سوى الإبهار، خاليةً من التحليل والحل الجذري، وفي المقابل رأى فيها آخرون تبشيراً بقيام عالم جديد. وفي ألمانيا كانت الأفكار الاشتراكية الخيالية قد انتشرت بين الشعراء الذين لم يجدوا حلاً للبؤس والفقر سوى في العطف والإحسان، وقد نادى الشاعر (ألفرد مايسنر) بالسلام بين الأمم وتحويل السيوف إلى محاريث، ولكن كيف يتم ذلك؟ لا أحد يملك جواباً. لهذا سَخِرَ كُتَّابُ الواقعية من تلك الاشتراكية، ثم جاءت ثورة عام 1848م لتعصف بها وبأفكارها وأحلامها ممهّدة الطريق للأفكار الاشتراكية التي تبنت الواقعيّة وأكَّدَتْ على منهج بلزاك. وفي إنكلترا، في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، نجحت جهود الروائيين الكبار مثل (ديكنز، وثاكري، وبرونتي) في تعرية البورجوازية والرأسمالية والروح العسكرية الاستعمارية ومادية العصر والقيم الزائفة، وفضحوا أكاذيب السلطة والطبقات العليا فيما تصدره من قوانين. وفي إيرلندا ظهر الكاتب (توماس كارلايل) صاحب كتاب (الماضي والمستقبل) الصادر عام 1843م، والذي حكم فيه على المجتمع البورجوازي بالانحلال، وانتقد تكدّس الثروات وبذخ الأغنياء بينما يموت الناس من الفقر والبطالة، وعرض عيوب النظام الرأسمالي الجشع وتناقضاته والآفات الاجتماعية والأخلاقية، ولكنه أخطأ أيما خطأ حين مجدَّ البورجوازيّ القوي ودعا العمال إلى الانصياع لأوامره، وطالب باستعمار الشعوب الضعيفة وتسخيرها والتمييز بين العروق الممتازة والعروق المنحطة، وكرّس التفاوت الطبقي... ولم تتبلور المدرسة الواقعية الحقيقية في الأدب الإنكليزي والأمريكي إلاّ في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. أما في روسيا فقد بَشَّرَ (غوغول) بالواقعية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم جاء (دوستويفسكي) ليؤكد هذا الاتجاه، وكانت الواقعية الروسيّة أكثر توغلاً في النفس الإنسانية، وقد ألحّ (تولستوي) على عنصري الحقيقة والصّدق دون أن يذكر مصطلح الواقعية قَطّ.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |