خطبة عيد الفطر 1437 هـ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216094 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7830 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859624 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393964 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-04-2022, 02:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عيد الفطر 1437 هـ

خطبة عيد الفطر 1437 هـ
د. أحمد بن حمد البوعلي

الحمد لله الذي خلق الكون فنظمه، وسن الدين وشرعه، وخلق الإنسان وكرمه، الحمد لله الذي خلقنا فسوَّانا، ومَنَّ علينا فهدانا.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر كبيرًا.

عباد الله، فإن يومكم هذا يوم شريف فضَّله جل وعلا، وشرَّفه وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفرح به المؤمنون؛ لأن الله وفَّقهم لإكمال الصيام، وأعانهم على العبادة والقيام وتلاوة القرآن في شهر رمضان ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ))[1].

ففرحنا اليوم بما وفقنا الله من إكمال صيام الشهر، وغدًا نفرح الفرح الأكبر برضا الرحمن عندما ندخل من باب الريَّان الذي لا يدخله إلا الصائمون المؤمنون.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد؛ يقول الصيام: رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان))[2].

عباد الله، المؤمن الصادق لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الفردوس الأعلى من الجنة، المؤمن الصادق يجني من كل ثمرة خيرها؛ تجده في الذكر مع الذاكرين، وفي الصلاة من الساجدين، وفي الصيام من الصائمين، وفي جميع أنواع البر من المسارعين السابقين.

عبَّاد الله، يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))[3].

قطعها لأنها كانت تؤذي المسلمين، وصار يتقلَّب في الجنة.

وعجبي! كيف بمن يؤذي المسلمين والمسلمات وينتهك أعراضهم؟! كيف بمن يقتل مسلمًا متعمدًا؟! فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه، وأعدَّ له عذابًا عظيمًا.

ما حدث في المدينة المنورة على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم وفي محافظتي القطيف وجدة- شيءٌ مؤلمٌ، يحزُّ في الخاطر ويُبكي العين، ويُدمي القلب، فاعله داعشي خارجي ارتكب محرمًا مضاعفًا في أفضل شهر، إنه عمل شائن ينمُّ عن خلل في العقيدة والسلوك والفهم، لا أدري كيف يفكر هؤلاء الخوارج، لم تسلم منهم حتى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقرب من قبره ومكان نزول الوحي عليه.

هل يعقل في رمضان والناس صيام، وفي مسجد رسول الله قيام وتهجُّد وبكاء، وهؤلاء يخالفون نهجه وينتهكون حرمته بالتفجير، حسبنا الله ونعم الوكيل.

‏ألم يسمعوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا))[4] لا يقبل الله منهم فريضة، والتوبة مكفرة للذنب.

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انْمَاع، كما يَنْماعُ الملح في الماء))[5].

وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: ((ولا يُريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء))[6].

أين هم عن هذه الأحاديث الشريفة وفي شهر رمضان؟!
أيها الإخوة الكرام، إن بلادنا مستهدفة من أعداء الأُمَّة ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32] يريدون أن يفتُّوا من وحدتنا، ويخلخلوا من لحمتنا، ويُضعِفوا تماسكنا مع ولاة أمرنا؛ بل يريدون أن ينقضُّوا على ديننا وخيراتنا، وأنَّى لهم ذلك؟!

بلادنا تواجه حربًا صهيونية بأقنعة مستأجرة، بلادنا تواجه محنة صفويَّة بأشكال مختلفة، بلادنا تواجه مدًّا تغريبيًّا من بني جلدتنا وما جرى من الدواعش في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدنا يقينًا بأمرين:
1- حديث النبي عليه السلام: ((يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان))[7].

2- بفضل الله نزداد في كل محنة أُلْفةً وقوةً ولحمةً مع قيادتنا وعلمائنا وشعبنا؛ بل يزداد وعي المجتمع بوجوب محاربة هؤلاء.
نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يقبل الشهداء ويشفي المرضى.

أيها المسلمون، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال له: ((... وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضًا))[8].

إن الفتن الداخلية أشدُّ فتكًا وأعمُّ ضررًا؛ فهي تحملهم على أن يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا، وكون بعضهم يسبي بعضًا يدل وبكل وضوح على عُمْق الأزمة التي تعيشها الأمة؛ فهذا النص يدل على داءين كبيرين يعضان في جسد الأمة: داء التكفير بالباطل، وداء استحلال الدماء المعصومة.

وما ذلك إلا بأمرين: الغلو، وضعف الخشية أو غيابها.
فالغلو لا سقف له وهو يستقطب كل يوم في صفوفه طبقات جديدة؛ حيث يأوي إليه كل ضالّ مضلّ، ضيق العطن، قليل الفهم والإدراك، وما يعترضنا من داخلنا هذه الأيام ثلاث فئات يجمعها اسم جامع، خوارج العصر وهم الخوارج، وصفويُّون حاقدون، ومنافقون.

قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال»[9]. وهذا يعني استمرار الخوارج حتى خروج الدجال، والمشكلة في عصرنا الحاضر تكمن في اشتباه أمرهم لا في تقرير حكمهم، فالخوارج اليوم لا يرون أنهم خوارج بل يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة ويقررون عقيدتهم قولًا، لكنهم يخالفونها تطبيقًا وعملًا ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9].

وفي غمرة دخان هذه الحرب العالمية التي تشن على الأمة في أماكن عدة، كثيرًا ما يضرب بسلاح فتاك يؤثر في أبنائنا، وهو أكثر خطورة من السلاح المعروف، خطره كالرصاص، ذلك السلاح هو سلاح الكلمة، وهذا الصارم يطعن ويجرح ويقتل! وقد علم من الواقع أنَّ من الناس من يجرح بلسانه جروحًا لا تندمل مع الزمن، ومن الناس من يقتل بلسانه الكثير من البشر، ومن الناس من يرهب به أممًا!

لكنهم اليوم طوَّروا سلاحها على دأبهم في تطوير أسلحة الدمار الأخرى، فغدا إعلامهم الموجَّه المدروس قاتلًا للقيم محترفًا، فتَّاكًا بالعقول، مدمِّرًا للأخلاق.

مع أننا ندرك وجود شرذمة قليلة من منتسبي الإسلام قد وقعوا في الإرهاب المذموم المتضمن للعدوان والبغي الذي أمرت الشريعة بضده ونهت عنه؛ كما في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وما المنظمات الداعمة للصهيونية العاملة على حرب الإسلام، والتخويف منه إلا نموذج صغير للإرهاب المدعوم أو المسكوت عنه غربيًّا! بينما يحاربون في بلدان المسلمين المؤسسات الإغاثية، والتعليمية أو يُضيِّقون عليها بدعوى الإرهاب! مع أنها أبعد ما تكون عن الإرهاب، بل هي تحارب الغلو والتطرف، وتربي الناس على منهج الوسطية! وتعينهم على الخير، يصدق عَلَيهِم قول الشاعر:
يا واعظ الناس قد أصبحت مُتَّهمًا
إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيها
كمن كسا الناس من عُري، وعورتُه
للناس بادية، ما إِنْ يواريها


الخطبة الثانية
الله أكبر الله أَكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
إن عوامل ضعف الأمة الداخلية والخارجية كثيرة، وكذلك مظاهر انحرافها عن الجادة التي ينبغي أن تصلح لتعود إلى العهد الأول، والمهم أن ندرك أنه لا يضيرنا عظم التحديات إذا سَلمت الجبهة الداخلية؛ بدءًا بالنفس، ومرورًا بالأسرة، وانتهاءً بالأمة، وأما الأعداء: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران: 111].

وأما المنهج في الوقاية والفوز ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، فلن تؤثر العوامل الخارجية أثرًا يضر ما لم تكن ثمة أسباب داخلية تتفاعل معها، وإذا تحقق أمران تجاوزت الأمة أعظم التحديات؛ وهما:
1- سلامة التصور.
2- العمل على تحقيقه واقعًا جميعًا.

وأهم الصوارف عن هذين ثلاثة أمور هي أعظم التحديات التي ينبغي أن نقف معها؛ وهي:
الأول: الجهل بالدين.
وتأمّل حال الخوارج؛ كانوا بالمصطلح المعاصر من جملة الإسلاميين، وكانوا من أشد الناس عبادة وأحرصهم على إقامة الدين، حتى قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في شأن رأسهم ذي الخويصرة: ((إن له أصحابًا يَحْقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، يمرُقون من الدِّين كما يمرُق السهم من الرمية))[10].

الثاني: الهوى.
وهو أصل كل شرٍّ وفتنة وبلاء، وبه كذبت الرسل، وعصي الرب، ودخل النار، وحلت العقوبات، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50].

وأما الثالث: تبديد الجهود وصرف الأوقات في خلافات ونزاعات داخلية بين العاملين، وهذا من أعظم أثر الاثنين قبله، قَال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

ومما تستعيد به الأمة مكانها إشاعة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب في جلب المصالح العامة ودفع المضار، ومن المهم إعادة غرس هذه الفريضة شعبيًّا؛ حتى يقر في نفس العامي قبل المتعلم، والمرأة قبل الرجل، أنها فريضة عامة تجب على كل أحد قدر طاقته، ومبلغ علمه، وأنها تشمل الأخلاق والأموال، والإدارة والسياسة، وكل الشأن العام، وأنها سبيل للأمن، وحفظ الحقوق، والمراقبة البصيرة، وتقليل الشرور؛ قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] وهذه الخيرية في الأمة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكي تستعيد الأمة مكانتها يجب أن تهتمَّ بتعلُّم القرآن وتعليمه، كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))[11] وكذا تعلُّم سنة رسول الله الصحيحة، فمن رمى حِلَق التحفيظ القائمة على خدمة كتاب الله علمًا وتعلُّمًا بمجانبة الوسطية، ولو باسم الدعوة إلى الوسطية فقد جانب سبيل الوسطية المحمودة في الشريعة.

أيها المسلمون، إن المكر كبّارٌ، والخطب عصيبٌ، لكن الأمر كما قال الله تعالى لسلفنا الأولين: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، فعلينا بالصبر الإيجابي المقتضي للعمل الدؤوب وترك الاستعجال.

بل أمرنا الله تعالى فقال: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [النمل: 69] ومن الواجب على الأمة كي تسترد عافيتها المسلوبة أن تلتف حول ولاة أمرها، تناصحهم وتعمل معهم في خدمة البلاد ومنافع العباد.

ومن الواجب على الأُمَّة كي تسترد عافيتها المسلوبة أن تلتف حول الروَّاد والمصلحين الذين يريدون الخير لها في العاجلة والآجلة، ويسعون للمصالح الشرعية العامة، مترفِّعين عن الرغبات الشخصية والمكاسب الذاتية، وقد جعل الله من القبول العام دليلًا تُبصِر به الأمة؛ فتعرف الصادق من المدخول، والناصح من ذي المآرب، ومن هو معها ممن هو عليها، وقمين بأفراد الأمة أن يكونوا خير عون لهؤلاء البررة الذين صرموا أعمارهم، ولم يحبسوا أنفسهم على خاصة شؤونهم؛ بل انغمسوا في كل أمر يُعلي موقع أمتهم، ويصلح شأن شعوبها، ويحفظ على المجتمعات دينها وأمنها، ويسترجع لها كرامتها وعزَّتها.

إننا في حاجة ماسَّة لإشاعة خُلُق المواساة خاصة مع المحتاجين والمهمومين، المواساة دلالة على أصالة مَعْدنِ مَن تحلّى به، وكرَم نفسه، ودماثة خلقه، وسُمُوّ هِمَّته، ورجاحة عقله؛ بل هو من أخلاق المؤمنين وجميل صفات المحسنين.

بالمواساة تُبنى المعارف، وتتوطَّد العلاقات، وتتعمق الأُخوَّة، وتزداد المحبة وتستمر المودَّة والأُلْفة، ويُحفَظ الجميل، ويَعظُم الوفاء، وبالمواساة يندحِر وَحْرُ الصدر، ويُحسَن الظن، ويُقبَل العُذر، وتُقال العثرات، وتُلتَمَس الأعذار.

أيتها الزوجة المصونة، اللهَ اللهَ في زوجكِ وبيتكِ وأهلكِ، اعتني به، تحنّني عليه، أسعديه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّت المرأةُ خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ أبواب الجنة شئت))[12].

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خيرٌ؟ قال: "التي تسُرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره"[13].

حبيبنا الزوج، ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا))[14].

أيها الأزواج، لقد اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسس البناء النفسي والعاطفي للطفل، فقد كان يهتم بالأطفال ويفيض عليهم من حبِّه وحنانه، فيقبلهم ويداعبهم ويلاعبهم، ويسأل عنهم ويسلم عليهم، ويسرُّ لرؤيتهم ويمسح على رؤوسهم، ويضع يده الشريفة على خدهم ويدعو لهم، ويضعهم في حجره بل ويصبر عليهم ويستمع إلى أحاديثهم، ويثني عليهم ويكني صغيرهم، فالطفل هو الطفل يهفو على الدوام لمن كان له قلب رحيم يعطيه وينميه ويجد في رحابه عاطفة الأبوَّة الجاذبة، وإذا أردنا تربية سليمة فعلينا الاهتمام بالصغار والعناية بهم؛ فهم ذخيرة اليوم وعدة المستقبل.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم))[15]، احذرو من القطيعة، تألفوا وتقاربوا وتطاوعوا.

تحية ودعاء وتقدير لرجال أمننا البواسل على حدودنا وفي الميدان، هنيئًا لكم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ((عينان لَا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله))[16].

برغم مآسي الأمة وواقعها المؤلم ومآسيها المتعددة إلا أننا يجب أن نظهر الفرح ليعلم العالم أن في ديننا فسحة وقوة وقدرة، نفرح فرحًا يظهر سماحة ديننا وأصالة ثقافتنا، من قلب رحِمِ الفتنة ينطلق الصوت الكريم بالتفاؤل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ليفرّجنّ الله عنكم ما ترون من شدّة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنًا، وأن يدفع الله إليَّ مفاتيح الكعبة، وليهلكنّ الله كسرى وقيصر، ولتُنفقُنّ كنوزهما في سبيل الله))[17].

هكذا يكون الرجال بالإيمان، يحوّلون الألم إلى أمل، والتشاؤم إلى تفاؤل، والضيقَ إلى سعة، والمحنة إلى منحة، فتتقدّم الحياة وتنمو ويستمرّ عطاؤها.

المسلم المتفائل لا يسمح لمسالك اليأس أن تتسلّل إلى نفسه أو تعشّش في زوايا قلبه، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

ومع ترادُفِ صنوف البلاء على يوسف عليه السلام ثبت ولم يقنط ولم ييأس، فجاءه نصر الله وجعله على خزائن الأرض.

الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


[1] رواه البخاري برقم (1904) كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم، ورواه مسلم في الصيام باب فضل الصيام رقم (1151).

[2] رواه الطبراني في الكبير برقم (88) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني رحمه الله.

[3] رواه مسلم برقم (129) كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] رواه البخاري برقم (1867) كتاب فضائل المدينة، باب حرم المدينة، عن أنس رضي الله عنه.

[5] رواه البخاري برقم (1877) كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، عن سعد رضي الله عنه.

[6] رواه مسلم برقم (460) كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، عن سعد رضي الله عنه.

[7] أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064(.

[8] أخرجه مسلم برقم (2889).

[9] رواه ابن ماجه برقم (174) باب في ذكر الخوارج، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسَّنه الألباني رحمه الله.

[10] رواه البخاري برقم (3610)، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[11] رواه البخاري برقم (5027) كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه

[12] رواه ابن حبان في صحيحه برقم (4163)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني رحمه الله.

[13] رواه النسائي برقم (3231) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني رحمه الله.

[14] رواه مسلم برقم (1468) كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[15] رواه الترمذي برقم (2511) عن أبي بكرة رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني.

[16] رواه الترمذي برقم (1639) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني رحمه الله تعالى.

[17] رواه البيهقي في الكبرى برقم (17920).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.65 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]