تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213831 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 01-10-2020, 07:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...)

والآن مع هذه الآيات، وهي ذات شأن خطير: يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165]، ناس من الناس، ما قال: ومن الجن والإنس؛ لأن الهداية التي يقوم بها الرسول متعلقة بالبشر، وللجن دعاتهم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165]، الأنداد: جمع ند، وهو المثيل والضد، فلان ندك يساويك، يطلب ما تطلب أنت من العظمة والخير، فالأنداد: جمع ند، وهو ما عبد من دون الله، مما اتخذه الجهال والضلال آلهة يعبدونه، هذا إخبار من الله، وهو حق، والله! كما أخبر: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، يحبون تلك الأنداد وتلك المعبودات مع الله كحب الله، هذا بالنسبة إلى المشركين من العرب، كانوا يحبون الله، ويدلك على حبهم أنهم يعظمون حرمة الأشهر الحرم، إذا أهل هلال رجب لا تسمع قعقعة السلاح، إذا دخل الشهر الحرام لا قتال ولا نهب ولا غزو ولا غارة، إذا دخل الحرم وقد قتل أباك لا تنظر إليه، ويعظمون بيته، ويحجونه، إذاً: فهم يحبون الله شيئاً ما، ويحبون اللات والعزى ومناة والآلهة، فيخبر الله عنهم فيقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].

معنى قوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله)

وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، أشد حباً من كل محبوب ومحب لله، فالذي يروح على أنفسنا هو: هل يوجد بيننا مؤمن أو مؤمنة يكره الله؟ لا والله، مستحيل أن يكرهه مؤمن أو مؤمنة، وإذا لم يكرهوه فمعناه أنهم أحبوه، فالحمد لله أننا أشد حباً لله. فالمشركون منهم من يحبون الله ويحبون آلهتهم، سواء كانت الآلهة أنبياء أو أولياء أو ملائكة أو أصناماً وأحجاراً، ونحن نحب الله عز وجل، ولكن نتفاوت في هذا الحب، وتتجلى محبة الله في العبد بقدر ما هو مقبل على طاعته، والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا وهو يدعو: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي )، هكذا يدعو بهذا الدعاء: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي وأحب إلي من الماء البارد )، الماء البارد تعرفون قيمته أيام لم تكن الثلاجة في هذه البلاد الحارة في الصيف، الماء يكاد يغلي غلياناً، فمن ذا الذي يفضل على الماء البارد شيئاً آخر من الطعام أو الشراب أو كذا؟ويقول معلماً صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، وهل الذي يحب الله لا يحب رسوله ولا يحب أولياءه؟ إذ قلنا: الذي يحب الله تعالى يحب كل ما يحب الله، أليس كذلك؟

ذكر نعم الله تعالى محصل لمحبته في قلب العبد

وهناك لفتة تستطيعون إدراكها: من أراد أن يشعر بحب الله في قلبه، من أراد منكم -أيها السامعون ويا أيتها المستمعات- أن يشعر شعوراً حقيقياً بأنه يحب الله تعالى فوق كل محبوب؛ فليذكر نعم الله تعالى عليه، يغمض عينيه ويطأطئ رأسه ويذكر إفضال الله وإنعامه عليه، فإنها لحظات وإذا عيناه تذرفان الدموع، وجلده يقشعر، وهو كأنه بين يدي الله.اخل بنفسك وإن كنت مع الناس، واذكر ما أنعم الله به عليك وما أكثر تلك النعم، يوم نجاك من حادث السيارة، يوم وهبك، كذا، يوم أعطاك كذا، فوالله! لا تزال تذكر حتى تندفع بالبكاء وتعرف حب الله عز وجل، وويل للغافلين. وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، أنا عبده ورسوله، وهكذا المؤمنون الصادقون يحبون الله تعالى، ويجبون كل ما يحب الله من معتقد، ومن قول وعمل ومن صفة، ومن ذات من الذوات، إذا علمنا أن الله يحب فلاناً فنحن مدفوعون إلى حبه، ونكره ما يكره الله، إذا علمنا من طريق الوحي أن الله يكره الكلمة الفلانية فيجب أن نكرهها، يكره السلوك الفلاني فيجب أن نكرهه، وتجد هذا مغروساً في نفسك. من منكم يحب المشركين؟ لا أحد، من منكم يحب الخائنين؟ لا أحد، من منكم يحب الظالمين؟ لا أحد، لم؟ لأن الله يكره ذلك، ونحن أولياؤه وعبيده نحب ما يحب، ونكره ما يكره. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165] شركاء، يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، ولو تسأل عن عوام وجهال المسلمين الذين يتمسحون بالقبور ويعكفون عليها ويحلفون بها، ويسوقون إليها الشاة، وينقلون المريض، فستجدهم يحبون تلك الأضرحة كما يحبون الله، هذا خبر من؟ أليس الله هو القائل؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، قولوا: نحن أشد حباً لله من كل محبوب عندنا، نحن نحب البرتقال والبطاطس والبقلاوة، لكن هذا الحب هل كحب الله؟ لا والله، نحب حب الغريزة، ولكن نسخر ذلك لله، ولولا الله ما أحببنا الطعام ولا الشراب، ولا طعمنا ولا شربنا؛ إذ حياتنا على الله موقوفة.

معنى قوله تعالى: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب)

ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا، ظلموا ربهم، أخذوا حقه من العبادة وأعطوه غيره من مخلوقاته، فتقرر لدينا أنه لا ظلم أعظم من الشرك، واقرءوا لذلك قول لقمان الحكيم: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وبينا ذلك باللهجة العامية القريبة، وفهم المؤمنون والمؤمنات، فظلمك لأخيك ليس كظلمك لنبيك، أليس كذلك؟ فظلمك لربك بأخذ حقه وسلبه ونهبه وإعطائه لمخلوقاته تحاده وتضاده بها؟ أي ظلم أعظم من هذا؟! إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا الفظائع، الخبر هنا لا يذكر، ومن يقوى عليه؟ أي: لرأوا الهول العظيم، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165]، وهذا متى؟ عند الموت وفي القبر، ويوم القيامة بصورة أوضح، لو رأوا ذلك لعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، إذا عذب فعذابه شديد ما يطاق.

تفسير قوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)

ثم قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ [البقرة:166]، هذه كلها ظروف في وقت واحد، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، الرؤساء، المعبودون، المؤلهون، ما إن يقفوا بين يدي الله ويساقوا إلى جهنم ويدخلوها حتى يتبرءوا ممن عبدوهم البراءة الكاملة، يقولون: ما عرفناهم، وينكرون. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، شاهدوا العذاب بأعينهم، والأسباب انتهت، لم يبق سبب، لا حبل ولا صلة ينجون بها أو يخرجون من عذاب الله؛ لأنهم وقفوا في ساحة فصل القضاء يوم القيامة.قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، أي: اتبعوهم، فسيدي عبد القادر والله! ليتبرأن من هذه الآلاف والملايين من الذين ذبحوا له وحلفوا باسمه وعظموه وفعلوا وفعلوا، لا يعترف أبداً بعبادتهم، وما يقوى، ما هناك إلا البراءة الكاملة، وهو رحمه الله تعالى ما أمرهم ولا دعاهم ولا رغبهم ولا رضي بعبادتهم، الشياطين هي التي زينت لهم ذلك بعد موته وحسنته لهم فعبدوه، فعبد القادر كمثال، وقد عبدت فاطمة والحسين ، والبدوي ، وعيدروس .قد تقول: كيف عبدوهم؟! والجواب: حلفوا بهم: وحق سيدي عبد القادر ، فهذه عبادة، جعلوه مثل الله وحلفوا به، هذه أقل الأشياء، أما الذي ينذر النذر: يا سيدي فلان! إن ولدت امرأتي في معافاة وولدت كذا فلك علي كذا، أي نذر أعظم من هذا في باب العبادة؟ أم تقول: لا بد من الركوع والسجود في العبادة؟ فوالله! إنهم ليدخلون الأضرحة راكعين، وفي بلاد يأتون زاحفين وهم يقرءون القرآن، مضت فترة قبل هذه الدعوة الربانية هبطت فيها أمة الإسلام إلى ما تحت الجاهلية.وعندنا مثال: ذكر الشيخ رشيد رضا تغمده الله برحمته في تفسير المنار أن سفينة عثمانية على عهد الخلافة العثمانية تقل الحجاج من طرابلس الغرب إلى الإسكندرية، إلى حيفا عبر موانئ الشرق الأوسط، وكانت تقل حجاج المسلمين من طرابلس، الشام، فلسطين، سوريا، ذاهبون إلى الحج أيام كانت السفن قليلة، فقال رحمه الله: وكان الشيخ محمد عبده معهم في السفينة، فاضطربت السفينة وتململت، وإذا بالحجاج: يا سيدي عبد القادر ! يا الله! يا مولاي إدريس ! يا مولاي فلان! يا الله! يا كذا! وكان بينهم عملاق لا ندري أوهابي هو أم لا، قال: فوقف ورفع يديه وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك. فشفى صدره، أفي حال الغرق يدعون غير الله! المشركون ما كانوا يفعلون هذا، والله! ما يفعلونه، إذا دقت ساعة الخطر فزعوا إلى الله.ويوضح هذا: أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل طاغية المشركين في مكة وذبيح بدر، ترك ولداً مثله في البطولة والشجاعة، وكان رقم واحد بعد موته في بغض الرسول والمسلمين، وسقطت مكة في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وبعض الطغاة هربوا، وبعضهم سكتوا ينتظرون حكم الرسول، وأكثرهم جلس حول الكعبة، فدخل فقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، هذا محمد رسول الله، فعكرمة هرب مع الذين هربوا إلى الساحل، فوجد سفينة ما ندري في جدة أو في ميناء آخر في ذاك الوقت، فركب، فلما ركب السفينة وأقلعت في البحر إذا بعاصفة تتململ تحتها السفينة، فقال ربان السفينة: يا معشر الركاب! ادعوا الله فإنه لا ينقذكم إلا هو! ففكر عكرمة ، قال: لم أنا هربت من محمد؟! ثم قال: والله! لترجعن بنا، ارجع بالسفينة إلى الشاطئ، ما دام أنه لا بد من التوحيد فلم أهرب أنا؟ لا بد أن آتي محمداً وأصافحه، وبالفعل رجع ودخل في رحمة الله، هذا عكرمة .والشاهد من هذا: أن المشركين من العرب قبل الإسلام كانوا في حال الشدة يفزعون إلى الله، لا يعرفون اللات ولا العزى ولا مناة، وإذا كانوا في حال الرخاء يفرفشون: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، أما جماعتنا ففي الرخاء والشدة على سواء، ما هناك فرق.

تفسير قوله تعالى: (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ...)

قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:166-167]، رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، هذا الذي شفوا به صدورهم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167]، أي: رجعة ثانية إلى الحياة الدنيا، فنبرأ من هؤلاء الذين عبدناهم أمس وتبرءوا منا اليوم.وختم تعالى هذا بقوله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي قاموا بها في الدنيا، الأعمال الشركية الباطلة، أراهم إياها حسرات: جمع حسرة، الهم والغم والكرب الذي يقعد بك ويحسرك. وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، والله! ما هم بخارجين منها، ماتوا على الكفر والشرك، من يشفع لهم؟ أما أهل التوحيد فنعم، يوجد من يشفع لهم، وأما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة، واسمع عيسى عليه السلام مع بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، هذه كلمة عيسى في بني إسرائيل اليهود.إذاً: نسمعكم الآيات مرة ثانية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

نقرأ الشرح دون المفردات، قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد، وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، لما تقرر هذا [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان ومع هذا الوضوح يوجد ناس يتخذون من دون الله آلهة أصناماً ورؤساء يحبونهم كحبهم لله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى، والمؤمنون أشد منهم حباً لله تعالى. كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضلالة من متبوعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة فيتبرءوا منهم في الدنيا كما تبرءوا هم منهم في الآخرة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي، فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ].

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات ]، سنستخرج من هذه الآيات الأربع هدايتها:قال: [ من هداية الآيات: أولاً: وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله عز وجل بحبه تعالى ]، دلت الآيات على وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله من أجل الله.[ ثانياً: من الشرك الحب مع الله تعالى ]، نحن لا نحب زيداً ولا عمراً ولا ديناراً ولا منزلاً إلا بحب الله ومن أجل الله، أنت تحب بقرتك لا بأس، ولكن من أجل من؟ من أجل الله؛ لأنك تحلب لبنها وتقتات به لتعبد الله، لا تحبها استقلالاً، أنت تحب الشيخ أو لا؟ لم تحبه؟ من أجل الله، وهكذا، حتى حب الغريزة نصرفه لله، لا نحب إلا لله وبالله. [ ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم يبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، هذا الذي يبقى، كل الروابط انحلت، لا قرابة لا صداقة، إلا ما كان في الله.[ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشر والفساد، وليس بنافعهم ذلك ]، فحين يتبرءون هل يرحمون، أو يكون هذا عذراً لهم؟ ما ينفع، بل زيادة في الحسرة لا أقل ولا أكثر.قلت لكم: هل المؤمن يكره الله؟ أيوجد مؤمن يكره الله أو يكره ما يحب الله؟ إذاً: هذا معناه أنه يحب الله، وبذلك سعدنا وارتحنا. قلنا: لا يوجد في نفوس المؤمنين الصادقين كره لله قط، ومعناه أنهم يحبونه، فالشخص الذي لا تكرهه تحبه، وهل الذي تحبه تكرهه؟ الجواب: لا.ثانياً: من أراد أن يحب الله حباً يسيطر على مشاعره فليذكر آلاءه وإنعامه عليه، لا تنس إفضال الله وإنعامه عليك، فتتوق نفسك إلى الله. وزد ثالثاً: ذكره تعالى، ذكر الله إذا لازمته يكسبك حب الله أكثر. والله تعالى أسأل أن يرزقنا هذا، وأن يجعلنا من أحبائه ومحبيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 01-10-2020, 07:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (107)
الحلقة (114)




تفسير سورة البقرة (73)

إن غضب الله عز وجل لا يقوم له شيء، وعذابه جل وعلا لا يتصور أحد من خلقه تحمله فضلاً عن اللبث فيه، والمشركون حين يرون غضب الله ويعاينون ما أعده لأهل الشرك من العذاب، ثم بعد ذلك تأتي متبوعاتهم ومعبوداتهم لتتبرأ من شركهم، وتتنصل عن عبادتهم، فعندها يسقط في أيديهم، وتأكل الحسرة قلوبهم ألا يستطيعوا الرجوع إلى الدنيا والتبرؤ من هذه المعبودات، وإخلاص العبادة لله الواحد القهار.

تابع تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...) وما بعدها

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، فنحن نرجو من الله تعالى أن يحقق لنا ما وعدنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله كما في صحيح مسلم : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع قول ربنا جل ذكره من سورة البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]، وقانا الله وإياكم عذابها.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهان السامعين والسامعات أن عقيدة المؤمن تقوم على مبدأ الإيمان بالله عز وجل وبلقائه، وأركانها الستة هي ضمن هذا المبدأ؛ لأن الله كثيراً ما يقول لنا: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]؛ لأن هذه العقيدة بمثابة الروح، إذا حلت في القلب واستشرت آثارها في الجسم حيي عبد الله وأصبح يعي ما يقال له ويفهم، وأصبح قادراً على أن ينهض بالتكاليف فعلاً أو تركاً؛ وذلك لكمال حياته.فالإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يضر وينفع، هذا الإيمان يضاف إليه الإيمان بالبعث الآخر، وهو لقاء الله والوقوف بين يديه للسؤال والاستنطاق ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم أو بعذاب أليم، فهذه الآيات الكريمة -وهي ثلاث آيات- تقرر مبدأ البعث الآخر. ‏

اتخاذ المشركين الأنداد لله تعالى في عبادته

فقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] ناس وما أكثرهم؛ إذ المشركون أكثر من الموحدين في كل الأعصر وفي كل الأزمان، وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] والعياذ بالله تعالى مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]. والأنداد: جمع ند، والند: الضد والمثل، والمراد من الأنداد من عبدوا من دون الله، فمن الناس من عبدوا الملائكة، وقالوا: إنهم بنات الله، قبيلة بكامل رجالها ونسائها من العرب عبدوا الملائكة.ومن الناس من يعبد الأنبياء، وجيراننا النصارى يعبدون عيسى، ومن الناس من يعبد الأولياء وصالح عباد الله، وهذا حدث في جاهلية المسلمين، إذ عبدوا الأولياء عبادة حقيقية؛ رفعوا أكفهم إليهم، سألوهم، تضرعوا بين يديهم، ساقوا لهم قطعان البقر والغنم، حلفوا بهم، نذروا لهم النذور، عكفوا حول قبورهم، رفعوا إليهم مرضاهم، وهي عبادة لا ينكرها إلا ذو جهل، وعلة هذا هي الجهل، ما وجدنا من يعلمنا، ما وجد بيننا من يعرف الحق وأهله ويعمل به فنقتدي به؛ إذ هي قرون أصابت المسلمين بظلمة لا نظير لها.ومن الناس من يعبد أصناماً وتماثيل لا تعبد لذاتها، ولكنها تمثل ملائكة أو تمثل أنبياء أو تمثل صالحين فيعبدونها، وها هو ذا عز وجل يخبر بما يعملون، وهل هناك من يعلم علم الله؟

جمع بعض المشركين بين محبة الله تعالى ومحبة آلهتهم

فالله يقول وقوله الحق: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] وبالفعل يحبونهم كحب الله تعالى، إلا أن هذا قد يكون خاصاً ببعض الناس، إذ من العرب -وخاصة القرشيين ومن إليهم- من كانوا يحبون الله، يدلك على حبهم لله أنهم يكرمون الضيف، وأنهم يحجون بيت الله، وأنهم يحرمون ما حرم الله من الأشهر الحرم.. إلى غير ذلك من الصفات الدالة على أنهم يحبون الله، ولكنه حب مع حب آلهتهم، فبطل لذلك حبهم؛ لأن الله عز وجل لا يقبل عملاً أشرك فيه غيره، إما أن يكون العمل كله لله، وإلا فلا يقبله الله، فهم يحبون الله ويحبون الآلهة التي يعبدونها من أجل أن تقربهم إلى الله، ما كان العرب في الجاهلية يعبدون الآلهة لذاتها، يعبدونها متقربين بها إلى الله رب إسماعيل وإبراهيم، وشاهد هذا من كتاب الله عز وجل؛ إذ قال تعالى من سورة الزمر: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ردوا على الرسول صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهم عبادتهم، قالوا: نحن ما نعبدهم استقلالاً لذاتهم، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله قربى وزلفى.ويشهد لهذا بوضوح أن هؤلاء المشركين ممن نزل فيهم هذا القرآن كانوا إذا كانت شدة وأزمة قوية يفزعون فيها إلى الله، وخاصة إذا ركبوا البحر واضطربت السفينة للعاصفة التي أثرت فيها يدعون الله وحده ولا ينادون معه سواه، وجاء هذا في عدة آيات: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [النحل:65-55]. وهنا حادثة كررناها للعظة والعبرة، وهي أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل هو عمرو بن هشام المخزومي القرشي ، كان أحد طغاة الشرك وعتاتهم في مكة، وكان أشد خصم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذبح في بدر، له ولد يقال له: عكرمة رضي الله عنه، هذا الشاب كان نسخة من أبيه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقي على عدائه، وشن الحروب مع قومه في الأحزاب وما إلى ذلك، ولما فتح الله تعالى على رسوله والمؤمنين مكة ودخلوها باثني عشر ألف مقاتل وانهزم المشركون بفضل الله كان عكرمة ممن فر وهرب، وما أطاق أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الكثيرون فجلسوا ينتظرون حكم الرسول فيهم، وقد خلدت تلك الكلمة لما اجتمعوا حول البيت، حول الكعبة، وطأطئوا رءوسهم أذلاء صاغرين، ودخل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم والسيف بيده أو الرمح، فقال لهم: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ).ونعود إلى عكرمة فما أطاق أن ينظر إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الحنق والتغيظ والبغض، وأخذ ساحل البحر لا أدري هل جدة أو قبلها من الساحل، وإذا بسفينة تكاد تقلع، فركب، إلى أين؟ إلى الحبشة أو إلى فارس أو إلى بلاد أخرى، ومشت السفينة في البحر وجاءت موجة عاتية من تلك الموجات البحرية، فاضطربت السفينة يميناً وشمالاً، وخافوا الغرق، فنادى ربان السفينة أو ملاحها: معشر الركاب! سلوا الله عز وجل وحدوه، فإنه لا ينقذكم إلا هو! فعجب عكرمة وقال: الذي هربت منه وجدته هنا؟! لا بد من توحيد الله؟ إذاً: والله! لترجعن بنا يا ملاح إلى ساحل البحر وأذهب إلى محمد وأصافحه، وبالفعل مالت السفينة إلى الساحل ونزل عكرمة وأتى مكة بعد يومين أو كذا، واعتنق الإسلام، وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن عن حبه كأشد ما يكون حباً له.

شدة محبة المؤمن لله تعالى فوق محبة المشرك لمعبوده

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، والذين آمنوا بصدق وحق بالله ولقائه ورسوله محمد وكتابه، وقضاء الله وقدره، هؤلاء أشد حباً لله.وأولئك المشركون يحبون آلهتهم التي تقربهم -في زعمهم- من الله وترضي الله تعالى عنهم، ويحبون الله، لكن حبهم للآلهة أشد، والمؤمنون أشداً حباً لله، فلا يحبون معه غيره أحداً، وإنما يحبون به. وهنا تأمل أيها السامع وأيتها السامعة: أحب -يا عبد الله- بالله، ولا تحب مع الله، باستثناء ما هو غريزة البشر كحبنا الطعام والشراب والراحة ورقيق اللباس، هذا الحب نحن أهل الحق نحبه أيضاً لله؛ نأكل من أجل الله، نشرب من أجل الله، ننام من أجل الله، وهكذا نعطي نمنع من أجل الله، إذا أعطينا فمن أجل الله، وإذا منعنا فمن أجل الله، ما وجه العطاء والمنع لله؟ إن تصدقت بزائد عن حاجتي وأهلي تصدقت به لله من أجل الله، وإذا منعت فلأن ورائي أطفالاً أو نساء أو كذا، فمن أجل الله، بل قلنا: نبني ونهدم من أجل الله، نسافر يوم نسافر ونقعد يوم نقعد لله، إذ حياة المؤمنين بحق وقف على الله عز وجل، واقرءوا لذلك آية الأنعام فهي واضحة الدلالة، يقول تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، قوله: محياي ومماتي لله، أي: حياتي وموتي. إذاً: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] من حب عابد الآلهة لله، ومن حب عابد الآلهة لآلهته، عباد الآلهة يحبونها حباً عظيماً، ولكن حب المؤمنين لله -والله- أشد من حبهم لآلهتهم، ولهذا ورد الحب في الله والبغض في الله، إيمان المؤمنين قائم على هذا المبدأ وعلى هذا الأساس، إن أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه لله، وإن كرهنا فلاناً أو فلاناً فمن أجل الله، إن أكلنا أو شربنا، إن ركبنا أو نزلنا، كل حياتنا دائرة في فلك واحد ألا وهو رضا الله وطلب مرضاته.

الشرك بالله تعالى أعظم الظلم

ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا بالله عز وجل غيره، إذ الظلم أنواع، لكن إذا أطلق في القرآن فالمراد به الشرك، إذ هو أعظم الظلم، كيف كان الشرك أعظم الظلم؟ إليك البيان: يخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق كل شيء حولك من أجلك، ويربيك، وينشئك، ثم تلتفت إلى غيره وتغمض عينيك فلا تنظر إليه، فتمدح غيره وتشكر غيره، وتثني على غيره، وتطيع غيره، وتتقرب إلى سواه، وهو كأن لم يكن ذاك الذي لولاه ما كنت، فأي ظلم أعظم من هذا؟ يخلقك يرزقك يربيك يكلؤك، يخلق كل شيء من أجلك، ثم لا تلتفت إليه وتتقرب إلى سواه؟ فهل عرفتم أن الشرك أعظم أنواع الظلم؟و لقمان الحكيم هذا من المؤمنين على عهد بني إسرائيل أيام داود عليه السلام، وهو نوبي من النوبة، كان له ولد يحبه كأنه الوحيد، فأجلسه بين يديه يوماً يعظه، وقد نقل تعالى إلينا تلك القصة بكاملها بالحرف الواحد، إذ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ [لقمان:13]، أي: اذكر يا رسولنا للمسلمين، اذكر لقومك المصرين على الشرك والمعاندين فيه، بل والمحاربين من أجله، اذكر لهم ما يلي علهم يفيقون، علهم يرجعون: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، هل فهمتم أن الشرك ظلم كبير أو لا؟ لما ضربت لكم مثلاً وقلت: يخلقك ويرزقك ويكلؤك ويحفظك طول حياتك، ويخلق كل شيء من أجلك وتلتفت إلى غيره تدعوه أو تتملقه وتتقرب إليه، أي ظلم أعظم من هذا؟! أنت مخلوق لله أو لا؟ يجب عقلاً ومنطقاً وسياسة وقانوناً أن تكون جميع تصرفاتك له، فشاتك صوفها لمن؟ لجارك أو لك؟ لبنها، حملها، حياتها كلها لك أيها المالك، فكيف يملكنا الله ملكاً حقيقياً -لأنه خالقنا ورازقنا- ونلتفت إلى غيره نعبده؟ أي فظاعة أعظم من هذه؟ مع العلم أن الذين نعبدهم لا يملكون شيئاً، عبادتنا لهم هراء وباطلة، لو نعبد حجراً أو ملكاً أو إنسياً أو جنياً ألف سنة فلا يستطيع أن يعطينا ما لم يعطنا الله، ولا يدفع عنا ما لم يدفعه الله، فلم -إذاً- هذه العبادة؟! إن الشيطان هو الذي زين عبادة غير الله ليهلك العابدون معه، هذا هو السر.

فظاعة عذاب الظلمة يوم القيامة

ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] أشركوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا أمراً فظيعاً لا يقادر قدره ولا يمكن للعبارة أن توضحه أو تدل عليه، فوق ما يطاق، فالجواب محذوف؛ لأنه أمر عظيم. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، ما بقي من له قوة يحدث بها شيئاً أو يتصرف بها في شيء والخليقة كلها واقفة حفاة عراة إنسها وجنها.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 01-10-2020, 07:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تبرؤ المتبوعين من عبادة متبعيهم وتعظيمهم لهم

وجاء تفصيل هذا: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، والتبرؤ معروف: أنا بريء من قولك، بريء من سلوكك، بريء من عملك هذا، ليس لي فيه دخل. تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، من هم الذين اتُّبعوا؟ الذين عبدوا من دون الله، كعيسى عليه السلام والعزير، والعذراء مريم، وسيدي عبد القادر والبدوي والعيدروس، وفاطمة والحسين، ملايين عبدوهم من دون الله، فيتبرءون منهم: ما أمرناكم، ما رضينا بعبادتكم، ما كلفناكم، نفي كامل، وهل يستطيع معبود أن يقول: نعم يا رب عبدوني؟ لا يقوى على هذا. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا [البقرة:166]، أي: المتبوعون، تبرءوا ممن عبدوهم من دون الله أو قدسوهم أو بجلوهم أو عظموهم، أو اتبعوهم في الباطل، كالرؤساء والزعماء وما إلى ذلك، هؤلاء المتبعون هل يستطيعون أن يدافعوا عن متبوعيهم؟ هل يقولون: ما اتبعونا إلا حباً في الله فقط، إلا طلباً لمرضاتك يا رب، هؤلاء كانوا جهلة، اعف عنهم وسامحهم؟ والله !ما يقولون كلمة من هذا، ولا عيسى يقول هذا. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166] اتبعوهم.

انقطاع العلائق بين الأتباع والمتبوعين بعد معاينة العذاب

وَرَأَوُا الْعَذَابَ [البقرة:166]، وشاهدوا العذاب، جهنم جيء بها تجر بالسلاسل، شاهدوا ما علموه من الغيب، ما حدثوا عنه في الدنيا شاهدوه عياناً. وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] لا مصاهرة، لا نسب، لا صداقة، لا وطنية، لا أخوة أبداً، كل الأسباب تمزقت، لم يبق إلا سبب الإيمان هو الذي ما تمزق: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، المفروض أن الشيخ يشفع لمريديه، والمعبود يشفع لمن عبدوه، والعظيم الذي اتبعوه في الباطل ففجر وقتل وسفك الدماء يشفع لهم، ولكن لا شفاعة، فهل فهمتم معنى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]؟ كل واحد موكول إلى عمله، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.

تمني الأتباع الرجعة إلى الدنيا للبراءة من المتبوعين

وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] صاحوا: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] العوام الذين لا بصيرة لهم، عبدوا الشيخ، وجروا وراءه، عبدوا الحكام والسلاطين، وقالوا بقولهم وسلكوا مسالكهم، قالوا: لو أن لنا كرة، أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167] في الحياة الدنيا كما تبرءوا منا الآن، لا نقبل من يقول لنا ولا من يزين ولا من يحسن ولا من يعد ولا من يتسلط علينا أو يدعي القوة علينا أبداً. لكن هذا التمني هل ينفع؟ ما ينفع، بل يزدادون به ألماً وحسرة، إذ هذه كلمات المتحسر المتأسف المتحطم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167] أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] اليوم، ولا نسمع لقولهم ولا نجري وراءهم، ولا نقبل أحاديثهم ولا أمانيهم.

زيادة حسرة الكافرين وخلودهم في النار

قال تعالى: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي هي المدائح والقصائد والأناشيد والذبائح، ويقضون ليلة كاملة في مدح الشيخ، أعمالهم يريهم الله إياها حسرات تمزق قلوبهم. والخاتم الأخير: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]؛ لأنهم ماتوا مشركين، والمشركون آيسون من الخروج من النار ودخول الجنة، اللهم إلا الموحدين الذين ماتوا على التوحيد، عبدوا الله وحده، ولكن قارفوا ذنوباً وارتكبوا سيئات وما تابوا منها وماتوا عليها، فدخلوا النار لتطهيرهم؛ لأنهم يحترقون فيها ويمتحشون حتى يكونوا كالفحم، ثم يعودون إلى الجنة بتوحيدهم؛ لأن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، أما أهل الكفر والشرك فأعمالهم الصالحة قد يخفف بها عنهم العذاب، فينزلون في دركات أخف، أما أن يخرجوا من عالم الشقاء وينتقلوا إلى عالم السعادة فوالله ما كان، هم آيسون، فلهذا من مات من أقارب المرء على الشرك والكفر فليبك عليه، لا رجاء أبداً في نجاته من النار. كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167] الحسرات: جمع حسرة، وهي الألم القاتل الشديد الذي يقعد بصاحبه ولا يستطيع أن يتحرك، على حد: يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4] من الحسرة.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

إذاً: معاشر المستمعين! زيادة في البيان والتوضيح نقرأ الكلمات مفسرة بهذا التفسير وازدادوا بها علماً.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات:أنداداً: جمع ند، وهو المثل والنظير، والمراد بالأنداد هنا الشركاء ]، سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو حيوانات أو نباتات أو جمادات، [ يعبدونها بحبها والتقرب إليها بأنواع العبادات كالدعاء والنذر لها والحلف بها ]، هذه من أنواع العبادات.وقولهم: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] ما معنى التبرؤ يا عبد الله؟ قال: [ التبرؤ: التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه ]، تبرأ منه: تنصل وابتعد لأنه يكرهه.وقوله: الَّذِينَ اتُّبَعُوا [البقرة:166]، من المراد بهم؟ قال: [ المعبودون والرؤساء المضلون ]، وهل يوجد اليوم مضل؟ نعم. جميع رؤساء الروافض والله! لمضلون لأتباعهم، يعرفون الحق ويضلون، ومن أهل السنة والجماعة مضلون من أجل أن يركبوا رءوس الناس ويأكلوا طعامهم، يزخرفون لهم الباطل ويحسنون لهم البدع من أجل أن يتبعوهم، موجود هذا البلاء.قا: [ الذين اتَبعوا: هم المشركون والمقلدون لرؤسائهم في الضلال ].قال تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، ما معنى الأسباب هذه؟ قال: [ الأسباب: جمع سبب، وهي لغة: الحبل ]، السبب: الحبل الذي تربط به بين شيئين، [ ثم استعمل في كل ما يربط بين شيئين، وفي كل ما يتوصل به إلى مقصد أو غرض خاص ]، فما سبب مجيئك إلى المسجد؟ لا بد من حبل ربطك به، كلمة أو إيمان أو دعوة أخيك.وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167]، ما معنى الكرة؟ قال: [ الكرة الرجعة والعودة إلى الحياة الدنيا.الحسرات: جمع حسرة، وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل ]، شدة الحزن والألم تقعد بالإنسان فما يستطيع حتى المشي، وهذا واقع، إذا كرب عبد وأصيب بحزن يلصق بالأرض. تلك مفردات قد تكون خفية على أكثر المؤمنين، فتفسر لهم كلمة كلمة.

معنى الآيات

أما الشرح الموجز فإليكموه كما هو في هذا التفسير.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات.لما تقرر في الآيتين السابقتين ]، وهي قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، هذه آية، وجاء الآية الأخرى فيها ستة أدلة على أنه لا إله إلا الله؛ إذ قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ]، أما الذين لا عقول لهم فكيف يفهمون؟ مجانين.بعد هذا قال: [ لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، والله! ما هو إلا واحد، لو تجتمع الخليقة كلها على أن توجد ثانياً فوالله! ما أوجدته.قال: [ أخبر ] بعد التقرير للألوهية، بعد تقرير الوحدانية لله، [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان وهذا الوضوح يوجد ناس ]، أي: مع هذه الأدلة الستة التي لا تبقي أبداً في النفس شكاً في أنه لا إله إلا الله، ومع هذا وجد ناس [ يتخذون من دون الله أصناماً ورؤساء يحبونهم كحب الله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى ]. وبينت لكم هذا، فالمشركون في مكة وفي غيرها يجمعون بين حب الله وحب ألهتهم، والنصارى الآن كذلك، واليهود، والحب إذا شاركه حب آخر بطل، رد على صاحبه، فنحن نحب الله ونحب في الله، إن أحببنا طعاماً أحببناه من أجل الله، أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه من أجل الله، ما هناك حب خارج عن دائرة حب الله، وإلا فنحن مشركون إذاً.قال: [ والمؤمنون ] بحق وصدق [ أشد منهم حباً لله ]، هم يحبون الله، لكن حباً ضعيفاً؛ لأن نصفه أعطاه لغير الله، توزع هذا الحب، ما أصبح حباً حقيقياً، أما المؤمنون الكمل في إيمانهم الصادقون فهم أشد حباً لله تعالى.قال: [ كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة ]، لو يرى المشركون الذين أشركوا في الدنيا مع الله غيره، [ عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب ]، يدلك على هذا [ إذ تبرأ المتَّبعون وهم الرؤساء الظلمة ودعاة الشرك والضلالة من متبعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي ]. والآن لا تقل: كيف يريهم الله أعمالهم؟ يري القاتل يقتل، والفاجر يفجر، والسارق يسرق، ولا تقل: كيف يمكن هذا؟ فالآن بعد شاشة التلفاز بقي شيء؟ تعرض أعمالهم هكذا، حتى يتمزقوا من الكرب والهم والحسرة، يريهم أعمالهم كما هي، وفي سورة الزلزلة: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، من الذي يريهم أعمالهم؟ هو الله، الأولون يفسرون الآية بنتائج أعمالهم وثمراتها، لكن الواقع أن الأعمال ترى، والآن الواقع شاهد، يعرضون عليك معركة فتشاهد الدماء تسيل والرءوس تتقطع، والقتال دائراً، وينقلون صورة لفاجر تراها كما هي.[ وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم، ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ] فقولوا: الحمد لله على أننا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله.

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات ]، كل آية تحمل هداية أو لا؟ أما قال تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]؟ كل آية تحمل هداية، كما أن كل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا توجد آية من الستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية لا تقرر أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن يسألني: كيف يا شيخ؛ فسأبين له كيف:فقوله تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، هذا كلام أم لا؟ من تكلم به؟ أتقول: أبي.. أمي.. جدي.. شيخ القبيلة الفلانية؟ لن تجد من تكلم به سوى الله تعالى.إذاً: هذا الكلام هل يوجد بدون متكلم؟ أيستقر في عقولكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فمن المتكلم إذاً؟ الله، إذاً: الله موجود، وهذا القرآن كلامه كله علم وحكمة، ومظاهر الكون كلها تدل على علم الله وحكمته ورحمته.إذاً: الله عز وجل أخبرنا أنه لا إله إلا هو، وشهد بذلك شهادة، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18] أيضاً وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] كذلك، فالآية وحدها تدل على وجود الله. والآية الواحدة تدل على أن محمداً رسول الله، لو لم يكن رسول الله فكيف يوحي الله إليه هذه الآية، هل أوحى الله إلينا نحن؟ منذ أن كنا وكانت البشرية إذا لم يوح إلى نبي فهل يوحي إلى غيره؟إذاً: فكل آية هي علامة على أنه لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذه الآيات الأربع فيها أربع هدايات، يا من يريد أن يهتدي إلى حب الله، يا من يريد أن يهتدي إلى رضوان الله، يا من يريد أن يهتدي إلى العلم والمعرفة بالله! إليك هذه الهداية من أربع آيات:[ أولاً: وجوب حب الله ]، الذي لا يحب الله والله! ما هو بمؤمن.. والله! ما هو بمؤمن .. والله! ما هو بمؤمن، حب الله لا بد منه، وأشد من حبك لأمك وأبيك، بل ونفسك التي بين جنبيك والناس أجمعين، اذكر ما أنعم به عليك، اذكر إفضاله، اذكر إحسانه، لولاه هل تكلمت أنا؟ لولاه هل جلستم أنتم؟ فصاحب هذا الإنعام، هذا الإفضال، هذا الإحسان، هذه القدرة، هذا الجلال، هذا الجمال، هذا الكمال، كيف لا يحب؟! والضائعون أحبوا الأمريكاني لاعب الكرة ماردونا والعياذ بالله. فطرتك يا آدمي تحب كل ذي فضل وإحسان وكرم، تسمع أن فلان شجاع فتحبه لشجاعته، فلان كريم تحبه لكرمه، فلان جميل الوجه والطلعة فتحبه، والله خالق الجمال، خالق الكمال، واهب الكائنات، كل ذلك فضله وإحسانه، فكيف لا تحبه؟ أما أخبر تعالى عنكم بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].قال: [ وجوب حب الله وحب كل ما يُحب الله عز وجل ]، هذه أخرى، كل ما بلغنا أن الله يحبه حتى المشية نحبها، حتى اللحظة والنظرة إذا بلغنا أن الله يحبها أحببناها، فإذا أخبر الله أنه يحب عبده فلاناً فإنا نحبه، وعلى أتم الاستعداد، متى علمنا أن الله يحب كذا أحببناه، ويجب، وإلا فقدنا الإيمان الصحيح.[ ثانياً: من الشرك الحب مع الله ]، هل هناك فرق بين الحب مع الله والحب لله؟ نعم. هل نحن نحب مع الله؟ لا، نحب بالله، أحب الله تعالى (سبحان الله وبحمده) فأحببناها، أحب الله صفوف الجهاد فأحببناها، أحب صفوف الصلاة فأحببناها، أحب الله محمداً فأحببناه، أحب الزهراء فأحببناها، نحب بحب الله، لا استقلالاً.قال: [ من الشرك الحب مع الله، ومن التوحيد الحب بحب الله عز وجل.ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم تبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، كل الأسباب والروابط انحلت إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه، أي: في الإيمان، هذه لا تنحل فحافظوا عليها.[ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشرك والفساد، وليس بنافعهم ذلك شيئاً ]، تبرءوا ولكن ما ينفع التبرؤ، التبرؤ ينفع الآن، لا نقلد أعمى ولا نجري وراء جاهل، ولا نطيع حاكماً ولا محكوماً في معصية الله عز وجل.قال: [ تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم ]. هم تبرءوا لأنهم ما يستطيعون أن يقولوا: هؤلاء عبدونا، يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]، ما قالوا: أجابنا فلان ولم يجبنا فلان، فوضوا الأمر إلى الله عز وجل، أما المتبوعون فكل ما في الأمر أنهم يتحسرون ويتمزقون: آهٍ لو رجعنا إلى الدنيا لتبرأنا منهم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 01-10-2020, 07:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (108)
الحلقة (115)




تفسير سورة البقرة (74)

بعد أن عرض الله عز وجل أحوال أهل الشرك والمعاصي، وما انتهوا إليه من نهاية مرة وهي الخلود في النار، نادى سبحانه وتعالى البشرية جمعاء مبيناً لهم أنه أحل لهم ما في الأرض من الطيبات، أما ما نهاهم عنه وما لم يأذن لم فيه فإنه لا خير لهم في أكله، لما فيه من الأذى لأرواحهم وأبدانهم، ثم نهاهم سبحانه من اتباع خطوات وآثار عدوه وعدوهم؛ لأنه لا يقود إلا إلى الشقاء والهلاك، وخسران الدنيا والآخرة.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، رزقنا الله وإياكم فهمه والعمل به. آمين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركات، وهي قول ربنا جل جلاله وعظم سلطانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:168-170].. إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني الكريم. ‏

عموم النداء بلفظ الناس لبني البشر

معاشر المستمعين! هذا النداء الإلهي عام يشمل الأبيض والأسود، الكافر والمؤمن، الأول والآخر، إذ لفظ الناس عام.أما نداءات الرحمن التسعون فهي خاصة بكم أيها المؤمنون، أما هذه النداءات بعنوان الناس فهي عامة. يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:168]، والناس لفظ مفرد دال على متعدد، من أين اشتق لفظ الناس؟ من ناس ينوس إذا تحرك، والإنسان يتحرك، فلعله اشتق هذا من ذاك، ولا عبرة بالاشتقاق، فالعبرة بأن نعرف من هم الناس؟ هل بنو تميم، سكان اليمن، الأوربيون؟ هذا الذي نحتار نريد أن نعرفه؟ قلنا: إنهم بنو الإنسان، مؤمنهم وكافرهم، عربهم وعجمهم، أولهم وآخرهم سواء، الكل مخلوق لله والله خالقهم، ناداهم ليأذن لهم بأن يأكلوا مما في الأرض: العنب، البرتقال، التفاح، الأرز، القمح، الشعير، الفواكه، الخضر، اللحوم، مما في الأرض، هذا الذي في الأرض من أوجده؟ الله جل جلاله، هؤلاء عبيده، فهل يستطيعون أن يعيشوا بدون أكل ولا شرب؟ كلا أبداً.

الإذن في أكل الطيب الحلال وتحريم الخبيث في غير ضرورة

فأذن لهم بقوله: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] حال كونه حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، أما ما كان حراماً فلم يأذن فيه لهم أن يأكلوه ولا أن يشربوه ولا أن يركبوه حتى الجلوس عليه، ما حرمه الله تعالى- أي: حظره ومنع منه- فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أكله إلا في حالة بينها تعالى في كتابه، وهي حالة الاضطرار القصوى: إما أن يأكل وإما أن يموت، وجاء ذلك في قول الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ [المائدة:3]، بطنه يبس من شدة الجوع، فلا بأس أن يأكل ما حرم الله من الميتة على أنواعها، ومن لحم الخنزير، لا بأس، ولكن بقيد: غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3]، في مخمصة حال كونه غير مائل إلى الإثم، لا أنه يفرح فيقول: الآن نأكل من لحم الخنزير، الآن نأكل الميتة، بل لأنه أصبح مضطراً، يأكل وهو متألم ومتحسر ومتأسف، لا أن يقول: أذن لنا فيأكل ويفرفش.

المراد بالأمر في الآية الكريمة

إذاً: الأمر في الآية الكريمة للإباحة، وقد يكون للوجوب، لو أن شخصاً قال: أنا لا آكل، سأصوم الليل والنهار، فإنه يؤمر بالأكل وجوباً وإلا قتل نفسه، لا بد أن يأكل ويشرب إبقاءً على جسمه صالحاً لعبادة الله، إذ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهذه تدلنا دلالة واضحة أن علة وجودنا وسر حياتنا أن نعبد الله بما أحب أن نعبده به، لا بأهوائنا وما تزينه الشياطين لنا، ولكن بما أحب هو أن يعبد به، من الذكر إلى الدعاء وما بينهما مما شرع الله من العبادات. وكثيراً ما أعيد على أذهانكم أنه أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر، بمعنى: أراد أن يعبد، فأوجد هذه العوالم كلها علويها وسفلها، وأوجد فيها مواد بقاء أهلها، وخلق آدم وحواء، وأنزلهما وبارك في ذريتهما، حتى أصبحت الذرية لا يحصي عددها إلا الله، لم فعل هذا؟ ليعبد. وعالم الجن كذلك، وعالم الملائكة، أين البشر وأين الجن من عدد الملائكة؟ هذا الواحد منكم مكلف به عشرة من الملائكة، إذاً: فمن يحصي هذا العدد، لم فعل الله هذا؟ من أجل أن يعبد.إذاً: فالأكل والشرب لا بد منهما من أجل البقاء على الحياة التي بها يعبد الله، فمن هنا قد يقول: كلوا على سبيل الوجوب.

حقيقة وجود ما يؤكل على غير كوكب الأرض

ثم قوله تعالى: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168]، لو جاء كذاب بفواكه وخضر يقول: هذه أتينا بها من سطح القمر، فهل يجوز أكلها أو لا؟ أهل الورع والبصيرة يقولون: ما أذن الله لنا في أكل ما على الزهرة أو عطارد أو القمر، قال: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] لا نأكل من غير الأرض، وإنهم لعلى حق.والحمد لله، ففرية صعود القمر انفضحت، انكشفت سوأتها، ظهرت عورتها، والحمد لله، ما أماتنا الله حتى أرانا الحق حقاً، أيام كنا في باب المجيد والإذاعات العربية تتعنتر، وصحف العرب الهابطين تتعنتر: صعدوا القمر! ونحن نرتعد خائفين نقول: يا عباد الله! لا تتمدحوا بأمجاد أعدائكم، لا تتبجحوا بفضائل أعدائكم، اجحدوها، فيضحكون: هذا جمود! ومضت فترة من الزمان، ووقعت في يدي مجلة صينية، قال صاحب المجلة: كذبة صعود القمر مؤامرة بين الدولتين العظميين لتخدير الشعوب والسيطرة على قلوبها، وما هي إلا أفلام تمت في الأرض، والله! كما تسمعون، وموقفنا نحن -المؤمنين- أننا قلنا: من الجائز أن يكون هذا، ولكن لا نثبت ولا ننفي، نقول: من الجائز، ولكن لا نتمدح بأمجاد أعداء الإسلام ونسبقهم إلى القول. وقلنا لهم: هيا نرجع إلى أربعة آلاف سنة، إلى بلقيس الملكة اليمنية، بلقيس ملكة اليمن، لما أراد سليمان أن يغزو بلادها، وما كانت المواصلات السلكية واللاسلكية والبرية، وإنما أناس يعيشون في إقليم لا يسمع بهم آدمي لقرون، فالهدهد طائر ممتاز، بارع في الذكاء والفطنة، واستخدم أيضاً في الجيوش والاطلاع على أسرارها، فالهدهد فقده سليمان؛ لأن الطير كان يحضره، ويحلق فوق جيشه، فافتقد الهدهد فسأل عنه، وقال متوعداً: مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:20-21]، كيف يخرج عن النظام بدون إذن؟ وجاء بالخبر: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:23-24]، كفار، وتم الذي تم، وخلاصته أنه أحضر عرش بلقيس بين يدي سليمان ورجاله، كرسي الملك من الذهب والفضة، فوضع بين يديها، فقال لها: أهكذا عرشك يا بلقيس ؟ قالت: كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42]، فهربت من الورطة، لو قالت: هو ولم يكن كذلك لقيل: هذه حمقى مجنونة، كيف يؤتى بعرشها من اليمن هكذا ويوضع بين أيدينا، ولو قالت: مستحيل، لن يكون؛ فإنها ضائعة؛ حيث تنفي حتى عرشها، فكيف تصلح للملك هذه؟ فاتقت العار والذم والملامة بكلمة خالدة، قالت: كأنه هو؛ حتى ما تؤاخذ، هكذا قلنا للعرب: قولوا: ممكن وجائز أن يكونوا قد صعدوا، ولكن الصين نفته لم؟ لأنها القوة الثالثة عدوة للغرب والشرق، فأرادت أن تحمي قلوب شعبها، حتى ما يخدروا بالخوف والهم، فكتبت وصرحت؛ ليبقى الشعب الصيني قوياً وقادراً، وأما العرب فلسان حالهم: اذبحوهم، امسخوهم، فإذاعاتنا وصحفنا تتغنى بأمجاد أمريكا وروسيا. وتمضي الأعوام ويعلن الذي كان يدعي أنه صعد القمر فقال: هذا كذب كامل، ما صعدنا ولا عرفنا قمراً! وما استطاعوا أن يقتلوه ولا أن يكذبوه، بل سكتوا، وطأطئوا رءوسهم.فقول ربنا: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] لو يأتينا من الشمس، من القمر فلن نأكل.

امتناع دفن بشر في غير كوكب الأرض

ونظير ذلك قوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، كنت أحلف بالله: لن يستطيع أحد أن يبقى على سطح القمر حتى يموت ويدفن هناك، لا بد أن يدفن في الأرض؛ لأن الله قال: وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، وإذا مات في القمر أو في الزهرة أو في عطارد أو في هذه الأفلاك فكيف يدفن هنا، ومن ثم عرفنا أنها كذبة، أرادوا أن يتمدحوا بالباطل ليضلوا البشرية ويسحروها بالباطل.ونظير هذه القضية أن المملكة -حفظها الله- صبرت وما اعترفت أبداً بالشيوعية، ولا أقرت بالسفارة في المملكة لأية دولة شيوعية، وحفظها الله واستمرت كذلك حتى تمزقت الشيوعية وتحطمت وباءت بالفشل، لولا الصبر لكنا ماذا سنصنع؟ سنقول: افتحوا سفارة لألبانيا وأخرى لكذا، والحمد لله. ومعنى هذا: إذا عرفت الحق يا عبد الله فاصبر، ما هي إلا أوقات وتنتهي ويظهر الحق كما هو، أما تذوقتم هذه؟ الشيوعية والاشتراكية والعلمانية والكفر والباطل الذي ملأ بلاد العرب ما سببه؟ أليست السفارات والاتصالات بروسيا؟ والله! إنها لهي، بل بعثوا أولادهم يدرسون في روسيا والدول الشيوعية، وبلغنا أن شاباً درس في روسيا وتخرج؛ يدرسون الكفر الخالص، لما دخل على أبيه وأسرته نظر إلى أخته فوجدها جميلة وطويلة فقال: يا أبي! زوجني بأختي! فقال له: أزوجك بأختك؟! قال: ماذا في أختي، أنا أولى بها! فقيل له: حرام هذا! فقال: من حرمه؟! هذه خرافات باقية في عقولكم! فما كان من ذلك الوالد إلا أن قام في ليله المظلم وذبحه كالكبش وفصل رأسه. لو كنا كـعبد العزيز وأبنائه حين استقللنا فلن نعترف بالشيوعية والإلحاد، ولن يدخلوا بلادنا ينشرون الكفر، وما كان سيحصل الذي حصل، لكن كنا نصفق لهم، هل فهمتم أيها الساسة والسياسيون أو لا؟ أم أن أهل القرآن لا سياسة لهم؟ إن الذي يقرأ كتاب الله ويفهمه هو أعلم إنسان على وجه الأرض بالسياسة، أما سياسة الزندقة والكذب والافتراء والباطل والتخمينات والحيرة فماذا أجدت؟ أي شعب ارتقى إلى الطهر والصفاء والكمال والكرامة والبشرية والآدمية بها؟ هبطوا وأصبحوا كالحيوانات، بل أقبح من الحيوانات أيضاً، فأين السياسة؟

أهمية توافر الحل والطيب في المأكول

يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:168] يا بني آدم! كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] على شرط أن يكون حلالاً وطيباً، قد يكون حلالاً وهو مستخبث مستقذر فما يؤكل، عندك صحفة فيها أرز، فجاءت دجاجة وسلحت عليها، فهل تستقذرها أو لا؟ ما تؤكل، وإن كانت حلالاً فما هي طيبة، فالحلال: ما انحلت عقدة المنع منه بإذن الله تعالى بأكله أو شربه، وكونه طيباً شيء آخر، قد يستقذر ويستخبث بمرور الأيام، توجد فيه ديدان، يوجد فيه وسخ فما يؤكل؛ لأنه يؤذي الجسم الذي نحفظه لنذكر الله به ونعبده، هذه واحدة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 01-10-2020, 07:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)

ثم قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، لم يا رب؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، أذن لنا في الأكل من الطيبات والحلال ولم يأذن لنا في اتباع خطوات الشيطان، وهل للشيطان خطوات يا شيخ؟ أي نعم، سأدلك عليها: حين يخرج الرجل من بيته ذاهباً إلى المخمارة إلى الحانة، إلى المزناة، إلى محل اللعب والباطل، فمن الذي يمشي أمامه وهو يتبع خطواته، أهو ملك؟ لا والله، بل الشيطان، هو الذي زين له وحسن له ودفعه ليمشي وراءه إلى أن يعمل المعصية.أزيدكم توضيحاً: كل من يمشي خطوة أو أكثر إلى معصية الله ورسوله فأول من حسنها وشجع عليها وزينها هو الشيطان، ثم يمشي أمامه وهو لا يشعر، حتى يصل إلى الجريمة ويقارفها. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، إذ الشيطان هو الذي فعل بالعرب العجب، ماذا فعل؟ هو الذي دعاهم إلى عبادة اللات والعزى ومناة وهبل والأصنام كلها، مع أنهم مؤمنون بالله يعرفون الله، يكفيهم أنهم يحجون بيته ويعتمرون، ويكرمون الحجاج ويفعلون ويفعلون، كانوا مؤمنين بالله، وزين لهم عبادة الأصنام بحكم التوسل بها إلى الله، والتقرب بها إليه.ثانياً: زين لهم تحريم أربعة أنواع من الغنم والإبل، ما هي؟ البحيرة والوصيلة والحامي والسائبة، هذه أنواع من الإبل والغنم من حرمها عليهم؟ الشيطان، والوصيلة التي تصل بطناً ببطن، أو تصلى أنثى بأخيها، يقولون: اتركوها للإله هبل، والبحيرة التي تعيش كذا سنة أو يفعلون كذا بها، يقولون: ابحروا أذنها واتركوها للات والعزى، والسائبة كذلك يسيبونها لأصنامهم.فمن فعل بهم هذا والله يقول: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [المائدة:103]، يقولون: هذا حرمه الله. فقال لهم: تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:151] لا الذي حرمتموه أنتم بوسواس الشيطان.وخلاصة القول: ليس من حق أحد أن يحرم ما أحل الله، أو يحلل ما حرم الله، لم؟ لأن الملك الحق هو الله، كل ما في الأرض له، ما أذن فيه أحله، وما لم يأذن فيه حرمه، فهل يتدخل شيخ أو إمام ويقول: هذا ما ينبغي، لا تأكلوه، وهذا كلوه؟ فقد نازع الله في منصبه، نازع الله عز وجل في سلطانه، العبيد عبيده، وهو الذي يحل لهم ويحرم، وهذا جاء يريد أن يحل لهم ما حرم الله أو يحرم عليهم ما أحل الله، فنازع الله في الملك وفي الألوهية والعبادة والربوبية، هذا أقبح إنسان؛ الذي ينصب نفسه هذا المنصب.

معنى قوله تعالى: (إنه لكم عدو مبين)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، لم؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، ما معنى: مبين؟ ظاهر العداوة، لا تسفك دماء على الأرض بين بني آدم إلا والشيطان هو العامل، لا يتم خناً ولا زناً ولا رباً ولا كذب ولا باطل ولا شر ولا خيانة للأمانة ولا خلف للعهد، وكل الجرائم إلا وهو الذي زينها، أما قال أمام الله عز وجل: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]؟ لولا الشيطان فالإنسان بفطرته يكره الخيانة، يكره الكذب، يكره الظلم، ما تميل نفسه إليه أبداً، حتى يأتي هذا العدو بجيشه ورجاله، ويحسن ويغش ويخدع، وويل للغافلين.إذاً: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، هل يجوز لك أن تمشي وراء عدوك، السكين في يده أو البندقية ليدفنك تحت الجبل، وأنت تمشي وراءه، أين عقلك، أين يذهب بك؟ فلهذا إذا شعرت بخاطر يدعو إلى معصية الله والرسول فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعاكسه، قم صل، حتى في الغضب حين يوقد النار في قلبك ويظهر الحمرة في عينيك وينتفخ أوداجك فهو نفخ فيك، فماذا تصنع؟ قل: الله أكبر وادخل في صلاة نافلة، فإنه يتمزق.فهل عرفت البشرية أن الشيطان عدوٌ لها؟ ما عرفت، الكفار من أين يعرفون؟ الجهال كيف يعرفون؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، أي: بين العداوة ظاهرها.
تفسير قوله تعالى: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)

المراد بالسوء وبيان علة أمر الشيطان به

إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، ثلاث سيئات من أقبح السيئات:الأولى: يأمركم بالسوء، وهو ما يسوء إلى النفس البشرية، فيلوثها ويخبثها ويعفنها وينتنها، حتى تصبح كأرواح الشياطين، لأن الله أصدر حكمه فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].إذاً: لكي يسعد بوجود بني آدم معه في عالم الشقاء، وهو يتبجح بينهم ويعقد أيضاً حفلة عظيمة، يعقد احتفالاً عظيماً في النار، وتجتمع عليه البشرية، وإليكم نص كلماته بالحرف الواحد، فالله قد علم ما سيقول، وكتبه قبل أن ينطق، جاء من سورة إبراهيم عليه السلام: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22]، ماذا قال؟ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22]، الله أكبر! لولا القرآن فكيف سنحصل على خطبة تقال في عالم الشقاء؟ فالحمد لله.والله! إنها بالحرف الواحد، وإن كنت تشك في وجودك فشك في هذه الكلمات: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22]، ودخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار، واستقرت الأحوال، يقوم خطيباً، ويوضع له السرادق، كما تعرفون عن الزعماء حين كانوا يخطبون أيام الاشتراكية. فماذا يقول؟ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22]، فكلمة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) تطرده ألف كيلو، فأي سلطان له؟ هل تشعر أنه يقودك إلى المعصية؟ كلا، بل تزيين فقط. وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]، ما هو إلا أن أدعوكم وأنتم تمشون ورائي وتأتون إلي: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]، إذاً: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22].وأخيراً ييئسهم: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ [إبراهيم:22]، أي: بمزيل صراخكم، فيصرخون إلى الأبد، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22]، أنا أبكي وأندب فهل ستنفعونني؟ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22] أشركوه من قبل أم لا؟ كل من عبد غير الله عبد الشيطان؛ إذ هو الذي دعا إلى ذلك وزين وحسن. إذاً: هنا ثلاثة أفعال: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، أولاً: السوء: وهو ما يسوء النفس البشرية، ويجعلها تهبط إلى مستوى الحيوانات أو الشياطين في الخبث، كيف هذا؟ الكذب، الخيانة، السرقة، الكبر، العجب، الحسد، تلك العلل هي السوء، ما يسوء، الآن تقوم إلى الشيخ وتبصق في وجهه وتسبه، وتقول: اسكت يا وهابي يا ملعون، فماذا يحصل؟ تحصل إساءة بهذا أم لا؟ هذا هو السوء.

المراد بالفحشاء

يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ [البقرة:169] هل هناك أفحش من اللواط؟ ما عرفت البشرية من عهد آدم إلى عهد قوم لوط هذه الجريمة، حتى الشيطان علمهم إياها في كز يهم، فهل هناك أقبح من هذه؟ ما هناك أبداً، بل الحيوانات ما تفعلها، هل رأيتم فرساً ينزو على الفرس الذكر؟ هل زكجمل ينزو على الجمل؟ هل الكلب ينزو على الكلب؟ لا أبداً، ولكن الشيطان لما زين هذه الفاحشة وحسنها بلغنا أن أنزية موجودة في أوروبا، أندية اللوط، من يفعل هذا؟ هذا عدوكم، زين الفحشاء، والفحشاء بعد اللواط الزنا، فالزنا أفحش فاحشة: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، لو لم يكن فاحشة بالفطرة فمن الذي يرضى أن يز ى بأخته أو بأمه أو بامرأته؟ وإن كان فاجراً فإنه ما يرضى، النفس ما تقبل هذا، ولكن الشيطان يحسنها ويحمل عليها ويسوق إليها. قالوا: لفظ الفحشاء إذا أطلق فالمراد به الزنا واللواط، وأطلق لفظ الفحشاء على البخل في آية واحدة من كتاب الله من سورة البقرة: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أي: بالبخل. فلم كان البخل فاحشة؟ لو كنا نعيش أيام الفطرة السليمة فإن الشخص إذا كان في يده أو بين يديه طعام وقلت له: أريد أن آكل معك فأنا جائع، فقال: لا؛ فكيف تنظر إليه؟ ما كانوا يعرفون البخل، إذا زاد عنك طعامك أو شرابك وهذا يموت بالعطش أو بالجوع فما تستطيع أن تمنعه. فلهذا من أصيب بهذه المحنة والشيطان غرسها فيه يصبح من أفحش ما يقول قوله هذا ومنعه. الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] أي: إذا أنفقتم، يقول: إذا أخرجت ما في جيبك الآن تصاب بالفقر، فلا تنفق، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] بالبخل.

عظم خطر القول على الله بغير علم

والثالثة من عظائم المعاصي: القول على الله بدون علم: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذه أعظم، ولم كانت أعظم؟ القول على الله بدون علم هو الذي يفسد الدين، ما الذي أفسد الديانات الإلهية؟ والله! إنه للقول على الله بدون علم، كاليهودية، النصرانية، الصابئة، والإسلام ما هبط إلا حين قال الناس بآرائهم وعقولهم. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] ومن قال على الله بدون علم أباح الحرام أو حرم الحلال أو عطل كذا وكذا، وفي سورة الأعراف آية اشتملت على أصول المفاسد، والأولى منها أخف، والثانية أشد، والثالثة أشد، ثم الرابعة، والخامسة أعظمها، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].مرة أخرى: ما أفسد دين الله -سواء في المسلمين أو في غير المسلمين- إلا القول على الله بدون علم، فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقول: هذا حرام أو حلال إلا إذا علم، ولا أن يقول: واجب أو جائز أو ممنوع أو بدعة حتى يعلم. وقد تقولون: معنى هذا أنك ألجمتنا بلجام؟ فأقول: أي نعم، نلجمكم خيراً من أن نهلككم. وشيء آخر: لو التزمنا بألا نقول إلا بعد علم ما بقي جاهل بيننا، كلنا نطلب العلم، لكن ما دام الواحد منا يقول كما يشاء فلماذا يتعب وينقطع ليطلب العلم، لماذا يرحل إلى البلاد الفلانية؟ قل بعقلك وكفى، ولهذا في قول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] قلنا: حقيقة هذه الآية أنه ما يبقى جاهل في العالم الإسلامي ولا جاهلة أبداً، لم؟ لأن من كان عالماً هو عالم، وإذا سئل يجب أن يعلم، ومن لم يكن عالماً يجب عليه أن يسأل، وحرام أن يبقى بدون علم، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، لكن من بين لنا هذه الآية، وما عرفناها إلا بعد قرون مضت، فالقرآن لا يقرأ إلا على الموتى، وإذا سمعوا الشخص يقول: قال الله يغلقون آذانهم، وما يسمعون.

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ...)

والآن مع المشركين في مكة وحولها: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا آبَاءَنَا [البقرة:170] أي: ما وجدنا عليه آباءنا. وهذا عندنا في القرى، في المدن، في الضواحي، في القاهرة، في العالم الإسلامي، صاحب السنة والبيان يقول كذا فيقولون: لا، نعمل كما يعمل علماؤنا، أنت وهابي، أنت من كذا، هل آباؤنا كلهم كانوا ضلالاً ما يعرفون إلا أنت تعرف؟ هذه هي، فمن يمليها؟ الشيطان. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170] في كتابه وعلى لسان رسوله، سواء قيل هذا لليهود أو النصارى أو للعرب والمشركين، فيحتجون بماذا؟ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170] ما نحن في حاجة إلى دين جديد. وهذا هو واقع البشر. فقال تعالى منكراً عليهم مستفهماً استفهام إنكار وتأديب: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا [البقرة:170] يتبعون آباءهم ولو كان آباؤهم جهالاً ما يعرفون ولا يعلمون؟ أعاقل يقول هذا؟ تتبع أباك وإن كان ما يفرق بين الكاف والياء ولا الكوع والبوع؟ أهذه حجة؟ فالتقليد الأعمى حرام، لا يحل لك أبداً أن تمشي وراء أعمى، أين يصل بك؟ إلى الحفرة، امش وراء ذي بصيرة وعينين، قلد عالماً، أما أن تقلد جاهلاً فلا، هكذا ينكر الله تعالى علينا، وانتفع بهذا خلق لا يحصون عدداً، من عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في القرون الذهبية ما كان أحد مقلداً آخر إلا قال الله وقال رسوله، لكن عرف العدو هذا وأماتونا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

نعود إلى الشرح للبركة من جهة، ولتقرير القضية من جهة ثانية. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الحلال: هو ما انحلت عقدة الحظر عنه ] أي: المنع منه، [ وهو ما أذن الله تعالى فيه ] من قول أو فعل أو أكل أو شرب أو اعتقاد، الحلال ما انحلت عقدة المنع والحظر منه، فلو سئلت عن الحلال ما هو؟ فهو الذي انحلت عقدة الحظر منه. وهنا اختلف أهل العلم: هل الأصل في الأشياء التحليل أو التحريم؟ منهم من قال: الأصل في الأشياء الحل حتى ينزل وحي بالمنع، ومنهم من قال: لا، الأصل في الأشياء المنع حتى يأتي إذن بالفعل، وهذه الآية شاهد للآخرين، فالحلال: ما انحلت عقدة الحظر عنه؛ إذ كان محظوراً.ثم قال: [ الطيب: ما كان طاهراً غير نجس ولا مستقذر تعافه النفوس ] كما شرحنا.[ خطوات الشيطان: الخطوات: جمع خطوة، وهي المسافة بين قدمي الماشي، والمراد بها هنا: مسالك الشيطان وطرقه المفضية بالعبد إلى تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم.عدو مبين: عداوته بينة، وكيف وهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة ]، هل هناك عداوة أكثر من هذه؟ يطرد أباك وأمك من دارهما وتقول: ما هو عدوي؟ قال: [ وأكثر الشرور والمفاسد في الدنيا إنما هي بوسواسه وبإغوائه ] أنا قلت أولاً: ما سالت قطرة دم إلا وهو الذي أسالها، ما من ذنب إلا وهو الذي دعا إليه.قال: [ السوء: كل ما يسوء النفس ويصيبها بالحزن والغم ويدخل فيها سائر الذنوب.الفحشاء: كل خصلة قبيحة؛ كالزنا، واللواط، والبخل، وسائر المعاصي ذات القبح الشديد.ألفينا: وجدنا ]، وجاء في آية أخرى: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [لقمان:21]، ألفاه على كذا: وجده على كذا.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها، وهي الخلود في عذاب النار ]، كما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] لا بعد مليون سنة ولا مليار، بل خلود أبدي.قال: [ بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها، وهي الخلود في عذاب النار؛ نادى الرب ذو الرحمة الواسعة، نادى البشرية جمعاء ] لأن لفظ الناس عام، [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] وهو عطاؤه وإفضاله، حلالاً طيباً؛ حيث أذن لهم فيه، وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه لا خير لهم في أكله؛ لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً ]؛ لأن المحرمات في نفس الوقت تضر بالجسم، كالجيفة، الدم، ولحم الخنزير بإجماع الأطباء أنه يضر. وعندنا لطيفة: هل تعرفون الدياثة؟ لا أراكم الله، نجانا الله منها، نحن فحول نغار على نسائنا وبناتنا، بالتجربة وجد أن الذين يأكلون لحم الخنزير يفقدون الغيرة، ويصبح يرى امرأته يصافحها فلان ويقبلها وهو ميت لا حركة به، من أين ورثوا هذا؟ لأن هذه الدياثة من الخنزير، لا يغار على أنثاه أبداً.ودائماً نقول: ما عندنا كلام نقوله بدون علم، فالخنزير موجود في غابات في جبال في العالم، الخنزير ما يغار على أنثاه، والجمل يغار أم لا؟ يغار، وله هدير، والقط يغار، وسائر الحيوانات إلا الخنزير -والعياذ بالله- فغيرته ميتة، من أكل لحمه وعاش على لحم الخنزير يفقد الغيرة من نفسه.إذاً: عرفتم لماذا حرم الله عليكم الخنزير؟ قال: [ فإنه لا خير لهم في أكله لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً، ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم، فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلاكهم، وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان لا يأمرهم إلا بما يضر أبدانهم وأرواحهم. والسوء، وهو كل ما يسوء النفس، والفحشاء وهي أقبح الأفعال وأردى الأخلاق، وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على الله فيقولوا عليه ما لا يعلمون فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم الله، والله من ذلك بريء، وهذه قاصمة الظهر والعياذ بالله تعالى، حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا الفواحش وحللوا وحرموا وشرعوا ما لم يأذن به الله ربهم، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتبعوا -إذاً- ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. يا سبحان الله! يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلاً وضلالاً؟ أيقلدون آباءهم ولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً من أمور الشرع والدين، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 04-10-2020, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (109)
الحلقة (116)




تفسير سورة البقرة (75)

ندد الله عز وجل بالتقليد والمقلدين الذين يعطلون حواسهم ومداركهم، ويفعلون ما يأمرهم به رؤساؤهم، ويطبقون توجيهاتهم بتسليم تام، لا يعرفون لم فعلوا هذا ولم تركوا ذاك، ثم مثل سبحانه وتعالى حالهم بمثل عجيب، وهو أنهم حينما عطلوا قواهم العقلية واكتفوا بالتبعية صاروا كالأغنام التي لا تسمع من داعيها إلا مجرد الصوت، لكنها لا تفهم ولا تعي، وإنما تتجه إلى مصدر الصوت الذي ألفته دون تردد، حتى لو كان هذا النداء لها لتذبح.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت المبارك- ندرس كتاب الله عز وجل، ولنا رجاء أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .وها نحن مع قول ربنا جل ذكره: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171].

أمر الناس بالأكل من الحلال الطيب دون المحرم

نعود إلى الآيات السابقة لهذه الآيات، وقد درسناها وما استوفينا كل معانيها، وهي قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:168]، وقد علمنا أن هذا نداء عام يشمل الكافر والمؤمن، والأبيض والأصفر والأحمر، فهو نداء لبني آدم أجمعين، والمنادي هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، الله الذي خلقهم وخلق هذه العوالم من أجلهم، خلقهم ليرى شكرهم ويسمع ذكرهم، ناداهم بهذا النداء العام فقال لهم: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168] إذ هو المالك لكل شيء، فما أذن فيه فهو الحلال، وما لم يأذن فيه فهو الحرام، هذه الأرض عبارة عن مائدة أوجدها الله لبني آدم وحواء، وقبل أن يتناسلا، وقبل أن يكثر هذا العدد من بنيهما أوجد هذه الأرض، فها هو ذا تعالى يقول لنا: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] على شرط أن يكون حلالاً طيباً.فما كان حراماً ممنوعاً منهياً عنه من قبله تعالى، إذ الملك ملكه والمخلوقات مخلوقاته، فما أذن في أكله أو شربه أو لباسه فليأكل عبد الله وليشرب وليلبس، وما لم يأذن بل نهى ومنع وحرم فلا يحل للآدمي أن يلبس أو يأكل أو يشرب ما لم يأذن له فيه سيده ومالك أمره، مع العلم اليقيني أن الله عز وجل ما نهى أو حرم إلا لما في ذلك المنهي عنه أو المحرم من الضرر والفساد بحيث يعود على فاعله بالضرر في الدنيا أو الآخرة. ما نهى الله تعالى عن شيء أو حرمه أو منعه إلا لما فيه من الضرر، أي: فيه ما يضر بفاعله، وإن شئتم حلفت لكم في ذلك، ما حرم الله قولاً ولا عملاً ولا فكراً ولا اعتقاداً إلا لأنه ضار بابن آدم، إن عاجلاً أو آجلاً، لا بد من الضرر. وإن قلتم: لم؟ فالجواب: لأنهم عبيده وهو خالقهم وسيدهم ومولاهم، وخلقهم من أجل أن يسمع ذكرهم له ويرى شكرهم له، فهو -والله- لأرحم بهم من أنفسهم. وأذكر هنا وتذكرون: أن امرأة في غزاة من الغزوات وقعت في السبي فطلبت طفلها فما وجدته، فاحترق كبدها وهاجت نفسها وأخذت تبحث عنه حتى وجدته، فضمته إلى صدرها وهي تبكي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل لأرحم من هذه المرأة بولدها )، لأرحم بعباده من هذه المرأة بطفلها، فكيف إذاً لا يمنعهم مما يؤذيهم ويفسد حياتهم عليهم؟ أما الذين ما عرفوا الله ولا آمنوا به -كما سيأتي حالهم في الآيات الآتية- فهم كالأموات، بل الأموات أحسن حالاً منهم، هذا بالنسبة إلى العقلاء البصراء أهل الإيمان والمعرفة. يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، وهنا لفتنا النظر إلى أن من أراد أن يفتري فرية ويكذب كذبة وينمق ويحسن ويقول: نأتيكم بالبقلاوة، أو بالبطاطس من القمر أو من كوكب الزهرة أو عطارد لا يسمع لكلامه ولا يلتفت إليه، وإنه دجال كذاب، لأن الله قال: مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168]، فما كان خارج الأرض لا حق لنا فيه ولا يصل إلينا ولسنا من أهله. كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، وكلمة (طيب) نعت للفظ الحلال، معناه: غير مستقذر ولا مستخبث، فيوجد طعام مستقذر مضت عليه ليال فتعفن، وجدت فيه جراثيم، يوجد طعام خبث وتعفن، أو ألقي عليه بعض النجاسات، فلا تقولوا: هذا مما أحل الله، فالله قيد ذلك بقوله: حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168].

نهي الله تعالى الناس عن اتباع خطوات الشيطان

ثم وجه إليهم هذا النهي، بعد ما أذن لهم في الأكل وأباحه لهم لقوام حياتهم حذرهم من الخطر الأحمر، فقال: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، يا بني آدم! يا أيها الناس! لا تتبعوا خطوات الشيطان، فهل للشيطان من خطا؟ أي نعم، ما يستطيع أن يأخذ بثوبك أو يضع السلسلة في عنقك ويقودك إلى المزناة أو إلى المخمارة أو إلى مجالس الباطل أو إلى سلوك الانحراف، هذا ما يقدر عليه وما هو شأنه، وإنما يمشي أمامك ويزين لك ويحسن لك ذلك القبيح، فإن مشيت وراءه فوالله! ما انتهى بك إلا إلى معصية ربك. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، إذاً: اعلموا -والعلم ينفع- أن كل ما حرم الله عز وجل من الاعتقادات والأقوال والأفعال على اختلافها وتنوعها؛ ما حرمها إلا لضررها وفسادها وما تنتجه لعباد الله من الضرر والأذى في الحياتين: في الدنيا والأخرى، وأن تلك المحرمات الشيطان مهيأ لدعوة الناس إليها وحملهم على إتيانها بالوسائل التي يملكها، ولا يملك سوى التزيين والتحسين، يجري الشيطان من ابن آدم مجرى الدم من العروق، ويتصل بقلبك محطة الإرسال والتلقي، وقد يفسد قلبك عليك، ويصبح يأمر وينهى وأنت تستجيب، واقرءوا توجيه الله عز وجل لنا لطلب المناعة والحصانة والحفظ من هذا العدو، اقرءوا قوله في آخر سورة من كتابه العزيز: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1-6].هذا هو القلب، وهو إذا ما استعذت بالله ولا لجأت إليه ولا احتميت بحماه؛ فإنه يرفع رأسه ويسيطر على قلبك ويملي ما شاء أن يملي، فإذا استيقظت وعذت بالله واستعذت انخنس، لأننا قررنا غير ما مرة أن قلوبنا كالمحطات للتلقي والإرسال، فمن عصمها وحفظها من الشياطين كانت تلك المحطة صالحة لتتلقى عن الله، وإن دمرها إبليس وخربها ما بقي لصاحبها شيء، واستدللنا بقول ربنا من سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ [الأعراف:200-201] طيف مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]. فبهذا إن عملت حراسة كاملة لمحطتك فلن يصل إليها العدو ولن يفتنك ولا يفتن غيرك بك، وإن أنت أهملتها واحتلها وأصبح الذي يعطي ويأخذ فقد انتهى أمرك يا عبد الله: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].اسمع: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا [الأعراف:201] اتقوا من؟ الله. كيف اتقوه؟ ما عصوه، ما أهملوا ما أوجب ولا غشوا وارتكبوا ما نهى عنه وحرم، هؤلاء جهازهم صالح للتلقي والإرسال، بدليل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، والرادارات الموجودة للحراسة في العالم إذا حومت طائرة العدو يتلقونها من أقصى البلاد لقوة هذه الأجهزة الرادارية، والمؤمن له هذا الجهاز، ذو الروح الزكية والنفس الطاهرة التي ما تلوثت بأدران الذنوب وأوساخ الآثام، هذه الروح في صفائها كالرادار الصالح للعمل، فبمجرد أن يحوم العدو يضربه. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] ولا يقصرون في الذنوب والآثام. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168] جمع خطوة، وهي كل طريق إلى معصية الله ورسوله، تلك هي خطوات الشيطان، وهناك من سورة النور يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:21] هذا خطاب لأولياء الله، لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21]، وعندنا ملايين البشر والله! ليأمرون بالفواحش ويحسنون ويزينون ويظهرون في مظاهر الدعوة الصريحة إليها، فالذين يمشون وراء الشيطان يوماً بعد يوم لا يأتي زمن إلا وهم دعاة الباطل والمنكر.

الإخبار عن عداوة إبليس الظاهرة لبني آدم

ثم قال تعالى معللاً للنهي عن اتباع خطواته: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] بين العداوة ظاهرها، ومن هنا فإني أحلف بالله أنه ما ارتكبت جريمة على وجه الأرض من بني آدم إلا والشيطان هو الذي دعا إليها وحمل عليها، وقد عرفنا ببيان ربنا لنا أنه ناقم ساخط علينا لأننا السبب في شقائه وخسرانه، أليس هو الذي أخرج آدم من الجنة مع حواء؟ إذاً: وهو كيف أبلس وطرد من رحمة الله وأيس من الخير؟ بسبب ماذا؟ بسبب آدم، لما خلق الله تعالى آدم ومضى عليه أربعون سنة بأيامنا هذه، كما قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، فكان إبليس يمر بهذه الصورة من ذاك الطين ويقول: إن لهذه شأناً، يتوقع أن يكون لها خطر عليه، فلما نفخ الله تعالى فيه الروح وأصبح آدم حياً يسمع ويبصر؛ أمر تعالى ملائكته أن يسجدوا لآدم تحية، السجود لله والتحية لآدم، كصلاتنا خلف مقام إبراهيم، الصلاة لله ولكن المقام تشريف له لما قدم من خدمة جلى لله في بناء بيته، فأمرنا الله أن نوقع هذه العبادة دونه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فالصلاة لله.فسجود الملائكة لمن؟ لله؛ إذ هو الذي أمر به، والفضل والشرف لمن يحصل؟ لآدم، وأسجد له ملائكته، هذا العدو أبى أن يسجد تكبراً، وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف:12]، وعلل فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، والنار أسمى وأشرف من الطين الهابط. وقالت العلماء: لقد أخطأ إبليس في نظريته هذه كما يخطئ أصحاب النظريات، أخطأ بدليل أن النار تحرق، أليس كذلك؟ والطين ينبت الزهور والفواكه وأنواع الخضر، فأيهما أفضل: النار أم التراب؟ التراب، والطين أفضل، فقاس قياساً أخطأ فيه، وما أصاب. إذاً: فلما أفلس ويئس من رحمة الله واجه الحق بما أخبر تعالى، فقال: فَبِعِزَّتِكَ [ص:82] يا رب لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83].فهاهو ذا تعالى يقول: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] عداوته ظاهرة، كيف تستجيبون لندائه؟ كيف تمشون وراءه؟ كيف تأخذون في الخطوات التي يخطوها بكم إلى سخط الله تعالى ونقمته وعذابه؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، فمن سمع نداء الله وأجابه نجا، ومن أعرض عنه هلك كما سيأتي بيان ذلك.

دعوة الشيطان إلى السوء والفحشاء والقول على الله بغير علم

ثم قال تعالى: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذه عظائم ثلاث، أولاً: يأمركم بالسوء، وهو ما يسوء إلى النفس البشرية، ما يسوء إلى الإنسان في عقله، في دمه، في بدنه، في ماله، في أخلاقه، لا يأمر إلا بما يسوء ويضر ويفسد، كما يأمر أيضاً بالفحشاء، وقد علمنا أن الفحشاء هو الذي قبح واشتد قبحه، فكل ما قبح وعظم قبحه واشتد فهو فحشاء، ولكن إذا أطلقت الفحشاء في القرآن فافهم أنها الزنا واللواط، وأطلقت مرة واحدة على البخل من سورة البقرة: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أي: بالبخل لتبخلوا، وما عدا هذا فلفظ الفحشاء هو الزنا واللواط: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54] في آيات قوم لوط.والثانية: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، هذه مدمرة أكثر من الأولى والثانية، والناس عنها غافلون. وَأَنْ تَقُولُوا [البقرة:169] ويأمركم أن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فتصفون الله بغير ما وصف به نفسه، وتقولون على الله بغير علم، وتحللون وتحرمون وتشرعون وتبيحون وتمنعون وتنسبون ذلك إلى الله، والله ما حرم ولا شرع ولا أمر ولا قال.فما وجه هذه الحقيقة؟ وجهها أنه لو أن كل إنسان التزم بألا يقول على الله إلا ما علم منه بواسطة كتبه أو رسله لما كان للجهل وجود بين الناس، نحن في ديارنا الإيمانية لو التزم أهل البلد أو أهل القرية بألا يقول الرجل ولا المرأة إلا ما علم، وما عدا ذلك لا ينطق ولا يتكلم ولا يفتي ولا يأذن؛ لوجدتمونا نطلب العلم نساءً ورجالاً وكباراً وصغاراً، فالذي حرمنا من طلب العلم أننا نقول بالجواز والمنع بدون إذن من الله، فلو خفنا من الله وعرفنا أن القول عليه من أكبر الذنوب وأعظم الخطايا لما تجرأ أحدنا أن يقول على الله بدون علم، وحينئذ أصبحنا مضطرين إلى طلب العلم، وقد جاء في سورة الأعراف بيان عظائم الذنوب في سلسلة، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33] لا فرق بين الزنا العلني أو السري، وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، الأولى أخف والثانية أعظم ثم الثالثة، وآخرها: القول على الله؛ لأن القول على الله يبطل شرائع الله، ما دام كل واحد يقول بما شاء وينسب ذلك إلى الله فما بقي تشريع ولا بقي علم ولا علماء، أكبر الذنوب أن يقول العبد أو الأمة على الله ما لا يعلم، فيقول: هذا حلال أو حرام، هذا يجوز، هذا ممنوع بدون علم. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] فهذا مما يأمر الشيطان به ويحسنه ويزينه لأصحابه، فتهلك الأمة وتضل. فهذه الآيات درسناها فيما سبق.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 04-10-2020, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تابع تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ...)

والآن مع قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170] من هؤلاء؟ إنهم المشركون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ هم الذين حرموا السائبة والوصيلة والحامي، وقالوا: هذه نذرناها للآلهة لا يحل أكلها، وفيهم نزل هذا الخطاب: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168] إذ هو الذي حرم عليكم ما أحل الله لكم، فاخترعوا مذهباً أو طريقة أو تقنيناً وشريعة وقالوا: السائبة من الإبل والحامي من الجمال والوصيلة من النوق هذه لا تحل لنا؛ لأنها للآلهة، من حسّن لهم هذا؟ من زينه؟ من علمهم هذا؟ الشيطان، اتبعوا خطواته فوقعوا في هذا. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، بدليل أنه قال تعالى لهم: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:151]، لا الذي حرمتموه أنتم أو مشايخكم أو رؤساؤكم أو أهل الديانة الباطلة عندكم، وإنما أنا أقرأ عليكم ما حرم عليكم ربكم، وذكر لهم عشر محرمات. وهنا قال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170]، يا عباد الله! أنتم عبيده أم لا؟ فاتبعوا ما أنزل في كتابه وعلى لسان رسوله من الواجبات والمستحبات ومن بيان المحرمات والممنوعات، فكان جوابهم: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]، هذا هو الجمود والتقليد الأعمى، الرسول صلى الله عليه وسلم ورجاله ودعاته وأصحابه يقولون لهم: اتبعوا ما أنزل الله في العبادات، في الآداب، في الأخلاق، في الشرائع، في التقنين، في الحقوق، في كل شيء اتبعوا ما أنزل الله، فكانت حجتهم الباطلة: لا، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.

مرض تقليد الآباء والمشايخ في العالم الإسلامي

هذا المرض انتشر في أمتنا أيضاً بعد دخولها في الإسلام ورحمة الله، وأصبح الكثيرون يرفضون كل دعوة تأتيهم من طالب علم أو شيخ من مشايخ العلم، ويقولون: يكفي ما وجدنا عليه أهل بلادنا، فكم من بدع، فكم من ضلالات، فكم من صور واضحة للشرك بالله عز وجل، ويتمسكون بهذه الكلمة: حسبنا ما وجدنا عليه مشايخنا أو آباءنا وأجدادنا! فهذا القول أنكره الله وقبحه، فكيف يبين لك الحق وتقول: لا، نحن أهل هذا الإقليم أو البلاد ما عندنا هذا، نعيش على ما عاش عليه أجدادنا؟ ولكن هذا هو الواقع، لم؟ لأن الشيطان هو الداعي لذلك والحامل عليه والواقف على نشره ودفع الناس إليه. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا [البقرة:170] لا، بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170] وألفينا بمعنى: وجدنا. ألفيت فلان عند فلان: وجدته. والآن حين نقول لحكام العالم الإسلامي: اتبعوا ما أنزل الله في أحكامكم فطبقوا ما شرع الله لكم، يعتذرون: وجدنا الوضع هكذا، ما نستطيع تغييره، فهل هذه حجة؟ والله! ما هي بحجة، وإنهم لمؤاخذون. قد تقول: يا شيخ! لا تحلف، وأقول: قد أخذهم الله، فعن الفقر والذل والبلاء والمصائب والمحن لا تسأل، فهذه ثمرة ماذا؟ نتيجة الإعراض عن شرع الله عز وجل، والله! لو طبقوا شرع الله في بلادهم لسادهم أمن ما عرفته الدنيا، ولسادهم طهر ما عرفته الحياة، ولسادهم شبع ما عرفته أوروبا ولا غيرها، لكن حجتهم: ما نستطيع، ما عرفنا هذا، ما وجدنا كذا. ومن دفعهم إلى هذا؟ الشيطان: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:168-170] قال تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، أيقولون هذا ويحتجون به ويقفون عنده ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون؟نعم نحتج بما بين لنا آباؤنا ودعونا إليه وعشنا عليه إذا كان على نور من الله، إذا كان من كتاب الله، من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا كان آباؤنا وأجدادنا عقلاء علماء بصراء.أما أن نحتج بآباء جهال وأجداد لا يعرفون الشرق من الغرب فكيف يمكن؟ هذه معرة كبيرة أن يقفوا هذا الموقف ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون إلى خير وإلى معروف أو إلى كمال. فهنا التقليد الأعمى محرم بيننا أيها المسلمون، التقليد: هو أن تقبل قول الغير بدون دليل ولا حجة ولا برهان، وإنما قال فلان، فلا بد أن نتبع العلماء العارفين بالله البصراء الذين أهلهم الله لمعرفة شرعه ودينه وبينوه للناس ودعوا إليه، أما أن نقلد من لا يعلم فهذا التقليد باطل وحرام، ويكفي هذا الإنكار الإلهي: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، ما وكلنا الله إلى الآباء ولا إلى الأجداد، بل وكلنا إلى كتابه، فإن قال العالم قولته ننظر: هل مصداقها في كتاب الله أو في سنة رسول الله؟ فإن وجدنا ذلك فأهلاً وسهلاً ومرحباً، فإن وجدناها فرية أو ضلالة أو جهالة ما وجدنا لها دليلاً من كتاب ولا سنة رفضناها وتبرأنا منها ولم نقبلها، لأننا أهل نور وبصيرة.

معنى قوله تعالى: (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)

أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، فتقليد الجهلة حرام، تقليد الضلال حرام، تقليد العلماء بدون معرفة الدليل كذلك لا يجوز، لا بد من معرفة دليل هذا الحكم الذي قاله العالم، ومعنى هذا: يجب أن نكون كلنا علماء؛ لأن مصدر العلم قال الله وقال رسوله، ما يحتاج إلى بناية كليات ولا مدارس، في بيوت الله، في القرى، في الأرياف، في الجبال أهل القرية يجتمعون من المغرب إلى العشاء بنسائهم وراء الستارة وأطفالهم دونهن والفحول أمامهم، وليلة آية وليلة حديث مع الله ورسوله طول العمر، والله! ما يبقى جاهل ولا جاهلة وإن كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، كما كان أصحاب رسول الله أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب أبداً، فقط حفظوا ما قال الله، فهموا معناه، عملوا به، ما هي إلا سنيات معدودة والقرية كلها نور، وإذا عمها النور نور العلم فهل يبقى فيها ظلمة الجهل: الزنا واللواط والربا والخيانة والكبر والعجب والسخرية؟ والله! ما كان ولن يكون. والبرهنة أننا دائماً نقول: أيما أهل قرية انظر إلى أعلمهم بالله وأتقاهم لله، وطبق من الآن، أيما أهل حي من الأحياء أعلمهم بالله أقلهم خيانة وكذباً وسرقة وفجوراً وباطلاً، ومن يرد هذا الكلام؟ فلهذا إذا علموا وعرفوا ارتقوا وسموا، وصلوا إلى الكمال الذي أعده الله لأمة الإسلام.

تفسير قوله تعالى: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ...)

والآن مع هذه الآية: مثل عجيب يروح على النفس: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] مع داعيهم إلى الله موجههم إلى الكمال والإسعاد في الحياتين، كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ [البقرة:171] نعق الغراب ينعق ونعب ونغق ونعق: إذا رفع صوته. كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ [البقرة:171] أي: ينعق ببهائم، بحيوانات لا تسمع، إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً [البقرة:171] أنت مع الغنم، مع البقر تتحدث، فهل تفهم شيئاً؟ لا تسمع ، إلا إذا قلت (وا) بأعلى صوتك. إِلَّا دُعَاءً [البقرة:171] والدعاء هو الصوت القريب، كدعائنا لله؛ لأن الله ما هو ببعيد منا، فنقول: يا رب.. يا رب! بدعائنا، ولا نناديه المناداة للبعيد، نحن ننادي الله أو ندعوه؟ هل قال تعالى: (ادعوا ربكم) أو قال: نادوه؟ هل في القرآن: نادوه؟ ادعوه لأنه معكم. كيف يكون معنا يا شيخ؟ إذا كانت الأرضون السبع والسماوات السبع يضعهما في كفه فأين البعد؟ نحن بين يديه، هو فوق عرشه بائن من خلقه، والخليقة كلها بين يديه، لا يخفى عليه من أمرهم شيء، فلهذا تدعو ربك: يا رب.. يا يا رب، يا الله، يا عليم، يا حليم، ما هناك حاجة إلى أن ترفع صوتك.وقوله: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ [الأنبياء:89] ناداه نداء خفياً: يا رب.. يا رب! هب لي من لدنك ذرية، والشاهد عندنا في لغة القرآن: أن النداء غير الدعاء، الدعاء للقريب والنداء للبعيد. وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، إذاً: فيا أيها الداعي! تسلى، لا تحزن، لا تكرب، إن كنت تدعو كفاراً مشركين إلى الله فلا تفهم أنك بمجرد أن تقول: أيها الناس! أيها القوم! آمنوا وافعلوا فإنهم سيستجيبون، حالك معهم كحال من مع غنم أو بقر أو إبل أو حيوانات يدعوها ويناديها إذا كانت بعيدة، فلا تسمع إلا الدعاء إن كانت قريبة أو النداء، أما أن يفهموا عنك الحلال والحرام والطيب والخبيث والصالح والفاسد فما هم بأهل لذلك أبداً.وذكر ابن جرير معنىً لطيفاً لهذا أيضاً، قال: حال الكفار مع أصنامهم وآلهتهم التي ينادون ويعبدون ويتبركون ويذبحون ويعكفون حولها؛ كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء. وهو كذلك، لكن المعنى الأول هو أن مثل الداعي إلى الله مع الكفرة والمعرضين كالذي يدعو وينادي الصم البكم الذين لا يعقلون، فلا يحزن ولا يكرب وليواصل دعوته، لا يفهم أنه بمجرد أن يقول: أيها الناس! إن ربكم واحد فآمنوا به سيستجيبون، أنى لهم ذلك والشياطين قد أعمتهم وأصمتهم وحجبت عنهم كل نور وهداية؟ فتحتاج إلى مواصلة الدعوة وتلوين الأسلوب وتغيير النظام شيئاً فشيئاً عاماً بعد عام حتى تصل؛ لأن حالك وحالهم كما قال الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] بربهم وألوهيته، بلقائه، بكتبه، برسله، حجبوا حجباً كاملاً عن الله فلا يعرفونه ولا يعرفون أسماءه ولا صفاته، حالهم كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ [البقرة:171] ويرفع صوته بما لا يسمع إلا دعاء أو نداء فقط، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] فكان المؤمنون وعلى رأسهم نبيهم يتسلون بمثل هذه، ما يحزنون، ما يكربون، ما يشتد ألمهم عندما ترفض دعوتهم ولا يجابون لها، لأن القوم هكذا، هذا شأن الكافر، أعماهم الشيطان وأصمهم وذهب بسمعهم وأبصارهم، فكيف يستجيبون لك؟ استعن بالله عز وجل وواصل دعوتك في حدود قدرتك وما تستطيع، والأمر لله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

لنستمع إلى شرح هذه الآيات، حيث قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: مثل: المثل: الصفة والحال ]، فلان مثله مثل كذا، أي: صفته وحاله كحال كذا.[ ينعق: يصيح، والاسم النعيق، وهو الصياح ورفع الصوت.[ الدعاء: طلب القريب؛ كدعاء المؤمن لربه: يا رب يا رب. النداء: طلب البعيد، كأذان الصلاة ]، يقول: حي على الصلاة على خمسة كيلو حول المدينة، فهذا نداء أم دعاء؟ وفي الحديث: ( قم فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً ) . [ والصم: جمع أصم، وهو فاقد حاسة السمع فهو لا يسمع.البكم: جمع أبكم، فاقد حاسة النطق فهو لا ينطق.لا يعقلون، أي: لا يدركون معنى الكلام ولا يميزون بين الأشياء لتعطل آلة الإدراك عندهم، وهي العقل ]، العقل أخذه الشيطان وصرفه كما شاء.

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:لما نددت الآية قبل هذه بالتقليد والمقلدين ]، أما قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]؟ قال: [ لما نددت الآية قبل هذه بالتقليد والمقلدين الذين يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول لهم رؤساؤهم ويطبقون ما يأمرونهم به مسلمين به لا يعرفون لم فعلوا ولم تركوا؛ جاءت هذه الآية بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى أصبحوا كالشياه من الغنم يسوقها راعيها حيث شاء، فإذا نعق بها داعياً لها أجابته ولو كان دعاؤه إياها لذبحها ] وهو كذلك، [ وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي لا تدري لم دعيت، إذ هي لا تسمع ولا تفهم إلا مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد الطويل والاتباع بدون دليل ].عندي مثل: الذين خرجوا عن مذهب أهل السنة والجماعة من الفرق والضالة والله! لهذه حالهم، لو كانوا عقلاء وقد سمعوا أن العالم الإسلامي هم أهل السنة والجماعة، هم أصحاب رسول الله وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ فكيف سيعيشون متقوقعين هناك بمذاهب ومبادئ وكلام يمليه عليهم رؤساؤهم ومشايخهم ولا يسألون؟ هل جاءنا واحد وسألنا في ليلة من الليالي؟ أبداً. والله! لهذه حالهم، كيف يرون أن العالم الإسلامي هم أهل السنة والجماعة وأن الفرق الضالة منها الكافر ومنها الضال ولا يسألون؟ يقولون: وجدنا آباءنا هكذا، وتقليداً لمشايخهم، ولا يقولون: أين الدليل من قال الله وقال رسوله![ فقال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] في جمودهم وتقليد آبائهم في الشرك والضلال كمثل غنم ينعق بها راعيها، فهو إذا صاح فيها داعياً لها أو منادياً لها سمعت الصوت وأجابت ولكن لا تدري لماذا دعيت ولا لماذا نوديت؛ لفقدها العقل. وهذا المثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلال إلى الإيمان والهداية، فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلال الجامدين كمثل الذي ينعق ] بالغنم والإبل.

هداية الآية

هذا وفي الآية هدايات في ثلاثة مواضع: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية: من هداية الآية الكريمة:أولاً: تسلية الدعاة إلى الله تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلال ]، يتسلون بهذه الآية.[ ثانياً: حرمة التقليد لأهل الأهواء والبدع ]، صاحب بدعة وطالب هوى لا نقلده ولا نمشي وراءه ولا نتبعه أبداً.[ ثالثاً: وجوب طلب العلم والمعرفة حتى لا يفعل المؤمن ولا يترك إلا على علم بما فعل أو بما ترك ]، هذا واجبنا وهذا طريقنا.[ رابعاً: لا يتابع إلا أهل العلم والبصيرة في الدين؛ لأن اتباع الجهال يعتبر تقليداً ] والعياذ بالله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 04-10-2020, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (110)
الحلقة (117)




تفسير سورة البقرة (76)

بعد أن ذكر الله حال الكفرة المقلدين لآبائهم في الشرك، وما أقدموا عليه من تحريم ما أحل سبحانه وتعالى من الأنعام، نادى هنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين آمراً لهم بأن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، وأن يشكروه على ما أنعم به عليهم من حلال اللحوم، ولا يحرموها كما حرمها مقلدة المشركين؛ لأنه ليس لهم إلا أن يحرموا ما حرمه الله عز وجل من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيره تعالى.

تحقق الكمال والطهر في تعلم الكتاب والحكمة في المساجد

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله، آملين، راجين، طامعين في ذلك الموعود الذي جاء على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .ولم يرغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية بالذات؟ لعلمه أن هذه الأمة لن تكمل ولن تسعد، لن تسمو ولن ترتفع إلا إذا اجتمعت في بيوت ربها على كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن طالبنا بالدليل وقال: ما البرهنة على ما تقول؟ نقول: أيام كانت هذه الأمة تتعلم الكتاب والحكمة في بيوت ربها من أهل الكتاب والحكمة بلغت من الكمال شيئاً -والله- ما بلغته أمة على وجه الأرض، كمال الطهر والصفاء، كمال العزة والكرامة والسمو والعلو والآداب والأخلاق، في خلال خمس وعشرين سنة فقط حملت راية الكتاب والسنة إلى ما وراء نهر الصين شرقاً وإلى ديار الأندلس غرباً، ولا تملك صواريخ ولا هيدروجين ولا ذرة، وإنما إيمان صادق ويقين ثابت ومعرفة، علم بالكتاب والسنة. ومن أراد أن يرد علينا فليتفضل، فليجمع أهل قرية من قرى العالم الإسلامي سواء كانوا عرباً أو عجماً، يجمعهم بنية أن يتعلموا الكتاب والحكمة ليزكوا ويسموا ويطهروا، ويجمعهم بنسائهم وأطفالهم وذلك كل ليلة وطول العام من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويجلس لهم رباني يعلم الكتاب والحكمة كجلوسنا هذا، ليلة آية والتي بعدها حديث، الليلة آية والتي بعدها حديث طول العام. ولينظروا: فإن بقي جهل فليطالبونا بغرامة، وإن انتفى الجهل فوالله! ما يبقى زناً ولا قمار ولا رباً ولا سرقة ولا تلصص ولا حسد ولا بغضاء ولا كبر ولا ظلم، ويصبح أهل تلك القرية كأنهم أسرة واحدة متحابين في الله، متآخين في دين الله، متعاطفين متراحمين برحمة الله، وتعالوا بالعالم ليشاهد من بعيد أنوار تلك القرية. وقد جربتم الشيوعية والاشتراكية والمبادئ الغربية، فأين وصلت هممكم وأخلاقكم وآدابكم وعزتكم وسيادتكم أيام كنتم تقولون: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها؟ أرونا عزنا وكمالنا وسعادتنا وطهرنا وصفاءنا، هل هناك من يرد على هذا غير المجانين؟ أما العقلاء فحاشاهم. إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، واقرءوا دائماً: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، ومن ثَمَّ فالطعام يشبع، ترقت الشعوب ووصلت إلى القمر فهل استغنوا عن الطعام، فما أصبح الطعام يشبعهم لا خبز ولا تمر ولا لبن؟ والنار تحرق، فهل تعطلت هذه السنة وأصبحت النار ما تحرق؟ والحديد يقطع، فهل أصبح الحديد الآن ما يقطع؟إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير شاءها كذلك، ومن ذلك سنته في أن من عرف الله فأنتجت له المعرفة حب الله فأحبه، أنتجت له خوف الله فخافه؛ فإنه بذلك يستطيع أن يستقيم على منهج الحق والعدل والخير والطهر والصفاء، سنن لا تتبدل أبداً. ونطالب ببرهنة: فنقول: هيا نذهب إلى أية قرية من قرى العالم الإسلامي في صدق، فنجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم شراً وفساداً، وأن أجهلهم بالله ومحابه ومساخطه أكثرهم فسقاً وفجوراً وخيانة وكذباً، فمن يرد؟ لم إذاً؟ ما الذي يمنع أمة الإسلام أن تعود إلى بيوت ربها؟ تحمل نساءها وأطفالها ساعتين من المغرب إلى العشاء فقط يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم، ما المانع؟ ما وجدنا لذلك مانعاً أبداً، رأينا اليهود، النصارى، البوذيين، المشركين، الشيوعيين، الكل إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يقف دولاب العمل، لا مصنع ولا متجر ولا مطعم ولا مقهى، وتذهب تلك الجماعات من النساء والأطفال والرجال إلى الملاهي، إلى المقاهي، إلى الملاعب، إلى المساخط، ولا لوم فإنهم أموات: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]. فما المانع لنا؟ هيا نجرب في قرية فقط، فإن قيل: ما نستطيع، قلنا: لم ما نستطيع؟ ما الذي يقف في وجهنا؟ هل التجارة تتعطل، هل الصناعة تقف؟ إن أرباب التجارة والصناعة الذين نجري وراءهم ونقلدهم يوقفون أعمالهم مع غروب الشمس، لم ما قالوا: تعطلت تجارتنا وصناعتنا؟

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ...)

وها نحن مع هذه الآيتين من كتاب الله من سورة البقرة، فهيا نتلوهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].هذه لو يكررها أهل المسجد ثلث ساعة ويحفظها الأطفال والنساء والرجال ويفهمون معناها ويطبقونه فستتغير الحياة رأساً على عقب، يصبحون خلقاً غير هذا الخلق الهابط، عرف العدو هذا، المجوس واليهود والنصارى عرفوا هذا منذ ألف سنة، عرفوا أن الروح التي بها الحياة هي القرآن العظيم، أن النور الذي به الهداية إلى السعادة والكمال هو القرآن، فصرفوا المسلمين بالسحر والتدجيل والحيل، صرفوهم عن القرآن، وأصبح القرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا تسمع من يقرأ القرآن إلا إذا كان في البيت ميت، وهل أفقنا؟ ما أفقنا. أينزل الله كتابه يحمل العلم والمعرفة والهداية ونعرض عنه ونقرؤه على الموتى؟ لم لا نجتمع عليه في بيوت ربنا ندرسه ونتعلمه؟ لعلنا ما نحن في حاجة إلى هذا، حسبنا كليات العلم ومدارس التربية، أهذا يكفي؟ إليكم صورة ربانية: ماذا تعرفون عن رسول الله؟ أليس هو الذي أنزل عليه القرآن؟ أليس الذي أمر ببيان القرآن وتفسيره؟ يقول يوماً لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد ) يكنيه تدليلاً له، ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن. فيعجب عبد الله ويقول: سبحان الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. وأخذ عبد الله يقرأ بإلهام، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] حتى بلغ قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] وإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وهو يقول: حسبك ) . أين أمة الإسلام؟ أين مظاهر الكمال فيها؟ الآن الركض المتواصل بين طلبة العلم وبين الأمة بكاملها -إلا من رحم الله- على الأكل والشرب والنكاح، إذاً: أصبحنا كالآخرين، ما نستطيع أن نتفرغ ساعة بأبنائنا ونسائنا لنسمع كلام الله ونحثهم ونحضهم على فهمه وتطبيقه والعمل به، لأنه سلم كمالنا ورقينا في الدنيا والآخرة.

علة نداء المؤمنين بلفظ الإيمان ومقاصده

اسمع هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172] لبيك اللهم لبيك، أما نادانا؟ هل نقول: لا، ما نحن بمؤمنين؟ أعوذ بالله! عبد الله بن مسعود يقول لنا: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، أعطها أذنك. لم يا عبد الله ؟ لأنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه. وهل أنت ترضى بفقدان الخير أو بحلول الشر؟ إذاً: كيف لا تسمع؟ناداهم بعنوان الإيمان، لم يا أبنائي؟ لأن المؤمن حي كامل الحياة يسمع، يبصر، ينطق، يعي ويفهم، يأخذ ويترك، قادر على أن يفعل لأنه حي، لو كان كافراً ميتاً فلن يناديه ولن يكلفه، فهو ميت، أتضع بين يديك ميتاً وتأخذ تأمره: قم صل، قم اغتسل من جنابتك، أد حقوقك؟! فلكمال الحياة يناديهم الله عز وجل إما ليأمرهم بما فيه خيرهم، أو لينهاهم عما فيه شرهم، أو لينذرهم عما فيه مخاوف لهم وعواقب سوء، أو يبشرهم بما يزيد في فرحهم وسرورهم، أو ليعلمهم، أما أن يناديهم لا لشيء فتعالى الله عن اللهو واللعب، تعالى الله علواً كبيراً.

أمر المؤمنين بالأكل من طيبات الرزق

فماذا قال لهم الآن؟ ماذا قال لنا؟ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] أولاً، وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] ثانياً إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، والطيبات جمع طيب، ما الطيب يا أبنائي؟ الحلال، وهو ما انحلت عقدة الحظر منه وأصبح مأذوناً فيه من مالكه مباحاً، هذا هو الحلال. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هل من رازق غير الله؟ المرأة تقول: أنا الذي طهوت الطعام وأنا الذي فعلته، نقول لها: وأنتِ من خلقكِ؟ يداك من شغلهما؟ عقلكِ من قاده؟ من علمكِ؟ ما هو إلا الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 04-10-2020, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)

وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] من لم يشكر نعم الله ما عبد الله، وقد عرفنا أن علة الحياة بكاملها وسر هذا الوجود الذكر والشكر، أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر فأوجد هذه العوالم وأوجد البشر ليذكروه ويشكروه، فمن أعرض عن ذكر الله تمزق وتلاشى، ومن كفر نعم الله تمزق وخسر نهائياً.أما الذكر فمعروف، الصلاة التي نصليها نفتتحها بذكر الله: الله أكبر، ونختمها بـ(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وما بين الافتتاح والسلام كله ذكر: الله أكبر، سبحان الله، قراءة القرآن، كله ذكر.إذاً: وأعظم من هذا أننا نحن -المؤمنين بحق- الذين ننادى لا يمكن أن تمضي الساعة والساعتان على أحدنا ولا يذكر الله أبداً، إلا إذا نام فقط، القلوب والألسنة متفقة متواطئة، يذكر القلب فيتبعه اللسان، ويذكر اللسان فيتبعه القلب؛ لأن ذكر الله غذاءنا الروحي، لأن ذكر الله حصننا الحصين، لا تستطيع الشياطين أن تدخل على قلب صاحبه يذكر الله، ولا تحتله أبداً، والذين يتركون ذكر الله تحتل الشياطين قلوبهم وتعبث بها كما شاءت. وقد تقول: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟ فأقول: الذي يجري إلى معصية من دفعه؟ من حسنها؟ من زينها إن لم يكن الشيطان؟ وقد عرفتم أن الخناس ذاك الذي يوسوس، فإذا لاح في الأفق (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) انخنس وانكسر وسكت، ما يقوى، وعرفنا أن أهل التقوى التي هي طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر فيما أمر الله به ونهى عنه، هذه الطاعة هي التي تزكي النفس البشرية وتطيبها وتطهرها، بمعنى أن ما نقوم به من عبادات يزكي أنفسنا يغسلها ينظفها يطهرها، وما نتجنب من المعاصي والذنوب وغير ذلك من الذي يخبثها ويدسيها، فإذا اتقينا الله وخفنا منه فعملنا بما أمر وتركنا ما نهى عنه وزجر احتفظنا بطهارة أرواحنا، احتفظنا بزكاة نفوسنا، فإذا جاء العدو يريد أن يغزوك تلوح على الفور أنوار التقوى فيشاهدها فيهرب، كالرادار الممتاز الآن في مطاردة العدو، ولنقرأ لذلك دائماً: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] إخوان من؟ إخوان الشياطين، فهل يصبح الآدمي أخاً للشياطين؟ أي نعم، إذا تزيا بزيهم ونطق بمنطقهم ولبس لباسهم وعمل عملهم فهو واحد منهم، أما قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [هود:119].

حقيقة الشكر

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] وحده، فما هو الشكر؟ نريد أن نشكر، فما هو الشكر؟ الشكر مادته مأخوذة من الظهور، شكرت الدابة: إذا ظهر سمنها بالعلف الذي قدمته لها، شكرت فهي شكور، فالشكر -إذاً- إظهار النعمة، وذلك يتم بثلاثة أمور: أولاً: الاعتراف للمنعم بقلبك ولسانك، ما هذا الثوب الذي ترتديه؟ من الله، ما هذه السيارة التي تركبها؟ من الله، ما هذه المرأة التي في بيتك؟ من الله، كل شيء من الله لا من زيد أو عمرو، فالاعتراف بالنعمة لله، فما بنا من نعمة إلا وهي من الله. ثانياً: الاعتراف باللسان بأن تحمد الله عز وجل على نعمه، أكلت فقل: الحمد لله، شربت فقل: الحمد لله، ركبت الدابة والسيارة فقل: الحمد لله، نزلت فقل: الحمد لله، نمت فقل: الحمد لله، استيقظت فقل: الحمد لله، وتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستيقظ من النوم فيقول: ( الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور )، ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي ). وما رفعت مائدته بين يديه بعد الفراغ من الأكل إلا قال: ( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ).فالشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم أولاً. ثانياً: النطق بها وحمده والثناء بها عليه. ثالثاً: صرفها فيما يحب، فمن صرفها فيما يكره فوالله! ما شكر، وكيف تصرف النعمة فيما يحب الله؟

كيفية شكر نعمة العلم

هيا نبدأ بالنعم القائمة عندنا، نعمة العلم نعمة، إذاً: شكرها كيف يتم؟ هل في المقاهي والملاهي؟ هل في قضاء العطلة في لندن؟ بم يتم شكر الله على نعمة العلم؟ أولاً: بالعمل به. ثانياً: بتعليمه غيرك، فإن لم تعمل به فأنت كافر النعمة -والله- وجاحدها، أين هي النعمة؟ فإن عملت ولم تعمل فأنت أيضاً غير معترف بفضلها ولا بكمالها ولا بأجرها ولا بحسناتها، لم لا تعلمها؟ وهكذا أصبح العالم في القرية في المدينة في أي مكان يعلم ويعمل ويعلم.

كيفية شكر نعمة الصحة البدنية

ننتقل إلى شكر القوة البدنية، فهذه نعمة أم لا؟ لو مرضت يوماً فقط عرفت قيمتها، هذه النعمة من أعظم النعم، صحة البدن والقدرة على القول والعمل، هذه النعمة كيف نشكر الله تعالى عليها؟ أولاً: الاعتراف بأن هذه الصحة من الله عز وجل. ثانياً: نحمده في كل مناسبة: الحمد لله.. الحمد لله. ثالثاً: ألا نعمل بها معصية من المعاصي. ونبدأ من ذلك باللسان، لا تغتب مؤمناً، لا تسب مؤمناً، لا تؤذ مؤمناً، لا تنطق ببذاء، لا تنطق بسوء أبداً، حتى تشكر نعمة الله على المنطق والنطق. ونعمة العين انظر بها إلى كتاب الله، انظر بها إلى الآيات الكونية، انظر بها الطريق إلى بيتك، انظر بها إلى كتابك الذي تقرؤه، انظر بها إلى أولادك لتحبهم وتفرح بهم، أما أن تنظر بعينيك إلى ما حرم الله عليك فوالله! لأنت كافر بهذه النعمة، وما شكرت الله. وهل هناك أشياء غير مسموح لنا النظر إليها؟ أي نعم، كل محارم المؤمنين لا يحل النظر إليها، لا يحل لك أن تقلب عينيك في امرأة ليست من محارمك، وسواء كانت في الشارع أو في الطيارة، غض بصرك وطأطئ رأسك ولا تلتفت إليها، وما لك إلا النظرة الضرورية الأولى، وإلا فما شكرت نعمة البصر. والسمع نعمة أم لا؟ سلوا أهل الصمم: كيف حالكم؟ في كرب، ما يسمعون، فهذه النعمة كيف تشكر، هذه تشكر بسماع الحق، تشكر بسماع ذكر الله، تشكر بسماع كلام يفيد وينفع، أما أنك تصغي إلى عاهرة تغني أو إلى ماجن ساقط هابط يغني فوالله! ما شكرت هذه النعمة، لقد كفرتها وسيؤدي بك هذا الكفر إلى ويلات، قد تموت على سوء الخاتمة. وإن قلتم: ما هذا التشديد يا شيخ؟ قلت: أما عرفتم لماذا؟ إن أمريكا والصين واليابان وأوروبا والعالم آيسون من الصعود إلى الملكوت الأعلى والنزول في الفراديس العلا، آيسون بالمرة، ونحن نرجو ونأمل، إذاً: فإذا صمنا الدهر كله فذلك لا يضر، وإلا فكيف ترقى، كيف تخترق مسافة سبعة آلاف وخمسمائة سنة ساعة خروج روحك، كيف تنزل في الملكوت الأعلى؟ لو طلب منك أن لا تأكل فلا تأكل، أو أن لا تشرب فلا تشرب، أو أن تقف في مكان لا تتحرك فإنك تقف، لم؟ لأن الغاية عظيمة. ومع هذا فما حرمه الله علينا من السماع وكلام البذاءة ما منعه إلا لأنه يلوث أرواحنا ويخبث نفوسنا ويحول بيننا وبين حب الله ورضاه. إذاً: عرفتم الصحة البدنية، إذا مررت بأخيك يحمل حملاً ثقيلاً فاحمل معه ساعده، وإذا كنت ما تستطيع فادع له بالعون من الله عز وجل.

كيفية شكر نعمة المال

وننتقل إلى نعمة الدينار والدرهم، فهذه نعمة معروفة أم لا؟ هي السلم لعيشنا وحياتنا، والله يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، حياتنا تقوم على الدينار والدرهم، به نشتري اللباس والطعام والسكن والمركوب ونعالج المريض، هذا تدبير الله عز وجل، لو صرف قلوب البشرية في يوم ما عن الدينار والذهب والفضة فإنها تكسد وتصبح أوساخاً فقط، وعندنا علم اليقين أن يوماً -والله- قريباً سيخرج فيه أحدنا بصدقة الذهب فما يجد من يقبلها، والوقت قريب جداً. إذاً: هذا المال الذين يشترون به ما يسمونه بالصحن الهوائي كان يساوي مبالغ مالية طائلة ما يملكها أمثالنا، يبلغ خمسين أو ستين ألفاً، فعرف العدو الماكر إبليس وجنده أن هذا ما يفسد على هذه الأمة عقولها ولا قلوبها، ونحن نريد دمارها وخرابها، فأنزلوا ثمنه حتى أصبح بألفي ريال أو بثلاثة، وأصدر فتيا ربانية إلهية سماوية أعلم أهل الأرض -فيما نعرف- وأتقاهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بحرمة هذا، ووزعت الفتيا وكتب في الجرائد، وإخوانكم الهابطون يتحدون الله ورسوله والمؤمنين، وبعضهم فقراء ولا تشعر إلا والدش على السطح، البيت الواحد فيه أربعة أو خمسة بحسب السكان في المدينة، فهل المؤمنون عرفوا الله حقيقة؟ أنا في حيرة، المؤمن يقول كلمة فيرتبك ويضطرب، ويبحث ويقول: كيف وقعت هذه المحنة؟ بكيف بهذا الذي يتحدى، وتحدوا أيضاً حكومة القرآن، وأصدرت بياناتها وأبطلتها، وهم إلى الآن يتحدون. نعرف مؤمنين في القرى إذا قال الشيخ: هذا حرام يبتعد عنه نهائياً وهو أمي، يقول: أنا سألت فقال الشيخ: ما يجوز هذا، فما يدخله بيته! ونحن ندعي العلم والمعرفة والصناعة ونتحدى الله ورسوله والمؤمنين، فهل يجوز؟ واسمعوا وبلغوا: لو دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيتك وفيه عاهرة تغني أو ماجن راقص يرقص، فماذا تقول؟ وفي مدينته وتحت رايته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هذه -والله العظيم- وحدها لو وعاها ذو وعي أو معرفة لمزق هذا، وإن أكره بالتعذيب والضرب فإنه يهاجر ولا يتحدى رسول الله ويغضبه. والله! لقد كتبت كتاباً بالعبارات التي سمعتم، وأعطيناه لصاحب دش مقابل المسجد النبوي، ولا أدري من هو هذا، فوالله! ما التفت ولا تغير، وقلت لكم: والله! لو كان يهودياً لخجل واحترم هذا الكتاب والكلام وتركه، فهل عرفتم وضعنا أم لا؟ إننا منحدرون، ما علة هذا يا شيخ؟ الجهل بالله، مؤمن مقلد، اسأله عن الله، ما عرفه، فكيف يحبه أو يخافه. لكن المحنة أن يعرف أن هناك علماً وعلماء يجب أن يسألهم ولا يسأل، والله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وجاهد نفسك، إذا قال عالم: هذا باطل فلا تجعله حقاً أبداً. وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] نعمه الظاهرة والباطنة بالاعتراف بها وحمد الله بالألسن عليها وبإنفاقها في محابه وإبعادها عن مساخطه، إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ألستم تدعون تقولون: إننا مؤمنون؟ تقولون: لا إله إلا الله أم لا؟ تقولون: لا نعبد إلا الله؟ إذاً: إن كنتم كذلك فاشكروا الله، ومن قال: لا فقد كذب.

تفسير قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ...)

ثم قال تعالى وهو يعلم ويربي عباده المؤمنين به، يقول لهم: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، هذا الذي حرم أو حرم رسوله باسم الله، ككل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فما هذه المحرمات الممنوعة المحظورة التي لم يسمح لنا ربها ومالكها بأن نأكلها؟ أربعة: أولاً: الميتة، فالحيوان المأكول اللحم كالأنعام من الإبل والبقر والغنم والأرانب والغزلان إذا مات بدون عملية التذكية فهو ميتة، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يأكلها، لم؟ فيها جراثيم فيها أمراض فيها كذا، حاشاه سبحانه أن يحرم شيئاً لا خطر فيه ولا ضرر، والله! ما كان، وإن كابر الأطباء الدنيا. الثاني: الدم، ما هو الدم؟ هو القاني الأحمر، هذا الدم الذي يتجمع إذا ذبحت الشاة أو البعير أو البقرة ووضع له إناء يجمع فيه، أما الدم مع العظام مع اللحوم فما فيه شيء، الدم المسفوح المصبوب صباً، فهذا الدم المسفوح حرام، أما المختلط باللحم والعظم فلا شيء فيه. الثالث: لحم الخنزير، حرمه لم؟ لأنه يورث الدياثة، والديوث لا يدخل الجنة، بهذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله، والذي يأكل لحم الخنزير ويتربى عليه يصبح ديوثاً، يقدم امرأته أو أخته للآخر وهو يبتسم، أما رأيتموهم في أوروبا يكونون جالسين في المرقص فيقول لزوجه: قومي ارقصي مع فلان، أو يأتي فلان فيأخذها يقول: تعالي نرقص، ويرقص مع امرأة فلان وهو جالس؛ لأنهم أكلوا الخنزير ففقدوا الفحولة والمروءة. وعندنا كلمة نبلغها للنساء حفظناها عن عائشة أمنا قالت: الديوثة من النساء التي يسمع صوتها الضيف في حجرتها. فبلغوها، الديوثة من النساء من هي؟ التي يسمع صوتها ضيف زوجها في حجرته وهي ترفع في صوتها. والله تعالى أسأل أن يحيي قلوبنا وأن يردنا إلى الصراط المستقيم حتى نعرف الله ونحبه ونخشاه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #210  
قديم 04-10-2020, 05:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (111)
الحلقة (118)




تفسير سورة البقرة (77)


إن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا الطيب، ولا يرتضي لعباده المؤمنين إلا الطيب من المآكل والمشارب، لذلك فإنه سبحانه قد أحل لهم الطيبات من هذه المآكل والمشارب وحرم عليهم الخبيث منها، فلم يأذن لهم بأكل الميتة ولا الدم المسفوح ولا الخنزير؛ لأن هذه كلها تحمل نجاسة عينية، كما حرم عليهم أكل ما أهل به لغيره سبحانه لأنها تحمل نجاسة معنوية، أما من اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات فإن له ذلك على قدر الحاجة والإبقاء على حياته ولا يزيد على ذلك.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله راجين أن ينالنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين. وقد انتهى بنا التفسير إلى هذه الآيات المباركات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].شرعنا في دراسة هذه الآيات في الدرس السابق، وإليكم خلاصتها: ‏

نداء المؤمنين لشرفهم

أولاً: من المنادي بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172]؟ إنه الله جل جلاله وعظم سلطانه، ومن المنادَى؟ نحن المؤمنين والمؤمنات، فلنذكر هذا ولا ننسه، وهو شرف وأي شرف أن ينادينا رب السماوات والأرض وما بينهما، رب العالمين. وقد علمتم -وزادكم الله علماً- أن سر هذا الشرف هو الإيمان، لو ما كنا مؤمنين لما كنا أهلاً لينادينا عز وجل، ولكن إيماننا هو السبب، وعلة ذلك أيضاً أن المؤمنين أحياء يسمعون نداء ربهم ويجيبونه، إن أمرهم فعلوا وإن نهاهم تركوا وإن علمهم علموا، وإن بشرهم استبشروا، وإن حذرهم حذروا؛ لكمال حياتهم.

أمر المؤمنين بالأكل من طيب الزرق وشكر الله الرزاق

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هذه منة أخرى امتن بها علينا؛ إذ أذن لنا بأن نأكل من طيبات ما رزقنا، والمشركون الوثنيون الجهال الفاسقون أكلوا ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وما وضعوه لآلهتهم الباطلة وأوثانهم الملعونة، وحرم عليهم مشايخهم ما أحل الله، فحرموا السوائب وما إلى ذلك مما كان المشركون يحرمونه على أنفسهم. أما نحن -المؤمنين- فقد آمنا بالله وبلقائه وبكتابه الذي أنزله على رسوله وهو هذا الكتاب، فنحن أذن لنا بأن نأكل من الطيبات، جمع طيب، وهو ما كان حلالاً غير مستقذر، الطيب: ما كان حلالاً، أي: أذن الله لنا في أكله أو شربه، وكان غير مستقذر، ما فيه قذر ولا وسخ، لا بد من الجمع بين الحلية وبين الطيب، وإن كان فيه أوساخ وقذر فما نأكله إلا في حالة الضرورة كما سيأتي. قال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] من الرازق؟ الله. وإياك أن يخطر ببالك أن هناك رازقاً سوى الله، فجميع المأكولات والمشروبات من خلقها؟ من أوجدها؟ من سخرنا لطلبها والحصول عليها؟ من أذن لنا في تناولها؟ إذاً: كل ذلك من رزق الله، فكلوا مأذوناً لكم من طيبات ما رزقناكم، وبعد هذا فاشكروا إذاً، أم أنك تأكل الغلة وتسب الملة كما تقول العجائز من العرب والمسلمين، أيجوز هذا؟ تأكل وتشرب ولا تقول: الحمد لله، أيصح هذا؟ أي جحود وأي كنود وأي إساءة أدب أعظم من هذ؟ تجلس على مائدة أخيك فتأكل وتشرب بإذنه وبعد ذلك لا تقول شيئاً! فهذا لن يصح عقلاً أبداً. إذاً: فبما أنه أذن لنا في الطيبات التي رزقناها أمرنا بشكره.

أركان الشكر

وقد عرفتم الشكر زادكم الله معرفة، الشكر يتكون من ثلاثة: أولاً: شكر القلب، اعترف بقلبك بأن هذا الطعام أو الشراب أو الكساء أو المركوب أو المسكن هو من الله. ثانياً: ترجم عن ذلك الذي وقع في قلبك بكلمة: الحمد لله، عندما تنظر إلى النعمة وتعرف أنها من الله المنعم بها لا تجد بداً من أن تقول: الحمد لله .. الحمد لله، أما الغافل الذي لا يعترف بالمنعم فكيف يحمده؟ إلا إذا قلد المؤمنين وكان يقول إذا فرغ من الطعام: الحمد لله، فنحن لا نقلد، نحن أولاً ننظر إلى النعمة ومن أنعم بها علينا، فنجد أنفسنا مضطرين إلى حمده وشكره والثناء عليه، فلا نلبث أن نقول: الحمد لله. وهكذا من أكل من شرب من لبس من ركب، كل من حصلت له نعمة فليعترف بها في قلبه أولاً ثم يعلن عنها بلسانه بكلمة: الحمد لله. ثالثاً: أن يصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليه، وهنا وقفنا وقفات، والخلاصة: أن نعمة المال شكر الله تعالى عليها أن لا تنفق درهماً واحداً في معصية الله، أيعطيك أخوك السلاح لتقاتله؟ فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينفق درهماً واحداً وهبه الله وأعطاه إياه في معصية الله، لا في خمر ولا زناً ولا لباس ولا سفر، أنعم الله عليك بهذه النعمة فأنفقها حيث أذن لك في إنفاقها، أما أن تتحداه وتنفقها ضده وهو ساخط غير راض فإنك تحارب الله، ولولا حلمه لسلبها فور إعطائك، فأحلم به تعالى!فهل فهم السامعون والسامعات؟ هل يجوز لمؤمن أو مؤمنة أن يشتري ما حرم الله ليلبس أو يركب أو يأكل، والله! لا يجوز. ثانياً: نعمة البدن، عرفنا أن صحتك نعمة جلى، فلا تبدد طاقة من طاقاتك في معصية الله ولو أن تمشي خطوات إلى معصية، وسمعك بصرك نطقك لسانك يداك رجلاك كل هذا نعمة الله عليك، فإياك أن تنفقها في سخطه وعدم رضاه، ومعنى هذا: لا تمش إلى باطل ولا إلى منكر ولا تسافر إليه، ولا تنظر إلى محرم ولا تسمعه ولا تتكلم به ولا تتناوله بيدك ولا تمش إليه برجلك. قد يقال: قيدتنا يا شيخ! فأقول: أي نعم، نحن -كما تعرفون- وقف على الله، وأنتم تعرفون الوقف، كعمارة هي وقف على طلبة العلم، هل يجوز أن تنفق في غيرهم؟ وقف على المهاجرين، هل يعطى مالها لغيرهم؟ وقف على مسجد، هل يعطى لغير المسجد، ونحن وقف أم لا؟ وآية الوقف هي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذا الأمر للرسول وأتباعه وراءه أم لا؟فصحتنا وقف على الله، فالذي يبيت ساهراً أمام فيديو أو تلفاز ينقل الباطل ويعرض الشر والسوء هل يجوز أن ينظر إليه بعينين وهبه الله إياهما، هل يجوز أن يصغي ويسمع الباطل والمنكر وقد وهبه الله سمعه، هل يجوز أن يضيع الساعة والساعتين في غير خدمة الله وطاعته؟ والله! ما يجوز. إذاً: ماذا تريد منا يا شيخ؟ أريد أن نكون أولياء الله، وهل هناك مرتبة أسمى أو أعلى منها؟ نريد أن نكون أولياء الله، لا نأكل ولا نشرب ولا نسمع ولا ننظر ولا نأخذ ولا نعطي ولا ننام ولا نستيقظ ولا نأكل إلا من أجله ووفق مراده، ومن زلت قدمه منا فغلط استغفر وتاب وعاد إلى ربه، إلى متى؟ حتى تدق الساعة وننتقل إلى الملكوت الأعلى. إذاً: ونعمة العلم بم يكون شكرها؟ بعد الاعتراف بها وحمد الله عليها يكون بالعمل بهذا العلم الذي علمك الله، ثم بتعليمه سواك من عباد الله، اشكر هذه النعمة ولا تكفرها، أما عالم يعرف كل شيء ولم يعمل فأي علم هذا؟ هو أجهل الخلق، يعمل ولا يعلم غيره ويجحد هذا العلم ويكتمه، هذا كفر هذه النعمة وما بينها وما شكر الله عليها، وبهذا ينتشر العلم بين المؤمنين المؤمنات، فمن علم شيئاً علمه غيره.

استلزام عبادة الله تعالى شكر نعمه

إذاً: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] لا لغيره إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] . وقوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] هذا تذكير، إذا كنتم تعبدون الله إذاً فاشكروه على ما أولاكم ووهبكم وأعطاكم، ولأن النعم كلها تدور على الذكر والشكر، ما من عبادة -سواء كانت من أعمال القلوب أو أعمال الألسن أو الجوارح- إلا وهي مظهر من مظاهر ذكر الله وشكره. فبما أنكم تعبدونه إذاً فشكره عبادة، فكلوا من طيبات ما رزقكم واشكروا له هذه النعم بذكره وصرف النعمة في مرضاته.
تابع تفسير قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)

معنى قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله)

ثم قال تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وهو الذي ذبح باسم غير اسم الله، والإهلال: رفع الصوت، كما يقال في هلال رمضان: انظر فقد طلع الهلال. فالذي يذبح الشاة أو الطير أو العصفور ويقول: باسم فلان، هذا لا يؤكل ما دام بغير اسم الله ولو كان سميناً نظيفاً صالحاً والتذكية جيدة وراقية، ما دام أنه ذكر اسم غير اسم الله فلا يحل أكله، لم؟ تقدم أن قلنا: حين نشرب نقول: باسم الله أم لا؟ حين نأكل نقول: بسم الله أم لا؟ لولا إذنه لنا فهل سنفعل؟ وقلنا: لا يحل لرجل يشعل سيجارة ويقول: باسم الله، فهو كاذب، أو يتناول الخمر ويقول: باسم الله، أو يتناول المحرم من الطعام ويقول: باسم الله، هذا كذب على الله، فما دام أنه تعالى قد حرم ما أهل لغير الله فكيف يأكله والله ما أذن به، هذا سمي عليه آخر، فإن كنت عبد هذا الذي سميت له فنعم، ولكن ما أنت بعبده، أنت عبد الله وهذه نعمة الله. وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173] إذ كانوا لا يقولون: باسم الله، ولكن بالعزى أو مناة أو كذا، ولما بعدنا عن القرآن ودراسته وما فيه وأصبحنا نقرؤه على الموتى فقط عم الجهل العالم الإسلامي، أصبح المؤمنون والمؤمنات -والعياذ بالله تعالى- يذبحون لغير الله، فشاة لسيدي عبد القادر ، وعجل لسيدي البدوي ، هذا شائع في العالم الإسلامي، هو عند الذبح يقول: باسم الله، ولكن لمن هذه؟ هذه لسيدي فلان، حتى بلغ بنا الجهل والهبوط أن المرأة في القرية أيام كنا نستولد الدجاج من بيضه ونتركه لأمهاته، كانت المرأة تضع تحت الدجاجة عشر بيضات ثم تحلق على واحدة بالفحم معلمة وتقول: هذه بيضة سيدي عبد القادر، هذه بيضة سيدي مبروك أو سيدي البدوي، لم يا أماه؟ حتى يحفظ الله هذه البيضات وتفقس عن فراخ ولا تفسد ولا تصاب بالمرض. إلى هذا الحد! ويغرس الرجل غرساً فيجعل منطقة كلها زيتوناً ويجعل فيها شجرة لسيدي فلان، والله! إنهم ليغرسون النخيل ويقولن: هذه نخلة سيدي فلان، فهم يمشون وراء أهل الجاهلية خطوة بخطوة ولا غرابة ولا عجب، فمن علمهم؟ ما عرفوا، الشياطين تحسن وتزين وتعلم والناس معرضون وغافلون وجهلاء. فلهذا إذا قيل: هذه شاة سيدي البدوي فلا يحل لمؤمن أن يأكل منها قطعة لحم قط، هذا العجل لمن؟ لفلان، فلا يحل أبداً أن يأكل شيئاً منه، لقول الله تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وقوله من سورة المائدة: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، والنصب: جمع نصب، وهو ما ينصب، كما بلغنا أيام أصبح عندنا زعماء في البلاد العربية أنهم نصبوا لهم تذكارات، ومن السنة إلى السنة يذبحون عندها، فهذا لا يحل أكله أبداً بنص كتاب الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 269.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 263.47 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]