#1
|
||||
|
||||
شعرية المعنى في الخطاب الأدبي الإسلامي
شعرية المعنى في الخطاب الأدبي الإسلامي د. إبراهيم أنيس الكاسح يُثير وصف أيِّ أدب بأنه: إسلامي، أو ماركسي، أو وجودي.. إشكالاتٍ متعددةً، تتصل برفض حصر الإبداع الأدبي في إطار محدد ومغلق؛ فتتداعى الاعتراضات التي تأبى على الأدب أن يكون رهينَ رؤية محددة، أو أن يصدر عن مَقصديَّة فكرية مُلزمة تَأطره وتدفعه باتجاه غايات يجري تثبيتها سلفًا، وعادة ما يصدر هذا الاحتجاجُ عن المتحمسين للنظرة المثالية التي تجرد الفن عمومًا - والأدب على وجه الخصوص - من أيَّة غائيَّة أو مَطلبية سوى أن يكون وفيًّا لجوهره الجمالي الإبداعي! وقد رتَّب هذا الموقف إزاء الممارسات الإبداعية النسقية (النسق الإسلامي، أو الماركسي) انطباعًا مُشكِّكًا في إمكانية استمرارية هذه الممارسات الإبداعية، وقدرتها على تحقيق حضورها في المشهد الإبداعي الإنساني، وغالبًا ما تتسارع التوصيفات التي تذهب بهذه الآداب إلى كونها ستنتج نصوصًا وثائقية محمَّلة بالمعاني الجامدة التي تتسق مع طبيعة الخطابات الذرائعية، وتتنافى مع جوهر الإبداع الأدبي الذي يُرصد دائمًا في إطار الفعل الخلاَّق القادر على تحرير نفسه من الارتهان إلى أيَّة رؤى أو مطالب سوى تكريس مبدأ الإبداع، الذي ينظر إليه بوصفه ممارسة مبدئية تفي بجوهر الإبداع القائم على التجريب، والبحث الدائب وراء تشييد حالة الجذب الجمالي. وإذا اقتربنا أكثر من قضية الأدب الإسلامي، وتحديدًا من نظريته، فإننا نُسجل أننا أمام تصوُّر يُراد له أن يكون مشروعًا إبداعيًّا بديلاً، ينحرف عن المشروعات الأدبية السابقة والمُزامنة؛ ليقدم رؤية عن طبيعة الأدب وغايته تختلف عن أي من هذه المشاريع من جهة، وتتفق مع الرؤية الإسلامية في مجملها، وهي رؤية شاملة تحمل إمكانيات استيعاب كل أنواع السلوك البشري وغير البشري في الوجود. الخطاب الأدبي الإسلامي مشروع ينتقل بين مستويَين؛ مستوى مرجعي عنه يصدر هذا الخطاب، وهو العقيدة الإسلامية، ومستوى غائي يستهدفه، وهو التواصل الإبداعي مع المتلقي، ومع المستوى الآخر، بالذات، تنهض المَقولة المركزية التي أُريد تحريكها في هذا النص، والتي أريد منها أن تكون مناسبة للنقاش والحوار؛ لتتأتى فرصة تشييد نسق نظري عن الأدب الإسلامي يكون أكثر حيوية وفاعلية، وأقدرَ على تقديم الإجابات المُرضية، عندما تتم مساءلة طرح الأدب الإسلامي من جهة وَجاهته وقدرته على تكريس حضوره واقعًا إبداعيًّا فعليًّا، لا الاكتفاء بملاحظات تبريرية أو دفاعية في إطار من النوايا والرغبات المبدئية، التي وإن سجلنا تقديرنا لحسنها وصدقها، لكننا نجد صعوبة في الاقتناع بقدرتها على خدمة هذا الطرح موضوعيًّا وعلى الأرض. إلى من يتجه الخطاب الأدبي الإسلامي؟ وبما أنه خطاب، أردنا أن نبحث عن متلقِّيه، فهل يتَّجه هذا الخطاب الأدبي إلى المتلقي العربي فقط؟ باعتبار أن أغلب نصوصه كُتبت وتكتب باللغة العربية، أم أنه يتوجه إلى المتلقي المسلم الذي يشارك صاحب النص القاسمَ العقدي؟ وفي هذه الحالة، هل ستجدنا أمام متلقٍّ سُنِّي يبحث عن نصٍّ أدبي يتضمن معانيَ يتضامن معها هذا المتلقي، ومُتلقٍّ آخرَ شيعي سيكون أكثر مَيلاً إلى نصوص تنسجم مع انتظاراته وَفق النظرة الشيعية؟ وداخل هذين المذهبَين هناك تنوُّع كبير، يذهب بتلقي هذا الأدب في اتجاهات مختلفة، ويطرح تنوُّعًا في انتظارات المتلقين من هذا الأدب. ثم أين المتلقي (الإنسان) مهما تنوعت انتماءاته العَقدية والعِرقية؟ فنحن، في كل الأحوال، أمام حالة إنسانية بامتياز، وهي الإبداع الأدبي الذي يُحتِّم الوفاء لجوهره القائم على الوفاء بالمبدأ الإنساني فيه، والأدب المتميِّز الحامل لصفات البقاء والانتشار هو الأدب الذي يستطيع ملامسة الشجن الوجودي لكل إنسان في أي مكان، وفي أي زمان؛ لذلك نرصد عند مُنظِّري الأدب ونُقَّاده دائمًا بحثًا عن النص الأدبي الذي استطاع أن يتضمنَ قِيمًا إنسانية عالية تجعل تجربته الخاصة تتجاوز محدوديتها لتقترب من الهم الإنساني العام؛ وتأسيسًا على هذا القصد يكون تقدير النصوص الإبداعية الإنسانية. العقيدة الإسلامية مشروع كوني، وتصور إنساني شامل، مبدؤه الأساسي تحقيق إنسانية الإنسان وَفق الفِطرة الأولى التي فطر الله تعالى هذا الإنسان عليها، وكل ضوابط هذه العقيدة في أوامرها ونواهيها، هي حرص على العودة بهذا الإنسان، في كل مكان، إلى أصله الأوَّلي، وبهذا نادى الإسلام، وانطلاقًا من هذا التصور تَشكَّل مفهوم الأدب الإسلامي الذي تُجمِع كل أدبياته على أنه: تعبير جمالي يصدر عن الرؤية الإسلامية من خلال إحساس الأديب بها. وعلى ذلك نسعى إلى طرح مقاربة جديدة لنظرية الأدب الإسلامي، تنظر إلى طبيعته بوصفه ممارسة إبداعية أدبية مُكرِّسة للقيم الإنسانية المطلقة والثابتة، اعتمادًا على مصدر هذه القيم، المتمثل في الإسلام مصدر الحق والخير والجمال، وتطرح غاية لهذا الأدب تُشرك بين المثالي والواقعي؛ فهو ترسيخ للقيم المثالية والمطلقات الإنسانية التي تمثل الطموح الإنساني في المجتمعات البشرية؛ ليحصل تحقيق متقدِّم للعيش الإنساني الكامل الذي يدفع باتجاهه الدين الإسلامي، الذي هو العقيدة الإلهية الصحيحة والأخيرة في هذا الكون. كيف تُمكن الموازنة بين مقتضيات العقيدة الإسلامية (مرجع الأدب الإسلامي) والطبيعة الجمالية للأدب؟ وهي جمالية لا تتصل فقط بشكل النص الأدبي، وإنما تمس مضامينه أيضًا، بل إننا نستطيع أن نقول: إن هذه المضامين تمثل الإضافة، ومن ثَم الخصوصية في الأدب الإسلامي، فشكل الأدب الإسلامي يخضع للخصائص البِنائيَّة التي تميز الجنس الأدبي لهذا النص أو ذاك؛ ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نسجل خصوصية نوعية شكلية لهذا الأدب، ويتعذر، تأسيسًا على ذلك، الحديثُ عن مشروع مُفارق له أَنْساقُه التي يستَقِل بها عن غيره من المشاريع الأدبية الأخرى، فما الذي تبقَّى إذًا من خصوصية للأدب الإسلامي؟ إنها خصوصية المضامين التي تُكوِّن ما أسميناه (شعرية المعنى)، وهي شعرية مؤسسة على المشترك المضموني بين الناس في إطار من القيم الإسلامية التي تؤكد عليها العقيدة الإسلامية، وتطمح إليها رُوح الإنسان في كل زمان ومكان، كما أن الشعرية البنائية عند المهتمين بشعرية الخطاب تهتم بالخصائص والصفات البنائية الفنية المُشيدة لنسق الجنس الأدبي. يمثل الدين مصدر القيم الأساس، وعندما يشتغل النص الأدبي على التحسيس بهذه القيم، فإنه بذلك يُحقق المطلبَ الديني والإنساني في الوقت نفسه، وعندما تستوطن هذه القيم الأدب الإسلامي، فإنها تتيح له فرصة نوعية للذيوع، وتبعد عنه ما قد يوصف به من وثائقية أو وعظية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |