حقوق الآباء والأمهات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854924 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389807 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2023, 09:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات



من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجباً نحوهم- هم الآباء والأمهات، قال -تعالى-: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} سورة النحل: آية 90، وقال سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الإِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} سورة العنكبوت: آية 8، وقال جل شأنه {وَوَصَّيْنَا الإِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} سورة الأحقاف: آية 15، وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».
من النصوص السابقة، يتبين لنا جليا مدى تأكيد حقوق الآباء والأمهات على الأبناء والبنات، ووجوب رعايتهم والإحسان إليهم، وهذه الحقوق لا تحد بعدد معين، بل تتعدد وتتغير، وتقل وتكثر بحسب الحاجة والحالات والظروف، كما تخضع للعرف الاجتماعي والقدرة، وغير ذلك من الأمور التي تستدعي تعدد ظواهرها؛ لذا فإني سأذكر أهم حقوق الأبوين بإيجاز العامة منها والمستمرة ولا تتغير ولا تندثر، ولا يُكتفى بمعرفة هذه الحقوق، بل لابد من الوفاء بها للوالدين حتى يجني البار لهما سعادة في الدارين. وإليك أهم هذه الحقوق:
(1) شكر الله -تعالى- على نعمة الوالدين
إن نعم الله -تعالى- على الإنسان كثيرة تستوجب شكره، ومنها إنعامه على الإنسان بوالدين يربيانه صغيراً ويرعيانه كبيراً، كما منح الله -تعالى- الأبوين كثيراً من آلائه التي تعود عليهما وعلى ذريتهما بالنعم والخير الوفير؛ فالمؤمن الحق هو الذي يشكر الله على إنعامه عليه وعلى والديه، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة الأحقاف: آية 15، وهذا سليمان -عليه السلام- يتوجه بالشكر لله -تعالى- على نعمه، قال -تعالى- حاكيا عن سليمان -عليه السلام-: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} سورة النمل: آية 19.
(2) شكر الوالدين على رعايتهما له
إن من مظاهر البر والإحسان بالوالدين في حياتهما شكرهما بعد شكر الله -تعالى-؛ على ما تفضلا به على أولادهما من عناية وبر وتربية وتعليم، وغير ذلك مما لا يبخلون به على أبنائهم، كما أن في هذا الشكر من الأهمية أن أمر الله -تعالى- الإنسان بشكره أولاً ثم والديه، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} سورة لقمان: آية 14، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث:
- إحداها: قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} سورة محمد: آية 33، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
- الثانية: قوله -تعالى-: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} سورة البقرة: آية 110، فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
- الثالثة: قوله -تعالى-: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} سورة لقمان: آية 14 فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل الله منه.
(3) معرفة حقوقهما وقدرهما
إن قدر الوالدين ومكانتهما عالية، تستوجب تقديرهما، ومعرفة منزلتهما ومالهما من حقوق، ولقد وردت أدلة قطعية تبين منزلتهما، وأن لهما حقوقاً على الأولاد يجب تنفيذها نحوهما، قال الله -تعالى- {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (لقمان: آية 14)، وقال -تعالى- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (24) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
إن ما قام به الأبوان نحو أولادهما شيء عظيم، ولا سيما الأم التي حملت، ووضعت وأرضعت وغذت وربت؛ فإنهما يقدمان كل خير لأبنائهما وبناتهما، وقد يحرمان أنفسهما من مطعم وملبس، ويؤثران أولادهما على أنفسهما، كما يضحيان بحياتهما من أجل ذريتهما.
لذا فعلى الأبناء والبنات معرفة حقوق الوالدين عليهم، ووجوب طاعتهما، والبر بهما والتأسي بالسلف الصالح في البر بالأبوين، والإحسان إليهما في وقت الكبر خاصة، قال رجل لعمر بن الخطاب: «إن لي أما بلغ منها الكبر أنه لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها فهل أديت حقها؟ قال -]-: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها».
(4) وجوب طاعتهما
إن أهم حقوق الوالدين نحو أولادهما هو طاعتهما، وامتثال أوامرهما، والبعد عما ينهيان عنه، ما لم يكن معصية لله -تعالى-، قال الإمام القرطبي: «بر الوالدين: موافقتهما على أغراضهما وعلى هذا إذا أمر أحدهما ولده بأمر وجبت طاعته فيه إذا لم يكن في ذلك الأمر معصية».
وإن كان المأمور به من قبيل المباح (الجائز) في أصله، كذلك ما كان من قبيل المندوب (المسنون) فقد ذهب بعض العلماء إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه، وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيداً مثل أن يأمر ولده بتسمية الحفيد باسمه، ثم عقّب على ذلك صاحب كتاب السلوك الاجتماعي بقوله: «الأخذ بالقول الأخير لا يجوز إلا إذا كان عدم تنفيذ الولد للأمر لا يغضب الوالدين أو أحدهما وإلا فإغضابهما محرم كما علمت.
طاعة الوالدين مقدمة على النوافل
ومما ينبغي علمه أن طاعة الوالدين ولا سيما الأم مقدمة على النوافل من صلاة وعمرة وغيرهما، ولعل ما يؤكد هذا قصة جريج العابد؛ ففيها العبرة، وتدل على أهمية بر الوالدين والمسارعة في طاعتهما، وترك المباح والنافلة ولو كان من الطاعات لله -تعالى-، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات -أي الزواني -فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف-أي من الصلاة -أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب، فقال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا.
