{عليكم أنفسكم} خطبة عيد الفطر 1443 هـ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-05-2022, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي {عليكم أنفسكم} خطبة عيد الفطر 1443 هـ

{عليكم أنفسكم} خطبة عيد الفطر 1443 هـ
الشيخ عبدالله محمد الطوالة



الحَمْدُ للهِ رفيعِ الدرجاتِ، فاطرِ الأَرْضِ والسماواتِ، عالمِ السِّرِ والخفِياتِ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، باسِطُ الخيراتِ، واسِعُ الرحماتِ، مُجِيبُ الدعواتِ، أهلُ التقوى والمغفرةِ، وأهلُ المكرُماتِ، ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [الحديد: 9].

وأشهدُ أن محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، القمرُ جبينُهُ، والبحرُ يمينُهُ، والحنيـفيــةُ دينهُ، والقرآنُ تبيينه، والحــقُّ جـــلَّ وعـــلا ناصِـــرُهُ ومُعينُـــهُ، صلى الله وسلم وبارك عليهِ، وعلى آله النجوم الزاهرات، وصحابتهِ الكرام أولي السبقِ والمقاماتِ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، ما دامت الأرضُ والسماوات، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا، اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله.. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمونَ وأطيعوه، وعظِموهُ في هذا اليوم المباركِ وكبِّروه، واحمدوهُ على ما هداكم واذكروه، واشكروهُ على ما أعانكم عليه من الطاعات ومجِّدوه، واعلموا أن من بادرَ الأعمالَ استدركَها، ومن جاهَدَ نفسَهُ مَلكَها، ومن سارَ على الطريق سَلكها، ومن طلبَ التقوى بصدقٍ أدرَكها، ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].

اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله.. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

معاشر المؤمنين الكرام، أدَّيتم فرضَكُم، وصُمتم للهِ شهركُم، وها أنتُم اجتمعتم لتصلُّوا صلاةَ عِيدكم، ولتكبِّروا الله على ما هداكم ويسَّرَ لكم، فأسعدَ اللهُ أيامكم، وباركَ أعيادكم، وأدامَ أفراحكم، وتقبلَ اللهُ منَّا ومنكم، وبُشراكم بإذن اللهِ فوزًا عظيمًا، وأجرًا جزيلًا، فربُّكم مُحسنٌ كريم، لا يُضيعُ أجرَ مَن أحسنَ عملًا، وقد جاء في الحديث الصحيح: للصائم فرحتانِ: فرحةٌ عندَ فِطره، وفرحةٌ بلقاء ربه، فافرَحوا بِعِيدِكم واسعَدوا، وأَدْخِلُوا البهجةَ عَلَى ذويكم واهنؤوا، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58].

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا..

معاشرَ المؤمنينَ الكرام، يقالُ في الأمثال الدَّارجةِ: كثرةُ الإمساسِ تُذهِبُ بالإحساس، فتعالَوا لنتأمَّلَ منظرًا تعوَّدنا عليه وألفناهُ كثيرًا، إلا أنَّ فيه دَرسًا حكيمًا، وعِبرةً بليغةً، إنه مشهدُ الاستواءِ للصلاة يا عباد الله، كما فعلنا قبلَ قليل، فهَذَا الأمرُ على بساطته، إلا أنَّ فيهِ تدريبًا على الانضِباطِ، وتعوُّدًا عَلَى النِّظَامِ، وتَربِيَةً عَلَى التَّواضُعِ والمسَاواةِ، وَالأَعجَبُ مِن هَذَا أنَّ فيهِ سُرعَةَ انتِظَامٍ عَجيبةٍ، ففي غُضون ثوانٍ معدودةٍ، يتغيرُ واقِعُ الحالِ تغيُّرًا إيجابيًّا رائعًا وسريعًا، ودُونَ الحَاجَةِ إِلى توجيهاتٍ كثيرةٍ أو مُتابعةٍ مُتكررة..

إنهُ دليلٌ قوي ومُتجدد على أنَّ المُسلِمِينَ أفرادًا وجماعات بإمكانهم أن يُصلِحوا أوضاعهم وينضبِطوا، وأن يُغيِّروا حالهم في زمنٍ قياسيٍّ حتى يكونوا في أحسنِ هيئةٍ، وأفضلِ حال.

ولعلَّ سائلًا يقول: مَا سرُّ هذا التَّغيرِ الرائعِ السَّريعِ، ولمَ لا نراهُ يحدثُ في أحوالٍ وأوضاعٍ أخرى؟

السِّرُّ يا عباد الله هو المبادرة، نعم يا رعاكم الله المبادرة، فعندما تُقامُ الصَّلاة، يُبادِرُ كُلُّ فَردٍ فيَبدَأُ بِنَفسِهِ، ويقومُ بما يلزمُهُ وما يجِبُ عليه، ولا ينظرُ إلى غيره إلا بعدَ أن يُنهيَ ما عليه، فَتَكُونُ النَّتِيجَةُ تغييرٌ إيجابي رائعٌ وسريع، وانضِباطٌ تام لجميعِ الصفوفِ خِلالَ لَحَظَاتٍ، حتى ولو كانَت أعدادُهم غفيرةً، كَمَا في الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ..

إذًا فحِينَمَا يَبدَأُ كُلُّ مُسلِمٍ بِنَفسِهِ، ويبادرُ فورًا دونَ أن ينتظرَ غيرهُ، فيَفعَلُ الصَّوَابَ؛ لأَنَّهُ صَوَابٌ، ويقومُ بمَا يَخُصُّهُ مِنَ الوَاجِبِ؛ لأنهُ واجِبٌ دُونَ أن ينظُرَ إلى غيره، أفعلَ ما يلزمُهُ أم لم يفعل، فَإِنَّ ذلك سُرعَانَ مَا يكونُ سببًا في صلِاحِ أحوالِ المجتمع، وانتظامِ شَأنِه، واستقامةِ أمرهِ، وَإِلاَّ فَتَصَوَّرُوا لَو أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ تَبَاطَأَ في قِيَامِه، وَتَلَكأ في مكانهِ انتِظارًا لغَيرِه، لو حدثَ مثلُ هذا لَطالَ الأمرُ، ولذَهَبَ الوَقتُ دونَ أن ينتظموا..

فالواجِبُ عَلَينا إذًا أَن نَأخُذَ مِن مبادرتنا لتسوية الصفوفِ دَرسًا مُفيدًا، فنجعَلَهُ مَنهَجًا ثابتًا لَنا في كلِّ إصلاحٍ أو تغييرٍ ننشُدهُ..

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

تأمَّلوا يا عباد الله هذا التوجيهَ القرآني الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105]، لتعلموا أنَّ على المُسلِمِ أن يتَوَجَّهَ إِلى نَفسِهِ أَوَّلًا فيَحَاسَبَهَا، ثمَّ يُبادِر، فيُلتزِمُ بتَنفِيذِ مَا يَعنِيهِ وما يتعيَّنُ عليهِ فِعلُه، دونَ أَن يَتَّخِذَ مِن تَقصِيرِ غيرهِ مُبررًا لعدمِ قيامِهِ بما يتعيَّنُ عليه، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]، والتي تكرَّرت في القرآن الكريمِ خمسَ مراتٍ..

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، من يتأمَّلُ ما يقالُ في كثيرٍ من المجَالِس، أَو مَا يُكتبُ في رسائل التَّوَاصُلِ، يرى تَنَاقُضًا واضِحًا بين القولِ والفعل، فبينما البعضُ بارعٌ في التَّشكي من سوء الأحوال، خبيرٌ في تشخيص أخطاءِ الآخرين، قوي في المطالبة بالتَّغيير والإصلاح، تراهُ عاجزًا عن أن يبدأ بإصلاح نفسهِ، سلبي في تغييرِ واقعهِ للأفضل، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3]، وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: "يُبْصِرُ أحدُكم القذَى في عينِ أخيهِ ويَنْسَى الْجِذْعَ في عينِهِ"، ولَما قيل للربيع بن الهيثمِ رحمهُ الله: ما نراكَ تعيبُ أحدًا من الناس، قال: لستُ راضيًا عن نفسي حتى أتفرغَ لذمِ غيري..

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

معاشرَ المؤمنينَ الكرام، لقد علَّمنا القرآن الكريمُ أن نبدأ الإصلاح بأنفسنا، فقال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّها سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَأْمُرُ مَن أدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، (أثرة يعني استئثارٌ وتفردٌ بالنعم والخيرات، وأمورٌ تنكرونها يعني تغيرٌ وفسادٌ للأحوال)، فما الحلُّ والتوجيهُ النبوي هنا؟

تأمَّل: أولًا تؤدي ما عليك من الواجبات على الوجه المطلوبِ، ولا تجعل فسادَ الحالِ مُبررًا للتَّقصير، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وتسألونَ اللهَ الذي لكم"، والمعنى أنكم إذا فعلتم ما يلزمُكم ثم دعوتم ربَّكم، فقريبٌ أن يستجيبَ لكم، وبالتالي فالطريقُ الأصح لإصلاح الأحوالِ هو أن نقومَ بواجباتنا على الوجه المطلوبِ أولًا، وليس معنى ذلك أن نتركَ الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكر، والسعيَ لإصلاح ونُصحِ الأخرين، ولكن لنبدأ أولًا بإصلاح عُيوبنا، وما يتعينُ علينا من الواجبات؛ كما قال ربنا جلَ وعلا: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]..

ومن حِكمة اللهِ البالِغةِ أنه جعلَ كُلَّ إنسانٍ مسؤولًا عن تغيير ما بنفسه، وما لم يقُم به هو، فلن يقومَ به أحدٌ غيرهُ، تأمَّل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].. وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9-10]..

فالخطوة الأولى للتغيير هي تغيير الأفكار والقناعات، وأن تؤمنَ بيقينٍ أنَّ الله قد وهبكَ من القُدرة ما يكفي وزيادة، لكي تُحقِقَ التَّغييرَ المنشود، لقد أكلَ رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم بشمالِه، فقال له الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "كُل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت، ما منعهُ إلا الكِبر"، قال: فما رفعها إلى فيه، والحديث في مُسلم.

ثم الخطوةُ الأهمُ هي المبادرة؛ كما جاء في الحديث القدسي الصحيح، قال اللهُ تعالى: (من تقربَ مني شِبرًا تقربتُ مِنهُ ذِراعًا، ومن تقربَ مني ذِراعًا تقربتُ منهُ باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة)، ولاحظ دائمًا أنَّ العبدَ هو الذي يُبادرُ أولًا، ثم يأتيهِ التَّوفيقَ والعونَ من اللهِ تعالى..

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

والخلاصةُ أيها الكرام أنَّ قول اللهِ تعالى: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ قاعدةٌ مُضطردةٌ في كل إصلاحٍ وتغيير، ففي الحديث الصحيح: "يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ"، وفي رواية: "وأحسِن إلى من أساء إليك".

﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ معناها: أن تكونَ مُبادِرًا في الخير والهدى، سبَّاقًا إلى البر والتَّقوى، وتأمَّل ما يقولهُ جلَّ علا: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10-12].

﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ يعني عليكم بعُلو الهمَّةِ، وسُمو الروح، فكل نفْسٍ ولها طموحٌ، فمَنْ يهوى الكرامةَ يَرْتَقِيها، ومَنْ يَهْوى الهَوَانَ والهوى، فقد هَوى، ومن كانت له نفسٌ تواقةٌ، طارت به نحو المعالي، وإذا كانَ للتَّمَيُّزِ درجات، فلا تَقْنَع بَمَنْزِلَةٍ وأَنتَ قادِرٌ على الأحسنِ منها، ففي الحديث القدسي: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ).

فابذل جهدك، وأحسِن الظَّنَّ بربك، واستعنْ بالله ولا تَعجِز، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

أقول ما تسمعون..

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده اللذين اصطفى، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]..

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله.. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا..

أيتها الأختُ المباركة، اتَّقيِ اللهَ وعلِّقي قلبَكِ به وحدهُ سُبحانه، وقوِّي ثِقتَكِ ويَقِينَكِ فيه، وأحسِني التَّوكلَ والاعتمادَ عليه، فما تعلَّقَ قلبُ مُسلمٍ بالله تعالى، إلا تمسَّكَ بدينه، وحافظَ على أوامِره، واجتنَبَ نواهِيه، وصبرَ على الأذى فيه..

وما تعلَّقَ قلبُ امرأةٍ بالله تعالى، إلا اشتدَّ حياؤُها، وصانتْ عفافَها، واستكملتْ حِجابها، وسترتْ جميعَ زينتِها، وجانبتِ السُّفُورَ والاختِلاطَ، ولو أُوذيتْ في ذلك وسُخِرَ منها، فإنَّ تعلُّقِها بالله تعالى يدفعُها للتَّضحِية في سبيله، والثَّباتَ على ما يُرضِيه، لِسانُ حالها:
فليتُكَ تحلو والحياةُ مَرِيرةٌ
وليتكَ ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامِرٌ
وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ


واعلمي أُخيَّتي الكريمة أنَّ المرأةَ المسلِمةَ المستمسِكةَ بدينها وحيائها وحجابها، تقِفُ اليومَ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغور الإسلام، فاللهَ، الله، أن يؤتي الإسلامُ من قِبلِك.

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد..

أيُّها الموفقونَ المباركونَ رجالًا ونساءً، إذا عُدتم بفضل اللهِ إلى بيوتكم، فعودوا بقلوبٍ صافية، ونفوسٍ طيبة، صِلوا مَن قطَعكم، وأعطوا مَن حرَمكم، وأحسِنوا إلى مَن أساءَ إليكم، فالعيدُ أعادكم الله مُناسبةٌ عظيمةٌ للتسامُحِ والتَّصَافي، والتَّآلُفِ والتَّآخي، فليكُن شعارنا من الآنَ تصافينا، وننسى ما جَرى مِنَّا، فلا كانَ وَلا صارَ، وَلا قُلتُم وَلا قُلنا، فَقد قيلَ لَنا عَنكُم كَمَا قيلَ لَكُم عَنَّا، نسامحُكم من الأعماق، وأنتم فاصفَحوا عنَّا، وهيَّا إخوتي هيَّا لنرجِع مثلما كُنَّا.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين، واجمَع كلمتهم جميعًا على الحقِّ والتقى والدين، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين..

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-182]..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.31 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]