حرَّمها الشرع وتصل بأصحابها للانتحار- المراهنات الإلكترونية

[ابوالوليد المسلم]

حرَّمها الشرع وتصل بأصحابها للانتحار- المراهنات الإلكترونية – خطر جديد يهدد المجتمع

من الظواهر الخطيرة التي انتشرت سريعًا بين الشباب على الشبكة العنكبوتية ألعاب المراهنات، ولا نبالغ عندما نقول: إن هذه المراهنات من أخطر الألعاب الإلكترونية الموجودة حاليًا، ليس فقط لأنها تسبب الإدمان أكثر من المواد المخدرة، إنما نتيجة الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الشباب داخل اللعبة وخارجها؛ نتيجة مقامرته بمبالغ مالية ضخمة، وإغراقه في دوامة من المشكلات، يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى القتل أو الانتحار، وهنا يصدق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ»، فقد تحقق حديث رسول الله في أحدث التطبيقات الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي.

• انتشرت المراهنات الإلكترونية بين الشباب ولا سيما على نتائج مباريات كرة القدم بحثًا عن الثراء السريع فأصبحت من أحدث وسائل النصب والاحتيال في عالم الجريمة
• رفع عدد من المحامين دعاوى قضائية للمطالبة بحجب مواقع المراهنات نظرًا لخطورتها وتأثيرها على زيادة معدلات الجرائم بطريقة غير مسبوقة بين الشباب
• لم يقتصر الأمر في تلك المنصات على المراهنة في الألعاب الرياضية فحسب وإنما وصل إلى المراهنات والمقامرة على الأحداث السياسية والانتخابات حول العالم في مختلف الدول
• يقدر حجم سوق المراهنات الرياضية عبر الإنترنت عام 2024 بـ 48.17 مليار دولار أمريكي وتشير التوقعات إلى وصوله إلى 83.58 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029
• الشيخ ابن باز: مثل هذه المراهنات تعد من جملة الميسر والقمار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا سبَقَ إلا في نَصلٍ أو خفٍّ أو حافرٍ» والسبَق هو العوض
• اللجنة الدائمة للإفتاء: لا يجوز المراهنة بالمال إلا فيما استثناه الشرع وهو: السباق على الخيل أو الإبل أو الرماية وما عدا ذلك من أنواع المراهنات لا يجوز أخذ المال فيه
• حذرت أبحاث من خطورة المراهنات الرياضية وما يمكن أن تسببه من أزمات قانونية ومالية وأسرية وعقلية وجسدية شديدة قد تصل إلى الانتحار
• تعد هذه الظاهرة دخيلة على عادات أهل الكويت وتقاليدهم وتمسكهم بقيم الإسلام وتعاليمه وتعد انعكاسًا لمساوئ التكنولوجيا على الشبابأظهرت الأبحاث أن 45% من المراهنات الرياضية تتم عبر الإنترنت وكشف تقرير أوروبي حديث عن أن 57% من الرياضيين المحترفين شاركوا في المراهنات الرياضية عام 2017 بينما قام 75% من الطلاب بالمقامرة وفقًا لبيانات عام 2018

1- المراهنات الإلكترونية

تتشابه قواعد المراهنات والقمار الإلكتروني تمامًا مع القمار العادي الذي يمارسه مرتادو صالات اللعب بالفنادق الكبرى، وتتشابه مسميات الألعاب مثل، (البوكر والروليت والبلاك جاك والكينو)، وبإدارة محرك البحث (غوغل)، ستتدفق العشرات من المواقع الإلكترونية المتخصّصة في المراهنات والقمار، وتعرض خدماتها بأشكال ورسومات (غرافيكية) جذابة.

فخ الاحتيال لمنصة المراهنات

وكثرت وقائع ألعاب المراهنات مؤخرًا؛ حيث بدأ العديد من اللاعبين بالحديث على منصات (السوشيال ميديا) عما تعرضوا له على منصة المراهنات الرياضية الإلكترونية، بعد أن سقطوا ضحية في فخ الاحتيال لمنصة مراهنة على الإنترنت تدعي (وان إكس بت 1xBet)، وبسبب الخسائر الفادحة التي يتلقاها الشباب يومًا بعد يوم من ألعاب المراهنات، فقد قام عدد من المحامين برفع دعاوى قضائية للمطالبة بحجب تلك المواقع وإغلاقها؛ نظرًا لخطورة ألعاب المراهنات، ولما لها من تأثير شديد على معدلات الجرائم بطريقة غير مسبوقة بين الشباب، ولما تسببه من أضرار وأمراض نفسية وعصبية، ولما تشكله من تهديد للأسر، ولمخالفة كل ذلك للشريعة الإسلامية.

منصات متعددة للمقامرة الإلكترونية

ولم يقتصر الأمر في تلك المنصات على المراهنة في الألعاب الرياضية فحسب، وإنما وصل هذا الأمر إلى المراهنات والمقامرة على الأحداث السياسية والانتخابات حول العالم في مختلف الدول، فبتصفح موقع «1xBet» نجد قسما خاصا للمراهنات السياسية لتختار من بين الدول من تراهن على أحداثها هل كندا؟ أم أمريكا؟ أم أستراليا؟ أم تريد أن تراهن على الاتحاد الأوروبي؟ ويكتظ الموقع بعدد لا نهائي من المراهنات حتى يغرق الشخص في دوامة لا تنتهي، تقوده فيها شهوة القمار المحرمة ولذة المال إلى الدمار.

أحدث وسائل النصب والاحتيال

وقد انتشرت المراهنات الإلكترونية بين الشباب، ولا سيما على نتائج مباريات كرة القدم، بحثًا عن الثراء السريع؛ إذ أصبحت أحدث وسائل النصب والاحتيال في عالم الجريمة، ويعتمد عليها العديد من شركات الرهان في تحقيق المكاسب المالية السريعة، فالمشاركون يدفعون أموالًا ويتوقعون نتائج المباريات؛ ليحصل صاحب التوقع الصحيح على الكثير من الأموال التي تشمل ما دفعه وما دفعه غيره، كما أن معظم الألعاب القائمة على الرهان تعد أداة يستخدمها المحتالون في اصطياد فرائسهم من خلال التكنولوجيا الحديثة.

إحصائيات مفزعة

يقدر حجم سوق المراهنات الرياضية عبر الإنترنت عام 2024 بـ 48 مليار دولار أمريكي، وتشير التوقعات إلى وصوله إلى 84 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.65% خلال الفترة المتوقعة (2024-2029). ونشر معهد (كيندبريدج للأبحاث) في الولايات المتحدة الأمريكية، المتخصص في علاج إدمان القمار، بَحْثًا عن خطورة المراهنات؛ إذ خلص إلى نتائج أهمها أن معدل مشكلات المقامرة بين المراهنين في كرة القدم ضعفا ما يعاني منه المقامرون الآخرون؛ بسبب أن المقامرة عبر الإنترنت متاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتوفر المزيد من الراحة والخصوصية.

خطورة المراهنات الرياضية

وحذر البحث من خطورة المراهنات الرياضية، وما يمكن أن تسببه من أزمات قانونية ومالية وأسرية وعقلية وجسدية شديدة، التي غالبًا ما تزداد سوءًا مع مرور الوقت، وقد تصل إلى الانتحار، كما أظهر البحث أن 45% من المراهنات الرياضية تتم عبر الإنترنت، ووصل الأمر للرياضيين المحترفين؛ إذ كشف تقرير أوروبي حديث عن أن 57% من الرياضيين المحترفين شاركوا في المراهنات الرياضية عام 2017، بينما قام 75% من الطلاب بالمقامرة، وفقًا لبيانات عام 2018.

2- الظاهرة في الكويت

مثلها مثل باقي المجتمعات لم تسلم الكويت من انتشار كازينوهات لعب القمار والمراهنات الإلكترونية، في المقاهي والديوانيات وعدد من الأماكن؛ حيث تجد أشخاصًا من مختلف الفئات العمرية يمارسون اللعبة عن طريق التلفونات والأجهزة الذكية، مقابل مبالغ مالية؛ حيث ترسل الأرباح إلى حساباتهم إلكترونيًا، فيما تعد هذه الظاهرة دخيلة على عادات أهل الكويت وتقاليدهم وتمسكهم بقيم الإسلام وتعاليمه، وفيما يعد انعكاسًا لمساوئ التكنولوجيا على الجميع ولا سيما الشباب.

المراهنات الإلكترونية في القانون الكويتي

يحظر القانون الكويتي (ألعاب الكازينو) تمامًا على المواطنين، ولا يجوز لأي مواطن الانخراط في هذه النوعية من الألعاب في صالات القمار، ولا يوجد في الأساس على أراضي الكويت أي صالات قمار حقيقية؛ نظرًا لأن الدولة لا تقدم تراخيص لإقامة كازينوهات أرضية على أراضيها. لكن في المقابل وبرغم هذا الحظر، فإن ألعاب الكازينو تحظى بشعبية كبيرة بين عدد هائل من المواطنين في الكويت خصوصا؛ حيث يذهب هؤلاء إلى اللعب عبر عدد من المواقع الإلكترونية، وهذه الكازينوهات تعمل على أجهزة الهاتف المحمول، ويمكن الوصول إليها سريا وفي أي وقت وأي مكان، وتضم مواقع الكازينو على الإنترنت فئات الألعاب المفضلة لدى الشباب.

تراخيص من هيئات خارجية

وتعمل هذه الكازينوهات بموجب تراخيص من هيئات خارجية، ولا تخضع لرقابة القانون، وتراقب هذه الهيئات الخارجية طريقة عمل مواقع كازينو الإنترنت ومستوى الأمان والخصوصية الذي تقدمه لمستخدميها، ومع الأسف لا تنص القوانين على توقيع عقوبة على اللاعبين في كازينو أون لاين في الكويت، ومع ذلك، تضع الحكومة الكويتية حظرا أو حجبا على بعض مواقع الكازينو على الإنترنت، معنى هذا أنه لا يمكن للمستخدمين الولوج لهذه المواقع ولوجا طبيعيا، هنا، يتوجه بعض المستخدمين إلى استخدام برامج الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) التي تتيح لهم تخطي الحجب الموضوع على مواقع الإنترنت، تعمل هذه البرامج أيضًا على توفير طبقة حماية إضافية، وتعطي المستخدم عنوان فريد (IP) وهمي؛ بحيث لا يمكن تتبع الموقع الجغرافي لهم على الإطلاق.

3- الموقف الشرعي

المراهنات بأنواعها كافة، تعد من المَيْسر الذي نهي عنه الشرع في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)، فهذه المراهنات ليست من باب المسابقة الجائزة، بل محرَّمة شرعًا، وتؤدي إلى الشحناء والبغضاء، بل وإلى الانتحار والقتل أحيانًا، وهذا ما كان يفعله القمار قديمًا، وما يفعله حديثًا بأصحابه؛ لذلك علق الشارع الفلاح على اجتنابه، جاء (التفسير المُيَسَّر) في تفسير معنى «المَيْسر» المذكور في الآيتين السابقتين: «المَيْسر»: هو القمار، وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عوض من الجانبين، وصدٌّ عن ذكر الله، إنما يريد الشيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء؛ بسبب شرب الخمر ولعب المَيْسر، ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر، والاشتغال باللهو في لعب المَيْسر، فانتهوا عن ذلك».

الموسوعة الفقهية الكويتية

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية(23/ 171): «يأتي الرهان على معان منها: المخاطرة: جاء في لسان العرب: الرهان والمراهنة: المخاطرة، يقال: راهنه في كذا، وهم يتراهنون، وأرهنوا بينهم خطرا، وصورة هذا المعنى من معاني الرهان: أن يتراهن شخصان، أو حزبان، على شيء يمكن حصوله، كما يمكن عدم حصوله من دونه، كأن يقولا مثلا: إن لم تمطر السماء غدا، فلك علي كذا من المال، وإلا فلي عليك مثله من المال، والرهان بهذا المعنى حرام باتفاق الفقهاء بين الملتزمين بأحكام الإسلام من المسلمين والذميين؛ لأن كلا منهم متردد بين أن يغنم أو يغرم، وهو صورة القمار المحرم» انتهى.

4- فتاوى العلماء

جاء في «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» (15/ 239): عن حكم المراهنة، بأنه لا يجوز المراهنة بالمال إلا فيما استثناه الشارع، وهو: السباق على الخيل أو الإبل أو الرماية، وما عدا ذلك من أنواع المراهنات لا يجوز أخذ المال فيه؛ لأنه من أكل المال بالباطل، ومن الميسر الذي حرمه الله ورسوله.

هل الرهان حلال أم حرام؟

• سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «بعض الناس يراهن فيقول: إذا كان كذا سأعطيك ما قيمته كذا وكذا، والعكس، وهذا يسمونه الرهان، هل هو حلال أم حرام؟
• هذا ليس بحلال، بل هو محرم، هذه مراهنة من باب القمار والميسر، الذي قال الله فيه -سبحانه-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، والميسر هو القمار، مثل: إن كان كذا فكذا، وإن كان كذا فكذا، وإن كان فلان جاء فلك كذا، وإن كان ما جاء فعليك كذا، أو: إن كان الذي معك حجر أو ذهب، على حسب ما يختلفان فيه، المقصود أن مثل هذه المراهنات تعد من جملة الميسر والقمار، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا سبَقَ إلا في نَصلٍ أو خفٍّ أو حافرٍ»، والسبَق هو العوض، يعني: لا عوض إلا في نصلٍ، أو خف أو حافر، يعني: في الرمي وفي مسابقات الخيل، أو المسابقة بالإبل. فتاوى نور على الدرب» (19/ 300).

فتاوى الأزهر

جاء في فتاوى الأزهر: القمار حرام بقوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، ‏إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}‏ (المائدة ‏90، ‏91)، فقد قال ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاووس ومجاهد: الميسر القمار، فكل ما كان قمارا فهو ميسر محرم بالآية الكريمة، إلا ما رخص فيه بدليل آخر ومحرم أيضا بقوله -تعالى-: {ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}‏ (النساء: ‏29-‏30)، وبقوله -تعالى-: {‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}‏ (البقرة ‏188)، وذلك لأن لأكل المال بالباطل وجهين:

• الأول: أخذ المال بغير رضا صاحبه بل على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب ونحو ذلك.‏
• الثاني: أخذه برضا صاحبه من جهة محظورة نحو القمار والربا، وقد أجمع المسلمون على حرمة القمار.هذا ولا نعلم خلافا في أن ما كان على سبيل المخاطرة بين شخصين؛ بحيث يغنم كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار.‏

تعليق المال على الخطر هو من القمار

وذهب الحنفية إلى أن كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار؛ أخذا مما روي أن رجلا قال لرجل: إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا، فارتفعا إلى على - رضي الله عنه - فقال هذا قمار ولم يجزه، ومن أجل ذلك أبطل الحنفية عقود التمليكات المعلقة على الأخطار من الهبات والصدقات وعقود البياعات، فإذا قال وهبتك هذا المال إذا خرج عمرو كانت هذه الهبة باطلة غير مفيدة للملك ولو قبضه.

سبب تحريم الشارع للميسر

حرم الشرع الميسر المشتمل لأنواع الرهان الموجودة الآن؛ لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي نشاهدها كل يوم، فقد أفضى إلى ضياع أموال كثيرة من المتراهنين وخراب بيوت لأسر كريمة، كما حمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس بل والانتحار أيضا؛ فالمطلع على ذلك وغيره مما أدى ويؤدى إليه القمار يزداد إيمانا بأن من رحمة اللّه وفضله وباهر حكمته، أن حرمه على عباده كما حرم عليهم كثيرا من الأشياء؛ لما يترتب عليها من المفاسد والمضار.

5- اللجنة العلمية بالتراث

قال رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: د. محمد الحمود النجدي عن حكم المراهنات الرياضية التي يراد منها: توقعات جماعة من الناس للفائز في مباراة، أو سباق معين: هذه المراهنات حرام، سواء كانت على مال أم جائزة، أم كانت مجاناً؛ لما يلي:

• إنّها رجم بالظنّ الكاذب، فما يُدريه أن النتيجة ستكون بهذا الذي توقعه؟
• وأيضاً: فإنّ طريقة القمار غير جائزة ولو لمُجرد اللَعب واللهو؛ لما فيه من اتخاذ آيات الله هزؤًا، وعدم تعظيم حرماته، والاستهانة بها، وفعل ما حرمه الله ولو للتسلية واللعب ينافي تعظيم حرمته، وقد قال -تعالى-: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (الحج:30.
• إنها إنْ كانت على مال ٍأو جائزة تؤخذ من الخاسر، فهي قمار مُحرم، وإن كانت تؤخذ من طرف ثالث، فهي عوض فيما لا يحلّ فيه أخذ العوض، وإنما جاءت الإباحة بأخذ العوض أو الجائزة في سباق الخيل والإبل والسهام، وما يلحق بذلك كمسابقات القرآن والحديث والفقه، ونحوها مما يعين على إقامة الدين ونشره؛ لما روى أبو داود (2574)، والترمذي (1700) وحسنه، وابن ماجة (2878) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ». وصححه الألباني في (صحيح أبي داود) وغيره، والسبَق: ما يُجعل للسابق على سبقه من جُعل أو جائزة، وقال ابن الأثير في (النهاية) (2/844): «ما يُجْعل من المَال رَهْنا على المُساَبَقة» انتهى.

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ لَا يَحِلّ أَخْذ الْمَال بِالْمُسَابَقَةِ إِلَّا فِي هَذَيْنَ، وهُمَا الْإِبِل والخَيْل، وأُلْحِقَ بِهِمَا ما فِي مَعْنَاهَا مِنْ آلَات الحَرْب؛ لِأَنَّ فِي الجُعْل عَلَيْهَا تَرْغِيبًا فِي الْجِهَاد وَتَحْرِيضًا عَلَيْهِ». (حاشية السندي على سنن ابن ماجة) (2 /206)، وقال ابن القيم -رحمه الله في كتابه (الفروسية ص 318)-: «المسألة الحادية عشرة: المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه، وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل، هل تجوز بعوض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة، وشيخنا، وحكاه ابن عبدالبر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصِديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به، وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد؛ فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح».


اعداد: وائل رمضان