نداءات الله جل جلاله العشرة لعباده الجن والإنس المؤمنين منهم والكفرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 37 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1198 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16921 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-03-2023, 05:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي نداءات الله جل جلاله العشرة لعباده الجن والإنس المؤمنين منهم والكفرة

نداءات الله جل جلاله العشرة لعباده الجن والإنس المؤمنين منهم والكفرة
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يُقرِّب إلى النار، اللهم آمين آمين.

إن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، ومدبِّرُ الأمور، فمَنْ لنا فيطعمنا ويسقينا غيرُه؟ مَنْ لنا ينصرنا على عدوِّنا غيره؟ مَنْ لنا يفرِّجُ الهمومَ ويُنفِّس الكروب، ويرفع عنا الخطايا والآثامَ والذنوب، مَنْ غيرُ اللهِ عزَّ وجل؟ هل نتخذُ وليًّا غيرَ الله سبحانه وتعالى ليرزقَنا ويطعمَنا ويسقيَنا؟ لا والله.

والله سبحانه وتعالى لا يريد منَّا لا طعامًا ولا شرابًا، ولا يريد مِنَّا أن نُكثِّرَ جنودَه سبحانه، فإنه هو القويُّ وهو الوليُّ الحميد، قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ سبحانه! ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14].

إنَّ الله هو الذي خلقنا، وهو الذي رزقنا، وهو الذي ‌أوجدنا ‌من ‌العدم، وهو الذي تفضَّل علينا سُبحانه وتعالى بسائر النِّعَم، فأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، بعد أن كنَّا أجِنَّةً في الظُّلَم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾ [النحل: 78].

فهو الذي رزقَنا العقلَ والفؤادَ والفِكر، والسمعَ والبصَر، والأرْجُلَ التي نمشي عليها، مَنْ خلقها لنا يا عباد الله غيرُ الله سبحانه؟ وهو الذي خلق لنا الأيديَ التي نبطشُ بها، وهو الذي أسدَى إلينا النِّعَم، وهو الذي يزيل عنَّا البلايا والنِّقَم، وحفظَنا سُبحانه وتعالى بحفظِه المتين، فينبغي لنَا ويجبُ علينا أن نعبدَه حقَّ عبادتِه، ونشكرَه ولا نكفرَه سُبحانه وتعالى، ولا ينبغي أنْ تكونَ محبةٌ مساويةً لمحبَّتِه سبحانه، لا محبَّة ولدٍ، ولا مالٍ ولا أهلٍ، ولا زوجةٍ ولا نحو ذلك، محبَّةُ الله فوقَ كلِّ محبة.

لذلك؛ من تلطُّفِه على عباده سبحانه ذكرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حديثًا قُدُسيًّا عن ربِّ العِزَّةِ سبحانه وتعالى ينادي فيه الناس، ينادي فيهِ العبادَ بألطفِ عبارة، وأحبِّها إليه، عددتها فوجدتها عشرة نداءات، يا عبادي، يا عبادي، كنا نسمع قديمًا نداء نداء، فينتبه الناس، الآن الله يُنادي، وبأحبِّ صفاتِ عباده إليه، العبادة! يناديهم ليبين لهم ويرشدهم باللُّطفِ واللين، فـعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم - وبدأ بالنداء الأول وهو تحريم الظُّلْم -:
1- ("قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلَا تَظَالَمُوا")؛ أَيْ: لَا تَتَظَالَمُوا، وَالْمُرَاد: لَا يَظْلِمْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فالظلمُ محرَّمٌ على الله، والله حرَّمه عليكم.

النداء الثاني:
2- ("يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ")؛ الهداية من الله، فالأصل في الإنسان عمومًا أنَّه يُولَد على الفطرة، فطرةِ الدينِ والإيمانِ والتوحيد؛ لكنْ هناكَ شهواتٌ، وهناك شبهات، وهناك طبائعُ بشريةٌ، وطبائعُ في المخلوقاتِ تحيدُ بهم عن الفطرة؛ فلذلك كانت الهدايةُ، مِنْ مَنْ؟ من الهادي سبحانه، من الله سبحانه وتعالى، فـالعباد لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ، وَإِهْمَالِ الفطر؛ لَضَلُّوا، فالْمُهْتَدِي هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللهُ، فيا من اهتديتم فجئتم فصلَّيتم، هداكم الله، ليس منكم هذا الأمر، وإنما هو بتوفيق الله، يا من قمتَ لصلاةِ الصبح، الله الذي هداك، ولم يهدِ غيرك ممن بقي نائمًا لم يُصَلِّ، يا من زكَّيْتَ مالَك، يا من حجَجْتَ بيتَ الله، يا من عَبَدْتَ الله، لم تعبده إلا بهداية من الله.

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

(خ) (3034)، (م) 125 - (1803).

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابةُ رضي الله عنهم يعترفون بأن الهداية من الله سبحانه وتعالى وبإرادته، وَبِهُدَى اللهِ اهْتَدَى، وَبِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ هِدَايَةَ بَعْضِ عِبَادِهِ، وَهُمْ الْمُهْتَدُونَ، نسأل الله أن نكون منهم، ونسأل الله أن يزيدَنا هدًى، وَلَمْ يُرِدْ هِدَايَةَ الْآخَرِينَ وهم الضُّلَّالُ والعياذ بالله، وَلَوْ أَرَادَهَا لَاهْتَدَوْا؛ لذلك لا تطلبوا الهداية إلَّا من الله جلَّ جلاله، القائل: ("فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ")، أَيْ: اطلبوا الهدايةَ منِّي أَهْدِكُم، وفي الفاتحة في كلِّ صلاةٍ نقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، وكما أنَّ الهدايةَ من الله؛ فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4].

وفي النداء الثالث: قال الله تعالى:
3- ("يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ")، فالأرزاقُ أسبابُها كلُّها بيدِ الله، والأعمالُ والوظائفُ والأشغالُ اكتسابُها كلُّه بتوفيقٍ من الله جل جلاله، فلنَدْعُ الله أن ييسِّرَها لنا، ومنها من هذه الأرزاق ومن هذه النعم علينا، ستر العورات، فقد قال الله سبحانه وتعالى في النداء الرابع:
4- ("يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ")، فـقوله سبحانه: "كلُّكم ضالٌّ إلا من هديته، وكلُّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، وكلُّكم عارٍ إلا من كسوتُه"؛ قال العلماء: فيه تنبيهٌ على فقرِنا وعَجْزِنا عن جلب مَنافعنا لولا الله سبحانه وتعالى وهبنا الصحةَ والعافية، لولا الله أعطانا العلم فيما نريد أن نعمل وفيما نعمله، لولا الله قدر لنا هذه الأمور ما حدثت لنا، وكذلك دفْعُ مَضارِّنا لا تكون إلا بتوفيق من الله، إلَّا أن يُعينَنا اللهُ سبحانه على ذلك، وهو يرجع إلى معنى قولنا: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، في دفع المضار وجلب المنافع، وليعلمَ العبدُ أنَّه إذا رأى آثارَ هذه النعمةِ عليه؛ رآها وأنَّ ذلك من عند الله، وأنَّه يتعيَّنُ عليه شكرُ الله تعالى، وكلَّما ازداد من ذلك، أن يزداد شكرًا لله سبحانه وتعالى، ويزيدُ في الحمدِ والشكرِ لله تعالى ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].

والله يعلم سبحانه أنَّنا خطَّاءون مذنبون، ومع ذلك دعانا سبحانه أن نطلبَ منه المغفرة، والصفح والمسامحة، فقال سبحانه في النداء الخامس:
5- ("يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ")، والله يعلم ضعفَنا وعجزَنا، مهما أوتينا من قوَّة، فلنْ نَضُرَّ اللهَ شيئًا، ومهما أوتينا من ملك وغِنًى وجاهٍ وسلطان، فلن ننفع الله شيئًا، قال سبحانه في النداء السادس:
6- ("يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي")، مَن اليوم يقول: أريد أن أنفعَ الله؟! مَنْ يُقدِّم خدمةً لله سبحانه وتعالى؟! لذلك مهما عبدْتَ اللهَ لا تَمُنَّ على الله بعبادتك، بعض الناس يقول: وماذا أفعل يا رب، أنا أُصلِّي لك، وأصوم لك! أنت تمنُّ على الله؟! ولولا أن الله هداك لتلك الصلاة وذاك الصيام، والله ما استطعتَ، فالهداية من الله سبحانه وتعالى.

ومما يدلُّ على غِنى الله سبحانه وتعالى، وجلَّ جلالُه عن عبادة عباده، وما يدلُّ على أنَّ اللهَ غنيٌّ عن صلاتنا وحجِّنا وصومنا، وعن دعائنا وذكرنا، الله غني عن عبادة عباده؛ أنَّهم لو عبدوه كلُّهم؛ إنسُهم وجنُّهم، ما زاد شيئًا في مُلْكه، ولنتصوَّر الأرضَ بالملياراتِ التي عليها من الإنس، وأضعاف أضعافهم من الجنِّ عبدوا الله، هل يزيد ذلك من ملك الله شيئًا؟ كذلك لو عصوا الله لن ينقصَ ذلك من ملك الله شيئًا، قال سبحانه في النداء السابع:
7- ("يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا")، فهو غنيٌّ عن عبادتنا، وكذلك لو أنَّ الإنسَ والجنَّ كلَّهم كانوا كفرةً، وفسقةً فجرةً، فلا ينقصُ ذلك من مُلْكه شيئًا، قال سبحانه في النداء الثامن:
8- ("يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ")، وهو إبليس، لو أنَّ الكلَّ يكون على قلبِ إبليس، نسأل الله السلامة، ("مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا")، ومن كرمِه وغِناه سبحانه، لو أنَّ جميعَ خلقِه سألوه في وقتٍ واحدٍ ما شاءوا؛ فأعطى كلًّا منهم مسألته، فلن تشغله مسألة عن مسألة، وأعطى كلَّ واحدٍ ما أراد، ما نقص من ملكه شيئًا، فقد قال سبحانه في النداء التاسع:
9- ("يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ")، الصعيد: الأرض الواسعة المستوية، قاموا كلُّهم؛ الإنسُ والجنُّ يطلبون الله عزَّ وجلَّ، ويسألونه ما شاءوا، ما نقصَ ذلك من ملك الله شيئًا. ("فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يُنْقِصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ")، و(الْمِخْيَط)؛ هُوَ الْإِبْرَة التي يخيط بها الإنسان ثوبَه ونحو ذلك، فماذا تأخذ الإبرة من البحر، يقول العلماء: وهَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَام، يعني الملكُ؛ ملكُ الله ينقص بكفرِ الكفرة، وفسق الفسقة، كما ينقص المخْيَطُ وما تأخذه الإبرة من الماء، قال: هذا مثل لتقريب الأفهام، وَمَعْنَاهُ؛ لَا يَنْقُصُ شَيْئًا أَصْلًا، فمَا عِنْدَ اللهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ الْمَحْدُودَ الْفَانِي، وَعَطَاءُ اللهِ سبحانه وتَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِه، وهذه من صفاته، وصفاته لا تنقص ولا تغيضُ، ويدُه بالنفقةِ سحاءَ الليل والنهار سبحانه.

ولكنْ هذا مَثَلٌ؛ فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّات عَيَانًا، وَمن أَكْبَرِهَا، وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَات، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ؛ إذن لا ينقُصُ من ملك الله شيئًا، وَالله أَعْلَم.

اسألوا اللهَ ما شئتم يا عباد الله، لن تنقصوا شيئًا مما عنده سبحانه وتعالى، وفي النداء العاشر:
10- ("يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا")، يعطيكم إيَّاها كاملةً وافيةً، ("فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَد اللهَ")؛ أنْ وفقَّ لهذا الخير، أَيْ: لا يُسْنِد طاعتَه وعبادتَه من عَمَلِه لنفسه، وأنه من عنده، أو هو أطاع الله، وإنما اللهُ هو الذي يسَّر لنا هذا؛ بل يُسْنِدُها إلى التوفيق؛ توفيق الله، ويَحمَد اللهَ على ذلك، ("وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ")، يوم القيامة، ما وجدَ خيرًا، قال: ("فلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ")، (م) 55- (2577).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمةً مهداةً، للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
إنه الله جل جلاله، وعظمت قدرته، ووسعت حكمته، إنه الملكُ الحقُّ المبين، مالكُ الملك، القويُّ الجبَّار، لماذا خلقَنا؟ وماذا يريدُ من إيجادنا؟ هل يريد منا رزقًا أو طعامًا؟ هل يريد منا قوَّةً وعِزًّا سبحانه؟ هل يريدُ مُلكًا أو جاهًا؟ وهو خالقُ كلِّ شيءٍ سبحانه؟!

لا والله! لا يريد مما بين أيدينا شيئًا، غنيٌّ عنَّا وعن العالمين، غنيٌّ حميدٌ سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، الشيءُ الوحيدُ الذي يريدُه منَّا بإلحاحٍ لمصلحتنا هو عبادته، أنْ نعبدَه وحده لا شريك له، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

لا يريد منَّا إلا أنْ نعبدَه، ونوحِّدَه ونُخلِصَ العبادة له وحده سبحانه لا شريك له، فـالله سبحانه وتعالى هو الذي خلقَنا، وهو الذي يهدينا، وهو الذي يطعمنا ويسقينا، وهو الذي إذا مرضنا شفانا وعافانا، فلماذا نسألُ هذه الأمور من غيره سبحانه؟!

وهو الذي يغفرُ لنا سيئاتِنا وخطايانا، اعترِفْ أيها الإنسان، اعترفْ أيها العبدُ، اعترفْ بربوبية الربِّ سبحانه وتعالى، اعترف وأعلنها مدوِّية، وقل: إنه الله الواحد الأحد ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 82].

صلُّوا على رسول الله، فقد صلَّى الله عليه في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصَحْبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مُبْتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا أو مسافرًا أو مهاجرًا أو سجينًا إلَّا رددته إلى أهله سالـمًا غانـمًا يا رب العالمين.

اللهم كنْ معنا ولا تكن علينا، اللهم أيِّدْنا ولا تخذلنا، اللهم وفِّقْنا دائمًا وأبدًا لما تحبُّه وترضاه يا رب العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.33 كيلو بايت... تم توفير 1.78 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]