|
|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
العلم أم البحث عن العمل؟
العلم أم البحث عن العمل؟ أ. عائشة الحكمي السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لعلَّ في هذا الزمان الصعب الذي لا يُمِدك بالاستقرار المعيشيِّ إلَّا على زادٍ ماديٍّ، وجُهدٍ فكريٍّ كبير في تحصيل هذه المادة، ويبقى صاحبُ العلم في زُهدٍ دائمًا حتى لا يكاد يَملِك شيئًا؛ لأنه أدرَك أن رزْقه ذلك العلم، وأن العلم خيرٌ كثير، ولكن المشكلة التي تواجِهه أنه إذا استمرَّ في البحث عن العلم قبل العمل ضاعتْ منه طاقات عزم وإرادة في البحث العلميِّ، ويصعُب استدراكها، وللعلم فإن الفكر الذي شغلته مبادئ الإصلاح، وأغوال الدراسات العلمية، يجب أن يَقضي لها الوقت كله، كي تكون خيرَ سندٍ - إن شاء الله- ولا يُهِمه إن كان فقيرًا أو غنيًّا. ومن ثَمَّ يأتي السؤالُ الذي أريد جوابه من سيادتكم: هل الواجب علينا البقاء في العلم الوقت كله؟ أو أن نسعى أولًا للبحث عن العمل، ثم العمل ثم العلم؟! الجواب بسم الله الموفِّق للصواب وهو المستعان أيها الأخ الفاضل، لا تُجنَى الثمرةُ بغير غرْس الشجر، والعلمُ شجرة، والعملُ ثمرتُه، فمِن أجْل هذا قُدِّم العلمُ على العمَل، قال يحيى بن معاذ: العلمُ قبل العمَل، والعقلُ قائدُ الخير، والهوى مركبُ المعاصي، والمال داء المتكبِّر"؛ ["الإمتاع والمؤانَسة"، للتوحيدي،] وفي "البصائر والذخائر" يقول أبو حيان: "ومَن عرف المتبوع من التابع، حطَّ التابع عن درجة المتبوع، والعلم هو المتبوع، والعمل هو التابع، وبالعلم يصِحُّ العمل، ولا يصلُح العلم إلا بالعمل، وقليل العمل مع كثير العلم يَسدُّ خللًا ظاهرًا، ويرقِّع فتْقًا مُنكَرًا". وعلى أنَّ العلم مقدَّم على كلِّ مقدَّم، إلا أنه ليس من العقل في شيء أن يفني المرءُ عمره في طلب العِلم، ومواصلة الدراسات العُليا، تاركًا العمل والبحث عن وظيفة، والاحتراف بالحِرف والصناعات، "قال داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يَلقى الحرب، أليس يجمع آلته؟! فإذا أفنى عمره في جمع الآلة، فمتى يُحارِب؟! إنَّ العلم آلة العمل، وإذا أفنى عمره في جمْعه، فمتى يعمل؟! كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكِراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصُد بالنهار، ويصلِّي بالليل"؛ ["ربيع الأبرار"؛ للزمَخْشَري]، وفي المقابل ليس من العقل في شيء أن يفنيَ المرء عمره في العمل والاحتراف، تاركًا طلب العلم والزيادة فيه، بل لا بُدَّ مِن تحقيق التوازُن بين العلم والعمل مِن بعد أن يتعلَّم أولًا ويُنهي تعليمه الجامعي ثم يشتغِل ويطبِّق بعض ما تعلَّمه، وهو أمْر تُتيحه بعضُ الوظائف الحكومية؛ حيث تمنَح العامل في الدائرة فرصةً لاستكمال تعليمه العالي "الماجستير أو الدكتوراه" بشكلٍ متزامِن مع العمل نفسه، بدون أن يعارِضه أو يعطِّل عمله، فإن لم يتوفَّر ذلك كان في المستطاع استقطاع إجازة لمواصَلة الدراسات العليا، بما يُسهِم في الرُّقي الوظيفيِّ، والزيادة المعرفية والمادية، فكلما علا المرءُ درجةً علمية، ازداد دخلُه المادِّيُّ، وارتفعتْ مكانتُه الاجتماعيَّةُ. وقد استحبَّ العلماءُ لطالب العلم أن يشتغِل في طلب العلم ما دام شابًّا، قال ابن عباس: "ما آتى الله عبده عِلمًا إلا شابًّا، والخير كله في الشباب"، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]، وقوله - عز وجل -: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]؛ ["التذكرة الحمدونية"؛ لابن حمدون]، كما استحبُّوا لطالب العلم أن يشتغِلَ في طلب العلم عَزَبًا، وهذه المسألةُ أفرَد لها الحافظُ البغدادي بضع صفحات في كتابه: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، فلترجِع إليه لمزيد فائدة، غير أنه لا يصحُّ التعذر بالعمل والزواج والكِبر لعدم الزيادة في طلب العلم، فلو أنها كانتْ أعذارًا مقبولة لما حضَّ اللهُ - سبحانه وتعالى - نبيه الحبيب محمدًا - صلى الله عليه وسلم – من بعد أن تزوَّج وأسنَّ على طلب المزيد من العلم؛ فقال - عز من قائل سبحانه -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليمُ الخبير
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |