تأملات في حجة الوداع - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213687 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-06-2021, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي تأملات في حجة الوداع

تأملات في حجة الوداع (1)
- الحج عبادة عظيمة تحيا بها القلوب والأبـــدان والمجتمعات



د. ياسر حسين محمود



كلما اقترب موعد (الحج) تجدد في قلوب المؤمنين هذا الشوق العجيب لهذه العبادة العظيمة التي تحيا بها القلوب والأبدان، والمجتمعات والأمم، حج بيت الله الحرام {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97).

وهذا شوقٌ لا يحصل منه شبع بالوصول إلى بيت الله الحرام مرة أو مرتين أو أكثر؛ بل هو يزداد مع كل مرة، وكأن الإنسان لم يأتِ البيتَ قبْل ذلك؛ مصداقًا لقول الله -تعالى-: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (البقرة:125)؛ فكلما رجعوا عنه ثَابُوا إليه، لا يرون أنهم قد قضَوا منه وطرًا، وهو استجابة مِن الله -تعالى- لدعوة إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- التي خَلَّدَها الله -عز وجل- وغَيَّر بها وجهَ التاريخ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم:37).

شوق لأحوال الإيمان

والحقيقة أن: هذا الشوق -في قلوب المؤمنين- ليس لمجرد البقعة والأحجار، والجبال والوديان، ولا لذكريات صُحبة الرُّفَقاء التي تشغل كثيرًا مِن الناس؛ فضلًا عن أن يكون انشغالًا بأنواع المنازل والفنادق، والمطاعم والمشارب، والخيام وأنواع الترفيه التي توجد فيها، والأسواق التي يدخل الناس إليها، والتي صارت مسابقةً على الدنيا تُنْسِي الآخرة؛ ولكن هذا الشوق هو في الحقيقة لأحوال الإيمان، ومشاعر القلوب، وأنواع العبودية؛ للحب والرجاء والخشية، والتوكل والاستعانة، والتضرع والانكسار والدعاء، والخضوع والانقياد والافتقار إلى الله -عز وجل- في حاجات العبد كلها في دنياه وأُخراه، وتَعَلُّقه بالله دون مَن سواه، وابتغاء الفضل منه والرضوان، وذَوْق أَثَر طلب رضوانه -سُبْحَانَه- على قلب العبد وحياته.

حياةُ القلب ويَقَظَته

وحياةُ القلب ويَقَظَته بهذه العبودية هو الأصل المقصود مِن كل الشعائر التي إذا خَلَت منها كانت كالجسد الميت بلا روح؛ فكم مِن صائم ليس له مِن صيامه إلا الجوع والعطش، وكم مِن قائم ليس له مِن قيامه إلا السهر والتعب، وكم مِن حَاجٍّ ومُعْتَمِر ليس له مِن حجته ومِن عمرته إلا النفَقَة والسفَر ومُفارَقة الأهل والعادات، والإرهاق الحاصل مِن ذلك؛ إذا لم يحيا قلبُه بحب الله وخشيته، ولربما حصل لعباد الله المشتاقين إلى بيت الله الحرام بل إلى الله -عز وجل- ولقائه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وإن لم يصلوا إليه مِن معاني الحياة أكثر مما يحصل لكثيرٍ مِن الواصلين إلى البيت بأجسادهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، في غزوة تبوك: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: {وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؛ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ} (رواه البخاري)

حجة الوداع موقظة للشوق

وتظل حجة الوداع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُوقِظة للشوق المشتعل في قلوب المؤمنين، تزيده قوة واستضاءة ونورًا، وحُبًّا للصُّحْبَة على البُعْد -بُعْد الزمان والمكان-؛ صُحْبَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عسى أن يكون لهم النصيب في صُحْبَته - صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، وفي الجَنَّة؛ فإنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ كما تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولقد ساقها جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - لمحمد الباقر بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جميعًا- سياقًا؛ لا يزال المرء كلما قَرَأ الحديث تتجدد في قلبه الحقائق الإيمانية والرغبة المعجوز عن دفعها مهما كَثُرَت العقبات وتَضَاعَفَت النفقات لتحصيل هذه العبادة، كأننا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك المشاهد.

الحج واجب على التراخي

والناظر في حديث جابر - رضي الله عنه -، يلحظ في قول جابر - رضي الله عنه -: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ»: دليل ظاهر على أن الحج واجب على التراخي؛ لأن فرض الحج كان إما في سنة سِتٍّ مِن الهجرة في الحديبية، وفيها نزل قول الله -عز وجل-: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة:196)، فالدلالة عنه واضحة جدًّا؛ إذ أَخَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج سنة سبعٍ وثمانٍ وتسعٍ، مع تَمَكُّنه مِن الحج بعد فتح مكة سنة ثمانٍ ولم يحج، وسنة تسعٍ ولم يحج، ولم يكن في وقت الحج في غزوات، وإما أن يكون الحج قد فُرض سنة تسعٍ على الوفود، عند قدوم وفد نصارى نجران، ونزول سورة آل عمران التي نزل صدرها في قدومهم، وفيها قول الله -عز وجل-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران:97)، ومع ذلك لم يحج - صلى الله عليه وسلم - في السنة التاسعة، وإنما أمَّر أبا بكر على الحج، وأقام للناس حجهم.

اعتذار غير صحيح

وأما الاعتذار بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحج لوجود المشركين والعراة؛ فاعتذار غير صحيح؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أقام للناس الحج بإمارة أبي بكر - رضي الله عنه -، ولو كان غير مشروع لما أرسل أبا بكر، ولو كان وجود منكرات في الحج مسقطًا لوجوبه لما وجب على الناس حج أبدًا؛ لوجود مَن يرتكب المنكرات فيه مع تفاوت درجاتها، وأبعَد منه قول مَن قال: إن حجة أبي بكر وقعتْ في ذي القعدة؛ احتجاجًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: {إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} (متفق عليه)؛ فهذا قول باطل يخالف صريح القرآن، قال -تعالى-: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} {التوبة:3}، وقد كان ذلك يوم النحر مِن سنة تسعٍ، إذ نودي فيها: «أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (متفق عليه)، «وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

تصور غير مقبول

وكيف يتصور أحدٌ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُقِرُّ النسيء الذي ابتدعه المشركون زيادة في الكفر، ويبني عليه الأحكام مع تبديل الشهور عن حقيقتها؟! وإلا فقد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رمضان تسع سنوات متتالية دون تغيير، وكذا اعتماد الأشهر الحُرُم قبْل حجة الوداع في تحريم القتال، وغيرها مِن الأحكام، وإنما دَلَّ الحديث على أن الأشهر التي خلقها الله -سبحانه- يوم خلق السماوات والأرض هي التي كان عليها عمل النبي - صلى الله عليه وسلم-، وذلك مِن فجر الإسلام لم يتغير، ولا يلزم مِن الحديث أن الأعوام السابقة على حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - «حجة الوداع» كانت على غير ذلك مِن نسيء؛ بل فعله أهل الجاهلية قبْل الإسلام فأبطله الله بالإسلام مِن أول ما عمل النبي -صلى الله عليه وسلم - على الشهور القمرية منذ بعثته.

فالخلاصة: أن تأخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحج سنة تسعٍ دليل واضح على أن الحج فُرض على التراخي، وإن كان الاستحباب المؤكد: «التعجيل»؛ فإن الإنسان قد يمرض، أو يفقد راحلته (وسيلة المواصلات)، أو أن يُقطع الطريق، أو غير ذلك مِن أعذار، وتأكيد الاستحباب هو الذي تُحمل عليه الأدلة الدالة على تعجيل الحج.

مَن نوى الحج قبْل موته لم يأثم

وهذا يدل على أن مَن نوى أن يحج قبْل موته لم يأثم، فضلًا عن أن يُكَفَّر، كما يلزم مَن يقولون بتكفير تارك المباني الأربعة للترك المجرد كالتكاسل؛ فإن رجعوا إلى القول بالتكفير بالعزم على ألا يحج حتى يموت كما ذكره ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- لم يكن هذا تكفيرًا بالترك المجرد؛ بل بالعزم على عدم الحج، ولا دليل عندهم على ذلك إلا مَن كان آبيًا أو مستكبرًا أو مستحِلًا لترك الحج، أي: جاحدًا لوجوبه؛ ولا نزاع في كفر هذا، ومَن يُكَفِّر بالترك المجرد إنما يحتج بأن الحج مِن أركان الإسلام؛ فمَن لم يأتِ به كان كتارك الشهادتين، ومَن عزم أن يحج فمات قبْل أن يحج تاركًا له؛ فيلزمهم تكفيره؛ وهم لا يملكون رد ذلك، وقد قالت طائفة كبيرة مِن أهل العلم، منهم: الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- ومَن وافقه، بأن الحج واجب على التراخي؛ فمن عزم أن يحج قبْل أن يموت فهو غير آثم.

حقيقة الاتباع

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ؛ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ»: دليل على القاعدة العامة الشاملة التي تشكِّل حياة المسلم باتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل أقواله وأفعاله؛ فنصلي كما رأيناه يصلي، ونحج كما حج، ونأخذ عنه مناسكنا، ونفعل كما فعل؛ فإن الاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو مِن أعظم أسباب حب الله -تعالى- للعبد، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران:31، 32)، وهذا الاتباع هو تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

طلب علم سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم


فلابد أن يطلب المسلم علم سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكتفي برفع الشعار، أو الاكتفاء بالهيئة الظاهرة كاللحية والقميص مثلًا ليكون سُنِّيًّا كما هو مصطلحٌ عند الناس، بل لابد أن يتعلم السُنَّة ويطلب فهمها؛ ليعمل بها ويدعو إليها في كل شؤون الحياة، في العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والسلوك والخُلُق، والشأن العام، والشأن الخاص، شأن المجتمع والدولة، ولا عِزَّ لأمة الإسلام إلا باتباع السُنَّة علمًا وعملًا وسلوكًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-06-2021, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات في حجة الوداع

تأملات في حجة الوداع (2)
- الحج عبادة عظيمة تحيا بها القلوب والأبـــدان والمجتمعات



د. ياسر حسين محمود



ما زال الحديث مستمرًا حول حجة الوداع وما فيها من دروس وعبر وقد ذكرنا أنه كلما اقترب موعد «الحج» كلما تجدد في قلوب المؤمنين هذا الشوق العجيب لهذه العبادة العظيمة التي تحيا بها القلوب والأبدان، والمجتمعات والأمم، حج بيت الله الحرام {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97).
قال جابر - رضي الله عنه -: «فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي»، ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة، وادٍ داخل حرم المدينة، له جاذبية خاصة في قلوب المؤمنين عبْر العصور، وفيه سكينة مُضاعَفة، كيف لا؟ وقد شهد البدء المبارك لحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو مِائَة ألفٍ، بل أكثر مِن أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وزاد العدد حين كان في مكة إلى نحو مائة وأربعين ألفًا، جاؤوا مِن الأقطار المختلفة، وأدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق، فهو أكبر تجمع بشري شهدته الجزيرة العربية آنذاك.
السكينة العجيبة
فكيف نستغرب السكينة العجيبة والجاذبية الخاصة له؟! إذ إن أعمال الناس تؤثر على المكان، كما أن المكان المبارك يؤثر في قلوبهم حبًّا لله وشوقًا إليه وإلى عبادته، ثم قبْل ذلك البركة التي جعلها الله فيه؛ فهو الوادي المبارك، الذي أرسل الله -عَزَّ وَجَلَّ- جبريل -عليه السلام- للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة إحرامه، وهي ليلة الأحد السادس والعشرين مِن ذي القعدة؛ إذ قد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن المدينة بعد أن صلى الظهر أربعًا في مسجده مِن يوم السبت لخَمسٍ بقين مِن ذي القعدة، وصلى بذي الحليفة ركعتين، ومِن أسماء هذا الوادي: وادي العقيق، والوادي المبارك، وهو المشهور بـ(أبيار علي)؛ نسبة إلى سلطان إفريقي يقال له: «علي»، حَفَر بها أبيارًا للحجيج، وليس بعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه.
صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة
وقد صَلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بها (بذي الحليفة) العصر ركعتين، والمغرب، والعشاء ركعتين، والصبح، والظهر مِن يوم الأحد، وأحرم بعد الظهر، وفي تلك الليلة أتاه آتٍ مِن ربه فقال: «صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ) (رواه البخاري)، وهو دليل صريح أن إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قِرانًا منذ بداية حجه، وبيات النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحليفة وبقاؤه هذه المدة للصلاة في هذا المكان المبارك، ولعل ذلك أيضًا لكي يلحقه مَن أتى المدينة يريد أن يحج معه مِن المسلمين؛ فلا يفوتَنَّك أخي الحاج والمعتمر أن تصلي في هذا الوادي المبارك.
سنن مهجورة
ومِن السنن المهجورة: الصلاة بالمسجد في ذي الحليفة قبْل دخول المدينة المنورة للقادم مِن مكة أو غيرها، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -مَا- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج مِن مكة المكرمة يصلي في مسجد الشجرة، وهو مسجد ذي الحليفة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح، وسمي مسجد الشجرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزل تحتها عنده.
حديث أنس - رضي الله عنه
وحديث أنس في الصحيح: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» (متفق عليه)، أوضح دليل على عدم جواز القصر ولا الجمع، ولا الترخص برُخَص السفر -كالفطر في رمضان- لمَن كان على أهبة السفر وهو لم يغادر الحضر؛ خلافًا للمذهب الشاذ الذي انتشر عند بعض المتأخرين خلافًا للسُنَّة الصحيحة الصريحة، ولعامة أهل العلم، قال ابن عبد البر -في الفطر في الحضر لمَن هو على أهبة السفر-: «الفطر في الحضر ليس له حظ مِن نظر ولا أثر» (انتهى). وكذلك الجمع والقصر.
وقد اشتبه عليهم حديث أنس - رضي الله عنه -؛ فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا، وَقَدْ رُحِلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ قَالَ: «سُنَّةٌ» ثُمَّ رَكِبَ -أي مسافرًا-، (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وليس في الحديث أن ذلك كان في الحضر، بل أهبة السفر كانت ولم تزل تكون خارج البلد، ومَن خرج مِن البلد وغادر بيوتها كان له الفطر والقصر والجمع -ولو كان يرى البيوت-؛ لأنه شرع في السفر، والمطار يكون غالبًا خارج البلد، وكذا الميناء، أما داخل البلد فلا يجوز القصر ولا الجمع، ولا الفطر حتى يضرب في الأرض كما هو ظاهر الكتاب والسُّنة.
خروج أسماء بنت عميس -رضي الله عنها
وفي خروج أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- وهي إذ ذاك زوجة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وهي حاملٌ مُتِمٌّ على وشك الولادة -إذ إنها وضعت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة- دليلٌ على الهِمَّة العالية للصحابة والصحابيات -رضي الله عنهم- في الحرص على ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أمكنهم، مع صعوبة الطرق، وطول المسافة، وكثرة الزحام، وصعوبة الركوب على الدواب بالنسبة إلى وسائلنا المعاصرة، وعدم تمهُّد المناسك وقتها كما تمهَّدت في زماننا، ومع كل هذا خرجت ولم تعبأ بعدم وجود تجهيزات الولادة في الطريق، ولم يكونوا يعبؤون بأمر الطعام والشراب والمبيت، بل ينزلون كل ليلة في الصحراء وينامون فيها؛ فلينظر النساء في زماننا بل والرجال إلى هِمَّة أسماء بنت عُمَيس العالية، وتوكلها على الله، وتوكل زوجها الصديق - رضي الله عنه -؛ إذ اصطحبها وهي حاملٌ مُتِمٌّ، ولم يقل لها: «استريحي هذا العام فأنت معذورة!»؛ لعل هِمَمَنا أن ترتفع لتلحق بساقة هممهم ومؤخرها -رضي الله عنهم.
التكافل في المجتمع المسلم
ثم لننظر لأسماء بنت عميس -رضي الله عنها-؛ كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، فلما استشهد في مؤتة - رضي الله عنه - تزوجها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، فلما مات عنها بعد خلافته تزوجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ هذا يدلنا على سعة الأمر ويسره عندهم، أن تتزوج المرأة بعد زوجها، وكانت مُحِبَّةً له؛ ولم يتهمها أحد بخيانته وعدم الوفاء له وعدم الحب له، بل أزواجها كلهم مِن أهل الجنة، وهذا أيضًا يبيِّن لنا أمرًا مهما مِن أمور التكافل في المجتمع المسلم؛ فأهل مَن يُقتل أو يموت لا يُترَكون ولا يُضيَّعون، بل يوجد مَن يكفلهم ويكفيهم أمرَهم على الفور، وأحسن ذلك بالزواج والتعدد، وهذه مِن أعظم فوائد التعدد وحِكَمه، وأما مجتمعاتنا فترى سرعة زواج المرأة نقيصة، كما ترى النساءُ التعددَ عمومًا كأنه نهاية العالم بالنسبة للمرأة، وكأنه أمر غير مطاق! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أحكام تخص الحائض والنفساء
وفي الحديث: أن النفساء -ومثلها الحائض- يصح إحرامها، ويستحب أن تغتسل عند الإحرام كسائر المحرمين، وإن كان لا يرفع الغسل حدثها؛ فبالأولى غير الحائض والنفساء؛ فالسًّنة للجميع أن يغتسلوا قبْل الإحرام مع الترجُّل والادِّهان، وقد تجرد النبي - صلى الله عليه وسلم - واغتسل، وكان قد خرج مِن المدينة بعد ما ترَجَّل وادَّهَن ولبس إزاره ورداءه؛ وهذا أفضل مِن لبسهما في ذي الحليفة، بل مِن مكان نزوله بالمدينة، لكن لا يُحرم إلا في ذي الحليفة مِن حيث أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: أن الحائض والنفساء تفعل كل ما يفعل الحاج، وكذا في العمرة، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.
الترخيص لمن تعجز عن العودة
وقد رخَّص ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في ذلك لمَن تعجز عن العودة؛ أما إذا كانت يمكنها العودة -ولو بعد حين- فهو لا يُرَخِّص لها؛ وقد تَوَسَّع الناس في ذلك توسعًا غير محمود، ومخالِفًا لأصل فتوى ابن تيمية تساهلًا في مخالفة السُّنة، بل المَحرم والزوج تحبسه زوجته الحائض والنفساء، كما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع أن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قد حاضت قال: «عَقْرَى حَلْقَى مَا أُرَاهَا، إِلَّا حَابِسَتَنَا» (رواه البخاري ومسلم وابن ماجه واللفظ له)، ظنًّا أنها لم تكن طافت طواف الإفاضة يوم النحر؛ فعزم على أن يُحبس هو ومَن معه ممَن كان مُلَازِمًا له حتى تطهر صفية ثم تطوف بالبيت، فقيل له: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ -يوم النحر- وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ»، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَلْتَنْفِرْ» (متفق عليه)؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض.
أكبر تجمع للصحابة

قال جابر - رضي الله عنه-: «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ؛ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ»، وهذا أكبر تجمع للصحابة في التاريخ، وكل مَن لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا مِن هؤلاء فهو صحابي، ولو كان مولودًا أثناء الرحلة المباركة، كمحمد بن أبي بكر.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.17 كيلو بايت... تم توفير 2.40 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]