|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() ![]() تذكرة العشر الأواخر كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري (21) ![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتعلم أيها النبيه أن الله وصف أيام رمضان المباركات بأنها (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:184)، إشارة لقلة عددها وسرعة انقضائها، وفي ذلك بيان ليسرها وتشجيعًا لنا على الاجتهاد فيها، وعدم الخوف من التعب، فإنه تعب يسير، فهي (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) يترتب على التعب فيها أجر جزيل، وخير كثير، وها نحن قد أقبلنا على عشرة أيام من هذه الأيام المعدودات؛ فلو شئنا لقلنا عنها: ساعات معدودات، أو أنفاس معدودات، وهي على قلتها اشتملت على جوائز وفضائل لا مثيل لها، أعظمها: "ليلة القدر". وأنت تعلم أن ليلة القدر أعظم الليالي وأكرمها؛ فهي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3)، مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، والشباب منا خصوصًا اجتمع لهم فرص الفوز بالأجور الغالية والرقي للمنازل العالية، فنحن كشباب آتانا الله صحة وقوة، مع إكرامه لنا ببلوغ رمضان ولياليه المباركة، وها هي أعظم فرصة لنا على تجديد العزيمة ورفع الهمة، لننشغل بعبادتها عن المحرمات وما ابتلينا به من فتن وفخوخ نصبها أعوان الشيطان لنخسر رمضان؛ فاعزم على الإحسان، وتفويت الفرصة على أعداء الرحمن، واستعن بالله الكريم المنان. فما بقي مِن الشهر الفضيل سوى القليل؛ فاحرص أخي الشاب النبيل على تحصيل أكبر قدرٍ مِن الأجور قبل الرحيل؛ قبل رحيل الشهر أو رحيلك؛ فكم رحل هذا العام من أناس ولم يبلغوا رمضان، وكثرة الموت في أيامنا أمر مشاهد، ولنا في ذلك تذكرة وعظة. فاجتهد أخي الحبيب فيما بقي يغفر لك ما مضى من تقصير، ولك في الخيل عبرة؛ فإنها كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "إذا شارَفَت نهايةَ المِضمار، بَذَلَت قُصارَى جُهدِها لتفوز بالسباق، فلا تَكنِ الخيلُ أفطَنَ منك، فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تُحسِن الاستقبال، لعلّك تُحسِن الوداع". وقد قال ابن تيمية -رحمه الله-: "العِبرةُ بِكمالِ النهاياتِ، لا بنَقصِ البدايات". وكان الحسن البصري -رحمه الله- يقول: "أحْسِنْ فيما بَقَي، يُغْفَرُ لك ما مضى، فاغتَنِم ما بَقي، فانك لا تدري متى تُدرِكُ رحمةَ الله". وأبين من ذلك كله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ) (رواه البخاري)، والعشر الأواخر خاتمة رمضان. وإن كنت حرمت من الاعتكاف هذا العام بسبب إجراءات كورونا، وهذا أمر محزن، لكنك تعلم أن العبد قد يؤجر بنيته على العمل إن صدقت النية، وتأكد عزمه على العمل، نعم إن علم الله منك خيرًا وصدقًا، ورأى فيك حزنًا على الحرمان من هذه العبادة السنوية الجليلة التي كان يواظِب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها تحريًا لليلة القدر، وتكن كمن قال فيهم الله واصفًا حالهم حين حرموا من الخروج للجهاد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عنه -سبحانه-: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) (التوبة:92). ويا لسعادتك إذا كنت ممَّن كان يواظب على الاعتكاف وحرم منه لعذر قاهر، كما هو الحال في هذا العام، ومصداق ذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) (رواه البخاري). ويشهد بصدقك في حب الاعتكاف: أن تقوم بما تقدر عليه في البيت أو المسجد، وتتخلق بأخلاقه، وتستشعر معانيه العظيمة، وتتفكر فيها كأنك تعيشها؛ حينها تكون أهلًا لتحصيل أجره وفضله، وتكون أجدر على الفوز بليلة القدر وحسن الختام. فجدد العزم، وأظهر الحزم، وليكن شعارك في رمضان: لن أخرج من رمضان إلا بفوز وغنيمة، وأجور عظيمة، وقلب جديد أستطيع أن أتحمل به أعباء ومهام الصلاح والإصلاح، وأستطيع بما جمعته من أنوار القرآن والطاعات أن أمشي بهذه الأنوار في الناس داعيًا مرضيًّا، وهاديًا مهديًّا. والله ولي التوفيق. ![]()
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
![]() ![]() الخلوات وليالي العشر كتبه/ إبراهيم جاد (22) ![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد دخلت علينا أيام العشر وليالهن، التي فيهن ليلة القدر وما فيها من نفحات وبركات بأمر الله -تعالى-، والحال لا يخفى على أحدٍ والبعد عن المساجد لا زال موجودًا، ولا شك أن البعض قلَّ نشاطه بعيدًا عن صحبة الإيمان ووجوه الصالحين في جنح الليل وسط المعتكفين، وفي ساعات السحر، وقد غاب عنا تنشيطهم وكلماتهم وحماستهم وإصرارهم على الأخذ بأيدي الكبار والصغار، ومحاولة رفع الهمم، ولكن يبقى تساؤلات مهمة تحتاج لأجوبة القلوب لا الألسنة فقط. هل ستضيع منا أفضل ليال الدنيا لفقدان الصحبة؟! وهل سيقل النشاط ويكسل الجسم ويتباطؤ القلب أم أن هناك بدائل أخرى للفوز بالليالي العشر، ونيل بركتها والفوز بليلتها؟ عن الزّبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ) (رواه الخطيب في التاريخ، والضياء في الأحاديث المختارة، وصححه الألباني). نعم آن أوان الخلوات أن تطفو، والسرائر تنقى وتطهر، وعكوف القلب على الله -تعالى- بكليته في وحدة لا يطلع عليه إلا هو. نعم آن أوان خلوة المناجاة. وخلوة التعبد وخلوة التذلل والانكسار بين يدي الله -تعالى-، والإقبال بالقلب والجسد عليه. نعم آن أوان رهبان الليل عباد النهار أصحاب العبرات والصرخات والدمعات. نعم آن الأوان لهجر الفراش واعتزال النساء، وشد المئزر لشحذ الهمم، والاستعداد؛ لاستقبال ليلة القدر، وتفريغ القلب والنفس. مِن شواغلها الدنيوية لشغلها الأكبر هو عفو الله عنها وعتقها من النيران، يا نفسي كفاك كسلًا وتفريطًا وبُعدا. يا عمار الليل هذا أوانكم، يا طلاب العلم هذه فرصتكم. يا إخواني ويا أخواتي، ويا أبنائي هذه ليال الخير، فاطلبوا عفو الله فيها، وانظروا وتأملوا إلى أحوال وأقوال أهل السرائر في الخلوات، لتعينكم على العمل، وتفتح لكم باب الأمل. قال وهب بن منبه -رحمه الله-: "يا بُنيّ أخلص طاعة الله بسريرة ناصحة يصدق اللهَ فيها فعلُك في العلانية، ولا تظننّ أنّ العلانية هي أنجح من السَّريرة، فإن مَثَلَ العلانية مع السَّريرة كمَثَلِ ورق الشّجر مع عِرْقها: العلانية ورقها، والسَّريرة عِرْقها، إن نُخِر العِرْق هلكت الشّجرة كلّها؛ ورقها وعودها، وإن صلحت صلحت الشّجرة كلّها؛ ثمرها وورقها، فلا يزال ما ظهر من الشّجرة في خير ما كان عِرْقها مستخفيًا لا يُرى منه شيء. كذلك الدِّين لا يزال صالحًا ما كان له سريرة صالحة يصدق الله بها علانيته، فإنّ العلانية تنفع مع السَّريرة الصالحة كما ينفع عِرْقَ الشجرة صلاحُ فرعها، وإن كان حياتها من قبل عِرْقها فإن فرعها زينتها وجمالها، وإن كانت السَّريرة هي ملاك الدين فإن العلانية معها تُزَيِّن الدين وتجمله إذا عملها مؤمن لا يريد بها إلا رضاء ربه -عز وجل-" (حلية الأولياء). وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "خذوا بحظِّكم من العزلة" (فتح الباري). وكان ابنُ مسعود -رضي الله عنه- إذا هدأت العيونُ قام فيُسْمَعُ له دَويٌ كَدَويِّ النَّحل حتى يصبحَ (مختصر قيام الليل للمروزي). وقال مسلم بن يسار: "ما تلذّذ المتلذّذون بمثل الخلوة بمناجاة الله -عز وجل-". - وعـن زائدة: "أن منصور بن المعتمر مكث ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها، وكان يبكي، فتقول له أمه: يا بني! قتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي. فإذا كان الصبح كحل عينيه، ودهن رأسه، وبرق شفتيه، وخرج إلى الناس" (حلية الأولياء). قال الخُريبي : "كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عملٍ صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها" (تهذيب الكمال). انظروا هؤلاء... عباد لله طيلة العام وفي دجى الليالي، وفي الظلام وفي البرد، وفي شدة الحر، وفي السر أكثر من الجهر! خافوا فرقت قلوبهم، وعبدوا فزادت محبتهم، وأخلصوا فتتلذذوا في لياليهم وظهر على وجوههم أثر طاعة السر. ويبقى بعض مِن ثمرات الخلوات: 1- محبة الله -تعالى- للعبد: قال رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْخَفِيَّ) (رواه مسلم). ?- ادعى إلى الإخلاص، والصدق، وقبول العمل. قال ذو النون المصري -رحمه الله-: "لم أرَ شيئًا أبعث للإخلاص من الوحدة؛ لأنه إذا خلا لم يرَ غير الله -تعالى-؛ فمَن أحب الخلوة فقد تعلَّق بعمود الإخلاص، واستمسك بركن من أركان الصدق" (حلية الأولياء). 3- سبب للمغفرة والأجر الكبير، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك:12). 4- تعينك على ترك المعاصي والذنوب والمسارعة في الطاعة؛ لأنها غالية، واستمرارها يحتاج إلى مجاهدة. نسأل الله أن يجعل سرنا أفضل من علانيتنا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يعيننا على قيام ليالي العشر، ويكتب لنا العتق من النيران، والفوز بالجنان. ![]()
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
![]() ![]() أولادنا في رمضان اسلام ويب (23) ![]() الأطفال بهجة العمر وزينة الحياة الدنيا، والرصيد الباقي للمرء بعد موته إن أحسن تربيتهم وتنشئتهم (أو ولد صالح يدعو له)، ورمضان فرصة عظيمة لها آثارها على نفوس أطفالنا، إن أحسنا استغلالها والإفادة منها بما ينعكس على سلوكهم في شؤون الحياة كلها. فالصوم مسؤولية جسيمة تتطلب قدراً من الجهد والمشقة والصبر وقوة الإرادة، إضافة إلى أنه فريضة رتب الشارع الثواب على فعلها، والعقاب على تركها، مما يحتم على الأبوين ضرورة تعويد الأبناء على أداء هذه الفريضة، وتحبيبهم فيها، واستثمار هذه الفرصة الاستثمار الأمثل لغرس القيم والسلوكيات الجميلة في نفوسهم، وإضافة عدد من المهارات والتجارب لديهم. فكيف نجعل من لحظات الصيام سعادة في قلوب أولادنا، وكيف يصبح رمضان فرحة ينتظرونها بفارغ الصبر، وكيف نستثمر هذا الشهر في غرس المعاني التربوية والإيمانية في نفوسهم؟! من المهم جداً أن يرى الطفل ويسمع من حوله مظاهر الحفاوة والابتهاج بهذا الشهر الكريم، فينشأ ويكبر وهو يشاهد هذه السعادة الغامرة والفرحة الكبيرة من والديه وإخوانه كلما هبت نسائم شهر رمضان، وتظل هذه الذكريات السارة محفورة في ذاكرته، لا تبليها مرور الليالي والأيام، ولا يمحوها كَرُّ الشهور والأعوام، ولو رجع أحدنا بذاكرته إلى الوراء عدة سنوات ليتذكر البدايات الأولى التي عاش فيها تجربة الصوم لوجدها من أكثر سني عمره متعة وإثارة. ولعل من المناسب أن يُحْضِر الوالدان للأطفال بعض الهدايا واللعب في بداية الشهر، لتحمل معها معنى عظيماً، وهو أن هذا الشهر يأتي، ويأتي معه الخير، فيحبونه ويترقبونه بكل شوق وشغف. ومن الأمور المهمة أيضاً تعويد الطفل على الصوم والتدرج معه في ذلك، فلا ينبغي أن ندع أطفالنا يكبرون، ثم نباغتهم بالأمر بالصوم من غير أن يستعدوا له، فيشق ذلك عليهم، بل لا بد من إعدادهم نفسيًّا، وتهيئتهم فكريًّا. وطاقة الطفل وتحمله تزداد يوماً بعد يوم، فقد يكون في هذا العام غير قادر على الصيام، ولا حرج في ذلك ولا إثم، فهو لم يبلغ سن التكليف بعدُ، كما أنه ليس بالضرورة أن يصوم الطفل الشهر كله في البداية، أو يصوم اليوم كاملاً إلى نهايته، بل يمكن أن نبدأ معه بشكل متدرج، كأن يصوم للظهر ثم للعصر، ولا حرج إن كان بمقدوره تحمل الجوع مع تناول بعض الماء، وهكذا حتى يعتاد الصيام. ولا بد مع ذلك من التلطف مع الطفل، وتنمية جانب الاحتساب عنده، عن طريق بيان ما أعده الله للصائمين، وألا يفهم أن القضية جوع وعطش، بل هي عبادة وطاعة، وفوق ذلك ثواب عظيم، وجزاء كبير. ومن المهم أيضاً أن تقترن هذه التجربة بالمكافآت والجوائز التشجيعية في نهاية يوم الصوم، أو في نهاية الشهر الكريم، ويمكن أن يفتح باب المنافسة بين الأطفال كأن يقال لهم: "من يصوم أكثر له جائزة أكبر"، و"من يصلي التراويح إلى نهايتها له كذا وكذا"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطفل عادة يحب المكافأة السريعة، وهو ما يدفعه ويجعله يستمر فيما يقوم به من تكاليف، إلى أن تصبح تلك التكاليف سلوكاً من حياته، وجزءاً من شخصيته، ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كانوا يُعوِّدون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على الصيام، وكانوا في المقابل يقدمون لهم الألعاب والدمى، يتلهَّون بها عن الجوع والعطش. إن إقبال الأطفال على مشاركة والديهم في الصيام يحمل معنى تربوياً هاماً، فهو يغرس الثقة في نفس الطفل، وينمي لديه الشعور بإثبات الذات، والإحساس بالمسؤولية، عندما يحس بأنه يقوم بأعمال لا يمارسها إلا الكبار، ولعل هذا الشعور هو ما يفسر لنا الإصرار والحماس الذي يدفع بعض الأطفال لأن يصوم هذا الشهر كاملاً مع صغر سنه، وهو أمر له أثره الإيجابي على سلوكيات أبناءنا وعباداتهم ومعاملاتهم، لأنه يجعل من شهر الصوم نقطة بداية لتحملهم المسؤولية في بقية الشهور والعبادات والمعاملات. رمضان أيضاً فرصة عظيمة لغرس المعاني الإيمانية في نفوس أطفالنا، كالصبر، وتحمل الجوع والعطش، ومراقبة الله تعالى عندما يمسكون عن الأكل والشرب مع إمكانهم أن يفعلوا ذلك بعيداً عن أعين الناس، والتعلق بالمساجد والتراويح وحب القرآن عن طريق إقامة المسابقات في ختمه، وحفظ جزء منه، والإقبال على تلاوته، والجود والكرم حين يعطي الوالدان صغيرهما مبلغاً من المال ليضعه في يد سائل أو محتاج. يجب أن يشعر الأطفال أنه لا مكان للكسل والخمول في هذا الشهر، وأن الأوقات فيه غالية ثمينة لا ينبغي أن تضيع فيما لا فائدة فيه، فضلاً عما يعود بالضرر عليه، ولذا فإن من الجريمة في حق أطفالنا أن نتركهم ضحية للمحطات الفضائية والقنوات التي تغرس فيهم القيم والسلوكيات المنحرفة عن طريق ما تبثه من برامج وأفلام وترفيه غير برئ، تحت مبرر أنها قنوات موجهة للأطفال، وقد لا تدرك المرأة أن المخاطر التي تتهدد الطفل وأخلاقه من جراء عكوفه على هذه القنوات قد لا تقل -إن لم تكن أعظم- عن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها فيما لو أخلي سبيله، وذهب إلى خارج البيت. رمضان أيضاً فرصة لتنمية الذوق الغذائي السليم لدى أولادنا، والابتعاد عن العادات السيئة التي جلبتها لنا الحضارة المعاصرة، وفيها من الضرر ما يفوق النفع، ولذا ينبغي أن نكون قدوة لأطفالنا في أكلنا وشربنا؛ لأن عاداتنا وممارساتنا الغذائية ستنعكس على الطفل بلا شك. وأخيراً وليس آخراً، فإن رمضان فرصة عظيمة ينبغي أن نستفيد منها في تربية أبنائنا وبناتنا، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع الخطط، وإعداد البرامج لكي يخرج الطفل من هذا الشهر الكريم وقد اكتسب شيئاً جديداً وخلقاً حميداً، والله الموفق، وهو يهدي السبيل. ![]()
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
![]() ![]() اغتنام العشر الأواخر من رمضان اسلام ويب (24) ![]() أسرعت أيام رمضان ولياليه انقضاء، ومر من رمضان عشره الأوائل ثم عشره الأواسط، ولم يبق من رمضاه الا الثلث الأخير والعشر الأواخر.. وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن رمضان هو خير الشهور وأفضلها، فإنهم قد اتفقوا كذلك على أن العشر الأواخر منه هي أفضل ما فيه وأعظم لياليه؛ فهي فضل الفضل وخير الخير.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر فهي أفضل العشر بل أفضل ليلة في الوجود. وإذا كان رمضان قد قارب الرحيل وأشرف على نهايته فإن "العبد المُوَفَق من أدرك أن حُسْن النهاية يطمس تقصير البداية، وما يدريك لعل بركة عملك في رمضان مخبأة في آخره، فإنما الأعمال بالخواتيم. خصائص العشر وحال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: لقد خص الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها.. فمن ذلك: أولا: كثرة الاجتهاد: فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم. وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر) رواه مسلم. فكان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، قال ابن رجب: "ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه". وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة. ثانيا الاعتكاف: ففي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض. والاعتكاف معناه لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه. وشرعاً: "المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة". (الفتح 4/341). والأصل أنه عزوف عن الدنيا وانقطاع للعبادة وتخلية للنفس عن التشاغل بغير الطاعات والقربات، فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصداً للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره، وإن كان خرج من الدنيا وانقطع عنها فلا وجه لأن يأتي بالدنيا حتى يُدخلها معتكفه، ومما ينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة. ثالثا: اغتنام جميع الوقت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي! إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) متفق عليه. ولا شك أن المقصود هنا الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحِسي.. وإنما نهاهم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة، وإلا فإن كل ذلك كان منه اغتناما للوقت، وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم أعظم صلاة وأتم سلام. رابعا: تحري ليلة القدر وما كان اجتهاده واعتكافه صلى الله عليه وسلم إلا تفرغاً للعبادة، وقطعاً للشواغل والصوارف، وتحرياً لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه: {ليلة القدر خير من ألف شهر}(القدر:3). في هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (الدخان:4). فيها تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويرفع الحجاب، ويستجاب فيها الدعاء ويتحقق الرجاء، ليلة انطلاق الإسلام ونزول القران، ليلة سلام فالله يريد للعالم السلام والأمان، سلام المجتمع، وسلامة القلوب والنفوس، وسلامة العلاقات بين الناس {سلام هي حتى مطلع الفجر}(القدر:5). وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها، ومن كان عاجزاً مفرطاً، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه. هذه الليلة العظيمة يُستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أرجى وآكد، فقد ثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)، وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري. ثم هي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) رواه أبو داود. فعلى الراغبين في تحصيل هذه الليلة المباركة الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرَّضوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبكم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبداً. وإذا كان دعاء ليلة القدر مقبولا مسموعا مستجابا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خير الدنيا والآخرة، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد وغيره. فاستدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما قد مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. وأروا الله من أنفسكم الجد في تحري الخير في هذا الثلث الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير، وتعرضوا لنفحات الغفور الحليم، الرحيم القدير.. فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو، والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر. اللهم بلغنا برحمتك رضاك، وبلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من عتقائك من النار. ![]()
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
![]() ![]() من أقوال السلف في العشر الأواخر من رمضان فهد بن عبد العزيز الشويرخ (25) ![]() الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. فطوبى لعبدٍ إذا دخل رمضان جدّ واجتهد في العبادة والطاعة, فإذا دخلت العشر زاد في الجد والاجتهاد. للسلف رحمهم الله أقوال في العشر الأواخر من رمضان, يسّر الله فجمعت بعضًا منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع. أقسم الله عز وجل بالعشر الأواخر من رمضان في قول لبعض السلف: & عن ابن عباس رضي الله عنهما, في قوله تعالى: {﴿ وَلَيَالٍ عَشۡر ﴾} [الفجر:2] قال: هي العشر الأواخر من رمضان. & قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: اختلف الناس في الليالي العشر...قال الضحاك: هي العشر الأواخر من رمضان. & قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: : قوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشۡر ﴾ فيها أربعة أقول... الثاني: أنها العشر الأواخر من رمضان. & قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشۡر ﴾ هي على الصحيح: ليالي عشر رمضان, أو عشر ذي الحجة, فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة, ويقع فيها من العبادات والقربات, ما لا يقع بغيرها. ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة: & سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن عشر ذي الحجة, والعشر الأواخر من رمضان, أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان, والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. & قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب, وجده شافيًا كافيًا, فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة, وفيها يوم عرفة, ويوم النحر, ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء, التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها, وفيها ليلة خير من ألف شهر. فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة. تعظيم السلف للعشر الأواخر من رمضان: & قال الإمام السيوطي رحمه الله: أخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي عثمان قال: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأوائل من المحرم, والعشر الأوائل من ذي الحجة, والعشر الأخير من رمضان. فضل العشر الأواخر من رمضان: & قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: العشر الأواخر من رمضان هي أفضل الشهر, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بأعمال جليلة لأنها ختام العشر, ولأنها ليالي الإعتاق من النار, ولأنها ترجي فيها ليلة القدر أكثر من غيرها. الاجتهاد في العبادة إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره, وأحيا ليله وأيقظ أهله. & قال الإمام الخطابي رحمه الله: قولها: " شد مئزره" معناه هجران النساء, ويحتمل أن تكون قد أردت أيضًا الجدّ والانكماش في العبادة. & قال الإمام النووي رحمه الله: في هذا الحديث أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان, واستحباب إحياء لياليه بالعبادات. & قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: " أحيا ليله " أي سهره فأحياه بالطاعة, وأحي نفسه بسهره فيه, لأن النوم أخو الموت. & قال العلامة العثيمين رحمه الله: " شد المئزر" هل هذا كناية عن عدم إتيان النساء أو كناية عن المبالغة في الاجتهاد...؟ نقول: الأمران واقعان. & عن أبي أسامة عن عيينة بن عبدالرحمن عن أبيه قال: كان أبو بكرة يصلي في رمضان كصلاته في سائر السنة, فإذا دخلت العشر اجتهد & قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه. الاغتسال والتطيب في ليالي العشر, أو في بعضها: & قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر. وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة. ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر...وروى عن أنس رضي الله عنه أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب, ولبس حُلة إزارًا ورداءً. طول ليالي العام على المحبين لانتظار ليالي العشر: & قال الإمام ابن رجب رحمه الله: المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها لانتظار ليالي العشر في كل عام, فإذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم وخدموا محبوبهم. التهنئة بدخول العشر: & سئل العلامة ابن باز رحمه الله: هل ورد أن السلف كانوا يهنئون بعضهم البعض بدخول العشر؟ فأجاب: ما أتذكر شيء, لكنها عشر عظيمة, التهنئة بها مهمة, إذا كان يهنأ بولده, بزواجه, ببناء بيته, فهذه أكبر وأعظم وأنفع, إدراكها نعمة عظيمة. إيقاظ الأهل في العشر الأواخر: & عن مجاهد رحمه الله, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان يوقظ أهله في العشر في العشر الأواخر. & عن الأسود بن يزيد رحمه الله, عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين. & عن عبيد الله بن أبي يزيد رحمه الله, أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يرشُّ على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين. & قال سفيان الثوري رحمه الله: أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يجتهد....وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. & قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: مما كان صلى الله عليه وسلم يخص به هذا العشر أنه كان يوقظ أهله, وكل صغير وكبير يطيق الصلاة, فهذا فيه أنه ينبغي للمسلمين أن يوقظوا أهلهم وصبيانهم وأولادهم للصلاة مع المسلمين والمشاركة في العبادة, ليحصلوا على الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى الأعمال التي تحيا بها ليالي العشر: & قال الإمام ابن رجب رحمه الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة, لا يمر بآية رحمة إلا سأل, ولا بآية عذاب إلا تعوذ, فيجمع بين الصلاة, والقراءة, والدعاء, والتفكر, وهذه أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر, وغيرها, والله أعلم. & قال العلامة العثيمين رحمه الله: إذا كان الإنسان في ليالي العشر يقرأ القرآن, ويذكر الله, ويتعشى, ويتسحر, ويصلي قلنا: إنه أحياء الليل. الحرص على مضاعفة الجهود في العشر الأواخر من رمضان: & قال العلامة ابن باز رحمه الله: المشروع للمؤمنين التأسي بنبيهم عليه الصلاة والسلام, وأن يختموا هذا الشهر الكريم بالعناية بهذه العشر, والحرص على مضاعفة الجهود فيها. ـــــــــــــــــــ كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ ![]()
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
![]() ![]() اغتنام ليلة القدر كتبه/ علاء بكر (26) ![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد اختص الله -تعالى- شهر رمضان بليلة عظيمة القدر لا نظير لها؛ ألا وهي: "ليلة القدر" التي كان يبشر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -رضي الله عنهم- بها مِن أول معرفته بدخول شهر رمضان، ففي الحديث المرفوع: (إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا كل محروم) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). وفي بيان فضلها وقدرها أنزل الله -تعالى- على نبيه -صلى الله عليه وسلم- سورة كاملة هي (سورة القدر)، قرأنا يتلى إلى يوم القيامة: قال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 1-5). وفي شأن هذه الليلة المباركة أيضًا وبيان بعض خصائصها، قال -تعالى- أيضًا: (حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ . رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الدخان: 1-6). وفي بيان فضل قيامها على سائر قيام الليالي الأخرى، وأن إدراك قيامها وحدها كفيل بمغفرة ما تقدَّم من ذنوب العبد؛ جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، ويستحب فيها -كما هو معلوم-: الإكثار من العبادات والطاعات؛ خاصة الدعاء، وفي مقدمة هذا الدعاء: ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وفي حديث عائشة هذا: - دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها، وأنها لم ترفع. - دليل على استحباب الدعاء في هذه الليلة بهذه الكلمات. وطبقًا للأدلة الشرعية يكون تحري هذه الليلة في الليالي الوتر من الليالي العشر الأخيرة من رمضان. وينبغي في ليلة القدر: - صلاة المغرب والعشاء والفجر فيها في المسجد مع الجماعة؛ لعظم أجر صلاة الجماعة عامة، والعشاء والفجر خاصة، فعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) (رواه مسلم). وفي رواية للترمذي: (مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). - قيام ليلتها في جماعة مع الإمام: ففي الحديث المرفوع: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، ومقتضى ذلك: الصلاة خلف الإمام، والقيام كله بما في ذلك أداء الوتر معه. - كثرة الدعاء طوال هذه الليلة؛ خاصة بالدعاء الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي). - جعل جزء من صلاة السنن في هذه الليلة وغيرها -خاصة السنن البعدية- في البيت بعيدًا عن أعين الغير؛ فالأولى صلاة التطوع في البيت، وصلاة الفرض مع الجماعة في المسجد، وفي الحديث المرفوع: (صَلَاةُ الرَّجُلِ تَطَوُّعًا حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ تَعْدِلُ صَلَاةً عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ) (رواه أبو يعلى، وصححه الألباني). - التنوع في العبادات والطاعات لدفع الملل أو التعب، وللإكثار من أعمال الخير في هذه الليلة المباركة، فإلى جانب صلاة القيام والدعاء، فهناك قراءة القرآن والذكر والاستغفار، وهناك أيضًا الأعمال الصالحة التي يتعدَّى نفعها للغير إن أمكن، كإطعام صائم، والتصدق بالمال ونحوه على فقير أو مسكين، أو إعانة ضعيف أو محتاج، أو إعانة الأهل في البيت، أو زيارة مريض، أو صلة رحم ولو بالاتصال الهاتفي. ويدخل في زمرة تلك العبادات ترديد أذان كل صلاة في هذه الليلة بعد المؤذن، والذكر الوارد بعد الأذان، وإسباغ الوضوء، والذكر بعده، والتبكير إلى المسجد لصلاة الجماعة والقيام، وذِكْر الخروج من البيت وذكر دخول المسجد، وصلاة السنن القبلية والبعدية، والدعاء بين الأذان والإقامة، فلا يستهان بطاعة وإن قَلَّت، فثواب أي منها مضاعف مضاعفة تفوق كل وصف -بحمد الله تعالى وفضله-. - الجمع في تلك الأعمال الصالحة بين الكيف والكم، فيكون الهم في أداء الأعمال الصالحة أن تكون على أكمل وجه وأحسن أداء، مع الإكثار من أعدادها على قدر الإمكان. - الاعتكاف في المسجد، واعتكاف ليالي وأيام العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة، ويوم وليلة القدر منها. - أداء عمرة فيها، وعمرة في رمضان في الأجر كأجر حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليلة القدر منها، مع ما في فضل ليلة القدر وفضل الصلاة والقيام في المسجد الحرام، وهذه الأعمال تتطلب من العبد -لتحصيل أكبر قدرٍ منها كمًّا ونوعًا- إعداد العدة لها. ومن مظاهر الاستعداد لها: - تقليل الطعام والشراب عند الإفطار، فيكتفي المرء بما يذهب عنه الجوع والظمأ، ويتجنب الإكثار من الطعام والشراب بما يؤدي إلى التخمة والخمول والكسل عن العبادات والطاعة. - عدم إجهاد النفس طوال النهار بالانكباب على أعمال دنيوية كثيرة مجهدة يحتاج المرء بعدها إلى الراحة البدنية في الليل، وتحد من القدرة على الاجتهاد في العبادة تلك الليلة. - تحفيز النفس وتذكيرها بفضل العبادات والعمل الصالح في تلك الليل؛ إذ هي أفضل من ثلاثين ألف ليلة، فكل لحظة وثانية عبادة فيها لها قيمتها ووزنها. - لا بأس بأخذ قسط من الراحة أو القيلولة قبل دخول هذه الليلة بنية التقوى على العبادات في تلك الليلة. - تجنب المعاصي والذنوب القولية والفعلية الكبيرة والصغيرة يومها وليلها، فمن شؤم المعاصي حرمان العبد من الطاعات أو الوقوع في الاستهانة بتحصيلها وأدائها على الوجه الأكمل، والسيئات يذهبن الحسنات كما أن الحسنات يذهبن السيئات. - تجنب أكل الحرام والمشتبه في حله، فما نبت من حرام فالنار -لا الجنة- أولى به. - الحرص على سلامة القلب مِن: الحقد والحسد والضغينة للآخرين. هل لليلة القدر علامات تُعرَف بها؟ لليلة القدر علامات خفية تقع خلال الليلة، وعلامات ظاهرة تدرك بعد انتهائها، أما العلامات الخفية، فمنها: - كثرة نزول الملائكة إلى الأرض فيها: فهي فيها أكثر من الحصى، قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر: 4)، فتنزَّل تفيد الكثرة. قال ابن كثير -رحمه الله-: (أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة؛ لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له، وأما الروح فقيل: المراد به جبريل -عليه السلام-، فيكون من باب عطف الخاص على العام. وقيل: هم ضرب من الملائكة). وورد في صحيح ابن خزيمة وحسنه الألباني، أن الملائكة في تلك الليلة أكثر في الأرض مِن عدد الحصى. - أنها سلام حتى مطلع الفجر: كما قال -تعالى- عنها: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 5). قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: (أي: ما هي إلا سلامة وخير كلها، لا شر فيها. وقيل: ذات سلامة من أن يؤثِّر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة. قال مجاهد: هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا ولا أذى). وفي حديث جابر المرفوع: (لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فجرها) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني لغيره). وقال الشعبي: "هو تسليم الملائكة على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن". وعن عطاء: "يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته حتى مطلع الفجر، أي: حتى وقت طلوعه". وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن الملائكة تسلِّم على كل مؤمن ومؤمنة في ليلة القدر، ومَن تسلم عليه يغفر له ما تقدم من ذنبه. وهناك أربعة لا تسلم عليهم الملائكة في ليلة القدر، وهم: - المصر على معصية (وأهل الكبائر أولى)، والمشاحن، وعلاج ذلك المسامحة لله -تعالى-، ومدمن الخمر (وفي حكمها تناول المخدرات)، والكاهن، ومعلوم حرمة العرافة وإتيان العرافين، فمَن أتي عرافًا لا تقبل له صلاة أربعين يومًا. - طمأنينة نفس المؤمن وانشراح صدره فيها، وشعوره بلذة القيام فيها بما لا يجده في غيرها من الليالي؛ لما فيها من المنافع الدينية والدنيوية. أما العلامات الظاهرة: جاء في أمارتها فيما أخرجه مسلم في صحيحه، أن الشمس تطلع في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع فيها، وفي الحديث عن واثلة بن الأسقع وعبادة بن الصامت مرفوعًا: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ بَلِجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ وَلَا سَحَابَ فِيهَا وَلَا مَطَرَ وَلَا رِيحَ وَلَا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ وَمِنْ عَلَامَةِ يَوْمِهَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَا شُعَاعَ لَهَا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ طَلِقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ) (رواه البيهقي في السنن وأبو داود الطيالسي، وصححه الألباني). ومعنى: لا يرمى فيها بنجم، أي: لا يرمى فيها بشهب. وفي حديث جابر المرفوع: (كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني لغيره)، فليلة القدر ليلة صافية وضيئة، يكون الجو فيها مناسبًا، وطقسها معتدل، ويليها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها حتى ترتفع. وقد يرى الله -تعالى- أحد عباده المؤمنين فيها علامة يعرف بها هذه الليلة، أو يراها في منامه، فتكون له كرامة؛ فالأولى له سترها فتكون بينه وبين الله -تعالى-. وقد ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: إن رجالا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر – يعني في المنام – في السبع الأواخر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أرى رؤياكم قد تواترت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) (متفق عليه). وعند مسلم: رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا). وقد اعتاد الناس في الأعوام الأخيرة الاجتهاد في ترقب تلك العلامة الظاهرة وادعاء رؤيتها والاختلاف عليها بين ليالي العشر الأواخر من رمضان، ونشر ذلك على وسائل الاتصال المختلفة، وينبغي الحذر من ذلك -حتى وإن صح رؤية ذلك-؛ لما في نشر ذلك من تثبيط همم الكثيرين عن الاجتهاد في الطاعات باقي ليالي الشهر والتراخي في تحصيل الثواب فيها، وهو خلاف مراد الشرع من عدم التصريح والتعيين لليلة القدر، وهو الاجتهاد في كل ليالي العشر. ويمكن الإخبار بذلك لمن كان لا بد فاعلًا بعد انتهاء شهر رمضان وزوال خشية التراخي في الاجتهاد في العبادة باقي ليالي الشهر. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "قال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف لو عينت لاقتصر عليها". قال ابن رجب -رحمه الله-: "إن إيهام ليلة القدر أدعى إلى قيام العشر كله -أو أوتاره- في طلبها فيكون سببًا لشدة الاجتهاد وكثرته". مخالفات وبدع تقع في ليلة القدر: - الاعتقادات الباطلة حول ليلة القدر: كزعم أن الكلاب لا تنبح فيها، أو أن السماء لا بد أن تمطر، أو أن هناك طاقة من نور تظهر في السماء! - الانشغال عن الاجتهاد في الطاعة تلك الليلة بالاحتفالات الرسمية والشعبية، كما يحدث في الموالد والمواسم الأخرى، والاجتماع لها بإقامة السرادقات والزينات، وما يصحبها من الإنشاد الديني والتواشيح، وإلقاء القصائد والأشعار والكلمات! وهذا كله يخالف هدي وعمل السَّلَف الصالح على ما فيها من رياء ومشغلة للوقت عما هو أولى وأهم. قال الشيخ علي محفوظ -رحمه الله- عن بدع ليلة القدر: (إحياؤها بغير ما رغَّب الشرع فيه من إيقاد المنارات، وغيرها، وكثرة الوقود في المساجد، إلى غير ذلك مما لا فائدة فيه ولا غرض صحيح) (راجع الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ - ط. دار البيان العربي - القاهرة. ط. أولى، ص 275). دعاء القنوت: جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عَلَّم سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- دعاء القنوت في الوتر، ونصه: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). وقد ثبت دعاء القنوت في صلاة الوتر عن جماعة من الصحابة، وورد أن القنوت كان في عهد خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في النصف الثاني من رمضان يُزَاد فيه: "اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألقِ في قلوبهم الرعب، وألقِ عليهم رجزك وعذابك إله الحق"، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويدعو ويستغفر للمسلمين، فإذا فرغ قال: "اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد -أي: نسرع-، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق"، ثم يكبر ويهوي ساجدًا (راجع رسالة: قيام رمضان، للألباني ط. الدار السلفية - الكويت). ومن كمال القبول والاستفادة من دعاء القنوت في الوتر استحضار ما في هذا الدعاء من معاني جليلة: - ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)، الهداية على نوعين: - هداية العلم أو هداية البيان والإرشاد: ومنها قوله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52). - هداية العمل أو هداية التوفيق والإسعاد: ومنها قوله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص: 56). وهنا في هذا الدعاء طلب الهدايتين من الله -تعالى-، كما في قولنا في سورة الفاتحة التي تقرأ في كل ركعة في الصلاة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). وهذا السؤال مصحوبًا بالتوسل بنعم الله -تعالى- على مَن هداه أن ينعم علينا نحن أيضًا بهذه الهداية، والمعنى: إننا نسألك الهداية، فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك، ومن سابق فضلك، فإنك قد هديت أناسًا آخرين، فاهدنا فيمن هديت. - وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ)، المعافاة: معافاة من أمراض البدن العضوية المعروفة، ومعافاة من أمراض القلوب. وأمراض القلوب على نوعين: - أمراض الشهوات: ومنشؤها الهوى، فيعرف العبد الحق لكن لا يريده -عياذا بالله-، فيكون هواه مخالفًا لكل أو بعض ما جاء به شرع الله -عز وجل-. - أمراض الشبهات: ومنشؤها الجهل، ونقص تعلم العلم الواجب النافع، فيعتقد الجهل ويفعل الباطل يظنه الحق. - وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت)، الولاية من الله -تعالى- على نوعين: - الولاية الخاصة: وتكون للمؤمنين خاصة، فنحن نسأل الله -تعالى- الولاية الخاصة، والتي تقتضي العناية بمَن ولاه الله -عز وجل-، وتقتضي التوفيق والنصرة، قال -تعالى-: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) (البقرة: 257)، وقال -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55). - والولاية العامة: وهي عامة لكل الخلق، للمؤمنين وغيرهم، كما في عموم قوله -تعالى-: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ) (الأنعام: 62). - وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَبَارِكْ لِي)، البركة: الخير الكثير المستقر، من (البِرْكة) بكسر الباء وسكون الراء: مجمع الماء الكثير الثابت. (فِيمَا أَعْطَيْتَ): من الولد والمال والعلم، أي: من كل شيء. وطلب البركة مطلوب، فمن الناس من عنده مال، ولكن لا يبارك له فيه، فيكون فيه بخل وتقتير وشح، ومنع حقوق الناس. ومن الناس من عنده علم، ولكن لا يظهر عليه أثر العلم في عباداته وأخلاقه وسلوكه، فيكون معه كبر وعلو، ولا ينتفع أحدٌ بعلمه؛ لا بتدريس، ولا توجيه. - وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ) أي: الذي قضيت، فـ(مَا) اسم موصول، والله -تعالى- يقضي بالخير ويقضي بالشر. والقضاء بالخير: خير محض في القضاء والمقضي، مِن: رزق واسع، وهداية ونصرة. والقضاء بالشر: هو خير في القضاء، وشر في المقضي، قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)؛ فلهذا القضاء غاية محمودة، وهي الرجوع إلى الله -تعالى- من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شرًّا، وصار القضاء خيرًا. - (فَإِنَّكَ تَقْضِي) أي: فالله -تعالى- يقضي كل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل. (وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) أي: لا يقضي عليه أحدٌ، فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، والعباد يسألون عما عملوا، وهو -سبحانه- (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء: 23). - وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ): هذا تعليل لما سبق من الدعاء: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ)، فإذا تَوَلَّى الله -سبحانه- العبد؛ فإنه لا يذل، وإذا عادى الله العبد فلا يعز. ومعنى ذلك: أننا نطلب العز من الله، ونتقي من الذل بالله -عز وجل-. (للاستزادة راجع رسالة شرح دعاء القنوت، للشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-). ومن السُّنة أن يقول المصلي إذا سَلَّم من الوتر: (سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ) (ثلاثا)، ويمد بها صوته، ويرفعه في الثالثة. (رواه أبو داود، وصححه الألباني). ومن السُّنة أن يقول العبد في آخر وتره بعد السلام: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). ![]()
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
![]() ![]() ختام رمضان.. وحسن الظن بالرحمن اسلام ويب (27) ![]() ها هو رمضان قد قرب رحيله، وأزف تحويله، فنسأل الله الذي يسر لنا صيامه وقيامه أن يتقبله منا، وأن يجعله شاهداً لنا لا علينا. إذا كان الله تعالى قد وفقنا لطاعته وعبادته في رمضان فما بقي علينا إلا أن نحسن الظن في الله بقبول ما أعاننا عليه ووفقنا إليه؛ فقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه أحمد.. يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء). فحسن الظن بالله من أعظم أسباب القبول، إذا أيقن العبد أن ربه الذي وفقه لن يرده ولن يخذله، ولن يضيع أجر عمله. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده" "رواه ابن ابي الدنيا". وما لنا لا نحسن الظن بالله وقد رأينا نفحات الخير في رمضان: فقد يسر الله من الطاعة ما نعجز عنه في غير رمضان، والتوفيق للطاعة من البشارات بقبولها: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}(الليل:5ـ7). ووفق سبحانه كثيرا من خلقه فتركوا ما ألفوه من المعاصي، والأخطاء، وما التوفيق للتوبة إلا بشارة بقبولها: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(التوبة:118). قال الإمام الطبري: "هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه. وفي الحديث في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته وقد أضلها بأرض فلاة). ويسر لنا من قراءة كتابه، ما لمن نكن نقدر عليه في غير رمضان. ومن لزوم المساجد بعد الصلوات، وكثرة الذكر والتسبيح كذلك {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}(القمر:17). ووفق المسلمين لرفع أيديهم بالدعاء في الصيام، والأسحار؛ وما وفق الله عبدا للدعاء إلا وهو يريد أن يجيبه، وهو سبحانه القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60). وكل من عرف ربه وراقب فضله وكرمه واستشعر رحمته أحسن الظن به: إن المــلوك إذا شابت عبـيدهم .. .. في رِقِهم عتقوهم عتق أبــــــــرارِ وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً .. .. قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ إن حسن الظن بالله من العبادات الجليلة التي ينبغي أن يملأ المؤمن بها قلبه في جميع أحواله ويستصحبها في كل حياته، وهو مطلوب في كل الأوقات، وعلى جميع الأحوال في هدايته، في رزقه، في صلاح ذريته، في قبول أعماله، وفي إجابة دعائه، وفي مغفرة ذنبه، وفي كل شيء. مواطن لحسن الظن وحسن الظن من أبواب العلم بالله جل جلاله، لكنه يتأكد في مواطن منها: عند الموت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم. قال إبراهيم النخعي: "كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه". وفي مواسم الخير وعند عمل الطاعات: وقد قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 56]. وفي الحديث القدسي: (من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب مني ذراعا ، تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة). "جاء عبد الله بن المبارك إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه فقال له: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ فقال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. وعند التوبة: قال تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزمر:53). في الحديث القدسي: (يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك...)(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن). وروى الإمام أحمد في مسنده من رواية أخشن السدوسي، قال: دخلت على أنس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله، لغفر لكم] . وعند الدعاء: فقد قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة:186). وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) رواه الترمذي. قال عمر: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء فإن الإجابة معه". إن من سوء الظن بالله أن ترى هذه النفحات، وقد وفقك الله لها ثم تظن أن الله لا يغفر لك: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}(آل عمران:154). فأحسنوا وداع شهركم وضاعفوا الاجتهاد في هذه الليالي المتبقية فالأعمال بالخواتيم، وأكثروا من الصلاة، والذكر وتلاوة القرآن، والصدقات، وأملوا من الله الخير، فإنه خير مأمول وأكرم مسؤول. ![]()
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
![]() ![]() إرواء الظمآن في ختام شهر رمضان الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد (28) ![]() إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 102). ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾(النساء: 1). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾(الأحزاب: 70- 71). أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرِّب إلى النار، اللهم آمين. ها هو رمضان في أواخره، انسلَخ رمضان الذي أوَّله رحمة، وأوسطه رحمة، وآخره رحمة، رمضان الذي كلُّه بركة، رمضان الذي كلُّه عتقٌ من النيران، هذا الشهر ولَّى ولم يبقَ منه إلا يومٌ أو يومان، والقليل الذي فيه، فيه خيرٌ كثير بعمل يسير، فمن فاتته العبادةُ والطاعةُ في أوَّله، فليجتهد في آخره، فهناك أملٌ ورجاءٌ أن تكون ليلةُ التاسعِ والعشرين هي ليلةُ القدر، هناك وأمل ورجاء في ذلك، فلنغتنِم ما تبقى من هذا الشهر، في الطاعة والعبادة والذكر. وفيه ختامِ هذا الشهر، فلنخرج زكاةَ الفطر التي هي بمثابة سجدتي السهو في الصلاة، فتجبران ما حدث فيها من خلل، أو زيادة أو نقص، وكذلك فريضةُ الصيام خُتمت بزكاة الفطر في آخر أيامه، تُجبر الخللَ من اللغوِ والرفث، وتكون عونًا للفقراء والمساكين، يفرَحون بها يوم العيد، فزكاة الفطر وتسمى صدقةُ الفطر، وتسمى الفِطْرة؛ هي فريضة من الفرائض، قال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»، البخاري (1503)، فهل تخرج شرعًا من الذهب أو من الفضة؟ أو من الأنعام أو من الثياب؟ والجواب عند أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»، البخاري (1506)، والأَقِطُ هو اللبن المجفف؛ أي: تقريبًا ثلاث كيلو من الطعام. أما وقتها فيجوز إخراجُها قبل صلاة العيد، فكَانَ ابْنِ عُمَرَ «يُخْرِجُ زَكَاتَهُ إِلَى الْمُصَلَّى قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، مسند ابن الجعد (ص: 443، رقم 3018)، فلها ثلاثة أوقات: وقت وجوب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وجبت زكاة الفطر، ووقت فضيلة وهو بعد صلاة الصبح من يوم العيد، وقبل الصلاة، ووقت جواز قبل العيد بيوم أو يومين، أو ثلاثة، ولا يجوز إخراجها بعد صلاة العيد عمدًا دون عذر، فتصبح صدقة من الصدقات. وعمَّن تُخرَج؟ قال نافع فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيُعْطِي عَنْ بَنِيَّ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»، البخاري (1511). وبزكاة الفطر في آخر رمضان ينتهي الصيام، ويختم على ما قدمنا؛ من طاعات وعبادات، وأعمال صالحات، تجدُ حصيلته يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 88، 89). ثم يبدأ بغياب شمس آخر يوم من رمضان وبرؤية هلال شوال، أول أشهر الحج، أوَّل شهر منها شوال، وهو يبدأ بيوم العيد؛ عيد الفطر، فبغروب شمس آخر يوم من رمضان نبدأ بالأعمال والأذكار، بالتكبير؛ (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد)؛ امتثالًا لقول الله عز وجل: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]. والتكبير ليلة عيد الفطر ينتهي إلى صعود الإمام المنبرَ لأداء صلاة العيد، وخطبة العيد، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأتِيَ الْمُصَلَّى)، (ك) (1105)، (قط) (ج2/ ص44 ح6)، (هق) (5926)، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (650)، وصَحِيح الْجَامِع: (5004). والأطفال والنساء يخرجون إلى مصلى العيد، وكذا العجائز وكبار السن والصبايا، الكل يخرج؛ لأنه يوم عيد، لماذا نخرج في هذه اليوم اسمع إلى ما قالته أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ رضي الله عنها: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ؛ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وفي رواية: (يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ)، (م) 11- (890)، (وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ)، (خ) (928)، (م) 11- (890)، (هق) (6036)، وهذا فيه أيضًا جواز رفع صوتهنَّ بالذكر المشروع يسمعن أنفسهنَّ كتكبير العيدين، الله أكبر ولله الحمد. ويُسْتَحَبُّ في هذا اليوم يوم العيد، لمن خرج إلى العيد ألا يخرج إلا بعد أَنْ يَأكُلَ تمرات أو نحوها لا يخرج صائمًا فيتشبه بالأمس، اليوم يختلف عن الأمس فِي يَوْمِ اَلْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاة، فقد (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ) (جه) (1754)، (إِلَى الْمُصَلَّى) (ت) (543)، (حَتَّى يَأكُلَ تَمَرَاتٍ) (خ) (910)، (جه) (1754)، (ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وِتْرًا)، (ك) (1090)، (هق) (5950)، (حم) (12290). هذه هي سنة الخروج إلى المصلى يوم العيد. ويُسْتَحَبُّ الْغُسْل فِي يَوْمِ الْعِيدِ، فقد (سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنِ الْغُسْلِ؟) وهل يستحبُّ في ذلك اليوم أو لا؟ فبيَّن الأغسالَ المشروعة التي يؤجر عليها الإنسان، فقَالَ: (اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ)، فَقَالَ: (لَا! الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟) قَالَ: (يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ)، (هق) (5919). ويستحب لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ، وأنظفِها وأطهرِها يَوْمَ الْعِيد، فقد (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ)، (طس) (7609)، (البْرُدُ والبُرْدة): الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل: كِساء أسود مُرَبَّع فيه أعلام. و(مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ تَأكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ)، (ت) (530)، (جه) (1296)، (هق) (5941). ولا ننْسَ ونحن راجعون من المصلى أن نرجع من طريق غير الذي أتينا منه، حتى نكسب الثواب والحسنات، ولا ننسَ الفقراء والمساكين، وعلينا أن نتقيَ الله سبحانه وتعالى، فلا نرتكبُ المحرمات في يوم البركات، فلا نحرم أنفسنا من الأجر والثواب في هذا اليوم بالخصومات، فلا نخاصم مسلمًا، حتى لا يقال لنا: «.. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»، (م) (2565)، وهذا على مستوى الأفراد، فكيف إن كان بمستوى الأحزاب والفرق، والفصائل والجماعات؟ هل يأتي العيدُ ونحنُ في هذه المخاصمات والانقسامات والمهاترات؟! ونبقى يقال لنا: "أنظِروا هذين حتى يصطلحا"؟ فلا تنزلُ علينا البركات ولا الرحمات، ولا ترفعُ لنا الأعمالُ الصالحات؟ وأين الثلاثون يومًا من الصيام والصدقات والقيامِ والاعتكافِ، وما عمِلنا من طاعات وعبادات؟! ثم يقال: "أنظِروا هذين حتى يصطلحا"، فمتى نصطلح إن لم نصطلح في هذه الأيام المباركة؟ لا نريد لهذه الأمة أن الله يقول لملائكته الذين يرفعون أعمالنا إليه: "أنظروا هذين حتى يصطلحا"، نريد أن نصطلح مع الله، ونريد نصطلحُ مع أنفسنا، ونصطلحُ مع الناس، ونصطلحُ مع إخواننا في الشرق والغرب، في شطري الوطن، ونصطلح مع جيراننا في المودة والقربى، ونصطلح مع أرحامنا وأقاربنا، قال سبحانه: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: 128). أما اَلتهْنِئَة بِالْعِيدِ، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبَّل الله منا ومنك)؛ رواه المحاملي في (كتاب صلاة العيدين) (2/ 129 / 2). ويوم العيد يوم الفرح والسرور بإنجازك عباداتٍ وانتظار ثوابها، لذلك من الفرح والسرور أن يُطلق سراحُ الأطفال، ليلعبوا بما شاءوا من غير أن تكون هناك مجاوزة للحدِّ، فيجوز أن يلهوَ الصبيانِ بلُعَبِ السِّلَاحِ، والْبَنَاتِ بالدُّفوف يَوْمَ الْعِيد، فاتركوا الأطفال يأخذوا حظَّهم من اللهو واللعب في هذا اليوم، فقد (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)؛ أي هاجر قاصدًا (الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟!)" قَالُوا: (كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ)، فَقَالَ: ("إِنَّ اللهَ عزَّ وجل قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى")؛ (حم) (13647)، (د) (1134)، (س) (1556). وفي الختام؛ إذا حدث خطأٌ ما في رؤية هلال شوَّال فماذا نفعل؟ والخطأ وارد. الجواب عند أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: (حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ) - يعني غُمَّ علينا ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان، قال: - (فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ) - يعني بعد الظهر - وفي رواية: (بَعْدَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ)، يعني هذا اليوم الذي صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ هذا يوم عيد لأنه هذا الرجل رأى الهلال بالأمس، (فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا)، وذلك في الظهر، وهذا في اليوم الثلاثين من رمضان - (وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْعِيدِ مِنْ الْغَدِ) - لأن وقت صلاة العيد وقتها من شروق الشمس إلى قبل الظهر، والخبر جاءهم بعد الظهر، فقضوا صلاة العيد بعد ذلك في اليوم التالي، هذا ما سنفعله دون ضجة ولا كتابة في الفسبكة والتوترة، نسأل الله السلامة، وفي رواية: (وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ)؛ الحديث بزوائده: (س) (1557)، (حم) (20603)، (جه) (1653)، (عب) (7339)، (ش) (36183)، وقال الأرناؤوط: إسناده جيد، (حم) (18844)، (د) (1157)، (حب) (3456)؛ انظر الإرواء: (634)، والمشكاة: (1450)، (د) (1157)، (قط) (ج2 ص170ح 14). ولا بد من التنبيه فيما يحدث من بلابلَ وفتنٍ مثيرة، وكلماتٍ كثيرة، إذا صمنا نحن ثمانية وعشرين يومًا، ورُؤي هلالُ شوال الليلة، ليلة التاسعِ والعشرين، مَن يدري؟! فيكون يوم التاسع والعشرين عيدًا، ونقضي يومًا مكانه، الأمر بكل بساطة لا تحتاج إلى اختلاف، وأن تدخل فيما ليس لك به علم؛ لأن الشهرَ لا يكون ثمانيةً وعشرين يومًا. وهناك سنة مهجورة، وهي اَلتَّنَفُّلُ بصلاة ركعتين بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، ليس في المصلَّى بل في البيت، فقد (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي) (قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا)، (فَإِذَا خَرَجَ صَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) - أي: صلاة العيد - (فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، الحديث بزوائده: (حم) (11242)، (خز) (1469)، (جه) (1293)، (خز) (1469)، (حم) (11373)، حسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: (631)، وصَحِيح الْجَامِع: (4859)؛ أي: في منزله لا في المصلى. أما صيام يومي العيدين عيد الأضحى وعيد الفطر، فمنهي عنه، ومن فعل وصام يوم العيدين فصومه باطل، وإن تعمَّد ذلك فهو آثمٌ، لما ثبت عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: (شَهِدْتُ الْعِيدَ يَوْمَ الْأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ)، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيَوْمٌ تَأكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ)؛ الحديث بزوائده: (خ) (1889)، (م) 138- (1137)، (خ) (5251)، (ت) (771)، (د) (2416)، (جه) (1722)، (ط) (429)، (حب) (3600)، (هق) (6085). أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:فيا أيها المسلمون، اقترب الوقت الذي فيه تُفكُّ الشَّيَاطِينُ من أغلالِها، وَتطلقُ مَرَدَةُ الْجِنِّ من أصفادِها، وتفتحُ النَّار أَبْوَابَها السبعة، وتغلقُ الْجَنَّة أبوابَها الثمانية، وجاء الوقت الذي يغيبُ فيه عنَّا نداءُ المنادي: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، ويتوقَّفُ فيه العتقُ مِنْ النيران فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ، وقد انقضى رمضان، لكن هل فاتت لَيْلَةٌ القدر التي مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، لم تفُتْ فلعلَّها هذه الليلة ليلةُ التاسعِ والعشرين، ولئن انتهت نفحاتُ ربِّنا في مضان، فإن له نفحاتٍ بعد رمضان، فـ"تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ"، (طب) (720)، (هب) (1121)، انظر الصَّحِيحَة: (1890). فلنتعرَّضْ لنفحاتِ رحمة الله بصيام ستٍّ من شوال، وثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر، والاثنينِ والخميس، ولنقُمْ ما استطعنا من الليالي، ولنتصدق مما تيسَّر من أموالنا، ولنفعل الخيرَ مع الناس عمومًا، ومع الأقاربِ والأرحامِ والجيرانِ خصوصًا. ولنكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فقد صلى اللهُ عليه وملائكتُه، وأمرنا بالصلاة عليه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(الأحزاب: 56). اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأربعة أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنَّا معهم بمنِّكِ وكرمِك يا أكرم الأكرمين. اللهم نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا أن تتقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، وطاعاتِنا ودعاءَنا وأذكارَنا، واختمْ اللهمَّ بالباقياتِ الصالحاتِ أعمالَنا. اللهم بلِّغنا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنةً مديدة، وأحسن خاتمتنا؛ إنك وليُّ ذلك والقادر عليه. اللهم اجعَل خيرَ أعمالنا خواتيمَها، وخيرَ أعمارنا أواخَرها، وخيرَ أيَّامنا يوم لقائك. واغفِر اللهم لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. عبادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، [النحل: 90]. فاذكروا الله يذكُركم، واشكروا نِعَمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون. ![]()
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
![]() ![]() زكاة الفطر وشيءٍ مِن أحكامها. عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد ![]() الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد خاتَم النَّبيين, وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمَّا بعد، أيُّها الإخوة الفضلاء ــ سلَّمكم الله ــ: فإنَّ زكاة الفطر تَجب على المُسلم الحيِّ، سواء كان ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، حُرًّا أو عبدًا، لِمَا صحَّ عن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ )). وأمَّا الجَنين الذي لا يَزال في بطن أُمِّه، فلا يَجب إخراجها عنه، وإنَّما يُستحَب باتفاق المذاهب الأربعة، وقد نقله عنهم: الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ، وغيره، وكان السَّلف الصالح يُخرجونها عنه، حيث صحَّ عن التَّابعي أبي قِلابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَلَى الْحَبَلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )). وكذلك يَجب إخراجها عن المجنون، لِعموم قول ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ الصَّحيح: (( فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ )). وهو مذهب الأئمة الأربعة، والظاهرية، وغيرهم. والفقير إذا كان مُعدَمًا لا شيء عنده، فلا تَجب عليه زكاة الفطر، باتفاق أهل العلم، نقله عنهم: الحافظ ابن المُنذر ــ رحمه الله ــ. وإنْ كان يَملك طعامًا يَزيد على ما يَكفيه ويَكفي مَن تلزمُه نفقته مِن الأهل والعيال ليلةَ العيد ويومَه، أو ما يقوم مَقام الطعام مِن نُقود، فتجب عليه زكاة الفطر عند أكثر أهل العلم. وزكاة الفطر عند أكثر الفقهاء تُخرَج مِن غالب قُوت البلد، الذي يُعمَل فيه بالكَيل بالصَّاع، سواء كان تمرًا، أو شعيرًا، أو زبيبًا، أو بُرًّا، أو ذُرة، أو دُخنًا، أو عدَسًا، أو فولًا، أو حُمُّصًا، أو كُسكسًا، أو أُرْزًا، أو غير ذلك. ومِقدار ما يُخرَج في زكاة الفطر: صاع. والصَّاعُ كَيلٌ معروف في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وقبْلَه وبعدَه، وهو بالوزن المُعاصر ما بين الكيلوين وأربع مئة جرام إلى الثلاثة، وإخراج الثلاثة أحوط. يجوز أنْ تُخرَج زكاة الفطر قبْل العيد بيوم أو يومين، لِمَا صحَّ عن التَّابعي نافعٍ مولى ابن عمرَ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ )). والأفضل باتفاق أهل العلم أنْ تُخرَج يوم عيد الفطر بعد صلاة فجْره وقبْل صلاة العيد، لِمَا صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ )). وذَكر الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إِلَى الْمُصَلَّى )). ومَن أخَّرَها لغير عُذرٍ حتى انتهت صلاة العيد فأخرجها وقعَت صدقة لا زكاة، لِمَا قال ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ )). وقد نصَّ على ثبوت هذا الحديث: الحاكم، ومُوفَّق الدِّين ابن قدامة، والنَّووي، والذَّهبي، وابن المُلقِّن، والألباني، وابن باز، وغيرهم. ومَن أخَّرَها عمدًا حتى انقضَى يوم العيد فقد أَثِمَ، وكان مُرتكِبًا لِمُحرَّمٍ باتفاق أهل العلم، وقد نَسبه إليهم الفقيهان: ابن رُشد الحَفيد المالكي، وابن رَسلان الشافعي ــ رحمهما الله ــ. ومَن أخَّرَّها نسيانًا أو جهلًا أو بسبب عُذرٍ حتى انتهت صلاة العيد ويومُه، كمَن يكون في سَفر وليس عنده ما يُخرِجه، أو لم يَجد مَن تُخرَج إليه مِن الفقراء، أو اعتمد على أهلِه أنْ يُخرجوها عنه، واعتمدوا هُم عليه، فإنَّه يُخرِجها بعد صلاة العيد، ولا شيء عليه. ولا يجوز أنْ تُخرَجَ زكاة الفطر نقودًا، بل يجب أنْ تُخرَجَ مِن الطعام، لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعامًا، فلا يجوز العُدول عمَّا فَرَض إلى غيره، والدراهم والدنانير قد كانت موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم، وعهد أصحابه مِن بعده، والناس بحاجة شديدة لَها، ومع ذلك لم يُخرجوها إلا مِن الطعام، وخيرُ الهَدي هَدي محمد صلى الله عليه وسلم. ومَن أخرج زكاة الفِطر نقودًا بدَلَ الطعام لم تُجزئه عند أكثر الفقهاء ــ رحمهم الله ــ، مِنهم: مالكٌ، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومَن أخرجها طعامًا أجزأته عند جميع العلماء، وبرئت ذِمَّته، والحريص يَفعل ما اتُفِقَ على أنَّ ذِمَّتَه تَبرأ بِه. وفقراءُ المسلمين مَصْرِفٌ لزكاة الفطر عند جميع العلماء، نقله عنهم: الفقيه ابن رُشد الحَفيد المالكي ــ رحمه الله ــ. ولا يجوز أنْ تُعطَى لِغير المسلمين حتى ولو كانوا فقراء، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء ــ رحمهم الله ــ، مِنهم: مالكٌ، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور. ويُخرِج المُسلم زكاة الفطر عن نفسِه، وعمَّن يَمون مِن أهلِه، ويُنْفِق عليهم مِن زوجة وأبناء وبنات، وغيرهم، تبعًا للنفقة، وقد صحَّ عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ تَمُونُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ )). وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، عَمَّنْ يَعُولُ )). ويُخرِج العبد زكاة الفطر في نفس المدينة أو القَرية أو البادية التي هو فيها، وعلى هذا جرى عمل النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ــ رضي الله عنهم ــ. وقد قال العلامة صالح الفوزان ــ سلَّمه الله ــ: "وقد اتَّفق الأئمة الأربعة على وجوب إخراج صدقة الفطر في البلد الذي فيه الصائم مادام فيه مُستحقون لها".اهـ والمُراد بالبلد: المدينة أو القرية أو البادية التي يَسكن فيها العبد. فمَن كان يَسكن في مدينة الرياض فإنَّه يُخرج زكاته على فقرائها، وليس على فقراء مكة، ومَن كان يَسكن في مدينة القاهرة فيُخرِج زكاته فيها وليس في مدينة الإسكندرية، ومَن يَسكن في مدينة واشنطن فيُخرِج زكاته فيها وليس في مدينة نيويورك، وهكذا. هذا وأسأل الله تعالى أنْ يرزقنا توبة نصوحًا، وأجْرًا متزايدًا، وقلوبًا تخشع لِذِكْره، وإقبالًا على طاعتة، وبُعدًا عن المعاصي وأماكنها وقنواتها ودعاتها، إنَّه سميع مجيب. ![]()
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
![]() ![]() عن عيد الفطر وشيء مِن أحكامه. عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد (30) ![]() الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد خاتَم النَّبيين, وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمَّا بعد، أيُّها الإخوة الفضلاء ــ سلَّمكم الله ــ: فإنَّكم على مَشارِف عيدِ المسلمين الأوَّل، وهو عيدُ الفِطر، بارك لله لكم فيه، وأسعدكم، وألَّفَ بين قلوبكم. وإنَّه يُشْرَع لكم فيه عِدَّة أمور: الأمْر الأوَّل ــ أداء صلاة العيد مع المسلمين في مُصلَّيَاتهم أو مساجدهم، وهي مِن أعظم شعائر الإسلام في هذا اليوم، وقد صلاها النَّبي صلى الله عليه وسلم، وداوم على فِعلها هو وأصحابه والمسلمون في زمنه وبعد زمنه، بل حتى النساء كُنَّ يَشهدنها في عهده صلى الله عليه وسلم وبأمْره، إلا أنَّ المرأة إذا خرجت لأدائها لم تَخرج مُتطيِّبة ولا مُتزيِّنة ولا سَافرة بغير حِجاب، وقد صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ــ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ )). وصحَّ عن أمِّ عطية ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ )). ومَن فاتته صلاة العيد أو أدْرَك الإمام في التشهد قضاها على نفس صفتها، عند أكثر العلماء. الأمْر الثاني ــ الاغتسال للعيد، والتجمُّل فيه بأحسَن الثياب، والتطيُّب بأطيب ما يَجد مِن الطيب. حيث ثبَت عن محمد بن إسحاق أنَّه قال: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ يُصلِّي يوم العيد؟ فقال: (( كَانَ يَشْهَدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ فَيَغْتَسِلُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَيَجْلِسُ فِيهِ )). وقال الإمام مالك ــ رحمه الله ــ: ":سمعت أهل العلم يَستحِبون الزِّينة والتَّطيُّب في كل عيد".اهـ وأمَّا المرأة، فلا تتطيَّب إذا خرجت إلى صلاة العيد، ولا في الطُّرقات، حتى لا يَجد الرِّجال الأجانب ريحها، لِمَا جاء بسند حسَن عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ )). وذَكَر الفقيه ابن حجَرٍ الهَيتمي الشافعي ــ رحمه الله ــ: أنَّ خروج المرأة مِن بيتها مُتعطرة مُتزيِّنة أمام الأجانب مِن الكبائر، حتى ولو أذِن لَها زوجها أو غيره مِن أوليائها. ولَهَا أنْ تتطيَّب للعيد في بيتها، وفي بيوت أهلها ومَحارِمها، وفي مجالس النساء الخاصَّة بهِنّ. الأمْر الثالث ــ أنْ تأكلوا تمرات، فإنْ لم تتيسّر فأيُّ شيء ولو ماء، قبل الخروج إلى مُصلَّى العيد، لِمَا صحَّ عن أنس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ )). الأمْر الرابع ــ إظهار التَّكبِير مع الجَهر بِه "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" مِن حين الخروج إلى صلاة العيد حتى يأتي الإمام لِيُصلِّي بالناس صلاة العيد. وأمَّا النِّساء، فلا يَجهَرن بالتكبير إذا كُنَّ بحضرة رجالٍ أجانب، أو تَصِل أصواتُهن إليهم. ويُكبِّرُ كلُّ إنسانٍ لوحْدِه جهرًا، وأمَّا التَّكبِير الجماعي مع الناس بصوت مُتوافِق في ألفاظ التَّكبِير وما بعده، بحيث يَبتدئون وينتهون سويًّا، فلا يُعرَف عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ، ولا عن سَلف الأمَّة الصالح، ولا عن أئمة المذاهب الأربعة. نفعني الله وإيَّاكم بما سمعتم، وجعلنا مِمّن صام وقام رمضان ووفِّق لقيام ليلة القدر فغُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه، إنَّه سميعٌ مجيب. ومِمَّا يُشْرَع لكم في العيد أيضًا: أوَّلًا ــ أنْ تذهبوا إلى صلاة العيد مشيًا، ولا شيء على مَن ركِب، وأنْ يكون ذهابُكم إلى مُصلَّى العيد مِن طريق، ورجوعُكم مِن طريق آخَر، فقد ثبَت عن سعيد بن المُسَيِّب ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( سُنَّةُ الْفِطْرِ ثَلَاثٌ: الْمَشْيُ إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْأَكْلُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَالِاغْتِسَالُ )). وصحَّ عن جابر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ )). يَعني: أنَّه ذهب إلى مُصلَّى العيد مِن طريقٍ ورجَع إلى بيته أو مكانه مِن طريقٍ آخَر. ثانيًا ــ رفع اليدين عند التَّكبِيرات الزوائد مِن صلاة العيد، في أوَّل الركعة الأولى، وأوَّل الركعة الثانية، قبْل القراءة، ويكون الرَّفع إلى حَذو المنكبين أو إلى فُروع الأذنين، ودُون مُلامَسة للأُذنين برؤؤس الأصابع، ويكون الكفَّان إلى جهة القبلة، وليس إلى جهة الخَدِّ والأُذنين. وقد قال الإمام ابن قيِّمِ الجوزيَّة ــ رحمه الله ــ: "ثبَت عن الصَّحابة رفع اليدين في تكبِيرات العيدين".اهـ وقال الإمام البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ: "ورفع اليدين في تكبِيرات العيد سُنَّة عند أكثر أهل العلم".اهـ وإذا نَسِيَ الإمام أو المأموم التَّكبِيرات الزَّوائد أو شيءٍ مِنها، أو ترَكها عمدًا، فصلاته صحيحة، ولا شيء عليه عند جميع أهل العلم، نقله عنهم: الإمام مُوفُّق الدين ابن قُدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ، وغيره. ثالثًا ــ الجلوس لِسَماع خُطبة العيد حتى تنتهي، وهو المُستَحبُّ والمَعمول بِه على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقد صحَّ عن أبي سعيد ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ )). ويُكرَه عند جميع العلماء لِمَن حضَر خُطبة العيد أنْ يتكلَّم في أثنائها مع غيره مِن المصلَّين، أو عبْر الهاتف الجوَّال، لِـمَا في كلامه مِن الانشغال عن الانتفاع بالخُطبة، والتَّشويشِ على المُستمِعين، والإخلالِ بأدب حضور مجالس الذِّكر والعلم. وقال الفقيه ابنُ بطَّال المالكي ــ رحمه الله ــ: "وكَرِه العلماء كلام النَّاس والإمام يخطب".اهـ رابعًا ــ تَهنئة الأهل والقَرابة والأصحاب والجِيران بهذا العيد، بطيِّبِ الكلام وأعذَبِه، وأفضلُ ما يُقال مِن صِيغ التهنئة: (( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكَ )) لثبوتها عن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام الآجُرِّي ــ رحمه الله ــ عن التهنئة بالعيد: "إنَّه فِعلُ الصحابة، وقولُ العلماء".اهـ عيد الفطر وشيءٍ مِن أحكامه، فأقول مستعينًا بالله: أوَّلًا ــ لا يجوز لأحدٍ باتفاق أهل العلم أنْ يصوم يوم عيد الأضحى ويوم عيد الفطر، لا لِمتطوعٍ بالصيام، ولا لِناذرٍ، ولا لقاضٍ فرْضًا، لثبوت التحريم بالسُّنَّة النَّبوية، حيث صحَّ عن أبي سعيد ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( نَهَى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ )). وقد نَقلَ اتفاق العلماء على التحريم: ابنُ عبد البَرِّ المالكي، ومُوفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي، والنَّووي الشافعي ــ رحمهم الله ـ، وغيرهم. وثانيًا ــ لا عيد للمسلمين إلا عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، ولا يجوز إحْدَاث أعيادٍ أُخْرَى، لا للميلاد، ولا للأمِّ، ولا للوطن،ولا للحُبِّ، ولا لغيرذلك، لِمَا ثبَت عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )). وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ بعد هذا الحديث: "وهذا يَدلُّ على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّ أنْ تُحْدِثَ أمَّتَه أعيادًا سِوى الأعياد الشَّرعية التي شرعها الله ــ عزَّ وجلّ ــ".اهـ وثالثًا ــ يَبدأ التَّكبِير في عيد الفِطر: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" عند أكثر أهل العلم مِن السَّلف الصالح فمَن بعدهم: مِن حين الغُدُوِّ ــ أي: الذَّهاب ــ إلى مُصلَّى العيد، وليس مِن ليلة العيد. وقد صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ إِذَا غَدَا إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ، وَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ )). وصحَّ عن الإمام الزهري التابعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ مِنْ حِينِ يَخْرُجُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُصَلَّى، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا )). وقال الحافظ ابن المنذر ــ رحمه الله ــ: "سائر الأخبار عن الأوائل دالةٌ على أنَّهم كانوا يُكبِّرون يوم الفطر إذا غَدوا إلى الصلاة".اهـ وقال فقيه الشافعية النَّووي ــ رحمه الله ــ: "قال جمهور العلماء: لا يُكَبَّرُ ليلة العيد، إنَّما يُكَبَّرُ عند الغُدُوِّ إلى صلاة العيد".اهـ ورابعًا ــ لَئِنْ انقضَى شهرُ الصيام فإنَّ زمَن العمل لا يَنقضِي إلا بالموت، ولَئِنْ انقضَت أيَّامُ صيام رمضان فإنّ الصيام لا يَزال مشروعًا في كل وقت، وقد سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام سِتٍّ مِن شوال بعد الانتهاء مِن صوم رمضان، ليَحصُل العبد على أجْر صيام سَنة كاملة، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )). وتفسير ذلك: أنَّ صيام رمضان يُقابِل عشَرة أشهر، وصيام سِتٍّ مِن شوال يُقابِل شهرين، فذلك تمام صيام الدَّهر، الذي هو العام كاملًا. ولا يَجب صيام السِّتِ مِن أوَّل الشهر، ولا مُتتابعة، فمَن بادَر إلى صيامها وتابعها فهو أفضل، ومَن أخَّرَها أو فرَّقها فلا حرَج عليه، ويجوز صومها مِن ثاني يومٍ في شهر شوال. ومَن صامها قبْل قضاء ما فاته مِن رمضان، لم يَدخُل في الثواب الوارد في هذا الحديث، لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ ))، ومَن كان عليه قضاء، فإنَّه لا يَصْدُق عليه أنَّه صام رمضان. نفعني الله وإيَّاكم بما سمعتم، وختَم لنا رمضان برضوانه، والعِتقِ مِن نِيرانه، وغَفر لنا ما تقدَّم مِن ذنوبنا، إنَّه سميعٌ مجيب. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |