الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 269 - عددالزوار : 13497 )           »          معيار التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          الفراغ أول طريق الضياع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          الهـــوى وأثره في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 85 )           »          القاضي الفاضل وفضله على أهل مصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          حوار مع كتاب :«الرؤى عند أهل السنـة والجـماعـة والمخالفـين» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          تدخـل الأهــل في نزاعات الزوجين.. تهديد لاستقرار الأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          ثعبان يتحرَّك بخُبْث من تحت أقدامنا ونحن غافلون..التنصـــير ودعوات الكفر والإلحاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          مفهوم البطولة في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 63 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 79 - عددالزوار : 18275 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 13-08-2021, 02:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الضمان]
صـــــ 210 الى صــــــــ
218
الحلقة (149)

ومثل ذلك ما إذا دفع الدين قبل وجوب دفعه على الأصيل، فإذا استأجر شخص منزلا بأجرة يدفعها في نهاية الشهر شخص، ثم دفعها الضامن لا يرجع بها، وذلك لأن الأجرة في لا تجب على المستأجر بمجرد العقد ولا تملك بالعقد كما تقدم في الإجارة فالضامن دفع مالا يملكه صاحب الدين أيضا.
وإذا دفع المديون الأصلي الدين ولم يعلم الكفيل فدفعه الكفيل لصاحب الدين مرة ثانية فإنه لا يرجع على المديون الأصلي وإنما يرجع على صاحب الدين أخذ حقه مرتين.
وهذا بخلاف ما إذا حل الدين على المديون قبل أحد، ثم أتى بكفيل يضمنه إذا مد له صاحب الدين الأجل، فقيل فإن التأجيل يكون للأصيل والضامن معا في هذه الحالة.
والفرق بين الحالتين ظاهر لأن الكفالة في الحلة الأولى كانت مقررة من قبل فكان لصاحب الدين الحق في مطالبة الضامن والكفيل ولا يلزم من مد المطالبة ككفيل تأجيل الدين للأصيل.
أما في الحالة الثانية فغن الكفالة لم تكن موجودة وليس لصاحب الدين حق يصح تأجيله إلا نفس الدين ومتى تأجل فقد تأجل بالنسبة للمديون وللضامن.
ومع ذلك فغن صاحب الدين إذا اشترط أن يكون التأجيل خاصا بالضامن لا بالإصيل، فإنه يعمل بشرطه ويكون له الحق في مطالبة الأصيل بسداد دينه متى شاء. ومثل ذلك ما إذا قال الكفيل أجلني أنا فأضاف الأجل إلى نفسه خاصة.
ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو بموت الضامن فغذا مات الضامن وأخذ صاحب الدين حقه من ورثته فليس له الحق في مطالبة المديون إلا عند حلول أجل الدين. وكذلك إذا مات المديون وحل دينه فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن إلا عند حلول الأجل، وإذا مات الاثنان معا كان صاحب الحق مخيرا بين أن يأخذ من تركه أيهما شاء.
ومنها: أنه إذا صالح الكفيل صاحب الدين على نفسه بأن كان دينه ألفا فرضي بأن يأخذ خمسمائة ويترك الباقي فإن الصلح ينفذ بالنسبة للأصيل والوكيل في ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يشترط الكفيل براءتهما معا.
الحالة الثانية: أن يشترط براءة الأصيل ويسكت عن نفسه.
الحالة الثالثة: أن يسكت ولم يشترط شيئا. أما إذا اشترط براءة نفسه فقط فإن ذلك يكون فسخا للكفالة ويبقى الدين في ذمة الأصيل فيأخذ منه صاحب الدين الدين الخمسمائة الباقية له ويأخذ الكفيل الخمسمائة التي دفعها لصاحب الدين.
ومنها: أن المديون إذا دفع الدين ككفيل قبل أن يدفعه الكفيل لصاحب الدين فإن ذلك يحتمل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يدفعه تعجيلا لقضاء الدين كأن يقول له خذ ما على من الدين الذي ضمنتي فيه قبل أن تؤديه وفي هذه الحالة يصبح ذلك الدين ملكا للضامن فليس للمديون أن يسترده منه ثانيا، ولو لم يسلمه لصاحبه لأنك قد عفرت في تعريف الكفالة أن الكفالة تقتضي دينا ومطالبة للضامن في ذمة المديون مؤجلين إلى أن يدفع الدين لصاحبه فإذا عجل المديون دفع الدين للضامن فقد ملكه ملكا صحيحا فإذا اتجر فيه وربح كان ربحه حلالا طيبا وإذا هلك في يده كان ضامنا له ومسؤولا عنه.
الأمر الثاني: أن يدفعه له وعلى وجه الرسالة كأن يقول له خذ دين فلان الذي ضمنتي فيه وادفعه له فإن الدين يكون أمانة في يده وللمديون أن يسترده منه قبل ثانيا قبل أن يدفعه لصاحبه على التحقيق وإذا اتجر فيه وربح لا يحل أن يأكل ربحه بل عليه أن يتصدق به كالغاصب وإذا هلك الدين في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه ولا يكون مسؤولا عنه لأنه أمين عليه.
الأمر الثالث: أن يدفعه له بدون أن يذكر أنه على وجه الرسالة أو على وجه تعجيل قضاء الدين وفي هذه الحالة يحمل على وجه القضاء. وعلى أي حال فإذا دفع المديون لصاحبه بعد أن اعطاه للضامن فإنه على الضامن بما أعطاه.
ومنها: أن الكفالة في الضرائب ونحوها جائزة سواء كانت عادلة أو ظالمة فيجوز للشخص أن يضمن في عوائد الأملاك سنويا وفي الخراج المقرر كذلك ونحو ذلك مما يأخذه الحاكم ليضون به الأمن أو ينشيء به المصالح العامة من شق الأنهار وبناء القناطر وإصلاح الطرق وغير ذلك من المصالح العامة وكذلك يجوز له أن يضمنه في الضرائب الظالمة كالمكوس التي كانت تفعل في الأزمنة الغابرة ونحوها. وبعضهم يقول إن الضرائب الظالمة لا يصح الضمان فيها والرأيان مصححان ولكن الأول هو الأرجح. ويرجح الكفيل بما دفعه على المضمون إن كانت الكفالة بأمره.
ومنها: أن الخبر المبني على غلبة ظن الشخص واجتهاده لا يكون ضمانا ملزما للمخبر به مثلا إذا قال شخص لآخر: اسلك هذه الطريق فإنها فسلكها فلقيه لص سلبه ماله فإن المخبر الذي قال له إنها آمن لا يضمن لان عبارته هذه مبنية على ما يظنه وقد يكون مخطئا أو يكون قد عرض عليها خلل الأمن وهو لا يدري.
نعم إذا أكد هذا القول بأن قال له اسلك هذا الطريق فإن كان مخوفا ونهب مالك فأنا ضامن ففعل ونهب ماله فقد اختلف فيه فقال بعضهم إنه يضمن ما فقده من المال وبعضهم قال لا يضمن وذلك لأنه يشترط لصحة الضمان أن يكون المضمون معلوما، وأمن الطريق مجهول، فكيف يصح الضمان؟ وقد أجاب القائلزن بصحة الضمان في مثل هذا مع جهل المكفول عنه بطريقة استثنائية زجرا للناس عنه فإن خطورة هذه الأمور تستدعي احتاطا خاصا فإذا عرف الناس عدم المؤاخذة فيما يقولونه من ذلك يقدمون عليه بدون مبالاة فيغررون بالناس ويوقعونهم في الأخطار، وهو وجيه. أما ما أجاب به بعضهم بأن المكفول عنه وإن كان مجهولا، ولكن الضمان صحيح لأن فيه تعزيرا، والغرر يوجب الرجوع على من غرر إذا كان الشرط فإنه جواب لا يجدي لأن ضمان الغرر هو في الحقيقة ضمان الكفالة فيشترط له ما يشترط لها.
ومنها: أنه إذا قال زيد لعمرو ضمنت لك بما يقتضي لك عليه القاضي ثم غاب خالد المضمون فادعى عمرو المضمون له على زيد الضامن أن له كذا على خالد المضمون الغائب ويربهن على ذلك فإنه لا قبل منه وذلك لأنه لا يمكن القضاء على الغائب إلا إذا ادعى حقا على الحاضر لا يمكن إثباته إلا على الغائب وليس للمدعي حق على الكفيل لأنه إنما كفله بقضي القاضي به على الغائب فإذا أقام البينة على أن القاضي على المضمون عليه بكذا قبل غيابه وبعد الكفالة فإذا كانت الكفالة بأمر الغائب فإنه يقتضي له على الكفيل وعلى الغائب ضمنا وإن حضر الغائب وأنكر فلا يلتفت لانكاره، أما إذا كانت الكفالة بغير أمره قضى على الكفيل دون الغائب.
الشافعية - قالوا: يتعلق بالضمان أحكام، منها أنه لا يصح الضمان بشرط براءة المضمون الأصلي فإذا قال شخص: ضمنت الدين الذي على فلان بشرط براءة ذمته فإنه لا يصح لأن عقد الكفالة يقتضي شغل ذمة المديون والضامن معا.
ومثل ذلك الكفالة فإذا كان لشخص كفيل فجاء آخر وقال إنني أكفله بشرط براءة الكفيل الأول فإنه لا يصح.
ومنها: أن لصاحب الدين أو أوراثه مطالبة الضامن والمضمون معا أو مطالبة أحدهما بكل الدين أو ببعضه فإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر كما تقدم لأن الذمتين قد شغلتا بدين واحد فالدين بمنزلة فرض الكفالية يتعلق بذمة المتعدد ويسقط بأداء البعض.
ومنها: براءة المديون الأصلي تسلتزم براءة الضامن فإذا برئ الضامن بأن أدى الدين أو أبرأه صاحب الدين أو غير ذلك فإن ذمته تبرأ بذلك.
أما براءة الكفيل بغير الدين فإنها لا تستلزم المديون الأصلي. أما إذا كانت بغير الدفع كأن أبرأه صاحب الدين فإن كانت براءته من الضمان فقط فإنها لا تستلزم براءة ذمة المدين، أما إن كانت من المدين فإنها تستلزم براءة الأصيل إن قصد صاحب إباءة أيضا وإلا فلا.
ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو موت الضامن فإن مات المديون الأصلي فلصاحب الدين أخذ دينه من تركه قبل حلول أجل الدين فإن تأجر عن أخذ دينه فللضامن الذي أمره المديون بأن يضمنه أن يطالبه بأخذه من تركه أو إبرائه من الضمان إذ تبدد التركة فلا يجد ما يرجع عليه إن دفع.
أما الضامن الذي ضمن بدون أمر المديون فليس له أن يحث صاحب الدين على أخذ دينه من التركة لأنه لاحق له في الرجوع كما تقدم في الشروط.
وإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين فإن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من ترته حالا وليس لورثته الحق في مطالبة الأصلي الذي أذن بالضمان قبل حلول الجل.
ومنها أن الكفيل إذا عقد صلحا مع صاحب الدين بان يأخذ أقل فلا حق له في أن يأخذ أكثر مما صالح عليه فإذا كان ضامنا لمائة فصالح على سبعين منها رجع على المديون بالسبعين فقط.
وكذا لو كان الدين أثوابا جيدة فصالح على أثواب رديئة فإنه لا يستحق إلا الأثواب التي دفعها.
وإذا كان لصاحب الدين مائة جنيه فياعه الضامن بها أثوابا فإنه يرجع على المديون الأصلي بالمائة التب باع بها لا بقيمة الثوب سواء كانت أقل من المائة أو أكثر.
ومنها أن الحوالة بالدين كآدائه فإذا أحال للضامن صاحب الدين بدينه على آخر فإن كان الضامن مأذونا بالضمان من المديون كان له حق مطالبته والرجوع عليه وإلا فلا.
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب، فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين، فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها.
الحنابلة - قالوا: من الأحكام المتعلقة بالكفالة أنه إذا قال شخص لآخر اضمن عن فلان أو أكفل عنه ففعل كان الضمان والكفالة لازمين لنفس الذي ضمن أو كفل، أما الآمر فإنه لا يلزم بشيء ومنها غير ذلك مما تقدم في تعريف الضمان وشروطه) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 13-08-2021, 02:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الوديعة]
صـــــ 219 الى صــــــــ
222
الحلقة (150)

[مباحث الوديعة]

[تعريفها]
-معنى الوديعة في اللغة ما وضع عند غير ليحفظه يقال أودعته مالا أي دفعته إليه ليكون وديعة عنده. ويقال أيضا مالا بمعنى قبلت منه ذلك المال ليكون وديعة عندي. فالوديعة من أسماء الأضداد تستعمل في إعطاء المال لحفظه وفي قبول ومصدر أودع - الإيداع - وهو بمعنى الوديعة فالوديعة اسم للإيداع وتطلق على العين المودعة، أما معناها في الشرع ففيه تفصيل المذاهب (1) .
[أركان الوديعة وشروطها]
-للوديعة بمعنى الإيداع أربعة أركان: العين المودعة، والصيغة، والمودع - بكسر الدال - والمودع - بفتح الدال - ويقال له وديع وهو الأمين الذي يحفظه الوديعة وسنلتزم التعبير به، ولكل ركن من هذه الأكان شروط مفصلة في المذاهب (2) .
(1) (الماكية - قالوا: للوديعة تعريفان:
أحدهما: تعريفها بمعنى المصدر وهو الإيداع، ويلزم من تعريف الشيء المودع.
ثانيهما: تعريفها بمعنى الشيء المودع.
فأما تعريفها بمعنى المصدر فهو على وجهين:
الأول: أنها عبارة عن توكيل على مجرد حفظ المال. فالإيداع نوع خاص من أنواع التوكيل لأنه توكيل على خصوص حفظ المال.
فالتوكيل على البيع والشراء، أو الطلاق والنكاح، أو الخصومة، ونحو ذلك لا يسمى إيداعا.
وكذا خرج غير المال كإيداع الولد والزوجة عند الغير فإنه لا يسمى وديعة.
وكذا خرج ما ليس مقصورا على الحفظ كالوديعة في أمر من الأمور الأخرى فإن الوكيل فيه ليس مقصورا على مجرد الحفظ بل التصرف أيضا.
الوجه الثاني: أنها عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى المودع (بفتح الدال) ومعنى ذلك أن الشيء المملوك الذي نقله كالحيوان وأثاث المنازل والذهب والفضة يكون حفظه منوطا بمالكه فإيداعه عند الغير عبارة عن نقل مجرد هذا الحفظ إليه بدون تصرف وبذلك خرج مقل الملك نفسه بالبيع والشراء والهبة والصدقة وغير ذلك من العقود التي ينقل بها الملك من شخص لآخر كالرهن والإجارة وغيرها.
وخرج بقوله الشيء الزوجة والولد فإنهما لا يملكان، وخرج بقوله الذي يصح نقله العقار الثابت كالدور والأراضي فإن حفظها عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف، وعلى هذا فلا حاجة قيد يصح نقله.
وأما تعريفها بمعنى الشيء المودع فهو عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودع - بفتح الدال - فالشيء المملوك وقوله نقل مجرد حفظه خرج ما قد عرفت أنفا كما عرفت الخلاف في زيادة قيد يصح نقله.
الحنفية - قالوا: الوديعة بمعنى الإيداع هي عبارة عن أن يسلط شخص غيره على حفظ ماله صريحا أو دلالة. فالصريح كما إذا قال له خذ هذا المال لتحفظه عندك لي. والدلالة كما إذا وجد شخص سلعة رجل غائب فأخذها فإنها تكون وديعة عنده بحيث إذا تركها مرة أخرى يلزم بها أما إذا أخذها وصاحبها حاضر ثم تركها ففقدت فإنه لا يضمنها.
وأما الوديعة بمعنى الشيء فهي عند الأمين ليحفظها. والوديعة غير الأمانة اسم كل شيء غير مضمون، فيشمل جميه الصور لا ضمان فيها كالعارية والشيء المستأجر ونحوهما، ولا يشترط في الأمانة القبول.
أما الوديعة فهي اسم لخصوص ما سترك عند الأمين بالإيجاب والقبول صريحا أو دلالة كما ستعرفه.
الشافعية - قالوا: الوديعة بمعنى الإيداع هي العقد المقتضي الشيء المودع. والمراد بالعقد الصيغة المقتضية لطلب الحفظ كقول زيدا لعمرو استحفظك هذا المال فيقول عمرو قبلت. وتطلق شرعا على العين المودعة، ولكن إطلاقها على العقد معنى شرعي فقط، أما إطلاقها على العين فهو شرعي في الحفظ فيشترط في المودع ما يشترط في الموكل ويشترط في المودع ما يشترط في الوكيل ويعتبر في الوديعة ما يعتبر في الوكالة) .

(2) (الحنفية - قالوا: للوديعة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأن المراد الإيداع وهو العقد وذلك هو الركن الذي تتحقق به الوديعة، أما غيره فليس داخلا في الماهية فيكون شرطا لاركنا.
الشافعية - قالوا: يشترط في الوديعة شروطها منها ما يتعلق بالعين المودعة ويشترط فيها أن تكون شيئا له قيمة ولو كان نجسا كالكلب الذي ينفع لصيد وحراسة ونحوها، أما إذا لم تكن كالكلب الذي لا منفعة له فإنه لا تصح فيه الوديعة.


ومنها: ما يتعلق يالصيغة. وهو إما (صريح أو كناية) فالصريح كقوله: (استودعتك هذا المال) ، أو (أطلب حفظ هذا المال) والكناية كقوله: خذ هذا المال (ناويا إيداعه عنده) . فالكناية لا بد فيها من النية، ولا يشترط أن يكون اللفظ من جانب المودع، بل يصح أن يكون من جانب الوديع. فإذا قال له أودعني هذا المال، فدفعه إليه ساكتا فإنه يصح. فالشرط أن يصدر اللفظ من أحدهما: فإذا قال المودع: (استودعتك هذا الحيوان) ، ولم يقل له الوديع: قبلت، ولكنه استلم الحيوان صحت الوديعة.
أما إذا قال له: لا أقبل عنده فضاع فإنه لا يضمن ولا يكفي أن يتركه بين يديه بل لابد من قبضه إياه، فإذا وضع شخص ثوبه أمام آخر وقال له: استودعتك هذا الثوب، فسكت ولم يقبضه لا يكون وديعا.
وعلى هذا فإن الثياب التي يخلعها صاحبها في الحمام لا يلزم صاحب الحمام بها إلا إذا قال له احفظ ثيابي هذه وسلمها إياه أو أعطاه عليها أجرة؛ فإذا لم يفعل ذلك وضاعت فإن الحمامي لا يضمنها. ومثل الحمام في ذلك الخان (الوكالة) المعروفة المعدة لحفظ الحيوانات ونحوها. فإذا أودع شخص حماره أو فرسه في الوكالة فإن أعطى لصاحبها أجرة أو سلمها له فضاعت فإنه يضمنها إذا قصر في حراستها.
أما إذا قام بواجب الحراسة بما يقتضيه العرف فخرجت الدابة من غير أن يشعر فإنه لا يضمنها ويصدق بيمينه في ذلك.
أما إذا وضع فرسه في الوكالة بدون أجر وبدون أن يسلمها إلى صاحب الوكالة فإنها تضيع على صاحبها بدون ضمان.
الحنفية - قالوا: يشترط للوديعة شروط. منها ما يتعلق بالصيغة؛ وهي الإيجاب والقبول ويشترط في الإيجاب أن يكون بالقول أو بالفعل، والقول إما أن يكون صريحا أو كناية، فالقول الصريح كأن يقول صاحب لوديعة: أودعتك هذا المال؛ والكناية هي ما قابل الصريح بحيث يكون اللفظ محتملا لمعنى الإيداع لمعنى الإيداع وغيره. مثاله: أن يقول شخص لآخر: اعطني هذه الدابة مثلا فيقول أعطيتك؛ فإن كلمة أعطني الهبة، وتحتمل الوديعة؛ والوديعة أقل من الهبة طبعا، فيكون هو المهنى المتقن الذي يمكن اعتباره.
وأما الإيجاب بالفعل فهو أن يضع شخص ثوبا ونحوه بين يدي رجل آخر ولم يقل له شيئا فإن لك يكون إيداعا. وهذا النوع كان كثير الوقوع بين طلبة الأزهر فإن الطالب كان يأتي بمتاعه ويضيعه امام آخر من إخوانه ويذهب لقضاء حاجته. وكان معنى الإيداع متعارفا بينهم وإن لم يقل له لا أقبل الوديعة أو احفظها عند غيري أو نحو ذلك مما يدل على عدم القبول.
ومن ذلك ما إذا أرسل شخص نعجته 'لى راعي الغنم مع رسول ليودعها عنده فلم يقبلها الراعي (الغنام) وردها مع الرسول فضاعت فإن ظاهر مسألة الثوب تقتضي أن الراعي لا يضمنها لأنه لم يقبلها صريحا، وهذا رأي بعضهم.
ولكن التحقيق أن الراعي يضمنها في هذه الحالة وذلك لأن عليه أن يقبلها ثم يردها بنفسه لصاحبها إن شاء، أما كونه بعيدها مع رسول أجنبي منه فإنه تفريط يوجب الضمان. فهذه ليست كمسألة الثوب لأنه لم يقبل إيداعه من صاحبه.
وكذلك القبول من الوديع فإنه تارة يكون صريحا كقبلت أو دلالة كسكوته عند وضع المتاع بين يديه كما ذكرنا في مسألة الثوب وكما إذا وضع ثيابه في حمام بمرأى حارس الثياب فإن ذلك يكون إيداعا. ومثل ذلك ما إذا قال صاحب الدابة لرب الخان (الوكالة) أين أربطها؟ فقال له: هناك، فإن ذلك يكون إيداعا.
وإذا وضع شخص متاعه عند آخر فقال له: لا أقبل إيداعه فتركه صاحبه ومضى فأخذه الآخر الذي لم يقبل إيداعه وأدخله منزله فإنه يعتبر قابلا بذلك فيلزم أن لا يقصر في حفظه.
وإذا وضع شخص كتابه بين يدي قوم فذهبوا وتركوه فضاع كان عليهم ضمانه وإذا تركوا عنده واحدا منهم فقام وراءهم ضمنه وحده لأنه هو الذي وجب عليه حفظه بعد قيامهم.
وإذا أدخل شخص دابته في منزل آخر فأخرجها فضاعت فإن صاحب المنزل لا يضمنها لأنها تضر بمنزله بخلاف ما إذا أدخلها في مرابط دوابه فإنه إذا أخرجها فضاعت ضمنها لأن وجودها لا يضيره.
ومن الشروط أن يكون المال قابلا لإثبات اليد فلا يصح أن يودع طيرا في الهواء مثلا.
ومنها: أن يكون الوديع مكلفا فلو أودع عند صبي فاستلكها الصبي لم يضمن لأنه لا يجب الحفظ عليه.
المالكية - قالوا: قد عرفت أن للوديعة تعريفين: أحدهما مبني على أنها نوع من أنواع الوكالة وعلى ذلك فيشترط في المودع - بكسر الدال - ما يشترط في الموكل. وشرطه أن يكون بالغا رشيدا ويشترط في الوديع ما يشترط في الوكيل. فبعضهم يقول: يكفي في الوكيل أن يكون مميزا ولا يلزم ولا يلزم أن يكون بالغا؛ مبني أنها ليست نوعا من أنواع الوكالة لأنها نقل مجرد حفظ الملك إلى الوديع وعلى هذا التعريف فإنه يشترط لها باعتبار جواز فعلها أن يكون المودع محاجا للإيداع وأن يكون الوديع ممن يظن فيه حفظ الوديعة فمتى وجد هذا الشرط في المودع والوديع فإن الإيداع يكون جائزا فيصح للصبي أن يودع ما يخاف ضياعه أو تلفه عند من يظن أنه يحفظه له.
ويشترط لها باعتبار ضمانها أي إلزام الوديع بها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها أن يكون كل من المودع والوديع غير محجور عليهما فهذه شروط الوديعة المطلوبة في المودع والوديععلى كلا التعريفين.
وأما الصيغة فإنهم لا يشترطون أن تكون باللفظ بل يقولون: إنه إذا وضع متاعه أمام آخر فسكت كان عليه حفظه لأنه بسكوته أصبح ذلك المتاع وديعة عنده إلا إذا رفض قبوله.
الحنابلة - قالوا: يشترط في الوديعة ما يشترط في الوكالة من البلوغ والرشد والعقل. ويشترط في الشيء المودع أن يكون مالا معتبرا في نظر الشرع فلا تصح وديعة الخمر والكلب الذي لا يصح اقناؤه. أما الذي يصح اقتناؤه ككلب الصيد فإن وديعته تصح) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 13-08-2021, 03:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الوديعة]
صـــــ 223 الى صــــــــ
236
الحلقة (151)

[مبحث حكم الوديعة وما تضمن به وما لا تضمن]
-الأصل في الوديعة الإباحة فالناس أحرار في حفظ ما يملكونه بأنفسهم أو بواسطة من يأتمنونه على حفظها وقد تكون واجبة، كما إذا خاف صاحب المال هلاك ماله أو تلفه إن بقي معه ووجد أينا يحفظه له فإنه يجب عليه أن يودعه في هذه الحالة ويجب على الأمين أن يقبله فإن حفظ المال واجب.وقد وردت نصوص كثيرة صريحة في النهي عن إضاعة المال فمن خاف على ماله من سرقة أو تلف فإنه يجب عليه إيداعه بأي مكان أمين.وهي عقد جائز من الطرفين كالوكالة فلكل منهما التخلي عنها متى شاء وعلى المودع حفظها كما له. وليس عليه بعد ذاك ضملنها إن فقدت أو تلفت. وإذا اشترط المودع - بالكسر - ضمانها على المودع كان الشرط باطلا وإنما يضمنها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها وفي ذلك تفصيل في المذاهب (1) .
(1) (الحنفية - قالوا: يضمن الوديعة الوديع إذا ضاعت في أمور:
منها: أن يدفعها لأجنبي عنه ليحفظها عنده فتصح أو تتلف عند ذلك الأجنبي وفي هذه الحالة يلزم الوديع الأول بها إلا إذا فعل ذلك لضرورة كما إذا وقع داره الذي به الوديعة حريق ينقلها إلى داره جاره خوفا من حرقها فإذا ضاعت في هذه الحالة فإنه لا يضمنها بل يجب عليه في مثل هذه الحالة نقلها حتى لا تحترق فإذا أهملها مع قدرته على النقل حتى احترقت ضمنها. وإذا لم يستردها عقب انتهاء الحريق وتركها فضاعت عند الثاني فقبل: يضمن الأول وقيل لا يضمن.
على أن للوديع أن يحفظ الوديعة عند من يساكنه عادة من عياله وإن لم يكن معه بالفعل أو ينفق عليه فيجوز أن يحفظها عنده ولده وزوجه، كما يجوز له أن يحفظها عند والديه وإن لم يحسبا من عياله لأنه يصح أن يساكنهما فإذا دفع الوديعة لولده ونحوه ممن يساكنه من عياله فهلكت عند الثاني فإن الأول لا يضمن لأنه دفعها لمن يصح أن يحفظ عنده ماله إنما يشترط أن يكون الولد ونحوه قادرا على حفظ الوديعة، وأن يكون معروفا بالأمانة ويشترط في الولد أن يكون مميزا.
فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان الوديع الأول ملزما بالوديعة، وإذا نهاه المودع عن دفع الوديعة إلى بعض عياله فدفعها إليه فضاعت فإن الوديع يضمنها بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون لع عيال غير ذلك الذي بهي عن حفظ الوديعة عنده.
فإذا كان له ولدان مثلا، فنهاه عن الإيداع عند أحدهما فلم ينفذ ذلك الني وأودعها عنده، كان ضامنا لها، إذا كان من الممكن أن يدفعها لولده الثاني.
أما إذا لم يكن له سوى ولد واحد، ولم يكن له بد من دفع الوديعة إليه لحفظها فإنه لا يضمن.
الشرط الثاني: أن تكون الوديعة مما لا يصح حفظه في يد من نهي عن دفعها إليه، مثال ذلك أن يودع شخص عند آخر فرسا وينهاه عن دفعها لزوجه، وليس له من عياله سواها فحفظها عندها فضاعت فإنه في هذه الحالة يضمنها، لأنه وإن كان ليس له عيال سواها، ولكن الفرس لا يصح حفظها في يد المرأة، فإذا ضاعت كان الوديع ضامنا لها على أي حال بخلاف ما إذا أودع عنده عقدا من الجواهر ونهاه عن دفعه لزوجه وليس له أحد من عياله فدفعه إليها لتحفظه، كما يحفظ ماله فإنه لا يضمنه لأنه لا بد له من حفظها سواه فخالف وفقدت فإنه لا يضمن.
أما إذا نهاه عن حفظ عقد الجوهر عنده وليس له غيره فدفعه فإنه يضمن لأن عقد الجوهر لا يصح حفظه عند الخادم.
ويجوز للوديع أن يحفظ الوديعة له ماله من غير عياله، ****له وشريكه شركة مفاوضة أو عنان على المفتى به.
وليس على الوديع الثاني ضمان، فإذا أودع شخص عند آخر فرسا مثلا، فدفعها الوديع لأجنبي ليحفظها عنده، ثم تركها وانصرف فهلكت، كان الوديع الأول ضامنا لها ولا شيء على الثاني.
أما إذا دفعها إليه فهلكت قبل انصرافه، فإنه لا يضمنها أحد لأنها هلكت بحضرة الوديع، وهو أمين فلا شيء عليه، وإذا ادعى صاحب الفرس أنها هلكت عند الثاني وقال الوديع بل ردها إلي وهلكت عندي، فإنه لم يصدق إلا بالبينة، وذلك لأنه اعترف بالضمان بإيداعها عند الأجنبي وادعى البراءة فلا يصدق إلا إذا أقام على دعواه.
ومن الأمور التي توجب على الوديع ضمان الوديعة أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره بغير إذن مالكها، ويشمل ذلك صورا أربعا:
إحداها: أن يخلطها خلط مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة.
ثانيها: أن يخلط ممازجة بجنسها أيضا كخلط ماء الورد أو خلط السمن بالسمن وحكم هاتين الضورتين أن المالك مخيرا بين أمرين:
الأول: أن يعتبر وديعته مستهلكة بذلك فيلزم الوديع بها ولا يكون له عليها سبيل.
الثاني: أن يعتبرها موجودة فيقسم الجميع ويأخذ ما يخصه بالقسمة لأنه وإن لم يكن قد وصل إلى غير حقه في الصورة، ولكنه قد وصل إليه بالقسمة في المعنى، لأن القسمة فبما يكال أو بوزن إفراز.
ثالثها: أن يخلط الوديعة بغير جنسها خلطا يتعسر معه تمييزها خلط مجاورة كخلط القمح بالشعير فإنه وإن لم يتعذر فرز القمح من الشعير وبكنه يحصل بعسر ومشقة.
وفي هذه الحالة تعتبر الوديعة مستهلكة بالخلط ويضمها الوديع فيلزم بها ومتى ضمنها اصبح مالكا لها ولكن لا يباح له التصرف قبل قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك الأصلي عليها في هذه الحالة وإذا أبرأه المالك الأصلي سقط حقه من العين المودعة والدين.
رابعها: أن يخلطها بغير جنسها لا يعتبر معه التمييز، كخلط الجوز بالوز، وفي هذه الحالة تعتبر قائمة كما هي ولا ينقطع صاحبها عنها.
أما إذا خلط الوديعة بماله أو مال غيره بإذن مالكها، فإن ذلك يكون شركة ملك بينهما. وقد انهارت عرفت أحكام شركة الملك في أول مبحث الشركة، ومثل ذلك ما إذا حصل الخلط قهرا كأن انهارت صبرة قمح الوديعة فاختلطت بغيرها.
ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يموت ولم يبين الوديعة التي عنده فإذا مات الوديع مجهلا (لم يبين حال الوديعة) صارت الوديعة دينا في تركته بشرطين:
الأول: ألا تعرف الوديعة بعينها ولم توجد في تركته بعد موته.
الصثاني: أن لا يكون أحد من ورثته عالما بها فإذا أخبر الوديع الورثة بها، وسئل قبل موته عنها، فقال: إن فلانا يعرفها، فلا يضمنها وحل الوارث الذي محل الوديع المتوفي.
وإذا أنكر صاحبها علم الوارث بها وقال: إن الوديع مات، ولم يبين الوديعة لأحد كان على الوارث أن يفسر حال الوديعة، فإذا فسرها فإنه يصدق، وإذا قال الوارث إن الوديع ردها في حياته فإنه لا يصدق إلا بالنية.
أما إذا برهن على أن الوديع قال في حياته: إنه ردها يقبل قوله، وإذا قال الوارث: إن الوديعة كانت معلومة وموجودة يوم موته ثم هلكت بعد ذلك، وقال صاحبها: إنها كانت مجهولة فإنه يصدق قوله لا قول الوارث لأن الوديعة صارت تركة في الظاهر فلا يصدق الورثة إلا بالنية.
ومن الأمور الموجبة لضمان الوديعة على الوديع أن يتعدى الوديع عليها بالتصرف فيها واستعمالها فإذا أودعه دابة فركبها فهلكت كان ضامنا لأنه قد تعدى باستعمالها، أما إذا هلكت من غير استعمال فإنه لا يضمن وإذا استعملها مرة ثم ترك استعمالها فإن كان ينوي العودة إلى استعمالها ثانيا فسرقت كان ضامنا لها.
أما إذا لم ينو استعمالها ثانيا فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه، ومثل ذلك ما إذا أودعه ثوبا فلبسه في النهار، ثم خلعه ليللا فإن كان ينوي لبسه في النهار ثانيا وسرق الثوب ليلا كان ضامنا لأن التعدي لا يزال قائما.
أما إذا لم يكن ينوي لبسه بانهار، وعزم على عدم استعماله، فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه، على أنه يضمن ما نقصته الوديعة بالاستعمال على أي حال.
ومن هذا تعلم أن تعدي الوديع يزول برجوعه عنه، ويرتفع عنه الضمان بينة عدم العودة إليه، وكذلك الحال في كل أمين، كالوكيل في البيع والإجارة.
فإذا وكل شخصا على أن يشتري له دابة فاشتراها وركبها، ثم ترك ركوبها، لا يضمنها إذالا هلكت، وكذا إذا وكله على أن يبيع له ثوبا فلبسه لا يضمن، وكذا المضارب فإنه إذا استعمل ما لا يصح له استعماله ثم رجع لا يضمن، والشريك شركة مفاوضة أو عنان على ما تقدم إيضاحه في بابه.
ويستثنى من ذلك المستعير والمستأجر فإن من استعار دابة ليركبها فتوى
أنه لا يردها لصاحبها ثم ندم وهلكت الدابة وهو سائر فإنه يضمنها وندمه لا ينفع.
أما إذا كان واقفا وترك نية عدم ردها فإنه يعود أمينا ومثله الدابة إذا نوى عدم ردها لصاحبها ثم عدل عن نيته فإن كان سائرا فإن عدوله لا ينفعه.
أما إذا كان واقفا فإنه ينفعه، وإذا استأجر دابة إلى مكان معين ثم جاوزه ورجع إليه ثانيا لا يبرأ.
ومما يوجب الضمان على الوديع أن ينكر الوديعة فإذا أودع شخص مالا عند آخر وطلبه منه فأنكره ثم سرق كان الوديع ضامنا له ملزما به حتى ولو عدل عن إنكاره وأقر به ثانيا. وإنما يجب عليه الضمان بثلاثة شروط:
الأول: أن ينكرها بعد أن يطلبها أما إذا أنكرها قبل أن يطلبها أو سأله صاحبها عن حالها فأنكرها فإنه لا يخرج بذلك الإنكار عن كونه وديعا فلا يضمنها.
الشرط الثاني: أن ينقلها من مكانها التي هي فيه إن كانت من المنقولات وقت الإنكار فلو لم ينقلها وقته وهلكت فإنه لا يضمن. وبعضهم يقول: إن كانت الوديعة وجحدها بعد طلبها فإنه يضمنها ولو لم ينقلها بالفعل وذلك لأن العقد ينفسخ يطلب صاحبها وبذلك يكون الوديع قد عزل نفسه عن الحفظ وبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا وهو وجيه.
الشرط الثالث: أن لا يحضرها لصاحبها بعد إنكاره فإذا أحضرها لصاحبها ومكنه من استلامها فردها إليه صاحبها ثانيا فهلكت فإنه لا يضمن لأنها تكون وديعة جديدة في هذه الحالة.
ومما يوجب الضمان على الوديعة الضمان على الوديعة أن يسافر بالوديعة. وإنما يضمن بالسفر بها بشروط أن ينهاه صاحبها عن السفر بها فإذا نهاه وخالف فإن سافر بها في البحر فغرقت يضمن بلا نزاع وإن سافر بها في البر كان السفر ضروريا له وأخذ معه أهله فهلكت لا يضمن. فإذا سافر فإنه لا يضمن أما إذا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة يخشى منها ضياع الوديعة وإلا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة منها على ضياع فإنه يضمن وإلا فلا.
الماكية - قالوا: يضمن الوديع التي عنده بأمور:
منها: أن يسقط على الوديعة شيء من يده فيكسرها أو ينقلها ولو سقط من يده خطأ بدون قصد.
فإذا أودع شخص عند آخر إناء من البلور فأيقط عليه حديدة كان يعبث بها فكسرته فإنه يضمنه ولو لم يكن معتمدا إسقاطها لأن أموال الناس وودائعهم يجب صانتها والاحتياط في أمرها فلا فرق بين إتلافها عمدا أو خطأ.
ومنها: أن ينقلها من مكان إلأى آخر من غير حاجة إلى نقلها فتكسر أو تتلف فإنه يضمنها في هذه الحالة، أما إذا كانت الحاجة ماسة إلى نقلها فكسرت فإنه لا يضمن بشرط أن لا يفرط في الاحتياط بها أن ينقلها كما ينقل مثلها عادة فإن كان مثلها ينقل على حمل فنقلها على حمار أو كانت تحمل على أعناق الرجال كالمرأة مثلا فنقلها على جمل فكسرت فإنه يضمن لأنه فرط في صيانتها.
ومنها: أن يخلط الوديعة بغيرها فإنه يضمنها بشروط:
أحدهما: أن يتعذر تمييزها أو يعسر كما إذا خلط بدهن أو زيت فإنه تعذر فزرها في الدهن ويتعسر في الزيت الذي لا يجمد إذ من الممكن تخليص السمن منه بعد أن يجمد ولكن مع شائبة لا يمكن تخليصها. ومن المتعسر أن يخلط قمحا بقوله فإنه وإن كان يمكن فرز القمح من الفول ولكن بصعوبة. ومثل هذا الخلط يوجب الضمان وإن لم تتلف الوديعة وقيل لا يوجبه إلا إذا تلف.
ثانيها: أن لا تكون الوديعة مماثلة لما خلطت به جنسا وصفة، أما إذا كانت مثل ما خلطت به في الجنس والصفة كخلط قمح هندي أو صعيدي (بعلي) بمثله فإنه لا يضمن بشرط أن يكون الخلط للحفظ أو للمصلحة، أما الخلط بدون سبب فإنه يوجب الضمان إذا فقدت الوديعة أو تلف لاحتمال أنها تركت وحدها سلمت. وإذا تلف بعض القمح بعد خلطه يقسم التالف بحسب الأنصباء فإذا كانت الوديعة ثمانية أرادب والقمح المخلوط بها مثلها قسم التالف مناصفة وإذا كانت الوديعة ثلاثة أرادب والمخلوط بها ستة قسم التالف بينهما أثلاثا وهكذا.
ومنها: أن ينتفع الوديع فإذا أودع شخص عند آخر دابة فاستعملها بالركوب أو الحمل عليها بدون إذن صاحبها فهلكت كان الوديع ضامنا لها وملزما ومثل ذلك ما إذا أصابها عطب على تفصيل وهو أنه إذا ركبها وقطع بها مسافة كبيرة من شأنها أن تعطب الدواب من قطعها فإنه يضمنها سواء كان عطبها بسبب سماوي أو كان بسبب استعمالها ومثل ذلك ما إذا لم يعمل إن كانت المسافة تعطب من قطعها الدواب غالبا أو لا وكذا إذا استوى الأمران. أما إذا قطع بها مسافة من شأنها أن لا تعطب الدواب بقطعتها عادة فإنه لا يضمن سواء كان عطبها بسبب استعمالها. وبعضهم يقول: إذا كان العطب بسبب الاستعمال فإنه يضمن حتى ولو كان مثله ممن يأخذ أجرة وإلا فلا. وإذا تنازعا فقال المودع: إنها عطبت
بالاستعمال. وقال الوديع كلا، صدق المودع لأن القول قوله في هذه الحالة.
ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة أن يسافر بها فتتلف منه فإنه يضمنها بشرطين:
أحدهما: أن يقدر على ردها لصاحبها أو يجد أمينا بودعها عنده أما إذا عجز عن ردها لصاحبها لسبب من الأسباب كغايبه ولم يجد أينا يودعها عتده قبل سفره فإنه لا يضمن.
ثانيهما: أن لا يرجع بها إلى محلها سالمة فإن رجع بها ثم تلف عقب ذلك فإنه لا يضمنها وذلك لأن موجب الضمان هو هلاطها في حال المخالفة لا مجرد السفر بها كما تقدم في مسألة الانتفاع. وإذا ادعى الوديع أنه سافر بها إلى محلها وهي سالمة وتلفت بعد ذلك فإنه يصدق بدون إشهاد عليه.
ومنها: أن ينساها الوديع في موضع إيداعها أو في غيره فتضيع فإنه يضمنه وكذا إذا نسيها في موضع غير المكان الذي أودع فيه أولا. مثال ذلك أن يعطي شخص مالا لآخر ليشتري له به بضاعة من بلدة أخرى
فوضعه في جراب فوق دابته ثم نزل ليقضي حاجته فخاف على المال فأخذه معه ولما قضى حاجته نسيه وقام ذكره ونسي المكان الذي وضعه فيه فإنه يضمنه وقيل لا يضمنه.
ومنها: أن يدخل بها الحمام ونحوه فتضيع فإنه يضمنها بشرطين:
الأول: ان لا يجد أمينا يضعها عنده قبل دخوله.
الثاني: أن لا يعلم صاحبها عند الإيداع أن الوديع ذاهب إلى الحمام أو المفلس فإذا كان عاما بذلك فإن الوديع لا يضمن إلا إذا كانت العادة أن الوديع لا يدخل الحمام أو المغطس قبل أن يودع ما معه أمين فإن كان كذلك فإن الوديع يضمن. ومثل الحمام والمغطس في ذلك السوق.
ومنها: أن يودعها الوديع عند أمين آخر بدون إذن صاحبها فإذا فعل وضاعت أو تلفت كان ضامنا لها بشرطين:
الشرط الأول: أن يودعها عند أجنبي عنه أما إذا أودعها عند زوجة وأمة أو شخص استأجره لخدمته أو ابنه فإنه لا يضمن إذا اعتاد الإبداع عندهم بأن تطول بأن تطول مدة إقامتهم معه ويثق معه ويثق أما إذا كانت الزوجة جديدة أو الأمة أو الأجير كذلك ولم يعرف أمنتهم فإنه يضمن إذا ضاعت الوديعة عندهم كما يضمن بإيداعها عند الأجنبي. وإذا عها عند أجنبي ثم رجعت إليه سالمة وضاعت عنده بعد ذلك فإنه لا يضمن.
الشرط الثاني: أن يودعها عند الأجنبي بغير عذر. أما إذا أودعها لعذر فإنه لا يضمنها فإذا كانت في منزل وقد يقط بعض حيطانه وخاف عليها من السرقة ولم يستطع ردها لصاحبها لغيابه أو لسجنه فأودعها عند أمين غيرهفإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف. ومثل ذلك ما إذا وقع حريق في المنزل الذي هي فيه أو أراد الوديع السفر إلى جهة ولم يستطع ردها لصاحبها فإن له إيداعها عند أجنبي ولا ضمان عليه. ولكن لا بد من الشهود على العذر فإذا ادعى الوديع أنه أودعها لسقوط داره أو لسفره بدون أن تشهد البينة على ذلك فإنه لا يصدق ولا بد أن تكون البينة قد شاهدت نفس العذر فلا يكفي أن يقول للشهود: اشهدوا أنني أودعتها عند فلان لسقوط حيطان المنزل من غير أن يروا ذلك.
فإذا زال العذر وجب عليه أن يسترجعها فإذا لم يسترجعها وذاعت كان عليه ضمانها إلا إذا كان العذر السفر فإنه لا يجب عليه استرجاعها إلا إذا كان ناويا العودة إلى البلدة التي سافر منها.
أما إذا نوى الارتحال ليقيم في بلدة أخرى ولا يعود ينو شيئا ثم عاد بعد ذلك فإنه لا يجب عليه استرجاعها وإنما يستحب له ذلك ولا يجب على الوديع الثاني أن يردها إلى الأول إلا في الحالة الأولى وهي حالة ما إذا كان ينوي العودة أما في الحالة الثانية فإنه لا يجب عليه ردها إليه فإذا حصل تنازع في نية العودة فقال الوديع الأول: إنه كان ينوي العودة وقال الثاني: إنه ينوي عدم العودة فإنه ينظر إلى السفر فإن كان الغالب في مثله العودة فيقضي بها للوديع الأول وإن كان الغالب فيه عدم العودة
أو استوى الأمران فيقتضي بها للوديع الثاني ويكون ضمانها على الثاني ويبرأ الأول منها.
ومن الأمور التي توجب ضمان الوديعة أن يرسلها الوديع إلى صاحبها بدون إذنه فتضيع من الرسول أو تتلف فإنه يضمنها. وكذا إذا ذهب الوديع بنفسه بها صاحبها فهلكت في الطريق أو تلفت فإنه يضمنها. ومثل ذلك الوديع في ذلك الوصي على مال فإذا أو صى شخص آخر على ماله ثم مالت صاحب المال فبعث المال للورثة بدون إذنهم أو سافر به إليهم فضاع أو تلف فإنه يكون ضامنا له على الراجح. وبعضهم يقول: لا يضمن وبعضهم يقول: إن سافر بها في وقت مخوف ضمن وإلا فلا.
ومنها: أن تكون الوديعة دابة ونحوها فيطلق عليها الوديع الفحل بقصد إحبالها بدون إذن صاحبها فتموت بسبب وطء الحمل أو تحبل ثم تموت بسبب الولادة فإن الوديع يضمنها. أما إذا أذنه صاحبها بذلك فلا ضمان عليه.
أما الراعي الذي يرعى بقرة ونحوها فإنه إذا طلب فحلا على أنثى من الحيوانات التي يرعاها لغرض إحبالها فماتت فإنه لا يضمنها وإذا كان المتعارف أن الرعاة يعملون مثل ذلك حتى لا تفوت مدة حمل الحيوان فتضيع ثمرته في هذه الحالة يكون مأذونا حكما.
أما إذا كان العرف على خلاف ذلك أو اشترط صاحبها عدم ذلك فإنه يضمن وهذا القول هو الظاهر:

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 13-08-2021, 03:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الوديعة]
صـــــ 223 الى صــــــــ
236
الحلقة (152)

ومنها: أن ينكر الوديعة رأسا كأن يقول لصاحبها: لم تودعني شيئا هذه المسألة أربع صور:
الصورة الأولى: أن يستمر على إنكاره ولا بينة لصاحبها عليه وفي هذه الحالة لا يضمن الوديع شيئا.
الصورة الثانية: ان يعترف بها إنكارها ثم يدعي ضياعها ولا بينة له وفي هذه الحالة يضمنها ولا ينفعه إقراره بلا خلاف.
الصورة الثالثة: أن ينكر إيداعها ثم يعتبر به ويدعي أنه ردها لصاحبها ويقيم البينة على ذلك وهذه فيها خلاف فبعضهم يقول: إن بينة الوديع ناقص نفسه يقول تقبل.
الصورة الرابعة: أن ينكر إيداعها فيقيم صاحبها البينة على الإيداع فيدعي الوديع ردها ويقيم البينة على ذلك. وحكم هذه الصورة الثالثة. ورجح القول بعدم سماع بينة الوديع بعد إنكاره في الحالتين.
ومنها: أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة ولم توجد في تركته فإن لصاحبها الحق في أن يأخذ مثلها أو قيمتها من تركة الميت. وإن كانت التركة مدينة فإن له أن يدخل مع الدائنين بحصة مناسبة لوديعته وفي هذه المسألة صورتان:
الصورة الأولى: أن يثبت الإيداع بإقرار الوديع قبل موته وفي هذه الحالة لا يكون لصاحبها الحق في المطالبة بها موته إذا مضى على إيداعها زمن طويل بقدر بعشر سنين فإذا مضى عليها ذلك فلا يكون له الحق إذ يجوز أن يكون قد أخذها من الوديع قبل موته.
الصورة الثانية: ان يثبت الإبداع ببينة مقصودة لتوثيق بأن يحضرها المودع عند الإيداع لتأكد المحافظة على وديعته وفي هذه الحالة لا تسقط مهما طال طال عليها الزمن.
هذا لم يبنها الوديع قبل موته ولم توجد في تركته. أما إذا بينها وأوصى بها بأن قال: إن الوديعة التي في مكان كذا هي لفلان فإن الميت يبرأ فإن وجدت في المكان الذي قال عنه اخذها صاحبها وإن لم توجد ضاعت عليه ولا يكون له الحق في المطالبة بشيء لأن الوديع أمين فهو مصدق فيما يقول فحيث قال إنها بمكان كذا دل ذلك على أنه لم يستلفها حال حياته ولم يتصرف فيها وأنها سرقت من ذلك المكان فلا يضمنها.
أما إذا لم يقل فيحمل على أنه تسلفها وتصرف فيها فعليه ضمانها. وإذا ادعى شخص أن له وديعة عند فلان الميت ولم يثبت الإيداع ببينة أو إقرار فإن وجدت الوديعة مكتوبا عليها بخط المتوفى في أنها لفلان فإنها تكون حقا لصاحبها بشرط أن يثبت بالنية أن الخلط خط المتوفى.
أما إذا كانت الكتابة بخط صاحبها لا بخط المتوفى فقيل يكون فيها أيضا وقيل لا إذ يحتمل أن يكون قد تواطأ مع أحد الورثة على إخراج شيء إليه كتب عليه اسمه.
ومنها: أن يكون صاحب الوديعة مضطهدا من ظالم يريد أن يصادره في ماله فيحملها الوديع إلى صاحبها حين مصادرة الظالم إياه فإذا استولى عليها الظالم فإن الوديع يضمنها في هذه الحالة لأنه يجب عليه إخفاؤها عن الظالم وحفظها. وإذا خاف الوديع فيصادرها مع ماله فقيل يجوز له حملها إليه وقيل لا.
ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة هلاكها بيد رسول أرسلت معه وفي هذه المسألة ثلاث صور:الصورة الأولى: أن يكون ضامنا على رسول فيضمنها الرسول (سواء كان من طرف صاحب الوديعة أو من طرف الوديع) في حالة واحدة وهي أن يحملها فيموت قبل أن يصل إلأى البلد التي بها صاحقب الوديعة ولم توجد في تركته فتؤخذ في هذه الحالة من تركة الرسول ثم إن كان من طرف رب المال فلا يكون الوديع مسؤولا عنها وإن كان من طرف الوديع كان مسؤولا عنها فعليه أن يسلمها لربها ويأخذها هو من تركة الرسول.
الصورة الثانية: أن يكون ضمانها على الوديع فيضمنها الوديع إذا أرسلها مع رسول من طرفه فمات الرسول بعد وصوله إلى البلد القاطن الوديعة ولم توجد معه وادعى صاحبها أنها لم تصل إليه كان الوديع ضامنا لها لأنه لا يبرأ إلا بوصول المال أو إلى رسول صاحبه بينة أو إقرار.
الصورة الثالثة: أن تضيع على صاحبها ويبرأ الرسول والوديع وذلك إذا أرسلها مع رسول من طرف صاحب الوديعة فحملها ووصل بها البلد الذي به صاحب الوديعة ثم مات الرسول فإنها في هذه الحالة تضيع على صاحبها لاحتمال أن الرسول أعطاها لصاحبها الذي أرسله بعد وصوله فلا ضمان عليه كما لا ضمان على الوديع لأنه سلم الوديعة لرسول صاحبها ببينة فإذا سلمها إليه بدون بينة ولم يمت الرسول ولكن بينة وبين صاحبها خلف فقال الرسول إنه سلمها وقال المرسل إليه كلا ولا بينة للرسول كان الوديع ضامنا.
أما إذا سلمها الوديع للرسول بينة فإنه يبرأ بذلك ويكون الضمان على الرسول إذا لم تكن له بينة.
ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يدفع الوديعة لشخص غير صاحبها فيدعي ذلك الشخص أنها ضاعت أو تلفت. ويدعي الوديع لذلك الشخص بناء على أمر صاحبها مباشرة أو بواسطة بأن يقول: أنت أمرتني بدفعها له بنفسك ولا بواسطة بدفع وديعتي لغيري.
فإن لم تكن للوديع بينه على دعواه طلب من صاحب الوديعة أن يحلف فإذا حلف يلزم بها الوديع وإن لم يحلف حلف الوديع وبرئت ذمته.
ثم إن كانت دعوى الوديع أنه دفعها للشخص بأمر صاحبها بنفسه مباشرة فليس له حق الرجوع على ذلك الشخص في حالة ضمانه للوديعة لأنه يكون في دعواه معترفا بأن صاحبها أمره بدفعها له وقد ظلمه بالإنكار فلا يظلمه الوديع بالرجوع عليه أما إن كانت دعواه بأنه له بأمارة أو كتاب بغير خط صاحبها فغن الرجوع على ذلك الشخص إن كانت الوديعة موجودة في يده أو أتلفت بسببه أما إن كانت قد تلفت بسبب آخر فلا حق في الرجوع عليه على المعتمد.
أما إن كانت للوديع بينه على صاحبها بأنه أمره بدفعها إلى ذلك الشخص فإن ذمته تبرأ ولصاحبها الحق في الرجوع على ذلك قبضها إن ثبت تعديه عليها أو كانت موجودة لم تتلف أما إذا لم يثبت تعديه عليها فلا حق له في الرجوع عليه كما لاحق له في الرجوع على الوديع.
الشافعية - قالوا: الوديع أمين لا ضمان عليه بحسب الأصل وإنما يضمن لعارض من الوارض سواء أكانت الوديعة بأجرة أم بغير أجرة. والصور التي يضمن بها الوديع عشر.
الصورة الأولى: أن ينقل الوديعة من بلدة إلى أخرى أو من دار إلى دار أقل منها صيانة وحفظا بدون ضرورة فإن ترتب على ذلك ضياع الوديعة او تلفها كان الوديع ضامنا لها ولو لم ينهه المودع إلا إذا كان نقلها خطأ أنها ملكه ولم ينتفع بها أثناء نقلها فإذا نقلها إلى جهة مساوية للجهة التي كانت بها أو احسن من الصيانة والحفظ وضاعت أو تلفت فإنه لا ضمن وكذا إذا نقلها من (دور) إلى دور (دور) منزل واحد أو من حجرة إلى حجرة فإنه لا ضمن ولو كانت أقل حفظا ما لم ينهه المودع عن نقلها فإنه إذا خالف نهيه يضمن.
الصورة الثانية: أن يدفعها الوديع إلى شخص آخر يحفظها عنده سواه كان ذلك الشخص أجنبيا عن الوديع أو ولد أو زوجة أو خادما وكذا ليس له إيداعا عند القاضي إلا بإذن مالكها.
فإذا فعل ذلك وضاعت الوديعة أو تلف كان ضامنا لها وذلك لأن صاحب الوديعة قد اختار لها الوديع بعينه ومعنى ذلك أنه لم يرض بامانة غيره. نعم للوديع وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بحارس أو خادم يعلفها ويسقيها إن كانت بحسب ما جرت به العادة وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بشرطين:
الشرط الأول: أن يفعل الوديع ذلك بدون إذن صاحب الوديعة فإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف لأن الثاني يكون وديعا أيضا.
ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إذا صرح المالك بذلك أو قامت قرينه على انه يريد استقلاق الثاني بالوديعة وإذا صرح صاحبها بأن يكون في حفظ الاثنين تعيين ذلك فعليهما أن يقوما بوضعها في مكان بملكانه أو يستأجرانه أو يستعيرانه على أن يكون لكل منهما مفتاح فإذا انفرد أحدهما نحفظه برضاء الآخر كان كل منهما مسؤولا عنها.
الشرط الثاني: ان يدفعها لغيره بدون عذر أما إذا دفعها بعذر فإنه لا يضمن ولو لم يأذنه صاحبها.
والعذار التي تبيح للوديع إعطاء الوديعة هي كالسفر أو المرض المخوف أو الحريق الذي يشب في الجهة التي بها الوديعة أو الغرق الذي يهدد مكان الوديعة أو نحو ذلك بشرط أن لا يجدهما كأن كانا غيره ينقلها إليه ويشترط أن يحاول أولا أن يرد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله فإن لم يجدهما كأن كانا مسافرين أو مسجونين فإنه يجب عليه أن يردها للقاضي الأمين وعلى القاضي أخذها بعد ذلك، ولا يلزم تأجيره سفره من أجل الوديعة لما في ذلك من الجرح الذي لا يخفى فإذا لم يتمكن من ردها بأن مات فجأة أو قتل غيله أو سافر بها لعجز عن إيصالها لمن ذكروا فلا ضمان عليه.
الصورة الثالثة: أن يسافر الوديع بها مع القدرة على ردها لصاحبها أو وكيله أو القاضي الأمين فإذا فعل وضاعت فإنه يضمن لأنه عرضها للضياع ينقلها من مكانها الأمين إلى أقل منه، وكذا يضمنها إذا دفنها بمكان وسافر ولم يعلم بها أمينا براقبها.
الصورة الرابعة: أن ينكرها بعد طلب المالك لها فإذا فعل يصير غير أمين فيضمن الوديعة إلا إذا أنكرها لمصلحة كأن أنكرها ليدفع شر ظالم عن مالكها أو أنكرها إذا طلبها منه أجنبي ولو بحضرة مالكها لأن إنكاره يحمل على شدة حفظها بإخفائها عن غير صاحبها.
الصورة الخامسة: أن يترك الوديع الوصبة بالوديعة عند الإشراف على الموت ومعنى الوصية أن يعلم بها القاضي أو الأمين عند عدم وجود القاضي مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة مع الأمر بردها إليهما بالفعل أما في حال السفر فإن الوصية لا تغني عن رد الوديعة إليهما بالفعل على المعتمد فإذا ترك الوديع رد الوديعة لصاحبها في حال المرض المخوف كما تقدم أو ترك ردها لأنه عرضها للضياع بوضع يد عليها، ولا يجب عليه الإشهاد على الوصية على المعتمد.
الصورة السادسة: أن يهمل الوديعة فلا يدفع عنها ما يتلفها كترك تهوية ثياب الصوف والسجاد فيجب عليه أن يستعملها الذي يحفظها وكذلك يجب عليه أن يطعمخا ويسقسها إن كانت حيوانا فإن أعطاه المالك علفا به وإلا طلب منه أو من وكيله علفها فإن لم يجدها طلب من القاضي تقدير علف لها ليرجع به على المالك وله أن يؤجرها بما يعلفها به أو يبيع به منها جزءا يعلفها منه بحسب ما يستطيع فإن تعذر عليه شيء من ذلك علفها من عنده مع الإشهاد على ما بنفقه ليرجع به المالك فإذا كان الحيوان به تخمة ونهاه مالكه عن إطعامه حتى يبرأ فخالفه وأطعمه فإن كان ذلك عمدا وعلم بالعلة فإنه يضمن وبعضهم يقول مطلقا أما إذا نهاه عن إطعام الصحيح أو دفع مهلكات الثياب ونحوه فهلكت فإنه لا يضمن وإن أثم طعام الحيوان.
الصورة السابعة: أن يمنع لصاحبها بدون عذر فإذا طلبها فتأجر في دفعها بدون عذر وهلكت ضمنها. أما إذت منع ردها لعذر كصلاة وأكل ونحوهما فإنه لا يضمن والمراد بتأجيرها عن صاحبها، أن لا يخلي بينهما وبين صاحبها إلا أن يحملها إليه أن ذلك لا يلزم الوديع.
الصورة الثامنة: أن يضعها الوديع في مكان غير أمين أو ينساها أو يدل عليها ظالما بتعيين محلها له أو يسلمها له ولو مكرها فإنه يضمنها ويرجع بما عزمه على الظالم أما إذا أخذها الظالم من يده قهرا عنه من غير أن يدله عليها فإنه لا يضمن وكذا لو أخبره بأنها عنده من غير أن يعين له مكانها فإنه وإن كان يحرم عليه ذلك وإذا حلف وجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التوية وأمكنه وإلا كفر عن يمينه إن كان الحلف بالله أما إن كان بالطلاق أو العتق فإنه يحنث.
الصورة التاسعة: أن ينتفع الوديع كأن يلبسها إن كانت ثوبا لا يصلحه اللبس أو يركبها إن كانت دابة لا يصلحها الركوب فإذا كانت جموحا يصلحا الركوب فلا يضمن بركوبها لذلك الصورة العاشرة: أن يخالف الوديع صاحب الوديعة فيما يأمره به إلا إذا كان فيه زيادة حفظ فإذا قال لا تحمل هذا الصندوق على دابة فحمله فانكسر ما فيه ضمن وكذا إذا قال له لا تنم عليه ففعل فانكسر ما فيه فإنه يضمن أما إذا نام فلم ينكسر ما فيه وبعد ذلك سرق فإنه لا يضمن لأن المخالفة لم يترتب عليها ضرر.
أما إذا نهاه عن وضع قفلين ففعل فإنه لا يضمن فيه زيادة احتياط.
الحنابلة - قالوا: الوديع لا يضمن الوديعة إلا إذا تعدى عليها بأن فيها أو فرط في حفظها فتلفت أو ضاعت ويحصل ضمانها بأمور: منها أن يضعها الوديع في مكان لا يحفظ فيه مثلها في العرف كما إذا كانت عقد جوهر في صندوق لا قفل له فسرقت فإنه يضمن لتفريط في حفظها فإذا وضعها في مكان يحفظ فيه مثلها (حرز المثل) ثم نقلها إلى مكان آخر يحفظ فيه مثلها أيضا ولكنه أقل من الأول صيانة وحفظا لا يضمن لأنه فعل الواجب لوضعها في حرز مثلها.
وإذا عين له صاحبها مكانا لحفظها وجب عليه أن يضعها فيه أو في مكان مثله أو اعلى منه في الصيانة والحفظ فإذا وضعها في مكان أقل منه فضاعت ضمنها أما إذا وضعها في المكان الذي عينه صاحبها من أول الأمر فإنه يحرم عليه أن يخرجها من ذلك المكان من غير حاجة فإذا فعل وضاعت ضمنها حتى ولو كان المكان الذي نقلها إليه أصون من المكان الأول.
أما إذا أخرجها من مكانها خوفا عليها من حرق أو غرق أو هدم المكان الذي هي فيه فهلكت لم يضمن بل يجب عليه في هذه الحالة أن يخرجها من المكان بالأخطار وإنما يلزمه أن يضعها في حرز مثلها أو أعلى إن لم يمكن فإنه لا يكلف إلا ما قدر عليه ولا ضمان.
فإذا تركها في المكان الذي عينه له صاحبها في حالة الخطر وهلكت كان الوديع ضمانها سواء هلكت بالأمر المخوف أو لسبب وهلكت فإنه لا يضمن وإذا خالفه فأخرجها فإنه لا يضمن أيضا لأنه فعل ما فيه الحفظ في الثاني وامتثل أمر صاحبها في الأول.
ومنها: أن يهمل في أمر حفظها فإذا كان الوديعة حيوانا يجب على الوديع أن يصعمه ويسقيه إلا أن ينهاه صاحبه عن ذلك فإن فعل لا يضمن ولكن يأثم بتركه الحيوان من غير إطعام ويطالب الوديع صاحب الحويان أو وكيله بعلفه أو رده إليهما فإن لم يجدهما رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذ قيمة علفه من مالهما مال وإلا بما فيه المصلحة من بيع الحيوان أو إجارته أو الاستدانة عليه للإنفاق عليه ويجوز أن يأمر الوديع بالإنفاق عليه من ماله بحسب اجتهاده ويرجع بما أنفقه على صاحب الحيوان.
ومنها: أن يدفع الوديع إلى أجنبي ليحفظها عنده فإذا فعل وضاعت فإذا دفعها إلى من يحفظ ماله كزوجة ولده وخادمه وخازنه ووكيله لم يضمن إن تلفت.
أما إذا دفعها إلى شريكه فإنه يضمن صاحبها إذا تلفت. ولصاحبها الحق في مطالبة الوديع الأول ببدل الوديعة لأنه صار ضامنا بدفعا إلى غيره وإعراضه عن حفظها وله مطالبة الوديع الثاني لأنه قبض ما ليس له قبضه فإذا كان عاما بأنها بأنها وديعة وأنه لا عذر للوديع في دفعها إليه وألزمه المالك ببدل الوديعة فلا رجوع للوديع على الأول وإن كان جاهلا بأنها كان جاهلا بأنها وديعة ولزمه مالكها بدفع بدلها فإنه يرجع بما دفعه على الوديع الأول لأنه غيره.
وللوديع أن يساعين بالأجنبي في حمل الوديعة وعلفها وسقيها ونحو ذلك مما جرت به العادة فإذا هلكت في أثناء ذلك فلا يضمن.
ومنها: أن يسافر بها الوديع مع نهي صاحبها عن السفر بها وتلفت ضمنها إلا إذا كان السفر لضرورة كجلاء عن البلد لهجوم عدو أو غرق أو حرق أو نحو ذلك فإن تركها في مكانها ولم في مكانها ولم يسافر بها فتلفت ضمنها.
وإذا أراد الوديع السفر على الوديعة عنده فله ردها لصاحبها إن كان موجودا فإن لم يوجد فله ردها على من يحفظ مال صاحبها كزوجه وخازنه ووكيله في قبضها إن كان له وكيل وله السفر مع وجود صاحبها إن لم يخف عليها ولم ينهه صاحبها فالوديع في هذه الحالة يكون مخيرا بين اليفر وبين ردها لمن ذكروا.
ومنها: أن يحملها إلى صاحبها وعنده ظالم يريد ماله أو يسعى بها إلى الظالمأو يدل عليها لصا فيسرقها فإذا فعل كان ضامنا لها.
ومنها أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة فإذا مرض مرض الموت رد الوديعة إلى صاحبها أو وكياه فإن لم يجدها دفعها إلى الحاكم المأمون فإن تعذر عليه ذلك أودعها عند ثقة أو دفنها إن لم يضرها الدفن واعلم بها ثقة يسكن الدار التي دفنها بها فإن لم بفعل كان ضامنا ومثل ذلك ما إذا أراد أن يسافر معه على الوديعة.
ومنها أن ينتفع الوديع بها كأن يركبها إن كانت دابة لمصلحته. أما إذا ركبها بأجرة علفها فلا يضمن وكأن يلبس ثوبا مودعا عنده لا لمصلحة الثوب.
أما إن لبسه لمصلحة الثوب غن خاف عليه من العث (العتة) إن كان صوفا فإنه لا يضمن.
ومنها: أن ينكر الوديعة ثم يقر بها لأن الإقرار بها بعد إنكارها لا يرفع عنه الخيانة فيضمنها إذا فقدت. ومثل ذلك إذا طلبها صاحبها أو من له حق في طلبها ****له فلم يدفعها إليه فإنه يضمنها إذا تلفت بعد المنع.
ومنها: أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره إذا كانت لا تتميز منه كخلط زيت بزيت أو سمن بمثله بغير إذن صاحبها فإذا فعل الوديع ذلك بطلت الوديعة وضمنها الوديع ووجب عليه الرد فورا.
وإذا خلطها غير الوديع بدون إذن كان الضمان على الخالط لا على الوديع لأنه هو المعتدي وإذا برئ المالك الوديع بريء.
وإذا خلطها خلطا لا يتعذر معه كخلط بر بشعير أو عدس فإنه لا يضمن. وإذا وقع خلط الذي يتعذر تمييزه رغم إرادته فإنه لا يضمن ويصيران شريكين) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 14-09-2021, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث العارية]
صـــــ 237 الى صــــــــ
244
الحلقة (153)

[مباحث العارية]
[تعريفها]
-العارية مشددة وقد تخفف تطلق في اللغة على معان:أحدهما:
أنها اسم لما يتداوله الناس بينهم يقال للكتاب مستعار. بمعنى متعاور أي متداول بين الناس ومثلها العارة - بفتح الراء مخففة - كناقة والجمع عواري - بتشديد الباء وتخفيفها - وعلى هذا تكون مأخوذة من التعاور التداول، وفعلها اعتور الشيء وتعوره وتعاوره، يقال اعتوروا الشيء الشيء بمعنى تداولوه.
ثانيهما:
أنها اسم لما يذهب ويجيء بسرعة يقال أعاره الشيء وأعاره منه إعارة منه كما يقال عاره يعوره بمعنى أخذه وذهب فحقيقة العارية ذهاب الشيء وإيابه، وهو قريب من الأول وعلى هذا تكون العارية مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء سريعا وهو لا يخرج عن الأول لما فيه من التداول.
ثالثهما: أنها اسم لما يقصده المستعير فهي مأخوذة من عروا إذ قصده لأن الشيء المستعار مقصود للمستعير وأصل عارية المشتقة من التعور بمعنى التدوال عورية بفتحتين مشددا على وزان فعليه فالعين الكلمة والواو عين الكلمة لام الكلمة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قبلت أفا فصارت عارية فالألف أصيلة لأنها منقلية عن الواو التي هي عين الكلمة.ومثلها المأخوذة من عار يعور إذا ذهب وجاء أما المأخوذ من عراه يعروه إذا قصده فإذا كانت العارية مشددة الياء يكون أصلها عاوورة بواوين على وزان فاعولة قلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة فصارت عاروية اجتمعت الواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وإذا كانت مخففة يكون أصلها عاروية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون الخ وعلى كلتا الحالتين تكون الألف زائدة لأن العين فاء الكلمة والراء عينها ويصح أن تكون الألف اصلية إذا دخل الكلمة القلب بأن تؤخر عين الكلمة وهي الراء على لازمها والراء عينها فتحركت الواو التي هي لام الكلمة وانفتح قبلت أفا فصارت عارية وعلى هذا تكون الألف أصلية لنها منقلبة عن الواو التي هي لام الكلمة.
ذلك هو الصحيح في معنى العارية واشتقاقها وبعضهم يقول إنها منسوبة إلى العار وذلك لأن ردها لصاحبها بعدما منحها للمستعير عار لا ينبغي وقوعه وذلك خطأ من وجهين:
أحدهما أن رد العارية ليس بعار ولو كان ذلك لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنه فعله. ثانيهما إن العار ياتي أما العارية فهي واوي ولذا قالوا إن القوم يعتبرون بمعنى يعير بعضهم بعضا ولم يقولوا يتعاورون نعم نقل أنهم يتعيرون العواري وهي جمع العواري وهي جمع عارية كما عرفت ولكنه ضعيف وقد تستعمل الياء بدل الواو فما ورد من ذلك لا يكون حقيقة بأصل وضعه.وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
[حكم العارية وركنها وشرطها]
-العارية في ذاتها من أعمال البر التي تقتضيا الإنسانية لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضا فهي منودبة بحسب ذاتها.وقد يعرض لها الوجوب كما إذا احتاج شخص من آخر مظلة في الصحراء وقت الحر الشديد توقفت عليها حياته أو إنقاذه من مرض فإنه يجب على صاحبها في هذه الحالة أن يعيرها إياه.وقد يعرض لها الحرمة كما إذا كان عند شخص جارية أو خادمة تشتهى وطلب غعارتها منه شخص يختلي بها أو يتمكن من قضاء إربه منها فإنه في هذه الحالة لا يحل له أن يعيرها إياه.وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار فرسا من أبي طلحة فركبه واستعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال له صفوان أغصب يامحمد في هذه الحالة أو عارية فقال له بل عارية مضمونة.
وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها على أنها داخلة في قوله تعالى:
{وتعاونوا على البر التقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} .إذا لا شك أن سد حاجات الناس بعضا بعضا والإحسان إليهم من أنواع البر التي توثق بها الشروط وتنمو بها الألفة وتتأكد وذلك المودة ممدوح في نظر الشريعة الإسلامية كل المدح.
وأركان العارية أربعة: (2) .
معير وهو الذي يمنح العارية.ومستعير وهو الذي يأخذها.ومعار وهو الذي تمنح.وصيغة. ولكل ركن من الأركان شروط مفصلة في المذاهب (3) .
(1) (المالكية - قالوا: تعرف العارية على أنها مصدر. وتعرف على أنها اسم للشيء المستعار فعلى الأول يقال إنها تمليك منفعته مؤقتة لا بعوض.
فإذا ملك شخص غيره منفعة الدابة ليسافر أياما معلومة بدون اجر أو جملة لينقل عليه جرته أو محراثه ليحرث له أرضه في زمن معين أو غير ذلك التمليك عارية ولا فرق بين أن يكون الوقت طويلا أو كثيرا فيدخل في العريف تكليك المنفعة طول حياة المستعير ويقال له (العمري) بضم العين وسكون الميم وكذلك يدخل فيه وهو تمليك منفعته الخادم طول حياة المستعير ولا يدخل فيه حبس منفعة العين (الوقف) إلا على القول بأنه يصح ان يكون مؤقتا. وعلى أنها اسم للشيء المستعار يقال لها (مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بلا عوض) .
ولكن يرد على التعريفين أنه يدخل فيهما ما ليس منهما في بعض الأحوال وهو إرث المنفعة ومثاله أن يستأجر شخص أرضا أو دارا، أو أثاث منزل مدة معينة ثم يموت قبل أن يستوفي منفعتها ففي هذه الحالة تنقل المنفعة إلى الورثة بدون عوض منهم، وهنا ينطبق عليه تعريف العارية لأنه يملك منفعة بدون عوض أو مال بدون عوض مع أنه ليس بعارية.
والجواب أن العارية ليس لها عوض مطلقا اما هذه الصورة فإن المستأجر المنوفي إنما أجرهم بعوض فهي في الحقيقة تكليك بعوض من المستأجر الأول وإن انقلت إلى الورثة بدون عوض منهم.
الحنفية - قالوا: العارية هي تمليك المنافع مجانا وبعضهم يقول إنها إباحةلا تمليك وهو مردود من وجهتين:
الأول: أن العارية تنعقد بلفظ التمليك الشيء الذي استعاره لغيره إذا كان ذلك الشيء بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه على المتبرع.
فإن ملك دابة أو كتابا أو ثيابا أو غيرها مما يحل الانتفاع به وكان أهلا للتبرع فإنه يصح له أن يعيرها لغيره بان يبيح الانتفاع بها مع بقاء العين ليردها إليه ثانيا سواء حدد لها مدة ويقال لها العارية النقيدة أو ويقال لها المطلقة.
الحنابلة - قالوا: العارية معناها العين المعارة وهي المأخوذة من مالكها سواء حدد لها أو مالكها أو مالك منفعتها للانتفاع بها زمنا أو مطلاق بلا عوض وتطلق العارية مجازا، واغعارة هب إباحة نفع العين عوض من المستعير أو غيره.
والإباحة معناها رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكا له فيصح له أن بنتفع به كما يجب) .
(2) (الحنفية - قالوا: للعارية ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلا بد في العارية من الإيجاب والقبول لأنها تمليك وهو لا يتحقق إلا بذلك ولا يشترط الللفظ بل يكفي التعاطي وهو أن يعطي المعير العارية للمستعير والمعير يأخذها ويكون معروفا بينهما أنها عارية تصح بلفظ أعرتك وأطعمتك غلة أرضي ومنحك هذا الثوب.
وحملتك على دابتي هذه. بشرط أن لا يريد بلفظ منحط وحملتك الهبة. وكذا تنعقد بقوله:
آجرتك داري شهرا مجانا. وداري لك سكني عمرى (بسكون الميم وفتح الراء) .
(3) الشافعية - قالوا: يشترط في المعير أن يكون أهلا للتبرع ما اجتمع فيه أمور:
أحدها: أن يكون بالغا، فلا تصح العارية من الصبي.
ثانيهما: أن يكون عاقلا، فلا تصح من مجنون.
ثالثهما: أن يكون غير محجور عليه لسفه فلا تصح من محجور عليه، وهل يجوز لكل من الصبي والمحجور عليه أن يعير بنفسه كأن يخدم شخصا في عمل من الأعمال مجانا أو لا؟ الجواب أنه يجوز بشرطين:
الأول: أن لا يكون العمل الذي يعمله مجانا لا يؤخذ عليه أجر في العادة. أما إذا كان يؤخذ عليه أجر فإنه لا يصح للصبي أو المحجور عليه أن يعير ليعمل ذلك العمل مجانا.
الثاني: أن لا يكون ذلك العمل متعاقا بصناعته التي يكسب بها عيشه. كما إذا كان صبي نجار فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له صنودقا مجانا.
أو يصنع له (دولابا) كذلك، أو كان صبي حداد فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له قفلا أو كان خياط فأعار نفسه لشخص ليخيط له ثيابا وهكذا فإن هذه الإعارة لا تجوز.
ومن هنا يتضح انه إذا قال شخص لولد غيره. اعمل لي كذا فإن كان العمل مما لا يؤخذ عليه أجر في العادة كأن يكلف غلام بإحضار أمر من الأمور، فإنه يصح وإلا فلا.
وأما المحجور عليه لفلس فإنه يجوز له أن يعير نفسه بشرط أن لا يشغله العمل الذي يعمله له عن كسبه كما يصح أن يعير شيئا من ملكه غير منقول كما إذا أعار جاره دارا يوما.
رابعها: أن يكون المعير مالكا للمنفعة التي يريد إعارتها ولا يشترط أن يكون مالكا للعين لأن الإعارة إنما ترد على المنفعة دون العين.
فتصح إعارة المكتري والموصي له بالمنفعة والموقوف عليه بإذن الناظر لأنهم وإن كانوا لا يملكون العين إلا أنهم يملكون المنفعة وهي التي يباح للمستعير أن ينتفع بها.
أما الذي لا يملك العين ولا يملك كالمساعير فإنه لا تصح إعارته فمن استعار دابة غيره لا يصح أن يعيرها لغيره إلا بإذن مالكها كان كل منهما ضامنا فإن تلفت عند الثاني كان عليه ضمانها إلا أنه يشترط لضمان الأول أن لا يسمى مستعيرا خاصا فإن قال له: ائذن لي أن اعيرها فأذن أصبح مستعير بل هو وكيل وبرئ من الضمان.
هذه شروط المعير، أما المستعير فيشترط له أمران:
أحدهما: تعيينه فلا تصح الإعارة لمجهول فإذا فرش لمن يجلس عليه لم يكن عارية بل يكون مجرد إباحة وكذا إذا قال لزيد وعمرو: أعرت أحدكما فرسي ولم يعينه إن كان زيدا أو عمرا.
ثانيها: أن يكون المستعير مطلق التصرف فلا يصح أن يعير فرسه لصبي مجنون إلا إذا تعاقد على ذلك مع وليهما. وأما السفيه جواز فإن الراجح جواز قبوله الإعارة فلا تتوقف على قبول الولي.
وأما (المعار) فيشترط له أمور: أحدها الانتفاع به حالا أو مالا ومثال ما ينتفع به مالا الجحش الصغير فإنه يصح إعارته إعارة مطلقة أو مقيدة بمدة يمكن الانتفاع به فيها أما ما لا يمكن الانتفاع به أصلا كاحيوان المعقد المريض فإن إعارته. والمراد بالمنفعة ما يسيتفيده المستعير.
وهي قسمان: قسم منفعة محضة ليست بعين كسكنى الدار وركوب الدابة واستظلال بالمظلة ونحو ذلك، وقسم عين من العين المستعارة كلبن الشاة وثمر الشجر فإذا استعار شاة لآخذ لبنها أو نسلها أو شجرة لأخذ ثمرها فإن العارية تصح إن كان اللبن تؤخذ من الشاة المستعارة والثمر عينا تؤخذ من الشجرة المستاعرة فتصح غعارة الشاة لآخذ لبنها أو نسلها وإعارة الشجر لأخذ ثمرها ونحو ذلك على المعتمد.
وبعضهم يقول: إن اللبن والنسل والثمر لم يستفيدها المستعير بطريق الإعارة وإنما استفادها بطريق إباحتها، وقد استعيرت الشاة والشجر للوصول إلى ما أبيح له وذلك كما اسيتعار شخص قناة في أرض غيره ليوصل منها ماءه إلى أرضه. فالماء المملوك له لا يمكنه الوصول إليه باستعارة القناة، فمنفعة القناة هي الإيصال إلى الاستفادة بالماء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بلفظ العارية أو بلفظ الإباحة.
ثانيهما أن يكون المستعير مباحا فلا تصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كإعارة خادمة مشتهاة لمن لا يؤمن عليها إذا كانت الخدمة تتضمن خلوة أو نظرا محرما فإذا كانت غير مشتهاة لصغر أو قبح منظر أو كانت الخدمة للأولاد الصغار ولا تختلط بها والدهم فإن العارية تصح.
ومن الأشياء التي يحرم الانتفاع بها آلات الهو المحرمة كالمزمار.
أما غير المحرمة كالطبل والشطرنج فإن إعارتها تجوز كما تجوز إجارتها.
ومنها: إعارة السلاح لحربي يستعين به قتال المسلمين فإنه يحرم.
ثالثها: أن ينتفع بالمستعار مع بقاء عينه أما إذا استهلكت العين فإن العارية لا تصح لعدم وجود حقيقتها إذا العارية هي ما ينتفع مع بقائه ليرد لصاحبه وعلى هذا فلا تصح إعارة المطعومات لاستهلاكها بتناولها.
وأما الصيغة فيشترط فيها أن تكون لفظا يشعر بالإذن في الانتفاع سواء كان اللفظ صادرا من المستعير. كأن يقول: اعرني كذا أو صادرا من المعير كقوله: اعرتك فلا بد من لفظ أحدهما.
أما الآخر فلا يشترط لفظه بل يكفي فعله كما لا يشترط الفور بل لو قال له: أعرتك دابتي ولم يرد عليه فورا فإن الإعارة تصح ويقوم مقام اللفظ الصريح الكناية مع النية وكذا إشارة الأخرس المفهمة.
الحنفية - قالوا: يشترط للعارية شروط بعضها يتعلق بالمعير والمستعير فيشترط فيه أن يكون عاقلا فلا تصح إعارة المجنون وأن يكون مميزا فلا تصح إعارة الصبي الذي لا يعقل.
أما البلوغ فليس بشرط فتصح إعارة من الصبي المأذون بالتصرف ويعضهما يتعلق بالمعار فيشترط فيه أن يكون الانتفاع به ممكنا بدون استهلاكه. فإذا لم يكن الانتفاع به ممكنا أصلا كالحيوان المريض فإنه لاتصح غعارته، وكذا إذا كان يمكن الانتفاع به مع الاستهلاكه كالمطعوم والشمع الذي لا ينتفع به بدون حرقه، وكذا يشترط في المعار أن يقبضه المستعير فإذا لم يقبضه لا تصح الإعارة.
وأما الشروط المتعلقة بالصيغة فقد تقدمت في بيان الركن قريبا.
المالكية - قالوا: يشترط للعارية شروط، بعضها يتعلق بالمعير: وبعضها يتعلق بالمستعير وبعضها يتعلق بالمستعار، فيشترط في المعير شروط منها أن يكون مالك المنفعة بسبب ملك الذات المنتفع بها أو استئجاره لها أو استعارته لها فلا يشترط فيه أن يكون مالكا لذاتها بل الشرط ملك المنفعة سواء كان مالكا للذات أو فيصح لمن استأجر دارا مثلا ان يعير لغيره، وكذا من استعارها فإن له أن يعيرها بشرط أن لا يمنعه المالك المعير من الإعارة لغيرها صريحا أو ضمنا والمنع الضمني:
لولا أبوك أو أخوك ما أعرتك، لأن هذا يتضمن قصر الإعارة عليه فلا يصح أن يعيرها لغيره فإذا أعار شخص ما لا يملكه بسبب من الأسباب المذكورة كان فضوليا فلا تنعقد إعارته أصلا لأنها بغير عوض بأخذه من المستعير ومثلها الهبة والوقف وسائر ما يخرجه الفضولي بغير عوض.
أما ما يخرجه بعوض كما إذا باع شخص ملك غيره بدون إذنه فإن البيع ينعقد موقوفا على إجازة المالك فإذا أجاز البيع نفذ.
ومنها أن لا يكون المعير محجوزا عليه لصغر أو سفه فلا تصح إعارة الصبي والسفيه والرقيق ولو كان مأذونا له في التجارة لأنه مأذون له في التصرف بعوض لا أن يعير بدون عوض. نعم يصح له أن يعير ما به اسئلاف الناس منه تجارته (الزباين) .
ومنها: أن لا يكون المعير مالك الانتفاع فقط وهو من ملك أن ينتفع دون غيره.
والفرق بينه وبين المنفعة أن مالك المنفعة جعل الشارع له الانتفاع بنفسه كما جعل له أن يتنازل عن الانتفاع لغيره كالمالك والمستأجر والمستعير فلكل منهم أن يؤاجر وأن يهب وأن يعير، كما له أن ينتفع بنفسه أما مالك الانتفاع فقد قصره الشارع على ان ينتفع بنفسه فقط وذلك مثل الأماكن الموقوفة على المجاورين وأبناء السبيل ونحوهم فإنها إذا استحق السكنى فيها شخص بعنوان كونه مجاورا مثلا فإنه لا يملك منها إلا حق الانتفاع فقط فلا يصح ان يعيرها لغيره أو يهبها أو غيره ذلك. نعم يجوز له أن يتنازل عن حقه في الانتفاع بها مجانا وفي مقابلة دارهم مدة معينة أو دائما.
وهنا مسألة يعبرون عنها بملك الخلو وهي من قبيل ملك المنفعة. والخلو (هو اسم لما يملكه دافع الجنيهات من المنفعة التي وقعت الجنيهات من مقابلتها) توضيح ذلك ان توجد دار خربه موقوفة على جهة أو أرض فضاء لا بناء عليها موقوفة كذلك وليس للوقف ريع يعمر به فيدفع شخص مبلغا لجهة الوقف لبناء الذي أنفق عليه ماله، وهذه المنفعة تسمى بالخلو فإذا كانت أجرة الوقف بعد بنائه تساوي عشرة فاتفق الباني على ان يدفع منها ثلاثة حكرا والسبعة الباقية في مقابلة ما أنفق على البناء فإنه يصح ويصير المبلغ الذي أنفقه على البناء مالكا بذلك المكان فيجوز له ان يعيرها لغيره وأن يهبها له وتورث عنه إذا مات إلى غير ذلك.
وكذلك الخلو المعروف بمصر الان وهو أن يستأجر شخص دكانا مثلا بأجرة شهرية ثم يريد إخلاءها لغيره على أن يأخذ منه مبلغا في نظير الإخلاء فإنه جائز عملا بعرف الناس ويكون من قبيل ملك المنفعة.
واما المستعير فيشترط فيه ان يكون أهلا للتبرع عليه بالمستعار فلا يصح أن يعطي الإنسان غعارة لمن ليس أهلا لها كإعارة المصحف لكافر لأنه لا يصح التبرع عليه به.
وأما المعار فيشترط فيه أن يكون عينا ذات منفعة، وأن يكون استعمالها مباحا وإن لم يكن بيعها مباحا ككلب الصيد وجلد الأضحية فإنه يجوز استعمالها لا بيعها فتصح إعارتهما بناء على ذلك.
زكذا لا تصح إعارة جارية لمن لا يؤمن عليها، وإعطاء مالا لا يمكن استعماله إلا باستهلاك عينه كالطعام والنقود لا يسمى عارية بل هو قرض وإن وقع بلفظ العارية لأن المقصود من العارية الانتفاع بها مع ردها لصاحبها.
وأما الصيغة فهي كل ما دل على تمليك المنفعة بدون عوض سواء كانت بلفظ كأعرابي وأعرتك أو نعم جوابا لأعرابي أو كانت بإشارة أو غير ذلك.
الحنابلة - قالوا: يشترط في العين المستعارة أن تكون مما ينتفع به مع بقاء عينه كالدور والثاب والدواب ونحوها فلا تصح غعارة ما لا ينتفع به إلا إذا استهلمكت ذاته كالأطعمة والأشربة ونحوها كن إن اعطاها أحد لآخر بلفظ إعارة كان محتملا لإباحة الانتفاع بها على وجه إتلافها واستهلاكها.
ويشترط في المعير أن يكون اهلا لأن يتبرع لغيره فلا تصح إعارة المحجور عليه ولا ناظر الوقف ولا ولي يتيم من مال اليتيم.
ويشترط في المستعير أن يكون اهلا لقبول الاستعارة فلا تصح غعارة المصحف للكافر لأنه ليس أهلا لقبوله.
أما الصيغة فلا يشترط فيها أن تكون بلفظ يكفي كل ما دل على الرضا من قول أو فعل لأنها إباحة لا عقد فإذا قال له: أبحتك بكذا كان ذلك عارية كما إذا قال له: أعرتك أو قال: أعرتني فأعطاه أو نحو ذلك.
ومثل ذلك ما إذا دفع إليه الدابة ليركلها عند تعبه فأخذها بدون قول ذلك عارية) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 15-09-2021, 04:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث العارية]
صـــــ 244 الى صــــــــ
253
الحلقة (154)

[أقسام العارية وما يتعلق بها من الأحكام]
-تنقسم العارية إلى أقسام وتتعلق بها أحكام مفصلة في المذاهب (1) .
[مبحث ما تضمن به العارية وما لاتضمن]

-المستعير أمين في نظر الشريعة الإسلامية، لأن العارية التعاون الموجب للتواد ولا معنى لهذا إلا أن يكون كل واحد منهم ذا غيره على مال أخيه، خصوصا المستعير فإنه ينبغي له أن يبالغ في المحافظة على العارية التي بذلها له أخوه لمجرد المعونة تقديرا لفضله واعترفا بما له من جميل إذ لا يليق به أن ينسى منه مالك العارية وسماحته فيستهين بماله ويخونه فيما أباحه له من منفعة فيؤديه بذلك، ومن يفعل ذلك يكون ذئبا ضاريا لا يصح أن يكون فردا من أفراد النوع الانساني الذي لا بد من التعاون والتواد.من أجل ذلك كان الشأن في المستعير المانة والحرص على العارية فإذا أصابها تلف أو هلاك فإن المستعير لا يكون مسؤولا عنها يكون بمنزلة صاحبها.أما إذا خرج عن طبيعته واستهان بها فهلكت أو تلفت كان مسؤولا عنها، وذلك في أمور مفصلة في المذاهب (2) .

(1) (الحنفية - قالوا: تنقسم العارية إلى أربعة أقسام:
أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع كما إذا قال له: أعرتك داري أو دابتي أن يفيده بزمن أو يبين كيفية الانتفاع.
حكم هذا القسم أن للمستعير الحق في أن ينتفع بالعارية بدون شرط ولا قيد.
وثانيها: ان تكون مقيدة بالوقت والانتفاع كما إذا قال له: أعرتك داري شهرا لتخزن فيها متاعك، وفي هذه الحالة لا يجوز للمستعير أن ينتفع بها أكثر من شهر ولا ينتفع بها بغير خزن متاعه وله أن يستعملها فيما هو أحسن مما أبيح له كما إذا أباح خزن الحديد والأحجار فاستعملها في خزن القماش.
ثالثها: أن تكون مقيدة بالوقت مطلقة كما إذا قال له: اعرتك دابتي ثلاثة أيام ولم يبين له كيف يستعملها.
رابعها: ان تكون مقيدة بالانتفاع مطلقة في الوقت. وفي الحالتين لا يجوز له أن يتعدى ما أمره به صاحبها.
وعلى أي حال فهي غير لازمة فلصاحبها أن يستردها متى شاء إلا إذا ترتب على استردادها ضرر بالمستعير؛ فإن العارية في هذه الحالة تبطل وتبقى العين المستعارة بيد المستعير بأجر المثل مثال ذلك أن يعيره حائطه ليضيع عليه خشب سقفه، فإذا فعل وبنى فليس لصاحب الحائط أن يستردها في هذه الحالة لما يترتب على ذلك من هدم السقف الضار بالمستعير فتبقى الحائط بأجر مثلها إن كان مثلها له أجرة.
ومثل ذلك ما إذا أعاره فرسا ليسافر بها إلى جهة وسافر معه فليس له أن يستردها في مكان لا يقدر فيه المستعير على الركوب بالأجرة او بالشراء فتبقى مع المستعير بأجر المثل.

ومثل ذلك ما إذا أعاره أرضا ليزرعها فليس له أن يستردها حتى يحصد زرعه ولصاحبها أجر المثل.
وإذا أعار حائط منزله فوضع عليها السقف ثم باع المنزل فللمشتري أن يسترد الحائط ويرفع اليقف إلا إذا شرط ابائع عليه عدم استردادها وقت البيع فيعمل بالشرط.
ومثل المشتري الوارث - إلا أن الوارث له استرداد العارية على أي حال -
فإذا استعار شخص حائطا، ووضع عليها خشب سقفه وبنى، ثم مات المعير فإن للوارث استرجاع الحائط على أي حال حتى ولو كان المستعير من ضمن الورثة إلا قسمت التركة وقعت تلك الحائط في نصيب المستعير.
وإذا استعار أرضا ليقيم عليها بناء أو يغرس فيها شجرا فإنه يصح وللمالك أن يسترد أرضه متى شاء لما تقرر من أن العارية غير لازمة، ثم إن كانت العارية مؤقتة بوقت ورجع المالك قبل حلول الوقت فإن له تكليف المستعير إزالة البناء وقلع الشجر على أن يضمن المالك ما نقص من قيمة البناء والشجر بأن يقوم الشجر وهو مغروس إلى المدة المضروبة للعارية، فإن كان يساوي وقت استردادها أربعة ويساوي وقت انتهاء أجل العارية عشرة كطان المالك أن يدفع الستة التي نقصت، أما إذا رجع المالك بعد حلول الوقت المالك يسترد أرضه من غير أنن يضمن شيئا فعلى المستعير أن يقلع غرسه ويزيل بناءه إلا إذا كان ذلك يضر بالأرض، فإذا كان المستعير قد زرع أشجارا للفاكهة ومضت مدة الاستعارة، واسترد المالك أرضه، وكان قلع الشجر يضر بالأرض، فإن المستعير يكلف بترك الأشجار قائمة على الأرض بدون قلع، وله الحق في أخذ قيمتها بحيث لو فرض وقلعت في ذلك الوقت وبيعت احتسابا كانت قيمنتها هي التي يستحقها المستعير ملكا لصاحب الأرض، ومثل ذلك ما لو بنى على الأرض ومضت مدة العارية وكان الهدم يضر بالأرض فإن المستعير يكلف ترك البناء قائما بون هدم وله الحق في أخذ قيمته أنقاضا ويكون ملكا لصاحب الأرض، وإذا كانت العارية مطلقا واسترد المالك أرضه، فإن المستعير يخبر في هذه الحالة بين أن قيمة الشجر أو البناء قائمين ويصيران ملكا لصاحب الأرض بعد أن يدفع قيمتها، وبين أن يقلعها ويأخذهما خشبا وأنقاضا إلا إذا كان القلع يضر بالأرض، فإن الخيار في هذه الحالة يكون للمالك، فله أن يكلف
المستعير بإزالة ما أحدثه على الأرض من شجر وبناء شيئا ويحتمل ما لحق أرضه من ضرر، وله أن يستبقي الشجر والبناء ويدفع للمستعير بنسبة ما إذا كانا للمستعير ما إذا كان مقلوعين لا قائمين.
وإذا أعاره ليزرعها لا يصح له أن يستردها قبل حصاد الزرع سواء كانت العارية مؤقتة أو لا؛ ولكن للمالك الحق التي أنفقها المستعير إذا كان الزرع لم ينبت لأن بيع الزرع قبل نباته؛ أما بعد نباته فإنه يجوز على المختار فإذا لم يرض المستعير بأن يدفع أجر المثل وأبى القلع يضمن له صاحب الأرض ما انفقه فقيل ذلك وقيل لا.
الحنابلة - قالوا: تنقسم العارية إلى مطلقة ومؤقتة بوقت أو عمل وهي غير لازمة على حال،فللمستعير أن يرد عاريته متى شاء لأن المنافع لم تحصل في يد المستعير دفعة واحدة. حتى يملكها بل هي تستوفي شيئا فشيئا؛ فما يستوفيه منها فقد وما لم يستوفيه لم يقبضه؛ فيصح لصاحبه الرجوع فيه كالهبة قبل القبض إلا إذا ترتب على ردها ضرر المستعير؛ كما إذا أعار إذا أعار سفيه لحمل متاعه فليس له أن يستردها في وسط البحر لا يتمكن من غيرها؛ وإنما له استرداد بعد أن ترسو على الشاطئ.
وكذا إذا أعار حائطا ليضع عليها خشب سقفه فليس لضاحبها مرجوع إذا وضع سقفه وبنى لأن استردادها يترتب عليه الإضرار بالمستعير فإذا سقط السقف من تلقاء نفسه فليس له حق إعادته على الحائط ثايا إلا بإذن صاحبها أو عند الضرورة بحيث لا يجد وسيلة للسقف إى بإنكار على هذا الحاشئط؛ فإن الإعارة في هذه الحالة تكون لازمة. وكذا إذا أعار أرضا ليزرعها فليس له الرجوع قبل الحصاد.
وإذا أراد أن يدفع قيمة الزرع ليملكه ويسترد عاريته فإنه لا يجاب إى ذلك إلا إذا رضي المستعير. نعم له أن يأخذ أجرة مثل الأرض إذا كان الزرع يمكن حصاده وقت طلب العارية من حين رجوعه إلى حين الحصاد وليس له أن يأخذ أجرا فيما عدا ذلك من الأمثلة التي ذكرت قبل كأجرة على سفينة أو حائط أو نحوهما.
وإذا أعار أرضا ليغرس أو بيني فيما حجرة. فإن في ذلك تفصيلا وهو إما أن يشترط صاحب الأرض على المستعير أن يقلع شجره أو يهدم بناءه في وقت كذا أو متى رجع المالك عن إعارته أو لا يشترط فإن عومل المستعير بهذا الشرط ولصاحب الأرض أن يطالبه بإزالة الشجر وهدم البناء في الوقت المعين أو عند رجوعه حسبما شرط بدون حق للمستعير في المطالبة بما ينقصه شجره بعد القطع أو بناه بعد الهدم لأن المؤمنين عند شروطهم. ويلزم المستعير أن يسوي الأرض إذا حصل فيها حفرة بقلع الشجر أو هدم البناء إلا إذا شرطه عليه صاحبها قبل أن يعيرها إياه.
أما إذا أعاره الأرض بدون أن يشترط عليه شيئا فزرع فيها شجرا أو بنى فيها بناء ثم طلبها فإن المستعير لا يلزم بالقلع ولا بالهدم إلا ضمن له المستعير ما ينقص من قيمة بنائه وشجرة فإذا ضمن البناء أو الشجر فإن المستعير عليه. وأجرة القلع أو الهدم تكون على المستعير ولصاحب الأرض أن يأخذ الشجر أو البناء بقيمته ولو لم يرض المستعير. وليس للمستعير بقيمتها بدون رضا صاحبها متى رضي صاحبها بدفع النقص أو الشراء وإذا أبى صاحب الأرض أن يدفع بيع الأرض النقص أو يأخذ الشجر أو البناء فإنه لا يجبر على ذلك ولكن للمستعير في هذه الحالة أن يطلب بيع الأرض الأرض له ويجبر المعير على البيع دفعا للنزاع لأنه أبى قبول الزرع أو البناء بقيمته فعليه أن يبيع الأرض بقيمتها فإذا لم يرض المستعير ولم يرض بالشراء ولم يرض المالك النقص يترك الشجر والبناء قائمين يتفقا.
المالكية - قالوا: تنقسم العارية إى ثلاثة أقسام:
الأول: العارية المقيدة بالزمن كأن يقول له: اعرتك هذه الدار شهرا أو سنة أو نحو ذلك.
الثاني: العارية المقيدة بالعمل كأن يقول له: اعرتك ثوري لتطحن عليه إربا أو لتحرث به فدانا أو اعرتك جملي لنتقل عليه جرنك أو نحو ذلك فإن العارية في هذه الأمثلة مقيدة بالعمل الذي استعيرت من أجله.
الثالث: العارية المطلقة وهي ما لا تقيد بزمان أو عمل كان يقول له:
اعرتك هذه الأرض أو هذه الدابة أو الدار أو هذا الثوب.
وحكم المقيدة بقسمتها اللزوم إلى انتهاء القيد فليس لصاحبها الحق في استرجاعها قبل فراغ الأجل ونهاية العمل فلا يصح له ان بعيره ثورا ليحرث له فدانا ثم يأخذ منه قبل نهاية حرث الفدان وهكذا.
وحكم المطلقة أن لصاحبها الحق في ردها متى شاء الراجح ما لم يترتب على ردها ضرر بالمستعير فإذا أعار أرضا مطلقة فله استراجاعها قبل أن يشغلها المستعير بالزرع متى أرد ولو بعد مضي الزمن الذي جرت العادة به مثل ذلك العادة يعمل بها كالشرط. وذلك هو الراجح.
أما التعويض فهو قيمة ما بنى به من مواد وأجرة عمال إن كانت المواد مملومة له أما إن كان قد اشتراها بغبن فاحش أما إذا اشتراها بغبن فاحش فلا يلزم صاحب الأرض إلا يالقيمة. وكذلك يدفع النقات نفسها إن كان جديدا لم يستعمل ولم تتغير حاله أما إذا مضى عليه زمن كويل فإنه يلزم بدفع قيمته وقت استرداده.
فإذا كانت استعارة الأرض مقيدة بزمن أو لم تكن مقيدة بزمن مضى المعتاد بالنسبة لها فإن صاحب الأرض بالخيار بين أن يأمر بهدم البناء وقلع الشجر وتسوية الأرض كما كانت وبين أن يدفع قيمته انقاضا بعد إسقاط أجرة من يهدم ويستوي الأرض إذا كان المستعير لا يتولى ذلك بنفسه، فإذا تولى المستعير ذلك بنفسه لا تحسب عليه أجرة الهدم.
الشافعية - قالوا: العارية تنقسم قسمين: مطلقة، مؤقتة بوقت معين وهي عقد جائز من الطرفين فيجوز للمستعير أن يرد العارية كما يجوز لصاحبها أن يطلبها متى أراد إلا في أمور فإنها تكون لازمة.
منها: ان يعيره سفينة لينقل عليها متاعه من شاطئ إلى شاطئ فإنه لا يجوز له ان يستردها في وسط البحر والمتاع موجود فيها، وإنما له أن يستردها قبل أن تقوم ولصاحبها في هذه الحالة أجرة المثل من وقت طلب ردها إلى أن تصل إلى الشاطئ.
ومنها: ما إذا أعاره سترة يضعها أمامه في الصلاة فإنه لا يجوز أن يستردها حتى تنتهي الصلاة.
ومنها: ما إذا أعاره أرضا لزرعها فإنه لا يجوز له أن يسترد العارية قبل الزرع حصاده.
وإذا أعاره أرضا للبناء عليها أو لغرس الشجر فإن ذلك يكون على وجهين:
الأول: أن يعيره الأرض للغرس عليها أو البناء بشرط أن بقلع ما غرسه أو يهدم ما بناه عندما يطلب منه العارية. وفي هذه الحالة يلزم المستعير أن يقوم بالشرط أيضا وإلا فلا، فإذا امتنع المستعير عن قلعه فللمعير أن يقلعه، وإذا احتاج القلع إلى نفقه صرفها بإذن القاضي فإن لم يجد صرفها بية الرجوع وأشهد على الصرف.
الوجه الثاني: أن يعيره الأرض ليبني عليها أو يغرس فيها بدون أن يشترط عليه القلع او الهدم عند استرجاع العارية. وفي هذه الحالة إن أجابه المستعير وقلع غرسه وهدم بناءه باختبار فذاك، وعليه في هذه الحالة تسوية الأرض وإن لم يشترطها عليه صاحبها لأنه فعل باختياره. وإن امتنع من القلع أو الهدم فلا يجبر عليه وخبر بين ثلاث خصال:
أحدهما: ان يشتري ما بناه المستعير أو رغسه بقيمته بعقد مستقل مشتمل على إيجاب وقبول وبذلك يكون البناء أو الشجر ملكا لصاحب الأرض.
ثانيهما: أن يقلع الشجر أو يزيل البناء. وبشرط أن يدفع ما ينقصه ثمنه عند بيعه أنقاصا أو خشبا مقلوعا فإذا كان يساوي ثمن البناء او الشجر قائما عشرة وإذا قطع أو هدم بيع ثلاثة كان صاحب الأرض ملزما بدفع سبعة وأجرة القطع والهدم على المستعير. أما أجرة نقل النقاض فهي على المالك قطعا.
ثالثهما: أن يبقى الشجر قائما بأجرة على أن تكون الإجارة مؤيدة لجهالة المدة، فإذا اختار الأجر، كان للمستعير الحق في أن يقلع الشجرة ويغرس بدلها في محلها، وسواء من جنسها أو من غير جنسها.
وإن كان مستأجرا لجميع الأرض فإنه يصح له أن يؤجرها ما بين المغروس. ولا بد من عقد إجارة مستقل على المعتمد فإن لم يتعاقدا قدرت أجرة المثل.
فإن امتنع المالك عن أن يختار واحدا من هذه الثلاث وامتنع المستعير عن أن يقلع باختباره تركا حتى يختار واحد منهما ما له الخيار فيه ويبقى قائما حتى تنتهي، ولكل منهما أن يدخل لملاحظة ما يخصه بشرط أن لا يترتب على دخوله ضرر وليس لصاحب الأرض حق في الأجرة مدة التوقف على الأوجه.
ويشترط لتخيير المالك بين هذه الخصال ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون في قلع الشجر أو هدم البناء نقص في قيمتها، فإن لم يكن تعيين القلع أو الهدم بلا نزاع فإنه لا ضرر على المستعير حينئذ، وللمالك الحق في الاسيلاء على ملكه لا ضرر.
الثاني: أن لا يكون المستعير شريكا تعيين بقاء الشجر أو البناء باجرة المثل فليس له القلع مع دفع نقص الثمن لأن معنى الأرض، وليس للمالك حق شرائها بدون رضا مالكها.
الثالث: أن لا يكون ذلك قلع الشجر المملوك لغيرك أو المفروض أنه شريك في كل أجزاء الشجر فيه ثمر قد صلاحه، وفي هذه الحالة يجب انتظار المالك حتى يجنى ثمره ثم يكون له بعد ذلك الخيار.
وإذا وقف صاحب الأرض أرضه كان الناظر مخيرا بين هذه الخصال المذكورة بشرط أن لا يختار دفع الثمن إلا إذا كان دفع الثمن إلا إذا كان فيه مصلحة للوقف أما إذا وقف المستعير بناءه أو شجره فإن للمالك الخيار أيضا، ولا يملكه بالقيمة، فإن الوقف لا يملك نعم شراؤه إذا تبرع به للجهة اللموقوف عليها، ولكل من المعير والمستعير أن يبيع ماله كغيره مما يملك) .

(2) (الحنفية - قالوا: لا تضمن العارية من غير تعد، فإذا أعار شخص دابته لآخر فلم يرهقها ولم يفرط في حفظها ولم يتعد عليها، فماتت فإنها تضيع على صاحبها ولا يلزم المستعير بدفع شيء؛ وإذا أعاره الدابة وشرط عليه ضملنها كان الشرط باطلا لا يعمل به وإنما تضمن العارية ويلزم بها المستعير في أمور: منها أن تكون مستحقة للغير.
فإذا استولى شخص على دابة مملومة لغيره، ثم أعارها فهلكت عند المستعير كان المستعير ملزما بها لأن صاحبها الأصلي لم يعره فعليه ان يدفع قيمتها، ولا رجوع له علىالمعير متبرع لم يأخذ شيئا ولصاحب الدابة أن يلزم لها المعير ولا رجوع على المستعير.
ومنها: أن يؤجرها المستعير أو يرهنها، فإذا أعاره دابة ليقطع مسافة فأجرها المستعير فهلكت عند المستأجر فإن المستعير يلزم بها المستأجر على المعير إذا كان لا يعلم أنها عارية؛ أما إذا كان يعلم ما يدفعه يضيع؛
وكذا رهن الدابة فهلكت في يد المرتهن فإن للمعير أن يلزم بها المستعير
ويلزم بها المرتهن فإذا دفع قيمتها المرتهن ضاعت عليه ولا يرجع على المستعير بشيء سوى دينه الأول الذي من أجله ارتهن الدابة.
ومنها: أن يعير العارية بدون إذن صاحبها إذا كانت من الأشياء التي تختلف باختلاف المستعمل؛ فإذا أعاره دابة ليركبها فليس له أن يعيرها لغيره بدون إذن صاحبها؛ لأن الدابة يختلف حالها باختلاف مستعملها؛ فإن قد يركبها رجل سمين لا تقولاى على حمله؛ ورجل نحيف لا يرهقها السير. وقد يستعملها بعض الأفارد برفق، وبعضهم بقسوة وعنف؛ إلى غير ذلك. فإذا أعار شخص دابته لمن يظن فيه الرفق وحسن الاستعمال؛ فلا يجوز له ان يعيرها لغيره إلا بإذن صاحبها. ومثل الدابة الثوب؛ فإن استعماله يختلف المستعمل، فإذا أعارها لشخص آخر وهلكت كان المستعمر الأول ضامنا أما إذا أذنه صاحبها بإعارتها صراحة قال أعرني
هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو اعرني هذا الثوب لألبسه أنا وأعيره لغيري هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو أعني الثوب لألبسه لغيري كما أشاء فإنه في هذه الحالة يجوز له إعارتها وإذا هلكت لا يضمن ومن استعار دابة ونحوها على ان يركبها هو أو يركبها من يشاء بهذا الإطلاق ثم ركبها هو أول مرة فإنه لا يصح له أن يعطيها لغيره ليركبها بعد ذلك وكذا إذا اعطاها لغيره فركبها مرة ثانية فإنه لا يصح أن يستعملها هو فأي الأمرين فعل يعين ابتداء فلا يجوز له العدول عنه إلى غيره.
ومثل ذلك ما إذا استعار ليحمل عليها متاعا أو ليركبها فإنه متى شاء فعل أحد المرين مرة تعين فلا يجوز العدول عنه إلى الأمر الثاني.
هذا كله إذا كانت العارية تختلف باختلاف المستعمل كما بينا، أما إذا كانت لا تختلف كما إذا أعاره آلة (ميكانيكية) ليحرث بها أرضه، فأعار لجاره مع تساوي الأرضين وضروف العمل من كل وجه لا يضمن.
وإذا قيد المعيرلا يوقت خاص فاستعملها في غير ما قيده فهلكت، فغن كانت مخالفة إلى شر فإنه يضمن وإلا فلا، مثلا إذا استعارها ليحمل عليها كيسا من الملح، فحمل عليها كيسا من الشعير فماتت فإنه لا يضمن لأن المعلوم أن الشعير أخف من الملح وأهون على الدابة، وكذلك لا يضمن إذا حمل كيسا يساوي وزنه كيس الملح من أي نوع من الأنواع، أما إذا حمل عليها كمية من الحديد يزيد وزنها عن كيس الملح فإنه يضمن.
ومنها: أن تكون العارية مؤقتة بوقت فيمضي وقتها ولا يردها المستعير فتموت وهي تحت يد المستعير فإنه يضمنها وليس له أن يقول إن ربها تركها لأن نفقة الرد على المستعير فيجب عليه ردها عند نهاية الوقت وإلا ضمن بخلاف ما إذا استعار سلعة ليرهنها فإن نفة ردها على صاحبها أن يرجع على المستعير وذلك لأن صاحبها ينتفع برهنها لأنها تصير مضمونة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها المستعير يالقيمة ومنها:
أن تكون العارية مؤقتة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها إلى صاحبها مع آخر فتموت أو تتلف فإن المستعير يضمنها، لأنه تعدى بإمساكها بعد المدة فعليه الضمان، أنا إذا أرسلها قبل مضي المدة فإنه لا يضمن، وذلك لأنه قبل مضي المدة فعليه الضمان، أما إذا أرسلها قبل المدة فإنه لا يضمن، وذلك لأنه قبل المدة يكون باقيا على وصف المستعير يصح له أن يودع على المختار، فإذا أعطاها لأجنبي كانت وديعة عند ذلك الأجنبي وذلك حق من حقوق المستعير، فإذا هلكت لا يضمن أما بعد مضي المدة فإن المستعير يكون وديعا وليس للوديع غيره فإذا أعطاها لغيره فهلكت ضمن.
ومن هذا تعلم أنه إذا أرسلها قبل مضي المدة مع الغير فإنه لا يضمن سواء كان ذلك الغير أجنبيا أو خادما أو غيرهما لأن المستعير له أن يعير في بعض الأحوال فكذلك له الإيداع في باب أولى.
أما بعد انقضاء المدة فإنه يضمن على أي حال سواء أرسلها مع أجنبي أو مع أجيره أو خادمه.
ومنها: أن يستعير قلادة من ذهب ثم يلبسها الصبي لا يحفظ لباسه لعدم تمييزه فإذا سرقت ضمنها لأنه بذلك يكون مفرطا.
ومنها: أن يضع العارية بين يديه ثم ينام مضطجعا فتضيع فإنه لتقصيره في حفظها.
أما إذا أخذه النوم وهو جالس فضاعت فإنه لا يضمن لعدم تعمد التفريط في هذه الحالة.
واعلم أن كل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى صاحبها فإنه يقبل قوله بيمينه كالوديع إذ ادعى رد الوديعة والمستعير إذا دعى رد العارية وغيرهما.
المالكية - قالوا: العارية إما أن تكون من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالثياب والحلي ونحوهما مما يمكن وضعه في صندوق أو (دولاب) أو نحو ذلك وتسمى (مما لا يغاب عليه) أس مما يمكن إخفاؤه.
وإما أن تكون من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها كالعقار والحيوان ولو صغيرا كاطير فإن هذه الأشياء لا يخفيها الناس (مما لا يغاب عليه) أي وستره عن العين في العادة.
فإن كانت من الأشياء الت يمكن إخفاؤها فإن المستعير يضمنها إذا تلفت أو هلكت إلا قامت البينة على أنها تلفت بغير سببه وأنه ما قصر في حفظها فإذا لم تشهد البينة له بذلك فإنه يلزم بضمان ما ضاع بسرقة أو حرق أو كسر وغيره. أما ما فسد فسادا فإنه يلزم بقيمة النقص الذي وإن كان الفساد كثيرا ضمن الكل.
وإذا شرط المستعير نفي الضمان عن نفسه فهل يصح شرطه أو لا؟ خلاف: والأرجح أن شرطه لا يقبل، عليه ضمان ما ضاع أو فسد ولو شرط براءته من الضمان ابتداء، فيغرم المستعير قيمة العارية يوم ضياعها إن كان ذلك اليوم معروفا للشهود. فإذا شهد الشهود انهم رأوها عنده منذ خمسة أيام، وكانت تساوي في ذلك التاريخ عشرة يلزم بالعشرة، أما إذا لم يرها أحد ولم يعلم تاريخ فقدها فإنه يلزم بقيمتها يوم إعارتها فإن كانت تساوي يوم إعارتها عشرة وتساوي وقت ادعاء ثمانية يلزم المستعير يالعشرة، وإن كانت وقت إعارتها تساوي عشرة ووقت ادعاء ضياعها تساوي ثمانية يلزم بالأكثر فيغرم العشرة. على أنه إنما يدفع قيمتها كاملة إذا لم يكن استعماله إياها في مدة الاستعارة بما هو مأذون فيه غير منقص لقيمتها، أما إذا كان منقصا لقيمتها بعد إسقاط ذلك النقص لأنه مرخص له فيه فأصبح حقا من حقوقه.
أما إذا كانت العارية من الأشياء التي لا يمكن غخفاؤها فإن المستعير لا يضمنها وإذا شرط عليه المعير الضمان. ويكون شرطه لغوا لا قيمة له ولكن يكون عليه الضمان إذا استعملها المأذون له فيه من صاحبها أو أقل منه مساويا له، فإذا أعاره دابة ليحمل عليها أردبا من البر مصر إلى القناطر الخيرية مثلا فحمل عليها ذلك الإردب بعينه فعطبت فإنه لا يضمن، وكذا إذا حمل عليها إردبا مثله في الثقل كإردب من العدس ومن باب أولى وإذا حمل إردبا أخف منه كإردب من الشعير فإنه في هذه الأحوال لا يضمن.
أما إذا حمل ما هو أثقل من المباح له كأن حمل حجارة أو ملحا بدل الحنطة فعطبت به فإنه يضمن.
ومثل ذلك ما إذا اكترى دابة لحمل أو ركوب فأكراها لغيره فإن مثل ما اكتراها له فعطبت فإنه لا يضمن، وإن في أثقل فإنه يضمن.
الشافعية - قالوا: لا يضمن المستعير العارية إذا تلفت كلها أو بعضها إلا بعضها إلا إذا استعملها استعمالا غير مأذون فيه فإذا أعاره دابة فحجمل عليها متاعه وأزعجها بالسير فانطلقت تعدو حتى وقعت في حقفرة فماتت فإنه يضمنها لأن موتها تسبب عن استعمال غير مأذون فيه.
أما إذا ماتت حال الاستعمال المأذون فيه كما إذا حمل عليها القدر الذي أذن له فيه صاحبها أو أقل منه أو مساويا ولم يزعجها بالضرب ونحوه ولكنها عطبت بسبب ذلك القدر المأذون فهلكت فإنه لا يضمن.
أما إذا هلكت بسبب آخر المأذون باستعماله فإنه يضمن.
كما إذا استعار لاستعماله في ساقيه الثور في الساقية فإنه يضمنه مات بسبب غير الاستعمال فإنه يضمنه لأنه مات بسبب غير الاستعمال المأذوم فيه.
وإذا أعاره ثوبا فذاب من الاستعمال فإنه لا يضمنه.
أما إذا نام به فبلي فإنه يضمنه لأنه لم يأذنه يالنوم فيه.
وإذا اختلفا في كون التلف من الاستعمال المأذون فيه أو لاصدق المستعير بيمينه على المعتمد لأن الأصل براءة ذمته.
ولا يشترط في الضمان أن تكون العارية في يد المستعير بل يضمن ولو كانت في يد صاحبها.
مثال ذلك أن يطلب شخص من آخر أن يحمل متاعه على دابته وهو سائر وليس عليها شيء فيجيبه إلى طلبه ويسيرا معا. وبذلك تكون الدابة عارية لصاحب المتاع فإذا أزعجها بالسير فعطبت وماتت ضمنها المستعير.
أما إذا ماتت بثقل الحمل فإنه لا يضمن.
وإذا استعار عارية بشرط عدم الضمان يفسد العقد على النعتند.
والضمان بالقيمة لا بالمثل وإن كانت العارية من المثليلت كالخشب والحجر. وبعضهم يقول بل الضمان بالمثل في المثليات. ولكن إليه وقت تلفه حتى لا يكلفه يدفع ما أذهبه بالاستعمال المأذون له فيه في الماضي.
وإذا اكترى شخص دابة من آخر ثم أعارها لغيره فهلكت في يد المستعير فإنه لا يضمن لأنه أعار المنفعة التي يستحقها والرقبة غير مملوكة له.
الحنابلة - قالوا: العارية متى قبضها المستعير في ضمانا كان الشرط فاسدا لا يعمل به.
ويستثنى من ضمان العارية كتب العلم الموقوفة.
فمن استعار كتابا موقوفا وتلف بغير تعد ولا تفريط لم يكن ملزما به لأن المستعير أحد الموقوف عليهم طبعا. فتلف الكتاب في يده بلا تعد ولا تفريط يرفع عنه الضمان.
وبخلاف ما إذا كان الكتاب مملوكا أو موقوفا على معين فإذا تلف عنده ضمنه.
وإذا تلفت العارية بالاستعمال أو بطول الزمن فإنه لا يضمنها لأن الأذن في الاستعمال الائق بالشيء إذن باستهلاكه.
ولا يشترط في العارية تعيين نوع الانتفاع فإذا أعاره عارية مطلقة فله أن يستعملها بما جرت به العادة والعرف.
وإذا استعمله في غير ما جرى به العرف كما إذا أعاره ثوبا فاستعمله في الاستظلال به من الشمس فإنه يضمن ما نقص من قيمته بسبب ذلك الاستعمال.
وليس للمستعير أن يعير غيره أو يؤجر إلا بإذن مالك العارية فإذا فعل وتلفت العارية عند الثاني كان لصاحبها أن يلزم بها من شاء منهما. ولكن الرجوع على الثاني.
وإذا أجر المستعير العارية بإذن صاحبها فالأجرة لصاحبها) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 15-09-2021, 04:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الهبة]
صـــــ 254 الى صــــــــ
265
الحلقة (155)

[مباحث الهبة]
[تعريفها]
-كل من شأنه أن يقرب من قلوب الناس فيها المحبة ويؤكد روابط الود مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه،
فما كان لازما ضروريا لحياتهم كان القيام به فرضا لازما على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها الله تعالى بقوله:
{والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} لأن لا بد منه في هذه الحياة الدنيا أن يوجد أفراد بين الناس عاجزون عن سلزك سبل الحياة وتحصل الضروري من القوت.فمن المفروض إنقاظ هؤلاء وإعطائهم ما يدفع غائلة الجوع والعري.أما ما زاد على ذلك من إنفاق المال وبذله، فهو مندوب، لما فيه من إيجاد التألف والتحاب.فالهبة مندوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم "تهادوا تحابوا"فمن تصدق بهيبته التحبب إلى الناس روابط الأخوة الإسلامية التي قال الله تعالى في شأنها {إنما المؤمنون إخوة} وقصد امتثال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يثاب على هبته بقدر نيته.أما من وهب ماله أو اهاده لغرض خسيس لا يقره ورسوله فإنه يعاقب بقدر نيته. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"
ومعنى الهبة في اللغة التفضل على الغير ولو مال قال الله تعالى: (فهب لي من لدنك وليا) .أما معناها في اصطلاح الفقاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
[مبحث أركان الهبة وشروطها]

-أركان الهبة ثلاثة: عاقد وهو الواهب، والموهوب له، وموهب وهو المال، وصيغة. وكل ركن من هذه الأركان له شروط مفصلة في المذاهب (2) .
(1) (الحنفية - قالوا: الهبة تمليك العين بلا شروط العوض في الحال.
ومعنى ذلك ان الشخص الذي يملك عينا صحيحا يصح له أن يملكها غيره من غير أن يتوقف ذلك التمليك على عوض يأخذه صاحب العين المرهوب له.
وهذا لا ينافي أن للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن بأخذ عوضا وهي الهبة بشرط العوض.
لأن الغرض نفى كون مشروطا في صحة الهبة.
أما كونها قد لا يفعلها إلا الوض فذلك كما إذا قال له وهبتك هذه الدار بشرط أن تعطني مائة جنيه.
فقوله تمليك جنس يشمل البيع والهبة وغيرهما.
وقوله العين فصل يخرج تمليك المنافع من إجارة وعارية ونحوهما. ولكنه يخرج هبة الدين لغير المدين لأن الدين لا يسمى عينا.
فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر فوهبها لشخص آخر وأمره بقبضها فإن الهبة تصح لأن الموهوب له أن بقبض المائة أولا بالنيابة عن صاحبها ثم يكون قابضا لها عن نفسه لأنها موهوبة له.
نعم لا تصح الهبة إلا إذا امره بالقبض. ولا تلزم إلا بالقبض فإذا رجع الواهب قبل القبض بطلت الهبة.
الجواب: ان الدين وغن كان لا يسمى عينا وهو دين إلا أنه يصير مالا بعد أن يأذنه بالقبض ثم يقبضه بالنيابة فإنه يصير بعد ذلك عينا لا دينا فتصح هبته فالمراد ما هو في الحال أو المآل.
أما هبة الدين لمن عليه الدين فإنها ليست هبة حقيقة بل هي مجاز عن إبرائه من الدين فهي إسقاط وإن كانت بلفظ الهبة.
وقوله بلا شرط العوض، فصل أخرج البيع ونحوه مما يشترط فيه العوض، ولكن تدخل فيه الصدقة لأنها تمليك العين بلا عوض.
وأجاب بعضهم بأن التعريف هنا تعريف بالأعم وهو جائز في مثل هذه التعارف وقد يقال إن الصدقة ملاحظ فيها وجه الله تعالى فقط.
أما الهبة فيلاحظ فيها خاطر الموهوب له سواء كان ذلك مع ملاحظة وجه الله أو لا كما يقول المالكية فإذا لوحظ ذلك في التعريف يكون حسنا.
وقوله: في الحال فصل يخرج الوصية لأنها تمليك بلا عوض في المستقل.
المالكية - قالوا: الهبة تمليك لذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده وتسمى هدية.
ومعنى ذلك أن الشخص الذي عينا ملكا صحيحا له أن يملكها غيره بدون مقابل يأخذه مرضاة لذلك الشخص بقطع النظر عن الثواب الأخروي فالتمليك على هذا الوجه يسمى هبة.
فقوله تمليك جنس يشمل الهبة والبيع ونحوهما.
وقوله: لذات فصل يخرج المنافع كالعارية والوقف ونحوهما.
وقوله: بلا عوض فصل يخرج ونحوه مما يشترط فيه العوض.
وقوله: لوجه الموهوب له الخ فصل الصدقة لأنها تمليك لوجه الله تعالى وحده أو تمليك بقصد مرضاة الشخص ومرضاة الله على الراجح.
وقيل الصدقة هي ما قصد بها ما قصد بها وجه الله وحده بدون ملاحظة المعطى (بالفتح) .
الشافعية - قالوا: الهبة تطلق على معنين:
أحدهما: عام يتناول الهدية والصدقة.
ثانيهما: خاص بالهبة ويقال لها ذات الأركان.
فالمعنى تمليك تطوع حال الحياة فالتمليك خرج عنه ما ليس فيه تمليك كالعارية والضيافة والوقف لأنها إباحة وخرج بالتطوع التمليك القهري كالحاصل بالبيع، هل الزكاة والنذر والكفارة كالبيع يقع فيها التمليك قهرا أو هي لا تمليك فيها بل هي من قبيل وفاء الدين؟
والجواب: أن المستحقين في هذه الأشياء ملكهم قبل ان تدفع إليهم فإذا حال الحول على المال أصبح ملك المستحقين للزكاة متقررا في ذمة المكلف فإعطاؤها للذمة لا تمليك جديد ومثلها النذر والفارة. وقوله الحياة أخرج الوصية.
فالمتطوع بتمليك ماله من غير عوض حال حياة يقال له: مصدق ومهدي وموهب أما المعنى الخاص فهو مقصور على الهبة وهو تمليك تطوع في حياة لا لإكرام ولا ثواب أو احتاج بإيجاب وقبول.
فقوله: لا لأجل ثواب أو احتياج أخرج الصدقة لأن المقصود منها الثواب الأخروي أو سد حاجة الفقير.
وكذلك قوله بإيجاب وقبول فإن الصدقة والهدية لا يشترط فيها الإيجاب والهبة بهذا المعنى هي مقصودة عند الإطلاق.
ومن هذا تعلم أن الصدقة هي تمليك تطوع حال الحياة لأجل الثواب أو الاحتباج، وهذا المعنى يسمى هبة، والهدية تمليك تطوع كذلك لقصد الإكرام الخ. وهذا المعنى يسمى هبة أيضا فكل صدقة هبة، وكل هدية هبة.
أما الهبة بالمعنى الخاص فلا تسمى صدقة ولا هدية. فإذا حلف لا يتصدق أو لا يهدي ثم وهب بالمعنى الخص فإنه لا يحنث.
أما إذا حلف لا يهب ثم تصدق أو أهدى فإنه يحنث.
ويمكن اجتماع الثلاثة فيما إذا أعطى له شيئا إكراما وقصد ثواب الآخرة تأتى بإيجاب وقبول فهذا يقال له هبة وصدقة وتنفرد فيما إذا يقصد الثواب أو الإكرام ويأتي بالإيجاب والقبول.
أما الصدقة والهدية فإنهما لا ينفردان لأن الإعطاء مع الإكرام يسمى هدية وهبة وكذلك الإعطاء مع قصد الثواب.
الحنابلة - قالوا: الهبة تمليك جائز التصرف مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه موجودا مقدورا على تسليمه غير واجب في هذه الحياة بلا عوض.
فقوله: تمليك جائز التصرف معناه أن يكون لشخص مال مملوك فيملكه (يعطيه) لغيره بشرط أن يكون صاحب المال أهلا للتصرف (مكلف رشيد)
وقوله: (مالا) يشمل العقار الثابت والمنقول فإنه يصح هبته.
وقوله: (معلوما أو مجهولا تعذر علمه) معناه أن المال الذي يوهب لا بد أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا علمه كما إذا اختلط قمح شخص بقمح جازه فإنه يصح أن يهب أحدهما قمحه لصاحبه.
وقوله: موجودا خرج المعدوم فلا يصح هبة قبل أن تحمل به.
وقوله: مقدورا على تسليمه خرج ما ليس كذلك كالطير في الهواء فإن هبته لا تصح.
وقوله: غير واحب خرج به المال الواجب بذله كمال الزكاة والنذر والكفارة فإنه ليس بهبته.
وقوله: بلا عوض خرج به البيع ونحوه.
والهبة والهدية والصدقة والعطيه بمعنى واحد وهو تمليك في الحياة بلا عوض إلا أنها تختلف بالنية.
فإذا أرد بإعطائه ثواب الآخرة فقد كانت صدقة.
وإن قصد إكراما وتوددا ومكافأة كانت هدية.
وإن لم يقصد شيئا كانت هبة وعطية) .
(2) (الحنفية قالوا: الهبة ركن واحد وهو الصيغة، وهل هي الإيجاب والقبول معا أو الركن الإيجاب فقط ليس ركنا، فإذا قال: وهبت داري لفلان صحت الهبة ولو لم يقبل الموهوب له؟ خلاف. فمنهم من يقول: إن الهبة تصح بمجرد الإيجاب والدليل على ذلك أنه لو حلف أن لا يهب شيئا من ماله، ثم وهب ولم يقبل الموهوب له فغن يحنث فلو لم تصح الهبة بمجرد الإيجاب لما حنث.

ومنهم من يقول لا بد من القبول قولا فلا تصح الهبة إلا به، أما حنثه بمجرد الإيجاب المذكور فإنه مبني على أن غرض الحالف بقوله: والله لا أهب عدم إظهار الجود فإذا أظهره فقد حنث وقد أظهر بمجرد الهبة وإن لم تتحق ماهيتها.
والدليل على ذلك أنه ألقى مالا في الطريق ليكون لمن يرفعه فإنه يصح ويكون هبة. وقد عرفت أنه لا يشترط أن يكون الإيجاب والقبول لفظا، فلو قال شخص لولديه وهبت هذه الدابة لأحدهما فأيكما أخذها تكون له فأخذها أحدهما صحت الهبة. وتنعقد الهبة بالتعاطي، فإذا كان معروفا بين اثنين أحدهما قد وهب دابته للآخر فأعطاها المالك فأخذها بدون أن يتلفظا بالإيجاب والقبول فإنه يصح.
الحنفية - قالوا: شروط الهبة انواع:
نوع يتعلق بالركن المذكور، ونوع بالموهوب وهو المال يتعلق بالواهب.
فأما الذي يتعلق بالركن فهو أن لا يكون معلقا على شيء غير محقق الوقوع كقوله: وهبت لك هذه الدار متى حضر أخوك من السفر، أو إن أمطرت السماء أهب لك هذه الدابة أو نحو ذلك لأن الحضور من السفر ونزول المطر أمر محتمل. وأن لا يكون مضافا إلى وقت بأن يقول: وهبت لك هذا الشيء غدا أو أول الشهر أو نحو ذلك.
ومن ذلك ما إذا قال له: داري لك رقبي (بضم الراء القاف) وعناه إن مت أنا فهي لك وإن مت أنت فهي لي فهي معلقة بموت صاحبها وهو يحتمل أن يموت قبل الموهوب له وبعده، فهي معلقة على أمر غير محقق، فلذا كانت غير صحيحة، وإذا كانت هبة غير صحيحة فتكون عارية، وسميت رقبى لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه، وقيل تكون هبة ويلغو الشرط، أما الألفاظ التي تنعقد بها الهبة فهي كل لفظ يدل على تمليك الرقبة كقوله: وهبت لك هذه الدار أو نحلت بمعنى أعطيت أو أعطيت أو أطعمتك هذه الغلة، ومثل ذلك ما إذا أضاف إلى جزء يعبر عنه الكل كقوله: وهبت لك رقبة هذه الدابة أما إذا أتى بلفظ يدل على تمليك المنفعة كانت عارية كقوله: أعرتك هذه الدار أو أطعمتك هذه الأرض لأن الأرض لا تطعم وإنما تطعم الغلة فتدل هذه العبارة على إعارة الأرض لا على تمليكها وإذا أتى يحتمل الأمرين ينظر إلى نية القائل مثل أن يقول: حملتك على هذه الدابة أو أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك طول عمرك فإن المحل يحتمل أن يراد به إعارتها مؤقتا ويحتمل أن يكون دائما.
وأما قوله: جعلتها لك طول عمرك أو عمري فإنه يحتمل أن يريد جعل له منفعتها أو جعل له رقبتها. فإذا دفعها إليه ونوى الهبة وإلا كانت عارية.
وإذا قال له: ملكتك هذه الدار أو هذا الثوب فإنه لا يكون هبة إلا إذا قامت قرينة على الهبة لأن التمليك يصدق على البيع والهبة والوصية، وبعضهم يقول إنها هبة.
وإذا قال: جعلت هذا البستان باسم ابني، ولم يقل جعلته له، فقيل: يكون هبة وقيل لا يكون والظاهر أنه يكون هبة لأن العرف جار على ذلك.
بل لو قال: غرسته باسم ابني فلان ولم يقل جعلته يكون هبة لأن العرف على انعقاد الهبة بمثل ذلك.
وأما الشروط المتعلقة بالواهب فأمور:
منها: أن يكون حرا فلا تصح هبة الرقيق.
ومنها: أن يكون عاقلا محجور عليه فلا تصح هبة المجنون والمحجور عليه.
ومنها: أن يكون بالغا فلا تصح هبة الصغير.
ومنها: أن يكون بالغا فلا تصح الصغير.
ومنها: أن يكون مالكا للموهوب، فلا تصح ما ليس بمملوك.
أما الموهوب له فإنه لا يشترط فيه، وذلك الهبة للصغيرة ونحوه.
نعم إن كان الواهب يعول الصبي كالأخ عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده.
أما إذا وهب له أجنبي فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي وهو أربعة:
الأب ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصي الجد.
وعند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه وامه وأجنبي. فإن كان الصبي مميزا فإنها تتم بقبضه هو ولو وجود أبيه لأنها من مصلحته.
وأما الشروط التي تتعلق بالموهوب فأمور:
منها: أن يكون موجودا وقت الهبة، فلا تصح ما ليس بموجود وقت العقد بان وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها.
ومن ذلك ما يفعله العوام من هبة ما تلده الغنم أو البقر للولي أو للمسجد فإنها هبة باطلة.
ومثل ذلك ما لو وهب له الزبد الذي يخرج من هذا اللبن أو الدهن الذي يخرج من هذا السمسم، أو الدقيق الذي يخرج من هذه الحنطة، فإن هبة كل ذلك لا تصح حتى ولو قال له: سلطتك على قبضها عند وجودها لأن المعدوم لا تصح هبته على أي حال.
أما إذا كان موجودا فغن هبته تجوز ولو كان متعلقا بشيء آخر.
كما إذا وهب له الصوف الذي على ظهر الغنم، ثم جزه وسلمه إياه فإنه يصح وتكون الهبة لازمة.
ومنها: أن يكون الموهوب مالا فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم والخنزير وصيد الحرم وغير ذلك، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر.
ومنها: أن يكون الموهوب مقبوضا، وهذا الشرط للزوم الهية وثبوت الملك للموهوب له فلا يثبت له الملك بالقبض.
ومنها: أن يكون الموهوب مشاعا فيما يقبل القسمة. فإذا وهب له نصف دار غير مقسوم فإن الهبة لاتصح.
فإذا أراد شخص أن يهب للآخر نصف دار فعليه أن يقسمها أولا، فإن تهسر عليه قسمتها فيمكنه أن يبيعه النصف بثمن معين ثم يبرئه من الثمن.
أما الذي لا يمكن قسمته كالحمام والآلات البخارية ونحوها، فإنه تصح هبة المشاع فيها بشرط أن يكون قدره معلوما.
وإذا وهب له مشاعا فيما يقبل القسمة وسلمه له قبل القسمة فإن الموهوب له لا يملكه بالقبض، وإذا تصرف فيه لا ينفذ تصرفه ويكون عليه ضمانه وإنما التصرف للمالك الأصلي
وبعضهم يقول: إنها تملك بالقبض لأنها هبة فاسدة والفاسدة يملك بالقبض.
وعلى كل فقد أجمعوا على أن لصاحبها الرجوع بعد القبض في هذه الحالة.
وإذا مات الواهب كان لوارثه حق الرجوع، على أن الصحيح أن هبة المشاع قبل قسمته لاتفيد الملك بالقبض.
ومنها: أن لا يكون الموهوب مشغورلا بملك الواهب، فإذا وهب لابيه بستانا على أن الثمر الذي عليه للمواهب فالهبة لاتصح.
ومثل ذلك ما إذا وهب فيها متاع للواهب. فإنه لا يصح بل عليه أن يفرغها أولا من متاعه.
ومنها: أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء والعشب كما لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه.
المالكية - قالوا: يشترط في الواهب أن يكون أهلا للتبرع، وهو من اجتمعت فيه أمور:
ثانهيما: أن لا يكون مدينا بدين يستغرق كل ماله وهبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا لنفاذها.
ثالثهما: أن لا يكون مجنونا ولا سكرانا. فلا تصح هبتها.
رابعهما: أن لا يكون مرتدا فلا تصح.
خامسهما: أن لا يكون زوجة فيما زاد على ثلث مالها.
فإذا وهبت المرأة من ثلث مالها الهبة موقوفة على إذن زوجها أما إذا وهبت الثلث فأقل فإنه يصح ويفذ بدون إذن الزوج فهذا شرط نفاذ أيضا.
سادسها: أن لا يكون مريضا مرض الموت فيما زاد على الثلث فإذا وهب المريض زيادة عن ثلث ماله انعقدت هبته موقوفة على إذن الوارث.
ويشترط في الموهوب شروط:
منها: أن يكون مملوكا فلا تصح هبة ما لاتصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقنائه، كما لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه.
فإذا وهب شخص ملك غيره لم تنعقد الهبة بخلاف ما إذا باع ملك غيره فإنه يقع صحيحا موقوفا على إجازة المالك. وبعضهم
يقول: إن هذه الأمور كالبيع فمتى أجازها المالك نفذت لأنها تكون في الحقيقة صادرة منه في هذه الحالة.
ومنها: أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة من ملك إلى ملك في نظر الشارع هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعا شرعا ومثل ذلك هبة أم الولد.
وتصح هبة جلود الأضاحي لأنها وإن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع ولكن يصح إهداؤها والتبرع بها فتصح هبتها.
ولا يشترط في الموهوب أن يكون معلوما فيجوز أن يهب مجهول العين والقدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر له أنه كثير وهب من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره ويظن أنه يسير فاتضح أنه كثير فإن الهبة تصح.
وكذا إذا وهبه ما في جيبه وهوز يظن أنهاعشرة قروش فيه جنيها أو جنيهين فإن الهبة تصح وليس للواهب الرجوع على المشهور.
وأما الصيغة فهي كل ما يدل على التمليك من لفظ أو فعل ولا فرق بين أن تكون دلالة اللفظ صريحة أو لا. مثال اللفظ الصريح ملكت.
ومثال اللفظ الذي يدل على التمليك فهما لا صراحة خذ هذه الدار مثلا.
ومثال الفعل أن يمنح الأب أو الأم ولدهما حليا سواء كان الولد أو انثى أو صغيرا فإذا اشترى الأب لأحد أبنائه من ذهب أو خاتما من الماس أو حلى له مصحفا بالذهب أو اشترى لبنته حلقا ذهب أو أساور من الماس أو لبنة من ذهب أو غير ذلك كان مملوكا للابن بطريق الهبة فإذا مات الأب لا يصح للورثة أن ينازعوه فيه ومثل الأب في ذلك الأم ولا يطالب الولهب بالاشهاد على ذلك لأن الاستعمال الحلي المشتري في حال الوالد أو الوالدة قرينة على التمليك إلا إذا أشهد الواهب سواء كان أبا أو أما بأن هذا الحلي ليس نعطى للولد بطريق التمليك بل ليستمتع به فقط فإن في هذه الحالة لا يكون مملوكا.
وعلى عكس ذلك الزوجة فإن زوجها إذا اشترى لها حليا ولبسته يحمل على أن الغرض من ذلك تزيينها لاتمليكها إلا إذا أشهد على أنه ملك لها، هذا إذا كانت عنده، أما ما جرت به العادة من إرسال متاع العروس وهي دار ألبها فإن سماه عارية كان كذلك وإن سماه هدية كان هبة وإن لم يسم شيئا يحما على الهدية.
ومثل الحلي في ذلك ما اشترى لولده دابة ليركبها أو كتب علم يحضر فيها أو سلاحا يتزين به أو ثيابا فاخرة يلبسها أو نحو ذلك.
وإذا قال بولده ابن هذه الخبرة لتكون دارا وقال: إن هذه الخبرة دار ابني فلان فإن ذلك لا ينعقد به الهبة لأن العرف ينسب ملك الأب للابن وأمره ببنائها لا يقتضي التمليك.
ومثل ذلك ما إذا قالت المرأة لزوجها: ابن هذه التجربة لأنها دارك.
أما إذا قال الأجنبي لغيره ذلك فإنه يحمل على التمليك.
فإذا بنى الابن أو الزوج الخبرة من ماله ومات الأب أو الزوجة فإن للباني قيمة بنائة منقوضا لأنه يكون عارية وقد انقضت بموت الأب أو الزوجة.
هذا وتملك الهبة بلإيجاب والقبول أما قبضها في تمليك الموهوب على المشهور.
فإذا قال المالك: وهبت هذه الدار لفلان وقبلها أصبحت الدار مملوكة له بحيث لا يصح للواهب الرجزع فيها بعد ذلك واذا امتنع عن تسليمها ولو برفع الأمر للحاكم.
وبعضهم يقول:
يشترط في تمام الهبة القبض والحيازة فإن عدم القبض فإنها لا تلزم وإن كانت صحيحة.
ويجوز تأخير القبول عن الإيجاب فإذا وهب دارا فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك.
وليست العمرى هبة وانما هي تمليك المنفعة مدة حياة المعطى - بالفتح - أو المعطي (بالكسر) - بلا عوض إنشاء والعمرى يضم العين وسكون الميم معناه مدة العمر وهي عند الإطلاق تحمل على عمر المعطي فإذا قال: عمرتك داري كان معناه أعطيك داري لتنتفع بها طوا عمرك.
والعمرى مندوية لأنها إحسان فإذا كانت في نظير عوض كانت إجارة فاسدة لأن مدة عمره مجهولة فزمن الإجارة مجهولة. وهي من قبيل الوقف على زيد مدة حياته فيخرج بها الوقف المؤبد أو المؤقت بزمن معين.
ولا يشترط فيها لفظ الإعمار بل كل ما يدل على تمليك المنفعة في عقار أو غيره مدة عمر المعطى - بالفتح - يكون عمرى.
كقوله: أعرتك داري أو ضيعتي أو فرسي أو سلاحي. وأعطيت أو أيكنت ونحوه ولكن إذا قال له: أعطيت فإنه لا بد من قرينة تدل على الإعمار، بأن يقول:
أعطيتك سكنى داري أو غلة أرضي مدة حياتك. فإن لم يفعل ذلك كانت هبة لا عمرى.
فإذا مات المعطى - بالفتح - رجعت الدار ونحوها ملكا للمعطي - بكسر - إن كان حيا ولوارثه من بعده إن كان قد مات.
أما الرقبى وهي أن يقول شخص لآخر: داري لك إن مت أنا قبلك تضعها إلى دارك ودارك لي إن مت أنت قبلي أضمها إلى داري، فهي باطلة، فإن وقع ذلك قبل موت أحدهما فسخ العقد وإن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة ولا يعبأ بالعقد.
الشافعية - قالوا: يشترط في الواهب شروط: منها أن يكون ملكا حقيقة أو حكما والملك الحكمي هو كملك صوف الأضحية الواجبة بالنذر فإنها وإن كانت عن ملكه بالنذر إلا أن اختصاصا فيصح له أن يهب صوفها.
ومثل ذلك هبة الضرة ليلتها لضرتها فإنها مملوكة لها حكما. ومنها أن يكون مطلق التصرف في ماله فلا تصح الهبة من المحجور عليه لصغر أو سفه أو جنون. ومنها غير ذلك مما تقدم في البيع.
ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتملك. وهل يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبيا مميزا شيئا وقبله تصح الهبة ويملكه الصغير أو لا؟
والجواب إن الصغير لا يملك بالقبول ولكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت قرينة بأن الوالي لا يرضيه ذلك خوفا من تعويد الصبي على التسفل والدناءة كان كذلك فإنه إعطاء الصبي شيئا بدون رضاء وليه.
وتصح الهبة للمحجور عليه ويقبض له أو الحاكم إن يكن له ولي وعلى الوالي أن يقبل وهب لمحجوره فإن لم يفعل انعزل سواء وصيا أو قيما.
أما الأب فإنهما لا يعزلان عن الولاية بعدم قبول الهبة. ولابد لملك الهبة من القبض فإذا وهب الجد أو الأب ابنه شيئا لا يملكه إلا إذا قبضه عنه. وطريق قبضه أن ينقله من مكان إلى مكان.
ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لا تنفسخ ويقوم الوارث مقام الأصل في ذلك. ويشترط في الصيغة الشروط التي تقدمت في البيع.
ومنها أن يكون مطابقا للإيجاب على المعتمد فإذت وهب له نعجتين فقال أحدهما: لم تصح الهبة لعدم المطابقة بين الإيجاب والقبول.
ومنها: أن يكون القبول عقب الإيجاب فورا وأنه الفصل إلا بالأجنبي فإذا قال له: وهبت لك وسلطتك على القبض فقال له: قبلت فإن الفصل بقوله وسلطتك لا يضر لتعلقه بالعقد ومنها: أن لا يعلق العقد فلا يصح أن يقول له: وهبت لك هذه الدار إن قدم فلان أو وهبت لك هذه الدابة أول الشهر وإذا وهبه شيئا على أن يرجع إذا احتاج إليه فإنه لا يصح.
وتصح الهبة بعمرى ورقبى فالعمرى كأن يقول له: أعرتك هذا المنزل أي جعلته عمرك فإن مت رجع لي والرقبى كأرقبتك هذا أو جعلته لك رقبى على معنى إن مت قبلي عاد وإن مت قبلك كان لك فالهبة في هذا صحيحة والشرط لغو لا قيمة ولا تملك الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب، فإذا قبض بغير إذنه بأن وضع يده على الموهوب كان عليه ضمانه ولو أذن له ورجع الإذان قبل أن يقبض بطل الإذن ومثل ذلك ما إذا مات أحدهما قبل القبض.
ولا يطفي في القبض أن يضع الموهوب بين يدي الموهوب له بل لا بد من الإذن.
الحنابلة - قالوا: اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه ولا صغير ولا عبد ونحوهم كسائر التبرعات فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما وإن أجاوها الولي أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده.
ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتصرف قبول الهبة من صغير ولو كان مميزا كما لا يصح قبضه للهبة ومثله المجنون؛ فيقبض ويقبل لهما وليهما.
فالأب العدل ولو ظاهر يقوم مقامهما فإن لم يوجد لهما ولي أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم وعند عدم الأوليلء يقبضهما
أو من يليهم من قريب.
ويشترط في الموهوب أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما تقدم فلا تصح الحمل في البطن واللبن في الضره والصرف على الظهر وإذا أذن صاحب الشاة في جز الصوف ولبن الشاة كان إباحة ومثل ذلك هبة الدهن في السمسم والزيت في الزيتون فإنه لا يصح هبتهما قبل عصره.
ويشترط في الموهوب أيضا أن يكون موجودا فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو.
وأن يكون مقدورا على تسليمه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه وبعضهم يقول: تصح هبة الكلب المأذون فيه والنجاسة التي يباح الانتفاع بها.
واما الصيغة فالشرط فيها أن تكون بما يدل على الهبة عرفا من لفظ كوهبت وملكت ونحوهما أو فعل كتجهيز ابنته هبة بالفعل ويصح تعليقها على شرط مستقبل كقوله: إن جاء رأس الشهر وهبتك.
وإذا علق على الموت كقوله: إن مت وصية.
ولا يصح توقيت الهبة بوقت كقوله: وهبتك هذا الثوب شهرا. ويستثنى من ذلك العمرى والرقبى فإن الهبة بهما جائزة وقد تقدم بيانهما في المذاهب النتقدمة فارجع إليهما. وهل الهبة تصح ويملك الموهوب بالعقد أو لابد من القبض؟ رأيان الأحسن منهما أنهما لا تملك إلا بالقبض فإذا تصرف الموهوب له قبل القبض لا ينعقد تصرفه) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 15-09-2021, 04:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الهبة]
صـــــ 265 الى صــــــــ
273
الحلقة (156)

[مبحث في هبة الدين]
-إذا كان لشخص دين عند آخر له هذا الدين أو وهبه لأجنبي فإنه لا يجوز على تفصيل في المذاهب (1) .
[مبحث الرجوع في الهبة]
-ليس للواهب أن يرجع في هبته في أمور مفصلة في المذاهب (2) .

(1) (الحنفية - قالوا: هبة الدين جائزة.
فإذا قال له: وهبت لك الدين الذي لي عليك فإنه يصح ولكن هبة حقيقية لأن الهبة يشترط فيها إن يكون عينا لادينا فهي مجاز عن إسقاط الدين عنه وإن كانت بلفظ الهبة كما تقدم.
ويتم اسقاط الدبن بمجرد قول الواهب وهبت لك الدين فلا يشترط قبول المدين.
فإذا لم يقبل المدين ورد الهبة فإنها ترتد ويبقى الدين عليه على المختار.
هذا إذا كان كفيلا فوهب له صاحب الدين دينه الذي كفله فإن الهية تصح بشرط القيول.
واذا رفض هذه المنحة فإن رفضه يصح.
إما إذا أبرأه صاحب الدين من الكفالة فإن إبرأه يتم من غير قبول ولو رد إبراأه لا يقبل رده لأن صالحب الدين قد استغنى عن كفالته فلا يجبر على قبولها.
وإذا أبرأ الأصيل عن الدين أو وهبه له فإن قبل فقد برئ الأصيل والكفيل. وإن لا يقبل لا يبرأ واحد منها.
وإذا كان لشخص دين على آخر فمات الدين لوارثه فإنه يصح ولو رد الزارث الهبة فإنها ترتد ولو وهب الدين لبعض الورثة كانت الهبة للجميع.
أما إذا أبرأ أحد الورثة فإن الإبراء يصح في نصيبه وحده.
هذا كله في هبة الدين لمن عليه الدين.
أما هبة الدين للأجنبي فهي صحيحة: وقد عرفت في تعريف الهبة أنه يشترط في صحة هبة الدين أن يأمر الدائن الموهوب له بالقبض فيقبضه بالنيابة عنه، وبذلك يصير الدين غينا فيقبضه عن تفسه.
المالكية - قالوا: تصح هبة الدين لمن عليه الدين ولغيره، فإن كانت لمن عليه الدين كانت إبراء، ولإبراء يحتاج الى قبول على الراجع لأنه نقل للملك.
فإذا لم يقبل المدين لاتصح هية الدين له، وبعضهم يقول: إن هبة الدين إيقاط لانقل للملك فلا يحتاج إلى قبول.

أما إذا وهب الدين لغير من عليه الدين فإن الهبة تصح بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يشهد على الهبة ولإشهاد شرط صحة.
الشرط الثاتي: أن يدفع الواهب له سند الدين إن كان له سند.
وهذا الشرط يختلف فيه فبعضهم يقول: إنه شرط صحة وبعضهم يقول: إنه شرط كمال.
الشرط الثالث: أن يجمع بين الموهوب له وبين من عليه الدين إن كان حاضرا أما إن كان غائبا فلا يشترط الجمع، وهل شرط الجمع بينهما إن كان المدين حاضرا شرط صحة أو كمال؟ والراجع أنه شرط كمال.
فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا عند آخر وأراد أن يهبها لأخيه مثلا فإن الأكمل في ذلك أن يشهد على الهبة، وأن يجمع بين أخيه وبين المدين إن كان حاضرا ويحيله، ويعطي أخاه سند الدين إن كان معه سند.
وبذلك تتم الهبة اتفاقا فإن تعذر حضور المدين أو لم يكن للدين سند فإنه يكفي لصحة الهبة الإشهاد والقبول.
وهل إذا كان تامدين حاضرا ولم يجمع بينهما أو كان للدين سند ولم يعطه للموهوب له يصح أو لا؟ خلاف ذكلرناه لك أولا.
إن دفع المدين الدين للواهب بعد علمه بالهبة ضمنه الموهوب له.
ونظير هذه المسألة رهن الدين فإنه لابد فيه من الإشهاد.
وصورة رهن الدين أن يشتري سلعة من محمد بعشرين جنيها، وللمشتري دين عند خالد يسوي عشرين جنيها أو أكثر أو أقل فرهن دينه عند محمد في نظير سلعته فعليه في هذه الحالة أن يشهد بأنه رهن لمحمد دينه الذي له عند خالد وأن يعطي محمدا سند الدين إن كان له سند وأن يجمع بينه وبين اغلمدين على التفصيل الذي ذكرناه في الهبة.
الشافعية - قالوا: هبة الدين للذي عليه الدين إبراء فلا تحتاج لقبول.
أما هبته لغير من عليه الدين فمختلف فيها:
فبعضهم يقول إنها هبة صحيحة وبعضهم يقول إنها باطلة.
والثاني هو المعتمد لأن الدين غير مقدور على تسليمه وهو متصف بكونه دينا فإنه إذا قبض لا يكون دينا بل يكون عينا، أما بيع الدين، فإن المعتمد صحته.
فإذا كان لشخص دين عند آخر فإنه يصح له أن يبيعه بثمن فيكون الدين في مقابله الثمن.
وذلك التزام لتحصيل المبيع وهو التزام صحيح بخلاف الهبة فإنها لا مقابل لها فالتزام تحصيل الموهوب غير صحيح.
الحنابلة - قالوا: هبة الدين صحيحة لمن عليه الدين.
فإذا وهبه له صح، وإذا أبرأه منه صح، وإذا أسقط عنه صحيح، وإذا تركه له صح، وإذا ملكه له صح، وإذاىتصدق به عليه صح.
كل ذلك صحيح سواء كلن الدين معلوما أو مجهولا.
أما هبة الدين لغير من هو عليه فإنها لا تصح، لأن الهبة تقتضي وجود معين هنا) .

(2) (الحنفية - قالوا: يصح للواهب أنة يرجع في هبته بعد أن يقبضها الموهوب له، ومن باب أولى له الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وإن كان الرجوع في الهبة مكروها تحريما على الراجح أو تنزيها، وإذا أسقط الواهب حقه في الرجوع ثم رجع بعد ذلك صح رجوعه لأن حقه في الرجوع لا يسقط بإسقاطه.
ويبطل حق الرجوع في الهبة بسبعة أمور:
الأول: أن يزيد الموهوب له في العين زيادة متصلة بها كما إذا وهب له نعجة غجفاء فعلفها حتى سمنت فليس للواهب أن يرجع في هذه الحالة حتى ولو عادت عجفاء كما كانت، ومثل ذلك ما إذا أهدى له حيوانا صغيرا عنده، أو أهدى رقيقا جاهلا فعلمه، أو ثوبا فصبغه أو خاطه.
أما إذا أهداه شاة فجعلت عنده، فإن كان الحبل يزيد في قيمتها فإنه يمنع الرجوع وإلا فله حق في الرجوع.
وإذا أهداه أرضا فبنى فيها أة غرس أجشارا فإن كان البناء والغرس يزيد في قيمة الأرض كلها فإنه يمنع الرجوع منها كلها وإن كان يزيد في البقعة التي فيها امتنع الرجوع في تلك البقعة، ثم إذا هدم البناء او قلع الشجر كان له الرجوع في هذه الحالة لأن الزيادة ليست في نفس العين كما في سمن الحيوان وهزاله.
فإذا وهب له عينا تساوي عشرة ثم زاد سعرها فإن الزيادة لا تمنع الرجوع، وإذا نقلها الموهوب له من مكان إلى مكان فارتفع سعرها بسبب ذلك النقل لم يكن له حق الرجوع لأن الزيادة التي طرأت عليها كانت بعمل الواهب واتفاقه يقول له الرجوع.
أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع الرجوع في أصل العين، فإذا أهدى له بقرة فولدت كان له حق الرجوع في البقرة لا في الولد. وهل يرجع في البقرة مع احتياج ولدها للرضاع أو ينتظر؟ قولان.
ومن الزيادة المنفصلة الثمر، فإذا أهدى له بستانا فأثمر كان له حق الرجوع في هبة البستان أما الثمر فهو من حق الموهوب له.
الأمر الثاني من موانع الهبة: موت أحد العاقدين بعد القبض فإذا وهب شخص داره لأخيه ثم مات الموهوب له فلا حق للواهب في الرجوع وكذا إذا مات الواهب فلا حق لوارثه.
الأمر الثالث: العوض فإذا وهب دارا بشرط عوضا فإنه يصح وضع الرجوع وسيأتي بيان ذلك في باب الهبة في مقابل العوض.
ويشترط في الخروج عن الملك أن يكون تاما من كل وجه بقي له به اختصاص فإن الرجوع لا يسقط.
مثال ذلك ما إذا وهب له شاة فضحى بها وصارت لحما فإن له أن يرجع ويأخذ اللحم فإنه في هذه الحالة لم يخرج من ملكه بالكلية.
الأمر الخامس: الزوجية - فإذا وهب الزوج لزوجته شيئا فإنه لا يصح له الرجوع فيه، أما إذا وهب لها قبل أن يتزوج بها ثم تزوج فإن له الرجوع.
الأمر السادس: القرابة، فلو وهب لذي رحم منه ولو كان ذميا أو مستأمنا فإنه لا يصح له الرجوع فإذا وهب لأبيه أو ابنه أو عمه أو غير
ذلك من محارمه بالنسب فإن حقه في الرجوع يسقط. أما إذا وهب لمحارمح من الرضاع أو المصاهرة فإن له حق الرجوع.
الأمر السابع: هلاك العين الموهوبة وذلك ظاهر فإذا ادعى الموهوب له الهلاك صدق بدون حلف.
وإذا قال الواهب إن العين باقية وهي هذه وأنكر الموهوب له حلف المنكر أنها ليست هذه ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما.
أو بحكم الحاكم وإذا رجع يالرضا أو القضاء كان ذلك فسخا لعقد الهبة من الأصل وغعادة لملكه القديم لا هبة للواهب، فلهذا لا يشترط فيه قبض الواهب ولو كان هبة جديدة لاشترط فيه القبض.
المالكية - قالوا: ليس للواهب حق في الرجوع أن الهبة عقد لازم لكن بعضهم يقول: إنها تتم وتلزم بمجرد العقد فلا يشترط في إتمامها القبض وهذا المشهور، وبعضهم يقول: إنها لا تتم إلا بالقبض فالقبض شرط في تمامها فإن عدم لم تلزم وكان للواهب حق الرجوع، إلا الأب والأم فإن لهما حق الرجوع على التفصيل الآتي بعد.
على أنهم أمورا بها الهبة منها أن يتأخر قبضها لثبوت دين على الواهب يستغرق كل ماله سواء كان ذلك الدين سابقا على عقد الهبة أو طرأ بعده، إلا أن بطلانها في الحالة الأولى نتفق عليه أما بطلانها في الحالة الثانية فهو على المشهور.
ومنها:
أن يهب لشخص آخر قبل الأول بشرط أن يقبضها الموهوب له الثاني قبل الأول لأنه يرجع على الأول بوضع يده على الموهوب ولا يلزم بدفع تعويض للموهوب له الأول لم يتهاون الأول في طلبها على المشهور.
ومن ذلك هبة الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين ثم وهبه من عليه الدين ولم يعمل الأشياء التي تقوم مقام القبض من استلام الدين إن كان.
أما إذا عمل الأول الأشياء تقوم مقام القبض فإن الدين ولا يبرأ الثاني.
ومنها
: أن يعد شخص هدية لآخر، ثم بها هو أو رسوله ثم يموت الواهب تبطل في هذه الحالة لأنه لم يقبضها قبل المانع من القبض وهو موت الواهب، وكذلك إذا مات الموهوب له فإنها تبطل لعدم القبول إن لم يسهد بأن الهبة لفلان، فإذا أشهد لا تبطل بموت أحدهما لأن الوارث يقوم مقام المرسل إليه في القبول.
ولا تبطل الهبة ببيع الواهب إياها فإذا وهب له عينا ولم يعلم له بالهبة ولم يقصر في طلبها ثم باعها فإن الموهوب له بخير في إجازة البيع وأخذ الثمن أو في فسخه وأخذ الهبة.
أما إذا باع الهبة بعد علم الموهوب له بها وتفريطه في وضع يده عليها فإن البيع ينفذ والثمن مختلف في أمره هل يأخذه الواهب الموهوب والراجح أن الثمن للموهوب له.
ومنها: أن يتأخر قبض الهبة حتى يمرض مرضا يموت به فإن الهبة في هذه الحالة تبطل حتى ولو قبضها حال مرضه لأن الشرط أن يقبضها حال فتبقى الهبة موقوفة حال المرض حتى يتبين الحال فإن بطلت الهبة ولا تؤخذ منى الثلث ولا من غيره لأن المفروض أنه وهبها حال الصحة لا في حال المرض تنفذ من الثلث كالوصية أما إذا برء فإنها لا تبطل.
ومثل ذلك ما إذا جن الواهب فإنه وهب حال الصحة ثم تأخر الهبة توقف حتى يتبين حاله من الإفاقة أو الموت مجنونا.
ومنها: ومنها: أن يهب الوديعة أو العارية لمن هي بيده وفي ذلك ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يعلم الموهوب له ويقبل الهبة في حياة الواهب، فإذا مات الواهب بعد ذلك تمت الهبة اتفاقا.
الصورة الثانية:
أن يعلم الموهوب له بالهبة وفي هذه الصورة تبطل الهبة باتفاق لعدم تحقق القبول والصحيح القبول لا بد منه.
وإذا قبض الموهوب له الهبة قبل أن يجزم بالقبول بل أخذها ها يقبل أو لا، ثم مات الواهب قبل ذلك وقبل الموهوب له الهبة بعد موته فإنه يصح.
ومثل ذلك ما إذا قبل الهبة في حال حياته ثم طلب الهبة وألح في طلبها ولكن الواهب يسوقه حتى مرض ومات الواهب فإن الهبة لا تبطل بذلك.
ومثل ذلك ما إذا باع الموهوب له الهبة أو وهبها قبل قبضها من الواهب ثم مات الواهب فإنها لا تبطل لأن تصرفه فيها بمنزلة قبضها وإن لم يقبضها المشتري أو الموهوب له الثاني، وكذلك إذا وهبه عينا ولم يعلم الموهوب له بها حتى مات الموهوب له فإنها لا تبطل ويأخذها وارثه.
ومنها: ان يرجع الأب في هبته فإذا هبته بطلت فإذا رجع بطلت وعادت له وذلك للأب وحده دون غيره من الأقارب والأرحام إلا الأم على التفصيل الآتي:
أما الأب فله حق الرجوع في هبته لودله الحر سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا غنيا أفقيرا بعد أن يقبضها الولد ويضع عليها يده وصيغة الرجوع أن يقول الأب: رجعت فيما وهبت أو أخذته منه أو اعتصرته (أي أخذته قهرا عنه) وبعضهم يقول: لا بد من أن يقول اعتصرته، والأول أظهر لأن العامة لا تعرف لفظ اعتصرته.
والحديث الوارد في هذا الموضوع لا يشترط هذا اللفظ ولفظ الحديث (لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد) وبكن يشترط لصحة رجوع الأب في هبته شرطان:
الشرط الأول: أن يريد بالهبة الصلة والعطف والحنان على الولد لكونه محتاجا أو خمىلا بين الماس أو نحو ذلك فغن أراد ذلك فإن الرجوع.
الشرط الثاني: أن يريد بالهبة مجرد ثواب الآخرة لاذات الولد فإن أراد ذلك كان صدقة بلفظ الهبة فلا يصح له الرجوع. نعم إذا أراد العطف أو الصدقة ولكنه شرط الرجوع في هبته أو صدقته متى شاء فإن له ذلك ويعمل شرطه.
ومنها:
ان ترجع الأم في هبتها وللأم حق الرجوع بالشرطين المذكورين في الأب مع زيادة شرط ثالث:
وهو أن لها حق الرجوع بشرط أن يكون ولدها كبيرا أو صغيرا له أب.
أما إذا كان الولد يتيما ووهبت له فليس لها حق الرجوع. ولها حق الرجوع مع وجود الأب سواء كان الأب والابن موسرين أو معسرين حتى ولو كان الأب مجنونا.
وإذا وهبت لابنها في حياة أبيه ثم مات أبوه بعد ذلك فإن لها حق الرجوع على المختار.
ويمنع رجوع الأب والأم أمور:
احدهما: أن يتصرف الموهوب له في الهبة ببيع أو رهن أو هبة أو يعمل ما يغير صفة الهبة كأن صوغ النقود حليا ونحو ذلك.
ثانيها: أن يطرأ على ذات الهبة زيادة القيمة كتعليم صنعة أو كبر وسمن هزيل.
ومثل ذلك النقص كهزال سمين، فذلك التغير يمنع الرجوع.
ثالثها: أن تكون الهبة سببا في الثقة بالولد فيعطيه دينا أو يزوجه بنته أو يزوج الموهوب لها لابنه إن كانت أنثى في هذه الحالة لا يجوز للأب أن يرجع في هبته.
أما إذا وهب له وهو متزوج أو عليه دين فإن له الرجوع لأن الهبة لم تكن في تغرير أحد.
ومنها:
أن يمرض الولد فإنه لا يصح للأب الرجزع عليه حال المرض لأنه إذا مات كانت الهبة حقا لورثته برئ كان لوالده حق الرجوع.
الشافعية - قالوا: كتى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء الموهوب فإن الهبة تلزم ولا يصح الرجوع فيها إلا الأب وإن علا فيصح للأب أن يرجع في هبته ومثله الجد وإن علا وكذلك الأم والجدة وهكذا.
فللوالد أن يرجع في هبته على ولده سواء كان الولد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا.
ويشترط للرجوع شروط:
أحدهما: أن يكون الولج حرا فإذا كان رقيقا فلا يصح الرجوع. لأن الهبة للرقيق هبة لسيده وهو أجنبي لا رجوع عليه.
ثانيهما: أن يكون الموهوب شيئا عينا فإن كان دينا للولد فوهبه الوالد له فإنه لا يصح له الرجوع فيه.
ثالثهما: أن يكون الموهوب في سلطة الولد بحيث يتصؤف فيه فلا رجوع إذا انقطعت سلطة الوالد على الموهوب كما إذا وهب العين الموهوبة له بغيره وقبضها الغير فإنه في هذه الحالة تنقطع سلكته وملكه فليس لوالده الرجوع. ومثل ذلك ما إذا رهن العين النوهوبة وقبضها المرتهن فإنه في هذه الحالة لا حق للوالد في الرجوع. وذلك لأن الولد لا سلطة له عبى العين حينئذ وإن كان ملكه باقيا.
أما إذا اغتصب العين الموهونة من الولد فإن سلطته تبقى عليها للولد الرجوع.
رابعها: أن لا يحج على الولد لسفه فإن حجر عليه امتنع الرجوع.
خامسها: أن لا تكون العين اللمرهومة مستهلكة كبيض الدجاج والبذر إذا نبت في الأرض. ولا يمنع الرجوع زراعة الأرض وإجارتها لأن العين ياقية وإذا رجع الوالد لا تفسخ الإجارة بل تبقى على حالها ولا ينتفع بها مدة الإجارة.
سادسها: أن لا يبيع الولد الموهوبة فإن باعها امتنع الرجوع.
ومثل ذلك الوقف ونحوه من كل ما يزيل السلطة فإذا عاد ملكه بعد بيعه لم يعد الرجوع.
ولا يمنع الرجوع الزيادة المتصلة بالعين من سمن ونحوها فللوالد أنة يأخذها مع تلك الزيادة.
أما إذا زادت منفصلة كأن ولدت الدابة الموهوبة أو أثمر البستان فإن زسادة المنفصلة تكون للولد لأنها حدثت وهي في ملكه فللأب الرجوع في الأصل.
وإذا أسقط حق الرجوع فإنه لا يسقط ويحصل الرجوع بقوله: رجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي الهبة أو أبطلتها أو فسختها ونحو ذلك، ولا يحصل الرجوع ببيع الواهب العين التي وهبها ولا بوقفها ولا بهبتها ولا بإعتاقها. ويكره الرجوع من غير سبب أما إذا كان لسببب كرجر الولد الإنفاق في الشهوات الفاسدة والمعاصي فإنه لا يكره، بل إذا كان الرجوع في الهبة وتجريد الولد من المال هو الطريق الوحيد منعه عن المعاصي فإنه يجب على الوالد أن يفعل.
أما إذا كان الودل عاقا وكان الرجوع يزيد في عقوقه فإنه يكره.
الحنابلة - قالوا: للواهب الرجوع في هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.
وإذا باع الواهب الموهوب أو هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.
وإذا باع الواهب الموهوب أو وهبه قبل بطلت الهبة لأن ذلك يعتبر رجوعا.
أما بعد القبض فإن الهبة تتم للموهوب له، فلا حق للواهب في الرجوع إلا إذا كان أبا فقط، فإذا فضل الأب أبنائه بهبته فإن له الرجوع فيها، ويجب الرجوع إذا وهب له من غير إذن الباقي؛ لأن التسوية بين الأبناء بحسب حقوقهم الشرعية زاجبة على الأب والأم وغيرهما من الأقارب.
وعلى أن الرجوع خاص بالأب المباشر فقط سواء أراد التسوية بين أولاده؛ فليس للأم ولا للجد ولا لغيرهما من الأقربين الرجوع في الهبة بعد تمامها بالقبض.
الأول: أن تكون عينا لا دينا ولا منفعة؛ فإذا كان للأب على ابنه فوهبه له حق له في الرجوع في هبته؛ لأن هبة الدين إسقاط لا تمليك حتى يملك إليه.
وكذلك ليس له الرجوع في إباحة منفعة بعد استيفائها فإذا أباح الأب لابنه سكنى دار سنة مثلا، وسكن الوالد بالفعل كا هذه المدة فليس لوالده أن يرجع في ملك المدة التي سكنها وله الرجوع من الآن.
الثاني: أن تكون باقية في ملك الولد. فإن خرجت عن ملكه بأن باعها الوالد أو وهبها لغيره، أو وقفها ولو على نفسه ثم على غيره من بعده، أو دفعها صداقا لامرأة، أو عوضا في صلح أو نحو ذلك بطل حق رجوع الأب فيها. وإن عادت إلى الولد بسبب جديد كأن اشتراها ثانيا أو ورثها أو غير ذلك لم يعد حق الرجوع على الابن.
أما إذا عادت بسبب فسخ البيع بعيب فيها أو لفلس المشتري فلم يقدر على دفع الثمن ونحو ذلك فإن للأب حق الرجوع.
ومثل ذلك ما إذا تلفت العين فلا حق للأب في الرجوع في قيمتها.
الثالث: أن لا تخرج العين عن سلطة كما غذا وهبها وقبضها المرتهن فليس للأب حق الرجوع بعد ذلك.
ومثله ما إذا حجر على الابن لفلس، فإذا فك الرهن ورف الحجر عاد حق الرجوع.
أما إذا لم تزل سلطة الابن وتصرفه في العين، فإن للأب الرجوع كالرهن والهبة قبل القبض والإجارة والمزارعة وجعلها مضاربة.
وإذا رجع الأب في حال تعاقد على الهبة فإن كان العقد من العقود الازمة لا يملك الأب فسخه كالإجارة، وإن كان من العقود التي لا تلزم كالمضاربة والمزارعة والمشتركة فإن له فسخه.
الرابع: أن لا تزيد العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة ترفع قيمتها كالسمن والكبر والحمل. ومن ذلك ما إذا وهب له حيوانا مريضا فبرئ عنده.
أما الزيادة المنفصلة كولد وثمر الشجرة ونحوهما فلا تمنع الرجوع على العين وتكون الزيادة ملكا للولد، أما تلف بعض العين أو نقص قيمتها فإنه لا يمنع الرجوع.
وصفة الرجوع من الأب فيما وهبه لابنه أن يقول:
رجعت في الهبة له أو ارتجعتها أو رددتها أو عدت فيها أو أعدتها إلى ملكي وغير ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع.
والأكمل أن بقول: رجعت فيما لك من كذا، ولا يحتاج الرجوع إلى حكم حاكم ولا إلى علم الولد.

وإذا أسقط الأب حقه من الرجوع فإنه لا يسقط. وبعضهم يقول: إنه يسقط) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 02-10-2021, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الهبة]
صـــــ 273 الى صــــــــ
276
الحلقة (157)

[مبحث في مقابل عوض مالي]
-تصح الهبة في مقالبل عوض مالي، كما إذا قال شخص لآخر: وهبت لك داري هذه بشرط أن تعوضني عنها مائة جنيه أو نحو ذلك على تفصيل المذاهب (1) .

(1) (المالكية - قالوا: للواهب أن يشترط العوض المالي على هبته، ويعبر عن العوض بالثواب، ويقال للهبة (هبة الثواب)
وينبغي أن يكون شرط العوض مقارنا لصيغة الهبة كأن يقول وهبتك أو أعطيتك هذا الشيء على أن تعوضني أو تثيبني.
وهل يشترط تعين جنس العوض وقدره أو لا؟
والجواب أنه لا يشترط على الصحيح
ففي ذلك صورتان، الصورة الأولى: أن لا يعين جنس العوض وقدره بأن يقول الواهب: وهبت لك كذا بشرط أن تعوضني فإذا قبل الموهوب له كان الحكم في هذه الصورة أن عقد الهبة بلزم الواهب إذا قبض الموهوب العين الموهوبة.
أما قبل القبض فللواهب الرجوع فإذا قبضها الموهوب له لا يلزمه دفع العوض بالقبض بل له أن يردها على صاحبها أو يدفع له قيمتها على صاحبا قبولها أو قبول قيمتها.
أما قبل القبض فله أن يمتنع عن قبول قيمتها ولو مضاعفة، هذا إذا لم يتصرف فيها الموهوب له تصرفا يزيد في قيمتها فإن زادت عنده بسمن أو كبر أو نقصت بمرضص فإنها تلزم الموهوب له في هذه الحالة وعليه دفع فقيمتها على المعتمد وليس له ردها.
والحاصل أن الواهب يكون مخيرا قبل القبض، أما بعد القبض فإن الواهب يلزم بتنفيذ الهبة ويكون الخيار للموهوب له بين رد العين الموهوبة وبين دفع قيمتها يوم قبضها وهذا إذا لم يتصرف بما يغير حالها من زبادة فإن فعل كان ملزما بالقيمة.
الصورة الثانية: أن يعين جنس العوض وقدره كأن يقول له وهبت لك هذه الدار بشرط ان تعوضني مائة أو تعوضني البستان الفلاني وحكم هذه الصورة أن العقد يلزم بمجرد القبول سواء قبض الموهوب له بالعوض سواء قبض أو لم يقبض فالعقد منهما برضى الموهوب له فإذا متنع عن دفع العوض يجبر عليه.
والهبة في نظير العوض بيع في الحقيقة فلا تخالف إلا في أمور يسيرة منها أنها تجوز مع جهل العوض بخلاف البيع فإنه يشترط فيه الثمن وأنها تجوز الأجل بخلاف البيع.
ولا يلزم أن يكون القبول فيها فورا كما في البيع، فهي تحل ما أحله البيع ما حرمه؟؟ فلا تصح هبتة ما لا يصح بيعه كالجنين في بطن أمه وثمر البستان الذي يظهر صلاحه.
ويلاحظ في العوض أن يكون مما يصح دفعه في بيع السلم حتى لا يفضي إلى الربا فإذا وهب له عروض تجارة يجوز أن يعوضه عنها من فضة وذهب أو طعام من قمح وشعير إلى ونحوهما أو عروض تجارة من غير جنس العروض الوهوبة وهب له قماشا ساغ أن يعوضه عنها أو أصنافا عطرية ونحو ذلك.
وإذا وهب له فضة فلا يصح أن يعوضه عنها دهبا إذا كان في المجلس قبل تفرقهما أما في المجلس فيجوز لأنه يكون من قبيل الصرف.
وكذلك إذا وهب له ذهبا فإنه لا يجوز أن يعوضه فضة إلا في المجلس له خروفا مذبوحا (لحما) فإنه لا يجوز أو يعوضه خروفا حيا وبالعكس. وإذا وهب (حبوبا) فإنه يجوز أن يعوضه عنها عروض تجارة ونقودا ولا حبوبا لئلا يفضي ذلك بيع الطعام لأجل منع الزيادة ولو في الجملة.
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا لا مبهما ولا معينا ولكنه ادعى أنه قصد العوض عند هبته بعد قبض العين الموهوبة فإنه يصدق مالم تقم قرينة أو يدل عرف عملي يشهد ضده فإذا كان مثل الواهب لا يطلب في هبته عوضا من مثل الموهوب لن القول للوهوب له قبل القبض فالقول للواهب مطلاق.
وإذا كانت الهبة لعرس وكان العرف يقتضي معوض عليها فللواهب أن يأخذ قيمة هبته معجلا ولا ينتظر إلى عرس عنده كما هو المعتاد في بعض الجهات هدايا العرس مثلها إلى مهديها.
وإذا أخذ المهدي قيمتها عاجلا فإن لصاحب العرس أن يحاسبه على ما أكله عنده وأتباعه من نساء ورجال.
أما إذا كان العرف لا يقضتي الرد فلا حق للواهب في طلبها.
وإذا وهب نقودا مسكونة ولم يشترط العوض فإنه لاحق له في المطالبة بالعوض بدعوى أنه كان ينوي العوض مطلقا ومثل التقود المسكوكة السبائك والحلي المكسر فإنه لا عوض فيه إلا بالشرط أما الحلي الصحيح فإن الواهب يصدق فيه.
فإن وهب أحد الزوجين للآخر فإنه لا يصدق في دعوى العوض إلا إذا شرطه أو قامت قرينه تدل على نية العوض وهذا في غير النقود المسكوكة، أما هي فلا يصدق فيها إلا بالشرط ولا تكفي القرينة.
وكذا إذا وهب شيئا لقادم من سفر، ولم يشترط العوض فإنه لا يصدق في دعوى العوض ولو كان فقيرا وتضيع الهبة مجانا.
الحنفية - قالوا: الهبة بشرط العوض جائزة ويصح عقد الهبة والعوض لازما للواهب والموهوب له إذا قبض الواهب العوض أما إذا لم يقبضه كان لكل منهما الرجوع ولو قبض الموهوب الهبة كما عرفت.
ويشترط في ذلك أن يذكر الموهوب له لفظا يعلم الواهب منه لأن العوض بدل عن كل هبته كأن يقول له: خذ هذا المال أو العقار عوض هبتك أو بدلها أو في مقابلها ونحو ذلك.
فإذا لم يذكر ذلك كان للواهب حق الرجوع في هبته، وكان للموهوب له حق الرجوع في العوض الذي دفعه.
وبعضهم يقول إنه لا يشترط أن يقول خذ بدل هديتك أو عوضها بل اللازم فعل ما يدل على ذلك بما هو متعارف بين الناس، فإذا دفع إليه المبلغ بقصد العوض وكان معروفا أنه لا يكون لهما حق الرجوع.
ويشترط في العوض ما يشترط في الهبة فلا يتم إلا بالقبض، ولا بد أن يكون مقروزا غير شائع الخ ولا فرق فيه بين أن يكون موازيا للهبة أو أكثر أو أقل.
وإذا وهب الأب لابنه الصغير فإنه لا يجوز له أن يأخذ في نظير هبته عوضا من مال الصغير، وإذا وهب الموهوب. وإذا وهب النصراني للمسلم عينا فإنه لا يجوز أن يعوضه بدلها خمرا أو خنزيرا.
ويشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب. فإذا وهب له بقرتين فلا يصح أن يعطيه إحداهما عوضا، فإذا فعل كان للواهب حق الرجوع في الثانية.
وهل يشترط في العرض أن يذكر في عقد الهبة أو يصح بعد تمامها بحيث إذا قبضها الموهوب له وأراد الواهب الرجوع فيها فأعطاه الموهوب له عوضا يصح ويمنع الرجوع؟ خلاف.
وبعضهم يقول: إنه لا بد من ذكره في عقد الهبة.
وبعضهم يقول: لا بل اللازم هو إضافة للهبة التي تمت كأن يقول: هذا عوض عن هبتك، فإذا قبضه لا يكون له حق الرجوع.
أما إذا لم ينص على أنه عوض عن هبته فإن الوض يكون هبة جديدة، ويكون لكل منهما حق الرجوع.
الشافعية - قالوا: الهبة بشرط العوض ويقال له الثواب صحيحة بشرط أن يكون العوض معلوما، وفي هذه الحالة تكون بيعا لها حكم البيع.
أما إذا لم يشترط العوض ولا عدمه فإذا كانت قرينة على طلب العوض وجب دفعه أو رد الموهوب، وإذا لم تقم قرينة فلا عوض، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواهب أعلى من الموهوب له أو نظيره أو أدنى منه.
وإذا شرط عوضا غير معين كأن قال: وهبتك على أن تعوضني دابة مثلا فإن الهبة تبطل، فإذا قبضها كانت معاوضة بالشراء الفاسد؛ فيضمنها ضمان المغصوب.
الحنابلة - قالوا: الهبة بشررط العوض تصح إن كان العوض معلوما حكم اليبع تثبت فيها الشفعة ونحوها مما يثبت في البيع.
أما إن كان العوض مجهولا فإن الهبة لم تصح أصلا؛ ويكون حكمها في هذه الحالة حكم البيع الفاسد؛ فغن قبضها الموهوب له كان عليه ضمانها بمثلها وإن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة، وإن كانت باقية وجب عليه ردها بزيادتها المتصلة والمفصلة.
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا، وادعى أنه وهبها للعوض يسمح قوله - ولو قامت القرينة على ذلك أو كان العلاف مؤيدة في دعواه - لأن مدلول لفظ هبة العوض والقرائن لا تساوي اللفظ الصريح فلا يعمل بها) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 02-10-2021, 05:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الوصية]
صـــــ 277 الى صــــــــ
287
الحلقة (158)

[مباحث الوصية]

[تعريفها ودليليها]
-الوصية تطلق في اللغة على معان، يقال إلى فلان بمال جعلته له وأوصيته بولده استعطفته عليه، وأوصيته بالصلاة أمرته بها. ويقال وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته به وصلته به كأن الموصي لما أوصى بالمال وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف.والاسم الوصاية، بكسر الواو وقد تفتح.وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1)
وأما دليل مشروعيتها فالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله:
{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية}وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "وما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"ومعنى الحديث: ليس من الحزم والرأي السديد أن يمر على الإنسان زمن يملك فيه مالا يوصي به ولا يكتب وصيته فليس المراد خصوص الليلتين بل الحث على المبادرة بكتابة الوصية.
[أركان الوصية وشروطها]
-أركانها: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وأما شروطها ففيها شروط المذاهب (1) .
(1) (الحنفية - قالوا: الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
فقوله تمليك يشمل العقود التي تنقل ملكيتها كالبيع والهبة وغيرهما.
وقوله مضاف لما بعد الموت يخرج ما عدا الوصية.
وقوله بطريق التبرع يخرج الإقرار بالدين فلو أقر في حياته بدين لآخر ثم مات كان ذلك الإقرار تمليكا للدين بعد الموت.
وقد يقال إن الإقرار بالدين ليس تمليكا، وإنما هو إظهار لما في ذمته فهو خارج بتمليكه وعلى هذا فلا حاجة إلى قيد بطريق التبرع.
ولا فرق في الموصى به بين أن يكون عينا أو منفعة. ولا يشترط أن يضيف الوصية إلى الموت لفظا فلو قال أوصيت بكذا ولم يقل بعد موتي صح حتى ولو لم يصرح بالوصية بل ذكر على الوصية كقوله لفلان ألف قرش من ثلثي مالي أو ربعه فلا تصح إلا إذا ذكرت الوصية.
المالكية - قالوا: الوصية في عرف الفقهاء عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بنوته، أو يوجب نيابة عنه بعده.
ومعنى التعريف أن عقد الوصية يترتب عليه أحد أمرين:
الأول: ملكية الموصى له ثلث مال العاقد (الموصي) بعد موته بحيث لا يكون العقد لازما إلا بعد الموت أما قبل الموت فلا يكون العقد لازما.
الثاني: نيابة عن الموصي في التصرف فالموصي إما أن يوصي بالإقامة نائب عند موته (وصي) وإما أن يوصي بمال.
وبعض المالكية عرف بالوصية بما عرفها به الحنفية. ولا يخفى أن الأول يشمل الوصية بمعنى إقامة الوصي بخلاف الثاني.
الشافعية - قالوا: الوصية تبرع بحق مضاف إلى بعد الموت، سواء أضافة لفظا أولا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا كان معناه بعد الموت.
الحنابلة - قالوا: الوصية هي المر بالتصرف بعد الموت كأن يوصي شخصا بان يقوم على أولاده الصغار أو رزوج أو يفرق ثلث ماله ونحو ذلك.
وهذا تعريف الوصية يمعنى الإيصاء أي إقامة وصي. وأما تعريفها بمعنى إعطاء الغير جزءا من المال فهو أن يقال الوصية "تبرع بالمال بعد الموت") .

(1) (الحنفية - قالوا: إن للوصية ركنا واحدا وهو الإيجاب والقبول كما عرفت في نظائره.
فأما الإيجاب فهو أن يقول أوصيت بكذا لفلان أو أوصيت إلى فلان. أو جعلت إلى فلان ثلث مالي بعد موتي ونحو ذلك من الألفاظ المستعملة في الوصية.
وأما القبول فإنه شرط فادة الملك به فلا يملكه الموصى له قبل القبول فلا يشترط القبض في الوصية بخلاف الهبة.
ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت فإذا قبل الموصى له في حال حياة الموصي أو رد الوصية وقع ذلك باطلا وله القبول بعد الموت. وذلك لأن الوصية تمليك بعد الموت فهي معلقة على الموت حتى لو أروصى له بثلث غنمه الموجودة تحت يده ثم مات بعد أن انقرض نصفها لا يملك إلا ثلث الباقي وهكذا فالإيجاب لا يتحقق ثبوته إلا بعد الموت. فطذلك القبول أو الرد لا ينفع إلا بعد الموت.
أما قبل الموت فلا إيجاب. وبعضهم يقول إن القبول بشرط لأن الوصية من باب الميراث.
والقبول إما أن يكون صريحا كأن يقول قبلت الوصية. أو يكون دلالة.
ومثاله أن يموت الموصى له من غير قبول سكوته دلالة على القبول ويأخذ وارثه الموصى به. ويقوم الفعل مقام القول، كما إذاى نفذ الموصى له الوصية فعلا فإن ذلك يعتبر قبولا.
الحنفية - قالوا: يشترط في الموصي أن يكون أهلا للتمليك (رأي يفيده غيره الملك) وهو ما اجتمع فيه أمور:
منها: أن يكون بالغا فلا تصح وصية الصغير واحد بتجهيزه ودفنه، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن عمرر رضي الله عنه من إجازته صبي مراهق.
ومنها أن يكون عاقلا فلا تصح وصية المجنون حال جنونه ولو أفاق ومات بعد إفاقته لن الأهلية كانت معدومة وقت الوصية.
وإذا وصى حال إفاقته ثم جن فإن جنونه مطبقا واستمر ستة أشهر بطلت الوصية وإلا فلا.
أما إذا وضى وهو سليم ثم طرأ عليه وسواس حتى صار معتوها واستمر كذلك حتى بطلت الوصية.
ومنها أن لا يكون مدينا دينا يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح. وذلك لأن سداد الدين مقام على تنفيذ الوصية.
ومنها: أن لا يكون هازلا ولا مخطئا ولا مكرها.
ومنها أن لا يكون وارثا وقت الموت لا وقت الوصية.
فإذا أوصى شخص لأخ وارث وقت الوصية ثم ولد يمنع الخ من الإرث صحت الوصية وعلى عكس ذلك ما إذا أوصى لأخ لا يرث لوجود ابن للموصي ثم مات الابن قبل موت أبيه وأصبح الأخ وارثا فإن الوصية تبطل.
وإذا أجازت الورثة للوارث فإنها تنفذ.
ويشترط في المجيز أن يكون عاقلا بالغا صحيحا لا مريضا فإذا أجاز المريض ومات في مرضه لا نتفذ إجازته إلا إذا أجازتها الورثة فيهم هذه الشروط.
ومنها: أن لا يكون رقيقا -ولو مكانيا - إلا إذا علق ما بعد الغتق فإنه يصح، وتجوز وصية ابن السبيل وهو البعيد عن ماله.
ومنها: أن لا يكون الموصي معتقل اللسان طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا إذا استمر زمنا فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق فإشارة الأخرس تقوم مقام نطقه لأنها أصبحت معهودة للناس.
ومثله من طرأ على لسانه مرض وصارت له إشارة معهودة يخاطب بها الناس فإنها تقوم مقام نطقه في الوصية والطلاق والنكاح والشراء أما إذا كانم مرضه عارضا وليست له إشارة معهودة فإن هذه العقود لا تصح منه حتى يبرأ لسانه.
ويشترط في الموصى له أمور:
منها: ان يكون أهلا للتمليك فلا تصح الوصية لمن لا يملك كما إذا قال أوصيت بهذا التبن لدواب فلان هذه الصيغة تفيد أنه جعل التبن ملكا للدواب وهذا لا يصح ولو أراد إطعامها به لأن العبرة في مثل هذا اللفظ لا لنقد المتكلم. فإذا قال أوصيت بهذا التبن ليعلف به دواب فلان فإنه يصح، ولا يشترط القبول في مثل هذه الحالة لأن للوصية جهتين إذ هي تارة تشبه الهبة، وفي هذه الحالة يشترط لها القبول فمتى كان القول ممكنا بحيث ينأتى من الموصي له شرطا لنفاذها، وتارة تشبه الميراث فلا يشترط فيها القبول عند تعذره كالوقف على الفقراء والمساكين.
وكذا تصح الوصية إذا قال أوصيت بكذا لللإنفاق على دابة فلان أو فرسه ويجب تنفيذ الوصية للإنفاق على الدواب ولا يصح بيعها وإذا مات بطلت الوصية. وإذا كان يملك دواب حال حياة الموصي ثم اشترى غيرها بعد موته فإنه ينفق على الذي اشترها بعد موته فقط لأنها هي المقصودة بالوصية.
ومنها: أن يكون حيا وقت الوصية ولو تقديرا فيشمل الوصية للجنين في بطن أمه فإنه حي تقديرا فتصح الوصية للحمل كما تصبح به كقوله: أوصيت بحمل دابتي هذه لفلان أو أوصيت بهذه الدابة للحمل الذي في بطن فلانة، ولا يشترط القبول في هذه الحالة كما عرفت، وإنما تصح الوصية للحمل بشرط أن يكون موجودا حين الوصية، ويعرف حيا في مدة نقل عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من قرباتها، فإذا مات الموصي ثم ولدت بعد موته في مدة تقل عن ستة أشهر علم أن الوالد كان موجودا وقت الوصية.
أما إذا ولدته بعد مضي ستة أشهر كاملة لم يثبت عند الوصية لأن أقل الحمل ستة أشهر فيمكن أن تكون علقت به بعد الوصية فلا يكون موجودا عندها.
أما إذا كان الزوج ميتا أو كانت مطلقة بائنا فإن الوصية تصح إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية فإذا جاءت به لأقل من سنتين حيا فإنه يثبت وجوده عند الوصية حكما بدليل ان النسب ميثبت من الزوج باعتبار أنها به قبل موته أو قبل طلاقها.
وبذلك نكون قد حكمنا بوجود الولد موت الموصي لأن المفروض أن الموصى مات بعد الزوج.
ومتى حكمنا بذلك فقد حكمنا بوجود الولد عند الوصية كما لا يخفى.
وكما تصح الوصية لحمل الإنسان كذلك تصح لحمل الحيوانت ليفق عليها من الموصى به كما عرفت.
ومنها: أن لا يباشر قتل الموصي عمدا أو خطأ، فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت، وكذا إذا ضربه ضربة قاتلة ثم أوصى له بعد الضربة ومات فغن وصيته تبطل. وإذا أجازت الورثة، وإذا كان القاتل صبيا أو مجنونا نفذت الوصية ولو لم تجزها الورثة.
ومنها: أن يكون الموصى له معلوما ويكفي علمه بالوصف كالمساكين والفقراء فتصح الوصية إذا قال: أوصيت للفقراء أو للمساكين.
ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلما فتصح الوصية من المسلم للذمي إلا ان يكون حربيا في دار الحرب. فإذا خرج من دار الحرب وطلب أخذ الوصية فلا يأخذ الوصية منها شيئا ولو أجاز الورثة.
أما المرتد فإن الوصية له لا تصح من المسلم، وتصح وصية الذمي المسلم، ويشترط في الموصى به أمور:
منها: أن يكون قابلا للتملك بعقد سواء كان مالا أو منفعة فكل ما يصح تمليمه بعقد البيع ونحوه أو بعقد الإجارة كمنافع الدار والدواب ونحوهما فإنه يصح الوصية به. ولا يشترط أن يكون الموصى به موجودا في الحال فتصصح الوصية بالمعدوم المحتمل وجوده كالوصية بثمر لفلان ما دام حيا.
ومثل ذلك ما إذا أوصى لزيد بثلث ماله ولم يكن له مال وقت الوصية ولكن ربح مالا قبل موته فإن زيدا يستحق ثلثه بعد موت الموصي.
نعم إذا كان الموصي به معينا فإنه يشترط موجودا وقت الوصية.
كما لإذا قالت: أوصيت لفلان بثلث غنمي فإنه يلزم أن تكون الغنم موجودة عند الوصية.
ومثل ذلك ما إذا كان الموصى به شائعا في بعض ماله.
كما إذا قال: أوصيت لفلان بالمعز من غنمي فإنه تكون المعز موجودة عند الوصية.
أما إذا كان شائعا في كل المال، كما إذا قال: أوصيت له بمعز من مالى فإنه لا يشترط وجود المعز عند الوصية بل الشرط وجودها عند الموت.
ومنها: أن يكون الموصى به ثلث المال فلا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث إلا أن يجيزه الورثة وهو كبار. ولا تنفع إجازتهم في حال حياته بل لا بد من الإجازة بعد موته. فإذا أجازوا حال حياته حال حياته كان لهم الرجوع.
وإذا أوصى بجميع ماله لشخص وليس له وارث نفذت وصيته بدون إجازة بيت المال.
وإذا أوصى الرجل لزوجته ببكل ماله وليس لها وارث سواه فإن الوصية تصح وتاخذ كل المال ومثله ما إذا أوصت المرأة لزوجها. أما غير الزوجين فإنه إذا لم يكن ثمة وارث سواه فإنه يأخذ الكل بدون وصية، إما برد أو رحم بخلاف الزوجين فإنهما لا يأخذان كل المال إلا بالوصية.
المالكية - قالوا: أن يكون حرا فلا تصح وصية الرقيق ولو بشائبه رق.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 324.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 318.90 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]