عقوق الأبويين ذنب عظيم
من هذا الحديث يتبين لنا مدى أهمية طاعة الأم، وأن عقوق الأبوين ذنب عظيم؛ فحين انشغل جريح بصلاته النافلة عن طاعة أمه وهي طاعة واجبة، ودعت عليه أمه كانت دعوتها مستجابة، وفي الحديث: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»، ففي حديث جريج أنه انشغل بصلاته عن أمه، فعوقب هذه العقوبة، فما بالكم بمن يقسو على والدته في الكلام! فعدم إجابة جريج لأمه ليس عصيانا لها؛ لأنه لو كان عالماً لعلم أن إجابته أمه أولى من صلاة النافلة.
ذكر ابن حجر سبب دعاء الأم على جريج، فقال: قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحاً، فلما آثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها دعت عليه لتأخيره حقها. انتهى، ثم قال ابن حجر: «والذي يظهر من ترديده في قوله: «أمي وصلاتي «أن الكلام عنده يقطع الصلاة فلذلك لم يجبها»، ومن هنا رأى الفقهاء أن المرء إذا كان في صلاة النافلة وناداه أحد والديه فعليه أن يقطع صلاته ويجيبه.

الشيخ: عبدالمتعال محمد علي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-01-2023, 11:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات (2)

ما زال حديثنا مستمرًا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- هم الآباء والأمهات، وذكرنا أن من صور البر لهما: شكر الله -تعالى- على إنعامه عليه بنعمه، ولا سيما الوالدين، وشكر الوالدين على رعايتهما له، ومعرفة حقوقهما وقدرهما، ووجوب طاعتهما، وطاعة الوالدين مقدمة على النوافل، ثم ذكرنا أنَّ عقوق الأبوين من أعظم الذنوب.
ومن صور الطاعة للوالدين سرعة تلبية طلبهما وإجابة ندائهما، وطاعة أمرهما، وعدم مقاطعتهما في الكلام، أو مجادلتهما أو لومهما أو معاندتهما أو السخرية منهما، وتجنب الضحك والقهقهة بحضرتهما - إلا إذا ضحكا، وتجنب الاعتراض على قولهما إلا إذا كان أمراً بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال -تعالى- {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} سورة لقمان: آية 15، ومما يبرز أهمية طاعتهما أنها مقدمة على النفل من حج وعمرة وجهاد إذا كان هناك جيش يحمي البلاد، ويكفي لحفظها من العدو، فمن أطاعهما وكان يقصد عبادة نافلة أخذ أجرها، جاء رجل إلى رسول الله -[- فقال: إني أشتهى الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي لك من والديك أحد ؟ قال: أمي. قال -[-: فأبلِ الله في برها، فإذا فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد».
(5) طلب الصفح منهما إن بدر منه تقصير نحوهما
إن الإنسان ليس معصوما من الزلل « كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»؛ لذا فإن على الولد إذا أساء لوالديه أو أحدهما أن يعتذر إليهما، ويقبل رأسهما ويتأسف، ويطلب منهما العفو والصفح، فإن عفا عنه نال المغفرة من ربه -تبارك وتعالى-، قال -تعالى- {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} سورة الإسراء: آية 25، فقد ذكر الله هذه الآية بعد ذكر التوصية بالوالدين. قال الزمخشري -في تفسيره (الكشاف) عن هذه الآية-: {إن تكونوا صالحين} أي قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر أو لحمية الإسلام، هنة أي خطأ تؤدي إلى أذاهما ثم أنبتم إلى الله -تعالى- واستغفرتم منها فإن الله غفور للأوابين.
وإن لم يطلب منهم الصفح كان عاقا إلا إذا كان الأمر معصية لله -تعالى-، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، ومع هذا عليه أن يحسن صحبتهما حتى ولو كانا مشركين، وأن يحرص على عدم إيذائهما وإلا كان عاصيا، جاء في الحديث الشريف: « إياكم وعقوق الوالدين!؛ فإن الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق». فالأحرى بالمسلم الحرص على رضا الله -تعالى- ثم رضا والديه حتى يمن الله عليه بحسن الخاتمة قال سعيد بن المسيب « إن البار لا يموت ميتة سوء».
(6) توقيرهما واحترامهما
إن توقير الكبير أدب من آداب الإسلام، وأولى الناس بذلك الوالدان، فتوقيرهما واحترامهما أمر أوجبه الشرع على الأولاد وحض عليه نحوهما، ونحو غيرهما من احترام الكبير وتوقيره واستحبه الإسلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: « ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا»، ومن صور التوقير تقبيل الأولاد رؤوس والديهم، وقضاء حوائجهم ولو كان على حساب حاجات أنفسهم (الأولاد) قال أبو هريرة: لا تمش بين يدي أبيك - أي أمامه - ولكن امش خلفه أو إلى جانبه، ولا تدع أحداً يحول بينك وبينه، ولا تمش فوق إجّار أبيك أي فوق سطحه تخفه، ولا تأكل عرقا - وهو العظم فيه اللحم - قد نظر أبوك إليه لعله قد اشتهاه».
إن للوالدين حقا علينـا
بعد حق الإله في الاحترام
أولدانا وربيانا صغـارا
فاستحقا نهايـة الإكـرام
ولقد فطن إلى وصية أبي هريرة - رضي الله عنه - علي زين العابدين - رضي الله عنه - فقد كان لا يأكل مع أمه فقيل له: لم لا تأكل مع أمك مع أنك من أبر الناس بها ؟ قال: لا آكل معها خشية أن تسبق يدي لقمة قد سبقتها عين أمي لها فأكون قد عققت أمي!.
التواضع والتلطف معهما
ومن التوقير لهما التواضع والتلطف معهما والرأفة والرحمة بهما، قال -تعالى- {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} وهو تعبير يشف ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان، فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها كالذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمرا وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام والاستسلام، وإزالة للوحشة من نفوسهما إن صارا في حاجة إلى معونة الولد؛ لأن الأبوين يبغيان أن يكونا نافعين لولدهما، والقصد من ذلك التخلق بشكرهما على إنعامهما السابغ عليه.
القيام لهما عند قدومهما
ومن صور توقيرهما أيضاً: القيام لهما عند قدومهما، وعدم الجلوس إلا بعد جلوسهما، وهذا من جملة ودهما، وماذا يكون ذلك في جنب كدهما ؟! وقد ربياه صغيراً، وأسهرا أعينهما لحفظه سهراً كثيرا.
روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتا، ولا هدياً به - صلى الله عليه وسلم - من فاطمة (ابنته) -رضي الله عنها-، كانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها».
(7) حسن التخاطب معهما
إن من أهم الآداب الإسلامية حسن القول، وطيب الكلام، ولا سيما للوالدين وعدم مخاطبتهما بسوء القول؛ فإنه معصية ومن العقوق، قال -تعالى- {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} سورة البقرة: آية 83، فقد سأل رجل سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قائلاً: لقد فهمت آية بر الوالدين كلها إلا قوله -تعالى- {وقل لهما قولاً كريما}، فكيف يكون القول الكريم ؟ فأجابه سعيد: يعني خاطبهما كما يخاطب العبد سيده، وكان ابن سيرين - رضي الله عنه - يكلم والدته بصوت ضعيف كأنه صوت مريض إجلالا لها واحتراماً، فالواجب على الأولاد أن يقولوا القول الكريم الجميل الذي يدخل السرور على قلوب والديهم، وأن يلاقوهم بالابتسامة والترحيب.
الحذر من رفع الصوت عندهما
وليحذر المسلم رفع الصوت عندهما، ولا يعلو صوت الابن على أحد والديه فإن ذلك من العقوق؛ لذا فطن الأولون إلى ذلك، فحرصوا على غض أصواتهم عند الحديث مع آبائهم وأمهاتهم، وعلموا أن رفع الصوت على أصوات الأبوين سيئة ومعصية، ذكر أن أم عبد الله بن عوف نادت مرة ابنها عبد الله، فأجابها ولكن علا صوته صوتها حين لبى نداءها فشعر بالذنب فأعتق رقبتين كفارة عن ذلك (أى أعتق عبدين) من العبودية إلى الحرية.
وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين فقال: ألا تقوم على خدمتها وأنت كسلان، وقيل: ألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شذرا، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، فأحـرى بالأولاد أن يحسنوا القول للأبوين وللناس جميعاً، قال -تعالى- {وقولوا للناس حسنا}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: « الكلمة الطيبة صدقة».
فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما
{فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب، ألاَّ يبدو من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يشي بالإهانة وسوء الأدب، {وقل لهما قولاً كريما}، وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام»، وخص الله -سبحانه وتعالى- الكبر بالذكر والبيان؛ لأنه مظنة انتفاء الإحسان بما يلقى الولد من أبيه وأهله من مشقة القيام بشؤونهما، وسوء الخلق منهما، ومن ثم فإن الأبناء يحتاجون إلى استجاشة وجدانهم بقوة لتنعطف إلى الخلف، وتلتفت إلى الآباء والأمهات. مما سبق يعلم أن ظهور الضجر من الأبناء والبنات منهي عنه فكيف لو برزت منهم الإساءة للآباء والأمهات؟! ولو كانت هناك كلمة أقل من كلمة « أف « لذكرها الله -تبارك وتعالى-، فليبادر كل إنسان إلى البر بوالديه، وحسن القول لهما والتلطف في مخاطبتهما، وكظم الغيظ إن بدر منهما ما يجانب الصواب.

الشيخ: عبدالمتعال محمد علي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-02-2023, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات (3) من صور البر بالوالدين



ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به، بل ويكون واجبًا نحوهم هم الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من صور البر بهما وهي: طلب الصفح منهما إن بدر منه تقصير نحوهما، وتوقيرهما واحترامهما، والتواضع والتلطف معهما، والقيام لهما عند قدومهما، وعدم مناداتهما باسميهما، وحسن التخاطب معهما، والحذر من رفع الصوت عندهما واليوم نكمل تلك الصور.
(8) النفقة عليهما
إن من أعظم وجوه الإنفاق ما يكون في مرضات الله -تعالى-، وأن من مرضاته -تعالى- أن ينفق المرء على والديه، قال -تعالى- {سْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215)، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - «أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنت ومالك لأبيك».
فعلى الأبناء أن يقدموا لآبائهم وأمهاتهم ما يحتاجون، وللآباء أن يأخذوا من مال أولادهم ما هم في حاجة إليه فهو كسب حلال لهم، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالا وولدا، وإن والدي يريد أن يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم».
تلبية طلب الأب والأم
وأحرى بالمسلم تلبية طلب أبيه أو أمه إن طلبا منه طعاماً أو مالاً، فقد روي أن عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - قد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح ! فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده!، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وإن أولادكم هبة الله لكم {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها»، ومما يجدر علمه أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه بشرط ألا يجحف الابن ولا يضربه، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: «على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقا لأبيه، قاطعا رحمه، مستحقاً لعقوبة الله -تعالى- في الدنيا والآخرة والله أعلم»، ومما ينبغي أن يقدمه الولد لوالديه النفقة عليهما إذا احتاجا إلى نفقة، والتوسعة عليهما إن كانت حالتهما أقل من حالة ابنهما أو ابنتهما، وأن يرحم أباه وأمه من الأعمال الوضيعة، ويكفيهما النفقة.
وإن حق الوالدين في الإنفاق عليهما وجوبا إذا كانا في حاجة إلى المال لقضاء حوائجهما، مع مراعاة عدم الضرر الكبير بالولد، وإلا فالنفقة عليهما مستحبة، سواء على سبيل الهدايا أو الهبات أو غيرها، وليرضهما الولد بالإحسان إليهما والعطف، وتقديم الهبات، وما يرغبون فيه فهذا من البر بهما، ذكر عروة عن أبيه في بر الوالدين قوله: لا تمتنع عن شيء أحباه»، وروي عن على زين العابدين -رحمه الله- كان لا يأكل مع أمه فقيل له: إنك من أبر الناس بأمك فلم لا تأكل مع أمك؟ فقال: أخشى أن تسبق يدي إلى طعام تكون عين أمي قد سبقت يدي بالنظر إليه فأكون قد عققت أمي.
(9) إلقاء السلام عليهما والاستئذان عند الدخول عليهما
من الآداب الإسلامية التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها إلقاء السلام على من يعرفه ومن لا يعرفه، والاستئذان عند الدخول في بيوت الناس وأولى الناس بذلك وألزمهم الوالدان قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 27)، وقال -تعالى-: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
مراعاة أوقات الزيارة
ومما ينبغي علمه أن على الأولاد أن يراعوا أوقات الزيارة إن كانوا يقطنون في مسكن غير مسكن الوالدين، ووجوب الاستئذان عند الدخول عليهما ولو كانوا يسكنون معهما في بيت واحد، وأن يعلموا الوالدين بأسمائهم عند طلب الاستئذان منهما، وأن يلقوا عليهما السلام قبل الاستئذان، وأن يرجع الولد إن طلب والده منه الرجوع عند عدم الإذن له، هذا وقد أوضحت السنة النبوية الشريفة أهم آداب الاستئذان وقد سبق ذكر آيات للاستئذان، والآن إلى الأحاديث الدالة على ذلك نذكر منها الآتي:
1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الاستئذان ثلاثا فإن أذن لك وإلا فارجع».
2- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: «أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا كأنه كرهها».
3- وثبت في الصحيحين أن أبا بكر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: من؟ قال: أبو بكر وكذلك فعل عمر وعثمان، وجاءت أم هانئ بنت أبي طالب تستأذن فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من؟ فقالت: أم هانئ، والأمثلة في ذلك كثيرة فعلى الإنسان أن يذكر ما به ليعرف.
4- عن ربعي بن خراش قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته فقال أألج؟ فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له؟ قل السلام عليكم؟ أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -».
(10) دعوة الوالدين إلى الخير
من سمات الأمة الإسلامية أن أفرادها يدعون إلى الخير، ويوجهون النصح لغيرهم، قال -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وأولى الناس بتوجيه النصح لهم إن جانبوا الصواب هم الآباء والأمهات، وإرشادهم إلى الطاعات والحسنات والبر إن غفلوا عنها، وينبغي على الابن الداعي إلى الفضيلة وإلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن يكون عالما بما يرشد به والديه، وأن يعظهما بالحسنى، وبالحكمة، وأن يقول لهما قولا لينا لعلهما يتذكران أو يخشيان، كما ينبغي على الناصح أن يكون عارفا بأسلوب الدعوة والإرشاد الأمثل والصحيح، قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وخير الأسوة في الدعوة إلى الخير هو نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الذي منحه الله الحجة الساطعة في إقامة الدليل والنصح والإرشاد، ولنذكر الحوار الذي دار بينه وبين أبيه الذي كان يعبد الأصنام، قال -تعالى-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (مريم: 41: 50 ).
النصيحة للوالدين
إن النصيحة للوالدين تكون من الابن والابنة على السواء كما توجه من الوالد والوالدة أيضا، ونذكر في هذا المقام قصة المرأة التي كانت تغش اللبن في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -، كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتحسس أخبار المدينة ليلاً، فسمع امرأة تقول لابنتها ضعي ماء على اللبن أي غشي اللبن، فقالت البنت: فكيف إذا علم أمير المؤمنين يا أماه بغش اللبن؟ قالت الأم: وما يدري عمر فإنه لا يرانا؟ فقالت البنت: إذا كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، فلما أصبح عرف هذا البيت ثم دعا أولاده فقال: أريد أن أخطب لأحدكم امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر فمن أراد أن يتزوجها خطبتها له، وإن لم يخطبها أحدكم تزوجتها، فقبل بها ابنه عاصم فخطبها له، ثم تزوجها عاصم فأنجبت بنتا تزوجها عبدالعزيز بن مروان؛ فأنجبت خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله.
الاستعانة بمن يرونه أهلا للدعوة والإرشاد
وللابن والابنة حق الاستعانة بمن يرونه أهلا للدعوة والإرشاد ممن يحسن القول ويجيد فن الحوار والإقناع، هذا من أجل أن يهتدي الوالد أو الوالدة إلى الطريق القويم، فها هو ذا سعد بن أبي وقاص يطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأمه بالإسلام، وكذا فعل أبو هريرة - رضي الله عنه - لأمه -رضي الله عنها-، كما أن أبا بكر - رضي الله عنه - بعد فتح مكة يأخذ أباه إلى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -؛ ليعلن إسلامه بين يدي الرسول بعد أن دعا أبو بكر والده إلى الإسلام، وأولى الناس بالاستعانة بهم في الدعوة إلى الخير العلماء وكبار السن والشأن والسلطان فإن الإجابة لهم تكون غالبا، فعندما بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الولاة إلى الأمصار اختار الأكفاء مثل معاذ بن جبل إلى اليمن، ومصعب بن عمير إلى المدينة، وغيرهما.


الشيخ: عبدالمتعال محمد علي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-02-2023, 01:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات (4)
من أنواع بر الوالدين : استئذانهما ومشاروتهما



ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من أنواع البر بهما، واليوم نتحدث عن استئذان الوالدين ومشاورتهما في الأمور المهمة.
(11) استئذان الوالدين
إن مما يزيد في حب الوالدين لولدهما أن يستأذنهما أو أحدهما عند سفره ولو كان السفر لطاعة، وليعلم أن الاستئذان يكون للطاعة سواء كانت واجبة كالحج أو مستحبة كالعمرة تطوعًا، فإن أذنا له سافر وإن لم يأذنا له سافر إن كانت الطاعة واجبة؛ لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف» وإلا، فلا.
استئذانهما في الواجبات الكفائية
أما إذا كان الأمر مرتبطا بطاعة واجبة وجوبا كفائيا كالجهاد في حال عدم الغزو وعدم الاحتلال، وكان الجيش يكفي لحماية البلد، أو كان الأمر مما يدل الشرع على استحبابه، فعليه أن يطيع والديه، ويشير إلى ذلك الأحاديث التالية:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويَّ يبكيان؛ فقال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلا هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، «فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي، قال: أأذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: «جاء رجل إلى نبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيّ والدك؟ قال: نعم، قال ففيهما فجاهد».
صلة الرحم
وإن مما ينبغي علمه أن الابن عليه أن يحسن علاقته مع والديه ثم مع أقاربه، ويستأذنهما في أن يصل رحمه، وإن أمره أحد والديه بعدم صلة أهله وأقربائه فلا يسمع إلى قوله إلا إذا كان الذي سيزار عاصيا لله -تعالى- أو يُخشى منه الضرر له أو لوالديه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في معروف»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سره أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه فليبر والديه، وليصل رحمه».
ويدخل في هذا الباب الاستئذان منهما في صلة الرحم فأحرى بالابن أن يصل رحمه ولو أبى الوالدان أو أحدهما؛ لأن صلة الرحم واجبة أوجبها الحق -سبحانه وتعالى- وليس الوالدان، وأعظم الله العقوبة لقاطعها، قال -تعالى-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
الاستئذان في الجهاد لما يتبعه من مشاق
وإنما يكون الاستئذان منهما في الجهاد؛ لما يتبعه من مشاق وموت؛ لذا كان الاستئذان منهما، كما يكون الاستئذان في صلة الأرحام استحبابا وإلا يجوز الذهاب دون إذنهما، وكذا الخروج للتجارة والعمل؛ فقد قال بعض العلماء: أما الخروج للتجارة ونحوها فلا بأس به بغير إذنهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منعه من الجهاد إلا بإذن الوالدين؛ لما فيه من التعرض للقتل وفجيعة الأبوين به، أما التجارة والتصرفات في المباحات التي ليس فيها تعرض للقتل عادة فلا يحتاج إلى استئذانهما.
زيارة الأصحاب والجيران
كما أن للابن أن يستأذنهما في زيارة الأحباب والأصحاب والجيران وغير ذلك للعلم؛ لئلا يعتريهما قلق أو خوف عليه، وليطمئنا عليه، وإن لم يستأذنهما فلا شيء عليه، ومما ينبغي علمه أن الزيارة لهؤلاء لابد أن تكون خالصة لله -تعالى- لأجل أن ينال عليها أجراً من الله -تعالى-، ويسدد الله خطاه، ويحفظه في ذهابه وإيابه؛ فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يقول الله -تعالى-: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
ويحذر الإسلام من المقاطعة والهجر وعدم التزاور لأسباب دنيوية تافهة، مثل سماع شيء بالكذب بينه وبين أصحابه وأحبابه وأصدقائه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا».
(12) مشاورة الوالدين في الأمور المهمة
إن الشورى من مبادئ الإسلام التي دعا إليها؛ فهي سبيل إلى الرشاد، وفعل الخير، وإدراك الخطأ قبل الوقوع فيه؛ لذا حض الله رسوله عليها فقال -تعالى- {وشاورهم في الأمر} (سورة آل عمران: آية 159)، وأثنى الله -تعالى- على المؤمنين بطاعتهم لربهم ومشاورتهم فيما بينهم، مما يبرز مكانة الشورى في الإسلام، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}؛ فأحرى بالمسلم أن يشاور أخاه المسلم في الأمور المهمة والأولى بذلك هما الوالدان؛ فهم أقرب الناس للإنسان، وهما أحرص عليه، ويسعيان لجلب الخير له وصرف السوء عنه.
سبيل للفلاح والصلاح
ولا شك أن مشاورتهما سبيل للفلاح والصلاح، وحصن له من الضلال والهلاك؛ لأن والديه أكبر منه سنا، وخاضوا غمار الحياة، واستفادوا من دروسها، ومارسوا صنوف البلاء، وقاسوا آلام الحرمان والعناء، كما ذاقوا حلاوة السراء، وتدربوا على أنشطة الحياة بأنواعها المتعددة، فتميزوا بالرأي الثاقب، والعقل الراجح، والفكر المستنير الصائب؛ فالمشاورة للأبويين فيها خير عميم؛ لذلك قيل إن الوالدين أحرص الناس على ذريتهما من بنين وبنات، وهما يقدمان كل غال ونفيس من أجلهم؛ فلا يبخلون بالنصح لهم، وإذا نصحوهم أخلصوا في نصحهم، فهم أمناء في النصيحة، يقيمون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أولادهم: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
الأنبياء خير الناصحين لذرياتهم
ولقد كان الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- خير الناصحين لأقوامهم ولذرياتهم، فهذا نوح ينصح ابنه بالإيمان بالله -تعالى- وأن يركب معه السفينة لينجو مع الناجين، ولكنه رفض؛ فكان مصيره الهلاك والغرق، قال -تعالى حاكيا قول نوح لقومه ولابنه-: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} (هود: الآيات 41-43)، وهكذا يكون مصير من أبى النصيحة، ولم يعمل بقول والديه يكون مصيره الوبار والثبور.
نموذج لمن أصغى إلى نصيحة والده
وهذا نموذج لمن أصغى إلى نصيحة والده والتمس رضا الله -تعالى- ثم رضا والده فكان له الفوز والنجاة من المحن والخطوب، فهذا يوسف -عليه السلام- يصغي لرشد أبيه ويشاوره في رؤيا رآها فيفسرها له والده فينقاد لما قاله له أبوه، وسار في درب الحياة بين ضراء وسراء ثم كان آخر ما صار إليه وزيراً، قال -تعالى- {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (يوسف: 4-6)، ولقد تحقق ما فسره يعقوب لابنه يوسف في شأن رؤياه، كما منَّ الله -تعالى- على يوسف -عليه السلام- بالنبوة والوزارة، وأتم الله عليه النعمة كآبائه؛ لأن يوسف صدق أباه فيما حكاه له، وكان له من الطائعين، ومن ثم فاز فوزاً عظيماً.
وفي سلفنا الصالح نماذج مشرفة في مشاورة الأبناء لآبائهم، فهذا عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - يعرض على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أمر قتله فيقول لها: يا أماه أخشى أن يمثلوا بي بعد قتلي، فقالت له: إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها، فانقاد لنصيحتها وقاتل حتى نال شرف الشهادة».
طاعة الوالدين بعد المشورة
ومما يجدر علمه أن طاعة الوالدين بعد المشورة لهما مقيدة بأن تكون الشورى في أمر لا يخالف الشرع، فإن كان الأمر والنصيحة وما أشار به الوالدان أو أحدهما أمراً يتنافى مع الحق والعدل وأحكام الدين فلا طاعة لهما، مثل أن ينصح أحد الوالدين ولده بطلاق زوجته ظلماً أو عدم صلة رحمه أو شرب الخمر، أو تنصح أم ابنتها بنزع الحجاب وغير ذلك.
قال سندي: سأل رجل أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي، قال: لا تطلقها، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر..»، وقال الشيخ تقي الدين - يعني ابن تيمية - فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها. انتهى.
الحذر من الاستبداد بالرأي
وليحذر الأبناء والبنات من الاستبداد بالرأي فإن أكثر ما يجني على الإنسان رأيه وتعصبه لفكره، هذا وقد من الله -تعالى- عليه بوالديه وبأقاربه الكبار في السن ذوي الخبرة فليتسعن بهم، وليشاورهم، وليتأس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم الذي حرص على المشورة لأصحابه رجلا كان أو امرأة، ممتثلا أمر الله -تعالى- له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران: 159).

الشيخ: عبدالمتعال محمد علي



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-02-2023, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات
(5) حق الوالدين بعد موتهما



ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- هم الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من أنواع البر بهما، واليوم نتحدث عن حق الوالدين بعد موتهما.
أوصى الإسلام بالإحسان إلى الوالدين والأقارب، قال -تعالى- {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} (سورة النساء: آية 36)، وهذا الإحسان للآباء والأمهات يكون في حياتهم وبعد مماتهم، أما في حياتهم فيكون بالتزاور والإنفاق عليهم وتقديم العون لهم وغير ذلك من أنواع البر والإحسان بهم، أما بعد موتهم فإن البر بهم له أنواع عدة من أهمها ما يلي:
أولاً: قضاء دين الوالدين بعد موتهما
1- قضاء دينهما سواء كان حقا لله -تعالى- نحو زكاة أو نذر أم حقا للناس فيقضى أولاً حق الناس، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أخاك محبوس بديْنه؛ فاذهب فاقض عنه؛ فذهبت فقضيت عنه ثم جئت قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتها امرأة وليس لها بينة، قال- صلى الله عليه وسلم -: «أعطها فإنها محقة، وفي رواية صادقة».
2- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»، وإن لم يوجد من يسده عن الميت من أقاربه أو غيرهم فيقضى دينه من مال الدولة، وإنما قدم دين العباد؛ لأن العبد كثيراً ما يتمسك بحقه، أما الرب -تبارك وتعالى- فمنه يكون العفو والغفران، ثم يقضى دين الله سواء كان ماليا أم تعبديا مفروضا كان أم نذراً واجباً في طاعة، لما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال - صلى الله عليه وسلم - اقضه عنها»، وقيل أيضا يقدم حق الله -تعالى- على حق العبد ومن ذلك:
أولاً: المفروضات
1- الصوم، سواء كان نذراً أم واجبا ًكصوم رمضان والكفارات ولم يقضها المتوفى مع وجود فسحة من الوقت حتى مات، يقضيه عنه وليه أو أحد أقاربه؛ لما روى عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أمي ماتت وعليها صيام شهر فأقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى».
2- الزكاة، سواء كانت زكاة مال أم فطر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - «اقضوا الله؛ فالله أحق بالقضاء» وهذا شامل لكل ما هو في الذمة، سواء كان ماليا أم بدنيا، والعبادة المالية يجوز فيها الإنابة فيؤديها آخر، والحي عن الميت، ويصل ثوابها إليه ويسقط عنه إثمها.
3- الحج، سواء كانت حجة الفريضة أم حجة منذورة، بشرط أن يكون النائب عن الميت حج عن نفسه أولاً؛ فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقالت: أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها، أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله؛ فإن الله أحق بالقضاء».
4- أما الصلاة، فالمشهور عند الفقهاء أن الحي لا يصلي عن الميت الفرائض، ولا يصل ثوابها إلى الميت.
ثانياً: القربات
وهي الأعمال المستحبة التي ليست مفروضة على الحي ولا على الميت، نحو الصدقة والدعاء وغيرهما، والمشهور عند العلماء أن ثوابها يصل إلى الميت، ومن أهم هذه الأعمال:
1- الصدقة
ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلا أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: إن أمي افتلت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ «قال: نعم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم»، ولا سيما إذا كان من أقاربه أو من ذريته نحو ابنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأن ولده من كسبه «.
2- الدعاء والاستغفار من الحي
وذلك سواء أكان الداعي قريباً أم غير قريب، قال -تعالى- {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الحشر: آية 10، ويقول -تعالى- على لسان إبراهيم -عليه السلام-: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: آية 41، ويقول على لسان نوح -عليه السلام-: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} نوح: آية 28.
كما علمنا الله -تبارك وتعالى في كتابه الكريم- الدعاء للوالدين بعد موتهما؛ فقال -تعالى- {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الإسراء: آية 24؛ ذلك أن الدعاء للوالدين بعد وفاتهما نافع لهما، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- ليرفع درجة العبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب أنيّ لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك».


الشيخ: عبدالمتعال محمد علي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-02-2023, 09:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الآباء والأمهات

حقوق الآباء والأمهات (الحلقة الأخيرة) من صور بر الوالدين بعد موتهما


ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- هم الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من أنواع البر بهما، واليوم نتحدث عن حق الوالدين بعد موتهما، وذكرنا في الحلقة الماضية أنواعا من بر الوالدين بعد موتهما ومنها قضاء دين الوالدين بعد موتهما، والدعاء والاستغفار من الحي، واليوم نتكلم عن تنفيذ وصيتهما، وصلة أصدقائهما.
تنفيذ ما أوصى به الوالدين
على الحي أن ينفذ وصية المتوفى ولا سيما الوالدين إذا أوصيا بطاعة الله -سبحانه وتعالى- وعبادته، كنحو بناء مسجد أو ذبح أضحية أو أوقف أرضا للفقراء أو لطلبة العلم؛ لقوله -تعالى-: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}، سورة النساء: آية 11، فإن أولى الناس بتنفيذ وصية المتوفى أولاده ثم أقرباؤه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لو جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا»، فلم يجئ مال البحرين حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء مال البحرين أتوا أبا بكر، فنادى: من كان له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد أو دين فليأتنا، فأتيته، فقلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لي: كذا وكذا، فحثى لي حثية، فعددتها فإذا هي خمسمائة، وقال: خذ مثليها».
وفي هذا الحديث دليل على إنفاذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ووعده، وأوجب في حق الولد نحو أبيه أو أمه المتوفى، وأحرى بتنفيذ وصيتهما بعد وفاتهما حتى يكون من البارين بوالديهم، وأحرى بالمسلم أن تكون عنده وصيته مكتوبة أو شفوية تنفذ بعد موته، فقد حث عليها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: «أوصي بمالي كله ؟ قال: لا، قلت: فالنصف ؟ قال: لا، فقلت: أبالثلث ؟ فقال: والثلث كثير».
صلة أصدقائهما
إن من كمال البر بالوالدين بعد موتهما إكرام من كان صديقا لهما، وود من كانا يقومان بوده، ورعاية من يرعيانه، وصلة قرابتهما، وإن البر يكون على الولد ذكرا كان أم أنثى لأحباء أبيه وحبيبات أمه، وأهلهما وأقاربهما وأصحابهما، ويكون بالتزاور لهم، والعطف عليهم، ومعاملتهم معاملة حسنة، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على حسن صلة أقارب الوالدين وأصدقائهما نذكر منها ما يلي:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قدمت المدينة فأتاني عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: «أتدري لم أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده، وإن كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود فأحببت أن أصل ذلك».
وعن ابن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي «يعني يولي الأب».
وعن عبد الله بن دينار عن عبدالله بن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه، فبينا هو يوما على ذلك الحمار إذ مر أعرابي، فقال: ألست ابن فلان ؟ قال: بلى، فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة قال: اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي «وإن أباه كان صديقا لعمر».
وروى مسلم أيضا عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبدالله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله فإنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وداًّ أي صديقاً لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن ابر البر صلة الولد أهل ود أبيه».
ومن البر بالصديق إكرامه كما يُكرم ذو الرحم، فقد قرن الله في كتابه بين بيوت الأصدقاء والأقارب مما يبرز مكانة الصداقة حتى تلحق بصلة القرابة في العطاء وصرف الإيذاء، ومعلوم أن صلة القرابة واجبة ومن ثم بر أصدقاء الوالدين واجب.
قال -تعالى-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} سورة النور: آية 61.، وقد بلغ من درجة الصديق أن بعض السلف جعله كالأخ، سئل بعض الحكماء أي الرجلين أحب إليك أخوك أم صديقك ؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي.
تكريم أصدقاء الوالدين وأثر ذلك
إن صلة أصدقاء الوالدين يضفي على الواصل محبة من الله -تعالى-، وثوابا جزيلاً، وقبولاً لعمله الصالح، فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه -أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «احفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك».
كما أن الابن البار لوالديه في حياتهما يبرهما بعد موتهما بالإحسان لأصدقاء أبيه وأمه وزيارتهما فذاك من البر بهما، وإن كان الابن مقصراً في حق والده فعليه أن يصل والده بعد موته ببره بأصدقائه بعد موته، فعن ثابت قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «من أراد أن يصل أباه بعد موته فليصل إخوانه»
حسن الاستقبال وبشاشه الوجه
تكون صلة الأصدقاء بحسن الاستقبال وبشاشه الوجه، روى الحسن المروزي في كتاب البر والصلة بسنده أن عبدالله بن طاووس قال لأبيه وهو بالموت: ما توصيني؟ قال: ما كنت تهديني به، فانظر فلانا، قال الرجل: فبينما عبد الله وأنا معه إذ رأى الرجل فنزل عبدالله عن فرسه فمشى إليه حتى احتضنه».
تقديم العون والعطاء
من أنواع البر بالأصدقاء تقديم العون والعطاء وصنائع المعروف لهم، وكان النموذج الحي لذلك ما فعله ابن عمر -رضي الله عنهما- مع صديق أبيه من منحه الحمار والعمامة، وبهذا العمل يستمر الود في الأولاد ويتوارث، وتستمر المودة والمحبة وهذا ما يقصده الإسلام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الود يتوارث».
لا ينحصر الود في الكرم والعطاء بل يكون بحسن المعاملة، وكرم الأخلاق ولين الطبع، والرفق والرحمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
من خصال المؤمن الوفاء بالعهد
من خصال المؤمن الوفاء بالعهد، وعدم خلف الوعد متمثلاً قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} سورة المائدة: آية 1، وقال -تعالى- {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} سورة المائدة: آية 1.
على الابن البار أن يؤازر أصدقاء أبيه، وأن يقف معهم في الملمات والمصائب، ويفك كربهم، وينصرهم إن كانوا مظلومين، ويحجزهم عن الظلم ويمنعهم منه إذا ظلموا غيرهم،،فتلك خصال المسلم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت - أي أخبرني - إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - تحجزه وتمنعه من الظلم فإن ذلك نصره».
الدعاء بظهر الغيب
من أنواع البر بصاحب الأب، وصاحبة الأم الدعاء له بظهر الغيب، فإن من دعا لأخيه المسلم في غيبته قال له الملك ولك بمثل، ونال الداعي ثواب الدعاء كما ظفر بالإجابة له ولصديقه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب «رواه أبو داود.
تنبيه مهم
مما ينبغي علمه أن إكرام صديق الوالد وبره ومحبته يجب أن تكون خالصة لله -تعالى- لا يشوبها غرض من أغراض الدنيا حتى ينال عليها ثواباً من الله -جل وعلا- قال -سبحانه-: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} سورة البينة: آية 5، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان».



الشيخ: عبدالمتعال محمد علي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 133.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 129.69 كيلو بايت... تم توفير 4.20 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]