مغازلة التاريخ في النص الشعري - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4416 - عددالزوار : 852404 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3947 - عددالزوار : 387709 )           »          هل لليهود تراث عريق في القدس وفلسطين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 1051 )           »          أوليــاء اللــه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          المشكلات النفسية عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل المديرون بحاجة للحب؟هل تحب وظيفتك ومكان عملك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وأنت راكع وساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          لماذا تصاب المرأة بالقولون العصبي بــعد الــزواج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          لطائف تأخير إجابة الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-07-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي مغازلة التاريخ في النص الشعري

مغازلة التاريخ في النص الشعري


علاء عبدالمنعم إبراهيم غنيم







نزعت العقليةُ العربية منذ القِدم إلى إقامة علاقة تآزُر بين فنِّ الشعر من جانب، والأسطورة ومفرداتها المشدودة إلى بلاغة الإغراب وجماليَّات الإدهاش من جانب آخرَ، فما بين شياطين الشعراء وربَّات الشعر وجنِّيَّاته، ودهاليز وادي عبقر ومتاهاته - توزَّعت الرُّؤى المفسِّرة لعملية الإنتاج الشعري، وعلينا ألاَّ نحدِّد أُفق قراءتنا النقديَّة لهذا الاقتران، فننظر إليه بوصفه أحد التجليات الأنثربولوجيَّة للذات العربية، المُفعمة بالإيمان بالغيبيَّات والإحالة إلى المجهول، وإنما ينبغي أن نتلقَّف ما تَطرحه هذه العلاقة التلازُمية من مؤشرات بالغة الأهميَّة، حول رؤية الذات العربية القديمة لفن الشعر، هذه الرُّؤية المؤطَّرة بمظاهر الإعجاب بما تَطرحه النصوص الشِّعرية من قِيَم جمالية: تُجاوز المألوف، وتُفارق المعتاد بما يحوِّلها - على مستوى الاستقبال - إلى نصوص ممسوسة بالحسِّ الأُسطوري، وكأن السياق المُستقبِل من فَرْط إعجابه بالنص الشعري، سعَى إلى مكافأة أصحابه بوضْعهم في طبقة خاصَّة، يُفارقون عبرها طائفة البشريين الذين لا يَملِكون ما يحوزه ساحرو البيان من إمكانات خاصة، تجعلهم يبيتون للحرف بالوصيد، ولا يلقونه إلاَّ والنار مشتعلة، فينجزون خطابهم الشعري الرائق.



إنَّها القَداسة الممنوحة المغازلة للنَّزق الشعري، والمتآلفة مع طبيعته المتأبِّية على الكبْحِ والترويض، ولأنَّ الشُّعراء قد وجدوا في هذه التفسيرات ما يُلبِّي بعضًا من طموحهم الثائر، ويرضي نذرًا يسيرًا من غرورهم المستحق؛ فقد سَعوا إلى ترسيخ هذا التلازم الثنائي عبر آليات متباينة، ينحو بعضها إلى التلفُّح بالسِّمة المباشرة، كالزعم بمصادقة الشياطين، والوقوع في غرام جنِّيَّات الشعر، أو عبر طريقة أقل مباشرة - وإن كانت أكثر دَلالة - تتمثَّل فيما ينتجونه من نصوص تَستثير ذائقة الذات المستقبلة، وتُحفزها إلى الإيمان بحدود المفارقة بين اللغة الشعرية ونظيرتها التداوليَّة.



ويُعَدُّ الدكتور عبداللطيف عبدالحليم (أبو همَّام) واحدًا من أكثر شعراء العربية المعاصرين إخلاصًا لهذا الفن العَصِي على البوح، وأشدهم تمسُّكًا بمفهوم الشعر المجاوز لفكرة الثورة على الشكل دون المضمون، مؤمنًا أنَّ حرية الشعر لن تتحقَّق بتحطيم أُطره وهَدْم أعمدته، وإنما بقُدرته على اجتراح قِيَمٍ دَلالية وجمالية جديدة، ولأن ربَّة الشعر قد تتدلَّل على عُشَّاقها الحقيقيين، ولكنها لا تُغفلهم؛ فقد بادَلت شاعرنا الكبير حبًّا بحبٍّ، وإخلاصًا بإخلاصٍ، فاختارَتْه؛ ليَفترعَ دَلالاتها الخِصْبة، ويرتوي من ماء الشعر العذب، ولأن شاعرنا خبيرٌ بمفاتن النصوص ورائحة شهوتها النافذة، فإنه لَم يُفوِّت هذه الفرصة، فهمَّ بها وهمَّت به؛ ليُنتجا نصوصًا بالغة الجمال والألقة، تَحفظ للشعر الحقيقي نَسْله وامتدادَه الأسطوري، ليغدو أبو همَّام الصوت الشعري الرصين المحتفِظ للشعر الموزون المقفَّى بمكانته الشامخة، وسط رُكام من التيَّارات الشِّعريَّة الثائرة والمتمرِّدة، والمعادية - في كثير من الأحيان - للشعر في صورته التراثيَّة.



وعلى الرغم مِن اتساع تجربة أبي همَّام الشعرية وامتدادها إلى ما يَقرُب من الخمسين عامًا، وتغلغُلها في التراث وانتهالها منه، فإنها ما تزال تحتفظ بوَهَج طزاجة التجربة، والأغرب أنَّ إفادة أبي همَّام من التراث وما يشتمل عليه من نماذج إنسانية، وشخصيَّات ذات حضور مرجعي محُدد، تزيد من إفعام نصوصه بالحيويَّة التي تُجدِّد الدماء في عروقها، فلا نستشعر يبوستها على الإطلاق، وتحقنها بالقِيَم الجمالية المُستجيبة لطموح المتلقِّي المعرفي، والمخاطبة لتجربته في التعامل مع النصوص المعطَّرة برحيق الأسطورة الشعرية، فنُلفيه في كثيرٍ من الأحيان يَلتقط بجسارة حدَثًا مؤطرًا بغياهب الماضي، ومُدثرًا بعتمة الانزواء؛ ليعيد هيكلته، مستدعيًا مهارته في تخطيط النصوص وتعميرها، فيبث رُوح الفن فيه؛ ليُخرج لنا نصًّا يتألَّق في حُلَّته الشعرية الزاهية، إنها الخبرة المُعتقة للشيخ الحكيم صاحب "أغاني العاشق الأندلسي"، و"لزوميات وقصائد أخرى"، و"هدير الصمت"، و"زهرة النار"، و"مقام المنسرح"، و"الخوف من المطر"، و"صائد العنقاء"، العليم بدروب المتاهات الشعرية، والمتمكِّن من السَّيْر بين مُنعقداتها النصيَّة بمهارة وثقة، والنجاة من فِخَاخها برصانة، والانعتاق من أَسْر غواية اجترار السابق وتَكراره بيُسر وبساطة، مستعينًا في هذا كله بوعيه الحقيقي والصادق بقيمة النص الشعري؛ لهذا يَصير الرهان النقدي الدائم على إبداع أبي همَّام رهانًا يَملِك مقوماته ومُغرياته التي يَصعُب أن ينفلتَ من غوايتهما الناقدُ.



وتسعى هذه الدراسة إلى مقاربة آليَّة توظيف أبي همَّام للشخصيَّات التاريخية في نصوصه الشعرية واستدعائه لها، مُنطلِقة من التساؤل حول الفائدة التي يَجنيها النَّص الشعري من استدعاء هذه الشخصيَّات؛ أي: ما القيمة الحقيقية التي أضافها استدعاءُ هذه الشخصيات إلى النص؟ وهو تساؤل عن مدى إنتاجيَّة فِعل الاستدعاء، وقياس درجة هذه الإنتاجية، وستتخذ الدراسة قصيدَتَي "من آخر كلمات ابن حزم" و"من المُعتمد بن عبَّاد إلى ملوك الطوائف" مادة له، مُتذرعة في هذا بالخيار الانتقائي الذي يرى في القصيدتين بنيةً تمثيلية[1] لإبداع أبي همَّام المرتكز إلى استدعاء الشخصيَّات التاريخيَّة.



العنوان: سطوة الاستدعاء:

يختار أبو همَّام لقصيدَتيه عنوانين شديدَي الفحولة على المستوى الدلالي، وهما: "مِن آخر كلمات ابن حزم"، و"مِن المُعتمد بن عبَّاد إلى ملوك الطوائف".



وتُقدِّم هذه العتبات النصيَّة عونًا للمتلقي؛ ليُهيِّئ أُفق انتظاره لاستقبال نصوص تَستند كفاءتها إلى استدعاء الشخصية التاريخية بمصاحباتها المتعدِّدة، في الوقت ذاته الذي تؤشر فيه اختيارات المبدع لهذين العنوانين إلى تعمُّده إغراقَ نصِّه الشعري منذ بدايته بهذا الحسِّ التاريخي المُتَّكئ على الماضي، فإذا كان العنوانُ هو أوَّل العناصر النصيَّة التي يستقبلها المتلقِّي، فإنه يمثِّل - على مستوى الممارسة البنائيَّة للنصِّ - العنصرَ الختامي الذي تُثبته الذات الشاعرة نتيجة مقاربتها العميقة للنص، فالعناوين تُحيل "إلى ذات متلفظة مختلفة عن الشخصيات المشاركة"[2]، فبنية العنوان هي: "بنية شعرية مركزية، باذخة في تكثيفها وتدليلها على كون النصِّ الماثل خلفها"[3]؛ مما يَجعلها أيقونة للدَّلالة التي يَستخلصها الشاعر، أو بالأحرى التي يريد الشاعر أن يدفعَ المتلقي إلى تبنِّيها في أثناء مقاربته للنص، فالعنوان هو أحد أشكال الطوبيك Le topic، كما يُحددها إيكو بقوله: "إنَّ الطوبيك أداة سابقة على النص، أو تصوُّر أَوَّلي عند القارئ"[4]، فهو "نقطة إرساء أَوَّلِيَّة داخل مسار التأويل، فكلُّ قراءة تنطلق من تصوُّر أَوَّلِي بشكل حَدسي في غالب الأحيان للمعنى؛ من أجْل تحديد الإمكانيات الدَّلالية أو البعض منها، يكون دور الطوبيك في هذه الحالة هو محاولة محاصرة شظايا المعنى المتولدة من الانفجار الأَوَّلِي لقراءة النص، وضَبْط السيموزيس[5] وتقليصه؛ من أجْل توجيه الدلالة نحو منحنًى معيَّن يتقاطع مع قصديَّة المؤلف"[6]، فالشاعر يفترض أسئلة المتلقي، ويُجيب عنها عبر وسائل غير مباشرة؛ كالعنوان الرئيس، والعناوين الفرعية، والكلمات المفتاحية، وبهذه الفرضية يَستند القارئ إلى بعض الدَّلالات، ويَستبعد البعض الآخر؛ بُغية الوصول إلى الانسجام التأويلي الذي يُطلق عليه التناظُر[7] Isotopic.



وبالطبع فإنَّ أبرز العلامات دَلالة على تعمُّد المبدع تأطير نصِّه بحدود السابق، وأكثرها دلالة على مغازلة التاريخ، هي العلامة الاسميَّة المُحيلة إلى شخصيتين ناجزتي الحضور على المستوى الواقعي التاريخي، وهما شخصيتا ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، ت 456هـ، والمُعتمد بن عبَّاد: محمد بن عبَّاد بن إسماعيل أبو القاسم المُعتمد بن المعتضد، ت 488هـ.



وعلينا ألاَّ نتعامل مع هذه المغازلة بوصفها مغازلةً مجَّانية، فلا يوجد ما هو مجَّاني أو عشوائي في الممارسة الإبداعيَّة بصورة عامة، وفي إنتاج شاعر فحل مثل أبي همَّام بصورة خاصة، فالشاعر الخبير يُدرك أنَّ ذاكرة الجماعات الإنسانيَّة تَمتلك مخزونًا كبيرًا من العلامات الاسمية المُحيلة إلى شخصيات ذات حضور مرجعي، "وقد يلجأ المبدع أحيانًا إلى هذا المخزون؛ ليستثمره في إغناء النص وشَحْنه بدَفق إيحائي عميق"[8]، مُعتمِدًا في هذا على القوة التأثيرية لعلاقات الحضور التي تتبدَّى بصورة تلقائيَّة فور ظهور العلامة الاسميَّة للشخصيَّة التاريخيَّة، فنحن "نستغل أسماء الأعلام بمختلف أنواعها؛ لتعزيز المعنى وتقويته"[9]، وهنا تحضر هذه العلامة في ذِهن المتلقي بمصاحبة حمولتها الدَّلالية الموزَّعة بين حضورها التاريخي الفائت، وحضورها السردي الحالي.



فالشاعرُ يَعمد منذ عَتبة النص إلى تأسيس علاقة توافُق بين واقعه السردي والواقع التاريخي لهذه الشخصية المستحضرة، محاولاً بهذا التوفيقَ بين شكلين من أشكال الخطابات: الخطاب السردي، والخطاب التاريخي، وهي محاولة لا ينبغي التعامُل معها باستهانة؛ نظرًا للمغايرة النوعية بين الخطابين، فإذا كان الخطابُ التاريخي ثابتًا ومُحايدًا في صورته الافتراضية المثالية، فإنَّ الخطاب السردي ينحو نحو الفرديَّة عبر تدخُّلات الشاعر، "من خلال تعيين موقفه الشخصي تُجاه هذا التاريخ"[10].



إنَّ بِنْيَة العنوانين تَجعلنا في مواجهة طرفين: أحدهما مُرسِل، وآخر مُستقبِل؛ فالمُعتمد بن عبَّاد وابن حزم يَحضران في موقع مُرسل الرسالة (النص الشعري)، في حين يحضر كلٌّ من ملوك الطوائف وجماعة ابن حزم في موقع المستقبِلين، ولا يحتاج الأمر إلى كثير جُهدٍ لإدراك ما يؤطّر الطرف المرسل من سِمة إيجابيَّة تتعارَض بشكلٍ حادٍّ مع التسليب المتعالق بحضور الطرف المستقبل.


إنَّ هذا التعارض الحاد يقدِّم طرحًا أوَّليًّا لعَزْف الشاعر على محور التناقض الملائم لرغبته في إشعار مُتلقِّيه بفداحة التبايُن في المواقف والأفكار والممارسات بين هذين الطرفين ومعادلاتهما المعاصرة، وكأنه بهذا يَضعه في مواجهة خيارين: أحدهما بالغ الصفاء والنقاء والمثالية، والآخر آسِن، مُغرق في القُبح والتشوُّه، مُدركًا بالطبع أن المتلقي سيتبنَّى موقف الشخصية المستدعاة.




إن استحضار الشاعر لهاتين الشخصيتين منذ عنوان القصيدة، لا بد وأن يتعالَق بمجموعة من الأهداف التي تتغيَّا الذات المبدعة تحقيقَها، والتي يظلُّ تحقُّقها مُرتهنًا بممارسة هذا الاستدعاء، فعندما يوظِّف المبدع شخصيات تاريخية في عمله، "فإنها عندما تحضر كبنية نصيَّة، فمعنى ذلك أنَّ لها وظيفة معيَّنة، يجب كَشْفها وتحليلها، ما دامت تأتي في سياق نصيٍّ مُحدَّد، وتتفاعل مع بنية نصيَّة معيَّنة"[11].



إنَّ استدعاء شخصيَّتي ابن حزم والمُعتمد بن عبَّاد بهذا الشكل السافر، والإيهام بأن َّالتالي هو إنتاج لفظي للشخصيَّتين، وهو إيهام فني يُدركه المتلقي بالطبع، دون أن يؤثِّر هذا الإدراك في قوَّته التأثيريَّة - يُتيح للشاعر فرصة استغلال ما تتمتَّع به الشخصيَّة المُستدعاة من حضور خاص لدى المتلقي؛ لتمرير خطابه، فاستحضار الشخصيَّات التاريخيَّة ذات القِيَم المرجعيَّة التداولية على المستويات الدينيَّة والثقافية والتاريخيَّة، يُحقِّق مزيدًا من الدعم للنص؛ حيث تعمل هذه العلامات اللغوية الرمزية بوصفها جسورًا إحاليَّة تغوي المتلقي - الواثق في إمكانات هذه الأسماء - بالوثوق فيما تَرويه الشخصيَّات التي تُحيل إليها هذه العلامات، وكأن المبدعَ يرتكز في عمليَّته الاتصاليَّة على نقاط التلاقي والتشارُك بين وَعْيه الفردي الذي تقف خلفه ذات المبدع بفردانيَّتها، ووعي الجماعة الذي يُعَدُّ المتلقي بؤرتَه الرئيسة المُنتجة له، والمحافظة عليه، أو المُعدلة فيه، فبنية العنوان هنا تزوِّد المتلقي "بقرائن تُفْهَم بصفة ارتدادية، ومن شأن هذه القرائن تَغْذيَة نشاط القارئ"[12]، الذي يؤسِّس في ذِهنه علاقة منطقيَّة بين شهرة الشخصيَّة التي تبثُّ النصَّ والنص المبثوث، ومن ثَمَّ فالمتلقي يجد نفسه مدفوعًا إلى التعاطف مع نصٍّ يَنطلق من لدن ذوات بأحجام المُعتمد وابن حزم، إنها تقنية القناع الأليفة التي يَلجأ إليها السارد؛ حتى لا يفقد مُتلقِّيَه منذ بداية النص، فذات الشاعر تُدرك أن نصَّها مشحون بمظاهر الألَم، التي قد تُصيب المتلقي بصدمة اكتشاف عيوبه، ومِن ثَمَّ فالشاعر يتلافى الصدام بلجوئه إلى توظيف تقنية القناع، "فالقناع رمز يتَّخذه الشاعر؛ ليُضفي على صوته نبرةً موضوعيَّة شبه مُحايدة، تنأَى به عن التدفُّق المباشر للذات"[13].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-07-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مغازلة التاريخ في النص الشعري

فأبو همَّام هنا يَتستَّر خلف إحدى الشخصيات التي يتم رسمُ صورتها النصيَّة بوصفها شخصيةً تحمل القِيَم الفكرية ذاتها التي يَقتنع بها هذا الشاعر، "فالقائل في الزمن القديم ليس إذًا سوى قناع رقيق جدًّا وضَعه الكاتب، وقد عَمِل جُهده؛ ليَلفت نظر المروي له إلى العلاقة الحميمة بينهما"[14]، ويترك هذه الشخصية في مواجهة المتلقي؛ ليتَّقي بذلك التصادم المباشر مع المتلقِّين، فالسارد يتَّكئ على التاريخ، ويفيد من سياقاته التي تَمنح البطل غطاءً شرعيًّا، وكأن المبدع يُراوغ عبر هذه الممارسة التقنية الوضعَ القاهر الذي يراه فارضًا حضورَه من عصور سابقة، وصولاً إلى عصره - "ومن هنا تغدو الشروط التاريخية للنصِّ عناصر أساسية في بلوغ دلالة النص ذاته، وليستْ عواملَ خارجية مُسقطة عليه إسقاطًا"[15] - حيث تتكرَّر مُعطياته، وتنسخ ملابساته.



فأبو همَّام يُكسب نصَّيْه مذاقًا خاصًّا منذ بنية العنوان، بفَضْل اقتران عنوانيهما بمتلفظين ذوي بريقٍ صَنَعته عوامل الشهرة التاريخية، بما يَدعم من مقبوليَّة النص؛ حيث "إن ظهور هذا الحدث أو الوحدة التوزيعيَّة، إنما يشير إلى وعي الراوي بتخيُّليَّة السردي؛ حيث يُضفي على محكيه ملامحَ تذهب بالمروي عليه إلى الوثوق في القصة التي يتمُّ تقديمها، عن طريق إيهامه بانتساب الأحداث والمواقف، وتفاصيل المشهد المقدَّم، وكذلك الفضاء الزماني والمكاني - إلى المرجع الواقعي"[16].



إنَّ إفادة أبي همَّام من القِيَم الإنتاجية الباذخة لفِعل الاستدعاء - تُقَدِّم قرينة بالغة الأهميَّة على وعي مُبدعنا العميق بالتراث ومصاحباته، ووَعْيه الأكثر عُمقًا بطبيعة الذات المستقبِلة لنصوصه، وهي الذات العربية التي يشكِّل التوثيق أحدَ أهم مرتكزاتها، فهذه الأسماء المستدعاة تؤدِّي دورها في تأطير النص الشعري التخيُّلي بحدود الفكر التوثيقي المُتجذِّر في وعي الذات العربية الإسلاميَّة، فالنصوص تَنفتح عبر هذا الاستدعاء المكثَّف للشخصيَّات المرجعيَّة بسياقاتها الزمنيَّة، وملابساتها الخاصة على فضاء الواقع، الذي يُسهم في توثيق الفعل، ومن ثَمَّ إقناع المتلقي - المُغرم بالتوثيق - بوجهة النظر المُقدَّمة؛ باعتبار أنَّ معطيات التراث "تمثِّل لدى الأجيال المختلفة تواصُلاً نفسيًّا واجتماعيًّا، وثقافيًّا وحضاريًّا، وهو يحمل في طيَّاته عوامل اصطفاء تفرز القِيَم التي تكون مناط الاعتزاز لدى الأُمة"[17].



فاستدعاء الشخصيات التاريخية تؤشر إلى مغازلة الشاعر للرصيد الثقافي للمتلقي، "فمثل هذه الشخصيات مشحونة بمعنى مُسبق يذكِّر بحقيقة خارجة عن النص، أو بمعرفة غير متصلة مباشرة به، فالأسماء المكانية تنشِّط ثقافته الجغرافية، والأسماء التاريخية توقِظ مخزون معارفه عن الماضي على اختلاف مجالاته، والأسماء الثقافية تذكِّره بقصص قُصَّت عليه؛ ولذا فإنَّ الكاتب إذ يَستخدم اسمًا من هذه الأنواع يُحاول ما استطاع أن يحترمَ رصيد القارئ الثقافي"[18]، وكأنَّ أبا همَّام - عبر هذه الممارسة - يُعلن تعاطيه مع مفردات البِنْية الثقافيَّة الفائتة، التي تُلِح على ضرورة توافُر المرجعيَّة التاريخيَّة لِمَا يتمُّ إبداعه، وهو ما يستحضر بالتبعيَّة الكثير من الحكايات والنوادر التي تَزخر بها مُتُون كتب الأخبار العربية القديمة، والتي تدور حول شعراء كبار نَسبوا أشعارهم - في بداية مشوارهم الشعري - إلى أسماء أخرى شهيرة؛ حتى يختبروا القيمة الحقيقية لإبداعهم، أو ليسخروا من السياق المَعْني بالأسماء والألقاب أكثر من عنايته بالقيمة الجمالية، إنه التُّراث الذي لَم يرغب أبو همَّام في الانعتاق من سُلطته، فقام بمدِّ روافد الفكر التوثيقي داخل نصوصه، وكأنه بهذا يَضغط على عقليَّة المتلقِّي لتحقيق هدفه الإقناعي؛ لأنَّ "البنية الدَّلالية للعمل الإبداعي هي ثمرة التناسق الكلي للأجزاء والعناصر، فالتناسق يشكِّل رُوح العمل الإبداعي؛ لأنه يَنبع من الجماعة، والفاعل الحقيقي للإبداع لا يتوقَّف على مستوى الفرد المبدع، ولكن على مستوى الجماعة، ودلالة التناسق تتجسَّد من خلال الانسجام بين الفردي والاجتماعي"[19]؛ مما يجعل تفعيل هذا الانسجام شرطًا لتحقيق غاية النص التواصُليَّة وإنتاجيَّته الدَّلالية.



وهنا ينبغي علينا أن نواصِل إذعاننا لحسِّ التساؤل الداخلي، فنحاول الإجابة عن السؤال التالي: "لماذا وقَع اختيار الشاعر على هذين الاسمين دون غيرهما؟"، هل لأن شاعرنا أستاذ أكاديمي مرموق، مُتخصِّص في الدراسات الأندلسية، ومِن ثَمَّ فهو الأكثر أحقيَّة من غيره بالاستناد إلى تراث هذه المنطقة المُفعمة بالثراء؟




نتصوَّر أنَّ الحقيقة تَنفلت من هذا الربط المنطقي، وإن لَم تُجاوزه بشكلٍ كامل، فشخصيَّتا المُعتمد بن عبَّاد وابن حزم، تَطرحان قرينة تاريخية يُمكن أن تُسهم في تقديم تفسير يُبرِّر اختيار الشاعر لهما دون غيرهما، هذه القرينة تتمثَّل في السِّياق الحضاري الذي يَجمع هاتين الشخصيتين، إنه فضاء "الأندلس"، وما يُثيره هذا التعالق من شجنٍ عميق يَعمد الشاعر إلى استثارته؛ لدَعْم هدفه في إشعار مُتلقِّيه بفجاعة الحاضر الذي يُمكن أن يكون الماضي - وما انطوَى عليه من مظاهر الفقد والاستلاب - نسخةً مُكرَّرة منه، "ولعلَّ الحلم الأندلسي يكون من أصفى الرُّؤى التي بَقِيت في الثقافة العربية الوسيطة وأشدها إثارةً؛ لأنَّه مُفعم بمذاق الحياة، مشغول بتمثيلها على طريقته الخاصة"[20]، فالاستدعاء هنا ينهض بمهمَّة التحفيز العاطفي للمتلقِّي، الذي يستدعي فور وقوع عينه على هذه الأسماء أبيات ابن خفاجة الشهيرة التي ترسم صورة مثالية للأندلس، فيربط بينها وبين الفردوس المنتظر؛ يقول ابن خفاجة:



يَا أَهْلَ أَنْدَلُسٍ للهِ دَرُّكُمُ

مَاءٌ وَظِلٌّ وَأَنْهَارٌ وَأَشْجَارُ




مَا جَنَّةُ الخُلْدِ إِلاَّ فِي دِيَارِكُمُ

وَلَوْ تَخَيَّرْتُ هَذَا كُنْتُ أَخْتَارُ




لاَ تَختَشُوا بَعْدَ ذَا أَنْ تَدْخُلُوا سَقَرًا

فَلَيْسَ تُدْخَلُ بَعْدَ الجَنَّةِ النَّارُ








إنه الحلم البديع الذي استحالَ كابوسًا يؤرِّق الذات العربية حتى يومنا هذا، إنه الجُرح الذي لَم يندمل حتى اليوم، وإن حاوَلنا إقناع أنفسنا بحتميَّة التصالُح مع الواقع والخنوع لمُقتضياته، وهو ما يُراهن عليه شاعرنا؛ ليُثير انتباه مُتَلقِّيه منذ الكلمة الأولى في نصِّه الذي يَطرح منذ عتبته ثنائية الماضي والحاضر.



إن اختيار هاتين الشخصيتين الأندلسيَّتين، يُصبح أحدَ سُبُل جَذْب المتلقي إلى النص، ودَفْعه إلى التعاطي معه، بوصفه نصًّا يتناغم مع المفردات التشكيلية الجمالية، والقِيَميَّة الأيديولوجية، والعاطفية التأثيرية المشحونة بها ذاكرة المتلقي، مُؤسِّسًا بهذا منطقةَ البين بين الضروريَّة، "التي يجب أن يقفَ فيها النص الذي نحلم به، النص الذي لا ينتمي بكامله إلى السياقات الواقعيَّة والتاريخيَّة، والذاتية المختلفة التي أنْتَجَته أو شارَكتْ في إنتاجه، ولا يرفض هذه السياقات في الوقت نفسه، النص الذي لا ينتمي بكامله إلى القِيَم الجماليَّة الخالصة، ولا يُفَرِّط في تلك القِيَم في الوقت نفسه"[21].



وتبقى لكلِّ شخصيَّة روافدُها المرجعيَّة التي تُغري باستغلالها، وهي روافد يَنتظمها خيط المثالية إلى حدٍّ كبير، فابن حزم هو النموذج التشخيصي اليوتوبي للذات العربية الإسلاميَّة، هذه اليوتوبيَّة المستمدَّة من قدرته اللافتة على الجمع بين أمور نَحسبها في وقتنا الراهن من الصعوبة بمكان، فهو القصَّاص البارع، والفيلسوف القادر على سَبْر أغوار العُشَّاق والمحبِّين، والمُنظِّر الحصيف الذي صاغ رؤيته للحبِّ عبر خطاب يجمع بين جمال القصِّ وعُمق الرؤية، وبلاغة المنطق، وهو الفقيه إمام المذهب الظاهري المتبحِّر في علوم الدين.



إنها الثنائية التي يُدرك الشاعر صعوبة تحقُّقها في عصرنا الحالي، هذه الصعوبة التي تعكس تقهقُرَ القِيَم الحقيقيَّة للحضارة العربية، فشاعرنا باختياره لشخصية ابن حزم؛ ليُعيد بَعْثها من مَرْقدها الأثير، إنما ينتقد واقعه بشراسة إبداعيَّة، تضعنا في مواجهة أنفسنا أمام مرآة الماضي، التي تكشف لنا عجزَنا على أن نكون ورثة أوفياءَ لأسلافنا العِظام، الذين صاغوا بوعيهم العميق خطاب الحضارة العربية، ناجين بأنفسهم وبأُمَّتهم من شَرَك الرُّؤية الأُحادية المتعصِّبة التي ترفض التجاور الطبيعي بين الديني والدنيوي.



أمَّا المُعتمد بن عبَّاد، فهو نموذج للبطل العربي القادر على جَمْع ما تفرَّق، وإعادة توحيد الأُمَّة، ورَفْض الاستسلام للآخر الغازي، والاستعانة بإخوانه في مواجهة أعدائه، فضلاً عن أنَّ حياته زاخرة بالأحداث ذات الطابع الدرامي، الموزَّعة بين قَصص الحبِّ بأُفقها الساحر، ومظاهر الخيانة والمذلَّة والاغتراب بآفاقها القبيحة.



إنَّ القراءة الأسلوبيَّة لعنواني القصيدتين تَطرح الكثير من الأسباب التي تُبَرهن على بلاغة الممارسة الاستدعائية التي لَجَأ إليها الشاعر، ففي عنوان "مِن آخر كلمات ابن حزم" يَجترح الجزءُ الأول في بنية العنوان دَلالةً لا تقلُّ أهمية عمَّا يَطرحه اسم ابن حزم، فحرف "مِن" وما يُشير إليه من اجتزاء أو بعضيَّة، يُمكن التعامل معه بوصفه تيمةً تقليديَّة، يُمكن اللجوء إليها؛ لتحقيق غرض الشاعر صاحب الرؤية البصيرة في رفدِ نصِّه بمزيد من الأبيات في قادمات الأيام، دون خشية من الوقوع في فخِّ التناقض أمام المتلقي، عندما يعود ليستغل صوت الشخصية بعد أن يكون قد أثبَت في وقت سابق أن منصوصَه الشعري هو آخر ما تفوَّهت به الشخصية، كما أنَّ هذه الـ"من" تحمي الذات الشاعرة من الوقوع تحت مساءلة المتلقي العليم بأن آخِرَ كلمات ابن حزم - على سبيل المثال - لَم تكن شعرًا، فـ"مِن" تهدف إلى تحقيق التجاور بين النص الوارد على لسان الشخصية في إطارها المتخيَّل، والنص الوارد على لسان الشخصية في حضورها المرجعي!



ما المقصود إذًا بـ"آخر كلمات.." يقدم هذا الجزء في بنية العنوان إمكانيَّة لإعادة قراءته بوصفه أحدَ ملامح الطابع الثوري في القصيدة، هذا الطابع الذي يمكن فَهْمه من لفظ "آخر" - المضاف إلى كلمة "كلمات" - الذي قد يُشير إلى صَمْت ابن حزم بعد انتهائه من إنشاد قصيدته، والصمت هنا صمت موحٍ، بوصفه صمتًا يعكس موقف الصامت، وكأنَّ ابن حزم بصمته هذا يُضيف إلى نصِّه مزيدًا من البريق والتوهُّج، ويَمنح ذاته مزيدًا من العُلو والشموخ المتحقَّق عبر الخطاب الحكيم الذي يَطرحه في نصِّه، "فالحكمة تختزل في طيَّاتها برامجَ للفعل: مُحدِّدة لدائرة فعل الذات، وراسمة لتخوم وطبيعة هذا الفعل، كما أنها تحتوي على سلسلة من النعوت تُسهم استقبالاً في تمييز الذات عن باقي الشخصيات الأخرى، وتحديدها كبطل؛ أي: كمركز"[22]، إنها الرسالة الأخيرة، التحذير الأخير، الصرخة الأخيرة، التي يغدو الصمت بعدها بديلاً مقنعًا لذاتٍ بذَلَت الكثير في التحذير والتوضيح.



إذا كانت الرؤية التفسيرية السابقة تَستند إلى بلاغة الصمت، فإنَّ رؤية تفسيرية أخرى قد ترى في هذا الجزء من بنية العنوان دليلاً على شعريَّة الموت، فكلمة "آخر" توحي أنَّ النص ليس سوى الوصيَّة النهائية التي يخلِّفها ابن حزم للأجيال القادمة قبل أن يُغيبه الموت، إنها لحظة فارقة مُفعمة بالخصوصيَّة على مستوى الإرسال والاستقبال، ومن ثَمَّ فالمُستقبِل يُدرك فداحة الخسارة التي سيتعرَّض لها إذا ما تغافَل عن مضمون هذه الوصيَّة، فبقدر ما يحقِّق هذا الانتقاء الزماني - من قِبَل الشاعر - للحظة الوصيَّة من توتُّر درامي، وتسارُع إيقاعي، بقدر ما يَدعم مقبوليَّة المُوصَى به، وتعميق الشعور بإمكانية مضاعفة الخسارة - حال عدم الإنصات الكامل لهذا الملفوظ - ومِن ثَمَّ زيادة درجة الاهتمام بالمذكور التالي، فرُبَّما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للإفادة من خبرة صاحب الوصيَّة العتيقة ذات المذاق الخاص، وتتَّسع "بوصلة" التوجيه؛ لتنتقلَ من "مستقبلي ابن حزم"، إلى القارئ الخارجي الذي يستشعر جديَّة الوصيَّة بفِعل تعالقها بحدثِ الموت الوشيك، وهو حدَث يترسَّخ في الخلفيَّة الذهنيَّة الإنسانيَّة بالجديَّة والجلال والتأمُّل؛ مما يجعل من اختيار النصِّ لحظةَ الموت الموشك - إحدى الحِيَل الفنيَّة ذات الطابع الانتقائي التي يَلجأ إليها الشاعر، والتي يصل الفعل من خلالها إلى أقصى مراحل فاعليَّته الإنتاجيَّة، وهو ما يجعل "القارئ أكثر ثِقةً في صِدقها، فالقارئ إذا لَم يشعر بهذا الصدق، فإنه لن يُقبل عليها، ولن يَنفعل معها"[23]، فالمتلقي يجد ذاته يُبدِّد جزءًا كبيرًا من شكوكه في المادة المُستقبَلة عندما تأتي لحظة الموت؛ لترسِّخ لمصداقيَّة الوصيَّة.



وإذا انتقَلنا إلى العنوان الآخر، نجده يرتكز على فِعل الوصيَّة، ولكنها الوصيَّة المكتوبة الحاضرة بحضور الرسالة الموجهة إلى ملوك الطوائف "من المُعتمد بن عبَّاد إلى ملوك الطوائف"، ويُمكن للمتلقي الحصيف - هذا المتلقي "المفترض الذي يتلقَّى كلَّ الخطابات، ومن مختلف مُرسليها بحيث يغدو مضمَّنًا في كل الخطابات"[24]- أن يتوقَّع ما سينطوي عليه النص القادم من تحذيرات، وتذكيرات، واستصراخات، تنطلق من لَدُن الذات المُرسلة، وتُوَجَّه إلى المستقبلين الحاضرين في وعي المتلقي، بوصفهم نماذجَ للتفكُّك والاستهتار والهزيمة.



إن استنادَ بنية العنوان هنا على طرفين (مُرسِل ومُستقبِل) يُسهم في إسباغ البُعد الوعظي أو العِبَري على النص القادم، بما يَجعلنا بصدد خطاب يقوم "على وظيفة العبرة والمعرفة، والسرد العربي الكلاسيكي يُدَعِّم هذين البُعدين؛ سواء في جانب الثقافة الرسميَّة، أو الشعبيَّة، وإذا كان البُعد الأول مشتركًا (العبرة)، فالمضمون الديني أسْهَم بشكلٍ كبير في تركيز هذا البعد (اتِّخاذ العِبرة من أيِّ حكي يتعلَّق بما مضى)، (أحداث ووقائع الأُمم السابقة)، وتحصيل المعرفة من خلال التعرُّف على ما جرى في ملك الله، وهذه المعرفة هي التي تدعم، وتدعو إلى استخلاص العبرة"[25]، وعلينا هنا ألاَّ نغفل أن استحضار الوصية يعضد من موقف الذات الشاعرة واعتدادها بنفسها، عبر حضور صوتها عبر صوت شخصيَّة تقوم بدور مرسل الوصيَّة؛ حيث تؤشر الوصيةُ إلى العلاقة السُّلطوية التي تَجمع الشخصية المستدعاة المرسلة - ومن ورائها الشاعر - بالطرف الآخر المستقبل، وذلك بما تنطوي عليه من إدراك صاحب الوصية قيمةَ ما يتضمَّنه خطابه من قضايا جوهرية، تتماس مع اهتمامات مجموعة المستمعين، فالتمسُّك بفِعل الوصية يعكس على نحو صريح الإيمانَ العميق بجدوى ما سيتمُّ إرساله عبر الشفرة الشعرية.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-07-2021, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مغازلة التاريخ في النص الشعري

مغازلة التاريخ في النص الشعري


علاء عبدالمنعم إبراهيم غنيم



من المُعتمد بن عبَّاد: الاستدعاء المُراوِغ:


على الرغم من أنَّ فِعل الاستدعاء - استدعاء الشخصية التاريخيَّة - يعتمد بشكلٍ رئيس على مراوغة المتلقي، وإيهامه بأنَّ القائل في الزمن الحالي هو صوت قادم من الماضي، فإن أبا همَّام - حفيد الشمَّاخ ووارِث قوسه[26] - يُكسب شخصياته المستدعاة مزيدًا من الطابع المراوغ، عندما يجعل لاسم الشخصية أكثرَ من دلالة، دلالة قريبة تُحيل إلى الشخصيَّة بحضورها المرجعي وسيرتها المتواترة، فالقيمة الوظيفيَّة للشخصية المستدعاة هنا، تتحقَّق بقدرة اسم الشخصية على تحقيق العمليَّة الاستدعائية للشخصية المرجعية الحاملة لهذه العلامة اللغويَّة؛ أي: إنَّ إنتاجيَّته الدلالية تتشكَّل من خلال الربط بينه وما يَرمز إليه، أمَّا الدلالة البعيدة، فتتبدَّى عندما نقرأ الكلمة بعيدًا عن تصنيفها النحوي، بوصفها "اسم علمٍ"؛ أي: بقراءتنا لها قراءة مُعجميَّة، ففي هذه الحالة تتكشَّف لنا لعبة الشاعر بالغة الدَّهاء، فالكلمة تتلوَّن بمعنًى جديدٍ يزيد من وَهَجِ النص وألقته، نلمح هذه المقدرة الشعرية بوضوح في نص "من المُعتمد بن عبَّاد إلى ملوك الطوائف"؛ يقول شاعرنا:
جُرْحِيَ دَامٍ وَمَا بِنَا أَمَلُ
وَالرُّومُ مِنْ حَوْلِنَا هُمُ الأَمَلُ

نَرْعَى خَنَازِيرَهُمْ وَلَيْسَ لَنَا
مِنْ رَعْيِهَا نَاقَةٌ وَلاَ جَمَلُ

قُصُورُنَا تَاجُهَا صَقَالِبَةٌ
وَشَعْبُنَا فِي عُيُونِنَا هَمَلُ

وَكُلُّنَا قَادِرٌ وَمُعْتَمِدٌ
أُسُودُنَا لاَ يَهَابُهَا الْحَمَلُ

إِلَى اعْتِمَادٍ تَكُونُ قِبْلَتُنَا
يَمْثُلُ فِيهَا الْخَفِيفُ وَالرَّمَلُ[27]



إننا هنا بإزاء نصٍّ تُنبئ افتتاحيَّته بما ستنطوي عليه قادمات البيوتات من حسٍّ ثوري، يتمرَّد على المعيش الواقعي، عبر استدعاء الماضي المنغمس في المتخيل، وبالطبع فإنَّ هذا الاستدعاء لا يتم بُغية التبرُّك بالماضي السحيق، أو اجتراره عبر ممارسة سادية أو مازوغية؛ وإنما بُغية استدعاء الحاضر المنسي - بفِعل مألوفيَّة ألَمه وتَكرار مأسويَّته - عبر الاستعانة بالماضي الحاضر في وَعْي المتلقي، مُقترنًا بفداحة الانكسار، وألَم الفَقْد والاستلاب؛ إذ يمكن للمتلقي أن يقوم بعمليات استبدالية تضع الآني محلَّ الماضي؛ ليجد أنَّ دَلالة النص تَصير أكثر تماسُكًا وانسجامًا، فعندما نحذف كلمة "الروم" أو "الصقالبة"، ونضع مكانها الإنجليز أو الفرنسيين أو البرتغاليين في الماضي القريب، والأمريكيين في الماضي الأقرب، نصير في إطار نصٍّ تتجذَّر فيه الواقعيَّة الراصدة لانكسارات العالم العربي الحالي، واعتماده على الآخر الغربي، مع ملاحظة أن تاريخ كتابة النص يُثبت أنه كُتب قبل الغزو الأمريكي للعراق، ولكنها بصيرة الشاعر، "فإذا كانت سلطة الخطاب الشعري مُتجذِّرة في تاريخنا القومي، منذ كان الشاعر اللسان والعين الباصرة لأُمَّته، وارتبطَ مَجده بقُدرته على بَلْورة الرؤية الجماعية في صِيَغ شهيرة وسعيدة، فإنها قد اختزَلت أنواع الخطاب السياسي والفكري والثقافي، وراهَنَت على وراثتها جميعًا"[28].

وعندما نستبدل عرب المشرق والمغرب بالأندلسيين، تغدو الأمثولة وقد استقطَرت فاعليَّتها، واستنفَدَت عصارتها الخاصة التي يقدِّم الشاعر عَبْرها تحذيرَه الزاعق لأُمَّته، ومن ثَمَّ يُصبح هذا الاستدعاء أحدَ أنجز الأدوات لخَلْخَلة الواقع وتفكيكه، وإعادة قراءته، وأكثرها فاعليَّة، مما يوفِّره من دَلالات تُغازل الأُفق التأويلي للمتلقي، وتَنزع إلى استثارة حسِّه التحليلي لاكتشافها؛ وذلك لأن "معنى النص - باعتبار النص بكامله علامة - لا وجود له في غيبة المتلقي"[29]، الذي يستكشف الدَّلالات النَّصِّية لفِعل القول.

إن كلمات "قادر" و"مُعتمد" و"اعتماد"، تُحيل بالضرورة إلى شخصيات ذات مرجعيَّة تاريخية محدَّدة ومعروفة للمتلقي، ولأنه لا يُمكن لنصٍّ إبداعي حقيقي - مثل نصوص الدكتور عبداللطيف عبدالحليم - أن يتأسَّس على العشوائية، فإن اختيار الذات الشاعرة لهذه الشخصيات، ليس سوى نتيجة لجملة معايير حادة، اشتغَلَت بوصفها مرشحات انتقائيَّة تُحقِّق أهداف الشاعر، وأهمها مُلاءَمة تاريخ الشخصية للموقف الشعري، فضلاً عمَّا يتميَّز به هذا التاريخ من حسٍّ درامي، والحق أنَّ اختيار شاعرنا "للمُعتمد بن عبَّاد" يَملك مقومات رصانته من هاتين الناحيتين؛ حيث تكشف لنا مقاربة سيرة المُعتمد أنه قد تعاوَن في بعض الأوقات مع "ألفونسو" ملك الإسبان؛ ليحمي مملكتيه: "إشبيلية، وقرطبة"، قبل أن يثورَ على الوضع الجائر، ويسعى إلى تخليص الأندلس من سطوة الإسبان، فلم يجد غضاضة في الاستعانة بمرابطي المغرب، فما بين الاستكانة والثورة يتوزَّع تاريخ الشخصية، ومِن ثَمَّ عندما تتحدَّث الشخصية داخل النص - بصيغة الجمع التي تَشملها - عن تَخاذُلها وضَعْفها، فهي تُكسِب حديثها مشروعيَّة تداوُليَّة تَنبثق من تاريخها الخاص، فالشاعر المؤمن بأهميَّة بناء جِسر من الثقة بينه وبين مُتلقيه عَبْر تعميق الحِس التوثيقي داخل النص، فالمتلقي يُلفي ذاته في مواجهة نصٍّ تُعلن افتتاحيته عن حضور ناجع لمفهوم الرواية الموثَّقة، وذلك عبر "صيغة الجمع" التي تَجعل من المُعتمد أنموذجًا لغيره من ملوك الطوائف الذين مارَسوا السلوك المستهجن عينَه، بمهادنتهم الإسبانَ، وارتمائهم في أحضانهم، وهو ما يؤدِّي إلى النفي الشكلي لتخيُّليَّة النصِّ واستبدال الحِس الواقعي به، وكأن المُعتمد يتَّخذ نفسه مثالاً يَفضح ممارسات السلطة الخانعة، إنه أحد أشكال جَلْد الذات المؤلِم في تلقِّيه، والضروري في استفزاز المتلقي وحَفْزه على الثورة على تاريخ أصحابه.

وإذا ما انتقَلنا إلى المحور الدرامي، فسنجد أنَّ حياة المُعتمد مشحونة بالأحداث الدرامية، فإذا كان "الحدث الدرامي ليس فقط كائنًا عضويًّا تترابط أجزاؤه بالضرورة والحتميَّة، ولا ينفرد جزءٌ بوظيفة عن الأجزاء الأخرى، إنه حدث له بداية ووسط ونهاية"[30]، فإن بداية حياة المُعتمد ونشأته المرفَّهة، ثم صراعه مع بقيَّة الممالك، ومن بعدها مع الإسبان، ونهايته المأسوية وحيدًا منفيًّا، مُعتقلاً ومقيَّدًا بالأغلال في "أغمات"، بعدما انقَلَب عليه المرابطون الذين استدعاهم لنُصرته، وهو ما عَبَّر عنه شعرًا بقوله:
غَرِيبٌ بِأَرْضِ المَغْرِبَيْنِ أَسِيرُ
سَيَبْكِي عَلَيْهِ مِنْبَرٌ وَسَرِيرُ

وَتَنْدُبُهُ الْبِيضُ الصَّوَارِمُ وَالْقَنَا
وَيَنْهَلُّ دَمْعٌ بَيْنَهُنَّ غَزِيرُ

سَيَبْكِيهِ فِي زَاهِيهِ وَالزَّاهِرُ النَّدَى
وَطُلاَّبُهُ وَالعَرْفُ ثَمَّ نَكِيرُ

إِذَا قِيلَ فِي أَغْمَاتَ: قَدْ مَاتَ جُودُهُ
فَمَا يُرتَجَى لِلْجُودِ بَعْدُ نُشُورُ



وبالطبع فإن المُعتمد يُرسل هذه الرسالة الشعرية من موقع تخيُّلي، يستعيد فيه ماضيه - وماضي أُمَّته - ليُعيد قراءته في ضوء المستجدات الآنيَّة، وطَبَعي أن نتوقَّع حدوث نوع من المفارقة في وعي المتلقي، هذه المفارقة الناتجة عن التبايُن بين صورة الشخصيَّة التاريخية التي يَستدعيها بمصاحبة مفرداتها كلها، والشخصية عينها عندما ينضاف إلى مفرداتها هذا الامتداد لتاريخ الشخصية؛ "إذ تُصبح هذه الإشارات التراثية بمثابة اللمسة الفنيَّة المركزة التي تُساعد على تكثيف الصورة الفنية بما توحي به من دَلالات، وتُقيم في الوقت ذاته جدلاً ذهنيًّا عند المتلقي يحتكم فيه إلى نتائج التجربة التراثية؛ لكي يوازي بينها وبين الحدث الدرامي الماثل أمامه، كلُّ هذا في نسقٍ لُغوي مُحكم"[31]، إنها المفارقة بين قناعاته الماضية ومعارفه الحاليَّة المتطورة.

وتتكثَّف الأبعاد الدرامية لشخصيَّة "المُعتمد بن عبَّاد"، عندما نستدعي قصته الشهيرة مع "اعتماد الرميكية"، هذه القصة التي تتوزَّع بين التاريخ والأسطورة، وهي القصة المؤطَّرة بأساطير العُشَّاق، كتغيير المُعتمد اسمَه؛ ليصير أكثر انسجامًا مع اسم محبوبته التي قابَلها على ضفة النهر، وطلَب منها إجازة شطر بيته؛ لتُصبح زوجه المحبوبة التي تواصل كُتُبُ الأخبار سَرْدَ ما أغْدَقه عليها من مُتعٍ دنيويَّة، ومنها قصتها الشهيرة مع الطين[32].

وعلى الرغم من التوافُق الكامل بين تاريخ الشخصية والموقف الشعري، فإن مراوغة الممارسة الاستدعائية تصل إلى مداها عندما ننظر إلى كلمة "المُعتمد" بعيدًا عن سطوة التاريخ؛ حيث يُصبح اسم الفاعل هنا دليلاً ناجزًا على الخيانة؛ خيانة السلطة الحاكمة لشَعبها بِهَرولتها تُجاه العدو، مع قُدرتها على التمسُّك بموقفها.

وهذه الإمكانية الحاضرة عبر اسم الفاعل "قادر" - وهي كلمة مراوغة أيضًا؛ إذ يمكن التعامل مع الكلمة بوصفها اسمَ علمٍ يَشمل ملوك الأندلس المغاربة، الذين لا يزال هذا الاسم يتمتَّع ببريقه في وجدانهم إلى اليوم - فمجاورة اسم الفاعل "مُعتمد" إلى اسم الفاعل "قادر"، يزيد من فداحة فِعل الخيانة عندما ينفي أيَّة مُبرِّرات أو مسوغات قد تُتَّخذ ذريعة لتبرير التعاون مع الآخر ضد الأخوَّة، والشاعر بهذا يُعلن عدم غُفرانه لملوك الطوائف استعانتَهم بالإسبان ضد إخوانهم، وما يُحيل إليه هذا المعنى من دَلالة معاصرة تتجلَّى دون جهد.

أمَّا "اعتماد"، فإنها تتجرَّد هنا من حضورها الأنثوي الفردي، ومرجعيَّتها التاريخية المحددة؛ لتغدو دالاًّ رمزيًّا شفيفًا، يُحيل إلى الوطن المُفتقد في أبهى صُوَره، فقد دأَبَت المخيلة الإبداعية في الثقافات كلِّها على اتِّخاذ المرأة رمزًا للوطن، وقد حَفِظت الذاكرة الإنسانية أغنيَّة شهيرة من الرومانس الإسباني كان أهل غرناطة يتغنَّوْن بها، ويُباهون بها الآخرين، باعتبار أنَّ وطنهم يأبى الخضوع للقشتاليين، ويَحتفظ بنسبه العربي، وفي هذه الأغنية يتمُّ تصوير غرناطة كامرأة جميلة يَطلبها الملك الإسباني "دون خوان" للزواج، فتَرفض مُعلنة تَمَسُّكَها بخطيبها العربي، تقول الأغنية:
إنْ أحْبَبْتِ يا غِرناطة
أنْ تُزفِّي لِي كعَرُوسٍ مُعجبة
فَإِنِّي سوفَ أَهبُكِ صَدَاقًا
إشْبِيلية وقُرْطُبة
فترد عليه المدينةُ قائلة:
مُتزوِّجة أنا دُون خوان
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-07-2021, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مغازلة التاريخ في النص الشعري

مُتزوِّجة ولَسْتُ بأرمل
وَالْعَرَبي الذي يَقْتَنِيني
يَتَفَانَى فِي حُبِّي الأَمْثَل[33]

إنَّ غرناطة المُنتهكة تعادل إشبيلية المُعتمد وقرطبته المُهددتَيْن من "ألفونسو السادس"، وكلتاهما توازي الوطن العربي في حضوره الآني المهدَّد من الغرب، فاستحضار اعتماد المرأة الرمز يُحيل إلى المأساة التي حلَّت بالوطن الأندلسي، ومن ثَمَّ الوطن العربي عندما تَمَّ اغتصابه، ولَم يَعُد من حقِّ الأرض أن تَقبل أو ترفض؛ لأنَّ خطيبها قد غدا بلا حول أو قوَّة، تمامًا كما انتهى الحال باعتماد في قرية "أغمات"؛ لتتجرَّع فيها غصَص المهانة والذِّلة[34]؛ لتُصبح مأساة اعتماد معادلة لمأساة الوطن الكبير، الذي انتقَل من مرحلة السلطة والشموخ، إلى مرحلة الأَسْر والقهر.

ففحولة فِعْل الاستدعاء تتبدَّى عندما نُعيد قراءة البيت في ضوء الدَّلالة المعجميَّة للكلمة، وما تشير إليه من لجوء أصحاب السلطة - ملوك طوائف المعاصرين - إلى العدوِّ والاعتماد عليه، والهَرْولة من أجْل الحصول على رضاه، وهو ما ينعكس جليًّا في شطر البيت؛ حيث الخفيف والرمل من عابري البحور؛ بُغية الوصول إلى الغربي الغازي.

إنَّ استدعاء شخصيَّتي "المُعتمد بن عبَّاد" و"اعتماد الرميكية"، يمكِّن الشاعر من الإفراط في لوم الذات المعادلة للسلطة العربية المتواطئة؛ ليتَّخذ من هذا اللوم وسيلة للتنبُّؤ بالمستقبل الذي لن يقلَّ عن الماضي قتَامَة، طالما أنَّ مسببات الهزيمة ما زالت ساكنة في أرجاء الوطن؛ يقول شاعرنا:
تَبْرَأُ مِنَّا رُبُوعُ أَنْدَلُسٍ
جِزْيَتُهَا للأَدْفُونْشِ تُحْتَمَلُ

وَنَحْنُ، مَا نَحْنُ؟ غَيْرُ سَائِمَةٍ
عَنَانُهَا بِالْخِلافِ مُشْتَمِلُ

أَغْمَاتُ هَذِي المَأْسَاةُ أَحْمِلُهَا
وَفِي غَدٍ، أَلْمَلْهَاةُ تَكْتَمِلُ

أَغْمَاتُ لَيْسَ المُلُوكُ مِنْ مُضَرٍ
فَلْيَطْوِهِمْ بِالخُمُولِ مَنْ خَمَلُوا[35]




إذا كان استدعاء الشاعر لشخصيَّتي المُعتمد بن عبَّاد واعتماد الرميكية، يَملِك مشروعيَّته بوصفهما الوجْهَ العربي من مأساة الأندلس، فإنه يكون من البدهي استدعاء الشخصية الأخرى الممثِّلة للوجه الآخر من هذه المأساة، إنه "أدفونش"، وهي الترجمة العربية "لألفونسو" الحاكم الإسباني في عهد المُعتمد، ونلاحظ مواصلة الشاعر لعبته المراوغة، عَبْر توظيف "أغمات" التي تغدو هي المأساة التي يَحملها، أو بالأحرى النتاج الختامي لمأساته المتجدِّدة، في الوقت نفسه الذي تصير فيه "أغمات" معادلاً للمرأة المشتكى إليها، والتي يُفضي إليها المُعتمد باعتراف صريح عن تجرُّد الحُكَّام من عروبتهم الحاضرة بحضور "مُضَر"، وإن ظلَّت "مُضَر" علامة على العروبة المتجذِّرة في نفوسهم، وإن شابَها كثير من العوارض التي حالَت دون الوصول إليها، والنص بهذا يقدِّم حكمة إنسانيَّة بالغة العُمق، وهي أننا يمكن أن نجاوز الأَفْضِيَة المكانيَّة مجاوزة ماديَّة، ولكن هذه الأَفْضِيَة المكانيَّة لا يُمكن أن تجاوزنا رُوحيًّا؛ بفَضْل ما تغذَّينا به من خِبرات إنسانيَّة، وتعالقات رُوحيَّة، وذِكريات مُلِحَّة، "إنَّ البيوت التي فقَدناها تَظَل حيَّة في داخلنا، وهي تُلِح علينا؛ لأنها تعاود الحياة، وكأنها تتوقَّع منَّا أن نَمنحها تكملة لِمَا يَنقصها من حياة"[36]، وبهذا تتحوَّل أغمات من كونها فضاءً مجرَّدًا إلى كونها فضاءً معادلاً للتحوُّل المأسوي في حياة المُعتمد، ولتصير مُضَر علامة على ما طرَأ على السلطة العربيَّة من تحوُّلات جعَلتها تنفصل عن ماضيها، والشاعر بهذا يُقيم علاقة توافُقيَّة بين كلٍّ من الشخصية المستدعاة والفضاء المكاني المؤطِّر لحضورها؛ وذلك من خلال استجابته السريعة للتحولات التي تَطْرأ على بِنيتها وموازاتها بتحوُّلات على مستوى بنية الفضاء؛ ليَصير الفضاء المكاني - من هذه الناحية - عونًا مهمًّا للمتلقي؛ لكي يُدرك حدود التحوُّل في دور الشخصيَّة التي تغدو في نهاية القصيدة صوتًا ثائرًا، يثور أوَّل ما يثور على شِعْره، عبر صيغة استصراخيَّة فاجعة ومؤلِمة، توحِّد بين صوت المُعتمد المكلوم، وأبي همَّام البصير بأزمة أُمَّته:
أَنْدَلُسِي، يَا ضَيَاعَ أَنْدَلُسِي
حَسْبُكِ مِنَّا الْكَلامُ لاَ الْعَمَلُ[37]



إنَّ الأندلس الضائعة هنا ليستْ سوى المعادل الماضي لفلسطين المعاصرة، التي أوْشَكت على الضياع، إنها تجربة الفَقْد ذاتها، التي يَزداد وَعْي شاعرنا بها، بفَضْل تعمُّقه في مقاربة التاريخ الأندلسي.

إنَّ الأندلس التي يَبكيها الشاعر هنا ليستْ سوى الأوطان المُستلبة، وهو ما يؤكِّد "أنَّ الكاتب لا يَستطيع أن يَنسلخ من عصره وهو يُعيد تمثُّل التاريخ، سيُسقط عليه - واعيًا أو غيرَ واعٍ - همومَه ورؤيته وخِبرته، دون أن يكونَ التاريخ هو الذي يُعيد نفسه، بل إنَّ مشاعرنا وأحلامنا وخِبرتنا بمذاق الوجود، هي التي تُشكِّل فَهْمنا للماضي والحاضر معًا"[38].

بَقِي أن نُشير إلى أنَّ القصيدة في جوِّها العام المُعطَّر برحيق التحسُّر على المجد الزائل - كممارسة حتميَّة لاستنهاض الهِمم الخاملة التي ألِفَت الاستكانة والخضوع - تَستدعي القصيدة الرائقة لأبي البقاء الرُّندي التي يَبكي فيها الأندلس، والتي يقول في مَطلعها:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلاَ يُغَرَّ بِطِيبِ الْعَيْشِ إِنْسَانُ

هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ
مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ



ويَختمها بقوله:
لِمِثْلِ هَذَا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ
إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلامٌ وَإِيمَانُ



كلمات ابن حزم: الاستدعاء الضِّمني:
غَادَرْتُكُمْ لاَ تَرُوقُ صُحْبَتُكُمْ
غَمَامُكُمْ رَاعِدٌ وَلاَ مَطَرُ

وَبَأْسُكُمْ بَيْنَكُمْ وَشَانِئُكُمْ
يَحْكُمُ فِيكُمْ وَشَأْنُهُ الْبَطَرُ[39]



يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-07-2021, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مغازلة التاريخ في النص الشعري

بهذه الكلمات الحادة، وبهذا الإيقاع الكلاسيكي الرَّصين، يستهلُّ أبو همَّام قصيدته التي يتوارَى فيها خلف قناع شخصيَّة "ابن حزم"؛ ليبثَّ من خلاله آهاته المُلتهبة الناتجة عن قَبْضه على جمار أوجاع الوطن، ويواصل أبو همَّام في قصيدة "من آخر كلمات ابن حزم" نَسْجَه لجَديلته الشعرية المميزة، التي يمثِّل الماضي لُحمتَها والحاضرُ سداها، وليس عصيًّا على المتلقي الذكي أن يُجرِّد الصوت الشعري من مركزية الاسم الحاضر في بنية العنوان، ويستبدلَ به اسم شاعرنا الهُمام، وأن يَربطَ بين قرطبة والقدس، ونظيراتها من المناطق العربية المُستباحة، وأن يرى في الروم قناعًا يتستَّر خلفه الصهاينة، ويبدو أنَّ شاعرنا لَم يرغب أن يُراهن على قدرات المتلقين المتباينة في الوصول إلى كلماته، فسعى إلى تصديرها إليهم بصورة مباشرة وفاجعة، عبر طرائق متعددة أبرزها البيت التالي:
تَهَوَّدَتْ - يَا لَلذُّلِّ - قُرْطَبَةٌ
فَلْيَهْنَأِ الرُّومُ حُقِّقَ الوَطَرُ[40]



إنَّ أبا همَّام في هذا البيت يتعمَّد إبراز معاصرة المأساة وتجدُّدها التلقائي، مستعينًا في هذا بلُعبة الإدماج، الإدماج المباشر للحاضر في سياق الماضي، فعبارة "تَهَوَّدت قرطبة" لا يُمكن فَهْمها إلاَّ إذا اسْتَبدَلنا بقرطبة القدس، فبتَكرار اختبار تأثير الحذف الافتراضي لقرطبة، ووَضْع القدس بدلاً منها، فإننا نصل إلى النتيجة ذاتها، فقرطبة لَم تكن في يوم ما يهوديَّة، واليهود على اشتهارهم فيها، لَم يكونوا في يوم ما هم المتحكِّمين الرئيسيين في مقاليد أمورهم - وإن قاموا بالعديد من الثورات، وأهمها فتنة العامة بينهم وبين المسلمين في عهد المُعتمد بن عبَّاد - إنها زعاقة الممارسة الإدماجيَّة المتعمَّدة، التي بقَدْر ما تفضَح خُطَّة الشاعر في الاختباء خلف صوت الشخصية التاريخية المستدعاة، بقَدْر ما تشفُّ عن مقصديَّته في إبراز مرارة المأساة التي يَعيشها، والتي لَم تترك له خيارًا سوى تعْرِية المسكوت عنه، وكأن الانفعال العاطفي يحفِّز الشاعر لمجاوزة خُطَطه التمويهيَّة، وفَضْح حضوره بمرجعيَّته الحاليَّة في سبيل إيصال كلمته للمتلقي وإشعاره بسوداويَّة الحاضر وألَمه.

إذا كانت هذه الأمور كلها تعضد ما سبَق أن ذكَرناه حول إفادة الشاعر من التاريخ، عَبْر ممارسة انتقائية تَنزع إلى اختيار التجارِب التاريخيَّة المؤلِمة؛ لاستثارة حِسِّ الفقْد لدى مُتَلقِّيه كخطوة ضروريَّة لإبراز قُبْح الحاضر والتحذير من قَتامة المستقبل، فإن استدعاءً آخرَ يتذرَّع به الشاعرُ، ويُجاوز عبره هذا النمط المباشر - الحاضرة بحضور اسم شخصيَّة ابن حزم - ويَجترح عبرَه دَلالات جديدة تَحقِن النصَّ بمزيد من الجُرعات التي تُحافظ على انسجامه وتناغمه، إنه الاستدعاء الضمني أو الاستدعاء غير المباشر، ويتأسَّس هذا النمط على غياب مَقصديَّة الاستدعاء من قِبَل المُبدع، فالشخصيَّة المستدعاة يتمُّ استحضارها عبر ملفوظها الذي يخضع لمرشحات الذات الشاعرة ولأغراضها من هذا الاستدعاء؛ حيث يتمُّ إيراد هذه الملفوظات في أثناء النص بطريقة عفويَّة؛ "إذ يتم التسرُّب من الغائب إلى الحاضر في غياب الوعي، أو يتم ارتداد النصِّ الحاضر إلى الغائب في نفس الظرف الذهني؛ مما يجعلنا في مواجهة تداخل بلا تداخل"[41]، ومِنْ ثمَّ تختفي علامات المقصديَّة، ويُصبح التعرُّفُ إلى حدود النص المستدعى - ومن ثَمَّ صاحبه - مُعتمِدًا بشكل أساسي على خبرة المُتلقي المعرفيَّة، فالمعروف أنه "لإدراك مغزى الإحالة يجب أن يتوافر المتلقِّي على معرفة خلفيَّة سابقة، وعلى سياق داخلي يَجعل التوجيه مُمكنًا"[42]، وفي ظلِّ غياب التوجيه السياقي الداخلي، تصير لمعارف المتلقي المتراكمة الدور الرئيس في تحديد أُطر عمليَّة التفاعل النصي وإدراك مغزاها، ولَمَّا كان المتلقون ليسوا على درجة واحدة من المعرفة، أصبَح من الطبعي أن يختلفوا في درجة الوعي بحدود النص المستدعى وتحديد شخصية صاحبه، كلٌّ حسب نوعية خلفيَّته النصيَّة، وهو ما يطبع عمليَّة الاستدعاء هنا بطابع المُرونة، بحيث يصير "التناص هو الإدراك من طرف القارئ للعلاقات التي توحِّد بين عمل أدبي وغيره من النصوص التي سبَقَته أو تَلَتْه، إنَّ هذه الأعمال الأخرى تكون تناص العمل الأدبي الأوَّل"[43].

إنَّ الشخصية التي يَستدعيها "أبو همَّام" هنا هي شخصيَّة "المتنبي"، الذي ملأ الدنيا وشَغَل الناس - على حدِّ تعبير ابن رشيق القيرواني[44] - وبخاصة قصيدته الذائعة التي مَطلعها:
عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ

أَمَّا الأَحِبَّةُ فَالبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ



إذ يتبدَّى لنا من الوَهلة الأولى التوافُق بين تجربة الشاعرين في النصَّين، فإذا كان ابن حزم - في نص أبي همَّام - يُعلن رفْضَه مُجاورة مجموعة الخانعين الذين قَبِلوا الذُّل وألِفُوا مَهانته؛ مما يؤشر لِمَا تتميَّز به الشخصية من اعتزازٍ بنفسها واعتدادٍ بعُروبتها، فإنَّ المتنبي في مفتتح قصيدة العيد يُعلن بوضوح مفارقته المعنويَّة للمحيطين به في مصر، وانعتاقه الرُّوحي والذِّهني من أَسْر حاكمهم "كافور"؛ إرهاصًا بالمفارقة الماديَّة التي ستتحقَّق فيما بعدُ.

إنها الافتتاحية البكائية التي تَكشف ما تتميَّز به شخصية الشاعر من إباءٍ وشُموخ، يُلحَّان عليه في رَفْض الانصياع لرغبات "كافور" أو مُهادنته، بل تلجأ الذات المعذَّبة إلى مهاجمة "كافور" نموذج السلطة الجائرة - من وجهة نظرها - ووَصْفه بأقذع الصفات:
مِنْ كُلِّ رِخْوِ وِكَاءِ البَطْنِ مُنْفَتِقٍ
لاَ فِي الرِّجَالِ وَلاَ النِّسْوَانِ مَعْدُودُ

أَكُلَّمَا اغْتَالَ عَبْدُ السُّوءِ سَيِّدَهُ
أَوْ خَانَهُ فَلَهُ في مِصْرَ تَمْهِيدُ

صَارَ الخَصِيُّ إِمْامَ الآبِقِينَ بِهَا
فالحُرُّ مُسْتَعْبَدٌ وَالْعَبْدُ مَعْبُودُ



إنَّ أبا همَّام الذي كتَب قصيدة شهيرة تحمل عنوان "المتنبي في ديوان كافور"[45] - وهي القصيدة التي تقمَّص فيها دور المتنبي وهو يهاجم كافورًا، وهذه القصيدة تتناصّ بصورة رائقة مع قصيدة "أمل دنقل" "من مذكرات المتنبي في مصر" - يستعيد في قصيدة "من آخر كلمات ابن حزم" صوت المتنبي، حتى إن الصفات التي يُنعَت بها أصحاب السلطة المعاصرون تتَّفق إلى حدٍّ كبير مع الأوصاف التي استعمَلَها المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي؛ يقول أبو همَّام:
كُلُّ خَصِيٍّ تَدْعُونَهُ مَلِكًا
وَمَا لَهُ هِمَّةٌ وَلاَ خَطَرُ

سِيَّانَ نغْريلَةٌ وَمُقْتَدِرٌ
كُلُّهُمْ بِالأَعَاجِمِ انْأَطَرُوا

وَالأُمَوِيُّونَ غَالَ نَخْوَتَهُمْ
أَنَّهُمْ بِالْمَهَانَةِ انْشَطَرُوا

يُسَطِّرُونَ الأَحْكَامَ نَافِذَةً
وَبِئْسَ مَا نَفَّذُوا وَمَا سَطَرُوا[46]



إنَّ الخصي هنا تتبدَّل دَلالته؛ ليصير رمزًا دالاًّ على العجز وعدم القدرة على حماية الأرض والعِرض، إنه "الرجولة المسلوبة التي تؤدي معنى الهزيمة، وتدفع إلى البكاء على العروبة المهزومة"[47]، فالهجاء هنا يجاوز وظيفته المباشرة في الإساءة للفرد المهجو ومهاجمته؛ ليَغدو هجاءً جماعيًّا للعصر وأفراده، فالأمويون ليسوا سوى رمزٍ يُحيل إلى الحُكَّام الذين لا يملكون سوى الكلمات، يتشدَّقون بها أمام شعوبهم، دون أن يبذلوا ما يستحقون عليه سُلطتهم، وهو ما يتناغم مع قول المتنبي:
إِنِّي نَزَلْتُ بِكَذَّابِينَ ضَيْفُهُمُ
عَنِ القِرَى وَعَنِ التَّرْحَالِ مَحْدُودُ

جُودُ الرِّجَالِ مِنَ الأَيْدِي وَجُودُهُمُ
مِنَ اللِّسَانِ فَلاَ كَانُوا وَلاَ الْجُودُ


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-07-2021, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مغازلة التاريخ في النص الشعري

إنَّ المتنبي في بكائه حالَه، لَم يكن يبكي مأساته الفردية، وإنما المأساة الجمعيَّة التي عايَنَها في مصر، والتي لخَّصها في بيته الشهير:
وَمَاذَا بِمِصْرَ مِنَ المُضْحِكَاتِ
وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا



إنَّ رهان شاعرنا على استعادة تجربة المتنبي تملك مبرِّراتها، بما يتحقَّق له من تناغم بين سياقي كل من التجربتين، فالمقارنة بين ماضي الأمة العربية الناجز وحاضرها المأسوي، يعادل علاقة المتنبي بكافور الإخشيدي، مقارنة بعلاقته بسيف الدولة في أثناء إقامته بمصر، "وخيبة أمله في حاكمها الذي رأى فيه الوجْه النقيض لسيف الدولة، الذي وجَد فيه النموذج الساطع للحاكم العربي، الشجاع الذي يقاوم الروم، ولا يُتيح لهم تحقيق مآربهم، أو التوسُّع في الأراضي العربية، فجعَل من حلب قاعدته المنيعة، ومن جيشه درعًا للأمة العربية كلها، فكان مثالاً نادرًا للحاكم الفارس والرجولة العربية الأصيلة، أما كافور فكان على النقيض من ذلك، فيما رآه المتنبي التاريخي"[48]، وهو ما يبرِّر استخدام أبي همَّام الدائم لكلمة "الروم"، بوصفها علامةً تُحيل إلى العدو المتربِّص، إنه الاستعمال العاكس لتشبُّع رُوح شاعرنا المعاصر بتجربة المتنبي الثورية - فضلاً عن التجربة الفلسفية لصاحب معرَّة النعمان الذي يَهديه أبو همَّام أحدَ دواوينه[49] - وهو ما يَستغله شاعرنا المعاصر؛ ليغدو صوته الشعري صوتًا يحمل صدى صوت المتنبي، مستعيدًا تجربته المُفعمة بمظاهر الثورة والغضب، فأبو همَّام المفتون بالتراث يواصل حواره الفني مع المتنبي، مُتَّكئًا على مفهوم "الاحتذاء"؛ كما حدَّده عبدالقاهر الجرجاني[50]، أو "حُسن الأخْذ"؛ كما يُسمِّيه أبو هلال العسكري[51].

فاستدعاء أبو همام لنصِّ قصيدة العيد يجب التعامل معه بوصفه إحدى علامات استجابة المُرسِل لمُعطيات السياق المعرفي المؤطِّر للممارسة الإبداعية بتجَلِّياتها المتعدِّدة، فإفادة الشاعر من النصوص الشعرية المُدمجة تستمدُّ قوَّتها التأثيريَّة من كون توظيفها انعكاسًا لتجَلِّيات الطاقة المرجعية التي يَمتاح منها النص، "فمثلما أنَّ السياق ضروري كمبدأ للقراءة الصحيحة، فإنه ضروري للكتابة أيضًا، فالكاتب - كما يقول بارت - يكتب مُنطلِقًا من لُغته التي وَرِثها عن سالفيه، ومن أسلوبه، وهو شبكة من الاستحواذ اللفظي ذات سِمة خاصة شبه شعوريَّة، والكتابة أو الذوق الكتابي هو شيء يتبنَّاه الكاتب، وهي وظيفة يَمنحها الكاتب للُغته؛ إنها ترابُط من الأعراف المؤسسة، يُمكن لفاعلية الكتابة أن تُحدث لنفسها وجودًا في داخلها، إن رولان بارت هنا يؤكِّد على السياق كضرورة فنيَّة لإحداث فاعلية الكتابة"[52].

معنى هذا أنَّ الاستدعاء غير المباشر الذي تلجأ إليه الذات المبدعة، يحقِّق التوازنَ بين البُعدين: الفردي والجمعي على مستويَي إنتاج النص واستقباله؛ فإذا كان البعد الفردي يَستبد بعمليَّة التفاعل في النوع الأول على مستوى الإنتاج، باعتبار أنَّ عملية الإدماج تتمُّ من خلال مَقصديَّة المُرسِل الفردية المُعلَنة - والتي تنعكس نصيًّا في أشكال متعدِّدة سَبَق توضيحها - وعلى مستوى الاستقبال، مُمثَّلاً في استجابة المتلقي الموجَّهَة المفروضة عليه، ففي هذا النوع يتلاشَى البُعد الفردي على مستوى الإنتاج؛ ليحلَّ محلَّه البعدُ الجمعي؛ لكون المُرسِل يستدعي النصَّ القرآني بوصفه مجموعةً من الألفاظ والتراكيب والدَّلالات السائدة في المنظومة الثقافية، فهو استدعاء جمعي يَستلهم طرائقَ الجماعة في التعبير دون مَقصديَّة فردية، في حين تظلُّ حصيلة المتلقي اللغويَّة والمعرفيَّة، ودرجة وَعْيه الفردي بتلك الألفاظ والتراكيب والدلالات - هي المُهيمنة على مستوى الاستقبال.

نعود هنا فنؤكِّد أننا لسنا بإزاء محاولة لتتبُّع تأثير المتنبي في شعر أبي همَّام؛ فهذا أمر قد نُفرد له دراسة مستقلة، ولكننا نعيد قراءة استدعاء الشاعر لشخصيَّة المتنبي، مع وَعْينا الكامل أن شيوع قاموس المتنبي الشعري ضمن وأثناء الخطابات الشعريَّة العربية، يؤكِّد على اندماج الذات الفردية لصالح البُعد الجمعي على مستوى الإنتاج، ويبرز ضرورة تمتُّع المتلقي بدرجة عالية من الخِبرة المعرفية الفردية؛ لإدراك أنَّ الملفوظ لا ينتمي في حقيقته إلى شائع القول، بل إلى نصٍّ غائب آخر؛ لذا يمكن القول: إنَّ العلاقة بين شيوع ملفوظات شاعر العربية الأكبر وتداولها، ومِنْ ثمَّ غياب مقصديَّة استدعائها في عملية الإنتاج من جانب، وبين قدرة المتلقي على التعرُّف إليها ورَبْطها بمصدرها الأصلي في عملية الاستقبال من جانب آخرَ - هي علاقة عكسيَّة.

يتَّضح مما سبَق أنَّ توظيف شاعرنا للشخصيات التاريخية، ينبغي التعامل معه بوصفه ممارسةً ذات قِيَم إنتاجية باذخة، تجاوز فكرة التطعيم السطحي للنصوص بأسماء شخصيَّات؛ بُغية إكساب النص بريقًا لا يستحقُّه، فالأمر يتبايَنُ هنا، فالشخصيات التاريخية يتمُّ إعادة صياغتها وتقديمها للمتلقي بوصفها شخصيَّات تنتمي للسياقَيْن: المعاصر، والماضي، إنها البراعة التي لا يحوزها سوى شاعر حقيقي في قامة أبي همَّام.


[1] يقصد بالبنيَّة التمثيليَّة: اعتبار المُمثَّل به نموذجًا بنائيًّا مُصغرًا لطبيعة بنائيَّة أكثر شمولاً واتِّساعًا، ولمزيد من التفاصيل انظر كتاب: "أبجدية الرواية: دراسة نصيَّة في أعمال ميرال الطحاوي"؛ د/ سيد محمد السيد قطب، ود/ عيسى مرسي سليم، دار الهاني للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م، ص 88.

[2] الراوي في السَّرد العربي المعاصر: رواية الثمانينيات بتونس؛ محمد نجيب العمامي، دار محمد علي الحامي، صفاقس، تونس، الطبعة الأولى، 2001م، ص 208.

[3] السرد الشعري، وشعريَّة ما بعد الحداثة؛ د/ عبدالرحمن عبدالسلام محمود، مركز الحضارة العربي، الطبعة الأولى، القاهرة، 2008، ص 84.

[4] استعار إيكو مفهوم الطوبيك من علم اللغة، وهو في نظره: أداة فرضيَّة تعاونيَّة، يُنشئها القارئ؛ ليتمكَّن من الاستدلال على المعنى، وهو يفضِّل مصطلح "الطوبيك" على مصطلح "تيمة" و"التناظر"؛ لأنه يرى في الطوبيك ظاهرة تداوُلية لها علاقة مباشرة بفِعل القراءة، في حين أن "التناظر" أو "التيمة" يُشكِّلان مظهرين دَلاليين فقط؛ انظر: "النص السردي نحو سيميائيات للأيديولوجيا"؛ د. سعيد بنكراد، مجلة علامات، 1996، ص 103.

[5] السيموزيس: ميكانيزم إنتاج الدَّلالات وتداولها واستهلاكها داخل النُّظم السيميولوجية المختلفة، فكل شيء يوجد داخل النص، ويُعَدُّ بؤرة التمثيل، وسندًا لمنطق الإحالة وانسجام العناصر المختلفة داخل النظام - هو الضامن الوحيد لتماسُك النصِّ وانسجامه، ووظيفته ضَبْط العلاقة بين المتحقق في النص والضمني: (الإسقاطات الدَّلالية)، بين المُعطي المباشر وبين ما يتسرَّب - في غفلةٍ عن الكلمات - إلى النصِّ؛ ليرسم شكل الخطاب وذاكرة القارئ، ويُرسي قاعدة الحوار بينهما، لمزيد من التفاصيل يُمكن الرجوع إلى "السيموزيس والقراءة والتأويل"؛ د. سعيد بنكراد، مجلة علامات، العدد 10، الصادر عام 1998م، ص 49 -50.

[6] السيموزيس والقراءة والتأويل؛ سعيد بنكراد، مجلة علامات في النقد، النادي الأدبي الثقافي، جدة، العدد 10، 1998م، ص 49 -50.

[7] التناظر أو التماسك، يعني هذا المصطلح: إلقاء الضوء على الصِّلة الحتميَّة بين العمل الأدبي والبنية الدالة الكبرى، وهو مصطلح ليس بحديث؛ فقد تحدَّث في ذلك لوكاتش، وجان بياجيه، توسع الأوَّل في معنى المصطلح من الجانب الفلسفي، وتوسَّع الثاني في شرح الجانب الأنثربولوجي، وتَبِعهم بعد ذلك جولدمان في ضرورة توافُق الوعي الفردي مع الوعي الجمعي، وهذا المصطلح يُلقي الضوء على ظهور الواقعيَّة في النص الأدبي، تلك الواقعية التي تَستند إلى العلاقة الحميمة بين النصِّ والقِيَم التاريخية، التي لا يمكن أن تتجلَّى فيه إلاَّ عن طريق التناظر، ثم انتقَل هذا المعنى إلى السيميولوجيا على يد "لاندي"؛ للتعبير عن دَلالة النص في ضوء تأويل كُلي، يرجِع للقِيَم التاريخية والاجتماعية للوعي الجمعي وليس الفردي؛ لأن الأعمال الإبداعية من إنتاج مجموعات اجتماعية وليس الأفراد، وهي بهذا المفهوم ليست بنيات ذهنيَّة، وإنما ظواهر اجتماعية، وللمزيد من التفصيلات يُمكن الرجوع إلى: مدخل إلى البنيويَّة التكوينيَّة في القراءات النقدية العربية المعاصرة؛ د. نور الدين صدار، عالم الفكر، العدد 1، مجلد 38، يوليو سبتمبر 2009.

[8] أشكال التَّناص الشِّعري؛ د/ أحمد مجاهد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص 388.

[9] إستراتيجيَّة التناص؛ محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1985م، ص 245.

[10] إستراتيجيَّة التناص، ص 263.

[11] انفتاح النص الروائي: النص والسياق؛ سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1989م، ص 114.

[12] في الوصف: بين النظرية والنص السردي؛ محمد نجيب العمامي، دار محمد علي الحامي، صفاقس الجديدة، تونس، الطبعة الأولى، 2005م، ص 176.

[13] أشكال التناص الشِّعري، ص 265.

[14] الراوي في السرد العربي المعاصر، ص 249.

[15] في سوسيولوجيا النص؛ د/ عبدالرزاق عيد، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق، الطبعة الأولى، 1988م، ص 35.

[16] حي بن يقظان: تحليل بنيوي؛ حاتم عبدالعظيم، سلسلة كتابات نقدية، العدد 165، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007م، ص 107 - 108.

[17] استلهام التراث في شعر ابن دراج القسطلي؛ عبدالرحمن عطية، مجلة قاريونس العلمية، الجماهيرية الليبية، العدد الرابع 189م، السنة الثانية، ص 121.

[18] في السرد؛ عبدالوهاب الرقيق، دار محمد علي الحامي، تونس، الطبعة الأولى، 1998م، ص 141.

[19] مقدمات في سوسيولوجيا الرواية؛ لوسيان جولدمان؛ ترجمة: بدر الدين عرودكي، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، الطبعة الأولى، 1993م، ص 16 - 17.

[20] قراءة الصورة وصور القراءة؛ د/ صلاح فضل، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م، ص 135.

[21] الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص؛ د/ عبدالعزيز حمودة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 298، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الطبعة الأولى، 2003م، ص 328.

[22] سيميولوجية الشخصيات السردية: رواية الشراع والعاصفة؛ لحنا مينا نموذجًا؛ سعيد بنكراد، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2003م، ص 130.

[23] الراوي والنص القصصي؛ د/ عبدالرحيم الكردي، دار النشر للجامعات، الطبعة الثانية، 1996م، ص 104.

[24] تحليل الخطاب الروائي: الزمن، السرد، التبئير؛ سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1989م، ص 485.

[25] الرواية والتراث السردي: من أجل وعي جديد بالتراث؛ سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1992م، ص 121.

[26] هكذا يَصِف لنا أبو همَّام نفسَه في إحدى قصائده؛ حيث يقول:
أَنَا حَفِيدُ الشَّمَّاخِ أَهْدَانِيَ الْ
قَوْسَ وَرُوحِي بِالْقَوْسِ مُتَّصِلَهْ


ديوان زهرة النار؛ أبو همَّام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م، ص 10.

[27] ديوان مقام المنسرح؛ أبو همَّام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م، ص 103 - 104.

[28] نبرات الخطاب الشعري؛ د/ صلاح فضل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2004م، ص 15.

[29] الخروج من التيه ص 114.

[30] بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري؛ د/ نجلاء علي الوقَّاد، مكتبة الآداب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006م، ص 199.

[31] شعر فدوى طوقان: جماليات التشكيل؛ عبير أبو زيد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007، ص 197.

[32] ومن أخبار الرميكية القصة المشهورة في قولها: "ولا يوم الطين"، وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين، فاشْتَهَت المشي في الطين، فأمَر المُعتمد، فسُحِقَت أشياءُ من الطِّيب، وذُرَّت في ساحة القصر حتى عمَّته، ثم نُصِبَت الغرابيل، وصُبَّ فيها ماء الورد على أخلاط الطِّيب، وعُجِنَت بالأيدي، حتى عادَت كالطين، وخاضَتْها مع جواريها، وغاضبَها في بعض الأيام، فأقْسَمَت أنها لَم تَرَ منه خيرًا قطُّ، فقال: ولا يوم الطين؟ فاسْتَحْيَت واعْتَذَرت، وهذا مصداق قول نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في حق النساء: ((لو أحْسَنت إلى إحداهنَّ الدهر كلَّه، ثم رأتْ منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ))، قلت: ولعلَّ المُعتمد أشار في أبياته الرائيَّة إلى هذه القضية؛ حيث قال في بناته:
يَطَأْنَ فِي الطِّينِ وَالأَقْدَامُ حَافِيَةٌ
كَأَنَّهَا لَمْ تَطَأْ مِسْكًا وَكَافُورَا


"نَفْح الطيب من غُصن الأندلس الرطيب"؛ المقَّري التلمساني.

[33] قراءة الصورة وصور القراءة، ص 163.

[34] لمزيد من التفاصيل عن النهاية المأسوية لاعتماد الرميكية، انظر: "دولة الإسلام في الأندلس"؛ محمد عبدالله عنان، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2003م، الجزء 3، ص 357 وما بعدها.

[35] ديوان مقام المنسرح، ص 104 - 105.

[36] جماليات المكان؛ غاستون باشلار؛ ترجمة: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1984م، ص 74.

[37] ديوان مقام المنسرح، ص 105.

[38] قراءة الصورة وصور القراءة، ص 167.

[39] لزوميات وقصائد أخرى؛ أبو همَّام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م، ص 155.

[40] السابق، ص 155.

[41] التناص عند عبدالقاهر الجرجاني، ص 63.

[42] دينامية النص، ص90.

[43] سيميائية النص الروائي، ص 47.

[44] العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده؛ ابن رشيق القيرواني؛ تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الرابعة، 1972م، ص 193.

[45] ديوان زهرة النار؛ أبو همَّام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م، ص 80.

[46] ديوان اللزوميات وقصائد أخرى، ص 156.

[47] سخرية المقموع؛ د: جابر عصفور، مجلة العربي، وزارة الثقافة والإعلام، الكويت، العدد 604، مارس 2009م، ص 80.

[48] سخرية المقموع، ص 79.

[49] وهو ديوان مقام المنسرح؛ حيث يقول أبو همَّام في الإهداء: "إلى شيخ معرَّة النعمان، صديقي أبي العلاء، البصير في زمن العميان"؛ مقام المنسرح، ص 97.

[50] يقول عبدالقاهر الجرجاني: "واعلم أنَّ الاحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه: أن يبتدئ الشاعرُ في معنى له وغرض وأسلوب، والأسلوب: الضرب من النظم والطريقة فيه، فيعمد شاعرٌ آخر إلى ذلك الأسلوب، فيجيء به في شعره، فيشبه بمن يقطع من أديمه نعلاً على مثال نعلٍ قد قطَعها صاحبها، فيقال: قد احتذى على مثاله"؛ دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، مكتبة الخانجي، القاهرة ، 1984م، ص 468.


[51] يقول أبو هلال العسكري: "ليس لأحد من أصناف القائلين غنًى عن تناول المعاني ممن تقدَّمهم، والصب على قوالب مَن سبَقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظًا من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حِليتها الأولى، ويزيدوها في حُسن تأليفها وجودة تركيبها، وكمال حِليتها ومعرضها، فإذا فعلوا ذلك، فهم أحقُّ بها ممن سبَق إليها"؛ الصناعتين: أبو هلال العسكري؛ تحقيق مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1984م، ص 217.

[52] الخطيئة والتكفير، من البنيويَّة إلى التشريحيَّة، قراءة نقدية لنموذج إنساني مُعاصر؛ عبدالله محمد الغذامي، النادي الأدبي الثقافي، جدة، الطبعة الأولى، 1985م، ص 12 - 13.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 162.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 158.79 كيلو بايت... تم توفير 4.20 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]